بهجه الفقیه

اشارة

سرشناسه : بهجت، محمدتقی، - 1294

عنوان و نام پديدآور : بهجه الفقیه/ محمدتقی البهجه

مشخصات نشر : قم: شفق، 1382.

شابک : 964-90359-5-811000ریال:(ج.1)

مندرجات : ج. 1. کتاب الصلاه.-

موضوع : فقه جعفری -- قرن 14

موضوع : فتواهای شیعه -- قرن 14

رده بندی کنگره : BP183/5 /ب83ب9 1382

رده بندی دیویی : 297/342

شماره کتابشناسی ملی : م 83-15217

المقدمه

بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ

بهجة الفقيه

شيخ الفقهاء و المجتهدين آية اللّٰه العظمى محمد تقى البهجة (دامت بركاته)

المقدّمة الاولى في أعداد الصلوات

اشارة

رب وفّق و سهّل

بهجة الفقيه، ص: 7

بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ

الحمد للّٰه ربّ العالمين و الصلاة علىٰ سيّد أنبيائه محمد و آله الطاهرين و اللعن علىٰ أعدائهم أجمعين.

أعداد الصلوات

و من المفروضة، صلاة اليوم و الليلة؛ و منها: الجمعة الواجبة، و صلاة العيدين، و الآيات، و الطواف الواجب، و صلاة الأموات، و الواجبة بنذر أو عهد أو يمين، و الإجارة من الوصي أو الولي، أو المتبرّع بالاستيجار للقضاء، و من العاجز لصلاة الطواف عنه، و ممّن يستأجر غيره لصلاة ليلة الدفن، و الجامع للنذر و ما بعده ما كان بحدوث سبب لوجوب غير الواجب لولا حدوثه، لعدم كونه واجباً أصليّاً.

و المسنون ما عداها، و المفروض في اليوم و الليلة خمس صلوات، و هي سبعة عشرة ركعة في الحضر، و يسقط من كل رباعيّة ركعتان في السفر.

و الظهر هي الوسطى التي هي أفضل و الظاهر تعدّد جهات وسطيّتها.

النوافل و ما يسقط منها في السفر

و النوافل في الحضر في العدد، ضِعف الفريضة؛ فالمجموع إحدىٰ و خمسون ركعة.

و تسقط في السفر نوافل الظهرين.

و في سقوط الوتيرة تأمّل؛ و استحباب فعلها برجاء

بهجة الفقيه، ص: 8

المطلوبيّة موافق للاحتياط لولا ثبوت الاستحباب من روايات لا تخلو إحداها من اعتبار، أعني رواية «الفضل» «1»، و خبر «العيون» «2»، و «الرضوي» «3»، و قد عمل بها «الشيخ» في «النهاية» و بعض من تأخّر. و ما دلّ علىٰ سقوط نافلة المقصورة منصرف عنها للمخالفة في الكمّ و الكيف، و بالإضافة إلىٰ الليل، و إلى غير الرواتب و أنّها لتكميل العدد. و ما دلّ علىٰ أنّ ما لا تتمّ فيه الفريضة لا تصلح فيها النافلة، إنّما يدلّ على السقوط في نقصان القصر عن النافلة دون العكس؛ فالعمومات قابلة

للتخصيص، و الشهرة لا تفيد في ما بأيدينا مداركها لولا انصراف كلماتهم عنها.

مع أنّه نسب التردّد إلىٰ جماعة نسبوا السقوط إلىٰ الأصحاب؛ و صرّح «الشيخ» و بعض من تأخّر بعدم السقوط؛ و عن «الأمالي» أنّه لا يسقط من نوافل اللّيل شي ء، و نسبه إلىٰ دين الإماميّة؛ فإنّه يشمل الوتيرة و نافلة المغرب و غيرهما.

و بالجملة فدعوى انصراف العمومات في النصوص و الفتاوىٰ إلىٰ ما يخالف نوافل النهار في العدد، و في الكيفيّة من التقدّم على الفريضة، و في احتمال عدم كونها من الرواتب و إنّما هي تكميل لعدد النوافل، و في الأقليّة من عدد المحذوف في الفريضة المقصورة، و من البدليّة عن وتر الليل لمن فاته صلاة الليل و إلى خصوص الرواتب النهاريّة، كما وقع التصريح به في بعض الأخبار «4» غير بعيدة؛ كما أنّه علىٰ تقدير العموم، فارتكاب التخصيص بسبب روايات المقام «5» متّجهة، و إن كان الخروج عن الشبهة بالإتيان بها برجاء المطلوبيّة، أولىٰ و أحوط.

ثمّ أنه يرتبط سقوط النوافل بسقوط أخيرتي الفرائض، و ثبوتها بثبوتها، فهل المرتبط به شرعيّة السقوط و التماميّة، أو التقصير خارجاً و الإتمام خارجاً؟ و علىٰ

______________________________

(1) الوسائل 3، أبواب أعداد الفرائض، الباب 29، ح 3.

(2) الوسائل 3، أبواب أعداد الفرائض، الباب 21، ح 8.

(3) فقه الرضا عليه السلام، ص 100.

(4) الوسائل 3، أبواب أعداد الفرائض، الباب 21، ح 5.

(5) الوسائل 3، أبواب أعداد الفرائض، الباب 29.

بهجة الفقيه، ص: 9

الأوّل فهل هو التحتّم للسقوط، أو الثبوت؛ أو جواز الإسقاط فيسقط النافلة لجواز التقصير؛ أو الإثبات فيثبت النافلة لجواز الإتمام؛ أو يجوزان معاً لجواز الوجهين من التقصير و الإتمام في الأصل، و لازمه الرجحان الغير المتأكّد؟

و قد نسب

في «المفتاح» إلىٰ «الذكرى»، و «مجمع البرهان»، و «المدارك» عدم السقوط في الأماكن الأربعة.

و عن «ابن نما» عن «ابن إدريس» عدم الفرق بين أن يتمّ الفريضة أوْ لٰا، و لا بين أن يصلّي الفريضة خارجاً عنها و النافلة فيها، أو يصلّيهما معاً فيها.

و يمكن أن يقال: إنّ مقتضىٰ الاعتبار، تبعيّة السقوط للسقوط في كيفيّة السقوط، و تبعيّة الثبوت للثبوت في كيفيّته؛ فإن كان سقوط أخيرتي الفريضة أو ثبوتهما على الحتم، فالسقوط و الثبوت في النافلة كذلك؛ و إن كان على التخيير فكذلك النافلة؛ لكن التخيير في الفريضة بين القصر و الإتمام، يعني وظيفتي التاعب و المستريح و في النافلة بين وظيفتهما، و لازمه الفرق بين وظيفتهما، كأنّه يخيّر بين عمل التاعب بالترك و المستريح بالفعل؛ و نتيجته عدم تأكّد استحباب النافلة في حقه كتأكّد المستريح، و عدم سقوطها عنه كالسقوط عن التاعب بسفره، و لم ينقل الاستثناء للسقوط عمّن تقدّم حتى من يقول بالتخيير في الأماكن الأربعة.

و من لوازم الارتباط المذكور، عدم سقوط النوافل عمّن هو بحكم الحاضر، ككثير السفر و المقيم عشراً، كما حكىٰ عن «الغنية» الإجماع عليه في الأوّل، و سقوطها عن المقصّر و لو كان غير مسافر، كما في صلاة الخوف، و عن «الدروس» التصريح به.

و من لوازم الارتباط بالحكم لا بالفعل، عدم السقوط عمّن دخل وقت الفريضة عليه و هو حاضر، و إن نوى القصر حين الخروج و عمل عليه، و يمكن استظهار ذلك من الموثّق عن الإمام الصادق عليه السلام

سُئلَ عن الرجل إذا زالت الشمس و هو في منزله

ثم يخرج في السفر، فقال: يبدأ بالزّوال فيصلّيها، ثم يصلّي الاولىٰ بتقصير ركعتين «1».

______________________________

(1) الوسائل 3، أبواب أعداد الفرائض، الباب 23،

ح 1.

بهجة الفقيه، ص: 10

[مسألة] النوافل ركعتان إلّا ما يستثني

اشارة

مسألة: النوافل كلّها ركعتان بتشهّد و تسليم إلّا ما يذكر استثناؤه، أعني «الوتر» و «صلاة الأعرابي» و «صلاة الاحتياط»؛ و عن «إرشاد الجعفريّة» الإجماع عليه؛ و في رواية أبي بصير عن الإمام الباقر عليه السلام

و افصل بين كلّ ركعتين من نوافلك بالتسليم «1»

، و في رواية «علي بن جعفر» المرويّة عن «قرب الإسناد»،

سأل أخاه عليه السلام عن الرجل يصلّي النافلة، أ يصلح له أن يصلّي أربع ركعات لا يسلّم بينهن؟ قال: لا إلّا أن يسلّم بين كل ركعتين «2»

، دلالة علىٰ ذلك، أي علىٰ عموم الحكم.

و يدلّ عليه ارتكاز ذلك في أذهان المتشرعة، بحيث إنّ المحتاج إلى البيان، خلاف ذلك؛ و لذا لم يذكر ذلك أعني الفصل بين النوافل بالتسليم بعد الركعتين في كثير من النوافل المذكورة في الأخبار؛ و هذا الارتكاز يكفي في تنزيل الإطلاقات علىٰ ما يوافقه، بعد فهم أنّه ليس بمحدث بعد زمان صدور الإطلاقات؛ و علىٰ تقدير عدمه، فمقتضىٰ الإطلاقات هو عدم اعتبار تعدّد الركعة، فضلًا عن أزيد من التسليمة الواحدة في مثل ثمان ركعات.

و الفرق بينهما بعدم إحراز الصلاتيّة في ركعة واحدة غير فارق، لعدم الطريق إلىٰ الإحراز إلّا ثبوت النظير؛ و إلّا فكيف تحرز صلاتيّة الثمان؟ مع أنّها مبنيّة في الروايات بما ليس فيه تعدّد الركعة؛ و في ما يحتمل اعتباره في جميع الصلوات، كيف تحرز صلاتيّة الفاقد على القول بالصحيح؟ بل معنى الصلاة عند المتشرعة غير مختفية، فغيرها مبتدعة عندهم بحسب ارتكازاتهم. و دعوىٰ عدم إحراز البيان في المطلقات، مدفوعة بالمنع من عدم البيان الأعمّ ممّا في مجلس واحد جامع بين المطلق و القيود؛ و كفاية عدم الأعمّ في التمسّك بالإطلاق،

مع

______________________________

(1) الوسائل 3، أبواب أعداد الفرائض، الباب 15، ح 3.

(2) الوسائل 3، أبواب أعداد الفرائض، الباب 15، ح 2.

بهجة الفقيه، ص: 11

كفاية الأصل لنفي اعتبار الشرطيّة، لولا الإطلاق في الموردين المذكورين بلا فرق فيهما؛ فما أفاده في «المصباح»، قابل للمناقشة بما مرّ؛ و قد بيّنّا اتجاه التمسّك بالإطلاق المقامي على القول بالصحيح، إن رجع فيه الشك في الاشتراط إلى الشكّ في تحقّق الصلاة بدون المشكوك شرطيّته.

و نذر «الوتر» و «صلاة الأعرابي»، لا إشكال في صحّته؛ و النذر المطلق لا إشكال في انطباقه علىٰ كلّ منهما؛ و نذر الوتر في غير الصلاتين لا يصحّ إلّا علىٰ كفاية الرجحان الآتي من قبل النذر، كما التزموا به في نذر الإحرام قبل الميقات، و فيه تأمّل.

و عبارة المجمع لا تخلو عن إبهام مع الإشكال، و ذكر «السيّد» في حاشية «المفتاح» بعد نقلها: «كذا وجدناها».

لزوم التسليم بين الشفع و الوتر

ثمّ إنّ مقتضىٰ الإجماعات المنقولة في عدّة كتب، أنّ الشفع مفصولة عن الوتر بالتسليم؛ فالركعتان شفع، و الواحدة وتر، لا أنّ الوتر ثلاث بتسليمةٍ واحدة؛ بل لو حملتا على الركعات المعهودة، لم يكن للجمع بين العبارتين أثر ظاهر، و هو الذي يستفاد من أكثر الروايات الكثيرة الموردة في «الجواهر» «1»، و جلُّها من غير الكتب الأربعة؛ و هي بعد استفاضتها، بل انجبارها بالفتاوىٰ أيضاً لولا الاستفاضة كافية في الدلالة علىٰ ما مرّ، و إن كان بعض ما أورده في «الجواهر» «2» قابلًا للمناقشة في الاستدلال به، كقوله صلى الله عليه و آله و سلم

صلاة الليل مثنى مثنى، و إذا خفت الصبح، فأوتر بواحدة «3»

، لاحتمال الوتر بجعل آخر المثاني ثلاثاً توتر بسبب ضمّ الركعة الواحدة، مع أنّ الشفع خصوص آخر الصلوات قبل

الوتر، لا كلّ شفع من صلاة الليل؛ فلعلّه يريد عدم تأخير الوتر عن الليل

______________________________

(1) جواهر الكلام 7، ص 56 58.

(2) الجواهر 7، ص 58.

(3) الوسائل 3، أبواب المواقيت، الباب 46، ح 11.

بهجة الفقيه، ص: 12

بالإتيان به قبل الصبح؛ أمّا أنّه بالوصل أو بالفصل، فلا يفهم من هذه الرواية وحدها.

و كذا ما في الأُخرىٰ من قوله عليه السلام

يسلّم بين كل ركعتين و يوتر بواحدة «1»

؛ فإنّه مغاير لأن يقال: يسلّم بعد كل ركعتين؛ فليس الوتر مجموع الثلاث التي ليس فيها بحيث يكون قبل الواحدة ممّا يسلّم فيه بين كل ركعتين.

تعيين المعنى الشرعي للوتر

ثمّ إنّ الظاهر نقل الوتر في عرف الشارع المكشوف بعرف المتشرّعة عن المعنى المعهود اللغوي الغير المختصّ بالصلاة؛ كما أنّ الظاهر وقوع الاستعمالات الكثيرة للوتر في الروايات من كلّ من الركعة الواحدة» «2» و الثلاث المفصولة بالتسليم «3». و الاستعمال في المعنيين [في] جُلّ الموارد لولا كلّها، مع القرينة، إلّا أنّ التحديد للوتر بالركعة أو بالثلاث، زيادة علىٰ الاستعمال؛ بل يمكن استظهار الحقيقة الشرعيّة من كل من التحديدين، و أنّ الوضع، لكل منهما في عرف الشارع و لو كان بحسب كثرة الاستعمال البالغة حدّ الاستغناء عن القرينة.

و في هذا المقام فالأظهر أنّ الوضع و لو كان تخصّصاً للركعة بشرط لا عن الانضمام إلى الغير و لو مع الفصل بالتسليم، لا يحتاج إلىٰ غاية، لأنّه الكامل في الفرديّة؛ و غيره إنّما يكون وتراً بسبب الاشتمال علىٰ هذه الركعة المنفردة؛ فأصل وتريّة الغير تجوّز، و الوضع التخصّصي له بسبب كثرة الاستعمال إلىٰ حدّ الاستغناء عن القرينة.

و عليه فالوضع للواحدة متيقّن؛ و للأزيد المشتمل عليها، مشكوك، و استكشافه بالروايات المحدّدة «4» موافقة لظهورها؛ و عليه فالوضع

للبشرط شي ء و للبشرط لا،

______________________________

(1) سنن البيهقيّ، 2، ص 486.

(2) تفسير علي بن إبراهيم، و تفسير الصافي، الفجر، 2.

(3) الوسائل 3، أبواب أعداد الفرائض، الباب 14، ح 2 و 15، ح 9.

(4) تفسير علي بن إبراهيم، و تفسير الصافي، الفجر، 2.

بهجة الفقيه، ص: 13

يكون ثانياً، و لازمه احتياج كلا المعنيين إلىٰ قرينة التعيين.

و يمكن في هذا المقام أن يقال: لا منافاة بين الاشتراك اللفظي، و بين عدم تساوي المعنيين، بحيث يحتاج إرادة غير الباكية من العين إلىٰ قرينة التعيين دون الباكية، بل الأمر هنا آكد، للأصالة المتقدّمة و السببيّة السابقة.

لكنه يندفع بأنّ الاحتياج إلى القرينة علامة التجوّز، إذ يمنع كونها قرينة التعيين إلّا بعد إحراز الاشتراك اللفظي الذي لا دليل عليها إلّا اشتراك المعنيين بحسب كثرة الاستعمال و بحسب وقوع التحديد؛ لكن التبادر عند المتشرّعة و هو علامة خاصّة للحقيقة الخاصّة، أعني الركعة الواحدة زائدة علىٰ ذلك؛ فلا يخلو ترجيح الحقيقة فيها علىٰ الاشتراك اللفظي من قرب، فعند الإطلاق يحمل علىٰ ذلك.

و أمّا احتمال الاشتراك المعنوي بأن يكون الموضوع له الجامع بين الفردين، أعني اللّابدية بشرط من الضميمة و عدمها، المعتبر وجودها في فرد و عدمها في الآخر فلا يناسب التحديد المستظهر من الروايات في كلّ منهما؛ كما أنّ عرف المتشرّعة أحد الطرق إلى كشف عرف الشارع في الوضع للركعة الواحدة بشرط لا عن الضميمة، يعني في الوتريّة.

و إنّما نحتاج في الوضع للمشتمل عليها، إلى الروايات المحدّدة للوتر بالثلاث «1» في قبال المحدّدة له بالواحدة «2»، و طريق الجمع بينهما الوضع لخصوص كلّ منهما، لو لا إمكان الجمع بالحمل علىٰ الاشتراك المعنوي؛ فإنّه لا يخلو عن مخالفة للظهور في الطائفتين.

ثم إنّه مع الشكّ في

مطلوبيّة كلّ من الشفع و الوتر بنفسه بلا دخالة الانضمام، فيمكن التمسّك بالإطلاق، لولا دعوى الانصراف إلىٰ صورة الانضمام.

و أمّا ما دلّ علىٰ مطلوبيّة الوتر بلا قرينة، فقد مرّ وجه الحمل على الركعة الواحدة من

______________________________

(1) تقدّم آنفاً.

(2) تفسير علي بن إبراهيم و تفسير الصافي، الفجر، 2.

بهجة الفقيه، ص: 14

دون مداخلة للضميمة في صدق الوتر، إلّا أنّه لا ينافي دعوى انصراف ما دلّ على المطلوبيّة إلىٰ صورة وجود الضميمة، كانصراف دليل مطلوبيّة الشفع إلىٰ ما كان معه وتر. و لعلّه يوجد في بعض الروايات «1» ما دلّ علىٰ مطلوبيّة جعل بعض صلاة الليل وتراً بهذا الانضمام، إذا خشي الصبح، كما روي عنه صلى الله عليه و آله و سلم أنّه قال

صلاة الليل مثنى مثنى، و إذا خفت الصبح فأوتر بواحدة «2»

؛ لكنّ الانصراف المذكور يمنع عن الإطلاق لو تمّ، لا أنّه يمنع عن التمسّك بالأصل لنفي شرطيّة الضميمة في صحّة الوتر.

و أمّا احتمال كون الثلاث موصولة و لو علىٰ سبيل التخيير بين الفصل بالتسليم و عدمه فيدفعه جميع ما دلّ علىٰ أنّ الوتر واحد، و ما دلّ علىٰ أنّه الثلاث مع الفصل.

و أمّا ما دلّ علىٰ أنّه الثلاث بلا فرض للفصل، فيقيّد، أو يشرح بما دلّ على الفصل بالتسليم.

و ما دلّ علىٰ الأمر بالوصل، لا يتعيّن حمله علىٰ ترك التسليم، بل يحمل بشارحيّة غيره، على الوصل الزماني بلا فاصل من زمان معتدّ به أو زمانيّ، و كذا ما دلّ علىٰ جواز التكلّم و عدمه بين الركعتين و الثالثة؛ كما أنّ ما دلّ على التخيير بين التسليم و تركه، يحمل على المتبادر من التسليم، و هو قولُ «السلام عليكم»، لا مطلق التسليم، حتى ما

لعلّه يختصّ هنا من الخروج بقول: «السلام علينا و علىٰ عباد اللّٰه الصالحين»؛ و ذلك بعد شارحيّة الروايات الأُخَر «3» الموافقة للمذهب، متعيّن. و لا يتعيّن الحمل على التقيّة، حتّى يقال بعدم انحصارها في وجود القائل بالتخيير عندهم، إلّا أن يجعل هذا أيضاً نوعاً من التقيّة، بلا إناطة بوجود القائل بالتخيير فيهم.

و ممّا قدّمناه في وجه الحقيقة في خصوص الركعة الواحدة الغير الجاري في الاشتراك اللفظي بين الكلّ و الجزء يظهر وجه الفصل بالتسليم، إذ لا معنى للتبادر

______________________________

(1) الوسائل 3، أبواب المواقيت، الباب 46، ح 2.

(2) الوسائل 3، أبواب المواقيت، الباب 46، ح 11.

(3) تقدّم في ص 8، الهامش 2.

بهجة الفقيه، ص: 15

بدون ذلك؛ مع أنّ مقابلة الوتر بالشفع كالنص في وحدة ركعة الوتر، لا الوتر المشتمل في خصوص رواية المقابلة «1».

استحباب القنوت في الشفع

و كذا استحباب القنوت في الثانية لا يحتاج إلى البيان بأزيد من الفصل بالتسليم، مضافاً إلىٰ ثبوت القنوت في الثالثة؛ فإنّ القنوت في الركعتين الموصولتين غير معهود، حيث يحتاج إلى البيان؛ كما أنّ فقدان الثانية في صورة الفصل للقنوت غير معهود، و يحتاج إلى البيان المفقود.

و ما دلّ من الصحيح «2» لو سلّم صحّته علىٰ ما هو ظاهر في عدمه في ثانية الثلاثة، محمول بقرينة ما مرّ على الموافقة للقائل منهم بالوصل مع ثبوت القنوت في الثالثة، فلا محلّ له في الثانية؛ و لعلّه مراد «البهائي قدس سره» المستند إلى الصحيح المذكور، المحجوج بما نقل عن الإمام الرضا عليه السلام «3» من القنوت في الركعتين، إلّا أن يحمل علىٰ نفي التأكّد الثابت في الركعة الأخيرة. و بالجملة، جميع ما مرّ من الفصل بالتسليم، و القنوت في الثانية و الثالثة، متّحد ثبوتاً

و إثباتاً، مشترك في الدليل و المدلول.

استثناء صلاة الأعرابي

فأمّا «صلاة الأعرابي» فهي مرسلة «الشيخ» في «المصباح» «4» عن «زيد بن ثابت» و فيها توصيفها بمثل صلاة الصبح بعدها الظهران. و في آخر الرواية ما يشهد بمطلوبيّتها

______________________________

(1) انظر الوسائل 4، أبواب المواقيت، الباب 44.

(2) الوسائل 4، أبواب القنوت، الباب 3، ح 2.

(3) الوسائل 3، أبواب أعداد الفرائض، الباب 13، ح 24.

(4) الوسائل 3، أبواب أعداد الفرائض، الباب 46، ح 2، و الباب 15، ح 9 و 10، و أبواب المواقيت الباب 44، ح 1 و 4 و 6 و 8 و 10، و مصباح المتهجّد، ص 222.

بهجة الفقيه، ص: 16

في كلّ جمعة، و لو لم تقع بدلًا عن صلاة الجمعة، و إن كان موردها صورة عدم القدرة علىٰ إتيان الجمعة.

و يكفي في استحبابها ثبوت الرواية المعمول بها علىٰ ما فيها من الخصوصيّات، لنسبتها إلى الشهرة، و عن «المفتاح» إلىٰ استثناء جمهور الأصحاب «1»، فيكفي نقل مثله الخبر بذلك في الخبر المذكور، فتكون الرواية كالصحيحة؛ مع أنّه لو فرض عدم الحجيّة، كان عموم «من بلغ» كافياً في استحباب الإتيان برجاء المطلوبيّة، كما قدّمناه في محلّه.

فالأظهر عدم استقامة جعل الاحتياط في الترك. و المناقشات في المسلكين، يتّضح بالتأمّل، اندفاعها. و الظاهر عدم الحاجة في بيان صلاة مستحبّة إلىٰ بيان أزيد من الجهات المختصّة بها؛ فالتشهّد بعد الاثنين كعدم قراءة السورة في الأخيرتين ممّا لا يحتاج إلى البيان إلّا عدم ثبوتها، لا أنّ ثبوتهما فيها محتاج إلى البيان حتى يتمسّك بالإطلاق في عدمهما.

______________________________

(1) مفتاح الكرامة، 2، ص 12 ط: مؤسسة آل البيت، و جواهر الكلام 7، ص 69.

بهجة الفقيه، ص: 17

المقدّمة الثانية في المواقيت

اشارة

بهجة الفقيه، ص: 19

الفصل الأوّل أوقات الفرائض

[مسألة] وقت صلاة الظهرين

مسألة: ما بين زوال الشمس إلىٰ غروبها، وقت للظهرين، و يختص الظهر من أوّله بقدر أدائها؛ و العصر، من آخره بقدر أدائها؛ و ما بينهما مشترك بينهما على المشهور، كما ستعرفه.

روايات الباب و الجمع بينها و أمّا ما دلّ علىٰ أنّ

وقت الظهر ذراع، و وقت العصر ذراعان

، أو

قدمان و أربعة

، أو

المثل و المثلين

، أو

في الظهر إلى الثلثين

، أو

في الظهر قدمان، و في العصر الشطر

، أو

القدم و القدمين «1»

، فلا بدّ بملاحظة العرض على عمل المسلمين من المبادرة إلى الظهر بعد التنفّل بعد الزوال؛ و أنّه لا يمكن أن يكون مرجوحاً غير واضح مرجوحيّته و بما في نفس هذه الروايات من الشهادة علىٰ أنّ هذه التحديدات للجمع بين فضيلتي النفل و الفرض؛ فمن لا أمر له بالنفل كما في الجمعة أو السفر لا تحديد في حقّه؛ و أنّ الانتظار إلى الحدّ ليس إلّا للانتظار للنشاط في التنفّل؛ فتكون

______________________________

(1) الوسائل 3، أبواب المواقيت، الباب 8.

بهجة الفقيه، ص: 20

فضيلة الجمع بين النافلة و الفريضة، أفضل من فضيلة المبادرة في أوّل الحدود للفضيلة؛ ففي الحقيقة يكون التوقيت، للنافلة، و أنّه يجوز تأخير الفريضة لأجل فعل النافلة إلىٰ هذا الحدّ دون ما بعده؛ فإنّه حينئذٍ يبدأ بالفريضة؛ كما أنّ توقيت الفريضة بآخر الحدّ، بمعنى أنّه لا يصلّي النافلة حينئذٍ. فما في صحيح «الفضلاء» عن الإمام الباقر عليه السلام من أنّ

وقت الظهر بعد الزوال قدمان، و وقت العصر بعد ذلك قدمان «1»

إن أُريد منها الانتظار لآخر القدمين للظهر و الأربعة للعصر، فالمراد بقرينة غيرها الانتظار للجمع بين النافلة و الفريضة، و في هذا الاحتمال لا يتعيّن إرادة

آخر القدمين و الأربعة، بل يمكن إرادة تمام القدمين و الأربعة لمريد الجمع المذكور.

و ما في صحيح «زرارة» عن الإمام الباقر عليه السلام

سألته عن وقت الظهر، فقال: ذراع من زوال الشمس، و وقت العصر ذراعان من وقت الظهر، فذاك أربعة أقدام من زوال الشمس «2»

، يمكن أن يراد به أنّ وقت تعيّن الظهر بحسب الفضيلة، هو آخر الحدّ المذكور، بحيث لا يصلّى فيه النافلة، كما لا تصلّى الظهر قبله في أثناء الحدّ المذكور إلّا بعد النافلة؛ فالظهر بلا نافلة، ثابتة في آخر الحدّ، و منفيّة قبل الآخر، إلّا أن تكون بلا فضيلة. و إنّما أطلق الوقت و لم يُقيّد بالفضل، لما يستفاد من بنائهم و عمل المسلمين من شدّة الاهتمام بوقت الفضيلة، حتى جعلوه وقت الصلاة، و بالجمع بين النفل و الفرض، حتّى جعلوه أفضل من رعاية أوّل الوقت المذكور للفضل.

و أمّا ما في خبر «إسماعيل الجعفي»

كان رسول اللّٰه صلى الله عليه و آله و سلم إذا كان في ء الجدار ذراعاً، صلّى الظهر، و إذا كان ذراعين، صلّى العصر «3»

، فيمكن حمله علىٰ ما لا يحمل عليه سائر التحديدات، حتّى ما فيه التحديد بالذراع، لأنّه حكاية عمله صلى الله عليه و آله و سلم، و من البعيد

______________________________

(1) الوسائل 3، أبواب المواقيت، الباب 8، ح 1.

(2) الوسائل 3، أبواب المواقيت، الباب 8، ح 3.

(3) الوسائل 3، أبواب المواقيت، الباب 8، ح 10.

بهجة الفقيه، ص: 21

انتظاره صلى الله عليه و آله و سلم بعد النافلة إلى الذراع في صلاة فريضة الظهر، مع عدم وضوح ذلك للكلّ؛ و كذا استعلامه للفي ء بين النافلة و الفريضة؛ و كذا تطويله النافلة إلى الذراع، و في الجماعة

من لا يطوّل، بل ينتظر الخروج بعد الفريضة. فيمكن أن يراد أنّه كان إذا فرغ من النافلة و الفريضة كان قد بلغ في ء الجدار ذراعاً حينئذٍ، و هذا ليس بكلّ البعيد بعد ملاحظة عدم انتفاء الظل في المدينة، و هي التي قد ورد فيها حكاية تحديد الجدار للمسجد؛ مع أنّه لو أُريد بلوغ الذراع قبل الفريضة، كان ذلك مخالفاً لما دلّ علىٰ أحبيّة النصف، إلّا أن يحمل قوله

كان

، علىٰ الاتّفاق للتجوّز لا علىٰ الاستمرار، لأنّه السنة، و يكون مخالفاً لما دلّ علىٰ أفضليّة أوّل الوقت، مع شرحه بإرادة التعجيل المنافي لإرادة الأوّل الذي ينبغي الانتظار له بعد الزوال، و لما دلّ بعد نقل صلاة رسول اللّٰه صلى الله عليه و آله و سلم على أنّ جعل الذراع لمكان الجمع، فلا يمكن أن يكون المنقول من عمله شيئاً آخر لا ربط له بالجمع.

و يشهد لما قدّمناه ما في خبر «أبي بصير» المعبّر بأنّ

الصلاة في الحضر ثماني ركعات، إذا زالت الشمس ما بينك و بين أن يذهب ثلثا القامة، فإذا ذهب ثلثا القامة بدأت بالفريضة «1»

، فإنّ ظاهره أنّ التحديد للنافلة لا للفريضة، و أنّ آخر الحدّ للفريضة علىٰ أيّ حال بحسب الفضل، و أنّ الجمع غير مطلوب بعد بلوغ الظلّ الثلثين.

و أمّا ما وقع من الاستثناء في خبر «إسماعيل بن عبد الخالق» «2»، فهو الشاهد لما قدّمناه من الوقت للنافلة فلا تحديد في ما لا نافلة فيه، فيفهم منه أن لا تحديد مع فعل النافلة بحيث يطلب منه الانتظار في فعل الفريضة إلىٰ مضيّ القدم، و إن كان يمكن شاغليّة النافلة لوقت القدم، و لازمه أنّ تارك النافلة إذا بادر إلى الفريضة، يكون قد

أدّاها في غير وقت فضيلتها مضافاً إلىٰ تركه للنافلة.

______________________________

(1) الوسائل 3، أبواب المواقيت، الباب 8، ح 23 و 11.

(2) الوسائل 3، أبواب المواقيت، الباب 8، ح 23 و 11.

بهجة الفقيه، ص: 22

و أمّا ما في خبر «ابن بكير» «1»، فالظاهر أنّ المراد أنّ حدّ الإبراد بالتأخير الذي لا يفوت معه الفضل هو المثل، فيمكن عدم إفادته لوقت الفضيلة لولا الإبراد؛ إلّا أن يجمع ما دلّ علىٰ أنّه وقت الفضيلة، كخبر «أبي بصير» في القامة و القامتين، فيحمل علىٰ أنّ حدّ الإبراد هو آخر حدّ الفضيلة، و هو المثل علىٰ حسب بعض الروايات المختلفة هنا، المحمولة علىٰ مراتب الفضل في تأخير الفريضة لأجل فعل النافلة و الفراغ لها، لا أنّه يسنّ الانتظار إلى المثل لمن صلّى النافلة، أو تركها و يريد تركها متعمّداً.

و يوضح ما قدّمناه ما في خبر «زرارة» المعلّل لجعل الذراع لمكان النافلة

لك أن تتنفّل من زوال الشمس إلىٰ أن يمضي ذراع، فإذا بلغ فيؤك ذراعاً من الزوال بدأت بالفريضة «2».

و يمكن أن يكون من هذا الباب، التفريق بين الفريضتين؛ فإنّه للتسهيل و الترغيب في فعل الفريضتين بنوافلهما التي هي في رديف الفرائض، كما يظهر من حديث المراجعة في المعراج «3»؛ فإنّ مشقّة الجمع مع الإقبال و النشاط بين الفرائض و النوافل، غير خفيّة.

تلخيص البحث و بالجملة: فالأمر بالتعجيل؛ و ما دلّ علىٰ أفضليّة أوّل الوقت معلّلًا بالتعجيل؛ و التعليل الواقع في الروايات بإرادة الجمع المفيد، لأنّ التأخير لمكان النافلة التي تحتاج إلىٰ زمان، و أنّه لمكان إدراك فضيلة الجمع، التي هي أعلىٰ من فضيلة التعجيل؛ فما فيه الفضيلة الكاملة هو الجمع، لا نفس الوقت أعني الذراع مثلًا و لو لم يرد

فعل النافلة، أو قد صلّاها؛ مع ما في التحديدات من الاختلاف المرشد إلىٰ أنّ الجمع أفضل من تركه إلىٰ آخر المثل، و أنّ أفضل الجمع قدم، و دونه القدمان، و دونه ثلثا القامة، و دونه المثل؛ و كذا معلوميّة عمله على المبادرة في فعل الظهر بعد نافلتها، كما يرشد إليه

______________________________

(1) الوسائل 3، أبواب المواقيت، الباب 8، ح 33.

(2) الوسائل 3، أبواب المواقيت، الباب 8، ح 3 و 4.

(3) الوسائل 3، أبواب أعداد الفرائض، الباب 2، ح 5 و 10.

بهجة الفقيه، ص: 23

جريان سيرة المسلمين إلىٰ يومنا هذا عليه في الظهر و المغرب، و أنّه لو كان عمله صلى الله عليه و آله و سلم علىٰ خلاف ذلك لظهر و اشتهر؛ و أنّ انكشاف الذراع بعد الظهر بنافلتها أمر عادي، بخلاف الانكشاف بين النفل و الفرض؛ و أنّه يحتاج إلىٰ استعلام و إخبار لو كان لبٰان؛ و كذا ما دلّ علىٰ استثناء السفر و الجمعة المفيد لاستثناء فعل النافلة، و العازم علىٰ تركها رأساً، بقرينة ما دلّ علىٰ أنّه بعد الزوال يحبسه إلّا السّبحة، و ما فيه الأمر بتخفيف النافلة، و ما فيه التخيير بين تطويلها و تقصيرها، و أنّه لا ينتظر للفريضة إلّا الفراغ من النافلة، و ما فيه التخيير بين تطويلها و تقصيرها، و أنّه لا ينتظر للفريضة إلّا الفراغ من النافلة مطوّلة أو مقصّرة، ممّا يتعيّن حمل ما ظاهره أنّ وقت الفضيلة بعد الذراع مثلًا، علىٰ إرادة ما فيه إدراك فضيلة الجمع، و أنّه لا ينبغي ترك النافلة إلى المثل، أو إلىٰ حدّ لو فرغ من الظهر بعد نافلتها بلغ المثل، فقهراً يكون فضيلة العصر بعد المثل إلى المثلين علىٰ حسب

هذا الحمل.

و أمّا أنّ التفريق بين الظهرين بإيقاع الظهر في المثل، و العصر بعد المثل، مع الفصل بالنافلة أو مطلقاً، راجح أو لا، فهو أمرٌ آخر غير محلّ البحث.

و الذي يفهم ممّا ورد في المقام من الروايات في حكم فضيلة العصر «1»، أنّ الأفضل تأخيرها لإرادة الجمع بين نافلتها و الفريضة إلىٰ آخر المثلين؛ و أنّ غير مريد الجمع، فالأفضل له الإيقاع في أوّل وقت فضيلتها الذي قد يكون أوّل المثلين، و قد يكون مقدّماً عليه، و قد يكون مؤخّراً عن ذلك، فلا بدّ و أن يكون بعد نافلتها الواقعة بعد فعل الظهر، حتى يدرك فضيلة الجمع بين الفرض و النفل.

و أمّا الجامع بين الفريضتين بلا فصل النافلة، فهو قد فات منه الفضل لا لمكان الجمع، بل لمكان ترك النفل؛ كما أنّ عدم الاكتفاء بفصل النافلة يحتاج إلىٰ دليل؛ فإن ثبت أنّ عمله صلى الله عليه و آله و سلم في الأغلب على التفريق، يلتزم بأفضليته لغير المعذور، و لغير الأوقات المستثناة للجمع، بخلاف ما إذا لم يثبت الغلبة؛ مع إمكان المناقشة

______________________________

(1) الوسائل 3، أبواب المواقيت، الباب 8.

بهجة الفقيه، ص: 24

في الاستدلال بهذه الغلبة؛ فإنّ رجحان تأخير كلّ من الظهر و العصر إلىٰ آخر الحدّ لفعل النافلة لعلّه هو الذي رجّح التأخير له صلى الله عليه و آله و سلم، للعصر عن المثل لا لرجحان الفصل الزماني بين الفريضتين، و فعله صلى الله عليه و آله و سلم للنافلة قبل ذلك ليس يغني عن فعل غيره لها. و بالجملة، فتلك مسألة أُخرى غير ما نحن فيه، و إن أمكن إرجاعها إلىٰ مسألتنا بالتقريب المتقدّم.

بعض الروايات الدالّة على المختار و يدلّ علىٰ ما اخترناه

في بيان المراد من هذه الروايات «1»، ما في رواية «ابن مسكان» عن ثلاثة من أصحابنا جميعاً: قالوا: كنّا نقيس الشمس بالمدينة بالذراع، فقال أبو عبد اللّٰه عليه السلام

ألا أن أُنبّئكم بأبين من هذا؟ إذا زالت الشمس، فقد دخل وقت الظهر، إلّا أنّ بين يديها سُبحة، و ذلك إليك إن شئت طوّلت، و إن شئت قصّرت «2».

فإنّه جُعل فيها التحديد بفعل السبحة على النحو الأعمّ من الطويلة و القصيرة أبين من التحديد بالذراع الذي هو تحديد بزمان معلوم؛ فهل يمكن أن يرجع إليه التحديد بالسبحة [سواء] كانت طويلة أو قصيرة، أو أنّه يرجع التحديد بالذراع في سائر الروايات «3» المعلومة لدى هؤلاء الأصحاب إلىٰ فعل النافلة، و أنّه ليس بذلك الرجحان التنفّل بعد الذراع، بل الأفضل الاشتغال بالنافلة قبله، و الجمع بينهما قبله و بين الفريضة بعده أو في آخر، فيكون الذراع تحديداً للأفضل في وقت النافلة التي يكون الاشتغال بها قبله أفضل؟

فهذه الرواية وزانها وزان رواية التعليل لجعل الذراع بأنّه

لك أن تتنفّل إلى الذراع، فإذا بلغ الذراع تركت النافلة، و بدأت بالفريضة «4».

______________________________

(1) الوسائل 3، أبواب المواقيت، الباب 8.

(2) الوسائل 3، أبواب المواقيت، الباب 5، ح 1.

(3) الوسائل 3، أبواب المواقيت، الباب 8، ح 3 و 10.

(4) نفس المصدر.

بهجة الفقيه، ص: 25

و صرّح في الرواية الأُخرىٰ لصفوان عنهم بقوله

و إن كنت خفّفت، فحين تفرغ من سبحتك؛ و إن طوّلت، فحين تفرغ من سبحتك «1»

، فكأنّه عليه السلام نفى التحديد بالذراع، و جعله معرّفاً لفعل النافلة طويلة أو قصيرة.

و لذا لم يذكر في رواية «ذريح» «2» في ترتيب الصلاتين، إلّا فعلهما بعد نوافلهما على الترتيب، و مثلها رواية «مسمع» «3».

و قوله

عليه السلام في رواية «يزيد بن خليفة»

فإذا صار الظلّ قامة، دخل وقت العصر «4»

، يريد به الدخول بنحو يكون تأخير الظهر إليه مرجوحاً حتّى لمريد النفل، لا أنّ تقديم العصر عليه مرجوح حتّى لمن يتنفّل للظهر و صلّى الظهر، بقرينة ما تقدّم و يأتي.

و قوله عليه السلام في رواية «عيسىٰ بن أبي منصور»

إذا زالت الشمس فصلّيت سُبحتك، فقد دخل وقت الظهر «5»

يريد الدخول الذي لا رجحان في التأخير، لأنّ المفروض فعل النافلة الذي هو المرجّح للتأخير إليه؛ فإن دخول وقت الظهر بالزوال و عدم وجوب النفل معلوم للكلّ.

و أمّا رواية «زرارة» فليس فيها ما ينافي ما مرّ، إلّا ما في قوله عليه السلام

و لكنّي أكره لك أن تتّخذه وقتاً دائماً «6»

، فيحتمل إرادة الدوام في السنة في قبال الإبراد الذي حدّده له في الرواية الأُخرىٰ بالمثل و المثلين في الصيف «7»؛ و يحتمل إرادة رجحان التفريق، و ذلك أيضاً يحتمل فيه مطلوبيّة التفريق في وقتين بنفسه.

و يحتمل إرادة لازم التفريق من النشاط لفعل النافلة و التأخير لأجل ذلك؛ فإذا

______________________________

(1) الوسائل 3، أبواب المواقيت، الباب 5، ح 2.

(2) الوسائل 3، أبواب المواقيت، الباب 5، ح 3 و 4.

(3) الوسائل 3، أبواب المواقيت، الباب 5، ح 3 و 4.

(4) الوسائل 3، أبواب المواقيت، الباب 5، ح 6.

(5) الوسائل 3، أبواب المواقيت، الباب 5، ح 8 و 10.

(6) الوسائل 3، أبواب المواقيت، الباب 5، ح 8 و 10.

(7) الوسائل 3، أبواب المواقيت، الباب 8، ح 33.

بهجة الفقيه، ص: 26

كان الوقت مجرّد زوال الشمس دائماً متّخذاً بالاعتياد، لزم ذلك فوت النافلة في كثير من الأوقات؛ فقوله

أن تتّخذ ذلك

إن كان مع فعل النافلة المفروض

في الرواية، فمطلوبيّة الفرق يمكن أن يكون لمطلوبيّة الإبراد في الصيف، و إلّا احتمل أن يكون لفعل النافلة.

لكن هذه الرواية مشتركة مع رواية «معاوية بن ميسرة» «1» في عدم ارتضاء الجمع بين الظهرين بعد زوال الشمس مع الاختلاف في فرض فعل النوافل، و في الابتداء بالمجموع حين زوال الشمس هنا و عدم فرضها في رواية «معاوية»، و جعل الجمع في طول النهار بعد زوال الشمس، و الاختلاف بالكراهة لاتّخاذه وقتاً هنا، و بقوله عليه السلام

ما أحبّ أن يفعل ذلك كلّ يوم «2»

؛ فإنّ الجمع بلا فرض النوافل، ليس من الراجح، خصوصاً مع عدم الوقوع في أوّل الزوال، و أمّا هذه الرواية ففيها ما ذكرناه؛ مع احتمال إرادة الموافقة مع القوم، المعلوم منهم التفريق المقرون باعتقاد عدم جواز الجمع، خلافاً لما روَوْهُ في الصحيح «3» من الجمع بلا عذر، و لعلّه لذا قال

أكره لك أن تتّخذه وقتاً دائماً «4»

، و إلّا كانت مخالفة لصريح الروايات الدالة علىٰ عدم منع غير السبحة، كما في رواية «ذريح» «5» و غيرها «6» المصرّح بنفي التحديدات كلّها.

و مثله الكلام المتقدّم في صلاة رسول اللّٰه صلى الله عليه و آله و سلم في الذراع و الذراعين «7»؛ إلّا أنّه لا يجري فيه احتمال التأخير لفعله النافلة، بل لفعل غيره لها؛ كما يمكن أن يكون التفريق، لما في الجمع من المشقّة، خصوصاً في الصيف، فناسب التأخير و المخالفة في

______________________________

(1) الوسائل 3، أبواب المواقيت، الباب 4، ح 15.

(2) الوسائل 3، أبواب المواقيت، الباب 4، ح 15.

(3) صحيح مسلم 1، كتاب صلاة المسافر، الباب 6، ح 1 و 6.

(4) تقدّم في ص 21، الهامش 3.

(5) الوسائل 3، أبواب المواقيت، الباب 5،

الحديث 12.

(6) الوسائل 3، أبواب المواقيت، الباب 5.

(7) تقدّم في ص 16، الهامش 2 و 3.

بهجة الفقيه، ص: 27

اليومين، مع بيان أنّ ما بينهما وقت، و لو فرض فعل النافلة في الوقتين، فيكون التسهيل في التأخير. كما أنّ التسهيل علىٰ بعض في عكس ذلك بالجمع، لصعوبة التهيّؤ في وسط الاشتغال بأُمور الدنيا مرّتين؛ و لذا وقع هذا التسهيل منه صلى الله عليه و آله و سلم في الرواية «1» الحاكية لجمعه من غير علّة بين الظهرين، الظاهر لولا العمل على التفريق في اتّفاق ذلك، لا أنّه ممّا كان يستمرّ عليه؛ و لذا ورد الأمر بالجمع بهذا الترتيب، أي بفعل النافلة بعد الزوال، ثمّ الفريضة، ثمّ فعل النافلة بعدها، ثمّ فريضة العصر في رواية «سماعة بن مهران» «2»؛ فإنّه يجمع بينه بحسب ظهوره في عدم فوت شي ء من الفضيلة بهذا النحو من الجمع، و بين ما مرّ من قوله عليه السلام «3»

أكره لك

بوجه من الوجوه المتقدّمة، و كذا بين قوله

لا يحبسك إلّا سبحتك، تُطيلها أو تقصّرها

في رواية «ذريح» «4»، و بين ما مرّ من صلاته في الذراع و الذراعين «5»، بعد فهم أن نسبة الذراع إلى الظهر متحدة مع نسبة الذراعين إلى العصر، بحسب مبدء الفضل و منتهاه، و جهة الفضل للنفل أو لمجرّد التفريق.

و ما في رواية «محمّد بن أحمد بن يحيىٰ» «6» النافية للتحديدات مطلقاً، صريحة في عدم العبرة بغير النوافل و لوازمها من التأخير للطويلة و القصيرة؛ و أنّه لا يفوت الفضل بذلك؛ و أنّ التحديدات كلّها كناية عن المواظبة على النوافل؛ فهي كالمشتملة علىٰ تعليل «7» الذراع بالتأخير للنفل، و أنّ المانع هي السبحة، حتى أنّ تفريقه صلى الله عليه

و آله و سلم لم يكن إلّا للتسهيل على المتنفّلين، لما في الجمع بين الفريضتين و نوافلهما في وقت واحد

______________________________

(1) الوسائل 3، أبواب المواقيت، الباب 32.

(2) الوسائل 3، أبواب المواقيت، الباب 5، ح 11.

(3) الوسائل 3، أبواب المواقيت، الباب 5، ح 10، 12.

(4) الوسائل 3، أبواب المواقيت، الباب 5، ح 10، 12.

(5) الوسائل 3، أبواب المواقيت، الباب 8.

(6) الوسائل 3، أبواب المواقيت، الباب 5، ح 13.

(7) الوسائل 3، أبواب المواقيت، الباب 8، ح 3.

بهجة الفقيه، ص: 28

من الصعوبة الواضحة، حتى أنّ من أراد التسهيل بالجمع يغلب عليه ترك بعض النوافل.

المتحصل من البحث و الإشارة إلى الروايات الأُخر و بالجملة، فلو أمكن شرح أخبار التحديد بأخبار التعليل بالتنفّل و ما هو بمنزلة التعليل من الحبس «1» المؤيّد بروايات التعجيل «2» المذكور في فضل أوّل الوقت، كما جعل في بعض الروايات «3» تحرّي الجمع بين النافلة و الفريضة أبين من قياس الشمس، كما ذكرنا وجه ذلك، فهو؛ و إلّا كان مع المعارضة بين الطائفتين الترجيح مع روايات المحافظة على النوافل، و أنّها الغرض من التحديد، لتأيّدها بالعمل المستمرّ من النّبي صلى الله عليه و آله و سلم و من بعده في الاشتغال بعد الزوال بالنوافل و وصلها بالفريضة، دون الانتظار للذراع أو المثل أو القدم.

و يظهر منه الحال في المثلين مثلًا للعصر، فإن وقع الظهر في آخر [ه] أو ما بينهما المثل، كان الحال فيهما واحداً، و إلّا كان المثلان زماناً واحداً.

و ممّا يشهد لذلك رواية «قرب الاسناد» حيث ورد فيها الجمع بين الأمر بالظهر بعد السّبحة بعد الزوال «4»؛ ثمّ الأمر في مقام بيان وقت العصر بمثل هذا البيان بعد فعل الظهر بعد نافلتها

بعد القدمين من الزوال؛ ففيها الدلالة علىٰ أنّ ذكر القدمين لمكان سبحة الظهر للموافقة بين الصدر و الذيل، و الأمر بالظهر بعد الذراع بلا ذكر نافلتها، ثم العمل في العصر بمثل العمل في الظهر في صدر الحديث، و كذا قوله عليه السلام في رواية «زرارة»

و صلاة العصر في يوم الجمعة في وقت الاولىٰ في سائر الأيام «5».

و كذا

______________________________

(1) الوسائل 3، أبواب المواقيت، الباب 5، ح 12.

(2) الوسائل 3، أبواب المواقيت، الباب 3، ح 10.

(3) الوسائل 3، أبواب المواقيت، الباب 15، ح 1.

(4) الوسائل 3، أبواب المواقيت، الباب 5، ح 14.

(5) الوسائل 3، أبواب المواقيت، الباب 4، ح 2.

بهجة الفقيه، ص: 29

ما في رواية «زرارة» عن أبي جعفر عليه السلام النافية للحدّ المعروف بين الظهر و العصر، و ظاهرها انتفاء الحدّ الزماني بين الصلاتين، و لا يتمّ إلّا بأن يكون الفاصل الشرعي للفصل زمانيّاً و هو النافلة، لا زماناً و هو الذراع أو المثل.

و أمّا رواية «عبيد بن زرارة» «1» فهي من المطلقات التي ليس فيها بعد زوال لشمس إلّا الترتيب بين الظهرين عملًا لا زماناً، حتى أن ما في مرسلة «داود بن فرقد» «2» من الوقت الاختصاصي للظهرين، مقيّد لما في تلك الرواية، فيكون التحديد حتّى ما يكون للفضل الغير الثابت شرعاً لوقتيهما علىٰ خلاف هذا الإطلاق.

و كذا قوله عليه السلام في رواية «الجهني» قال

سألت أبا عبد اللّٰه عليه السلام عن وقت الظهر؟ فقال: «إذا زالت الشمس فقد دخل وقت الصلاتين «3»

، من المطلقات في هذا الباب، و مثلها في ذي الحاجة رواية «محمّد بن مسلم» «4»، و مثلها رواية «معاوية بن وهب»

قال: سألته عن رجل صلّى الظهر حين زالت

الشمس، قال: لا بأس به «5»

؛ فإثبات توقّف الظهر علىٰ أزيد من النفل، يحتاج إلىٰ دليل.

و ما في رواية «صفوان» «6» المعيّن لوقت العصر في ثلثي قدم بعد الظهر، يحتمل إرادة الزوال من الظهر لا الصلاة؛ و عليه يكون الباقي للظهر و نافلتها و لنافلة العصر، ثلثي القدم، و يكون وقت مجموع الصلاتين و نافليتهما قدماً واحداً، و هو مخالف للتحديد حتّى بالقدم و الشبر في فضيلة الظهر، بل لا يناسبه إلّا أن يكون التحديد بالنوافل لا غيرها.

______________________________

(1) الوسائل 3، أبواب المواقيت، الباب 4، ح 5.

(2) الوسائل 3، أبواب المواقيت، الباب 4، ح 2 و 5 و 7 و 11.

(3) الوسائل 3، أبواب المواقيت، الباب 4، ح 11، 13، 12، 14.

(4) الوسائل 3، أبواب المواقيت، الباب 4، ح 11، 13، 12، 14.

(5) الوسائل 3، أبواب المواقيت، الباب 4، ح 12.

(6) الوسائل 3، أبواب المواقيت، الباب 4، ح 12.

بهجة الفقيه، ص: 30

قال السيّد في «المفتاح»: «و يبقى الكلام في ما إذا فرغ من النافلة قبل الذراع، فهل يبادر إلى الفريضة، أو ينتظر الذراع؟ كما قيل مثل ذلك في العصر بالنسبة إلى المثل كما يأتي إن شاء اللّٰه الظاهر أنّه يعني من فرغ من النافلة قبل الذراع يبادر إلى الفريضة يعني لا ينتظر الذراع قدّمه، كما تدلّ عليه الأخبار الكثيرة كأخبار السبحة «1» و غيرها «2» و عموم ما دلّ علىٰ أفضليّة أوّل الوقت «3»، و لم نجد من خالف في ذلك سوىٰ ظاهر «الكاتب»، حيث قال في ما نقل عنه: «يستحبّ للحاضر أن يقدّم بعد الزوال شيئاً من التطوّع إلىٰ أن تزول الشمس قدمين» و تبعه علىٰ ذلك صاحب «الكفاية»، حيث قال: «و الأقرب استحباب

تأخير الظهر إلىٰ أن يصير الظلّ قدمين» و هو مذهب «مالك» «4». و في «الخلاف» و «المنتهىٰ»: «لا خلاف في استحباب تعجيل الظهر».

و في «المدارك»: «إنّ مقتضىٰ صحيحة زرارة عن أبي جعفر عليه السلام «5» استحباب تأخير الظهر إلىٰ أن يصير الفي ء علىٰ قدمين من الزوال»، لكنّه قبل ذلك بأوراق متعدّدة، اختار المبادرة و قال: «إنَّ مذهب «ابن الجنيد» قول مالك «6» انتهىٰ.

و تقدّم أنّ ما فيه التعليل من الروايات يدلّ علىٰ تأويل التحديدات، و أنّها للنافلة لا للفريضة، و إن أمكن جعله لهما باعتبار أولويّة الفريضة بما بعد المثل، و النافلة بما قبل المثل، فمن أخّر الفريضة عمّا بعد المثل فقد فات منه فضيلة الفريضة، [سواء] أتى بالنافلة قبل المثل أو لم يأتِ بها؛ و أنّ اتخاذ الأوّل وقتاً دائماً يؤدّي إلى ترك النوافل في كثير من الأوقات؛ و أنّها لا تجري في المتنفّل قبل الحدّ، و التارك لها بعد الحدّ، فضلًا عمّا

______________________________

(1) الوسائل 3، أبواب المواقيت، الباب 5، ح 3.

(2) الوسائل 3، أبواب المواقيت، الباب 5، ح 3.

(3) الوسائل 3، أبواب المواقيت، الباب 5، ح 3.

(4) المدوّنة الكبرى، 1، ص 55.

(5) الوسائل 3، أبواب المواقيت، الباب 8، ح 1.

(6) مفتاح الكرامة، 2، ص 15 و 16.

بهجة الفقيه، ص: 31

قبله؛ فإنّ تعليل جعل الذراع بوقت النافلة «1» يشهد بصحّة التحديدات، و بإرادة الملازمة للمواظبة على النوافل، و لذا قال عليه السلام في رواية أُخرى

صواب جميعاً «2»

؛ فإنّ صوابيّة ذلك لا تنافي صوابيّة دخول الوقتين بالزوال، و إدراك الفضلين مع النافلتين؛ و كذا جعل ذلك أبين من التحديدات في رواية أخرى «3» مع أن الحدّ الزماني أبين من التحديد بالزمانيّات، و لا

يتم ذلك إلّا بما قدّمناه.

و لعلّ عمل النبي صلى الله عليه و آله و سلم على التفريق و من بعده، لمكان إدراك الغالب فضل التنفّل الشاق مع الجمع بين الفريضتين و نوافلهما، فلا ينافي فضل المبادرة، بل أفضليّتها لمن لا تشقّ عليه، و ينشط للجمع بين الفرائض و النوافل، بحيث لا يزاحم سائر الشواغل الدنيويّة. و ندرة ذلك في الناس غير خفيّة.

و قد وقع التعليل للذراع بالتنفّل عن أبي جعفر عليه السلام «4» بعد نقل حكاية صلاة رسول اللّٰه صلى الله عليه و آله و سلم إذا بلغ الفي ء ذراعاً.

و هاهنا وجه آخر للمخالفة في البيان في الروايات بالتحديد بالزمان و الزماني، و قد مرّت الإشارة إليه، و هو إرادة الموافقة مع القوم في الجملة، و هو ما فيه قوله عليه السلام

أنا أمرتُهم بهذا لو صلّوا على وقت واحد عرفوا فأخذوا برقابهم «5»

، حيث شاهد الراوي فعل بعض أصحابنا الظهر و بعضهم العصر في وقت الظهر بدون انتظار لوقت العصر، و لعلّ مصلّي الظهر كان ينتظر وقت العصر، بل مجرّد فعلهما من شخصين في وقت الظهر يدلّ علىٰ اختلافهما عملًا في فعل العصر في وقت الظهر في الجملة؛ فإنّ التوقيت لبعضهم بالتنفّل، و لبعضهم بالزمان «6» يقتضي هذا الاختلاف.

______________________________

(1) الوسائل 3، أبواب المواقيت، الباب 8.

(2) الوسائل 3، أبواب المواقيت، الباب 8، ح 30.

(3) الوسائل 3، أبواب المواقيت، الباب 5، ح 1.

(4) الوسائل 3، أبواب المواقيت، الباب 8، ح 27 و 28.

(5) الوسائل 3، أبواب المواقيت، الباب 7، ح 3.

(6) الوسائل 3، أبواب المواقيت، الباب 5 و 8.

بهجة الفقيه، ص: 32

[مسألة] الوقت الاختصاصي للظهرين

اشارة

مسألة: يدخل وقت الظهرين بالزوال و يخرج بالغروب. و يعتبر الترتيب بينهما في

العمد مطلقاً، لا في السهو في الجملة. و يختصّ الظهر بأوّل الوقت، بمقدار أدائه مع الشروط المفقودة، و العصر بآخره كذلك؛ فلا تصحّ العصر في وقت الظهر الاختصاصي و لو سهواً، كما لا تصحّ الظهر في الوقت المختصّ بالعصر و لو سهواً.

و يدلّ عليه مرسلة «داود بن فرقد» «1» المشهورة عملًا، بل عن «الشيخ نجيب الدّين»: أنّه نقل الإجماع عليه جماعة، و لعلّهم اطّلعوا على فتوى «الصدوق»، بالوفاق في غير ما اقتصر فيه على نقل المطلق. و في قبالها الإطلاقات «2»، و في بعضها الدلالة على الترتيب دون بعضها، لكنّ إطلاقها المقتضي لصحّة العصر في المختصّ بالظهر، و الظهر في المختصّ بالعصر ليس بتلك القوّة، خصوصاً مع بيان الترتيب في بعضها غيرَ مقيّدٍ بعدم السهو، فهي قابلة للتقييد بما في المرسلة «3» المشهورة، المتأيّدة بروايات طُهر الحائض «4» و نسيان الظهر إلى عند غروب الشمس «5»، و تأخير الظهر حتى يدخل وقت العصر أنّه يبدء بالعصر «6»، و توقيت العشاء بفعل المغرب «7».

و الظاهر أظهريّة المرسلة في إفادة الوقت المختص بالفرائض الأربعة من المطلقات المقتضية للخلاف؛ و لا شبهة في جواز الجمع بين المطلقات و المرسلة في الكلام الواحد، و تعيّنِ ارتكاب التقييد حينئذٍ؛ و لو كانتا من المتنافيين، لم يجز الجمع بينهما في كلام واحد، فكذا الحال في ما وقع من الانفصال بين البيانين، فيجمع بينهما

______________________________

(1) الوسائل 3، أبواب المواقيت الباب 4، ح 7.

(2) الوسائل 3، أبواب المواقيت الباب 4، ح 7.

(3) الوسائل 3، أبواب المواقيت الباب 4، ح 7.

(4) الوسائل 2، أبواب الحيض، الباب 49، ح 3 و 5.

(5) الوسائل 3، أبواب المواقيت، الباب 4، ح 18 و 17.

(6) الوسائل 3، أبواب

المواقيت، الباب 4، ح 18 و 17.

(7) الوسائل 3، أبواب المواقيت، الباب 16، ح 19.

بهجة الفقيه، ص: 33

بعد اعتبار المرسلة بالشهرة بالتقييدِ المرسومِ في ما لا يحصى من موارد بيان الأحكام، المفصولة مقيّداتها عن مطلقاتها بكثير من الأزمنة، و ليس المقام ممّا يعمّ به البلوى حتّى لا يمكن ارتكاب التّقييد، بل وقوع العصر في أوّل الزوال سهواً، و الظهر في قريب الغروب كذلك، ممّا يندر اتّفاقه.

و مع الغمض عنه، فالمرسوم من مبلّغي الشريعة، التدريج في بيان الأحكام و قيودها. و لو فرضت المعارضة بالتكافؤ بعد حفظ العمل الجابر للمرسلة، يمكن الترجيح بالأشهريّة البالغة إلىٰ حكاية الإجماع على النحو المتقدّم.

و يظهر من «المصباح» الميل إلى عدم الاختصاص في ما لا يفيد الاشتراك خلاف الترتيب، مع حكمه بتعيّن العصر في آخر الوقت لو لم يبقَ إلّا مقدار إحداهما، مع أنّه لا وجه له إلّا الاختصاص. و شرطيّة الترتيب إن كانت محفوظة هنا، فهي إلىٰ عدم تعيّن العصر، بل إلى تعيّن الظهر أقرب.

و الإجماع المحكي ليس إلّا للاختصاص، و هو مدلول رواية «الحلبي» «1» في الفرض، و مرسلة «داود» «2» مطلقاً.

الميزان في الوقت الاختصاصي و كيفيّة تقديره

ثمّ إنّ الظاهر، أنّ المراد من أربع ركعات في المرسلة، هو وظيفة الظهر المختلفة باختلاف المكلّفين من الحضر و السفر، و الحاجة إلىٰ تحصيل الشروط و عدمها؛ فهل ينتهي الأمر إلى تسبيحتين بدل الركعتين في شدّة الخوف، فلا يلزم الصبر في العصر و صحّة الانتظار إلى انقضاء وقت صلاة المختار، في فعل العصر عمداً بعد الظهر، و نسياناً قبلها؛ و كذا لو كان بحيث يفتقر لتحصيل الشروط و إزالة الموانع، إلى زمان طويل يقرب من الحدّ، فلا يصحّ عصره سهواً قبل ظهره، لأنّ الوقت المختصّ في

حقّه، من الزوال

______________________________

(1) الوسائل 3، أبواب المواقيت، الباب 4، ح 18 و 7.

(2) الوسائل 3، أبواب المواقيت، الباب 4، ح 18 و 7.

بهجة الفقيه، ص: 34

إلىٰ ما بعد وقت الظهر؛ أو أنّ المرجع، المتعارف المختار في الصورتين، فينتظر في الصورة [الأُولىٰ]، و تصحّ العصر في الثانية؟ احتمالان. يمكن ترجيح الثاني فيهما، لأنّ المفهوم، الكناية عن وظيفة المختار على الوجه المتعارف بمثل التعبير بأربع ركعات. و لو نسي بعض الأجزاء الغير الركنيّة ممّا لا يتدارك كالقراءة، أمكن ترجيح عدم الانتظار لمضيّ مقدار المنسي؛ و أمّا ما يتلافىٰ كالسجدة و التشهّد المنسيّين، فمع اعتبار الوحدة و الارتباط بينه و بين الصلاة بإبطال مبطلات الصلاة، يلزم التأخير إلىٰ مضيّ وقت القضاء و التلافي؛ و كذا الكلام في صلاة الاحتياط؛ فإنّه لا يتحقّق الاحتياط مع المعاملة عمل النافلة، بل الاحتياط من حيث العمل، عمل الركعة من الفريضة، بخلاف سجدتي السهو، لأنّ وجوب المبادرة فوراً ففوراً، ليس توقيتاً؛ و كذلك الحال في السرعة و البطؤ.

و يقدّر وقت الاختصاص، بالمتعارف المتوسّط من عمل المختار، و لا يقدّر بأقلّ الواجبات، و لا بجميع ما كان يعتاده من المستحبّات على كثرتها؛ فإنّ التقدير بالأقلّ، فيه من المشقّة ما لا يخفىٰ، و لا يفهم من الإطلاقات؛ و كذلك في ما كان يفعله من المستحبّات الكثيرة؛ فالمتوسّط المتعارف الغير الشاقّ هو المحمول عليه الإطلاق.

و في كفاية الوقت التقريبي في تعيين المختصّ و المشترك، وجه، لتعسّر التحقيق.

و لو شك في بلوغ المشترك حال الصلاة، فمقتضىٰ الاستصحاب عدمه، فتفسد، إلّا أن يعارض بأصالة عدم الفعل إلى البلوغ، فتصحّ؛ إلّا أنّ الثانية لا تخلو من إثبات؛ و مع قطع النظر عنه؛ فلو كان التاريخ معلوماً بأمارة

مشكوكة التحقّق حال الصلاة، جرىٰ استصحاب عدم المجهول إلىٰ زمان المعلوم لو سلّم من الإثبات.

و على أيّ، فالصلاة عصراً في الوقت المختصّ بالظهر، فاسدة و لو كانت سهواً، لعدم جريان السهو في الوقت، بخلاف الوقت المشترك؛ فإنّها فاقدة للترتيب المعتبر في حال العمد لا مطلقاً.

بهجة الفقيه، ص: 35

العدول إلىٰ الأُخرىٰ في الوقت الاختصاصي و لو ذكر في أثناء الفريضة، فللعدول إلى الظهر وجه، كما عن «البيان»، و «المقاصد العليّة»، لعدم لزوم الوقت لما سبق عصراً، حتّى يقال: «لا يصحّ ما سبق.»، و إنّما المقصود الصحّة ظهراً، و وقته حاصل، و إنّما المفقود نيّة الظهر في ما سبق. و المعتبر في موارد العذر، الأعمّ من النيّة في الابتداء و الأثناء، كما يظهر من موارد العدول في المشترك.

و مثله ما لو شرع في العصر بالظنّ المعتبر، ثمّ انكشف الخلاف في الأثناء بدخول المشترك في الأثناء؛ فإنّه يعدل إلى الظهر، لأنّ المصحّح الوقت للظهر مع نيّته، لا صحّة العصر لدخول وقته في الأثناء، كالصلاة قبل الوقت الداخل في الأثناء، إذا كان الدخول بأمارة شرعيّة.

و لو ظنّ الضيق عن غير العصر فصلَّاها ثم انكشفت السعة بمقدار ركعة أو أربع، فالظّاهر مع اعتبار الظنّ صحّة العصر، بناء على اغتفار الترتيب فيه كما في السهو، و حينئذٍ يصلّي الظهر بعدها أداءً، لأنّ الاختصاص بالعصر لمن لم يؤدّها صحيحة، لا مطلقاً على الأظهر.

اختصاص عدم جواز الإتيان في الوقت الاختصاصي، بالشريكة و لو بقي من آخر الوقت مقدار خمس ركعات، جمع بينهما في الأداء بتخصيص الأربع بالظهر، لوقوع ركعة منه في المشترك، و تخصيص ركعة بالعصر يؤدّي بها عصره الواقع ثلاث ركعات منه في خارج الوقت. و لا يضرّ ذلك من جهة

اختصاص ذلك الوقت بالمغرب، لأنّ لازم الاختصاص عدم صحّة الشريكة فيه، لا كلّ فريضة واجبة، و ليس ذلك، لأنّ وقت الاختصاص لمثل هذا الشخص، بعد ثلاث العصر؛ فإنّ ثلاث العصر و إن كانت واجبة عليه، لكنّها ليست من شروط المغرب و مقدّماتها، و ليس كلّ واجب داخلًا في وقت الاختصاص، يعني بحيث يكون وقت الاختصاص ما بعد ذلك الواجب، و إنّما هو في شروط الفريضة المختصّة بذلك الوقت، و لذا نلتزم بصحّة العشاء

بهجة الفقيه، ص: 36

لو وقعت سهواً بعد ثلاث العصر المذكورة، لأنّ ما بعده ليس من المختصّ بالمغرب، فليتدبّر. الوقت الاختصاصيّ و الاشتراكي للعشائين و يجري في العشائين، مثل ما ذكرناه في الظهرين من وقتي الاختصاص و الاشتراك، للاشتراك في الدليل حتّى نقل الإجماع؛ فيختصّ بالمغرب بعد غيبوبة الشمس مقدار أداء ثلاث ركعات مع الشروط، و بالعشاء مقدار أربع قبل الانتصاف للمختار، و ما بينهما مشترك بين العشائين. و يجري اختصاص آخر الوقت لغير المختار على القول به قبل الفجر بالعشاء، كما يجري لوازم الاختصاص و الاشتراك على ما مرّ في الظهرين.

و يبقى القول المحكيّ عن «الشيخين»، و «ابن أبي عقيل»، و «سلّار» من أنّ «أوّل وقت العشاء ذهاب الشفق المغربي في الاختيار»، و لا يخلو بعض الروايات «1» من دلالة عليه؛ لكنّ الروايات المستفيضة «2» النافية للبأس عن العشاء قبل ذهاب الشفق، قابلة لحمل المخالف على ابتداء وقت فضيلة في حال الاختيار، دون العذر المسوّغ للجمع بين العشائين مطلقاً.

وقت صلاة الصبح و أوّل وقت صلاة الصبح، طلوع الفجر الصادق المعترض المنتشر في الأُفق المبان به الخيطان، دون الكاذب الصاعد. و هذا بحسب الفتوىٰ و النصوص «3» من المسلّمات، فلا تترتّب الأحكام

المعهودة من الصلاة و الصوم قبل ذلك.

عدم اختلاف طلوع الفجر باختلاف أيّام البيض و نحوها و الظاهر أنّ الطلوع، له وقت مخصوص زماني، كالزوال و الغروب، لا يختلف باختلاف الأيّام، إلّا الاختلاف المعهود المضبوط لدى المحاسبين. و ذلك الزمان لا يختلف باختلاف

______________________________

(1) الوسائل 3، أبواب المواقيت، الباب 10.

(2) الوسائل 3، أبواب المواقيت، الباب 22.

(3) الوسائل 3، أبواب المواقيت، الباب 27.

بهجة الفقيه، ص: 37

أيّام البيض و غيرها، و لا بوجود المانع من الغيم و نحوه و عدمه، إلّا أنّ يتأخّر إحراز الطلوع و تبيّنه، لا نفس المتبيَّن بالفتح فله حدٌّ زماني غير مختلف، و المختلف هو العلم به فقد يتأخّر، و قد لا يتأخّر و لو حصل المانع، و لا فرق بين مانعيّة ضوء القمر أو الغيم عن الإحراز أحياناً.

فجعل التبيّن في الآية الشريفة «1» غاية، لمكان أنّ غايتيّة المتبيَّن ملزوم غالبي لغايتيّة التبيّن، فهو طريق محض، لا مأخوذ في الموضوع و لو طريقاً. و لا فرق بين كون المانع من سنخ البياض، كضوء القمر، أو غيره، كالغيم؛ فانضباط الوقت الخاصّ بالآلات المستحدثة و القديمة، يغني عن مشاهدة الأُفق الممتاز فيه خطّ البياض عن خطّ السواد.

فدعوى اعتبار التبيّن في موضوع الأحكام خارجة عمّا يفهمه العرف في المقام، و كيف يكون للتبيّن الموضوعيّة للحكم مع القطع بإرادة التبيّن، أو تحقّق زمانٍ بعد التبيّن و قبل الطلوع و لو كان قليلًا؟ و كيف يكون للتبيّن الفعلي، الموضوعيّة المتقدّمة مع عدم حدّ معروف غيره غير التبيّن التقديري؟ لأنّه كلّما قرب إلى الطلوع للشمس يزول السواد تدريجاً، لا أنّه يتبيّن الخيطان مع أوسعيّة البياض.

فلا بدّ من غايتيّة الاحمرار مع عدم التبيّن، و هو كما ترى يعدّ من وقت

صلاة الصبيان، مع أنّه بلا دليل؛ مع أنّ التفكيك بين مانعيّة الغيم و القمر، لاتّفاقيّة الأوّل، و دائميّة الثاني في الشهر.

و جعل الوقت زماناً خاصّاً في الأوّل دون الثاني، و التفكيك بين وقت الصبح و الظهرين و العشائين ممّا لا يخفى وضوح فسادهما.

ثمّ إنّه يأتي الكلام إن شاء اللّٰه في أنّ اعتبار ذهاب الحمرة المغربيّة في وقت المغرب على القول، به و بملازمة بقاء الحمرة مع عدم الغروب، لا يقتضي كشف الحمرة المشرقيّة

______________________________

(1) البقرة، 187.

بهجة الفقيه، ص: 38

عن الطلوع، و ملازمةَ حدوث الحمرة لحدوث الطلوع، لأنّ المقابلة بين الافقين تقتضي الملازمة المذكورة، على القول بها، و أماريّة الذهاب على الاستتار، على القول الآخر؛ و أمّا حدوث الحمرة فإنّما يكشف عن قرب الطلوع، لا خروج الشمس فوق أُفق المشرق، كما لا يخفى.

علائم معرفة الزوال
العلامة الأُولىٰ: ظهور الظلّ مشرقاً للشاخص

و يعلم الزوال بظهور الظلّ في ناحية المشرق للشاخص، كان قبل ذلك في نهاية النقص في جانب المغرب، أو منعدماً للمسامتة الواقعة مرّة في السنة في حدّ الميل الأعظم، و مرّتين في السنة في ما بين الميلين.

و أمّا ما في خبر «عبد اللّٰه ابن سنان»

تزول الشمس في النصف من حزيران، على نصف قدم، و في النصف من تموز، علىٰ قدم و نصف

إلى مثل الأوّل في النصف من حزيران «1»، فإنّما تتمّ دعوى المخالفة مع الاعتبار في صورة العلم بمخالفة النسبة المذكورة فيها بين البروج للواقع، و إلّا فالزوال في النصف من حزيران على نصف قدم، لا يعمّ جميع الأمكنة المختلفة قطعاً في النقص و الزيادة و لو في برج واحد، كما هو المعلوم في ما تجاوز الميل من الأمكنة؛ و في ما لم يتجاوز، فالمكان التي تزول فيه في النصف من

«حزيران» على نصف قدم، إذا زالت فيه في «تموز» علىٰ غير القدم و النصف، تتحقّق المخالفة بين الخبر و الاعتبار، لا بمجرّد عدم الزوال في بعض البلاد في «حزيران» علىٰ نصف قدم.

و حُكي عن بعض علمائنا، اختصاص ما في الخبر بالعراقي، و هو المناسب لعرض «العراق»، و لكون الراوي عراقيا. و قيل: «يختصّ بالمدينة»، و هو لا يناسب مقارنتها لحدّ الميل الأعظم؛ فإنّها حينئذٍ موضع المسامتة كما يدّعىٰ هذه المخالفة، كما يظهر ممّا

______________________________

(1) الوسائل 3، أبواب المواقيت، الباب 11، ح 3.

بهجة الفقيه، ص: 39

في «الحدائق» في ما بين النصف من أيلول، حيث جعل فيها الزوال على ثلاثة أقدام و نصف؛ و النصف من «تشرين الأوّل»، حيث جعل الزوال على خمسة أقدام و نصف. و المناسب لما سبق أربعة أقدام و نصف، و كذا المناسب سبعة في النصف من «تشرين الأوّل»، على ملاحظة النسب مع فرض الخمسة و النصف في ما سبق.

و لا تكفي ملاحظة الأبعديّة الموجبة لأطوليّة الظلّ، و أكثريّة الإقدام في البلاد الشماليّة في الخريف و الشتاءِ منها في الربيع و الصيف، لكفاية النسبة في البعد مع استواء السير في جميع أزمنة السنين.

و يمكن الحمل علىٰ وقوع الاشتباه في النقل من بعض من توسّط من رواة الحديث، مع أنّ جعل الإقدام أمارةً، موقوف على تعيين القدم الحقيقي للنوع؛ فلو أمكن بلا عسر كما في رواية الأشبار في الكرّ «1» كان مغنياً عن الانتظار للأخذ في الزيادة، و إلّا فتحقيق تمام القدم يتوقّف علىٰ تحقّق الأخذ في الزيادة و العلم به، فلا يناسب جعل الإقدام أمارة مستقلّة.

القول بعدم بظهور زيادة الظلّ إلّا بعد ساعة و المناقشة فيه ثم إنّه حكي عن «المقاصد العليّة»:

«أنّ زيادة الظلّ بعد نهاية النقص، لا تظهر إلّا بعد ساعة زمان

______________________________

(1) الوسائل 1، أبواب الماء المطلق، الباب 10.

بهجة الفقيه، ص: 40

السير في دقيقة مثلًا بمقدار من الظلّ لو كان؛ فعدمه و تحقّق الركود في تلك الدقيقة، يكشف عن الزوال، و إلّا لما توقّف عن السير و لوازمه و لو في الحسّ.

و علىٰ أيٍّ، فما في الروايات «1» هو الاقتصار على الزيادة بعد النقيصة. و لو كان ذلك متأخّراً بساعة من الزوال، لما اقتصر الإمام عليه السلام علىٰ ذلك، إلّا أن يحمل على مطلوبيّة احتياط المصلّي، كمطلوبيّة الاستبانة في الفجر.

العلامة الثانية: ميل ظلّ الشمس إلىٰ جانب المشرق

و ممّا يعلم به الزوال، «ميل ظلّ الشمس إلىٰ جانب المشرق»، و قد سبق طريق استعلام هذا الميل مع ما مرّ من دعوى الاحتياج إلى زمان طويل.

و أمّا أنّ الظلّ عند وصول الشمس إلى دائرة نصف النهار يقع علىٰ خطّ نصف النهار، و عند ميل الشمس إلىٰ جانب المغرب يميل الظلّ إلىٰ جانب المشرق، فلا يخلو عن مناقشة؛ فإنّ الظلّ في ما تجاوز الميل من البلاد الشماليّة، لا يقع في الزوال على الخطّ، بل يتجاوز عنه، كما مرّ في الأقدام، و إلّا كان ظاهراً في طرف المشرق، و منعدماً حين الزوال.

العلامة الثالثة: ميل الشمس إلى الحاجب الأيمن

و ممّا يعلم به الزوال، «ميل الشمس إلى الحاجب الأيمن» لمن استقبل القبلة الواقعة على نقطة الجنوب، كما هو في بعض بلاد العراق. نسبت هذه العلامة إلى فتوى الأصحاب، و قد وردت الرواية «2» المفسرة لما كان من زوال الشمس بكونها على الحاجب الأيمن. و عليه، فإنّ هذه العلامة تحتاج إلىٰ تشخيص نقطة الجنوب باستخراج نصف النهار بالدائرة الهنديّة، أو بالآلة المائلة إلى القطب، بعد تعيين مقدار المخالفة مع القطب المتصل بالجدي. و مع هذا، فيحتاج

______________________________

(1) الوسائل 3، أبواب المواقيت، الباب 11.

(2) الوسائل 3، أبواب المواقيت، الباب 10، ح 12.

بهجة الفقيه، ص: 41

الإحساس بتيامن الشمس عن الوسط خصوصاً إذا أُريد تيامن تمام القرص إلى مضيّ مدّة، فيكشف التيامن عن سبق الزوال.

و لعلّه لا مفهوم لما بُيّن فيه العلامات من النصوص، و إنّما المراد بها الثبوت عند الثبوت فقطّ؛ أو المراد بيان الأوّل تقريباً عرفيّاً تحقيقاً دقيقاً؛ كما أنّ مقتضى الدقّة، ما في «الجواهر» «1» من أنّ الزيادة حدوث الزائد بعد أن لم يكن، فهو كالحدوث بعد الانعدام، لا أنّ أحدهما زيد الظلّ

و الآخر حدوثه، كما أنّ الجامع بين الأمرين كما في «المسالك» ظهور الظلّ في ناحية المشرق.

[مسألة] أوّل وقت صلاة المغرب، غروب الشمس

اشارة

مسألة: غروب الشمس، أوّل وقت صلاة المغرب، بالإجماع المحكيّ عن «التذكرة» و غيرها؛ و الخلاف في ما به الغروب؛ فعن جماعة أنّه استتار القرص، و يدلّ عليه روايات كثيرة «2»، فيها الصحاح و نحوها من المعتبرة. و عن المشهور، أنّه ذهاب الحمرة المشرقيّة؛ و يدلّ على ذلك روايات كثيرة «3» ينجبر ضعف بعض ما فيها بالاشتهار العملي.

الجمع بين الروايات الدالّة علىٰ الاستتار و الدالّة علىٰ ذهاب الحمرة لكنّ الكلام في وجه الجمع بين الطائفتين إذا لم يكن المسألة إجماعيّة، كما عن «السرائر» دعوى الإجماع علىٰ ما هو المشهور، مع وقوع الظفر بالفتوى علىٰ طبق الصحاح من جماعة كالمحكيّ عن «الكاتب»، و «علل الصدوق»، و ظاهر «الفقيه»، و «ابن أبي عقيل»، و «المرتضىٰ» و «الشيخ»، و «سلّار»، و «القاضي»، و «سيّد المدارك»، و «الخراساني»، و «الكاشاني»، و تلميذه، و «الأستاذ الأكبر».

______________________________

(1) جواهر الكلام، 7، ص 101.

(2) الوسائل 3، أبواب المواقيت، الباب 16.

(3) الوسائل 3، أبواب المواقيت، الباب 16.

بهجة الفقيه، ص: 42

حمل روايات الاستتار على التقيّة و المناقشة فيه و لا يخفى: أنّ وجه الجمع من «الجواهر» «1» و «المصباح» هو حمل روايات الاستتار على التقيّة، لموافقتها لما عليه العامّة، حتّى أنّ العامّة يعرفون ذلك من الشيعة.

لكن في الاكتفاء بذلك في الجمع، مناقشة واضحة؛ فإنّ الحمل على التقيّة فرع وصول النوبة إلى العلاج، المتوقّف علىٰ عدم العلاج العرفي، و لذا لا تردّ رواية واحدة معتبرة بمجرّد الموافقة للعامّة؛ كما أنّ المعهود من العامّة عدم رواية ذهاب الحمرة و عدم العمل به، و روايتهم للخلاف، و معرفتهم لوجود جماعة من الشيعة

علىٰ هذا العمل الموافق لروايات ذهاب الحمرة، مع عدم معلوميّة مستندهم في العمل، و أنّه الموضوعيّة أو المعرِّفيّة، مع عدم معلوميّة أنّه قول جميع الشيعة، فكيف يحتجّ بمعرفتهم لمذهبنا و لا يمكننا استعلام مذهبنا منهم؟ مع أنّ في الروايات ما يدلّ على العمل علىٰ طبق الاستتار عند المخالف لذلك، بل عند الشيعة المخالفين لذلك أيضاً.

الجمع بحمل المجمل على المبين و ما فيه و قد يجمع بالتفسير و الشرح و حمل المجمل على المبين، و دعوى الحكومة في الروايات الشارحة.

و أنت خبير بأنّه لا إجمال في شي ء من الزوال و الغروب، فالثابت من الروايات بيان المعرِّف للموضوع المجهول تحقّقه، لا المجهول مفهومه، [و] لا بيان ما به الزوال و الغروب، بل ما يعرف به الزوال و الغروب، كما لم يحتمل ذلك في الزوال، مع أنّ العلامات المبيّنة قد سبق تأخّرها عن أوّل وقت الزوال.

مع أنّ في روايات ذهاب الحمرة ما ينصّ على العلامتيّة «2»، و على أنّه احتياط، مع ظهوره في الاحتياط الموضوعي لا الحكمي؛ فيحمل ما لم ينصّ فيه على العلامتيّة،

______________________________

(1) جواهر الكلام، 7 ص 115 121.

(2) الوسائل 3، أبواب المواقيت، الباب 16؛ و فقه الرضا عليه السلام، ص 104.

بهجة الفقيه، ص: 43

على المنصوص و يدلّ علىٰ تبيّن الغروب مفهوماً ما فيه أنّه

إذا نظرت إليه فلم تره «1»

، و لا أصرح من ذلك في أنّه لا وقع للسؤال عن الواضحات.

الجمع العرفيّ بين تلك الروايات و من المعهود عن الدليلين إذا أمكن العمل بواحد منهما مع عدم إلغاء الآخر، يقدّم ذلك على العمل بما لو عمل به لغي الآخر؛ فإذا عمل برواية استتار القرص، حمل رواية الذهاب على المعرِّفيّة في صورة الجهل، و علىٰ

استحباب التأخير مع عدم اليقين للاحتياط، بخلاف العمل بالعكس، فلا محلّ لروايات الاستتار إلّا الطرح، و الحمل على التقيّة.

مع أنّ تقييد موضوع الاستتار الواضح منه إرادة الاستتار من الأُفق، المستوي بزمان يقرب من ذهاب الحمرة على الموضوعيّة، كأنّه تكلّم بالكناية بلا داعٍ إليه لمخالفة التعبيرين للعامّة.

مع أنّه لا يمكن الجمع بين إجماعيّة التحديد بالغروب و خلافيّة ما به الغروب، بعد تبيّن الغروب مفهوماً كالزوال؛ فيقال: إنّه زوال الشمس، لكن بقيد ازدياد الظلّ بعد النقص، قاصداً زماناً يظهر فيه الازدياد على نحو الموضوعيّة لا المعرّفيّة.

مع أنّه لا يمكن الجمع بين عدم جواز تأخير الظهرين عمداً إلىٰ ما بعد الاستتار عن الأُفق المستوي، و بين مبدئيّة ذهاب الحمرة لوقت المغرب. و الالتزام بالجواز مخالف لمرتكزات الكلّ قطعاً، و ثبوت وقت لا يصحّ فيه شي ء من الظهرين و المغرب ذلك.

و الاعتماد على اشتهار الحكم، مع أنّ فيه تبعيّة للنصوص المبنيّة على الاحتياط في هذا المهمّ مع غلبة الاستيلاء بالغيم و الجبال في إثبات الحكم اللزومي، كالكشف بذلك عن ثبوت حجّة لديهم غير واصلة إلينا، مع كثرة روايات الطرفين و وضوح مداليلها، كما ترى.

______________________________

(1) الوسائل 3، أبواب المواقيت، الباب 16 ح، 25

بهجة الفقيه، ص: 44

و كذا الكشف عن استقرار المذهب عملًا عليه، و إن خفي علىٰ جماعة يعتدّ بهم، فمن يقدّم رواية أوّليّة الزوال للظهرين «1»، مع تحديد كثير من الروايات بالذراع و الذراعين «2»، كيف يسوَّغ له نسيان ذلك في المقام؟ مع وضوح استفادة المعرّفيّة من روايات المقام، و منها ما اشتمل على التعليل «3»، كاستفادة الجمع من التعليل في ذلك المقام.

و أمّا مرسل «ابن أبي عمير» «4»، ففيه جعل سقوط القرص منوطاً بمجاوزة الحمرة، و لا

يكون ذلك إلّا مع الجهل بالسقوط. و إرادة مرتبة عالية من السقوط حمل على الكناية، كما مرّ؛ مع أنّه لو تمّ عدم معهوديّة ذهاب الحمرة لدى العامّة، كان بيان الأئمّة عليهم السلام لذلك كاشفاً عن كونه من أسرارهم، كما وقع مثله في أمثاله، كالبيان للمميّز للحيض عن البكارة «5»، و من المعلوم أنّه لا يكشف عن التكليف المولوي، بل عن التنبيه على المغفول عنه عند العامّة، كما في المثال المذكور، و هذا يكفي لتصدّيهم لبيانه مكرّراً.

و بالجملة، فالناظر في وضع البيان في الطائفتين، لا يكاد يرتاب في تعيّن الجمع بالحمل علىٰ أنّ الموضوع هو الاستتار عن الأُفق المستوي، و أنّه في موارد الجهل به معرَّف بذهاب الحمرة، لا أنّ الاستتار مقيَّد بمضيّ زمان مقارن لذهاب الحمرة تعبّداً.

و يؤيّد ذلك ما يظهر من الروايات من جعل حدّ التأخير في بعضها إلى رؤية كوكب، كصحيح «بكر بن محمّد» «6»، و في بعضها إلى رؤية ثلاثة، كصحيح «زرارة» «7»، و في بعضها ظهور النجوم، كصحيح «إسماعيل بن همام» «8»، و في كثير منها إلىٰ ذهاب الحمرة

______________________________

(1) الوسائل 3، أبواب المواقيت، الباب 4 و 8.

(2) الوسائل 3، أبواب المواقيت، الباب 4 و 8.

(3) الوسائل 3، أبواب المواقيت، الباب 16 ح 3 و 4.

(4) الوسائل 3، أبواب المواقيت، الباب 16 ح 3 و 4.

(5) الوسائل 2، أبواب الحيض، الباب 2.

(6) الوسائل 3، أبواب المواقيت، الباب 16، ح 6.

(7) الوسائل 7، أبواب ما يمسك عنه الصائم و وقت الإمساك، الباب 52، ح 3.

(8) الوسائل 3، أبواب المواقيت، الباب 19، ح 9.

بهجة الفقيه، ص: 45

المشرقيّة؛ و من الواضح اختلاف هذه التحديدات زماناً، و عدم إمكان الجمع بين ذلك و بين

التقييد التعبّدي إلّا بطرح ما عدا الأخير.

القول بالملازمة بين علامتيّة ذهاب الحمرة و علامتيّة بدوها و ما فيه و قد يقال: إنّ مقتضى جعل العلامة ذهاب الحمرة، فلازمه علامتيّة ظهور الحمرة في المغرب لطلوع الشمس، فلا يجوز تأخير الصبح إلى بدوّ الحمرة، كما لا يجوز تقديم المغرب علىٰ ذهابها عن المشرق.

و فيه: أنّه لا تعبّد بالتقييد في الصبح، و إن وقع علىٰ قول في المغرب. و أمّا على العلامتيّة المحضة؛ فزوال الحمرة المغربيّة علامة سبق الاستتار عن الأُفق المستوي، و لازمه أن يكون زوال الامتياز بين الأُفق المغربي و غيره علامة علىٰ سبق طلوع الشمس علىٰ أُفق المستوي، مع الجهل بغيم أو جبل في المشرق، لا أن يكون ظهور الحمرة علامة ذلك، بل علامة لقرب الطلوع.

و تقيّد الصلاة بذلك الزمان غير ثابت، و لم ينقل في ما أعلم الالتزام به من أحدٍ تقدّم علىٰ «كاشف اللثام»، حيث حُكي استظهاره لذلك، بناء على العلامتيّة في صلاة المغرب، و إن وافقه ما عن «فقه الرضا» عليه السلام «1» و «الدعائم» «2»، إلّا أنّه لا بدّ من حملهما علىٰ مرجوحيّة التأخير إلىٰ ظهور الحمرة في المغرب.

ذكر محامل للروايات الدالّة علىٰ اعتبار ذهاب الحمرة و أمّا ما روي من صلاة الإمام الرضا عليه السلام المغرب حين ظهرت النجوم، كما في صحيح «إسماعيل بن همام» «3»؛ أو إذا أقبلت الفحمة من المشرق، كما في خبر «محمّد بن علي» «4»،

______________________________

(1) فقه الرضا عليه السلام، ص 104.

(2) دعائم الإسلام 1، ص 139.

(3) الوسائل 3، أبواب المواقيت، الباب 19، ح 9.

(4) الوسائل 3، أبواب المواقيت، الباب 16، ح 8.

بهجة الفقيه، ص: 46

فيمكن أن يكون ذلك لاستحباب التّأخير إلىٰ وقت الاستبانة المطلقة، كما

روي مثله في تأخير صلاة الصبح «1»، مع أنّ الثاني في السفر، و هو من الأعذار كما هو ظاهر، و الأوّل لا دلالة فيه علىٰ الاستمرار، بل علىٰ وقوعه مرّة.

مع أنّ استمرار عمل الشيعة لو كان علىٰ عمل، لا يدلّ علىٰ وجوبه، فإنّهم يلتزمون بكثير من المستحبّات، كالقنوت الذي هو شعار الشيعة، و هو من المستحبّات لديهم.

مع أنّ التوقيت في الظهرين كما مرّ وارد بالذراع و الذراعين، و قد رفع اليد عنه بما دلّ علىٰ علّة التوقيت، كما ورد التحديد و التوقيت هنا بذهاب الحمرة مطلقاً، و ورد التعليل بأنّه لإحراز سبق الاستتار علىٰ ما يستفاد ممّا دلّ عليه.

مع أنّ صحيح «بكر بن محمّد» المحدّد للأوّل برؤية الكوكب علىٰ ما يستظهر منه موقّت للآخر بغيبوبة الشفق، و كما أنّ هذا وقت الفضيلة، فليكن ما فيه من بيان أوّل الوقت للفضيلة. و الإنصاف أنّ الجمع بين الطائفتين بالحمل علىٰ بيان العلامة لمرتبة من السقوط، مع وضوح السقوط عرفاً، و وضوح الاستتار عن الأُفق المستوي، ممّا لا يرضىٰ به صاحب الذوق السليم في فهم الروايات المحكيّة عن جماعة هم أفصح الكلّ؛ بل نفس روايات الذهاب بعد شرح بعضها لبعضها بما فيه التنصيص على العلامتيّة، من أدلّة كون الموضوع نفس الغروب و الاستتار؛ و أنّه لا فرق في الموضوع بين الفجر و الزوال و الغروب في الموضوعيّة؛ و أنّ الاختلاف و التّأخير في الأدلّة على هذه الأوقات.

و الظاهر من الذاهبين إلىٰ الانضمام من المتأخّرين، هو رؤية الغلبة في المفتين من الصدر الأوّل بذلك، حتى حُكي الإجماع عليه مؤيّدة باستمرار العمل علىٰ ذلك بين الشيعة.

و هذا لو سلّم، ليس فيه حجّة على شي ء؛ فإنّ الفتوىٰ، على طبق النصوص حملًا

لها

______________________________

(1) الوسائل 3، أبواب المواقيت، الباب 27، ح 5 و 6.

بهجة الفقيه، ص: 47

علىٰ ما فيها من الشرح، و قد عرفت أنّ روايات الشرح أيضاً بين شارح و مشروح؛ فالعبرة بما فيه نصوصيّة على العلامتيّة، فلا يمكن الاعتماد على فتاويهم في الواضحات.

و أمّا العمل، فهو مع موافقته للاحتياط علىٰ ما مرّ لا يكشف عن اللزوم، لإمكان أن يكون هذا من شعار الشيعة في قبال غيرهم؛ كما أنّ القنوت في مطلق الصلوات في المحلّ المخصوص شعار لهم، مع أنّه غير واجب.

و أمّا رواية رؤية الكوكب بعد جنّ الليل في مصحّح «بكر بن محمّد»، عن أبي عبد اللّٰه «1» عليه السلام، فلعلّ المشار إليه في الجواب هو الجنّ، أو الرؤية بعد الجنّ، لا مطلق الرؤية، و لا مطلق الليل؛ و هو مع مخالفته لذهاب الحمرة لا يعلم أنّ تحقّق بدوّ الظلمة بنفس الاستتار، و في زمانه، أو في زمان الذهاب؛ فإنّه تدريجي الحصول إلىٰ ما بعد الذهاب أيضاً، لأنّه إضافي. و أمّا خبر «أبان» عن الإمام الصادق عليه السلام في وتر رسول اللّٰه صلى الله عليه و آله و سلم و أنّه علىٰ مثل مغيب الشمس إلىٰ صلاة المغرب «2»، فيحتمل أن يراد به أنّه صلى الله عليه و آله و سلم ما كان يقدّم الوتر بمعنى الثلاث ركعات علىٰ مقدار صلاة المغرب؛ و ما كان يؤخَّر فصلاة المغرب، يراد بها حينئذٍ تمام الصلاة زماناً، لا زمان الشروع فيها، فيكون موافقاً لخلاف المشهور. و احتمال هذا مانعٌ عن الاستدلال، أو يحمل على الفضل على أحد الاحتمالين في ما فيه الفضل؛ كما أنّ أصل هذا الوقت للوتر ندبي، و لو علىٰ من وجب عليه الوتر.

و أمّا

مرسل «ابن أشيم» «3» المعلِّل بكون المشرق مطلًّا على المغرب، فالظاهر أنّ المراد أنّ موضع الحمرة في المشرق مشرف على موضع الغروب من الأُفق غير محاذ له؛ فالذهاب من الموضع العالي يكشف عن سبق الذهاب من الموضع الداني الموازي للأُفق، و ليس فيه أنّ حدوث الحمرة فيه ملازم لعدم الغروب عن الأُفق المستوي؛ كما

______________________________

(1) الوسائل 3، أبواب المواقيت، الباب 16، ح 6 و 5 و 3.

(2) الوسائل 3، أبواب المواقيت، الباب 16، ح 5.

(3) الوسائل 3، أبواب المواقيت، الباب 16، ح 3.

بهجة الفقيه، ص: 48

أنّ حدوث الحمرة في المغرب مع وجود الإشراف على الوجه المتقدّم، ليس كاشفاً عن الطلوع علىٰ الأُفق المستوي، و إنّما يقتضي المقابلة الموجبة للاحمرار مع النازل عن الأُفق المستوي من الشمس؛ كما أنّ المقابلة للحمرة المغربيّة مع النازل من الشمس عن الأُفق المستوي في المغرب كذلك، و يمكن أن يكون هذا من إرشاداتهم المختصّة بأهل البيت عليهم السلام.

و ممّا يؤيّد القول بالاستتار أنّ لازم القول المنسوب [إلىٰ] الشهرة على خلاف ما يفيده كلام «الشرائع» «1» من أنّه الأشهر، و أنّ مختاره غيره، و أنّه أشهر غير مشهور يقابله النادر أن يكون الاعتبار بأمر آخر غير غروب الشمس ينضمّ إلى غروبها، حتى أنّ ذلك ليس لاستبانته كما في الفجر؛ و هذا باعتبار مخالفته للمرتكزات، و مخالفته لما عليه المعظم، لو كان مذهباً لأهل البيت عليهم السلام لكانوا ينادون به و يفهمون خواصّه، و قد علمنا أنّهم لم يفهموا إلّا علامتيّة الذهاب للغروب المحسوس؛ [و] تقدم ذلك علىٰ زمان ذي العلامة في الأُفق المستوي و العلامتيّة لمرتبة من الغروب، هو عبارة عن التعبّد بالتقييد بالانضمام، و هو محتاج إلىٰ تصريح مفقود،

بل مفقود فيه ظهور، لمحكوميّة الظهور في التوقيت للظهور في التعليل بالأماريّة بل النصوصيّة، كما لا يخفىٰ على المنصف المتأمّل.

و على الرجوع إلى التقييد، يرجع التعارض بين خبرين:

أحدهما قوله عليه السلام

مسّوا بالمغرب قليلًا، فإنّ الشمس تغيب من عندكم قبل أن تغيب من عندنا «2»

و الآخر قوله عليه السلام للموافق عملًا للذهاب بالتعليل المتقدّم بأنّه

إنّما عليك مشرقك و مغربك «3»

بعد صلاته بمجرّد الغيبوبة.

و لا جمع أحسن هنا من أن يكون قوله عليه السلام

مسّوا

موافقاً للواقع، و يكون

______________________________

(1) جواهر الكلام، 7 ص 109 106.

(2) الوسائل 3، أبواب المواقيت، الباب 16، ح 13.

(3) الوسائل 3، أبواب المواقيت، الباب 20، ح 2.

بهجة الفقيه، ص: 49

التعليل للتقيّة، لبيان الواقع بأنّه على خلاف الواقع بقوله عليه السلام

إنّما عليك مشرقك و مغربك ..

و الحمل على التقيّة في الأخبار بالثاني لملاحظة المستمعين لها، مع التقيّة في إخباره عن عمله عليه السلام علىٰ خلاف الواقع الفرضي، كما ترى، يتأدّى التقيّة بأخفّ الضرورتين؛ فإنّ الأصل الجهتي يؤخذ به ما لم يظهر خلافه بشواهد على الخلاف، و ليس مطلق المخالفة لما عليه العامّة شاهداً يؤخذ به، و إلّا لما بقي للأصل محلّ، كما هو واضح.

و أمّا خبر «الشحّام» «1» في صعود «جبل أبي قبيس»، و رؤية الشمس خلف الجبل في زمان اشتغال الناس بالصلاة، فهو و إن دلّ ذيله علىٰ الاعتبار بمشرق المصلّي و مغربه إذا لم ترَه خلف الجبل كما ذكره في الصدر، إلّا أنّه لا بدّ من شرحه بإرادة الغروب عن الأُفق المستوي، و كفاية حدس ذلك بالغيبوبة عن النظر؛ فإنّه يحدس منها الغيبوبة عن الأُفق المستوي بعد زمان، فيعتدّ بهذا الحدس القطعي ما لم ينكشف خلاف قطعه؛ فلا

بدّ من حمل قوله عليه السلام

إذا لم تَرها خلف الجبل «2»

على إلحاق العلم بالاحتمال، لكونه خلف الجبل، مع عدم القطع بسبب الغيبوبة السابقة على الغيبوبة عن أسفل الجبل أيضاً؛ و علىٰ أيٍّ، فهو من أدلّة القول بالاستتار، لعدم اعتبار الذهاب فيه؛ بل من المعلوم بُعْد التقييد بزمان منتظر في روايات الاستتار؛ مع عموم البلوىٰ و طول الزمان، حتى أنّ الراوي رأى صلاة الإمام عليه السلام مع عدم ذهاب الشعاع، و ذكر لراوٍ أنّه يصلّيها قبل الذهاب.

مع أنّ الجمع بين العلامتيّة و سقوط القرص في بعض الروايات كالمنقول عن «فقه الرضا» عليه السلام «3» نصّ في إرادة العلامة مع الجهل، لا في إرادة حد آخر مع الاستتار غير مربوط بالنظر إلى الأُفق، بل متأخّر عن الغيبوبة عن النظر بكثير.

______________________________

(1) الوسائل 3، أبواب المواقيت، الباب 20، ح 2.

(2) الوسائل 3، أبواب المواقيت، الباب 20، ح 2.

(3) فقه الرضا عليه السلام، ص 103 104.

بهجة الفقيه، ص: 50

و المحتمل في عبارة «فقه الرضا» عليه السلام علىٰ ما حكي، و هي «أوّل وقت المغرب سقوط القرص إلىٰ مغيب الشفق» إلى أن قال: «و الدليل علىٰ غروب الشمس ذهاب الحمرة من جانب المشرق، و في الغيم سواد المحاجر، و قد كثرت الروايات في وقت المغرب، و سقوط القرص، و العمل من ذلك علىٰ سواد المشرق إلى حدّ الرأس» «1» أن يكون قوله: «و قد كثرت الروايات» من كلام الجامع، لا من كلامه عليه السلام، و قد عثرنا في هذا الكتاب، على بعض الشواهد علىٰ عدم كون الكلّ من عبارات الإمام عليه السلام؛ فإنّ روايتهم عليهم السلام عن غيرهم ليست بتلك الكثرة التي يحمل عليها المشكوك؛ مع أنّه لو كان

من كلامه عليه السلام، فلا يحمل على معنىٰ ينافي صدر كلامه الجامع بين السقوط و الدليل.

و غاية ما فيه و في أمثاله من الروايات الموقّتة بالذهاب، مطلوبيّة التأخير من باب الاحتياط من الشارع، دون المكلّفين الواقع في قطعيّاتهم الخطأ الكثير؛ لكن المطلوبيّة لو كانت ملزمة، كانت مطلقات سقوط القرص خالية عن الفائدة غير التقيّة التي لا يحمل عليها الرواية إلّا بسبب المعارضة المفقودة مع الجمع الواضح العرفي، حيث نصّ في بعضها على العلامتيّة و الدليليّة، فيحمل عليه ما فيه التوقيت الظاهر في التحديد و الاعتبار في الموضوع، و كون السقوط جزءً للموضوع.

فما في «المفتاح» «2» من ورود عشرة دالّة، و اعتبار خمسة منها بحسب ما أورده من كلام المصحّحين لها، و حكاية مذهب المعظم، و نحو ذلك من الأصحاب، بل الإجماع عن «السرائر»، إنّما يفيد إذا لم تكن الشهرة معلومة المدرك، الواضح فيه الجمع بين المختلفات.

و أمّا ما روى «يعقوب بن شعيب» في خبر عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام من قوله عليه السلام

______________________________

(1) تقدم آنفاً.

(2) مفتاح الكرامة، 2 ص 25 26.

بهجة الفقيه، ص: 51

مسّوا بالمغرب قليلًا. «1»

، فهو من أدلّة الاستحباب، إذ لا حدّ للتسمية، فتصدق بأقلّ من دقيقة؛ فإنْ حمل علىٰ من كان بلده في شرق المدينة، فيكون الغروب فيه قبل الغيبوبة فيها، لزم ملاحظة ذلك في جميع البلاد، و هي المنفيّة في رواية «2»، بل مخالفة للضرورة، لتفاوت وقت الغروب بحدّ لا يمكن ملاحظتها لأهل الأرض.

و لو حمل على وجود الجبل في بلد السائل دون الإمام عليه السلام أي في غربيتهما، فالتقيّة واضحة، و الملاحظة متعيّنة، و هو المناسب لتعليل الأمر بالتسمية قليلًا، و لا ربط لها بذهاب الحمرة، كما

هو واضح؛ فهو كما دلّ علىٰ رؤية الكوكب أو النجوم أو ذهاب الحمرة أو مجاورتها إلى المغرب من جهة أنّ الاختلاف هنا و في نظائره من شواهد الاستحباب، مع أنّ في بعضها كخبر «جارود» «3» أنّه أمر بالتسمية إلىٰ ذهاب الحمرة، فجعلها الخطاب ذهاب الشفق، فخالفهم الإمام عليه السلام عملًا بالصلاة حين الاستتار. و هل تتمّ المخالفة بالصلاة قبل الوقت؟ كما في ذلك الخبر، حيث قال

فأنا الآن أصلّيها إذا سقط القرص

و هل لا يكون ذلك كاشفاً عن أنّ أمره السابق كان استحبابيّا؟

كما أنّ حمل ما روي «4» من صلاته عليه السلام في الطريق قبل ذهاب الشعاع، على التقيّة، من أعجب الأمور؛ فإنّه لا داعي إلى التقيّة إلى هذا الحدّ في الطريق الذي هو معذور عن الصلاة في أوّل الوقت فيه قطعاً، ثم إنّه بعد صلاته يتّقي عن أصحابه الذين صلّوا معه، و تعجّبوا من صلاته أيضاً ببيان أنّه أول الوقت، و أصحابه كيف اقتدوا به مع اعتقادهم عدم دخول الوقت، لو لم يكن اعتقادهم أنّه وقت مخالف للفضل، ثم إنّهم يسألونه عن صلاته في هذه الساعة، فيجيبهم و هم من أصحابه بكفاية غيبوبة الشمس في دخول الوقت.

______________________________

(1) الوسائل 3، أبواب المواقيت، الباب 16، ح 13.

(2) الوسائل 3، أبواب المواقيت، الباب 20، ح 2.

(3) الوسائل 3، أبواب المواقيت، الباب 16، ح 15 و 23.

(4) الوسائل 3، أبواب المواقيت، الباب 16، ح 15 و 23.

بهجة الفقيه، ص: 52

و كذا لا وجه لحمل مخالفته مع المؤخّر للمغرب، و الصبح بعكسه عليه السلام، في رواية «عبيد بن زرارة»؛ فإنّ التقيّة بعد المخالفة مخالفة ثانية في موافقته، ثم بيان أنّ المدار علىٰ مشرق المصلي و مغربه، فيكون الاستتار

عن أُفق المصلّي و نظره أوّل الوقت، و من الواضح أنّ تقديم الصلاة على وقتها غير ترك الأفضل، بل إنّما يسوّغه ما يسوّغ الحرام تقيّة مع البناء الظاهر منه علىٰ عدم الإعادة في السفر.

و أمّا صحيحة «يعقوب بن شعيب» «1»، فمع أنّ التعليل بظهوره مدفوع بالضرورة بمخالفته لما في رواية «عبيدة بن زرارة»

إنّما علينا أن نصلّي إذا وجبت الشمس عنّا. «2»

، يمكن حملها على القبليّة لوجود الجبل و نحوه في طرف المغرب من بلادهم، بخلاف بلده عليه السلام إن كان الواقع هكذا، و لعلّه الموافق لمطلق التمسية المأمور بها فيها، و في خبر «جارود»

قلت لهم: مسّوا بالمغرب قليلًا «3».

و أمّا رواية صعود الجبل و هو صحيح حريز «4» في زمان صلاة الناس للمغرب، فيمكن أن يستفاد منها أنّ الغيبوبة عن الأُفق في نظر المصلّي تكفي، و تكون أمارة الغروب ما لم يرَ القرص بالصعود، أو يعلم ذلك بقياس الوقت، و إنّما لا تكفي في ما لو كانت الغيبوبة بالغيم المساوي لما قبل الغروب و ما بعده.

و مثلها رواية الحائطة و هي مكاتبة «عبد اللّٰه بن وضّاح» «5» الظاهرة في الاستحباب إذا حمل على الحمرة فوق الجبل و على الجبل، لا الحمرة المشرقيّة التي لا يناسبها ذكر الجبل؛ فإنّها ظاهرة مع الجبال و عدمها، لكنّ تأخّرها عن إقبال الليل في الرواية و التعبير بالحُمرة دون الشعاع، ربّما يرجّح الموافقة لأخبار المشهور. و الشعاع هو الذي

______________________________

(1) الوسائل 3، أبواب المواقيت، الباب 16، ح 13.

(2) الوسائل 3، أبواب المواقيت، الباب 16، ح 22.

(3) الوسائل 3، أبواب المواقيت، الباب 16، ح 13.

(4) الوسائل 3، أبواب المواقيت، الباب 20، ح 2.

(5) الوسائل 3، أبواب المواقيت، الباب 16،

ح 14.

بهجة الفقيه، ص: 53

عبّر به في رواية صلاة الإمام الصادق عليه السلام في الطريق

و نحن ننظر إلىٰ شعاع الشمس «1»

، إلّا أن يكون من إطلاق الشعاع على الحمرة، و ليس كإطلاق الحمرة على الشعاع.

و هذا و إن كان غير محلّ البحث، إلّا أنّ الالتزام بكفاية السقوط عن الحسّ في الأُفق المستوي، و إن بقي الشعاع المرئي في المواضع المرتفعة من الجبال و غيرها مشكل، للزوم الاستتار عن جميع المكان الواحد، حتى من كان على الجبل الواقع في المغرب أو المشرق، و إن أمكن الاكتفاء بالسقوط حسّا في الأُفق المستوي مع عدم الارتفاع في سطح ذلك المكان بجبل أو نحوه؛ فمقتضى الاحتياط بل هو الأظهر، هو التأخير مع المشاهدة للشعاع، و لعلّ الذمّ في الرواية على الصعود، لمكان عدم الاكتفاء بالأمارة، مع انتهاء الصعود إلى الحرج على النوع.

هل الراجح انتظار الذهاب، أو المبادرة إلى الصلاة؟

و هل الراجح مع الغيبوبة عن الحسّ في الأُفق المستوي بلا اختلاف للسطح في مكان المصلي بطرفيه شرقاً و غرباً هو الانتظار للذهاب، اللازم مع الغيم و نحوه من الحائل، فيكون مع عدمه أيضاً راجحاً، لقوله عليه السلام

مسّوا، فإنّ الشمس تغيب عندكم.

و لقوله عليه السلام

غابت الشمس من شرق الأرض و غربها «2»

، و لا ينافيه قوله عليه السلام

إنّما عليك مشرقك و مغربك. «3»

، لأنّه للوقت، و الأوّل للرجحان؟ أو الصلاة بمجرّد الغيبوبة عن الحسّ في الفرض المذكور؟ كما يستفاد ممّا حُكي صلاة رسول اللّٰه صلى الله عليه و آله و سلم بالناس، و الناس يرون مواضع نبلهم «4».

______________________________

(1) تقدم آنفاً.

(2) الوسائل 3، أبواب المواقيت، الباب 16، ح 1.

(3) تقدم تخريجها في ص 51 الهامش 3.

(4) الوسائل 3، أبواب المواقيت، الباب 18، ح

5.

بهجة الفقيه، ص: 54

و نحوه رواية «صفوان بن مهران»، و فيها

إذا غاب القرص فصلّ المغرب، فإنّما أنت و مالُك للّٰه. «1».

و ما روي من صلاة الإمام الرضا عليه السلام «2»، مع مخالفته لما روي من صلاة الإمام الصادق عليه السلام «3»، و وقوع الصلاتين في الفعلين في السفر، المطلوب فيه السير مع عدم الظلمة، فلا يكون التقديم إلّا لدخول [الوقت]، و عدم رجحان التأخير. كما أنّ استمرار العمل منه صلى الله عليه و آله و سلم على الصلاة في ذلك الوقت، لا يكون إلّا للرجحان؛ مع أنّ أوّل الوقت و المبادرة أفضل للصلاة، و الحمل على التقيّة في الموافقة في بيان الحديث النبوي، أي في الكذب عليه صلى الله عليه و آله و سلم، قد مرّ ما فيه.

و الظاهر أنّ صدور كثير من التكلّفات في روايات الاستتار، منشأ [ه] ملاحظة الشهرة، مع أنّ من المقطوع به عدم اختلاف المشهور معنا إلّا في فهم الروايات، لا في شي ء آخر وصل إليهم دوننا، مع أنّه قد عبّر في «الشرائع» «4» عنه بأنّه الأشهر، إن أراد الفتوىٰ كما هو الأظهر، دون الرواية؛ فلا وجه لدعوى الانجبار مع عدم الفرق إلّا في الفهم و الدلالة التي لا تنجبر بالشهرة، نعم دعوى الصحّة و التصحيح، لا بأس بها في جملة من روايات المقام، فيأتي ما ذكرناه في الدلالة.

نتيجة المباحث السابقة

و الحاصل أنّ روايات الذهاب بعد التأمّل فيها قابلة للجمع العرفي بين التعابير الواقعة فيها أوّلًا، و بَعد هذا الجمع، للجمع المتحصّل من جمع ما فيها، بين ما دلّ على الاستتار؛ بل يمكن الاستدلال ببعضها علىٰ أنّ الموضوع هو السقوط و لو لم تكن

______________________________

(1) الوسائل 3، أبواب المواقيت، الباب

18، ح 24.

(2) الوسائل 3، أبواب المواقيت، الباب 16، ح 8 و 23.

(3) الوسائل 3، أبواب المواقيت، الباب 16، ح 8 و 23.

(4) شرائع الإسلام 1، ص 51، ط: إسماعيليان قم.

بهجة الفقيه، ص: 55

روايات السقوط؛ كما وقع في بعضها من التصريح بالعلامة الظاهرة قويّاً في أنّ الموضوع للحكم هو ذو العلامة لا العلامة، و لا المنضمّ إليها.

إشارة إلىٰ بعض الروايات الدالّة علىٰ كفاية الاستتار و أمّا مرسل «ابن أشيم» «1»، ففيه الاستدلال على الحكم بالمرتكز عند الراوي، و من الواضح أنّ التعليل لا يكون بأمر يدخل فيه التعبّد، و من الواضح أنّ التعليل لا يستقيم بناءً علىٰ مداخلة الذهاب بنحو يفهمه العرف من قبل أنفسهم، بأن يكون علامة عن السقوط إلى درجة خاصّة متأخّرة عن السقوط الحسّي؛ فلا يكون الذهاب إلّا علامة على سبق تحقّق الموضوع الذي هو نفس سقوط القرص.

و كذا التعليل في الرواية الأُخرى «2» بتقدّم الغيبوبة في أُفق الراوي عليها في أُفق الإمام عليه السلام، بعد معلوميّة عدم لزوم توافق زمان الغيبوبة في الأرض، بل عدم إمكانه، و عدم مناسبة التمسية القليلة مع الذهاب، فيحمل على ما قدّمناه، أو على الاستحباب احتياطاً من الشارع، لتخلّف اعتقاد المصلّين كثيراً، و لئلّا يقعوا في إعادة الصلاة بعد كشف الخلاف، و في قضاء الصوم.

و هذا الاحتياط من قبل الشارع يحتمل في ما فيه التوقيت بذهاب الحمرة أيضاً؛ فإنّه لا يخلو من أن يكون الملحوظ احتياط المصلّي لزوماً، أو احتياط الشارع الملاحظ لاعتقادات المصلّين ندباً. و على تقدير عدم محمل آخر غير ما قدّمناه، يتعيّن ما ذكرناه في وجه التقدّم في الغيبوبة، مع أنّه غير ما هو المنسوب إلى المشهور. و كيف كان، فهذه الرواية

مصرّحة بأنّ الموضوع هو الغيبوبة، و معلّلة للتأخير بالقبليّة الغير اللازم مراعاتها قطعاً؛ فالروايتان، من أدلّة القول بالاستتار.

كما أنّ العمل من الإمام الرضا عليه السلام «3» لا يدلّ على الصلاة بلا جبل أو حائل أو غيم

______________________________

(1) الوسائل 3، أبواب المواقيت، الباب 16، ح 3.

(2) الوسائل 3، أبواب المواقيت، الباب 16، ح 13.

(3) الوسائل 3، أبواب المواقيت، الباب 16، ح 8.

بهجة الفقيه، ص: 56

بعد سواد المشرق، كما أنّ عمله في البلد كذلك؛ مع أنّ عمل النبيّ صلى الله عليه و آله و سلم في البلد لا يحمل فيه الصلاة قبل الوقت، و هو حجّة على كفاية الإحراز للسقوط و لو في البلد؛ و كذلك عمل الإمام الصادق عليه السلام ما رأوه و ما حكاه عليه السلام من صلاة نفسه بالغروب و الغيبوبة.

مسألة عدم جواز تأخير الظهرين عن الاستتار و ما يستفاد منها

و أمّا تقوية عدم جواز تأخير الظهرين عن الاستتار، فلازمه الجزم بعدم وجوب الظهرين قبل الذهاب إذا أخّره لعذر أو بدونه، و هو لا يناسب احتمال عدم صحّة المغرب في هذا الوقت. و الاحتياط اللزومي بتأخيره عن الذهاب؛ بل الموافق للمرتكزات و لما دلّ عليه روايات سقوط القرص، هو عدم جواز تأخير الظهرين، و عدم وجوب فعلهما قبل الذهاب، و صحّة المغرب قبل الذهاب. و الاحتياط في تأخير المغرب للذهاب، هو الموجب للاحتياط في عدم تأخير الظهرين عن الاستتار، و عدم تأخيرهما لو أخّرهما عنه إلى الذهاب.

فالاحتياط في تأخير المغرب لاحتمال عدم دخول وقته، يلازم احتمال وجوب الظهرين، لاحتمال بقاء وقتهما؛ و عدم جواز تأخيرهما، لاحتمال خروج وقتهما بالاستتار؛ فلا يمكن الجزم بعدم بقاء وقت الظهرين بعد الاستتار و عدم الجزم بصحّة المغرب حينئذٍ قبل الذهاب، لأنّ نهاية الظهرين بداية العشائين على

حسب ما هو المرتكز بين المسلمين؛ فلا يمكن الاحتياط في تأخير المغرب، لاحتمال عدم دخول الوقت؛ و عدم الاحتياط في فعل الظهرين لو أخّرهما، لاحتمال عدم خروج الوقت؛ و عدم الاحتياط في تأخيرهما، لاحتمال خروج وقتهما، بل يجزم بالخروج المخالف لاستصحاب البقاء، كموافقة عدم دخول وقت المغرب لاستصحاب عدمه؛ كما أنّه مع الجزم بالانتهاء و عدم جواز التأخير للظهرين، يجزم بعدم وجوب فعلها بين الاستتار و الذهاب، و بجواز المغرب في ما بين هذين الحدّين؛ فالتفكيك بين المتلازمين بالجزم بأحدهما دون الآخر، ممّا يجزم بالخلاف. و احتمال التعبّد في خصوص المغرب بدخل

بهجة الفقيه، ص: 57

زمان في الموضوع، منافٍ لتصديق الكل بأنّ الموضوع هو الغروب، و الاختلاف في ما يعرف به، مع معلوميّة مورد هذا الاختلاف.

و بالجملة: فحمل أخبار الاستتار على التقيّة، من أعجب الأمور؛ و تقييد إطلاقاتها الموافقة للعمل في بعضها مع عموم البلوىٰ بالمطلقات الموافقة للمرتكزات، أيضاً عجيب.

و أمّا عمل الأصحاب على طبق ذهاب الحمرة، فلا يكشف إلّا عن استعلامهم بهذه العلامة، العامّ وقوعُ الحاجة إليها في البلدان و في الصحاري مع الجبال في المغرب، لا فيه و في المشرق بنحو الحيلولة عمّا فوق الأُفق من الحمرة، و في الغيم في جميع المواضع إذا لم يعمّ المشرق، مع عدم هذه الساعات المتداولة التي فيها ما يعرف الغروب عن الأُفق المستوي دقيقاً.

مع أنّ هذه العلامة من اختصاصاتنا المخزونة عند الأئمّة عليهم السلام، حيث إنّ العامّة لا يذكرونها في ما ظفرت به. نعم، أرسل في «المعتبر» عن النبي صلى الله عليه و آله و سلم، أنّه قال

إذا أقبل الليل من هيهنا و أدبر النّهار من هيهنا و غربت الشمس، أفطر الصائم «1»

و احتياجه

إلى شارحيّة رواياتنا المعهودة معلوم؛ فذكرها في المقام مِن أفيَد شي ء، و هو لا ينافي كونه احتياطاً في الموضوع، أو استحباباً يكون احتياطاً من الشارع في عدم الوقوع للمصلّين بسبب اعتقاداتهم للغروب في خلاف الواقع.

تتميم و فائدة في بيان وقت صلاه المغرب

إشارة إلى آراء العلماء في وقت المغرب

لا يخفى أنّ الروايات الواردة في الاعتبار في وقت المغرب و الإفطار، بزوال الحمرة

______________________________

(1) المعتبر، ص 140.

بهجة الفقيه، ص: 58

المشرقية، كما هو المشهور، كما عن عدّة كتب بل عن «السرائر»: «إنّه إجماع»، و عن «المعتبر»: «إنّه عليه عمل الأصحاب»، و عن «التذكرة»: «إنّه عليه العمل»، و عن «الشرائع» و «الذكرى»: «إنّه أشهر»، و عن «كشف اللثام»: «إنّه مذهب المعظم»، و عن «المنتهىٰ» و «جامع المقاصد» و «المدارك» و «المفاتيح»: «إنّه مذهب الأكثر»، و عن «الاستبصار» و «الصدوق» في الرسالة و «المقنع»: اختياره؛ أو بغيبوبة الشمس، كما عن «المرتضى» و «ابن الجنيد» و عن «المبسوط» و «الحدائق» و صاحب «المنتقى» و تلميذه في شرحه و صاحبي «الكفاية» و «المفاتيح» و هو محتمل «الهداية»، كما أنّه مختار صاحبه في «العلل» و «سلّار» و «السيد» في «الميافارقيّات» و هو محكي عن ظاهر «القاضي» في «المهذب» و شرح الجمل و كذا عن «أبي على»، كما عن «كشف اللثام» و عن صاحب «مجمع البرهان» و «المدارك» تقويته و عن «الحبل المتين» نفي البعد عنه و استظهر اختياره في حاشية الوحيد و عن «الكافي» و جماعة ممّن تأخّر أنّه ينبغي التأخير إلى ذهاب الحمرة من ربع الفلك المشرقي، أي ذهابها من الأُفق إلى أن تجاوز سمت الرأس.

و قال في «المبسوط»: «و وقت المغرب غيبوبة الشمس و آخره غيبوبة الشفق و هو الحمرة من ناحية المغرب و علامة غيبوبة الشمس هو أنّه إذا رأى الآفاق

و السماء مضحيّة و لا حائل بينه و بينها و رآها قد غابت عن العين علم غروبها. و في أصحابنا من يراعي زوال الحمرة من ناحية المشرق و هو الأحوط؛ فأمّا على القول الأوّل إذا غابت الشمس عن البصر و رأى ضوأها على جبل يقابلها أو مكان عالٍ، مثل منارة إسكندرية أو شبهها؛ فإنّه يصلّي و لا يلزمه حكم طلوعها بحيث طلعت و على الرواية الأخرى لا يجوز ذلك حتى تغيب في كلّ موضع تراه و هو الأحوط.

و قال في «الجمل و العقود»: «و أوّل وقت المغرب غيبوبة الشمس و آخره غيبوبة الشفق و هو الحمرة من ناحية المغرب».

و قال في «النهاية»: «و أوّل وقت صلاة المغرب، عند غيبوبة الشمس و علامته

بهجة الفقيه، ص: 59

سقوط القرص و علامة سقوطه عدم الحمرة من ناحية المشرق».

و قال في «الغنية»: «فإذا غربت الشمس، خرج وقت العصر و دخل وقت المغرب».

و قال في «المراسم»: «و وقت المغرب عند غروب الشمس و عبّر عنه في وقت العصرين بقوله: «إلى أن يبقى إلى مغيب الشمس مقدار أداء ثمان». و قال في «الوسيلة»: «و وقت المغرب غروب الشمس و علامته زوال الحمرة من ناحية المشرق؛ و قال في «الناصريات» بعد قول الناصر للمغرب وقتان كسائر الصلوات عندنا: «إنّ أوّل وقت المغرب مغيب الشمس و آخر وقتها مغيب الشفق الذي هو الحمرة».

و قال في «الخلاف»: «أوّل وقت المغرب، إذا غابت الشمس و آخره إذا غاب الشفق و هو الحمرة. و ذكر في الدليل أنّ ما اعتبرناه مجمع عليه بين الفرقة المحقّة أنّه من الوقت و إنّما اختلفوا في آخره».

قال في «المنتقى»: «و قد دلّت الأخبار الكثيرة على أنّ أوّل وقتها للإجزاء

سقوط القرص و مرّ منها جملة في الصحيح الواضح و يأتى في الحسان منها خبر» إلى أن قال: «و لا بأس بإيراد نبذة من الأخبار الدالّة على أنّ أوّل الوقت المغرب للإجزاء سقوط القرص و أنّ التأخّر عنه للفضيلة و ليست على أحد الوصفين، إذ فيها ما هو قويّ الإسناد، فهو نصّ بالوجه الذي ذكرناه و يشهد بقربه كما قلناه»؛ ثم أورد رواية «جارود» «1» و رواية «زيد الشحام» «2» و رواية «عبيد بن زرارة» «3» و رواية «يعقوب بن شعيب» «4»، ثم ذكر التعويل للقول الآخر على روايات بعضها قاصرة عن إفادة ذلك متناً و كلّها غير ناهضةٍ بإثباته طريقاً و قابلة للحمل على الفضيلة جمعاً و ذكر روايات

______________________________

(1) الوسائل 3، أبواب المواقيت، الباب 16، ح 15.

(2) الوسائل 3، أبواب المواقيت، الباب 18، ح 1 و 8.

(3) الوسائل 3، أبواب المواقيت، الباب 16، ح 24 و الباب 17، ح 11.

(4) الوسائل 3، أبواب المواقيت، الباب 16، ح 13.

بهجة الفقيه، ص: 60

«بريد بن معاوية» «1» و «ابن أشيم» «2» و «محمد بن على صاحب الرضا عليه السلام» «3» و «عمار الساباطي» «4» و «عبد اللّٰه بن وضّاح» «5»، ثم قال: «و من العجيب ادّعاء بعض المتأخّرين دلالة الأخبار الصحيحة على هذا القول و الحال أنّ الصحّة غير محقّقة في شي ء من الأخبار التي يظنّ دلالتها عليه؛ ثم ذكر توهّم العلّامة صحّة الأوّل مع أنّ جهالة «القاسم بن عروة» غير خفية. ثم إنّهم حملوا أخبار غيبوبة القرص على إرادة الغيبوبة التي علامتها ذهاب الحمرة و ليس يخاف أنّ الخروج عن ظاهر الأخبار المعتمدة مع فقد ما ينهض للمعارضة و قرب ما يتخيّل ذلك فيه

إلى الحمل على إرادة الفضيلة، دخول في ربقة المجازفة.

قال في «المعتبر» بعد ما قدّمه في مسألة أُخرى من أوّل وقت المغرب غروب الشمس و هو إجماع العلماء.

و يعرف الغروب بذهاب الحمرة المشرقية و في هذا روايتان إحداهما استتار القرص و أومى إليه في «المبسوط» قال: «إذا غابت عن العين علم غروبها.»

قال: «و من أصحابنا من يراعي زوال الحمرة من المشرق و هو أحوط» رواه جماعة منهم «عمر بن أبي نصر» عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام، قال: «إذا توارى القرص كان وقت الصلاة و أفطر «6».» و روى «إسماعيل بن الفضل الهاشمي» عنه عليه السلام قال: كان رسول اللّٰه صلى الله عليه و آله و سلم يصلّي المغرب حين تغرب الشمس حين يغيب حاجبها» «7» و في رواية «حريز» عن «أبي أسامة» أو غيره قال

________________________________________

گيلانى، فومنى، محمد تقى بهجت، بهجة الفقيه، در يك جلد، انتشارات شفق، قم - ايران، اول، 1424 ه ق

بهجة الفقيه؛ ص: 60

صعدت مرّة جبل أبي قبيس و الناس يصلّون المغرب،

______________________________

(1) الوسائل 3، أبواب المواقيت، الباب 16، ح 1، 7، 11.

(2) الوسائل 3، أبواب المواقيت، الباب 16، ح 3.

(3) الوسائل 3، أبواب المواقيت، الباب 16، ح 8.

(4) الوسائل 3، أبواب المواقيت، الباب 16، ح 10.

(5) الوسائل 3، أبواب المواقيت، الباب 16، ح 14.

(6) الوسائل 3، أبواب المواقيت، الباب 16، ح 30.

(7) الوسائل 3، أبواب المواقيت، الباب 16، ح 27.

بهجة الفقيه، ص: 61

فرأيت الشمس لم تغب و إنّما توارت بالجبل فأخبرت أبا عبد اللّٰه عليه السلام فقال:

بئس ما صنعت إنّما تصلّيها إذا لم ترها خلف الجبل غابت حين تغيب الشمس حيث يغيب حاجبها «1»

و رواية أبي أُسامة الشحّام «2»

بضميمة ما ورد من أنّه يبدو ثلاثة أو غارت و رواية صلاته صلى الله عليه و آله و سلم ثلاثة أنجم مع غروب الشمس، فيكون سقوط القرص في قبال استبانة النجوم، فلا يمكن دعوى ملازمة ذهاب الحمرة لاستبانة النجوم و إن كان لا يخلو عن تأمّل من جهة رمي الخطّابية الظاهر في إرادة اشتباك النجوم بذهاب الحمرة الغربية.

و رواية «عمر بن أبي نصر» في تواري القرص «3»، فإنّ الحمل لمثله و لمثل سقوط القرص على ما يقارن الذهاب لا لعلامتيته مع الجهل، لا يخلو بعده جدّاً.

و بالجملة، فنفي التصريح في روايات الغروب، كما في «الوسائل» كما ترى و مثله ما صنعه العلّامة الأنصاري قدس سره.

و ليس على الناس أن يبحثوا و الثانية إذا ذهب الشفق المشرقي و هو اختيار الشيخ و عليه عمل الأصحاب و رواه جماعة عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام منهم «محمد بن شريح» «4»

وقت المغرب إذا تغيّرت الحمرة في الأُفق و ذهبت الصفرة و قبل أن تشتبك النجوم.

و في رواية ابن أشيم عن بعض أصحابنا عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام، قال: سمعته يقول

وقت المغرب إذا ذهبت الحمرة من المشرق، قال: ثمّ إنّ المشرق مطل على المغرب هكذا و رفع يمينه فوق يساره فإذا غابت الشمس من هنا، ذهبت الحمرة من هنا «5».

و «ابن أشيم» ضعيف و الرواية مرسلة، لكنّها مطابقة للأحاديث الكثيرة يعضدها عمل الأصحاب و الاعتبار.

______________________________

(1) الوسائل 3، أبواب المواقيت، الباب 20، ح 2.

(2) الوسائل 3، أبواب المواقيت، الباب 18، ح 18 و 16.

(3) الوسائل 3، أبواب المواقيت، الباب 16، ح 30.

(4) الوسائل 3، أبواب المواقيت، الباب 16، ح 12.

(5) الوسائل 3، أبواب المواقيت، الباب 16، ح 3.

بهجة

الفقيه، ص: 62

و قد روى عن النبي صلى الله عليه و آله و سلم أنه قال

إذا أقبل الليل من هنا و أدبر النهار من هنا و غربت الشمس، أفطر الصائم «1».

و إن كثرت من الجانبين و صحّت و اتضح دلالتها على القولين فقد عدّ السيد قدس سره في «المفتاح» خمسة من الصحاح و عشرة من غيرها من الصراح بعد أن حكى عن «المنتقى» إنكار خبر صحيح يدلّ على المشهور و عن الشيخ نجيب الدين في شرح الرسالة: «أنّ الأخبار الدالّة عليه قليلة على ضعفها» و تعجَّب من صاحب «التنقيح» حيث قال: «إنّ الروايات به كثيرة».

طريق الجمع العرفي في النتيجة ممّا لا يصحّ إلقاؤها مع عموم البلوى بها مع إرادة التقييد لها احتياطيّاً؛ فإنّه ليس من القبيح تأخير مثل هذا البيان عن وقت الحاجة، مع أنّ أخبار الاعتبار بالغروب، كالنص في عدم اعتبار شي ء آخر.

و روايات زوال الحمرة، غاية ما فيها الظهور في اعتبار الزوال و كون الموضوع زوال الشمس عن أُفق المصلّي و ما جاوره من الآفاق، و النص يحكم على الظاهر، فيحمل على استحباب مراعاة الآفاق المجاورة.

و يؤيد ما ذكرناه الجمع في الرواية بين سقوط القرص و وجوب الإفطار و زوال الحمرة؛ فإنّه لا يظهر وجهه إلّا بالحمل على مرتبة من سقوط القرص أُشير إليها في رواية التعليل لِلأمر بالتسمية قليلًا بسبق المغيب عند طائفة عليه عند اخرى.

و في رواية التذييل لزوال الحمرة بغيبوبة الشمس في شرق الأرض و غربها مع الدلالة في رواية أُخرى على عدم وجوب رعاية غير أُفق المصلّي نفسه و ما دلّ على أنّهم رأوه يصلّي و نحن نرى الشعاع.

و قوله عليه السلام في أخرى: «فأنا أُصلّيها إذا

سقط القرص» أو على الاحتياط الموضوعي لبيان ما هو المعرِّف لسقوط القرص عند الشك فيه.

______________________________

(1) الوسائل 3، أبواب المواقيت، الباب 16، ح 20.

بهجة الفقيه، ص: 63

و يؤيّد الأخير ما وقع من التصريح في الرواية بأنّ الحكم برعاية زوال الحمرة كان احتياطاً.

و ما في التعبير بسقوط القرص فإنّ جعل العلامة على مرتبة منه مع التعبير به بعيد، بخلاف التعبير بالغيبوبة من شرق الأرض و غربها.

و بالجملة، فكثير من روايات زوال الحمرة، صريحة أو ظاهرة في جعل العلامة المنحصر في صورة الجهل بذي العلامة؛ و بعضها ظاهرة في مطلوبيّة التأخير حتى مع العلم بالغروب، كما ورد في تأخير الرضا عليه السلام في سفره الطويل «1».

و ما ورد من الأمر بالتسمية مع التعليل المتقدّم و لا يأبى عن الحمل على ذلك بعض أخبار الزوال مثل ما فيه الغيبوبة عن شرق الأرض و غربها مع ما في دلالته على أصل الاعتبار زيادة على الغروب العرفيّ من عدم معلوميّة الكبرى فيها لو أُريد الاعتبار حيث لم يعلم لزوم رعاية الغيبوبة من الشرق و الغرب الملازمة لرعاية الآفاق المجاورة، بل المعلوم رعاية أُفق المصلّي الملازمة لاعتبار الغيبوبة عن النظر، كما في الخبر الآخر؛ فإنّ ما ذكر يكشف عن تحقّق ملاك المطلوبية في التأخير، مؤيّدة بروايات النجم أو النجوم إلّا أنّها قابلة للحمل على الفضل في رعاية الذهاب عن الآفاق المجاورة لُافق المصلّي الملازم لغيبوبة الشمس بتمام آثارها المشرقيّة، لما في روايات الغروب في قوّة الظهور في كفاية مجرّده مؤيّدة بما فيه قوله عليه السلام

فإنا أُصلّيها إذا سقط القرص «2»

و رؤيته عليه السلام يصلّي و هم يرون الشعاع.

حاصل الجمع العرفي و الحاصل أنّ العمل على ظهور روايات زوال الحمرة لو

سلّم ظهورها في اعتبار أمر زائد على الغروب تعبّداً لا أمارة على المجهول، يوجب الحمل على ما يشبه اللغوية

______________________________

(1) الوسائل 3، أبواب المواقيت، الباب 16، ح 8.

(2) الوسائل 3، أبواب المواقيت، الباب 16، ح 15، مع اختلاف يسير.

بهجة الفقيه، ص: 64

في روايات الغيبوبة، بخلاف العكس، فإنّ تأخير بيان مكمّلات الفرائض و ما فيه الاحتياط لها، لا بأس به؛ بل الاعتبار بالغروب بما له من الظهور في الغيبوبة عن النظر ممّا لا يحتاج إلى البيان؛ فالتصدّي لبيانه تقريراً لما هو المرتكز في الأذهان في مواقيت الصلوات الخمس؛ فإنّ المرتكز هو هذا المتبادر من الغروب كالمتبادر من الزوال كما لا يخفى في قوّة التنصيص على جواز العمل على المعهود المألوف لولا بيان زوال الحمرة.

فانظر إلى صحيح «زرارة» «1»؛ فإنّه يدلّ على أنّ الحكم في العشائين مثله في الظهرين، إلّا أنّ مبدأه الزوال، في الثاني؛ و غيبوبة الشمس، في الأول؛ فهل يمكن ارتكاب النقص في هذا البيان و ارتكاب التقييد بأيّ لسان كان إلى مقام آخر و لراو آخر مع عموم الابتلاء و تأكّد الحكم المتبيّن بالتسوية في كون كلّ من الزوال و الغيبوبة تمام الموضوع.

و مثله ما أرسله «الصدوق» من قوله عليه السلام

إذا غابت الشمس، فقد حلّ الإفطار و وجبت الصلاة. «2».

و مثلهما «مرسلة داود بن فرقد»، و مثل الأوّل في قوة الدلالة صحيح «عبد اللّٰه بن سنان» حيث إنّ فيه

إذا غربت الشمس، فغاب قرصها «3».

و مثله صحيح زرارة

وقت المغرب إذا غاب القرص «4».

و ما أرسله الصدوق

وقت المغرب إذا غاب القرص «5»

، و مثله ما أسنده إلى جابر عن أبي جعفر عليه السلام «6».

______________________________

(1) الوسائل 3، أبواب المواقيت، الباب 10، ح

3.

(2) الوسائل 3، أبواب المواقيت، الباب 16، ح 19.

(3) الوسائل 3، أبواب المواقيت، الباب 16، ح 16.

(4) الوسائل 3، أبواب المواقيت، الباب 16، ح 17.

(5) الوسائل 3، أبواب المواقيت، الباب 16، ح 18.

(6) الوسائل 3، أبواب المواقيت، الباب 16، ح 20.

بهجة الفقيه، ص: 65

و رواية عبيد اللّٰه بن زرارة و فيها

و كنت أنا أُصلّي المغرب إذا غربت الشمس «1»

في مقابل عمل الغير كان يمسّي بالمغرب؛ فإنّه يصدق التمسية بذهاب الحمرة المشرقيّة.

و رواية «أبان بن تغلب» في صلاته عليه السلام في زمان نظرهم إلى شعاع الشمس المتأكّد بقوله على طبق عمله

إذا غابت الشمس فقد دخل الوقت «2»

؛ ففي هذا الطرف الظهور الإطلاقي القويّ من جهة تأكّد التعبير بعبارات متقاربة و موافقة العمل للقول و مخالفة العمل للمخالف مع التصريح في تصحيح العمل بأنّ كلّ مصلّ يراعي أُفق نفسه من جهة عموم البلوى بالحكم المانع عن كلّ تصرّف مخالف.

و في الطرف الآخر ظهورات قابلة لرفع اليد و الحمل على الندب أو على الاحتياط في الشبهة الموضوعيّة، كرواية بريد بن معاوية عن أبي جعفر عليه السلام «3»؛ فإنّ الكبرى غير مذكورة، فيمكن أن تكون ما يفيد الندب؛ و يمكن أن يكون حصول الاحتياط؛ و أنّه لا يتوقّف معه لشي ء و الداعي إلى بيان المواظبة على ذهاب الحمرة متأكّد في الأمصار و في ما يكشف به الجبال الغربيّة من الأراضي كما يمكن كون الداعي مجموع الأمرين، أعني الاحتياط الموضوعي و التعبّد الندبي؛ و لعلّ هذا أقرب، لثبوت المواظبة من الإمام الرضا عليه السلام في السفر «4»؛ و لما نراه من كثرة مواقع الشبهة الموضوعيّة مع التصريح بالاحتياط في بعض الروايات؛ و بالأمر بالتسمية قليلًا في بعضها

«5»؛ كما يمكن ارادة الوجوب التعبّدي باعتبار الغيبوبة عن جميع الأراضي المتجاورة. و على أيّ، يمكن التوفيق و الحمل على ما يوافق الظهور الأقوى الذي هو بمنزلة النصّ.

و مثلها رواية أبي ولّاد «6» المعلّلة بالإطلال القابلة للحمل على الأمارية في صورة

______________________________

(1) الوسائل 3، أبواب المواقيت، الباب 16، ح 22.

(2) الوسائل 3، أبواب المواقيت، الباب 16، ح 23.

(3) الوسائل 3، أبواب المواقيت، الباب 16، ح 7.

(4) الوسائل 3، أبواب المواقيت، الباب 16، ح 8.

(5) الوسائل 3، أبواب المواقيت، الباب 16، ح 13.

(6) الوسائل 3، أبواب المواقيت، الباب 16، ح 2.

بهجة الفقيه، ص: 66

الجهل و للحمل على الندب في إضافة الوقت إلى المغرب و في ما ينتبه إطلال المشرق على المغرب الظاهر بقرينة الوقوع في مقام تعليل الحكم السابق في عدم التعبّد به و في بقائه على ارتكازيته؛ و لازمه عدم التعبّد في المعلَّل به، فافهم.

و من هذا القبيل ما ورد في وقت الإفاضة من عرفات، كموثّقة «يونس بن يعقوب» المروية في الكافي، قال

قلت لأبي عبد اللّٰه عليه السلام: متى الإفاضة من عرفات؟، قال عليه السلام: إذا ذهبت الحمرة «1»

يعني من الجانب المشرق.

و مثله رواية ابن أبي عمير «2»؛ فإنّه إن أُريد منها سقوط القرص بما له من المعنى الظاهر عند العرف، تعيّن الحمل على الاحتياط في الموضوع المجهول حيث ليس لسقوط القرص خفاء إلّا عند الشك فيه تحققاً؛ و إن أُريد مرتبةٌ منه، ملازمة لذهاب الحمرة من قمّة الرأس فلا بدّ من بيانه. و لو فرض صحة الاكتفاء بهذا القدر، منعنا عدم قبول الحمل على الندب، بل يمكن أن يكون التعبير بوجوب الإفطار إيماءً إلى أنّه قد يجوز و قد يجب.

و رواية «أبان

بن تغلب» «3»؛ فإنّها قابلة للحمل على فضل التفاوت بين مغيب الشمس و صلاة المغرب مع جواز العدم، و كذا أورد أنّه صلى الله عليه و آله و سلم كان يصلّي إذا غابت الشمس و لا ينافيه ما في رواية «أبان»، لعدم ذكر عمله صلى الله عليه و آله و سلم فيها، كما هو ظاهر و يؤيّد الحمل المذكور ما في رواية «بكر بن محمد» «4» في الصحيح عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام و رواية «شهاب»؛ فإنّه لو كان الحكم ندبياً فتفاوت مراتب الفضل بطول الزمان و قصره أو كون أمر التفاوت تقريباً أمر كثير النظير في المندوبات؛ فلذا يمكن استحباب رؤية كوكب حين الصلاة؛ و مثله ما في رواية «شهاب بن عبد ربّه» «5» في

______________________________

(1) الوسائل 10، أبواب إحرام الحج و الوقوف بعرفة، الباب 22، ح 3.

(2) الوسائل 3، أبواب المواقيت، الباب 16، ح 4.

(3) الوسائل 3، أبواب المواقيت، الباب 16، ح 5.

(4) الوسائل 3، أبواب المواقيت، الباب 16، ح 6.

(5) الوسائل 3، أبواب المواقيت، الباب 16، ح 9.

بهجة الفقيه، ص: 67

الحسن و صحيح «زرارة» عن أبي جعفر عليه السلام فيه

حتى يبدو لك ثلاثة أنجم «1»

، بخلاف ما لو كان الأمر على الوجوب؛ فلعلّه لا قائل باعتبار رؤية الكوكب؛ و مثلها ما يقاربها في الدلالة على ما يغاير مدلول الطائفتين المتقدّمتين؛ فإنّها من شواهد الحمل على الاستحباب، كما في نظائر المقام من موارد اختلاف مراتب التنزّه أو الفضل.

و أمّا رواية عمل الإمام الرضا عليه السلام في السفر، فلا تدلّ على أزيد من الفضل. و موثقة «عمار» مشتملة على الأمر القابل للندب مع التذييل في رواية أُخرى بما يعيّن الندب؛ و

كذا رواية «محمد بن شريح» إذا تغيّرت الحمرة في الأرض و ذهبت الصفرة؛ فإنّ وقت المغرب يصدق مع الفضيلة و لا يلزم بيان عدم الوجوب في ما يطلب منه الانبعاث إلى الأفضل، كما في نظائر المقام؛ فلا مانع من تأخير قرينة المجاز و ليس يقاس بتأخير قرينة التقييد في روايات غيبوبة الشمس، حيث إنّ الوقوع في خلاف الواقعي غالبي فيها و نادر في روايات غيبوبة الشمس، حيث إنّ الوقوع في خلاف الواقعي غالبي فيها و نادر في روايات ذهاب الحمرة في جهة ترك التقييد المتصل. و أمّا الندب في موثقة «يعقوب بن شعيب»، فظاهر في نفسها و بملاحظة غيرها، كما مرّ كظهور الاحتياط أو الفضل في رواية «عبد اللّٰه بن وضٰاح». تدقيق في جهة إنكار صحة روايات الزوال أو كثرتها ثم إنّ إنكار صحّة روايات الزوال لعلّه مبنيّ على اختلاف الآراء في الصحّة؛ و أمّا إنكار كثرتها على ضعفها، فلعلّه لمكان إخراج ما فيه الدلالة على العلامة و الاحتياط و الغيبوبة عن جميع الأرض من أدلّة الاعتبار بزوال الحمرة، كما تقدّم منّا مع احتمال إرادة أنّ غيبوبة أرض المصلّي، حاصلة في ضمن الغيبوبة عن الأراضي الغربيّة ممّا دلّ

______________________________

(1) الوسائل 7، أبواب ما يمسك عنه الصائم و وقت الإمساك، الباب 52، ح 3.

بهجة الفقيه، ص: 68

عليه من الرواية؛ فلو أمكن إخراج ما دلّ على العلامة من الروايات من أدلّة المقام، فإنّها شارحة لما لم يعبّر بالعلاميّة و لم يشر إليها من الروايات.

بل يمكن أن يقال: إنّ الفتاوى المعبّرة بالعلامتيّة، تابعة لهذه النصوص المعبّرة بالعلاميّة، لا يستفاد منها القيديّة و لسانها تغاير لسان التعبّد بالقيدية؛ و هل يحتاج المعلوم إلى العلامة و هل ينتظر للعلامة

إلّا مع الجهل و هل يضرّ بالعلاميّة كون العلامة أخصّ من ذيها، بل الغالب فيها الأخصّية نعم، بعض الروايات لا يجري فيها الحمل على العلامة على المجهول، بل يتعيّن التصرّف فيها بالحمل على الفضيلة، كما فيه محبّة رؤية كوكب أو ثلاثة أنجم؛ فإنّها ظاهرة في الندب، فيحمل ما يساوقه في التعبير و لا ظهور له في الندب عليه و مثل موثقة «يعقوب بن شعيب»

مسّوا بالمغرب قليلًا. «1»

، فإنّ عدم تعيين الحدّ و التعليل بالمرتكز المعلوم عدم دخالته في حكم إلزامي، يوجب الحمل على الندب لو سلّم ظهورها في غيره، خصوصاً بعد ورود رواية عبد اللّٰه بن المغيرة «2» الناصّة على عدم اللزوم، أي عدم لزوم رعاية المغيب عن غير أُفق المصلّي المؤيّدة بالاعتبار الصحيح في كرؤيّة الأرض حيث لا يمكن فيها مراعاة المغيب عن جميع الأرض و لا حدّ للمجاور و لم يعيّن ذهاب الحمرة في الموثقة و في هذه الرواية. و يؤيّد ذلك رواية «أبان بن تغلب» «3» في صلاته عليه السلام قبل ذهاب الشعاع مؤيّداً بقوله و تصريحه بكفاية الغروب. و ضعف الإسناد لا يضرّ بتقوية المطلقات الصحيحة الذي تقدم إباؤها عن التقييد بالمخالف مع ما في ما أوردناه إشارة من شواهد الصدق؛ فالأظهر أنّ الأمر في روايات ذهاب الحمرة، متردّد بين الأماريّة على المجهول الغالب وقوع الابتلاء بها في الأمصار و في الأراضي المشتملة على الجبال الغربيّة و بين زيادة

______________________________

(1) الوسائل 3، أبواب المواقيت، الباب 16، ح 13.

(2) الوسائل 3، أبواب المواقيت، الباب 16، ح 22.

(3) الوسائل 3، أبواب المواقيت، الباب 16، ح 23.

بهجة الفقيه، ص: 69

القيد الغير اللزومي، فبعضها يعطي الجهة الأُولى و بعضها يفيد الجهة الثانية.

و أقربية

حمل هذه الأخبار على أحد الأمرين بالنسبة إلى إرادة التقييد من المطلقات ممّا لا يخفى؛ فإن أريد تصحيح ذلك بالقرائن المنفصلة فعموم البلوى يمنعه؛ و إن أريد صحّة الإطلاق في نفسه لانتهاء الأمر بالآخرة إلى موضوعية الغروب و لو بمرتبة منه، فيدفعه عدم الإجمال في الغروب و إلّا لما عمل بإطلاقه و أنّ الإطلاق و إرادة حدّ خاصّ بنفسه لا سبيل إليه؛ فانظر إلى عبارة يدلّ إطلاقها على كفاية الغروب مع كون المراد الغروب الحاصل بعد سبع دقائق مثلًا من الغروب الحسّي فإنّ ذلك لا يصحّ و لو بتسمية المنفصل شرحاً لا تقييداً.

لازم الجمع بين وقتيّة الغروب و علامتيّة الزوال و ممّا قدّمناه ظهر: أنّ الجمع بين وقتية الغروب و علامتية الزوال لا يوهن القول بالاكتفاء بالغروب، بل يوهن القول بقيدية الزوال؛ و لا أقلّ من الشك في إرادة القيدية و متابعة النصوص توجب الإيكال إلى المفهوم لنا من تلك النصوص و أنّ الترجيح بالشهرة أو مخالفة التقيّة لا محلّ له مع الجمع العرفيّ و أنّ التعبير بالشرح و التفسير لا يسوّغ الإحالة إلى القيود المنفصلة أو الشروح المنفصلة في ما تعمّ به البلوى و الإجمال في ما في ظاهر الدليل و أنّ الصريح في الاكتفاء بحيث لا يمكن حمله على إرادة الزوال لا ينحصر في مرسلة «عليّ بن الحكم» «1».

نعم، يمكن أن يكون من أصرح ما في الباب من روايات الغروب و في وزانها صلاته مع الشعاع مع ذكر الاكتفاء بالغروب. و رواية صلاته عليه السلام قبل التمسية مع ذكر كفاية الغروب في ما نقل عن «أبان».

و رواية قوله

أنا الآن أُصلّيها إذا سقط القرص

في قبال قوله

فيها قلت لهم

______________________________

(1) الوسائل 3، أبواب المواقيت،

الباب 16، ح 25.

بهجة الفقيه، ص: 70

مسّوا بالمغرب قليلًا «1»

، فيمكن أن يكون الصراح من المستفيضة لا من الآحاد، مع إمكان دعوى الاكتفاء بإرسال مثل «عليّ بن الحكم».

و ممّا ذكرناه سابقاً و آنفاً يظهر وجه النظر في ما أفاده الشيخ الأنصاري في المقام.

و أمّا ما أشار إليه في المعتبر من الاعتبار فلعلّه ما ارتكز في الأذهان من الفرق بين صلاة الليل و النهار بالاسوداد المعتبر عند العرف في الليل.

و يشهد له رعاية ما بين الفجرين في صلاة الصبح التي هي من صلاة النهار، لكنه ليس بحدّ يوجب ضعف إطلاقات الغروب؛ مع أنّ السواد يحصل على التدريج الذي أوّله استتار القرص.

فقد ظهر ممّا مرّ: أنّ روايات ذهاب الحمرة و ما يسانخه في التعبير، بين ما يصرّح بالعلامتية الدالّة على أنّ الموضوع ذو العلامة و هو الغروب، و بين ما ذكر الزوال أو ما يقاربه، كما يذكر في موضوع الحكم، كرواية «محمد بن شريح» و ما على وزانها من أخبار العرفات و جعل المصرّح بالعلامتية شرحاً لمثل هذه الرواية، أولى من تأويل تلك الأخبار بما يوافق ظهورها. و من هذا القبيل، ما دلّ على مطلوبية التأخير قليلًا، كرواية «أبان بن تغلب» في التنظير بصلاة الوقت ما في الأصل من الشهادة على الفضيلة.

و ما في الموثقة لِ «يعقوب بن شعيب» من الأمر بالتسمية قليلًا مع كمال المناسبة لهذا التعبير مع الاستحباب مضافاً إلى ما فيها من التعليل المذكور، خلافه في رواية «عبيد بن زرارة» و «صحيحه بكر بن محمد» في بيان أوّل الوقت و أنّه رؤية الكوكب مع شهادة حسنة معتبرة «شهاب بن عبد ربّه» بالاستحباب المفهوم من المحبّة الغير المناسبة للوجوب، فيمكن شهادته لإرادة الاستحباب من

جميع ما ظاهره الوجوب، كصحيح «زرارة» و تأخير بيان الاستحباب، لا محذور فيه، كما يرد في تأخير بيان الإيجاب لرعاية قيد زائد؛ فشواهد الندب في روايات التأخير عن الغروب، كثيرة

______________________________

(1) الوسائل 3، أبواب المواقيت، الباب 16، ح 15.

بهجة الفقيه، ص: 71

متأكّدة بالإطلاقات القويّة للاعتبار بنفس الغروب؛ و روايات العلامتيّة محلّها صورة الجهل و هي موافقة للاستصحاب أو الاحتياط و الفضل واقعاً.

ثمّ إنّه قد يقع بعض ما تقدّم مورد الاستشكال بما رواه في العلل مسنداً عن «الليث» عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام قال

كان رسول اللّٰه صلى الله عليه و آله و سلم لا يؤثّر على صلاة المغرب شيئاً إذا غربت الشمس حتى يصلّيها «1»

؛ فإنّه كيف يجتمع المفهوم من هذا البيان أعني التعجيل في الصلاة بعد تحقّق الغروب الحسّي مع المفهوم من الأخبار الكثيرة المحمولة على الفضيلة من أنّ أوّل وقتها زوال الحمرة المشرقية، فإن صحّ حمل الاولى على الغروب الخاص المعلوم بالذهاب، صحّ حمل غيرها من روايات الغروب.

و يمكن أن يقال: إنّه حيث كان عمله صلى الله عليه و آله و سلم في الغالب على طبق عمل غيره عملًا بالأسباب و الأمارات، ففيما إذا كان لا مانع من الاطلاع على الغروب عن الحسّ من جبل أو بناء أو غيرهما كان تحقّق الغروب عنده كغيره بالغيبوبة عن الحسّ و إذا كان هناك مانع كان تحقق الغروب بذهاب الحمرة و كان إذا تحقّق الغروب عنده و عند غيره بأيّ وجه، لم يكن بعد ذلك يؤخّر صلاة المغرب و إن كان زمان فعلها مختلفاً في الموردين؛ و العمل برجحان التمسية حاصل في الصورة الثانية دون الأوّل.

و أمّا في الصورة الأولى فيجري في ما بين

هذه الروايات و روايات التحديد بذهاب الحمرة بعد حمل الطائفتين على مراتب الفضيلة، ما يجري في ما بين روايات المبادرة و المسارعة إلى الصلاة في أوّل وقتها و ما دلّ على أوقات الفضل على التفصيل.

و يمكن الجمع في موارد تحقق شروط المعارضة المبنيّة على استحباب كلّ من الفعل و الترك بحسب الدليلين بأنّ المتحصّل منهما ثبوت ملاك الاستحباب في كلّ من المبادرة و الانتظار لوقت خاصّ؛ فغير المنتظر و هو المشغول بفعل مبائن آخر غير عبادي، تارك للفضيلتين؛ فلا يرجع الأمر إلى استحباب النقيضين، بل الضدّين اللذين لهما ثالث، فتدبّر.

______________________________

(1) الوسائل 3، أبواب المواقيت، الباب 18، ح 9 عن ليث.

بهجة الفقيه، ص: 72

بقي الكلام في ما نسب إلى البعض من كفاية زوال الحمرة عن المشرق و إن لم تجز عن قمّة الرأس كما نسبه في كتاب شيخنا الأنصاري قدس سره و دفعه بأنّ إطلاق الأخبار مقيّد بما دلّ عليه رواية «سهل» «1»، بل صحيحة «بكر بن محمد» «2» حيث إنّ جنان الليل لا يتحقّق إلّا بعد جواز الحمرة عن قمّة الرأس بعد أن نسب في أوّل كلامه إلى ظواهر عباراتهم الاختلاف في كفاية الزوال أو اعتبار الجواز عن قمّة الرأس؛ و عن بعضهم أنّ الأخبار موجودة في كلّ من المشهور و هو ذهاب الحمرة المشرقية و وصولها إلى قمّة الرأس و بارتفاع الحمرة من الأُفق الشرقي و بسقوط القرص من الأُفق الحسّي ثم رجّح الوسط. أقول: الأخبار المطلقة كثيرة، و لا يمكن ارتكاب التقيد فيها بغير النادر، نعم إذا كان التفاوت قليلًا زماناً جاز الإيكال إلى المنفصل.

بل يمكن أن يقال: إنّ ذهاب مراتب الحمرة من المشرق ملازم لتحقّق مرتبة من الحمرة في المغرب؛ فلا

فرق بين المطلق و المقيّد، بل ما اشتمل على التعليل و ما اشتمل على أنّ الغيبوبة عن المشرق مستلزم للغيبوبة عن الشرق و الغرب، كالنصّ على الإطلاق. و دعوى ثبوت مثل ما كان في المغرب في ما يقابله بحده، كما ترى بلا دليل.

[تذنيب] إعراض المشهور عن روايات الغروب و عدمه

تذنيب: هل يكون ذهاب المشهور إلى العمل بروايات زوال الحمرة إعراضاً منهم عن روايات الغروب و كاشفاً عن الخلل فيها صدوراً أو جهتاً أو لا؟

وجه العدم أنّه لا بدّ من القطع بأن منشأ تركهم العمل بروايات الغروب أمر كاشف عن الخلل فيها بوجه واصل إليهم غير واصل إلينا حتى نرفع اليد بسبب ذلك

______________________________

(1) الوسائل 3، أبواب المواقيت، الباب 16، ح 4.

(2) الوسائل 3، أبواب المواقيت، الباب 16، ح 6.

بهجة الفقيه، ص: 73

القطع عن معلوم الحجّية لولا هذا القطع؛ مع أنّ من المظنون لولا أنّه المقطوع أنّه لا منشأ لترك العمل بها إلّا نفس روايات زوال الحمرة و ما فيها من الدلالة بعد ضمّ بعضها إلى بعض إلى موضوعية الغروب و معرّفية زوال الحمرة و رؤيتهم إيّاها شارحة لأخبار الغروب و نحن لا نرى لهذا الشرح هنا محلا بعد وضوح الغروب مصداقاً و مفهوماً؛ و أنّه ينحصر الحمل في أخبار الزوال على الاحتياط في موارد الحاجة و الجهل لمانع و على الاستحباب، و لذا عبّر بعض من تقدّم بأنّه ينبغي التأخير إلى الزوال، و قد ذكرنا أنّ اختلاف التعبير بالزوال و رؤية نجم أو ثلاثة و التمسية قليلًا من شواهد الاستحباب.

و أمّا احتمال السيرة العملية على رعاية الزوال فيدفع تأثيرها على تقدير القطع، فضلًا عن الاحتمال بالأعمّية من اللزوم و بأنّه لو كانت على نحو يوجب القطع بالوجوب، لما اختفى ذلك

على مثل «الصدوق» و «السيد» و بعض أمثالهما؛ و أنّ احتمال التقيّة مع اشتمال بعض روايات الغروب على ما لا يقول به العامّة من دخول وقت الصلاتين بنفس الغروب، شي ء لا يضرّ بحجّية الرواية المعتبرة لولا المعارضة إلّا مع عدم إمكان الجمع العرفي و وصول النوبة إلى العلاج الصدوري؛ فيرجّح أخبار الزوال بموافقة الشهرة أوّلًا و مخالفة العامّة ثانياً، مع أنّ الروايات في الطرفين كادت أن تبلغ حدّ القطع بالصدور؛ فلا معارضة بينهما في الصدور حتى يشخص الصادر عن غيره بالمرجّحات الصدورية التي أوّلها على ما في الروايتين العلاجيتين الشهرة.

و يشهد لما ذكرناه عدم وجود رواية مصرّحة بالإعادة لو صلّى قبل ذهاب الحمرة مع أنّه السنة المعروفة في ما يعاد لأجله الصلاة، كما لا يخفى على أهله و أنّ إضافة الصلاة إلى الوقت الخاصّ كإضافتها إلى الظهر و الصبح ممّا لها مفاهيم معلومة لدى العصر صارت بحيث صحّ إطلاق المغرب على صلاته؛ و هذه الأوقات معروفة لدى العرف و إنّما تحتاج إلى العلائم في صورة الجهل و الاشتباه و هذا ممّا يقوّي الإطلاقات و يمنع عن رفع اليد عنها إلّا بالأقوى.

بهجة الفقيه، ص: 74

و قد مرّ غير ما ذكرنا هنا من الشواهد على تحكيم روايات الغروب على روايات الزوال؛ فهو الأقرب و إن كانت رعاية الزوال أفضل و أحوط و اللّٰه العالم.

[تتمّة موضحة] نقل كلام صاحب الجواهر قدس سره و الجواب عنه

تتمّة موضحة: ممّا قدّمناه يظهر الجواب عما أورده في «الجواهر» غير ما ذكرناه من الاستدلال بالضرورة و البداهة حتى أنّه يقع بالعمل بالمشهور امتحان الشيعة عن غيرهم. و فيه أنّه أعمّ من الوجوب إذ كثير من مستحبات الفريقين ممّا يمتحن به الإمامي و غيره مع ما في كلامه في الجواب عن الأخبار

المستفيضة التي تدلّ على الاستحباب بالظهور في بعضها و النصوصية في غيره من المناقشة الواضحة؛ و كذا ما في الجواب عن النقض بأمارية الحمرة المغربية للطلوع من الإشكال؛ فإنّ زوال الحمرة المشرقية إن كان ملازماً للغروب من حينه، فعدمه ملازم لعدم الغروب في زمان البقاء، أي يكون بقاء الحمرة ملازماً للطلوع؛ و بعد وضوح عدم الفرق بين جهتي الشرق و الغرب بالنسبة إلى طلوع الشمس و غروبها في ما في ناحية و في المقابل، يظهر أنّ حدوث الحمرة المغربية ملازم للطلوع من حينه و أنّه لا يكون عدم حدوث الطلوع إلّا قبل حدوث الحمرة في مقابل المشرق، و هذا أمر مفهوم من رواية الإطلال و غيرها عند المتأمل، لا يحتاج إلى التصريح و الالتزام بأنّ حدّا واحداً من كون الشمس منسوباً إلى أُفقها و إلى الأُفق المقابل من النهار واقعاً و اعتباراً في بقاء النهار دون حدوث النهار، كما ترى.

و هذا و إن دلّ عليه بعض الأخبار، أي على الاعتبار في صلاة الفجر إلّا أنّه لا يظهر قائل به ممّن تقدّم عدا ما عن فقه الرضا عليه السلام إن كان من الفتاوى، فكيف يحمل أخبار الوجوب في المغرب و الفتوى على طبقها دون ملازمها على غير تبعية المنصوص و على غير الاستحباب و كيف يجمع بين كثرة روايات المشهور سنداً و وضوحها دلالة مع الاعتذار عن إخفائهم لداعي التقية؟ و كيف يكون موافقة العامّة عذراً في رفع اليد عن المتواتر؟ مع أنّه يلوح شواهد الاستحباب و الاحتياط من نفس

بهجة الفقيه، ص: 75

هذه الأخبار الموافقة للمشهور في الجملة.

و الحاصل: أنّ القول باعتبار زوال الحمرة و إن كان قويّاً قولًا بالإضافة، لكنّه ضعيف دليلًا كذلك؛

و لا عبرة بقوّة الحكم قولًا إذا صادف ضعفه دليلًا و لم ينعقد الإجماع عليه و إلّا كان هو الدليل في ما لم يكن مدركه غير صالح للمدركية لدينا.

[مسألة] آخر وقت العشائين

مسألة: الظاهر امتداد وقت العشائين من الغروب إلى نصف الليل في حال الاختيار، مع اختصاص أوّل الحدّ بالمغرب، و آخره بالعشائين. و الروايات «1» الواضحة الدلالة المعتبرة المؤيّدة بالشهرة دالّة عليه، و موجبة لحمل ما جعل الحدّ فيه ربع الليل، أو ثلث الليل، كما جعَل المبدأ بعد سقوط الشفق للعشاء، و ما جعل الحدّ، السقوط المذكور للمغرب، على الفضيلة؛ فإنّ الشهرة و إن لم تكن حجّة إلّا إذا كانت بحيث تكشف الحجّة عند من اطّلع عليها، لكنّها يبعد الخطأ فيها جدّاً في ما يلحق بالواضحات و الضروريّات، كأوقات الفرائض، العامّ بها البلوىٰ بحيث يؤدّيها الكل كلّ يوم خمس مرّات؛ فإنّ الضروري و إن كان وجوبها و كميّتها و بعض كيفيّاتها و أوقاتها الإجمالية، إلّا أن حدّ الوجوب لا يمكن خفاؤه على المشهور من العلماء، و إن أمكن خفاؤه في الجملة على عوام الناس؛ بل نفس الروايات المختلفة إذا بلغ المحدّد بالأبعد عن المبدأ حدّ الحجية، فالظاهر تعيّن الأخذ به، و حمل ما قبله على الفضيلة.

لكن المشهور كون النصف حدّا لزوميّا، و ظاهر بعض الروايات «2» امتداد وقت المضطرّ إلى الطلوع. و مقتضى الجمع حمل الفتوىٰ كروايات النصف «3» على الاختيار. و لا ينافي ذلك ذكر المشهور خصوص النصف، لأنّ إخراج وقت المضطرّ علىٰ نحو إخراج الوقت الاختصاصي، ليس مخالفاً للإطلاق، لا للمطلق. و المصحّح لكلا

______________________________

(1) الوسائل 3، أبواب المواقيت، الباب 10.

(2) الوسائل 3، أبواب المواقيت، الباب 62، ح 4.

(3) الوسائل 3، أبواب المواقيت، الباب 10،

ح 4، و الباب 16، ح 24.

بهجة الفقيه، ص: 76

الأمرين تبعيّة النصوص المعمول بها المعتبرة في ترك التقييدين، و إنْ ذكر الاختصاص في بعضها الموافق للعمل أيضاً، مع ترك الذكر في غالب النصوص، و كثير من الفتاوى.

و بالجملة، فالعمل على المشهور في عدم انقضاء الوقت قبل النصف، متعيّن في المقام.

[مسألة] نهاية وقت الظهرين

مسألة: قيل بأنّ ما بين الزوال إلى أن يصير ظلّ كلّ شي ء مثله، وقت للظهر، و للعصر من حين يمكن الفراغ من الظهر حتى يصير ظلّ كلّ شي ء مثليه. و نسبه في «الجواهر» «1» بعد التقييد بالاختيار في الفرضين إلى «المبسوط»، و محكيّ «الخلاف»، و «الجُمل» و «المراسم» و «الوسيلة» و «القاضي».

و ظاهر هذه النسبة أنّ وقت الفضيلة للظهرين، وقت اختياري لهما، لا يجوز التأخير عنه إلّا لعذر. ثمّ ذكر الاستدلال بروايات «2» لا دلالة لبعضها إلّا على حكم التأخير عن أوّل الوقت، و هو غير المفهوم من النسبة، و بعضها و إن [دلّ على أنّه] بين القامة و القامتين، و المثل و المثلين «3» للظهرين، إلّا أنّه ليس فيه أنّه للفضل، أو للاختيار، و لا بدّ من الجمع بينها و بين ما مرّ.

و [دعوى] كون النتيجة الحمل الموافق للنسبة المذكورة، ممنوعة جدّاً. و بعضها المشتمل على الأوّل و الآخر، يمكن حمله على أوّل الوقت المعهود و آخره، أعني ما بين الزوال و الغروب، فلا يوافق النسبة أيضاً.

و كلام «الشيخ» في «التهذيب في أول الوقت و أفضليّته، و في «المبسوط» في أفضليّته من الوسط و الآخر، مع أنّ الحكم فيهما ندبي عنده، لا يوافق النسبة المتقدّمة، مع أن «السيّد»؛ في محكيّ «المصابيح» ادّعىٰ الإجماع على الأداء للمؤخّر، و أنّه ليس بقضاء و إن أشعر

ما في محكيّ «الخلاف» بالقائل بالقضاء.

______________________________

(1) جواهر الكلام، 7، ص 130.

(2) الوسائل 3، أبواب المواقيت، الباب 3، ح 4 و 16 و 17.

(3) الوسائل 3، أبواب المواقيت، الباب 8، ح 13.

بهجة الفقيه، ص: 77

[مسألة] وقت فضيلة الظهرين

مسألة: وقت فضيلة الظهر أوّل الزوال بعد أداء النوافل و يمتدّ إلى الذراع، أعني القدمين، بمعنى أنّ التأخير لأجل النافلة مطلوب.

و روايات الذراع و الذراعين للظهرين، أو القدمين و الأربعة لهما «1»، متواترة ظاهرة في إرادة المساحة من غير نسبة إلى مقياس خاصّ و شاخص مخصوص. و هناك روايتان ظاهرتان في التحديد بالمثل للشاخص و المثلين، إحداهما «2» خاصّة بالصيف، و الأُخرى «3» عامّة غير قابلة للحمل علىٰ معنى آخر، لما فيه من توصيف آخر المثلين بالمساء، و هو لا يستقيم في الأربعة أقدام.

و أمّا روايات القامة و القامتين، فجميعها قابلة للحمل علىٰ ما فيه

في كتاب علي عليه السلام القامة ذراع «4»

، معلّلًا في بعضها المعتبر به ب

أنَّ قامة رحل رسول اللّٰه كانت ذراعاً «5»

، و لو لا أنّ العبرة بمساحة الذراع، لا معنى للتبديل و نقله؛ فإنّ القامة كما تصادف الذراع إذا كان الشاخص رحلًا، تزيد ظاهراً على الذراعين إذا كان الشاخص حائطاً بقدر قامة الإنسان، و لذا وقع الاختلاف [في] نقل صلاته صلى الله عليه و آله و سلم بتعليم جبرئيل بين القامة، و الذراع، و القدمين «6»، مع أنّه كان يصلّي الظهر بحسب روايات الأقدام إذا بلغ في الحائط ذراعاً، و العصر إذا بلغ ذراعين؛ و لا يناسب ذلك التعليم المتقدّم إلّا إذا قيست القامة فيه إلى الرحل، المصادفة حينئذٍ لمساحة الذراع، مع فهم العبرة بالذراع، و إلّا خلا النقل و التبديل عن الفائدة؛ فيكون

ما فيه المثل، بياناً لنهاية وقت الفضيلة في

______________________________

(1) الوسائل 3، أبواب المواقيت، الباب 8.

(2) الوسائل 3، أبواب المواقيت، الباب 8 ح 33.

(3) الوسائل 3، أبواب المواقيت، الباب 10، ح 1.

(4) الوسائل 3، أبواب المواقيت، الباب 8 ح 26 و 16.

(5) الوسائل 3، أبواب المواقيت، الباب 8 ح 26 و 16.

(6) الوسائل 3، أبواب المواقيت، الباب 10، ح 6 و 7.

بهجة الفقيه، ص: 78

غير الصيف، و هو الذي وصفه بالمساء في رواية «1»، و عبّر عمّا بعده إلى الغروب

بأنّه تضييع

في رواية «2».

و أمّا رواية توصيفه بالمساء، فليس فيها دلالة علىٰ وقت الفضيلة، و لعلّ مدلولها شدّة كراهة التأخير عن القامة و القامتين.

و أمّا رواية «زرارة» في المثل و المثلين «3»، فلعلّها لعذريّة الصيف المطلوب فيها للنوع، و في الشرع علىٰ رواية الإبراد بالتأخير «4» كما يدلّ عليه ملاحظة سؤاله و جواب الإمام عليه السلام بالواسطة للعالم بعموم الذراع، و الجاهلِ بحدّ الإبراد في الصيف، مع احتمال إرادة الموافقة مع القوم، كما يظهر من رواية جعله الاختلاف في ما بين الشيعة في الأوقات لئلّا يعرفوا فيؤخذوا برقابهم «5».

و رواية نفي تأثير «6» الأعذار لو تمّت تدلّ على أنّ الرخصة عامّة لغير المعذور و لا هلاك فيه، لا نفيه مطلقاً، و لذا يثبت تأثير العذر في غيرها. و في عمل القوم و رواياتهم، ما يشهد بإرادة الموافقة معهم في العبرة بالمثل و المثلين.

و أمّا اعتبار المماثلة بين الباقي و الزائد، فلا وجه له سوى تخيّل أنّ التعبير بالذراع يناسب المماثلة بين هذين، المنتهية إلى الذراع أحياناً، و هو كما ترى.

و ليس في الروايات التعبير بالمثل بلا بيان طرفي المماثلة لقوله عليه السلام

إذا صار ظلّك

مثلك و مثليك «7»

و قوله في الأُخرىٰ

قامة «8»

مع القرينة علىٰ إرادة المساحة المعهودة؛ فكيف يصار إلى المماثلة بين الباقي و الزائد مع تتميمه بالباقي في الأغلب،

______________________________

(1) الوسائل 3، أبواب المواقيت، الباب 10 ح 1.

(2) الوسائل 3، أبواب المواقيت، الباب 8 ح 32.

(3) الوسائل 3، أبواب المواقيت، الباب 8 ح 33.

(4) الوسائل 3، أبواب المواقيت، الباب 8 ح 5 و 6.

(5) الوسائل 3، أبواب المواقيت، الباب 7، ح 3.

(6) الوسائل 3، أبواب المواقيت، الباب 7، ح 7.

(7) الوسائل 3، أبواب المواقيت، الباب 8، ح 13 و 33.

(8) الوسائل 3، أبواب المواقيت، الباب 8، ح 12 و 29.

بهجة الفقيه، ص: 79

و هو غير موارد انعدام الظلّ، مع انتهاء التحديد إلى ما يختلف جدّاً في الأزمنة و الأمكنة المختلفة.

و قد أشرنا إلى الروايتين المفيدتين للمثل مع الاختلاف في تعيين الصيف و عدمه.

و أمّا ما اعتبر فيه الأقدام أو الذراع، فروايات يبلغ عددها أربعة عشر من رواية في الباب الثامن من «الوسائل» «1»، و ما جمع بين القامة و الذراع فأربع روايات في الباب الثامن، و الثامنة من الباب العاشر «2».

فلو وجد غير ما ذكر من روايات الاعتبار بالمثل أو القامة بحيث يمكن حمله على الذراع، بمعنى الاعتبار بقامة الرحل الموافق للذراع، و أنّ الملاك في الموضوع نفس مساحة الذراع، لا الحدّ الزماني الذي يبلغ الظلّ إليه في خصوص ما إذا كان المقياس بقدر الذراع، يتعيّن الحمل على الموافقة للعامّة في ما هم أشدّ اهتماماً به من المثل و المثلين، حتى حكي عن «أبي حنيفة»: «أن المثلين أوّل وقت العصر» في رواية عنه؛ أو علىٰ مرجوحيّة التأخير عن المثل و المثلين و شدّة الكراهة؛ كما ورد مثله

في ما بين الذراع و الذراعين أيضاً في رواية عن «منهال»

سألت أبا عبد اللّٰه عليه السلام عن الوقت الذي لا ينبغي لي إذا جاء الزوال، قال: الذراع إلىٰ مثله «3»

، بمعنى أنّ فعل الظهر بعد الذراع إلى ذراعين مرجوح بالإضافة إلىٰ فعله قبل الذراع، أو أنّ الجمع بين النفل و الفرض بعد الذراع إلى الذراعين أقلّ ثواباً منه قبل الذراع؛ أو على الصيف طلباً للإبراد بكونه عذراً، أو علىٰ سائر الأعذار.

[مسألة] نهاية وقت فضيلة صلاة المغرب

مسألة: أوّل وقت المغرب غيبوبة الشمس، كما مرّ؛ و آخر وقت فضيلتها، ذهاب الحمرة المغربيّة و تبدلها بالبياض.

______________________________

(1) الوسائل 3، أبواب المواقيت، الباب 8 و 10.

(2) الوسائل 3، أبواب المواقيت، الباب 8 و 10.

(3) الوسائل 3، أبواب المواقيت، الباب 36، ح 4.

بهجة الفقيه، ص: 80

و ما ذكر فيه وحدة وقت المغرب من الروايات كالرواية الإحدى عشرة من الباب الثمانية عشر «1» يراد بها قصر الوقت، فكأنّه واحد؛ و لذا جمع بين الوحدة و استثناء المغرب من الصلوات و بين سقوط الشفق؛ و أنّه وقت فوتها في رواية «زرارة» «2» مع معلوميّة بقاء الإجزاء إلى الانتصاف، قبل فوت العشاء، كما يدلّ عليه رواية «داود بن فرقد» «3»، و غيرها، و في رواية

أنّه صلى الله عليه و آله و سلم أتاه جبرئيل في الوقت الثاني قبل سقوط الشفق.

«4» وقت العشاء و أمّا العشاء، فأوّل وقتها بعد صلاة المغرب في أوّل الوقت، و في كثير من الروايات «5» «أنّ أوّل وقتها ذهاب الشفق» المفسّر بالحمرة، و أنّه لو كان هو البياض كان إلى ثلث الليل، كما في رواية «6»؛ و آخر وقتها الانتصاف.

و اختلاف الروايات «7» في التحديد بالربع و الثلث و النصف، يُحمل

على الأخير، و مراتب الفضل في الأوّل، لا علىٰ أنّه الأوّل للمختار، و ما بعده للمعذور بحسب مراتب العذر الثابت في الثلث، أو النصف مثلًا. و أمّا رواية تأخيره صلى الله عليه و آله و سلم العشاءَ إلى الثلث «8» أو النصف لولا المشقّة على الأُمّة، فهي مرويّة علىٰ الاختلاف في التعبير. و يمكن وقوع التعدّد في الأصل، و ظاهرها أنّه لم يؤخّر إليهما، إن رخّص إليه، و إلى النصف في روايتين.

______________________________

(1) الوسائل 3، أبواب المواقيت، الباب 18، ح 11 و 2.

(2) الوسائل 3، أبواب المواقيت، الباب 18، ح 11 و 2.

(3) الوسائل 3، أبواب المواقيت، الباب 17، ح 4.

(4) الوسائل 3، أبواب المواقيت، الباب 18، ح 13 مع اختلاف يسير.

(5) الوسائل 3، أبواب المواقيت، الباب 23.

(6) الوسائل 3، أبواب المواقيت، الباب 23، ح 2.

(7) الوسائل 3، أبواب المواقيت، الباب 21.

(8) الوسائل 3، أبواب المواقيت، الباب 21، ح 2 و 5 و 1.

بهجة الفقيه، ص: 81

و هل المراد التأخير قولًا تحديداً لوقت الفضيلة و أنّه التأخير، أو التأخير العملي ليتّسع الوقت علىٰ الأُمّة؟ الأظهر ملاحظة أفضليّة الأوّل في كلّ صلاة دخل وقتها، و أنّ الثاني إنّما لم يفعله لما فيه من المشقّة أيضاً.

و لعلّه لغاية الاتّساع المذكور رُوي: «أنّه صلى الله عليه و آله و سلم أخّر ليلة، فناداه بعض الصحابة «نام الصبيان.» «1»، و قد جمع بين التحديد بالنصف و التضييع الظاهر في عدم العذر في رواية «الحلبي» «2»، مع اشتماله علىٰ ما هو ظاهر في التخيير بين الثلث و النصف؛ و ظهوره في عدم العذر بذلك أيضاً، واضح و في التحديد بالنصف بلا تقييد بالعذر و كذا في رواية «عبيد» «3»، و

رواية اخرى «4».

و بالجملة: فروايات التحديد بالنصف، مقدّمة بحسب الدلالة و السند و العمل على المحدّدة بما قبل النصف؛ كما أنّ بعض هذه الروايات دالّة على اشتراك الصلاتين إلى النصف؛ فلا يمكن تحديد العشاء بالنصف، و المغرب بما قبل النصف. نعم، يختصّ في ما تقدّم من الروايات، آخر الوقت بمقدار أربع بالعشاء، و الظاهر منه عدم صحّة الشريكة فيه و لو سهواً، و إلّا لما افترق عن الوقت المشترك.

نعم، تصحّ الشريكة فيه إدامة إذا أدرك ركعة منها في المشترك، لتزاحم أصل الفريضة السابقة مع وقوع ما زاد على حدّ الأداء من اللاحقة، و المقدّم مقدّم.

و لازم ما ذكرناه من عدم صحّة الشريكة إذا لم يبق قبل نصف الليل أو الفجر إلّا مقدار أربع أو خمس في الوقت المختصّ بغير الإدامة مع إدراك ركعة منها في الوقت المشترك لزوم إدراك خمس ركعات في كلّ من الظهرين و العشائين، و هو الظاهر

______________________________

(1) الوسائل 3، أبواب المواقيت، الباب 17، ح 9.

(2) الوسائل 3، أبواب المواقيت، الباب 17، ح 9.

(3) الوسائل 3، أبواب المواقيت، الباب 17.

(4) الوسائل 3، أبواب المواقيت، الباب 17.

بهجة الفقيه، ص: 82

من تنظير «الشيخ» حكمَ العشائين بحكم الظهر في ما ذكره من إدراك خمس لا أقلّ من ذلك في محكيّ «الخلاف».

لكن المحكي عن «المبسوط» أنّه: «إذا أدرك قبل نصف الليل بمقدار ما يصلّي فيه أربع ركعات، يجب أن يصلّي المغرب و العشاء؛ و إذا أدرك مقدار الخمس قبل طلوع الفجر، صلّي العشاء، و صلّى المغرب معها استحباباً»، فيسئل عن الفرق بين الوقتين، بناءً على أنّ طلوع الفجر وقت للمضطرّ، كما عليه مبناه في «المبسوط»، حيث أوجب الجمع في النصف في وقت الأربع، و استحبّ

الجمع في ما قبل الفجر في وقت الخمس؛ مع [أنّ] اقتضاء القاعدة على التوقيت بالفجر، هو الوجوب في الخمس و مع التوقيت بالنصف، هو الوجوب بالخمس أيضاً و عدم شي ء من الوجوب و الاستحباب في إدراك وقت الأربع في كل من الحدّين على القول به، لما قدّمناه من عدم جواز الشروع في الشريكة في الوقت المختصّ بالآخر؛ فلو جاز، لما اختصّ ما قبل الوقت بأربع بالعشاء، كما في الروايات المتقدّم إليها الإشارة، لأنّ مُدرِك الأربع، عليه الجمع بين العشائين فرضاً، فكيف يختصّ الوقت بالعشاء بحيث لا تصحّ المغرب فيه سهواً أيضاً؟ و لما انحصر حدّ الجمع في مُدرِك الخمس، كما يستفاد من إطلاق كلماتهم الظهرين و العشائين.

مع أنّه في إدراك الخمس قبل الفجر، كيف يستحبّ ترك بقيّة العشاء في خارج الوقت لأجل إدراك مصلحة غير لزوميّة في المغرب؟

امتداد وقت العشائين لذوي الأعذار، إلى الفجر ثم إنّ امتداد وقت العشائين لذوي الأعذار، مدلول صحيح «ابن سنان» «1»، و «ابن مسكان» «2»، و مؤيّداً بما دلّ عليه في طُهر الحائض من آخر الليل، كخبر «عبد اللّٰه بن

______________________________

(1) الوسائل 2، أبواب الحيض، الباب 49، ح 10.

(2) الوسائل 3، أبواب المواقيت، الباب 62، ح 4.

بهجة الفقيه، ص: 83

سنان»، و خبر «الزجاجي» «1»، و «عمر بن حنظلة» «2»، و خبر «عبيدة بن زرارة «3» في تحديد صلاة النهار بغيبوبة الشمس، و صلاة الليل بطلوع الفجر، و صلاة الفجر بطلوع الشمس.

و الإشكال في دلالتها، أو حملها بسبب ما دلّ علىٰ الانتصاف علىٰ محامل بعيدة، ليس في محلّه.

و حكي عن ظاهر «الفقيه»، و عن «الخلاف»، و «المبسوط»، مع شي ء من الاختلاف فيهما، و عن «المدارك»، و «المفاتيح» الموافقة.

و يبقى الصارف

عن الروايات «4» المؤيّدة بالصحيح «5» مورداً للتّأمّل؛ فإنّ الشهرة على التحديد بالانتصاف، لعلّه لعدم بناء المتقدّمين علىٰ تفصيل أحكام ذوي الأعذار؛ و لبنائهم على تبعيّة النصوص المقتصرة على ذلك «6» مع عدم الإباء عن التقييد بعدم الضرورة و العذر. و الإعراض لا يتّضح مع نقل «الشهيد» في «الذكرى» عن «الخلاف» الاتفاقَ علىٰ أنّ المُدرِك لركعة قبل الفجر، عليه العشاء، و نقل حكاية «المبسوط» له عن بعض الأصحاب، و قال: «إنّه يظهر من «الصدوق» في الفقيه»»، كما تقدم.

فما يستفاد من هذه الأخبار الكثيرة المؤيّدة بالصحيح من امتداد وقت العشائين إلى الفجر، لا يخلو عن وجه. و لازمه أنّ مُدرِك الخمس يجمع بينهما قبل الفجر؛ و أمّا مدرك الأربع، فهو كمدرِك الأربع قبل النصف على القول بالتحديد به مطلقاً، لا لخصوص

______________________________

(1) الوسائل 2، أبواب الحيض، الباب 49، ح 11 و 12.

(2) الوسائل 2، أبواب الحيض، الباب 49، ح 11 و 12.

(3) الوسائل 3، أبواب المواقيت، الباب 10، ح 9.

(4) الوسائل 2، أبواب الحيض، الباب 49.

(5) الوسائل 3، أبواب المواقيت، الباب 62، ح 4.

(6) الوسائل 3، أبواب المواقيت، الباب 17.

بهجة الفقيه، ص: 84

المختار. و الوجه، ما مرّ من اختصاص مقدار الأربع بالعشاء في روايات النصف، «1» مع أنّ القاعدة تلزم بالجمع إذا أمكن، لجريان الدليل المذكور في الخمس فيه أيضاً إلّا أن لا يكون الشروع في وقت الاختصاص في الشريكة جائزاً.

و دعوىٰ إرادة عدم جواز تأخير المغرب اختياراً، فلا ينافي الأداء مع التأخير لإمكان إدراك وقت الأداء بضميمة إعمال «من أدرك» «2»، مدفوعة بأنّ وقت الاختصاص يفيد الوضع، و أنّه منفيّ في المختصّ للشريكة، و المتيقّن الشروع فيها فيه لا التكليف؛ مع أن لازمه أنّ

هذا القدر وقت تكليفيّ للعشاء رأساً، فتؤدّىٰ بعده قبل الفجر و إن لم يجز التأخير إليه، ثمّ يلتزم بمثله في ما قبل الفجر الذي ليس فيه ذكر الأربع، إلّا المفهوم من الفتاوىٰ، لو لم يكن الظاهر من كلماتهم لزومُ الخمس في الجمع، من دون فرق بين الظهرين و العشائين.

و استدلّ في «الذكرى» بالنصّ علىٰ أنّه لو بقي أربع من آخر الوقت، اختصّت العشاء به، بعد أن صرّح في أوّل البحث بلزوم الأخيرة، و عدم لزومهما معاً في الظهرين و العشائين في ما أدرك من آخر الوقت فيهما قدر أربع فما دون، و لو أدرك خمساً وجبت أداءً و قدّم الظهر و المغرب.

و أمّا نسبة هذا القول إلى الأربعة فغير ثابت، لأنّ «مالكاً» و «الشافعي» منهم، بين الثلث و النصف في آخر العشاء، يعني أنّ «الشافعي» على الثلث، و هو المشهور من مذهب «مالك»، و حكي عنه القول بالنصف. و نسب الثلث في البداية إلى «أبي حنيفة»، و إن قال في آخر المسألة: «و أحسب أنّه به قال أبو حنيفة» أي بالامتداد إلىٰ طلوع الفجر. و نسب القول بطلوع الفجر إلى «داود»، و في «المعتبر» و «المفتاح» نسبه جزماً إلىٰ «أبي حنيفة». و نسب في «المفتاح» النصف إلىٰ «الشافعي» في أحد قوليه، و إلى «الثوري» و «أحمد» في القول الآخر؛ فما عن «الروض» من «اتفاق الأربعة على

______________________________

(1) الوسائل 3، أبواب المواقيت، الباب 17.

(2) الوسائل 3، أبواب المواقيت، الباب 30.

بهجة الفقيه، ص: 85

الامتداد إلى طلوع الفجر، و إن اختلفوا في أنّه وقت اختيار أو اضطرار، لم نظفر به في الكتب المتقدّمة، إلّا ما عن «الذكرى» عن «الخلاف» من اتفاق أهل العلم علىٰ أنّ الفجر حدّ

أصحاب الأعذار في العشاء.

[خاتمة فيها أبحاث]

[البحث الأول] تقوية الأدلّة الدالّة على اعتبار الذراع و الذراعين للظهرين

أمّا تفصيل ما تقدّم تبعاً «للجواهر» «1»، فيمكن تقوية ما مرّ في تحديد الفضيلة للظهرين بالذراع و الذراعين، بما دلّ علىٰ خلاف أنّ الفضل في التأخير للمثل أو المثلين، مثل ما دلّ علىٰ أنّ أوّل الوقتين أفضلهما «2»، فلا يكون التّأخير بعنوانه أفضل. و ما دلّ على المثل أو القامة، فلا يدلّ على الفضل للتأخير و إن كان بعنوان وقت الظهرين، لإمكان إرادة تمام الوقت بتمام المثل، أو نهاية الفضل مع النقص في التأخير في الجملة، لا ما يفيد الفضل في بلوغ المثل، و أبعد منه القول بالفضل في العصر في بلوغ المثلين.

و روايات المثل و القامة علىٰ قلّتها جدّاً كما مرّ تحمل علىٰ روايات التفسير بالذراع علىٰ ما مر.

و خصوص روايات تعليم جبرئيل «3»، محمولة علىٰ تعليم آخر وقت الفضيلة، لبيان أنّ ما بينهما وقت، لا لبيان أوّل الفضل؛ فإنّه علىٰ خلاف العمل مطلقاً في الظهر، و ينافي العصر بمعنى رجحان تأخيره إلىٰ أوّل المثلين، أو أوّل البلوغ للمثل، أو آخر المثلين. و يشهد لحمل روايات المثل أو القامة في ما لا يقبل الحمل على الذراع على التقيّة، قوله عليه السلام

و لكنّي أكره لك أن تتّخذه (يعني الجمع بين نوافلهما و فرائضهما في أوّل الزوال متّصلًا) وقتاً دائماً «4»

؛ فإنّه من جهة أنّ «زرارة» من أعلام الإماميّة، فصلاتهم تبعاً لصلاته موجبة لمعروفيّتهم بهذا الوقت، و لذا أخّره إلى المثل و المثلين في

______________________________

(1) جواهر الكلام، 7، ص 162.

(2) الوسائل 3، أبواب المواقيت، الباب 3، ح 4.

(3) الوسائل 3، أبواب المواقيت، الباب 10، ح 5 و 12.

(4) الوسائل 3، أبواب المواقيت، الباب 5، ح 10.

بهجة الفقيه، ص: 86

رواية الإبراد

«1» الجائز، أو المستحبّ بعنوانه، لا بعنوان وقتيّة المؤخّر، حتّى أنّه عُرف في إخوانه بذلك، ثم أرسل إليه الإمام الصادق عليه السلام «2» و لعلّه بعد زوال ما خاف منه له، أو لإرادة الاختلاف في فعل «زرارة» أيضاً، المانع عن المعروفيّة بوقت خاصّ لو كان موافقاً لهم فيه كان مخالفاً للواقع، و لو كان مخالفاً فيه، كان مع أصحابه يعرف به-: بأنّ يصلّي في مواقيت أصحابه، المعلوم بما تقدّم منه العلم به، و هو الذراع و الذراعين، فيكون مشابهاً لما عن الإمام الكاظم عليه السلام مع «علي بن يقطين» في الوضوء «3».

كما أنّ عمل النبي صلى الله عليه و آله و سلم على التفريق في المثل «4»، أي مثل الحائط و القامة لو كان مسلّماً، فإنّما هو لإرادة الجمع بين النوافل و الفرائض و الجماعة، الذي يصعب علىٰ كثير بدون ذلك على التقريب؛ و لذا نقل عنه صلى الله عليه و آله و سلم في روايتنا «5»: أنّه مع هذا التعليم في أوّل الوقت، كان يصلّي الظهر إذا بلغ في ء الحائط ذراعاً، و العصر إذا بلغ ذراعين، و لا يكون ذلك إلّا إرادة التوسعة في التعليم المتقدّم، و أنّه لتعليم وقتيّة ما بين الأوّل و المثل، لا لبيان أنّ الوقت هو المثل، كما هو ظاهر. و مثله المثل و المثلان للعصر للتسعة بداية و نهاية، لا لرجحان التأخير حتّى يكون الجمع مكروهاً.

و يشهد لعدم رجحان التّأخير بعنوانه في الظهرين مع استواء المقدّم و المؤخّر في ضمّ النوافل و العدم، و الجماعة و العدم، و طلب الإبراد و العدم، و الأرفقيّة و الأسهليّة، و مزاحمة سائر الضرورات و العدم ارتكازُ الفرقة المحقّة، فإنّ رجحان التّأخير عندهم

أمر منكر.

و أمّا عملهم على الجمع لمن هو أسهل لديه فاعلًا للنفل و تاركاً له فلا يستدلّ به، لمعلوميّة عدم اتّصال عملهم بعمل النبيّ صلى الله عليه و آله و سلم مستمرّاً، و إن كان عمل النبيّ صلى الله عليه و آله و سلم قد مرّ

______________________________

(1) الوسائل 3، أبواب المواقيت، الباب 8.

(2) الوسائل 3، أبواب المواقيت، الباب 8، الحديث 13 و 33.

(3) الوسائل 2، أبواب الوضوء، الباب 32، ح 3.

(4) الوسائل 3، أبواب المواقيت، الباب 10، ح 5 و 12.

(5) الوسائل 3، أبواب المواقيت، الباب 8 ح 3 و 4.

بهجة الفقيه، ص: 87

الكلام فيه. و ليس الاستدلال بالسيرة العمليّة، ليدفع بالانقطاع، بل لمكان معلوميّة فضل المبادرة برعاية الأوّل فالأوّل لديهم مع التساوي في سائر جهات الفضل.

و عمل النبيّ بتعليم «جبرئيل» قد مرّ وقوع الاختلاف في نقله بالقامة، و المثل، و الذراع و القدمين، و روايات الأخير كثيرة، و روايات الأوّل قليلة؛ فإمّا أن يحمل علىٰ الأخير مع الإمكان و لو بالكشف عن قرينة الصدور؛ و إمّا أن يحمل على الموافقة في النقل لغيرنا مع التزامهم به، كأنّه بيان للوقت اللزومي؛ و إمّا أن يحمل على مراتب الفضل. و كيف يكون ظاهر النقل الأوّل محقّقاً، و يكون عمله صلى الله عليه و آله و سلم علىٰ ذراع من في ء الحائط للظهر، و ذراعين منه للعصر؟

و يؤيّد ما مرّ، قولهم عليهم السلام

إلّا أنّ بين يديها سبحة، و ذلك إليك إن شئت طوّلت. «1»

، و قولهم

أوّل الوقت أفضله «2»

، و قوله لأبي بصير

خفّف (يعني الثماني ركعات) ما استطعت» «3»

، فلا يصار إلىٰ أنّ الأفضل في العصر تأخيره إلى المثل، و أنّ نهاية فضيلته

المثلان، كما أنّ نهاية فضيلة الظهر، المثل؛ بل المفهوم من تعليل القدمين «4» أيضاً أنّ التأخير للظهرين بهذا القدر للنافلة، و ليس مثل التعليل المذكور موجوداً في روايات المثل و المثلين، و من البعيد جريانه فيهما بعد الأمر بترك النافلة بعد الأربعة أقدام.

رفع الإشكال عن حمل روايات المثل و القامة على التقيّة فلا يقال مع إمكان الجمع العرفي بين روايات الذراع و القامة بمراتب الفضل-: لا تصل النوبة إلى الحمل على التقيّة، بل الاستدلال، كما يكون بالروايات المنقولة، يكون أيضاً بعمل الشيعة، الكاشف عن خلاف هذا المدّعى؛ فهو أيضاً ممّا يكشف الكاشف

______________________________

(1) الوسائل 3، أبواب المواقيت، الباب 5، ح 1.

(2) الوسائل 3، أبواب المواقيت، الباب 3، ح 13 و 9.

(3) الوسائل 3، أبواب المواقيت، الباب 3، ح 13 و 9.

(4) الوسائل 3، أبواب المواقيت، الباب 8، ح 35.

بهجة الفقيه، ص: 88

عن اعتقادهم بشي ء، أو عدم اعتقادهم بشي ء، الكاشف عن المذهب الحقّ عندهم؛ كما أنّ عمل المخالفين في مواقع الاختلاف ممّا يكشف عن خلاف الواقع، كما نبّه عليه في روايات العلاج «1» ممّا يفهم به الحكم المخصوص بالعلاج، فتدبّر جيّداً.

و يشهد للحمل على التقيّة في روايات المثل و المثلين قولُه عليه السلام «لزرارة»

أكره لك أن تتّخذه وقتاً دائماً

«2»؛ فإنّ التخصيص به، لمكان معروفيّته و أصحابه، بالوقت المخالف لوقتهم، و الموافق للواقع، كما أنّ إرساله إليه بالمثل و المثلين «3» أي بتأخير الظهر إلى المثل، و العصر إلى المثلين، المقطوع بأنّه لأجل أن لا يعرف الشيعة بما يعتقدون من الوقت؛ فإنّ التأخير إلى المثل في الظهر مخالف لعمل العامّة أيضاً، مع تحقّق العدول عن هذا لمثله بإرساله «4» ثانياً «بأن يصلّي في مواقيت أصحابه»

المعلوم في الرواية الأُخرىٰ «5» «أنّ زرارة كان يعتقد الذراع و الذراعين و أنّه وقت أصحابه» و إن لم يعدل زرارة بالإرسال ثانياً عن عمله بعد الإرسال الأوّل.

مع أنّ وقوع الاختلاف في نقل صلاته صلى الله عليه و آله و سلم «6» بالمثل و القامة و الذراع و القدمين يشهد لإرادة الأمر الواحد، و لا يكون ذلك إلّا في قامة الذراع، و قامة الرحل، و هو المعبّر عنه بالذراع في الفي ء «7»، و القدمين في الفي ء، لا قامة الظلّ؛ و كون الظلّ مثل القامة حتّى لا يفرّق بين كون ذي الظلّ حائطاً، أو مقياساً قدر ذراع كالرحل بحسب زمان المماثلة مع ذي الظلّ.

______________________________

(1) الوسائل 18، أبواب صفات القاضي، الباب 9.

(2) الوسائل 3، أبواب المواقيت، الباب 5، ح 10.

(3) الوسائل 3، أبواب المواقيت، الباب 8، الحديث 13 و 33.

(4) الوسائل 3، أبواب المواقيت، الباب 9، ح 14.

(5) الوسائل 3، أبواب المواقيت، الباب 8 ح، 3 و 4.

(6) الوسائل 3، أبواب المواقيت، الباب 10 و 8.

(7) الوسائل 3، أبواب المواقيت، الباب 8.

بهجة الفقيه، ص: 89

و الشاهد الآخر لهذه الوحدة، المذكور في النقل «المختلف «، وقوع عمله صلى الله عليه و آله و سلم على الذراع و الذراعين من في ء الحائط، و لا يكون ذلك إلّا بالوحدة المذكورة؛ فيكون رواية المثل الغير القابلة لهذا الجمع مع الروايات الأُخر مورداً لترجيح المقابل المتواتر المشهور رواية و عملًا، الواضح دلالة، على الشاذّ الموافق للعامّة.

الجمع بين الروايات بالحمل على مراتب الفضيلة، و الخدشة فيه و أمّا الجمع بالحمل علىٰ مراتب الفضيلة و أنّ مبدأها للظهر من الزوال إلى القدمين إلى المثل بعد استثناء القدمين لنافلته؛ و للعصر بعد فعل الظهر

إلى الأربعة أقدام إلى المثلين بعد استثناء الأربعة لنافلته، بعد الظهر بعد نافلته، مع اشتراك الوقت في كلّ من مبدئه إلىٰ منتهاه المذكورين علىٰ فضيلة زائدة على ثواب أصل الصلاة مفقودة في ما بعد المثل للظهر، بعد المثلين للعصر، مع وقوع الاختلاف في كل بأنّ ما قرب إلى الزوال أفضل ممّا بعُد منه، فيمكن الخدشة فيه بأنّ ما بعد المثل و المثلين أيضاً مشتمل علىٰ ثواب أصل الصلاة، و المتأخّر في ما بعدهما أيضاً، مفضول بالنسبة إلى المتقدّم في ما بعدهما أيضاً، فلا بدّ من الالتزام بالزيادة علىٰ فضيلة أصل الصلاة في ما بعدهما أيضاً، فلا فارق بين ما بعد المثلين و المثلين.

إلّا أن يقال: مراتب الفضل فيهما مختلفة بالزيادة و النقصان كمّاً و كيفاً بالنسبة إلى الفضيلة الزائدة علىٰ فضيلة الصلاة؛ و أمّا بعدهما فالفضيلة مفقودة زائدة على فضيلة أصل الصلاة، و الموجود بعدهما فضيلة أصل الصلاة المختلفة بحسب الكيف فقط في ما بعدهما، و المشتركة بحسب الكمّ بعدهما، لفرض أنّ كميّة ما بعدهما لازمة لأصل الصلاة بلا تخصّص بكيفيّة خاصّة، بل تتخصّص بكيفيّة مشتركة بين ما يكون قبلهما و بعدهما إلى الغروب، و تختلف قرباً و بعداً هذه الكيفيّة في مراتبها المقيسة إلى الزوال الذي هو مبدأ وقت الصلاتين.

بهجة الفقيه، ص: 90

نتيجة البحث فتحصّل ممّا مرّ: أنّ روايات الذراع و القدمين «1»، بل القدم «2»، و السبحة «3»، و التعبير بالبُعَيْد بالتصغير في اليومين «4»، و قوله عليه السلام «5»

خفّف ما استطعت في الثماني ركعات

بضميمة عدم الفصل بين ذراع الظهر و المثل، و ذراعي العصر و المثلين في رجحان الانتظار، أو المبادرة، و قوله عليه السلام في عدّة روايات ما ينافي رجحان

التأخير للعصر إلى المثل، في قبال الجمع بين الظهرين و نوافلهما بعد الزوال على الاتصال، تقرب من التواتر، و متأيّدة بعمل أهل الإيمان في الجهة المقصودة، موافقة لعمله صلى الله عليه و آله و سلم في الذراع و الذراعين من في ء حائط المسجد الذي كان قامة «6» و في هذه الطائفة تفسير للقامة بالذراع، و أنّها قامة الرحل لا الحائط يعني حدّ نفس الرحل، لا ظلّه حتى يساوي المثل المتّحد في موارد اختلاف ذي الظلّ.

فإمّا أن لا يصحّ النقل للقامة، و المثل في تعليم «جبرئيل» في اليومين «7»، أو يكون نقله موافقة للقوم بما فهموه، و هو المناسب لظهور روايات المثل و القامة، و خصوص رواية «يزيد بن خليفة» «8» من جهة التعبير بالقامة و دخول وقت العصر بعدها، و تحقّق المساء بعد القامتين لولا الحمل بسبب الجمع علىٰ دخول الوقت المختصّ بفضيلة العصر، و لا يمكن فيها حمل القامة على الذراع.

كما يرشد إليه اختلاف النقل في طرقنا عن ذلك؛ و أنّ عمله صلى الله عليه و آله و سلم بخلاف هذا

______________________________

(1) الوسائل 3، أبواب المواقيت، الباب 5، ح 8 و 10.

(2) الوسائل 3، أبواب المواقيت، الباب 5، ح 8 و 10.

(3) الوسائل 3، أبواب المواقيت، الباب 5، ح 13 و 14.

(4) الوسائل 3، أبواب المواقيت، الباب 10، ح 8.

(5) الوسائل 3، أبواب المواقيت، الباب 3، ح 9.

(6) الوسائل 3، أبواب المواقيت، الباب 8.

(7) الوسائل 3، أبواب المواقيت، الباب 10، ح 5 و 12.

(8) الوسائل 3، أبواب المواقيت، الباب 5، ح 6 و 13.

بهجة الفقيه، ص: 91

التعليم؛ و أنّ ذا القامة، الرجل، لا حائط المسجد؛ و أنّ المدار، على مساحة الرحل، لا ظلّه،

يعني علىٰ أنّ القامة منتهى فضيلة الظهر، و القامتين، منتهىٰ فضيلة العصر.

كما يدلّ عليه قوله عليه السلام بعد القامتين

و ذلك المساء

، في خبر «يزيد بن خليفة»،

و ظلّ مثلك

في رواية أُخرى «1» و

حتّى صار ظلّ كلّ شي ء مثله و مثليه.

كما عن «العلّامة» مرسلًا «2»، فيكون المختصّ بفضيلة العصر، أوّل المثلين، و لا فضيلة للظهر فيه، أو في ما بعد أوّله لخصوص من لم يصلِّ الظهر؛ و أمّا المصلّي للظهر، ففضيلة العصر تبتدئ بعد فعل الظهر و لو في أوّل وقته.

فمعنى ذلك، أنّ فضيلة العصر لا تتحقّق قبل المثل إلّا لمن صلّى الظهر؛ و أنّ فضيلة الظهر، تنتهي إلى المثل أو إلىٰ أزيد منه بقدر أدائه؛ و أنّ التفريق بين الصلاتين، بنحو يدرك فضيلتهما، فغايتُه الإتيان بالظهر في آخر المثل و بالعصر في آخر المثلين، و هذا أقلّ فضلًا فيهما؛ و أنّ الأفضل في هذا التفريق رعاية الذراع و الذراعين، و لا استبعاد في التفريق مع قلّة الفضل، كما وقع مثله في المغرب، في ما بين الغروب و ذهاب الشفق المغربي، كما وجّهناه.

و قوله عليه السلام في رواية

و أوّل وقت العصر قامة «3»

؛ فإنّه كالتعبير بالدخول في ما سبق، و عبّر أيضاً بأنّ آخر وقت الظهر قامة إلّا النافلة للحمل على الذراع، فيكون محمولًا علىٰ مراتب الفضل، و فيها تعليل بالنافلة، يعني أنّ اقتطاع الذراع و الذراعين من أوّل الوقت علىٰ الاتصال إنّما هو لتحديد التنفّل، و يكون التحديد بالمثل و المثلين لغير هذه الجهة.

و عليه، فظهور الثمرة، في تأخير العصر إلى المثل؛ فإنّه أوّل وقت الفضيلة على حسب ما يتراءى من روايات المثل و المثلين، مع أنّه الأوّل لمن صلّى الظهر في آخر

وقت

______________________________

(1) الوسائل 3، أبواب المواقيت، الباب 5، ح 6 و 13.

(2) الوسائل 3، أبواب المواقيت، الباب 9، ح 14.

(3) الوسائل 3، أبواب المواقيت، الباب 8، ح 29.

بهجة الفقيه، ص: 92

فضيلته، و إلّا فبعد الظهر و نوافل العصر يكون المبادرة إلى العصر أفضل من التأخير إلى المثل، بل إلى الأربعة أقدام أيضاً على الاعتبار بها في وقت العصر للفضيلة، و يكون الحاصل أنّه لا حدّ لمريد الجمع إلّا الوصل بالظهر مع النوافل إن لم يخرج وقتها؛ و غيره ليس فيه إلّا أنّه إن أخّر الظهر عن الأوّل، فلا يؤخّره إلى الأربعة؛ و إن أخّر فلا يؤخّره إلى المثل؛ و إن أخّر العصر، فلا يؤخّره عن الأربعة بغير أربع ركعات؛ و إن أخّر فلا يؤخّره عن المثلين. و الأقرب إلىٰ الأوّل الحقيقي، أفضل. و يجري في تأخير المجموع، ما ذُكر في تأخير كلّ منهما؛ و في قبال ذلك ما عليه القوم من أنّ أول وقت العصر، المثل، أو آخر المثلين، فالثاني عن «أبي حنيفة»، و الأوّل عن «مالك» و جماعة. تقريب آخر للجمع بين روايات المقام و ممّا قدّمناه يظهر تقريب آخر للجمع، بأنّه لا بدّ عندنا من حمل جميع روايات المقام علىٰ اختلافها على بيان وقت الفضيلة، لدلالة الروايات المعتبرة المعمول بها عند المشهور علىٰ إجزاء الظهرين بين الحدّين، مع استثناء الأربع في الأوّل و مثله في الآخر فيبقى الكلام في الفضل و أنّه، علىٰ حسب أخبار المثل و المثلين أو الذراعين. و ذلك بعد استثناء ما كان من أخبار المثل قابلًا للحمل على الذراع كما مرّ، و ليس إلّا قليلًا من روايات القامة و المثل، مع القرينة في بعض القسم الأوّل، أعني ما

نقل عن بعض أئمّتنا عليهم السلام علىٰ إرادة مثل الشخص «1»، لا مثل مساحة الرحل و وقوع الاختلاف في ما بين رواياتنا في نقل تعليم «جبرئيل»، و رجحان ما فيه الذراع بحكاية عمله صلى الله عليه و آله و سلم في رواياتنا، علىٰ رواية المثل الموافقة لرواياتهم، أعني العامّة.

و بعد ذلك يقال: إنّه لو عمل بروايات الذراع، أمكن حمل روايات المثل على مراتب

______________________________

(1) الوسائل 3، أبواب المواقيت، الباب 8، ح 13 و 33.

بهجة الفقيه، ص: 93

الفضيلة على النحو المتقدّم قريباً؛ و لو عمل بروايات المثل على ظاهرها، يلغو روايات الذراع المتواترة، لدلالة الأُولىٰ على عدم الفضل قبل تمام المثل للعصر، و الثانية على إدراك فضيلته بعد الذراع.

إلّا أن يقال: إنّ ذلك للمتنفّل فقد حصّل فضيلة النفل الراجحة على فضيلة وقت العصر في المثل، فيجاب بما في بعضها من خروج وقت العصر بعد الأربعة و الذراعين، و بأنّ ظاهرها إدراك فضل الوقت، لا فضل آخر يوازي فضل الوقت. و أمّا القطع بأنّها للفضل المختلف فيه بين الذراع و المثل، فهو لمكان القطع بالإجزاء في ما بين الحدّين، مخالفاً لاتّفاق معظمهم علىٰ أنّ الوقت الموسّع في قبال المرغّب فيه للعصر ما بعد المثل، مع اختلافهم في حدّه أيضاً. و قد مرّ أنّ روايات الذراع أيضاً، مع ما في بعض الروايات من التعبير بالقدم في الظهر، و الشبر بعد ذراع الظهر، منفيّة ببعض المعاني في رواية «السبحة»، الّتي يستفاد منها أنّ أفضل أوقات الفرضين هو الشروع بعد الزوال في نافلة الظهر، ثم في الظهر، ثمّ في نافلة العصر، ثمّ في العصر، من دون انتظار لشي ء من التحديدات التي ربّما تتأخّر عن الوصل المذكور بين الفرضين و

النفلين. و أقلّ النفي، الحمل علىٰ نفي أفضليّة راية هذه التحديدات المبتدئة من القدم إلىٰ آخر المثلين، و المنتهية إلى آخر المثلين أو إلى الغروب. مع مساواة الصلوات في السهولة و الرفق، و الجماعة، و سائر المرجّحات؟ و عدمها؛ فيكشف ذلك عن أنّ إلقائها لمصالح و حكم أُخَر يمكن معرفتها بملاحظة أعمال المسلمين و أحوالهم.

فتحديد فضل العصر بالمثل «1» على الإطلاق مع مخالفته للتحديد بالذراع، لا يجتمع مع كون المؤخّر إلىٰ ستّة أقدام مضيّعاً، كما في رواية «2»، و كذا الأمر بصلاة العصر

______________________________

(1) الوسائل 3، أبواب المواقيت، الباب 8، ح 13.

(2) الوسائل 3، أبواب المواقيت، الباب 9، ح 2، 5، 6.

بهجة الفقيه، ص: 94

علىٰ قدر ثلثَي قدم بعد الظهر في رواية «1»، و قوله

آخر وقت العصر ستّة أقدام و نصف.

في رواية «2».

فبعد البناء على الثابت عندنا من أنّ حدّ الإجزاء ما بين الحدّين للصلاة، مع استثناء الأوّل للأُولىٰ، و الأخير للأخيرة لا يكون الاختلاف إلّا في الفضل.

فقد مرّ: أنّ الأوّل أفضل على الوجه المتقدّم فيكون ما بعده إلىٰ آخر المثلين مراتب الفضل بالنحو المتقدّم؛ فروايات الباب مختلفة في التحديدات، و ليست جامعة لها، دالّة علىٰ أنّها مراتب، بل ضرورة الجمع بين المختلفات تدعو إلىٰ ذلك. و هي مع اختلافها في بيان حدّ الفضيلة، مختلفة في قابليّة حمل بعضها، لما فيه من القامة بالذراع، و إن كان الحمل على المراتب أقرب من هذا الحمل، إلّا أن يكون المراد من روايات التفسير اقتران الأصل بقرينة الصدور. و بعضها غير قابلة لذلك، كما دلّ علىٰ دخول وقت العصر بعد المثل الذي يخرج به وقت الظهر، و أنّ ما بعد العصر المساء «3»؛ فلا بدّ فيه

من الحمل علىٰ بعض ما مرّ من أنّه حدّ خروج وقت الفضيلة للظهر، و وقت دخول الوقت المختصّ بفضيلة العصر. و مثل ما دلّ على التحديد بصيرورة ظلّ كلِّ مثله و مثليه «4»، كما رواه «العلّامة» قدس سره في ما حُكي عنه، موافقاً لما رواه العامّة مع الاختلاف الآخر في كون المثل حدّ التوسعة للظهر عندهم، و المثلين آخره، أو أوّله حدّ التوسعة للعصر، فيخرج وقت الظهر بالمثل، و يدخل به عندهم وقت العصر، أو لا يدخل أيضاً إلّا بعد المثلين، فيكون ما يقبل الحمل للمثل على الذراع محمولًا عليه؛ و ما لا يقبله، لكنّه يمكن حمله على مراتب الفضيلة، يُحمل عليها على النحو المتقدّم؛ و ما لا يقبل ذلك أيضا أو يستبعد فيه ذلك، يحمل علىٰ إرادة الموافقة مع القوم في بيان الوقت بالمثل و المثلين؛ و إن كان المراد بحسب الإجزاء و الفضل علىٰ الاختلاف في ما بين الفريقين؛ و ما لا يقبل هذا أيضاً كالقدم في الأوّل، و ذراع و نصف في العصر، و القدم للظهر، و القدمين للعصر في قوله عليه السلام

النصف من ذلك أحبّ إليّ «5»

و ثلثا القامة لنافلة الظهر في رواية «6»، فهي في المخالفة لما عندهم كالذراع و الذراعين حيث ليس في ما بينهم من الأقوال المعروفة، فمثل ذلك لا يأبىٰ عن الحمل على مراتب الفضل.

حمل بعض الروايات على التقيّة فإن كان بعض التحديدات آبياً عن الحمل المذكور بخصوصيّات في عبارات الروايات، فلا بدّ من الحمل على التقيّة التي لا يعتبر فيها وجود القول به من المخالفين، كما يدلّ عليه ما في الرواية «7» من الأمر بالصلاة علىٰ الاختلاف لئلّا يعرفوا بوقت خاصّ، مع إمكان الحمل على

التقيّة الموافقة لأقوال أكثرهم؛ فإنّ روايات المثل و المثلين موافقة لفتاوىٰ أكثرهم و لعملهم، حتّى أنّ أمر «زرارة» موافق لآخر وقتي الظهرين عند أكثرهم، و لآخر وقت الظهر و أوّل وقت العصر عند «أبي حنيفة» و أصحابه، لكنّه ليس بحيث لا يكون موافقاً للواقع رأساً؛ فإنّ هذا العمل المذكور في غير أمر «زرارة»، موافق لما هم عليه من وقت الإجزاء، لما نحن عليه في وقت الفضيلة، مع مخالفة أُخرى في القول دون العمل، و هو أنّ أوّل تمام المثل وقت دخول إجزاء العصر عند أكثرهم، و ليس إلّا من وقت فضيلة العصر عندنا، لا الإجزاء و لا دخول فضيلة العصر.

فالحمل على المراتب في بعضها، و على التقيّة بهذا النحو المذكور في بعضها الآخر، لعلّه أقرب أنحاء الجمع.

______________________________

(1) الوسائل 3، أبواب المواقيت، الباب 9، ح 2، 5، 6.

(2) الوسائل 3، أبواب المواقيت، الباب 9، ح 2، 5، 6.

(3) الوسائل 3، أبواب المواقيت، الباب 10، ح 1.

(4) مستدرك الوسائل، أبواب المواقيت، الباب 9، ح 14.

(5) الوسائل 3، أبواب المواقيت، الباب 8، ح 22 و 23.

(6) الوسائل 3، أبواب المواقيت، الباب 8، ح 22 و 23.

(7) الوسائل 3، أبواب المواقيت، الباب 7، ح 3.

بهجة الفقيه، ص: 96

و ليس الحكم الواقعي عندنا انتظار المثل للعصر، أي لدخول فضيلة العصر، كما حُكي التصريح به عن جماعة منّا، منهم «المفيد» في «المقنعة»؛ فإنّه علىٰ خلاف روايات السبحة، و الذراع، و غيرهما ممّا يخالف ما عليه العامّة. و في بعض هذه التعبير بالتضييع قبل المثل فلا يكون الفضل في الانتظار؛ و في بعضها التحديد بالقدم و القدمين، يعني الشطر من الذراع و الذراعين؛ و في بعضها تمام الأربعة أقدام للظهر، و

بعدها للعصر إلى الغروب كرواية «الكرخي» «1».

مفاد رواية التعليم و أمّا رواية التعليم، فإن كانت على الذراع و الذراعين، كما هو إحدى الروايتين المختصّة بنا، فهو؛ و إلّا فهو لتعليم حدَّي الفضيلة لمن أراد إدراك الفضيلة مع التفريق؛ فليس فعل العصر في اليوم الأوّل لمكان أنّه أوّل فضيلة العصر، بل لمكان أنّه آخر فضيلة الظهر، و أنّ غاية التفريق الذي يدرك به فضيلة العصر وقوعه في ما بين هذين الحدّين، يعني أنّ ما بين العصرين في اليومين وقت يدرك به الفضيلة للعصر، مع حفظ نسبة التفريق في اليومين، لا أنّ ما قبلهما ليس بوقت فضيلة للعصر.

كما أنّ ما بين الظهرين في اليومين وقت للظهر يدرك به فضيلة الظهر، و القرب إلى الزوال فيهما موجب لمزيد الفضل فيهما بما أنّه قرب للزوال فيهما، لا بما أنّه قرب للمثل في العصر.

و يدلّ علىٰ أن وقتي التعليم لأجل ذلك لو كان النقل كذلك، وقوع عمله صلى الله عليه و آله و سلم بعد ذلك علىٰ ما بين الحدّين في اليوم الأوّل علىٰ نقل المثل، لا علىٰ ما بين الحدّين في اليوم الثاني علىٰ نقل المثل، و هذا هو الموافق لروايات الذراع و الذراعين.

و يشهد لرجحان الأخذ بروايات الذراع، ما فيها من التعليل بأنّ اقتطاع هذا المقدار للنافلة، و أنّه بعد الذراع تعيّن الظهر، و بعد الذراعين تعيّن العصر؛ فلا يبقىٰ محلّ للتقدير

______________________________

(1) الوسائل 3، أبواب المواقيت، الباب 8، ح 32.

بهجة الفقيه، ص: 97

للفرضين بالمثل و المثلين، إلّا أضعف الفضل لا أقواه.

و يشهد له أيضاً عمل الشيعة علىٰ ترك الانتظار، كما هو معلوم من السيرة المستمرّة، و يدلّ على قوله عليه السلام في إرساله ثانياً إلىٰ «زرارة»

فليصلّ في مواقيت أصحابه «1»

بعد معلوميّة أنّ المعهود لدى «زرارة»، الذراع و الذراعين، كما يعلم من روايته الأُخرىٰ «2». و قد مرّ استفادته من سائر الروايات المتقدّم إليها الإشارة.

[البحث الثاني] وقت العشائين

و قد مرّ أنّ العشائين وقتهما من الغروب إلى النصف، مع اختصاص الأوّل بالأُولىٰ و الأخير بالأخيرة. و قد مرّ أنّ المدار في الغروب، الاستتار، و أنّ الأحوط الأفضل، الانتظار إلى ذهاب الحمرة. و الظاهر أنّ المراد به من الروايات، ذهاب الحمرة من جانب المشرق؛ ففي بعضها

إذا غابت الحمرة من هذا الجانب يعني من المشرق «3»

؛ و في بعضها

إذا ذهبت الحمرة من المشرق «4»

؛ مع التعليل في آخره؛ و في بعضها

أن تقوم بحذاء القبلة، و تتفقّد الحمرة التي ترتفع من المشرق

، فإذا جازت قمّة الرّأس (يعني أعلاه) إلى ناحية المغرب، فقد وجب الإفطار، و سقط القرص» «5»، و ما سبق ظاهره في زوال الحمرة من جانب المشرق رأساً.

و الأخير يحتمل فيه إرادة ارتفاعها عن محاذاة رأس المقيم، و يمكن استفادته من رواية التعليل علىٰ أن يراد أنّ الغيبوبة في كلّ حدّ في المغرب تلازم الذهاب من حدّ في المشرق.

______________________________

(1) الوسائل 3، أبواب المواقيت، الباب 9، ح 14.

(2) الوسائل 3، أبواب المواقيت، الباب 8، ح 33.

(3) الوسائل 3، أبواب المواقيت، الباب 8، ح 1 و 2 و 3.

(4) الوسائل 3، أبواب المواقيت، الباب 8، ح 1 و 2 و 3.

(5) الوسائل 3، أبواب المواقيت، الباب 8، ح 1 و 2 و 3.

بهجة الفقيه، ص: 98

و أمّا كون الجواز إلىٰ ناحية المغرب، فيمكن أن يكون ذلك من أوائل ظهور الحمرة في المغرب، و هو بخلاف ما إذا علّق الأمر على الذهاب من المشرق و

ظهورها في المغرب؛ فإنّه يتّضح الذهاب و الظهور في زمان واحد.

و الظاهر أنّ قوله عليه السلام

أن تقوم. «1»

لاستعلام موضع الحمرة و تعيين المشرق، لا لتعرّف حدّ القائم و الجواز عن سمت رأسه. و على احتماله فللغروب مراتب الاستتار، و الجواز عن حدّ رأس الواقف، و ذهاب الحمرة عن جانب المشرق، كما في المطلق، و الذهاب إلى المغرب عن ربع الفلك، كما في التحديد للآخر؛ و أنّ فضيلة المغرب، إلىٰ سقوط الشفق المغربي، و فضيلة العشاء، بعد سقوط الشفق المغربي إلى الربع، و الثلث علىٰ مراتب الفضل. و جواز تأخير المغرب عن سقوط الشفق بلا عذر، كجواز تقديم العشاء عن سقوطه بلا عذر بعد صلاة المغرب؛ و أنّ الوقت الاضطراري للعشائين إلى الفجر علىٰ ما مرّ.

[البحث الثالث] وقت الصبح

و أنّ وقت الصبح، طلوع الفجر الصادق، و آخر فضله، الإسفار، و هو الموافق لشهود ملائكة الليل و النهار، و أثبتت مرّتين، لأنّ الوقت مع طلوع الفجر الذي مبدأ النهار شبيه بالليل لظلمته، فله أجر صلاة الليل، و أجر صلاة النهار بما أنّها صلاة الوقت المذكور.

و ما عن الدعائم من

أنّ أوّل وقت صلاة الفجر اعتراض الفجر في أُفق المشرق، و أنّ آخر وقتها أن يحمرّ أُفق المغرب، و ذلك قبل أن يبدو قرن الشمس من أُفق المشرق بشي ء، و لا ينبغي تأخيرها إلى هذا الوقت لغير عذر، و أوّل الوقت أفضل

، «2» موافق لما عن «الرضوي» «3» المصرّح بتغاير الحدّين المذكورين، و أنّ طلوع الشمس حدّ العليل

______________________________

(1) الوسائل 3، أبواب المواقيت، الباب 16، ح 4.

(2) دعائم الإسلام 1، ص 139.

(3) فقه الرضا عليه السلام، ص 104

بهجة الفقيه، ص: 99

و المسافر و المضطرّ، و فيه شرح لما

في «الدعائم»؛ كما أنّ

لا ينبغي

في «الدعائم» شرح للرضوي في إرادة الاستحباب؛ و التعبير بآخر الوقت مع إرادة الفضيلة غير قليل.

كما أنّ الظاهر موافقة هذا التحديد لمثله في المغرب علىٰ ما شرحنا به قولهم فيه

لأنّ المشرق مطلّ على المغرب «1»

، فتكون الحمرة المغربيّة كاشفة عن مرتبة من طلوع الشمس يكون إيقاع الصلاة فيها مرجوحاً لغير المعذور؛ كما أنّ الأقرب إلى الفجر أفضل. و غاية الفضيلة، الإسفار، كما ربّما يوافقه ما عن الأصحاب من التحديد بالحمرة المشرقيّة؛ فيكون التحديد بالمغربيّة، آخر المرجوحيّة، لأنّه أبعد من طلوع الفجر و أقرب إلى طلوع الشمس.

______________________________

(1) الوسائل 3، أبواب المواقيت، الباب 16، الحديث 3.

بهجة الفقيه، ص: 101

الفصل الثاني أوقات النوافل

وقت نوافل الظهرين

اشارة

و أمّا نوافل الظهرين، ففي «الشرائع» «1»: أنّ وقتها، الذراع للظهر و الذراعان للعصر. و قيل: بالمثل و المثلين، و بالامتداد إلىٰ آخر وقت الفريضة، و أنّ الأشهر، الأوّل.

و يدلّ عليه ما في الروايات «2» من التحديد لوقت الفريضة بالأقدام و الذراع، معلّلة في بعضها بأنّ جعل الذراع و الذراعين، لمكان النافلة «3»؛ و أنّه إذا بلغ الذراع، ترك النافلة و بدأ بفريضة الظهر، و كذا في العصر بالنسبة إلى الذراعين.

و ظاهر ذلك أنّ اقتطاع هذا القدر من أوّل وقت الفريضة لأولويّة النافلة به و أولويّة الفريضة بما بعده، فيترك النافلة في ما بعد الذراع لفريضة الظهر، و نافلة العصر بعد الذراعين لفريضة العصر، فلا يزاحم النافلة الفريضة بعد هذين الحدّين على التوزيع.

و إليه يرجع ما في الرواية من قوله عليه السلام

لئلا يكون تطوّع في وقت الفريضة «4»

؛

______________________________

(1) شرائع الإسلام، 1، ص 52.

(2) الوسائل 3، أبواب المواقيت، الباب 8.

(3) الوسائل 3، أبواب المواقيت، الباب 8، ح 3 و 28.

(4) الوسائل

3، أبواب المواقيت، الباب 8، ح 3 و 28.

بهجة الفقيه، ص: 102

فلو لم يكن هذا التحديد، لكان كلّ تطوّع في وقت الفريضة، و بالعكس؛ و إنّما الامتياز، لمكان الاقتطاع للحدّ المذكور، بل ظاهر هذا التعليل هو هذا المعنى.

و إليهما يرجع ما في الثالثة من التعليل

بأنّه لمكان الفريضة، لئلّا يؤخذ من وقت هذه و يدخل في وقت هذه «1»

؛ فإنّ ظاهرها أنّه لميز الفريضة عن النافلة وقت، لئلّا يؤخذ من وقت الفريضة فيعطىٰ للنافلة، بأن يؤخّر النافلة و لو بالتطويل إلى أن يتجاوز الذراع و الذراعين. و لو أراد الميز بين وقتَي الفريضتين لقال: «لمكان الفريضتين».

و لو سلّم ذلك، دلّت الروايتان علىٰ أنّ جعل الذراع لكلّ فريضة لئلّا يزاحمها النافلة، فلا ينافي أن يكون أصل الحدّين للفريضة، و سعة كلّ حدّ للنافلة. لكن ظهور وحدة المعلّل في وحدة المراد من التعليل، و أنّه الميز بين الفريضة و النافلة وقتاً، فتكون الروايتان المتقدّمتان شارحتين لهذه.

و عليه، فما دلّ علىٰ نفي التحديدات للفريضة بالقدم و القدمين، يراد به أنّ التحديد للفريضة بما بين الحدّين، و أنّه إنّما يمنع عنهما سبحتهما؛ فمن سبّح في أوّل الزوال و وصل الفريضتين المسبوقتين بنوافلهما، لم يفته فضيلة الفريضتين.

و تدلّ هذه الروايات في أنّ أفضل تحصيل فضيلة الفرضين بنوافلهما أن يخصّ ما بعد الذراع بالظهر، و الذراع بنافلته، و أن يخصّ ما بعد الذراعين بالعصر، و ما بينهما بعد الظهر إلى الذراعين بنوافل العصر على اختلاف بينهما في تقديم الظهر على الذراع و العصر على الذراع، كما يفهم من قوله

و أُحبّ أن يكون فراغك من الفريضة و الشمس على قدمين «2»

أو بعد الذراع و الذراعين، كما فيه ذلك روايةً و

حكايةً عن صلاة النّبي صلى الله عليه و آله و سلم.

______________________________

(1) الوسائل 3، أبواب المواقيت، الباب 8، ح 21 و 31.

(2) الوسائل 3، أبواب المواقيت، الباب 8، ح 21 و 31.

بهجة الفقيه، ص: 103

و لا ينافي التحديد المذكور قوله

خفّف ما استطعت «1»

و قوله

طالت أو قصرت «2»

، يعني السبحة؛ فإنّه تحديد للتخفيف و الإطالة؛ فالمخفّف يتأكّد في حقّه الأقلّ من الذراع، و المطوّل يقصّر في إطالته من الذراع. التعبيرات الثلاثة في الروايات و مقتضى الجمع فهاهنا تعبيرات ثلاثة:

أحدها

إن شئت طولت، و إن شئت قصّرت «3»

، ثانيها

خفّف ما استطعت

، و ثالثها

الذراع و الذراعان.

و ظاهر الثاني، الوصل بالزوال مع التخفيف المقدور، و لا يبلغ إلى الذراع قطعاً في المتعارف، و الترخيص في الإطالة مع محبوبيّة التخفيف بقدر الاستطاعة، كما يدلّ عليه قوله

و أُحبّ أن يكون فراغك من الفريضة و الشمس علىٰ قدمين «4»

يحمل علىٰ رجحان التخفيف في أقلّ من ذراع أيضاً، كما في كلّ دليل علىٰ أمر بشي ء مع الدليل على الترخيص في تركه.

و مقتضى الجمع أنّ الإطالة لا تتجاوز عن الذراع، و التّخفيف أرجح من البلوغ إلى ذراع، و ذلك لمعلوميّة أولويّة قرب الفريضة بأوّل الوقت، كما يستفاد من روايات أفضليّة أوّل الوقت «5»، و أنّه ليس المسوّغ إلّا تحصيل فضيلة التنفّل الحاصلة بأقلّ مسمّى الصلاة و الاشتغال بذلك، مع أنّه اشتغال صلاتي حاصل في الفريضة بالنحو الأكمل، مفوت للفريضة عن اللحوق بالأوّل، فالأوّل بحسب القرب من أوّل الوقت.

نعم، يمكن أن لا يستفاد من هذه الروايات سوىٰ أولويّة الفريضة بالوقت بعد الذراع، و النافلة به قبل الزوال عند المزاحمة لا مطلقا، كما هو معلوم في السفر، و في يوم

______________________________

(1)

الوسائل 3، أبواب المواقيت، الباب 15.

(2) الوسائل 3، أبواب المواقيت، الباب 5، ح 3.

(3) الوسائل 3، أبواب المواقيت، الباب 5 ح 4.

(4) الوسائل 3، أبواب المواقيت، الباب 8، ح 31.

(5) الوسائل 3، أبواب المواقيت، الباب 3.

بهجة الفقيه، ص: 104

الجمعة، و كذلك غير المتنفّل؛ كما يفهم ذلك من أنّ المانع عن تعجيل الفريضة النفل، المفروض عدمه بالاختيار مطلقا، فهو المفوّت على نفسه فضيلة النافلة، و لا وجه له لتفويت فضيلة الفريضة في القرب إلىٰ الأوّل، لا بالنحو الأكمل الحاصل بالجمع بين الفريضة و النافلة؛ فيمكن الأخذ بإطلاق ما دلّ علىٰ تقديم النفل على الفريضة «1»، و إن كان التقديم مع الجمع إلى الذراعين و الذراع بل أقرب إلىٰ أوّل الوقت، أفضل.

مستندات القول بالمثل و المثلين و الملاحظة فيها و أمّا ما يمكن الاستناد إليه في الامتداد للمثل و المثلين، فأُمور:

منها: أن تحديد وقت الفريضة بالمثل مع ما دلّ علىٰ تقدّم النفل على الفرض، يقتضي في صورة عدم تحديد للنفل امتداد النفل بامتداد الفرض، المفروض أنّه المثل؛ و أمّا التحديد بالذراع، فإمّا لا يختار هذا القائل بالمثل في الفرض، أو يختار الحمل على الفضل، فلا ينافي بقاء الوقت ببقاء وقت الفرض. و إن كان كالفرض مرجوحاً بالإضافة إلى الإيقاع قبل الذراع و الذراعين؛ فإنّ ما دلّ على الذراع معيّن لوقت أولويّة الفرض و النفل، فلا يكون في أحدهما للفضل، و في الآخر للتوقيت الحتمي.

[و] منها: ما دلّ علىٰ أنّ السبحة بين يديِ الفرض إن شئت طوّلت؛ و إن شئت قصّرت. و مقتضى الإطلاق ثبوتها مع الزيادة بالتطويل عن الذراع و الذراعين؛ و أمّا الزيادة على المثل و المثلين، فخارجة عن المتعارف في تطويل النافلة بهذا المقدار،

و ليس مثله الذراع و ما زاد عليه، كما لا يخفى.

أو يقال: إنّ هذه الروايات، تدلّ علىٰ أنّ السبحة مقدّمة على الفرض؛ فما دلّ علىٰ أنّ انتهاء الفرض المثل، يدلّ بضميمة هذه الروايات علىٰ امتداد النفل وقتاً إلىٰ ما قبل الفرض حيث يذهب، و هو المثل؛ إلّا أنّ المفهوم من روايات السبحة اتصالها بالزوال، و المتعارف في تطويلها لا يزيد على الذراع الذي يقرب من عشرين دقيقة،

______________________________

(1) الوسائل 3، أبواب أعداد الفرائض و نوافلها، الباب 13.

بهجة الفقيه، ص: 105

كما يحسب؛ فيكون الإطلاق لما بعد الذراع المقتطع من أوّل الوقت للنفل ضعيفاً. نعم، لا بأس به في تقدير عدم القول بالذراع رأساً، أو حمله على ظلّ الذراع كي يوافق المثل. و ورد في روايات «السبحة»، ما ينفي جميع التحديدات؛ و المراد نفي موضوعيّتها بحيث يستلزم رجحان الانتظار و لو بعد التنفّل، لا مطلقاً حتّى المعرّفيّة لما هو وقت النافلة بما أنّه وقتها لمن لم يأتِ بتمامها إلىٰ ذلك الوقت، و هو الذي لا يناسبه الانتظار بعد إتمامها؛ و لذا ورد تصويب نقل الإقدام في مكاتبة «عبد اللّٰه بن محمد» «1»؛ فالثابت، المعرفيّة؛ و المنفيّ، الموضوعيّة. و لذا لم يُجب عن الاختلاف في الانتظار و فضله، و في عدم الإجزاء رأساً، و إنّما أجاب عن الذراع و نفيه.

و منها: ما دلّ علىٰ أن

كان حائط مسجد رسول اللّٰه صلى الله عليه و آله و سلم قامة، فإذا مضي من فيئه ذراع، صلّى الظهر، و إذا مضى من فيئه ذراعان، صلّى العصر «2»

، بناءً علىٰ أنّ الحائط كان ذراعاً لما دلّ علىٰ أنّ القامة الذراع؛ فنصوص القامة و القامتين، مطلقاً كذلك، كما عن «المعتبر».

و يمكن دفعه بأنّ

الحائط و الجدار كما وقع التعبير بكلّ منهما في حائط المسجد عرفاً لا يصدقان على ما مساحته ذراع، خصوصاً مع التعبير بأنّه

كان حائط مسجد رسول اللّٰه قبل أن يظلّل قامة «3»

؛ فإنّه يغاير التعبير ب «قبل أن يرفع للتظليل» مع أنّ القامة بحسب ما يفهمه العرف قامة الإنسان، و التفسير بالذراع لا يوجب الحمل في جميع ما ورد فيه لفظ القامة مع احتمال عدم إرادة التفسير، بل تبديل اللفظ و العبارة بمناسبة قامة الرحل مع نقل آخر بعبارة منه لا من فيئه، و الأوّل أظهر في التبعيض من نفس الحائط، و أنّ الذراع و الذراعين في نفس الحائط.

______________________________

(1) الوسائل 3، أبواب المواقيت، الباب 8، ح 30 و 27 و 7.

(2) الوسائل 3، أبواب المواقيت، الباب 8، ح 30 و 27 و 7.

(3) الوسائل 3، أبواب المواقيت، الباب 8، ح 30 و 27 و 7.

بهجة الفقيه، ص: 106

مع أنّ السؤال و الجواب عن اختلاف الجدار «1»، لا يناسب إرادة الذراع من القامة، لأنّ المثل متّحد في الجميع و قد مرّ أنّ التعقيب بالمساء «2» ظاهر، بل صريح في إرادة قامة الإنسان. مع أنّ الواقع في رواية «يعقوب بن شعيب»: «ذراعاً من فيئك» «3» و كذا الرواية الثانية من الباب الثامن. و هو أيضاً صريح في إرادة مثل الشخص لا الذراع.

مع أنّ الاستدلال لا يتم إلّا بضميمة أنّ وقت النافلة يمتدّ بامتداد فضيلة الفريضة، و حيث أنّ فضيلة الفريضة المثل، فكذا النافلة قبل الفريضة لا يفوت فضلها قبل الفرض.

مع أنّ الرواية الثالثة عشر من الباب الخامس «4» ينفي جميع التحديدات التي منها الذراع، و منها ظلّ مثلك، مع تواتر مجموعها؛ فالمنفيّ هو ثبوت الموضوعيّة لهذه

التحديدات، لا المعرفيّة للفراغ من النوافل؛ فيفهم ثبوت جميعها علىٰ هذا الوجه، لا أنّ مطلق ما ذكر فيه المثل كان مخالفاً للواقع و إنّما صدر تقيّة، و لازمه الحمل علىٰ مراتب الفضل في جهة المعرّفية علىٰ ما قدّمناه.

و أمّا التفسير بالقامة، فإنّما يراد منه أنّ ما وقع فيه التعبير بالقامة، يراد منه الذراع حيث لا قرينة على الخلاف، و قد وقع مع القرينة على الخلاف، و ورد ما يغني عن القامة من قوله عليه السلام

إذا صار ظلّ كلّ شي ء مثله «5»

، كما نقل عن «العلّامة» موافقاً لما نقله القوم، و إن اختلف الفهم في بيان نهاية الفضيلة للفريضتين فقط، أو بدايته و نهايته فيهما.

و لازم هذا الجمع المقابل لحمل خصوص ما دلّ على المثل و المثلين على التقيّة،

______________________________

(1) الوسائل 3، أبواب المواقيت، الباب 8، ح 10.

(2) الوسائل 3، أبواب المواقيت، الباب 5، ح 6.

(3) الوسائل 3، أبواب المواقيت، الباب 8، ح 18.

(4) تقدم تخريجها آنفاً.

(5) مستدرك الوسائل 3، أبواب المواقيت، الباب 9، ح 14.

بهجة الفقيه، ص: 107

امتداد وقت النفل بامتداد الفريضة، لأنّهما معاً موقّتان بالزوال و الغروب، ففي أيّ حدّ وقع الفرض في أيّة مرتبة من الفضل، كان فضل النفل في ما قبله محفوظاً، إلّا أن يقوم دليل علىٰ خلافه، و قد دلّ على المرجوحيّة بالإضافة في ما بعد الذراع و الذراعين، يعني أنّ الجمع بتقديم الفرض بعد الزوال أفضل من الجمع بتقديم النفل، كالعكس في ما قبل الزوال للظهر، و في ما بعد الزوال لنافلة العصر و فريضته.

و لكن مجرّد الأولويّة لا يقتضي إلّا المرجوحيّة بالإضافة، لا خروج وقت النافلة بحيث تكون قضاءً قدّمه على الفرض بعد الذراع، أو أخّره عنه بعد

الذراع، بل رجحان الظهر بعد الذراع بلا نافلة رأساً علىٰ ما كان بعد النافلة المؤخّرة عن الزوال غير معلوم، و إنّما الثابت رجحان ما تأخّر نفله علىٰ ما تقدّم نفله، كما يدلّ عليه قوله عليه السلام

بدأت بالفريضة «1»

أي ثنّيت بالنافلة، و الأولويّة لا تدلّ إلّا علىٰ عدم المزاحمة، لا عدم الوقتيّة؛ فيكون التحديد في كلّ من الفرض و النفل للفضل، لا للتّوقيت.

الملازمة بين النوافل و الفريضة في امتداد الوقت و ممّا ذكرنا يظهر وجه امتداد النفل بامتداد الفرض وقتاً في مراتب الفضل و الإجزاء، من الزوال إلى الغروب في الظهرين، على المعنى المتقدّم الذي ينحفظ فيه المرجوحيّة بالإضافة في ما بعد الذراع لتقديم النفل على الفرض في قبال فعل الفريضة قبل النافلة، دون فعل الفرض بلا نفل أصلًا في ما بين الحدّين.

و أمّا ما دلّ علىٰ أنّ النافلة بمنزلة الهديّة «2»، فلا ينافي توقيت النافلة، بل على تعدّد المطلوب فيها بالنسبة إلى إيقاعها في الوقت و قبله، كما دلّ الأمر بقضائها «3» على التعدّد

______________________________

(1) الوسائل 3، أبواب المواقيت، الباب 8، ح 23.

(2) الوسائل 3، أبواب المواقيت، الباب 37.

(3) الوسائل 3، أبواب المواقيت، الباب 57.

بهجة الفقيه، ص: 108

من حيث الإيقاع في الوقت و بعده. نعم، لا دلالة لشي ء من الطائفتين علىٰ امتداد الوقت المعيّن بالتوقيت.

و يمكن الاستدلال بإضافة الراتبة إلى الفريضة الخاصّة، في أنّ وقتهما متّحد بعد ثبوت التوقيت فيهما، و أنّه لا اختلاف إلّا في الفرض و النفل، و السبق و اللحوق، فلا يكون فعلها بعد المثلين قضاءً، بل في وقتها المفضول بالإضافة؛ و كذا ما دلّ علىٰ عدم فوت صلاة حتّى يدخل وقت الأُخرىٰ، لعمومه للنفل؛ و ما دلّ علىٰ خلافة

الليل و النهار الدال علىٰ بقاء وقت النفل بقاء الليل في الليليّة و النهار في النهاريّة، إلّا ما علم خروجه.

و أمّا ما في موثّق «سماعة» من قوله عليه السلام

و الفضل إذا صلّى الإنسان وحده، أن يبدء بالفريضة، إذا دخل وقتها ليكون فضل أوّل الوقت للفريضة و ليس بمحظور عليه أن يصلّي النوافل من أول الوقت إلى قريب من آخر الوقت «1»

فصدره محمول علىٰ وقت الفضيلة للفريضة، فيكون دالّاً علىٰ مرجوحيّة النافلة المبدوّ بها في وقت فضيلة الفريضة إلى آخر وقت الفضيلة، و هو علىٰ خلاف التحديد بالمثل لو كان هو وقت فضل الفريضة، و بالأقدام لو كان العبرة بها فيه. و يحتمل التفكيك، فيكون الأوّل للفضل و الآخر للإجزاء، فيكون موافقاً للقول الثالث.

و أمّا إعراض المشهور عن روايات الهديّة و تقديمها و تأخيرها، فلا ينبغي الحمل علىٰ عدم الوثوق بالصدور أو جهته؛ فقد عمل «الشيخ» قدس سره بمقيّداتها بالعذر، و يُوجد في إسنادها حتّى المطلقات جماعة من فقهاء المحدّثين، بل لعلّه، من حيث عدم بنائهم لذكر جميع الفروض و الفروع، مع استفاضة هذه الروايات، و شهادة بعض ما فيها بالجمع؛ و أنّ الأفضل المواظبة علىٰ الأوقات، و غلبة مصادفة الأوقات الفاضلة للموانع، و سهولة الشريعة.

______________________________

(1) الوسائل 3، أبواب المواقيت، الباب 35، ح 1.

بهجة الفقيه، ص: 109

فالأخذ بما فيها و لو في صورة عدم العذر إلّا احتمالًا مع جعل عدم النشاط عذراً في النافلة، هو الأقرب؛ كما عن «الشهيد» في «الذكرى» اختياره اختياراً، و حُكي موافقة جماعة من المتأخّرين له، و حُكي اختياره في «المستند» حاكياً لاختيار جماعة، منهم والده قدس سره في «المعتمد»، و حكاه عن «الحلبي»، و عن ظاهر «المبسوط»، و «الإصباح»،

و «الدروس»، و البيان».

فيكون مفاد هذه الروايات معيّناً لكون التوقيت بما بين الحدّين للفرض الذي يتبعه النفل الموقّت بالإضافة إلى الفرض، بحيث يعلم بأنّ إيقاع النفل قبل الزوال مقدّم على وقته، و أنّ إيقاع النفل بعد الغروب تأخير له عن وقته، و إنّما يؤتى به قضاءً؛ فيكون مبيّناً لتعدّد المطلوب في دليل التوقيت من حيث المبدء، كما أنّ دليل القضاء يفيد تعدّده من حيث المنتهىٰ.

و قد مرّ عدم إفادة أدلّة توقيت الفضل و النفل كان بالذرع أو المثل، إلّا مرجوحيّة الجمع بتقديم النفل على العكس، بخلاف وقت الفضيلة علىٰ أحد الاختيارين، لا توقيت إجزاء النفل بأحد الحدّين. و يرشد إليه الأمر بالنافلة بعد الفريضة في أوّل وقت فضيلتها و مثله الأمر بالبدء بالفرض المفهوم منه التثنية بالنفل.

حكم نافلة من دخل في الجماعة بترك النافلة و حينئذٍ فإذا أُقيمت الجماعة في القريب من أوّل وقت الفرض، فدخل فيها تارك النفل طلباً لفضل الجماعة؛ فإنّه يأتي بنوافل الظهرين بعد الظهر و قبل العصر أداءً؛ فإذا لم يتمكّن إلّا من إحدى النافلتين، فقد فاتته نافلة الظّهر؛ أعني سبقها على الظهر، و بقي أنّه يؤخّرها عن الظهر، و لا يلزم وصلها بالظّهر؛ فإنّه على ما مرّ أداء في وقت إجزائها؛ فلو اشتغل بنوافل العصر، أدرك وقتها و فضل سبقها على الفرض، فإذا أتى بنوافل الظهر بعد العصر لم يفته وقتها لما مرّ، و إنّما فاته السبق الفائت بمجرّد فعل الظهر، فلا أثر لفعل نوافل العصر في ذلك؛ ففعل نوافل الظهر في البين و تأخير نوافل العصر

بهجة الفقيه، ص: 110

إلى ما بعد العصر، موجب لتفويت السبق في كلتا الفريضتين، مع التمكّن من حفظه في فريضة العصر.

مسألة مزاحمة النافلة للفريضة و تخفيفها

و قال

في «الشرائع»: «فإن خرج وقت النافلة و قد تلبس منها و لو بركعة زاحم بها الفريضة، أتمّها مخفّفة؛ و إن لم يكن صلّىٰ شيئاً، بدأ بالفريضة» «1».

و يمكن أن يريد من وقت النافلة، ما اختاره من القدمين و الأربعة، المنصوص أنّهما وقت النافلة، و أنّ الذراع و الذراعين، لمكان النافلة «2»، الراجع إليه قوله عليه السلام

لمكان الفريضة

في رواية «3».

و يمكن جريان ذلك في وقت نافلة العصر بناءً على أنّ فضيلته، بعد المثل إلى المثلين؛ و أنّ وقت نافلته قبل تمام المثل بالنسبة إلىٰ بقاء ركعة، و عدم الصلاة إلىٰ وقت الفضيلة و هو تمام المثل على الفرض، لكن المدرك للحكم و هو موثّق «عمار» «4» إنّما ذكر القدمين و الأربعة.

و يمكن الاستدلال للتخفيف بما في الرواية من قوله عليه السلام

خفّف ما استطعت في الثمانية بعد الزوال «5»

؛ فإنّه ليس إلّا لإعطاء الفضيلة بالفريضة، فلا فرق بين التمام و الإتمام، و يكون التخفيف بما لا يعتبر لأصل النافل بل لكمالها، كالسورة و القنوت. و ما زاد علىٰ ذلك فيبتني علىٰ عدم الوجوب، أو على التنفل في خصوص موارد التخفيف، و لم يذكر في موثّق «عمّار» في صدره فعل النصف من صلاة الزوال مثلًا،

______________________________

(1) شرائع الإسلام، 1، ص 52.

(2) الوسائل 3، أبواب المواقيت، الباب 8، ح 3 و 20.

(3) الوسائل 3، أبواب المواقيت، الباب 8، ح 3 و 20.

(4) الوسائل 3، أبواب المواقيت، الباب 40، ح 1.

(5) الوسائل 3، أبواب المواقيت، الباب 15.

بهجة الفقيه، ص: 111

و يمكن فهم اللحوق بعدم الصلاة؛ فإنّه بالنسبة إلىٰ ما لم يؤت به من عدم الصلاة، فيؤخّر إلىٰ ما بعد الفريضة.

كما أنّ التحديد بنصف قدم بعد الظهر و بقدم

بعد العصر بعد فهم التقارب بينهما زماناً، يفيد تأخير البقيّة عن الفريضة إلى نصف قدم بعد الاولى و قدم بعد الثانية، و يفيد إرادة التخفيف في النافلة تماماً و إتماماً بملاك مشترك، و هو إبقاء وقت الفضيلة للفريضة. و ليس فيه ترجيح نافلة العصر في ما بين القدمين و الأربعة على نوافل الاولىٰ، بل صرّح بجواز نافلة الاولىٰ إلى الأربعة، فكأنّها لقربها إلى وقتها الأصلي، تشارك نافلة العصر في هذا الوقت؛ فإن عمل به من هذه الجهة، فهو؛ و إلّا فقد مرّ وجه ترجيح نافلة العصر في هذا الوقت مع المزاحمة لولا ما في هذه الموثّقة إلّا على رواية «المعتبر» «1» من تبديل الاولىٰ بالعصر.

و يمكن شرح الرواية بما يرفع الإجمال من هذه الجهة و غيرها، بأنّ المذكور في صدرها: أنّ صلاة الزوال يمتدّ وقتها من زوال الشمس إلىٰ قدمين. و إن بقي من ركعات الزوال واحدة، أتمّها بعد القدمين؛ و إن بقي أزيد قبل القدمين، صلّى الأزيد، و هذا مرجع العطف «بأو».

و يمكن أن يريد أنّه مع بقاء ركعة بعد القدمين أو أزيد من ركعة و قد صلّىٰ قبل القدمين، فيتمّ جميع نوافل الظهر، كما صرّح به في نوافل العصر بمجرّد إتيان ركعة قبل الأربعة، علىٰ حسب ما في «المعتبر» موافقاً للاعتبار المرعىٰ في غير هذه الرواية، بناء على أنّ المراد من نوافل الاولىٰ في ما في «الوسائل» نوافل الظهر، لا نوافل العصر بعد الظهر، كما احتمله في «الجواهر» «2». و إن مضى القدمان قبل أن يصلّي ركعة، بدأ بالفريضة و صلّى الزوال بعدها ما بين الاولىٰ إلىٰ أربعة أقدام، و بعد الأربعة لا يصلّي

______________________________

(1) المعتبر، ص 142.

(2) جواهر الكلام، 7، ص 181.

بهجة

الفقيه، ص: 112

النوافل إلّا بعد فريضة العصر، إلّا أن تبقى ركعة، كما مرّ في القدمين.

________________________________________

گيلانى، فومنى، محمد تقى بهجت، بهجة الفقيه، در يك جلد، انتشارات شفق، قم - ايران، اول، 1424 ه ق

بهجة الفقيه؛ ص: 112

و إطلاق امتداد صلاة الزوال بعد الظهر إلى الأربعة بناء على العبارة المحكيّة في «الوسائل» يتقيّد في فضله بما ذكره في الذيل من التحديد بنصف قدم، فلا يؤخّر صلاة الزوال و تمامها عن نصف قدم بعد الأُولىٰ، أي بعد حضور الاولىٰ في قدمين، و كذا نوافل العصر بعد الأربعة يتمّها بعد التلبّس بركعة قبل الأربعة إلىٰ قدم، ثمّ يصلّي العصر. و القدم فيه مساوٍ تقريباً لنصف قدم بعد وقت فضيلة الظهر.

و هذا أعني أنّ النوافل إذا تلبّس بركعة منها قبل القدمين، يتمّها ثمّ يصلّي الظهر؛ و إذا تلَبّس بركعة من نوافل العصر قبل الأربعة، يتمّها بعد الأربعة، مع رعاية التقييد بنصف قدم في الظهر و قدم في العصر، أو لا من متفرّدات رواية «عمّار»، و لا يستفاد من غيرها.

و قد مرّ منّا توجيه الامتداد للنوافل بامتداد الفريضة؛ و عليه لا إشكال في المستفاد من هذه الرواية؛ فالرواية و إن أثبتت بعض ما ليس في غيرها، إلّا أنّها لا إجمال فيها كما قيل؛ كما أنّ إتمام نوافل الاولىٰ بعد فعل العصر، ففضله في عدم التّأخير عن العصر بقدم يساوي نصف قدم في ما بعد الظهر لتزايد سرعة الفي ء بعد الظهر، حتّى أنّ الاختلاف يكون على النصف تقريباً.

المزاحمة في ظهر الجمعة و أما مزاحمة الركعة من النافلة لفضيلة الفريضة، فهي منتفية في يوم الجمعة في صلاتها لمكان وجوب الاشتغال بالفرض، فلا يزاحمه الندب؛ و أمّا نفس الظهر يوم الجمعة، فانتفاء

المزاحمة غير واضحة، لأنّ الزوال يكون كالذراع في غير يوم الجمعة في أنّه أوّل وقت الفضيلة، و قد تثبت فيه المزاحمة في الندبين. و تحديد صلاة الجمعة في خبر

بهجة الفقيه، ص: 113

«زرارة» بالزوال «1» لا ينافي ما في خبر «إسماعيل» «2» و «سماعة» «3» من تحديد الظهر يوم الجمعة بالزوال، و محلّ المزاحمة مشترك فيهما و في ما بعد الذراع في غير يوم الجمعة، إلّا أنّ صلاة الجمعة لا مزاحمة فيه للنفل مع الفرض؛ فيبقىٰ غيرها من الفروض للظهر و للعصر، كما مرّ.

وقت نافلة المغرب

[مسألة] المناقشة في تحديد آخر نافلة المغرب بذهاب الحمرة
اشارة

مسألة: [وقت] نافلة المغرب، بعدها. و نسب إلى المشهور أنّ آخره ذهاب الحمرة المغربيّة. و استدلّ عليه بما ورد في «المزدلفة» من الجمع بأذان و إقامتين، و أنّه يؤخّر النافلة إلىٰ ما بعد العشاء «4»؛ و بما دلّ على النهي عن التطوّع في وقت الفريضة «5».

و يرد علىٰ الأوّل بأنّ الترك لمكان أولويّة الفرض بالوقت، كما بعد الذراع في الظهر، و لا يدلّ علىٰ خروج الوقت، مع أنّه روي

أنّ الرضا عليه السلام ترك النافلة في ما بين الفريضتين في المزدلفة في سنة، و أتى بها بينهما في سنة أُخرى «6».

و ظاهر الفعل أنّه كالفعل في غير «المزدلفة» بنحو الأداء. و مرجوحيّة القضاء بين الفريضتين أشدّ من مرجوحيّة الأداء بينهما بالإضافة إلى الجمع بتأخير النافلة عن النافلة، مع حاجة تجويز الأداء بينهما إلى البيان، بخلاف تجويز القضاء بينهما و إلّا كان عمله عليه السلام للتجويز راجحاً علىٰ أيّ حال.

______________________________

(1) الوسائل 5، أبواب صلاة الجمعة، الباب 8، ح 3 و 7 و 8.

(2) الوسائل 5، أبواب صلاة الجمعة، الباب 8، ح 3 و 7 و 8.

(3) الوسائل 5، أبواب صلاة الجمعة،

الباب 8، ح 3 و 7 و 8.

(4) الوسائل 10، كتاب الحج، أبواب الوقوف بالمشعر، الباب 6، ح 2 و 4.

(5) الوسائل 3، أبواب المواقيت، الباب 61.

(6) الوسائل 3، أبواب المواقيت، الباب 6، ح 5، و الرواية عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام.

بهجة الفقيه، ص: 114

و أمّا النهي عن التطوّع في وقت الفريضة، فظاهره ما كان وقتاً مختصّاً بالفريضة، لا مشتركاً بينه و بين النفل، و البحث في اشتراك الوقت، فلا يحرز شمول النهي له.

مع أنّ الظاهر بعد مسلّميّة التوقيت أوّلًا و آخراً بالغروب و نصف اللّيل احتياج التحديد في البين للآخر إلى البيان المفقود، و ليس روي «1» إلّا أولويّة الفرض بما بعد ذهاب الحمرة و النفل بما قبله، و هذا غير التوقيت، كما مرّ في الظهرين، و يؤيّده ما روي: «أنّ الرضا عليه السلام كان يطوّل التعقيب ما شاء اللّٰه، ثمّ يتنفّل» «2»، و ظاهره عدم المبالاة بذهاب الحمرة و عدمه، و لازمه عدم التوقيت.

إذا صلى شيئاً من النافلة أو لم يصلّ و ذهبت الحمرة

ثمّ إنّه إذا ذهبت الحمرة المغربيّة و لم يصلّ شيئاً من نوافل المغرب، بدأ بالعشاء، أمّا على التحديد بالذهاب فواضح؛ و أمّا علىٰ عدمه، فيمكن استفادة مطلوبيّة البدء بالفريضة، ممّا ورد في الظهرين، و بالروايات في المُفيض من «عرفات» إلى «المشعر» «3».

أمّا إذا صلّىٰ شيئاً، فعن «ابن إدريس» أنّه يتمّ الأربع؛ و عن «الشهيدين» أنّه يتمّ الركعتين، أوّلتين كانتا أو أخيرتين؛ و عن بعضهم: أنّه يتمّ الأربع إذا صلّىٰ قبل الذهاب ركعة من الأربع، و قوّىٰ ذلك في «الجواهر» «4».

أمّا القول الأوّل، فيتوقّف علىٰ استفادته من موثّق «عمّار» «5» مع إلغاء الخصوصيّة بعد عدم الفرق في المزاحمة لفضيلة الفرضِ المزاحَم، بين فريضة النافلة و فريضة اخرى؛ و

أمّا ما دلّ على الإدراك بسبب ركعة، فلا يناسب إلّا القول الأخير، لا كفاية صلاة شي ء من النافلة.

______________________________

(1) الوسائل 3، أبواب المواقيت، الباب 10.

(2) الوسائل 3، أبواب أعداد الفرائض، الباب 13، ح 24.

(3) الوسائل 10، أبواب الوقوف بالمشعر، الباب 6.

(4) جواهر الكلام، 7، ص 190.

(5) الوسائل 3، أبواب المواقيت، الباب 40.

بهجة الفقيه، ص: 115

و أمّا القول المحكي عن «الشهيدين» و غيرهما، فيستدلّ له بالنهي عن إبطال العمل بناء علىٰ عمومه للنافلة و أنّه للتحريم حتّى في النافلة، مع أنّ خروج الوقت في الأثناء موجب لبطلان الموقّت أداء إلّا بدليل مفقود.

و في المحكي من الرياض أنّه «إذا لم نقُل بالعموم للتحريم، يستشكل في الاستثناء المذكور عن الشهيدين بما دلّ علىٰ تحريم النافلة في وقت الفريضة، إلّا أن يقال، بأنّ المنهي عنه الشروع، لا مطلقاً».

و في هذا التقدير يستحسن ما قاله «الشهيدان» لما اختاره من عموم النهي عن الإبطال للنوافل.

و منه يظهر عدم تماميّة ما أورده عليه في «الجواهر» «1» من حصول التعارض، فإنّ الكلام في تقدير عدم عموم النهي عن التطوّع «2» لغير الشروع في التطوّع.

و أمّا ما أورده علىٰ تقدير عدم العموم من عدم الفرق بين حرمة الإبطال للنافلة و كراهته، فيمكن المناقشة فيه بأنّه علىٰ تقدير الحرمة يكون الإتمام للركعتين واجباً، لا علىٰ تقدير كراهة الإبطال، كما ذكره بعد ذلك في تحقيقه؛ و أمّا علىٰ عدم اختيار ذلك و عدم شمول النهي عن التطوّع و عدم شمول النهي عن الإبطال؛ فلا وجه لاستحسان القول المذكور، بل يكون جائز الإبطال و الإتمام، لعدم المنع عن شي ء منهما، لكنه بعد البناء علىٰ الصحّة إذا أتمّها مع ما مرّ من البطلان بالاختلال بالوقت.

لكنه قد مرّ توسعة

الوقت، و أنّ التحديد كما لا يفيد في العشاء إلا فضيلة، فكذا في النوافل بعد المغرب، و كذلك في ذراع العصر؛ كما أنّ وقتيّته للفريضة ندبيّة، فكذا وقتيّة ما قبله للنافلة ندبيّة لا تحديديّة، و لذا يجوز هنا تقديم العشاء و تأخير المغرب، فكذا يجوز الإتيان بالنافلة بينهما، كما وقع من الإمام الصادق عليه السلام في «المزدلفة» «3».

______________________________

(1) جواهر الكلام 7 ص 189.

(2) الوسائل 3، أبواب المواقيت، الباب 61.

(3) الوسائل 10، أبواب الوقوف بالمشعر، الباب 6، ح 5.

بهجة الفقيه، ص: 116

ذكر احتمالين لعبارة «الشرائع» و الملاحظة في بيان «الجواهر» قال في الشرائع: «فإن بلغ ذلك و لم يصلّ النوافل أجمع، بدأ بالفريضة» «1». و المحتمل فيه أمران:

أحدهما: إرادة عموم السلب، يعني لم يصلّ شيئاً من النوافل، فيكون مفهومه أنّ الشروع في النوافل يسوّغ إلحاق الباقي، قد ذكره في نوافل الظهرين مع تقييد الشروع بركعة، و يؤيّده اشتراك الدليل في المقام، أعني «من أدرك» «2»، و ما يوافقه كموثّق عمّار «3»، بعد إلغاء الخصوصيّة في نوافل الظهرين، لكنّه لا يعمّ «من أدرك» مجرّدَ الشروع، و لا يتقيّد الموثّق بركعة إلّا على ارتكاب التقييد في متن الرواية، كما مرّ.

و ثانيهما: إرادة سلب العموم، أعني عدم مجموع النوافل، فلا يلحق الباقي إذا بقي ركعة خاصّة. و هذا علىٰ طبق القاعدة، إذا لم يكن مثل «من أدرك» و نحوه، لحصول البطلان بخروج الوقت. و لا يخلو عن شبهة، لإمكان اجتماع الأداء و القضاء في صلاة واحدة مع تحقّق النية و القربة، و قد مرّ اختيار عدم القضاء، و أنّ المستفاد وقت الفضيلة قبل الذهاب؛ فلا مانع من ابتداء النوافل بعد الذهاب، و إن كان الأفضل، الجمع بين نافلة

المغرب قبل الذهاب، و فريضة العشاء بعد الذهاب.

و يمكن أن يكون كلام «الجواهر» حيث عطف علىٰ ما نقل عن «الشرائع» قوله

و لا ركعة منها، بل و لا ابتدأ بها، تركها و بدأ بالفريضة «4»

، شرح كلام المصنف بإرادة عموم السلب؛ فيكون المفهوم كفاية الابتداء بها، كما ذكره في الظهرين، مع ما ذكرناه من التقييد بركعة. لكنّه بعد ذلك حيث ردّ ما عن «ابن إدريس» من أنّه مع الشروع في ركعة يتمّ الأربع، قال حاكياً عن «الذخيرة»: «أنّ المشهور علىٰ خلافه، و إن

______________________________

(1) شرائع الإسلام، 1، ص 52.

(2) الوسائل 3، أبواب المواقيت، الباب 30.

(3) الوسائل 3، أبواب المواقيت، الباب 40، ح 1.

(4) شرائع الإسلام، 1، ص 52.

بهجة الفقيه، ص: 117

اختلفوا في إطلاق ذلك، كما هنا و كتب «الفاضل»؛ أو تقييده بما إذا لم يكن شرع في ركعتين منها، و إلّا فيكملهما خاصّة» «1». و ظاهر ذلك حمل كلام المصنّف علىٰ عدم تأثير الشروع في إلحاق الأربع، بل و لا الركعتين و هو مناسب لاستفادة سلب العموم من العبارة السابقة، أعني عدم صلاة مجموع النوافل و لو بقي ركعة منها، و إن كان قابلًا لإخراج صورة إتمام ركعة منها، كما قوّاه في «الجواهر» «2». لكنّه غير مقيّد في المتن هنا، بخلاف نوافل الظهرين؛ فالجمع في «الجواهر» «3» بين الكلامين، الظاهر في اختلاف النسبة إلى المصنّف، مورد للمناقشة المذكورة.

و قد مرّ منّا إمكان القول بامتداد وقت النافلة بوقت الفريضة في الظهرين، و اشتراك الوجه مع العشائين و نوافلهما، و هو المتّجه؛ و علىٰ تقدير عدمه، فالقول بكفاية التلبّس في إتمام الكلّ، مبنيّ على المستفاد من رواية «عمّار» «4»؛ و علىٰ تقدير عدم العمل به، يتمّم

بأحاديث «البلوغ» «5»؛ و علىٰ تقدير الإغماض عنه، [يتمّم بروايات «من أدرك» في ما بعد إدراك ركعة، أمّا لتمام النوافل، أو لخصوص ركعتين منها.

وقت نافلة العشاء

قال في «الشرائع»: «و الركعتان من جلوس بعد العشاء، يمتدّ وقتهما بامتداد الفريضة» «6».

و لا يخفىٰ أنّ «البعديّة» مقابلة للقبليّة الثابتة في الظهرين، و لا تفيد أزيد من ذلك

______________________________

(1) جواهر الكلام 7، ص 189 و 190.

(2) جواهر الكلام 7، ص 188 و 190.

(3) جواهر الكلام 7، ص 188 و 190 و 191.

(4) تقدم آنفاً.

(5) الوسائل 1، أبواب مقدّمة العبادات، الباب 18.

(6) شرائع الإسلام 1، ص 52.

بهجة الفقيه، ص: 118

بحيث يؤخذ بإطلاقها لصورة إيقاع الفريضة في آخر وقتها؛ كما أنّ «امتداد وقتهما بامتداد الفريضة» لا إطلاق لها لصورة إيقاع الفريضة في آخر الوقت، فيكون وقت النافلة بعدها، فيكون أوسع من وقت الفريضة بمقدار فعلها بل ظاهر «البعديّة» هو التأخّر في قبال التقدّم و ظاهر «امتداد وقتهما» صلاحيّة الوقت تماماً لفعلهما؛ فمريد الجمع إنّما يأتي في آخر وقتهما بالفريضة في زمان يدرك الوتيرة بعدها في آخر الوقت، لا في خارج وقت الفريضة، إذ لا دليل علىٰ الامتداد بهذا الوجه، و إنّما الدليل علىٰ تحديد الفريضة أوّلًا و آخراً، و تحديد النافلة التابعة بوقت المتبوع من حيث الوقتيّة و بصفة التأخّر، أعني البعديّة.

فما شرح به في «الجواهر» عبارة المتن في قوله: «حتّى لو وقعت في آخر وقتها» «1»، محلّ المناقشة المذكورة.

كما أنّ اعتبار الاتصال في البعديّة، لا وجه له. و مشروعيّة الصلوات في ما لا يحصىٰ من الليالي مع استحباب الوتيرة بعدها، علامة عدم اعتبار الاتصال، لا اغتفار الاشتغال بالنوافل. و لا يتقيّد بما لا يخرج عن البعديّة العرفيّة، كما في «الجواهر».

و

أمّا البيتوتة علىٰ وتر، فلا يعتبر فيه النوم بعده، و لا السهر تمام الليل؛ بل البيتوتة عبارة عن الكون في زمان أو مكان أو عمل في الليل إلىٰ أن يصبح، و هو الذي يقال بعكسه في «ظَلَّ»، أعني الكون في النهار إلى الليل في زمان أو مكان أو عمل في النهار حتّى يُمسي؛ و استحباب الوتيرة بعد العشاء و الوتر بعد صلاة الليل، معلوم.

و تأكّد الوتيرة المستفاد ممّا دلّ علىٰ اشتراط الإيمان بها، من جهة عدم العلم بالفعل في آخر الليل، حتّى يصبح علىٰ وتر بعد صلاة الليل، فلذا يتأكّد الإتيان بالوتيرة بعد صلاته الشفعيّة التي يوفّق لها حتّى يعلم بأنّه يصبح علىٰ وتر بهذه الوتيرة، أو بالوتر بعد صلاة الليل.

و منه يعلم وجه الاستفادة من الروايات لجعلهما بعد نوافل الشخص، كقوله عليه السلام

______________________________

(1) جواهر الكلام، 7، ص 190.

بهجة الفقيه، ص: 119

فلا يبيتنّ إلّا بوتر «1»

و قوله عليه السلام في خبر «زرارة»

و ليكن آخر صلاتك وتر ليلتك «2»

و ما في المحكيّ عن «المدارك» من عدم الدلالة على المدّعىٰ.

وقت صلاة الليل

اشارة

قال في «الشرائع»: «وقت صلاة الليل انتصافه» «3». و لا ينبغي التوقّف في خروج الوقت بانقضاء الليل، للإضافة إلى الليل، لكنّه لا يزيد على الصلوات النهاريّة في هذه الجهة، فيمكن كفاية إدراك ركعة أو أربع لإدراك وقت البقيّة، و أدائها.

[و هنا فروع]
[الفرع الأول] التقييد بالانتصاف يفيد الأفضليّة

و أمّا أنّ أول الوقت الانتصاف، فيدلّ عليه مضافاً إلىٰ الإجماع المحكيّ دعواه عن «المعتبر»، و «المنتهىٰ» ما دلّ على التحديد أوّلًا بالانتصاف، أو ما بين النصف إلىٰ آخره، كمرسلة «الصدوق» «4»، و ما دلّ علىٰ أنّهما عليهما السلام كانا لا يصلّيان بعد العتمة شيئاً حتّى ينتصف الليل «5»؛ فإنّ المرجوحيّة إلىٰ هذا الحدّ الموجب للالتزام بالترك، لا يناسب إطلاق وقتيّة الليل، بل ظهوره في التوقيت بالانتصاف ظاهر.

و قد مرّ في نوافل النهار، أنّ التوقيت لا ينافي تعدّد المطلوب المصرّح به هنا، و في نوافل النهار، لو ادّعىٰ الإعراض عمّا دلّ عليه في الفتاوىٰ، يكتفي بروايات البلوغ «6»، مع التأيّد بمطلوبيّة الإقبال في النواقل المقتضية لاغتنام الفرصة لها بالنشاط، مع غلبة عدم تعيّن الانتصاف على المتنبه في أثناء الليل، فكان التوقيت الصرف معرّضاً للنوافل

______________________________

(1) الوسائل 3، أبواب أعداد الفرائض، الباب 29.

(2) الوسائل 5، أبواب بقيّة الصلوات المندوبة، الباب 42، ح 5.

(3) شرائع الإسلام، 1، ص 52.

(4) الفقيه 1، ص 477، و الوسائل 3، الباب 43، ح 2.

(5) الوسائل 3، أبواب المواقيت، الباب 36، ح 5 و 6.

(6) تقدم قريباً.

بهجة الفقيه، ص: 120

للفوت، خصوصاً مع اختلاف النشاط و الكسل، فربّما أدّى إهمال النشاط الفعلي المعلوم للمؤخّر المجهول.

فالداعي إلى التوسعة في نوافل النهار أوّلًا، أقوى منه في نوافل اللّيل و لو لم يكن عذر و ضرورة خاصة، نظراً إلىٰ عموم الضرورة في الغالب؛ فقوله عليه

السلام في الموثّق «1»

لا بأس بصلاة اللّيل في ما بين أوّله إلى آخره، إلّا أنّ أفضل ذلك، بعد انتصاف اللّيل

، كاد أن يكون صريحاً في غير المعذور، و إلّا فلا فضل لتأخير المختار علىٰ تقديم المعذور، كما هو واضح.

و قوله عليه السلام في خبر «محمّد بن عيسىٰ» «2» في جواب المكاتبة الناقلة عن الرواية عن جدّه عليه السلام

لا بأس بأن يصلّي الرجل صلاة الليل في أوّل الليل

يكفي في إثبات تعدّد المطلوب من أوّل الوقت.

و استشكال «الجواهر» «3» هنا كالمختار له في ما سبق في نوافل النّهار قد مرّ وجه المناقشة فيه.

و أمّا المكاتبة المصرّحة بالأفضليّة عند النصف «4»، و الدلالة بالمفهوم علىٰ عدم الجواز مع عدم الفوت عند النصف، المحمول علىٰ إرادة الأعمّ من خوف الفوت بقرينة قوله عليه السلام

فأوّله و آخره جائز

، فمحمولة بقرينة ظهور المنطوق بل صراحته في الفضيلة، علىٰ عدم الجواز عن الأفضل؛ فلا ينافي الجواز بدون الفضيلة، يعني مع خفّتها للكراهة بمعنى أقليّة الثواب بالنسبة إلىٰ الأفضل، و لا يتصرّف في الأفضليّة بسبب المفهوم كما هو واضح؛ فانّ آخر الليل وقت قطعاً، و هو محكوم بالجواز فيه، فلا يكون الأوّل و هو رديف الآخر في الرواية إلّا في غير الوقت الأفضل، لا للمعذور عن التأخير.

______________________________

(1) الوسائل 3، أبواب المواقيت، الباب 44، ح 9 و 14.

(2) الوسائل 3، أبواب المواقيت، الباب 44، ح 9 و 14.

(3) جواهر الكلام، 7، ص 194.

(4) الوسائل 3، أبواب المواقيت، الباب 44، ح 13.

بهجة الفقيه، ص: 121

و أمّا ما في رواية «أبي الجارود» من قوله عليه السلام

ما جاء نبيّ بصلاة الليل في أوّل الليل «1»

، فيمكن أن يراد به التوقيت بأوّل الليل، و

المدّعى التوقيت بالانتصاف. و تعلّق الطلب بنفس المأتيّ به في الليل أيضاً، كالمطلوبيّة في النهار قضاءً.

و أمّا الآية الشريفة في «المزمّل» «2»، فيمكن أن يكون المراد منها الأمر بالقيام للصلاة الّتي منها صلاة الليل بعد القيام في الليل غير القليل، ثم أبدل بالبعض من الكلّ و أمر بالقيام في النصف، و هو بعض الليل غير القليل، ثمّ أمر بالأقلّ من النصف، ثم أمر بالزيادة على النصف الّتي هي أيضاً بعض الليل إلّا القليل؛ فيكون أطرافُ التخيير في المندوب، الليل غير القليل منه، و النصف تماماً، و النصف مع زيادة، و النقيصة من النصف. و في الأوّل و الثالث تجويز الصلاة قبل الانتصاف و هو المطلوب؛ فهذا موافق لظهور الآية حتّى يثبت خلافه من نصّ، أو أظهر غير معارَض.

[الفرع الثاني] أفضل الأوقات لصلاة اللّيل

ثمّ إنّه بعد محدوديّة صلاة الليل بالانتصاف و الفجر، فهل يكون الأفضل التفريق؛ أو أنّ الأقرب إلى الفجر أفضل، كما حُكي الإجماع عليه؛ أو يفرّق بين الوتر في ما بين الصبحين و غيره؟

يمكن أن يقال بأنّ الأفضل في ثلاث الوتر هو ما بين الفجرين، كما دلّ عليه صحيح «سعد» عن الإمام الرضا عليه السلام «3» و غيره، و أمّا التفريق فالدليل علىٰ أفضليّته، التأسّي. و يمكن أن يكون الأفضل التفريق الموافق لتفريق رسول اللّٰه صلى الله عليه و آله و سلم في إطالة الصلوات، و قراءة السور الطوال فيها «4»، فلا ينافي الأخذ بمقتضىٰ حكاية الإجماع من أنّه: «كلّما قرب إلى الفجر، كان أفضل» مع أن التفريق بأداء غير الوتر في ما بين النصف إلى

______________________________

(1) تفسير علي بن إبراهيم. المزمل.

(2) المزّمل، 2.

(3) الوسائل 3، أبواب المواقيت، الباب 54، ح 4.

(4) الوسائل 3، أبواب المواقيت، الباب 53.

بهجة

الفقيه، ص: 122

الثلث الباقي موافقاً لصحيح «عمر بن يزيد» «1»، مشتمل علىٰ إدراك وقت الفضيلة منضمّا إلى التأسّي، أو أنّه عمله صلى الله عليه و آله و سلم كان لأنّه وقت الفضيلة.

و قد مرّ أنّ ما حُكي عليه الإجماع لم نقف علىٰ رواية دالّة عليه بخصوصه، و إن كان نقل الإجماع كنقل الرواية، إلّا أنّه لا يتعيّن في الفضيلة، فله التأسي به صلى الله عليه و آله و سلم في الوقت المتقدّم بعد النصف في غير الوتر، و له رعاية الأقربيّة إذا لم يفرّق، أو مطلقاً علىٰ حسب نقل الإجماع.

و استدلّ عليه في «المعتبر» بعد نقل الإجماع علىٰ ما يشمله بما دلّ علىٰ فضل الاستغفار في الأسحار؛ و ما دلّ علىٰ أنّ أفضل ساعات الليل، الثُّلث الباقي؛ و بما دلّ علىٰ الأمر بصلاة الليل في آخر الليل. و لعلّه فهم من «الآخر» بالإضافة إلىٰ ما قبله، فيعمّ كلّ آخر بالإضافة إلىٰ ما سبق بعد الانتصاف.

و عن «المقنعة»: «كلّما قرب الوقت من الربع الأخير، كان أفضل». و كذا عن «الكافي». و الاتّفاق علىٰ أفضليّة الأقرب إلى الفجر منقول عن «الخلاف» و ظاهر «التذكرة» و «حاشية الإرشاد»، و هو مذهب الأصحاب، كما عن «جامع المقاصد»، و «الغريّة» و «إرشاد الجعفريّة»، و عن «مجمع البرهان» «أنّه لا خلاف فيه»، و في «المفاتيح»: «أنّه المشهور»، و قد سبق نقل الخلاف عن «المقنعة»، و «الكافي».

إلّا أنّ يقال بإمكان جريان الأفضليّة بالأقربيّة علىٰ ما مرّ في ما قبل الربع و بعده أيضاً؛ و يمكن التفصيل بين من لم يصعب عليه التفريق الموافق لعمل النبي صلى الله عليه و آله و سلم، فالأفضل له الشروع بعد النصف؛ و تحري السّدس بعده

في غير الوتر الذي يؤخّره غير المعذور و غيره كما هو الغالب، فالأفضل له وصل الجميع بالوتر، و وقته و هو آخر الليل من السحر. و لعلّ هذا موافق لما حُكي عن «الحدائق» احتماله؛ و يمكن التحرّي المرجّح بخوف فوت صلاة الليل فيقدّم، و بحصول الإقبال، فيأتي بما يزيد إقباله فيه بشخصه، لما علم من أنّ عمدة المطلوب في النوافل أصلًا و عدداً و وقتاً مراتب الإقبال

______________________________

(1) الوسائل 4، أبواب الدعاء، الباب 26، ح 1.

بهجة الفقيه، ص: 123

و الحضور فيها، بل أذنوا في الاقتصار على الفرائض عند إدبار الروح «1».

[الفرع الثالث] تقديم صلاة الليل للمعذور و غيره و مسألة القضاء

و أمّا المعذور عن الصلاة بعد النصف، فله التقديم عليه، بل قد مرّ احتمال التوقيت بالليل.

و أمّا غير المعذور إذا دار أمره بين التقديم و القضاء، ففي الروايات «أفضليّة القضاء»، و فيها: «أنّ التعنون بعنوان قضاء غير المفروض ممّا يباهي به اللّٰه تعالىٰ» «2»؛ لكنّه في صورة الفوت المطلق، فلا ينافي مساواة التقديم، بل لعلّه مع ثبوت المطلوبيّة للطبيعة كذلك، من حيث إنّه مبادرة إلىٰ غير المفروض، بل فيه ما مرّ من التوقيت بالليل، و أنّ الانتصاف وقت الفضل؛ فأفضليّة القضاء حينئذٍ، يكون للطريقيّة إلى التوفيق لما هو الأفضل من الأداء بعد الانتصاف.

و في ما حُكي عن «الذكرى» روايته من المكاتبة «3» التصريح بمساواة تقديم المسافر لتأخير غيره. و فيها

فإذا اهتممت بقضائها بالنهار، استنبهت «4»

، ففيه جهتا الفضيلة، فيكون القضاء أفضل من تقديم غير المعذور؛ لكنّه مع خوف فوت القضاء أو الضعف عنه، فالتقديم مشتمل على الفضل أيضاً بلا معارض معلوم.

ثمّ لا فرق بين الأعذار المسوِّغة للتقديم، كما أنّ خوف الفوات لعارض خاصّ أيضاً من المسوِّغات، و لا فرق أيضاً بين الشباب

و الشيخوخة، فإنّهما يختلفان في الموارد؛ فربّ شابّ قويّ، و ربّ شابّ ضعيف عن القيام عن النوم. و مثلهما قصر الليل، و البرد، و احتمال الجنابة و لو كانت اختياريّة؛ فيكون تقديم المعذور، كتأخير غيره في الفضل و لو قلنا بعدم التوقيت بالليل، بل بالانتصاف لما في ذلك من النص و الفتوىٰ.

______________________________

(1) الوسائل 3، أبواب أعدد الفرائض، الباب 16، ح 8 و 11.

(2) الوسائل 3، أبواب المواقيت، الباب 57، ح 15.

(3) الوسائل 3، أبواب المواقيت، الباب 44، ح 19.

(4) الوسائل 3، أبواب المواقيت، الباب 45، ح 6.

بهجة الفقيه، ص: 124

بل يمكن استفادة التوقيت للمعذور من بعض الروايات، فيكون وقتاً اضطراريّاً، و لا فضيلة حينئذٍ للقضاء علىٰ هذا التقديم إلّا بعنوان ثانويّ، كدفع اعتياد التقديم الموجب لفوت فضيلة الانتصاف، أو إيجاب القضاء و ما له من الاهتمام للاستيقاظ في وقت الفضيلة.

و شي ء من ذلك لا يجري في المعذور و وقتيّة الليل له، و إنّما يتّجه في غيره إن قلنا بأوسعيّة الوقت اختياراً بجواز التقديم له أيضاً، و إن كان مرجوحاً بالإضافة إلى القضاء. و المباهاة بالقضاء تحتمل حرمانها في التعجيل المندوب إن كان سائغاً أيضاً.

[الفرع الرابع] آخر وقت صلاة الليل، و طلوع الفجر في أثناء صلاة الليل

و آخر وقت صلاة الليل أعني الأحد عشر ركعة طلوع الفجر الثاني؛ فإن طلع و لم يصلّ شيئاً، أو صلّى دون الأربع ركعات، بدأ بركعتَيِ الفجر، إلّا أن نقول بكفاية صلاة شي ء في الوقت في إتمام النوافل، كما يستفاد من موثّق «عمّار» في نوافل الظهرين «1»؛ أو يقال بكفاية إدراك ركعة في إتمام تلك الصلاة أو جميع الموقّت بوقت الركعة؛ أو ينوي القضاء و قلنا بعدم حرمة التطوّع في وقت الفريضة. و إلّا قطع من حيث طلع الفجر، لعدم مصادفة

الوقت و الأمر بالموقّت. و يحتمل جواز نيّة القضاء في ما بقي إذا قصد الأمر الفعلي المتعلّق واقعاً بما يقصر عن الأداء، بناء علىٰ ما مرّ.

و يدلّ علىٰ انتفاء الأمر بالإتمام في ما لم يتلبّس بالأربع ركعات، مفهوم خبر «مؤمن الطاق» «2» المنجبر بالعمل. و ما في خبر «المفضّل بن عمر»

و إذا أنت قمت و قد طلع الفجر، فابدأ بالفريضة، و لا تصلّ غيرها «3»

، و مفهومه «إذا لم يقم في حال الطلوع و إن قام قبله، لم يبدأ بالفريضة، [و] صلّىٰ ما دون الأربع أو الأربع»، يمكن تقييده بما دلّ علىٰ عدم البدء مع صلاة أربع قبل الفجر؛ فإنّه يتمّ، بخلاف المصلّي دون الأربع، لأنّ العجز

______________________________

(1) الوسائل 3، أبواب المواقيت، الباب 40، ح 1.

(2) الوسائل 3، أبواب المواقيت، الباب 47، ح 1.

(3) الوسائل 3، أبواب المواقيت، الباب 48، ح 4.

بهجة الفقيه، ص: 125

في خصوص من قام قبل الفجر فصلّى الأربع في فرض المنطوق، و لم يصلّها في المفهوم، و في قبال ذلك العموم لمن صلّى القليل أو الكثير «1». و ذلك بعد تقيّد منطوقه بما دلّ على البدء بركعتي الفجر قبل الفريضة «2» و إن كان غير معمول به.

و خبر «يعقوب» الآمر بالوتر بعد الأربع و قضاء البقيّة في صدر النهار مع تخوّف الفجر بعد الأربع «3»، يمكن حمله علىٰ جواز إعطاء وقت أداء البقيّة للفريضة مع قضاء البقيّة في النهار، و أنّه ينجبر فوتُ فضيلة أداء النوافل علىٰ قضاء مع عذريّة ما كان، بإعطاء الوقت للفريضة، فلا ينافي مشروعيّة الإتمام أداءً و مساواته لما في هذا الخبر. و لعلّ صحيح «محمّد بن مسلم» الآمر بالوتر مع خشية الصبح «4»، يحمل

علىٰ مثل ذلك.

الجمع بين روايات الباب و يمكن أن يجمع بين الروايات في هذا الباب أنّ رواية «مؤمن» التي حُكي أنّ عليها عمل الأصحاب من «المنتهىٰ»، و «الذخيرة» واردة في المتلبّس بالأربع، و أنّه يؤدّي البقيّة و إن طلع الفجر، و رواية «يعقوب البزّاز» «5» واردة في المصلّي بعد الأربع إذا خاف طلوع الفجر من الإتمام للبقيّة، و أنّ الأفضل هو إعطاء هذا الوقت للوتر أو للأربع قبل الوتر، فلا ينافي أفضليّة الإيتار في الليل الحقيقي من أداء الجميع في الوقت التنزيلي لما عدا مقدار الوقت؛ فإنّ وقوع البعض في الليل بلا مانع، فليكن ذلك الوتر مقدّماً على البقيّة، و يمكن تأديتها و إن عبّر ب «القضاء في صدر النهار» و إنّما فات الترتيب، و القضاء يعبّر به عن الفعل، و الصدر يمكن إرادة أوّل اليوم بعد الفجر منه.

أمّا صحيحة «محمد بن مسلم»، فهي في ما قبل الصلاة إذا خشي مفاجاة الصبح،

______________________________

(1) الوسائل 3، أبواب المواقيت، الباب 47.

(2) الوسائل 3، أبواب المواقيت، الباب 47.

(3) الوسائل 3، أبواب المواقيت، الباب 47.

(4) الوسائل 3، أبواب المواقيت، الباب 46، ح 2.

(5) تقدم تخريجها في ص 86، الهامش 5.

بهجة الفقيه، ص: 126

و لم يفرض فيها اليقين بإتيان الأربع قبل الصبح، بل الإتيان بالوتر يمكن مصادفته لما قبل الفجر، فقدّم الوتر المتعقّب بقضاء البقيّة بعد الفجر، أو بأدائها إذا لم يطلع الفجر، و إن كان مخوفاً طلوعه قبل إتمامها.

و بالجملة فما يثبته رواية «مؤمن الطاق»، لا ينفيه هاتان الروايتان المثبتتان لما لا ينافيه رواية «مؤمن».

و يمكن الحمل على التخيير بعد خوف طلوع الفجر من الأوّل، أو بعد الأربع و عدم إحراز أزيد من الوتر وقتاً، بين أداء البقيّة على

الترتيب، أو البدء بالوتر و الإتيان بعده بالبقيّة، مع أفضليّة الإيتار في الليل من حفظ الترتيب في صلاة الليل، أو مع التساوي، لجوازِ العمل بالاستصحاب مع الخوف، أو عدمِ جوازه للمستفاد من هاتين الروايتين، و لو كان المفاد مخصوصاً بخشية تأخّر الوتر عن الليل الحقيقي.

و عن «الشيخ» و «المحقّق الثاني» و تجويز «الذكرى» أفضليّة الاقتصار بعد الأربع على الوتر و تأخير بقيّة الركعات إلى القضاء، و نسبه في الأخيرين إلى رواية «البزّاز»، و يبتني بعد الكلام في تغاير الموضوع في الروايات الثلاث علىٰ أفضليّة تقديم الفريضة علىٰ الإتيان بصلاة الليل أداءً تنزيليّا؛ كما لعلّه يستفاد من أفضليّة القضاء على التقديم علىٰ الانتصاف، مع احتمال كون التقديم أداءً، أو استظهار ذلك من التعبير بالقضاء في صدر النهار، مع عدم معهوديّة تأخير الفريضة لغير نافلتها. و في «الجواهر» «1» حمل رواية «مؤمن» علىٰ ما بعد الطلوع؛ و غيرها، علىٰ خشية الطلوع. أقول: الأُولىٰ «2» مطلقة، و يمكن تقييدها بما في الثانية «3» من الخشية الحادثة قبل صلاة الليل أو بعد الأربع بالنسبة إلىٰ تقديم الوتر؛ و أمّا الإتيان ببقيّة الركعات بعد الطلوع أداءً، أو بعد الفريضة، أو بعد طلوع الشمس أداءً أو قضاءً، فشي ء لا يستفاد

______________________________

(1) جواهر الكلام 7، ص 213 و 214.

(2) الوسائل 3، أبواب المواقيت، الباب 47، ح 1.

(3) الوسائل 3، أبواب المواقيت، الباب 46، ح 2.

بهجة الفقيه، ص: 127

إلّا من رواية «البزّاز»، و العمل بها في ذلك مبنيّ علىٰ ما مرّ.

و أمّا كون الإتمام بعد التلبّس بالأربع مخفّفاً، كما في «الشرائع» «1»، فلعلّه لما يستفاد ممّا دلّ علىٰ أفضليّة أوّل الوقت للفريضة، و أولويّتها بالأوّل من نافلتها بنحو أُمر فيها بالتخفيف، كما

ورد في الثمان ركعات قبل الظهر من قوله عليه السلام

خفّف ما استطعت «2»

، مع كون المقام في مزاحمة غير نافلة الفريضة لها؛ و إن كانت الأدائيّة محفوظة في الأصل و الفرع؛ فالاختلاف للفريضة و عدمه، موجب للأولويّة.

و أمّا خبر «إسماعيل بن جابر»، أو «عبد اللّٰه بن سنان» في خوف الصبح بعد القيام، من الأمر بالعجلة بقراءة الحمد «3»، فلعلّه لإدراك جميع الصلوات، و فيها الوتر في الليل الذي هو مطلوب، و أفضل من الاقتصار علىٰ الأربع مطوّلة، لا لإعطاء أوّل وقت الفريضة و ما هو الأقرب إليه للفريضة، و يتوقّف على التعجيل و التخفيف في نافلة الليل حتى ينفع في المقام، لأولويّة ما بعد الفجر ممّا قبله في إعطاء الوقت للفريضة.

تفصيل لصور عدم درك تمام الوقت و تفصيل الكلام أن المتنفّل إن قام في آخر الليل، إمّا أن يتمكّن من إتمام النافلة مخفّفة، فالأفضل له الاقتصار عليه و إعطاء أوّل وقت الفريضة لها و لنافلتها.

و إمّا أن يخاف فوت ما عدا الوتر في الليل، فالأفضل له الوتر و الإتيان بالبقيّة قضاءً، كما يستفاد من صحيح «محمّد بن مسلم» «4».

و إن دار أمره بحسب ما يحرزه بين الوتر و الأربع، احتمل التخيير. و يمكن أن يستفاد من خبر «يعقوب البزّاز» «5» ترجيح الوتر؛ فإنّه إذا كان بعد الأربع راجحاً

______________________________

(1) شرائع الإسلام، 1، ص 52.

(2) الوسائل 3، أبواب المواقيت، الباب 15.

(3) الوسائل 3، أبواب المواقيت، الباب 46، ح 1.

(4) الوسائل 3، أبواب المواقيت، الباب 46، ح 2.

(5) الوسائل 3، أبواب المواقيت، الباب 47، ح 2.

بهجة الفقيه، ص: 128

مع كون البقيّة أداءً، فكونه راجحاً قبل الأربع علىٰ الاشتغال بالأربع أولىٰ.

و إن صلّىٰ باعتقاد السعة ثمّ

انكشف طلوع الفجر قبل إتمام النوافل، فإن صلّى الأربع أتمّها؛ و إن صلّىٰ دون ذلك، أتمّ ما تلبّس به بعد إتمام ركعة منه أداءً إن عمّمنا التنزيل للنافلة، و قضاءً مع عدم إتمام الركعة، أو عدم العموم إن قصد الوظيفة الفعليّة.

و إن صلّىٰ شاكّاً مع احتمال إدراك الجميع، ثم طلع الفجر في الأثناء، أتمّ ما صلّاهُ وتراً، كما في خبر «المفضّل بن عمر» «1»، إذا لم يُحمل على الشكّ في أوّل الفجرين و طلوع أوّلهما في أثناء ما تلبّس به، بحيث يقع الوتر بين الفجرين.

و أما صحيحة «ابن وهب» «2» فظاهرها بيان أقلّ ما يدرك به ثواب صلاة الليل من الوقت، و أنّه مقدار أداء الوتر في ما لا يسع الوقت أكثر منه، و لا دخل له بظنّ السعة أو الضيق، أو الشك.

كما أنّ صحيح «محمّد بن مسلم» في صورة الدوران بين الوتر و غيره من الركعات مع خشية الصبح. و أمّا العمل بما في النصوص بعد تبيّن ما أُريد به في كلّ منها فلا بأس به، إلّا أنّ الكلام في تعيين ما هو الأفضل، و قد مرّ ما يرجع إليه.

[الفرع الخامس] حكم الإعادة إذا أوتر بظنّ الضيق و انكشفت السعة

و لو ظنّ الضيق فأوتر ثمّ انكشفت السعة، فصلّى صلاة الليل، فهل يعيد الوتر أو لا؟

و لا إشكال في الإعادة بناءً علىٰ عدم إجزاء الأمر الظاهري، أو قيل بالإجزاء و خروج المورد بالدليل بمثل قوله عليه السلام في رواية «علي بن الحكم» قال

فصلّ صلاة الليل «3»

إذا لم تحمل علىٰ غير الوتر من الثمانية ركعات، كما هو المناسب؛ فإنّ إعادة الوتر المقدّم محتاج إلى بيان لو كانت موظّفة، بعد بيان فعله مقدّماً لخوف الفجر.

______________________________

(1) الوسائل 3، أبواب المواقيت، الباب 48، ح 2.

(2) الوسائل 3،

أبواب المواقيت، الباب 46، ح 3.

(3) الوسائل 3، أبواب المواقيت، الباب 46، ح 8 و 4.

بهجة الفقيه، ص: 129

و أمّا مرسلة «إبراهيم بن عبد الحميد» «1» فظاهره أنّ إضاءة الصبح بالفجر الأول، و أنّه كان الإيتار موظّفاً بحسب ظنّه.

و أمّا انكشاف السعة فهو الموجب لضمّ الركعة إلى الوتر بعد الفراغ منه، و ذلك لأنّ القصد تعلّق بصلاة الليل، و إنّما قصد الوتر لظنّه عدم سعة الوقت و أنّ الوقت للوتر فقطّ؛ فلمّا سلّم، علم بقاء الليل، و أنّ وظيفته الشفع، و أن التسليم وقع في غير محلّه؛ فإنّه يتمّ صلاته على هذا و يختم بالوتر؛ و إلّا كان مخالفاً لما يقتضي عدم جواز العدول بعد الفراغ.

ثم إنّه لو بني علىٰ تطبيق العمل بواحد ممّا في النصوص المعتبرة الغير المعرض عنها و غير المعارض بالأقوىٰ، أمكن الجواز، لمكان عدم الداعي إلى التقييد في المستحبّات، خصوصاً مع عموم البلوىٰ و تأخّر المقيّد و انفصاله. و في العمل بما دلّ علىٰ الإيتار بعد الفجر مع الحمل على الصادق تردّد. و المرويّ في رواية «المفضّل بن عمر»: ذلك للمصلّي شاكّاً في الفجر؛ و لو قدّم الوتر بظنّ الصبح، ثمّ نظر فرأى أنّ عليه ليلًا، فالمرويّ «2» العدول من الوتر المأتيّ به إلى الشفع، ثمّ الوتر بعد صلاة الليل. و يحتمل إجزاء الوتر إذا قدّمه عن الإعادة، و أن يكون الإعادة بعد انكشاف السعة أفضل.

و يمكن حمل العدول بعد الفراغ، على الصلاة وتراً بقصد الوظيفة الفعليّة المظنون أنّها الوتر؛ فكشف الخلاف يكشف عن وقوع السلام و التشهّد في أثناء الوظيفة بلا عدول.

و لا بأس بالعمل بما في روايات المقام برجاء المطلوبيّة، و إن كان الأولىٰ رعاية ما عليه العمل

بين الأصحاب.

______________________________

(1) الوسائل 3، أبواب المواقيت، الباب 46، ح 8 و 4.

(2) الوسائل 3، أبواب المواقيت، الباب 46، ح 4.

بهجة الفقيه، ص: 130

وقت نافلة الصبح

مسألة: وقت نافلة الفجر أوّلًا، كوقت صلاة الليل
اشارة

حتّى إذا قدّم صلاة الليل لعذر أو بنىٰ علىٰ جوازه اختياراً، يدسّ ركعتا الفجر فيها، كما في رواية «أبي جرير القمي» عن أبي الحسن موسى عليه السلام.

و يمكن أن يكون الأفضل إيقاعهما في السدس الأخير، أو بين الفجرين، و لعلّ الثّاني أولىٰ، لأنّه وقت الوتر المتقدّم علىٰ ركعتَيِ الفجر ترتيباً، و هو أيضاً من السدس الأخير، و تفاضل أبعاضه لا بأس به، كما تؤدّىٰ إلى الحمرة المشرقيّة.

و ما دلّ علىٰ أنّهما من صلاة الليل، و أنّه يخشىٰ بهما صلاة الليل، كالمستفيضة الّتي منها صحيحة «أحمد بن محمّد بن ابي نصر» «1»؛ و ما دلّ علىٰ أنّهما قبل الفجر تصلّيان بلا تقييد بصلاة الليل و أنّ الوقت بعد الفجر للفريضة، و قبلها لهما، كما في حسنة «زرارة» «2» عن أبي جعفر عليه السلام؛ و ما دلّ علىٰ أنهما تؤدّيان بعد الفجر و معه، من المستفيضة «3»، لا يمكن العدول عنها في التوقيت من حيث الأوّل و الآخر، و إن اختلفت الأوقات في الفضل، و يتصرّف بسببها لما فيها من الاستفاضة، و وضوح الدلالة، و الموافقة للعمل في ما دلّ علىٰ أنّهما تصلّيان بعد الفجر، كصحيحة «عبد الرحمٰن الحجّاج» «4»، و «يعقوب بن سالم» «5»، فتحملان على التقيّة بشهادة رواية «أبي بصير» «6»، أو على الترخيص المستفاد من الطائفة الثانية «7» الناصّة على التخيير بين ما قبل الفجر و معه بعده.

______________________________

(1) الوسائل 3، أبواب المواقيت، الباب 50، ح 6.

(2) الوسائل 3، أبواب المواقيت، الباب 50، ح 7.

(3) الوسائل 3، أبواب المواقيت، الباب 52،

ح 3.

(4) الوسائل 3، أبواب المواقيت، الباب 51، ح 5 و 6.

(5) الوسائل 3، أبواب المواقيت، الباب 51، ح 5 و 6.

(6) الوسائل 3، أبواب المواقيت، الباب 50، ح 2.

(7) الوسائل 3، أبواب المواقيت، الباب 50.

بهجة الفقيه، ص: 131

استحباب إعادة نافلة الصبح في فرض تقديمه على الفجر الأوّل

ثمّ إنّه نسب إلىٰ «الشيخ»، و جماعة أنّ الأفضل إعادة ركعتي الفجر بعده إذا قدّمه علىٰ طلوع الفجر الأوّل.

و يمكن الاستناد في الجملة إلى موثّقة «زرارة» «1» الموافقة تقريباً لصحيحة «حمّاد» «2»، و يمكن جعل الأُولىٰ شارحة لما في الثانية من اختلاف النُّسخ؛ و المتحصّل حينئذٍ أنّ العبرة بما في «الموثّقة»، و المتيقّن من حاصلها، أنّه مع تقديم ركعتي الفجر علىٰ آخر وقتهما و هو المتّصل بالفجر إذا كان التقديم مع فاصل زمانيّ معتدّ به، و تحقّق النوم في ضمنه، ثمّ استيقظ، فالأفضل إعادة ركعتَيِ الفجر؛ فمراعاة الفضل تكون بعدم الفاصل بمعتدّ به الوسيع، أو معه مع عدم النوم في البين، أو بالإعادة بعد الفصل عن الفجر مع النوم في الفاصل؛ و في غير الصورة الّتي ذكرنا فيها الإعادة المستفادة من الموثقة، يؤخذ بإطلاق ما دلّ علىٰ أولويّة وقت الفريضة بها لمن صلّىٰ ركعتَي الفجر.

[مسألة] نهاية وقت نافلة الصبح

مسألة: يمتدّ وقت نافلة الفجر إلىٰ طلوع الحمرة المشرقيّة، كما عن المشهور.

و يمكن الاستدلال للامتداد بمعنى مطلوبيّة البدء بالفريضة بعد طلوع الحمرة بصحيح «علي بن يقطين» قال

سألت أبا الحسن عليه السلام عن الرجل لا يصلّي الغداة حتّى يسفر و تظهر الحمرة، و لم يركع ركعتي الفجر، أ يركعهما أو يؤخّرهما؟ قال: يؤخّرهما «3»

؛ فلو لم يكن دليل علىٰ جواز أداء الركعتين بعد ظهور الحمرة، حمل الأمر بالتأخير علىٰ اللزوم و انقضاء وقت الأداء، لا علىٰ أولويّة الوقت بالفرض.

______________________________

(1) الوسائل 3، أبواب المواقيت، الباب 51، ح 9 و 8.

(2) الوسائل 3، أبواب المواقيت، الباب 51، ح 9 و 8.

(3) الوسائل 3، أبواب المواقيت، الباب 51، ح 1 و 7 و 4.

بهجة الفقيه، ص: 132

و بها يرفع الإجمال لو كان،

في مرسلة «إسحاق بن عمّار» حيث عبّر فيها بقوله

ما بينك و بين أن يكون الضوء حذاء رأسك، فإن كان بعد ذلك فأبدء بالفجر «1»

و يقيّد بها إطلاق الأمر بالسجدتين بعد التنوير بالغداة في رواية «الحسين بن أبي العلاء» «2»؛ فإنّه كالأسفار أعمّ من ظهور الحمرة، مع موافقة الصحيحة للمشهور، و المحكيّ عليه الإجماع عن «السرائر» و «الغُنية».

أعميّة الإسفار عن طلوع الحمرة و الأظهر إنّ الأسفار أعمّ من ظهور الحمرة و أنّه له مراتب، فيقيّد التنوير و الإسفار بظهور الحمرة في مطلوبيّة تأخير الركعتين. و يمكن أن يتعين بذلك أحد المحتملين في محاذاة الضوء للرأس في مرسل «إسحاق بن عمّار» بأن يكون المراد ظهور الحمرة و ارتفاعها إلى حدّ رأس الواقف، كما أنّه علىٰ تقدير إرادة ما يعمّ ذلك يقيّد بما فيه ذلك في التحديد. و علىٰ أيّ، فحيث إنّ التّوقيت بما بعد الفجر يعمّ جميع ما قبل الطلوع، حُمل التحديد بظهور الحمرة على الفضيلة، و أنّه يتأكّد إعطاء الوقت معه للفريضة، بل يتأكّد قبل ذلك أيضاً، كما في رواية «إسحاق بن عمّار» حيث حدّده بقول المؤذّن

قد قامت الصلاة «3»

، فيرجّح إدراك الجماعة كاملة على البدء بالنافلة.

و يمكن حملُ الأمر مع التنوير، و بالتأخير مع ظهور الحمرة بناء على المنازعة على التخيير. و إثبات الفضل في التأخير بدليل آخر، دلّ علىٰ أفضليّة إعطاء الوقت بعد الفجر مطلقاً، أو في الجملة للفريضة.

[خاتمة فيها مسائل]

[المسألة الأولى] إتيان الفائتة في وقت الفريضة

مسألة: يجوز قضاء الفرائض في كلّ وقت، ما لم يتضيّق وقت الفريضة الحاضرة،

______________________________

(1) الوسائل 3، أبواب المواقيت، الباب 51، ح 1 و 7 و 4.

(2) الوسائل 3، أبواب المواقيت، الباب 51، ح 1 و 7 و 4.

(3) الوسائل 3، أبواب المواقيت، الباب 52،

ح 5.

بهجة الفقيه، ص: 133

و مع الضيق لا يجوز تكليفاً ترك الاشتغال بالحاضرة المفروضة، لكنّه مع الترك لا بأس بالصحّة بناءً علىٰ الأصحّ من الترتّب الجاري في جميع العبادات حتى المندوبة غير الشريكة التي لا تبقىٰ وقتها في وقت الاختصاص بشريكتها؛ فالبطلان، لعدم الشرط لأدائها، لا لعدم الأمر بالواجدة للشرط حتّى الوقت.

[المسألة الثانية] التطوّع وقت الفريضة

اشارة

و أما فعل النافلة أداءً أو قضاءً في وقت دخول وقت الفريضة، فالأشهر كما عن «الدروس» جوازه الموافق للعمومات؛ مع أن المسألة من الابتلاء بحدّ لو كان المنع تحريميّاً، لبٰان و اشتهر غاية الشهرة، و لم يكن بحدّ يقال: إنّ الأشهر الجواز كما عن «الدروس»، و إن عارضه المحكيّ عن المعتبر من نسبة المنع إلىٰ علمائنا.

أدلّة المنع

و استدلّ للمنع بروايات منها: صحيحة «زرارة» في ركعتي الفجر، و فيها أوّلًا أنّهما من صلاة الليل فيكون وقتها قبل الفجر، و بعداً «القياس» بصوم التطوع في شهر رمضان، و أخيراً أنّه

إذا دخل عليك وقت الفريضة، فابدأ بالفريضة «1».

و يمكن أن يكون المستفاد منها، أنّ وقت الفريضة المضاف إليها، بأولويّتها بإضافة الوقت إليها بحيث لا يضاف إلى النافلة، إمّا لعدم توقيتها، أو لتسويتها مع ذلك الوقت و غيره، أو لأنّ وقتها قد مضى، أو لتحقّق الإضافة بالعرض بسبب الجماعة؛ ففي جميع ذلك يبدأ بالفريضة و تؤخّر النافلة، و أنّه أفضل من العكس علىٰ حسب الجمع بينها و بين غيرها. و أمّا «القياس» فلا مانع من التعبير به، بعد ثبوت المطلب بالأدلّة الشرعيّة، فيكون القياس مؤكّداً تقريبيّاً.

و يمكن حملها على التقيّة، لموافقتها لما عن العامّة في وقت ركعتَيِ الفجر، و لما فيها من

______________________________

(1) الوسائل 3، أبواب المواقيت، الباب 50، ح 3.

بهجة الفقيه، ص: 134

التعبير بالقياس النادر وقوعه منهم بلا تقيّة؛ و ذلك لما دلّ عليه الروايات المستفيضة «1» من بقاء وقتهما إلىٰ ما بعد الفجر، و أنّه يدعهما إذا قال المؤذّن: «قد قامت الصلاة» كما في بعض هذه الروايات «2».

فيمكن أن يكون المراد أنّ الدسّ في صلاة الليل و البدء بعد الفجر بالفريضة، أفضل من تأخيرها إلى

الفجر. و يؤيّد ذلك أنّ الكبرى في مراقبة أوّل الوقت و إعطاؤه للفريضة بعينها و بعبارة متحدة ثابتة في الظهر؛ و مع ذلك، فغاية المراقبة لذلك فيها، الأمر بتخفيف الثمان ركعات «3»، و مثله هنا الأمر بالدسّ في صلاة الليل؛ فلا ينافي ذلك بقاء وقت النافلة إلىٰ أزيد من ذلك. و مرجع ذلك إلىٰ أنّ المفهوم ملاحظة الأقرب بأوّل الوقت مهما أمكن؟؟؟؟؟؟؟ فالأوّل.

و نتيجة ذلك أنّ إضافة الوقت إلى الفريضة إن كانت لزوميّة، فالمنع لزوميّ، لرجوعه إلى المنع عن ترك الفريضة في آخر وقتها؛ و إن كانت للفضل، فالمنع تنزيهيّ، لتفويت الفضل، سواء كان لخروج وقت فضيلة النافلة، أو لعدم كونها موقّتة، أو لإدراك فضيلة الجماعة.

و علىٰ أيّ، تستفاد مطلوبيّة رعاية إضافة الوقت إلى الفريضة بحدّ لا إضافة فيه إلى النافلة بتلك المرتبة من الإضافة.

و يشهد لهذا الجمع ما دلّ عليه روايات الجمع «4»، فلا يستفاد التحريم المطلق، فضلًا عن الشرطيّة و التحريم الغيري؛ و لو سلّم التكافؤ في الدلالة و عدم إمكان الجمع، فالأخذ بروايات الجواز «5» لازم التخيير في المتعارضين. و ما عن «المعتبر» لا يعيّن

______________________________

(1) الوسائل 3، أبواب المواقيت، الباب 52.

(2) تقدم تخريجها.

(3) الوسائل 3، أبواب المواقيت، الباب 15.

(4) الوسائل 3، أبواب المواقيت، الباب 33.

(5) الوسائل 3، أبواب المواقيت، الباب 52.

بهجة الفقيه، ص: 135

روايات المنع «1» بصدق ما حكاه بالاشعار، الملائم مع الأشهريّة المحكيّة عن «الدروس»، مع أنّ المسألة ليست ممّا يكفي فيها سوى التصريح.

تفصيل الكلام في أدلّة الجواز و الجمع بين الروايات

و استدلّ للجواز مضافاً إلى العمومات و الأصل بما في تعريض صلاة الاحتياط بين النفل و التمام من الإشعار بالجواز. و يمكن دعوى أنّ البحث في ما لم يثبت أمر خاصّ بالجواز من التطوّع في

وقت الفريضة، مع أنّه في التطوّع الاحتمالي، فلا يجري في المعلوم. و مثل ذلك، الأوامر الخاصّة بالنوافل الخاصّة في أوقات خاصّة هي من أوقات الفرائض الخاصّة، و لا يجري حكم الرواتب علىٰ طبق الأمر بها في أوقاتها في سائر النوافل المطلوبة على العموم.

نعم، يمكن استفادة الجواز ممّا فيه التعليل للتحديد، بأن لا يكون تطوّع في وقت الفريضة «2»، بعد مشروحيّة روايات التحديد، بعدم كونه لزوميّا و أنّ فعل النافلة في بعض هذه الحدود الواقع فيها الاختلاف و بعدها سائغ، و إن كان الفضل في إعطاء الوقت للفرض بعد أقلّ زمان يدرك فيه الرواتب. و لو كان المنع عن التطوّع في وقت الفريضة تحريميّاً، لكان الميز بين الوقتين لزوميّا، لا ندبيّاً.

و بأنّه من المستبعد جدّاً أن لا يكون ترك العبادتين ممنوعاً أبداً، و يكون ترك إحداهما الخاصّة ممنوعاً لزوماً.

و بما في موثّق «سماعة» «3»، حيث قابل بين الوقت الحسن و خوف فوت الفريضة؛ فإن شارحيّة هذا الذيل للوقت الحسن و أنّه الذي لا يخاف فيه فوت الفريضة، أولىٰ من شارحيّة الصدر للذيل، بأن يحمل علىٰ خوف فوت الفضيلة. و ما بعد ذلك فيه شاهد لذلك؛ فإنّ المنع التحريمي لا ينبغي إهمال بيانه بالاكتفاء بوقت الفريضة،

______________________________

(1) الوسائل 3، أبواب المواقيت، الباب 50.

(2) الوسائل 3، أبواب المواقيت، الباب 8، ح 28.

(3) الوسائل 3، أبواب المواقيت، الباب 35، ح 1.

بهجة الفقيه، ص: 136

و خوف فوتها الظاهر في نفسه في وقت الإجزاء؛ و كذلك قوله

إلىٰ قريب من آخر الوقت «1»

؛ مع أنّ الترديد بين الصورتين في المنع و العدم يقتضي إلحاق الصورة الثانية بصورة عدم المنع؛ فإنّ المنع أحوج إلى البيان من عدمه قطعاً؛ فإهمال بيان الثالثة يقتضي

الإلحاق بصورة عدم المنع.

و في صحيح «عمر بن يزيد» «2» شارحيّة لروايات المنع بما يرشد إلىٰ ما قدّمناه؛ فإنّ المستفاد منه أنّ المراد من التنزيه بما يدلّ عليه هو الجامع بين المراتب؛ فإنّه إذا كان لا ينبغي تفويت الجماعة بسبب التطوّع، استفيد منه حكم تفويت الإجزاء بسبب التطوّع، و كذا تفويت وقت الفضيلة كما بعد الذراع بسبب التطوّع. و في غير ذلك، فالتطوّع بالراتبة ليس في وقت الفريضة بنحو من النحوين، بل هو مكمّل للفريضة و غير الراتبة مؤخّر للفريضة عن أوّل وقتها بغير مكمّلها؛ فيستفاد منه الإحالة إلى المعلوم في وقت الفضيلة و أنّه المعلوم أولويّة الفريضة بذلك الوقت و إلّا كانت للصحّة أو الكمال لا إلى بدل؛ فيمكن فهم سائر موارد التنزية الجامع بين التحريم و غيره بالفحوىٰ، أو إلغاء الخصوصيّة من هذا الصحيح.

و يشرح ما مرّ في موثّق «إسحاق بن عمّار»

قلت: أُصلّي في وقت فريضة نافلة؟ قال: نعم، في أوّل الوقت إذا كنت مع إمام تقتدى به؛ فإذا كنت وحدك، فابدأ بالمكتوبة «3»

؛ فإن المستفاد منه أنّه إذا كان مع الإمام و يرى الاقتداء به؛ فإنّه يفوته شي ء من الفضل بسبب النافلة و إن كانت غير الراتبة، بخلاف المنفرد؛ فإنّه يلاحظ أداء الفريضة في أوّل وقتها و من مراتبه الفريضة كمالًا تقديم الراتبة عليها، و إلّا كانت الراتبة غير مشروعة بعد دخول وقت الفريضة، و هذا شي ء لا يحتمله مطّلع علىٰ ما قرّره الشارع، و لا يحتمل حمل هذه الأخبار علىٰ كثرتها، علىٰ ما ينافي وضع

______________________________

(1) الوسائل 3، أبواب المواقيت، الباب 35، ح 1.

(2) الوسائل 3، أبواب المواقيت، الباب 35، ح 9.

(3) الوسائل 3، أبواب المواقيت، الباب 35، ح 2.

بهجة

الفقيه، ص: 137

الرواتب، الّتي هي بمنزلة الفرائض و أبدال عن الفرائض الأصليّة قبل التخفيف.

و ما في موثّق «أبي بصير» «1» الآمر بقضاء التطوّع في أوقات أغلبها في وقت الفريضة، و فيه التسوية من هذه الجهة بين تلك الأوقات التي ليس بعضها في وقت الفريضة؛ فإنّه ظاهر في أنّ الوقت من حيث هو صالح لقضاء التطوّع، فلا اشتراط في التوقيت، بل و لا منع للتحريم؛ فيبقىٰ ملاحظة سائر جهات الرجحان و المرجوحيّة بالتفويت للفضيلة، أو لأصل الفريضة، فيكره تارة، و يحرم اخرى لمقارنته مع ترك الفريضة المحرّم.

و كذلك في إفادة التسوية في قضاء صلاة النهار، المراد منها التطوّع، لا ما يعمّ الفرض المقدّم علىٰ أيٍّ على الحاضرة، و التسوية بين ما بعد المغرب و ما بعد العشاء، صحيحُ «ابن مسلم» «2»؛ فإنّه ظاهر في صلاحيّة الوقت، و أنّه لا اشتراط و لا تحريم، فلا يبقىٰ إلّا ملاحظة سائر المرجّحات.

في المرويِّ عن «قرب الاسناد»: أنّ المتذكّر لنسيان صلاة اللّيل في أثناء صلاة النهار يعني نافلة الظهر يبتدئ بالظهر، ثمّ يصلّي صلاة الليل ما بينه و بين العصر، أو متى أحبّ «3»؛ فإنّه ظاهر في أنّ القضاء في وقت التذكّر يوجب فوت وقت فضيلة الظهر، بخلاف القضاء بعد الظهر، و أنّ القضاء بعد الظهر إلى العصر يساويه القضاء متى أحبّ، الذي يكون القضاء بعد العصر من المتيقّن منه؛ و أنّ ذلك، لمكان عدم المحذور في القضاء قبل الظهر، و هو تفويت فضيلة الفريضة، و إن اختلفا في التطوّع في وقت الفريضة و عدمه، و أنّه ليس هو المحذور في الأمر بالبدء بالظهر في ما تقدّم.

و أمّا صحيح «سليمان بن خالد» في انعقاد الجماعة في أثناء صلاة المنفرد،

فليصل

______________________________

(1)

الوسائل 3، أبواب المواقيت، الباب 57، ح 10.

(2) الوسائل 3، أبواب المواقيت، الباب 39، ح 6.

(3) أصل الرواية موجودة في الوسائل 3، أبواب المواقيت، الباب 49.

بهجة الفقيه، ص: 138

ركعتين، ثم ليستأنف الصلاة مع الإمام، و ليكن الركعتان تطوّعاً «1»

، فهو من التطوّع المشروع بالدليل الخاصّ في وقت الفريضة؛ و يمكن أن يكون خارجاً تخصّصاً من المنع عن التطوّع في وقت الفريضة، إذ هو محافظة على الفريضة، و التطوّع في الصورة إنّما هو للمحافظة علىٰ كمال الجماعة، فليس مقوّماً، بل سبب لإدراكها على الوجه الأكمل، فيكون كالتطوّع قبل الذراع. و هذا بناء على شمول المنع لمطلق التطوّع حتّى ما كان عدولًا عن الفريضة الناقصة إلى الكاملة.

و أمّا في الصحيح في المسافر الداخل مع الحاضرين في الجماعة

فإن كانت الاولىٰ، فليجعل الفريضة في الركعتين الأوّلتين «2»

، فما في الأوّل موافق لما مرّ في الصحيح المتقدّم مبنيّاً على المحافظة علىٰ أوّل وقت انعقاد الجماعة الذي هو بحسب الغالب في وقت فضيلة الفريضة، و يكون نفل الثانية في الأخيرتين للإعادة المستحبّة إن كانت مشروعة و دلّ عليه الصحيح، مع إمكان المنع، لعدم التصريح إلّا بجعل الأوّلتين فريضة، بخلاف التصريح الواقع في العصر.

و ما في الثانية فلعلّ المراد بيان ما يدرك به فضيلة الجماعة في تمام صلاة القوم، و إنّما يكون بإعادة ما صلّاهُ ظهراً في الأوّلتين، ابتداء فريضة العصر في الأخيرتين، لا بالابتداء بفريضة العصر و الانتهاء بإعادتها؛ لأنّ الأوّل يشتمل علىٰ إدراك الجماعة في الظهرين بخلاف الثّاني. و مثله إعادة الظهر بعد العصر وحدها لو كان مشروعاً؛ و علىٰ ذلك، فالتنفّل فيهما في وقت الفريضة، بناء علىٰ عموم التطوّع للمعادة الّتي هي في الأصل فريضة.

و أمّا رواية

«زرارة» المرويّة عن «حبل المتين و غيره، و الموصوفة بالصحّة،

قال: قلت لأبي جعفر عليه السلام أُصلّي نافلة و عليَّ فريضة، أو في وقت فريضة؟ قال: لا، إنّه لا يصلّى نافلة في وقت فريضة، أ رأيت لو كان عليك صوم من شهر رمضان، أ كان لك

______________________________

(1) الوسائل 5، أبواب صلاة الجماعة، الباب 56، ح 1.

(2) الوسائل 5، أبواب صلاة الجماعة، الباب 18، ح 4.

بهجة الفقيه، ص: 139

أن تتطوّع حتى تقضيه؟ قال: قلت لا، قال: فكذلك الصلاة، قال: فقايسني و ما كان يقايسني

، «1» فهي موافقة لصحيحته الأُخرىٰ في ركعتي الفجر حيث قال عليه السلام في ذيله

أ تريد

أن تقايس لو كان عليك من شهر رمضان، أ كنت تتطوع؟ إذا دخل عليك وقت الفريضة، فابدأ بالفريضة «2».

و المستفاد منهما بعد ملاحظة الأصل فيهما و أنّه لا تزاحم فيه بين الندب و الفرض، أنّ المراد بالتطوّع في وقت الفريضة، و التطوّع لمن عليه فريضة واحدة في الصلاة و الصوم، و أنّه لا تزاحم بين الواجب و الندب فيهما، و حيث إنّه كذلك تكليفاً و وضعاً في الأصل، فهو كذلك في الفرع. و الجامع الذي فيه الملاك، أهمّية الفرض من النفل؛ لكنّها قابلة للحمل على الجامع بين الحتم و الندب، و الاشتراط و العدم، بأن يكون الأصل علىٰ سبيل الحتم و الاشتراط، بخلاف الحكم في الفرع؛ أو يكون الحكم في الفرع أيضاً مختلفاً بحسب تفويت أصل فريضة الصلاة، أو كمالها بتفويت الجماعة مثلًا، أو لمضيّ وقت فضيلة النافلة، فيقدّم الفرض الذي لا بدل له، على النفل الذي له البدل بالقضاء بعد الفريضة.

و هذا بعد ورود الدليل عليه، الأظهر في الندب أو النصّ فيه، يمكن دعوى انصراف مثل هذين

الصحيحين «3» عن النافلة المكمِّلة للفريضة، كما في الأصل لا تكميل فيه في المندوب عن الصوم المفروض قضاءً؛ فإنّ لحاظ أهمّية الفريضة لا يوجب إلّا الاشتغال بها و بمكملاتها الّتي منها الراتبة و الأذان و الإقامة في خارجها و تطويل السور و الأذكار في داخلها، لا رفع اليد عنها مع عدم مضيّ وقتها و عدم مفوّتيّتها لفضيلة الفريضة من جهة أُخرى كالجماعة.

______________________________

(1) المستدرك، أبواب المواقيت، الباب 46، ح 3.

(2) الوسائل 3، أبواب المواقيت، الباب 50، ح 3.

(3) المستدرك، أبواب المواقيت، الباب 46، ح 3، و الوسائل 3، أبواب المواقيت الباب 50، ح 3.

بهجة الفقيه، ص: 140

و وجه الانصراف، وضوح شرع النوافل النهارية قبل الفرائض، فيحتاج عموم منع التطوّع في وقت الفريضة «1» لما هو الواضح مشروعيّته، إلىٰ نصّ مبيّن، و إلّا فوضوحه قرينة الصدور بالنسبة إلى هذه العمومات و أنّها غير مرادة، لا أنّ التخصيص يرتكب فيها بالأدلّة المنفصلة.

و في القياس الواقع في كلام الإمام عليه السلام «2» إشارة مع كونه في الواقع مؤكّداً للحجّة، لا أنّه الحجّة عندنا إلىٰ أنّ الملاك الجامع أهميّة الدَّين الواجب من الفرض، و هذا لا يجري في مكمِّلات الفرض، بل في خصوص ما هو أجنبيّ عنه، و ليس فيه إلىٰ تعدّد الطلبين اللذين أحدهما إيجابيّ، و الآخر ندبيّ.

و أمّا ما في موثّق «ابن مسلم» في السؤال عن ترك تطوّعه عليه السلام في ما بين الأذان و الإقامة كما يصنع الناس، و قوله عليه السلام

إنّا إذا أردنا أن نتطوّع، كان تطوّعنا في غير وقت فريضة؛ فإذا دخلت الفريضة، فلا تطوّع «3»

، فقد مضي مثلها في الدلالة علىٰ أهمية الفرض جماعة و أولويّته بالوقت، و أنّ التنفّل بعد حضور

الجماعة في معرض تفويت الجماعة بعضها أو كلّاً؛ مع أنّ الجماعة مستحبّة، فإذا جاز تركها، جاز الاشتغال بالنفل؛ فلا يلزم من التنفّل إلّا ترك الجماعة المستحبّة في الجملة، بل عدول من الأفضل إلى المفضول بالإضافة، و كيف يفيد مثل هذا السياق التحريم، أو الشرطيّة و البطلان، و ممّا يؤيّد ما مرّ أنّ روايات الرواتب «4» ناظرة بما فيها من التعليل إلىٰ روايات المنع عن التطوّع، بلا عكس؛ و هذا يوجب التقدّم و لو لم يكن شي ء آخر.

و دعوىٰ أنّ التقديم بالأعمِّ من التخصيص، مسلّم، مدفوعة بأنّ النظر يفيد الحكومة

______________________________

(1) الوسائل 3، أبواب المواقيت، الباب 35، ح 2.

(2) الوسائل 3، أبواب المواقيت، الباب 50، ح 3.

(3) الوسائل 3، أبواب المواقيت، الباب 35، ح 3.

(4) الوسائل 3، أبواب المواقيت، الباب 8.

بهجة الفقيه، ص: 141

لما هو آبٍ عن التخصيص، لما فيه من الإرشاد إلى المرتكز العقلي، و أنّه لا يفيد، للخروج من مصلحة أقوى من مصلحة أوّل الوقت، و منها فضيلة الجماعة، و منها ما عبّر عنه بصلاة الأوّابين، الّتي فيها مع ذلك أنّها مكمّلة للفريضة، فهي رعاية لها، لا إلغاء لها و عدول عنها؛ مع أنّ العمل المستمرّ المعهود في ما بين السائلين و المجيب قرينة متّصلة أقوى من المذكورة.

فكما لو قال: «في غير الرواتب»، لفظاً في روايات المنع «1»، لا ينعقد لها ظهور عمومي حتّى يحتاج إلى التخصيص بدليله المنفصل، فكذا ما هو أقوى من التلفّظ، فلا يستفاد منها إلّا المنع الأعمّ الجامع للحرمة في تفويت المصلحة اللزوميّة في آخر الوقت، و الكراهةِ و المرجوحيّة في تفويت المصلحة المهمّة الغير اللزوميّة، كالجماعة و أوّل وقت الفضيلة؛ فلا يكون شي ء من ذلك في التنفّل في

وقت النافلة الراتبة، أو تنفّل منتظر الجماعة انقضىٰ وقت فضيلة النافلة.

و أمّا حمل روايات الجواز «2» على استفاضتها و صحّة بعضها على التقيّة، لموافقة الجواز لعملهم، كما مضى في وقت ركعتَيِ الفجر في خبر «أبي بصير» «3» و التنفّل بين الأذان و الإقامة في موثّق «ابن مسلم» «4»، و تعليل المنع بالقياس «5» لإفحامهم علىٰ مذهبهم و أنّه يقتضي المنع لا الجواز الذي هم عليه، فإنّما يصار إليه مع وصول النوبة في العلاج إليه، و الجمع العرفي مقدّم علىٰ علاج المتعارضين صدوراً و جهةً؛ و الشهرة بعد ذلك قابلة للمنع، لما مرّ عن «الشهيد» أنّ الجواز أشهر؛ مع أنّها إرشاديّة كما يظهر من «المعتبر».

______________________________

(1) الوسائل 3، أبواب المواقيت، الباب 35.

(2) الوسائل 3، أبواب المواقيت، الباب 61.

(3) الوسائل 3، أبواب المواقيت، الباب 50، ح 2.

(4) الوسائل 3، أبواب المواقيت، الباب 35، ح 3.

(5) الوسائل 3، أبواب المواقيت، الباب 50، ح 3.

بهجة الفقيه، ص: 142

[المسألة الثالثة] جواز التطوّع لمن عليه فريضة فائتة

و أمّا جواز التطوّع لمن عليه فريضة فائتة، فقد حُكي أنّ الأصحاب لم يفرّقوا بين المسألتين، يعني الحاضرة و الفائتة، كما يرشد إليه البناء على المضايقة؛ و أمّا على المواسعة فلا يشمله ما دلّ على التطوّع في وقت الفريضة، و إنّما يشمله مثل المرسل «1»

لا صلاة لمن عليه صلاة

؛ و هو و إن لم يبلغ سنداً حدّ الحجيّة، إلّا أنّ المحكي عن «فخر الدين» سؤالًا و جواباً عدم الخلاف، معلّلًا بهذا المرسل، و يستظهر منه مقبوليّة المرسل. و مفاده: أنّه لا يتطوّع مَن عليه فريضة، لأنّ الصلاة له لا يكون في مقابل الصلاة عليه إلّا التطوّع مع الفرض، و لا يمكن تعميم الصلاة عليه للندب، و لا يمكن إرادة ما يعمّ

الاختراع من الصلاة له الغير الجائز على الكلّ.

إلّا أنّه مع معارضته بالصحيح علىٰ ما سيأتي إن شاء اللّٰه تعالى في عمل النبي صلى الله عليه و آله و سلم «2» و بثبوت الجواز في وقت الحاضرة مع أولويّتها على المواسعة من الفائتة، لأنّ فيه تفويتاً لأوّل الوقت في الجملة، يمكن حمله على نفي الكمال، كما في نظائر هذا التركيب، و على الإرشاد إلى المرتكز في الأذهان من أولويّة الدَّين الواجب على الندب بصرف الوقت فيه.

و يمكن أن يكون الاستدلال بالمرسل، لفهم شي ء متوسّط بين ترتّب الحاضرة على الفائت، لأنّهما صلاتان على المكلّف، فلا بدّ من إفادة أولويّة إحداهما، كما أنّ المرجوح التطوّع في وقت الفريضة، لا التطوّع ممّن عليه الفرض، و هو المناسب للمقام، و لروايات القياس «3»، فلا يكون ما نحن فيه المختصّ فيه إحداهما بكونها صلاة للمكلّف و الأُخرى بكونها عليه، لا بكونها في وقتها؛ فلا يكون المنفيّ إلّا التطوّع، و لا يكون المثبت إلّا الفائتة المفروضة.

______________________________

(1) المستدرك، أبواب المواقيت، الباب 46، ح 2.

(2) الوسائل 3، أبواب المواقيت، الباب 61، ح 6.

(3) الوسائل 3، أبواب المواقيت، الباب 50، ح 3.

بهجة الفقيه، ص: 143

و هو الموافق لما في روايات القياس، أعني ما في ذيل بعضها

و لا يتطوّع بركعة حتى يقضي الفريضة كلّها «1»

دون ما فيه التعبير مضافاً إلى القياس المذكور-

بأنّه لا يصلّي نافلة في وقت فريضة

؛ فيكون مفاد المرسل مؤيّداً بالصحيحين المشتملين على القياس.

إلّا أنّ ما عن «الرياض» من عدم الفرق بين المسألتين مع وجود الخلاف في التطوّع في وقت الفريضة، و ما نقل عن جماعة من التصريح بالجواز هنا، ربّما يوهن عدم الخلاف المنقول عن كلام «الفخر».

مع أنّ دعوى أنّ الملحوظ

في صحيح القياس المعبّر بوقت الفريضة أمران أحدهما: أولويّة دفع المفسدة من جلب المنفعة، و الأُخرى: تحصيل فضل أوّل الوقت مهما أمكن. و الملحوظ في المرسل هو الأمر الأوّل؛ فيكون التطوّع في الوقت أولىٰ بعدم الخلاف من التطوّع لمن عليه الدَّيْن؛ كما أنّه أولىٰ بالحكم ثبوتاً غير بعيدة. نعم، على المضايقة، فالأولويّة بالعكس، لأنّ الفوريّة بمنزلة التوقيت المضيّق، و لا فوريّة للحاضرة في سعة وقتها.

و أمّا خبر «يعقوب بن شعيب»، فالسؤال فيه عن صلاة المستيقظ حين تبزغ الشمس و أنّه يصلّي فيه، أو ينتظر انبساط الشمس، فقال عليه السلام

يصلي حين يستيقظ «2»

، فكان السؤال عن كراهة الصلاة في ذلك الوقت، و الجواب عن أنّه في غير الفائتة أو في الفائتة المفروضة؛ و لعلّ السؤال الثاني، عن أنّه يقضي النافلة الفائتة أو الفريضة؟ فقال عليه السلام

يبدأ بالفريضة «3»

، و لا وجه له إلّا التنفّل لمن عليه الفريضة الفائتة.

______________________________

(1) الوسائل 3، أبواب المواقيت، الباب 61، ح 3 و 4.

(2) الوسائل 3، أبواب المواقيت، الباب 61، ح 4 و 3.

(3) الوسائل 3، أبواب المواقيت، الباب 61، ح 4 و 3.

بهجة الفقيه، ص: 144

و يعارضه و جميعَ ما يفيد مفاده، صحيح «زرارة» «1» في قضاء النبي صلى الله عليه و آله و سلم و أصحابه النافلة الفائتة قبل الفريضة. و لا أثر للاختلاف في زمان الاستيقاظ من قرب طلوع الشمس و بُعده مع عدم كون النافلة مبتدأة؛ و لا لكون ركعتَيِ الفجر من صلاة الليل الواجبة عليه صلى الله عليه و آله و سلم أداءً و قضاءً لو سلّم ذلك، لأنّه أمرهم بذلك أيضاً في ما عن بعض نصوص الحكاية؛ و لا لانتظار الجماعة، كما يستفاد

من الأمر المذكور، فيصرف بنصوصيّة الصحيحة في الجواز، عن ظهور ما يعارضها جملةً في المنع، و يحمل على الكراهة المختلفة مراتبها بل أصلها وجوداً و عدماً، باختلاف المرجّحات، التي منها بيان جواز التأخير الخاصّ بلا كراهة؛ و ما في بعض هذه الروايات من قوله عليه السلام

أَ لٰا أخبرتهم

، (يعني الحكم و أصحابه)، أنّه، يعني النبيّ صلى الله عليه و آله و سلم، قد فات الوقتان جميعاً، و أنّ ذلك كان قضاءً من رسول اللّٰه صلى الله عليه و آله و سلم «2»؛ و أنّ العبرة في المنع بحضور وقت الفريضة و كونها أداءً؛ فأداء النافلة، مورد للمنع، فضلًا عن قضائها، بخلاف الفريضة الفائتة، فلا كراهة في قضاء النافلة فضلًا عن أدائها.

و مثل هذه الأخبار، خبر «أبي بصير»: سأل الإمام الصادق عليه السلام عن

رجل نام عن الغداة حتى طلعت الشمس، فقال: يصلّي ركعتين، ثمّ يصلّي الغداة «3»

، لكنّها معارضة في موردها بصحيح «يعقوب بن شعيب» حيث قال

بل يبدأ بالفريضة

، لكنّه لا يخلو من الإجمال؛ فإنّ صلاة الركعتين إن كانت فريضة، فما وجه إهمال ركعتَيِ الفجر؟ و إن كانت نافلة، فما وجه الترديد؟ لأنّ الترديد، بين التنفّل و الفرض، لا بين النافلتين؛ و علىٰ الأخير يكون الجواب نفي شقَّيِ الترديد معاً.

و علىٰ ايٍّ، فترك ما سوى الفريضة مطلوب في الجواب، مع مطلوبيّة فعل النافلة في

______________________________

(1) الوسائل 3، أبواب المواقيت، الباب 61، ح 6.

(2) الوسائل 3، أبواب المواقيت، الباب 61، ح 6.

(3) الوسائل 3، أبواب المواقيت، الباب 61، ح 2.

بهجة الفقيه، ص: 145

الموثّقة «1» قبل الفريضة الفائتة، و الوقت أيضاً متّحد فيهما؛ كما أنّ الراتبة المثبتة في الموثّقة منفيّة علىٰ ظاهر البدء في

الصحيح؛ إلّا أن يقال: علىٰ تقدير إرادة الفريضة لا مطلق التنفّل. و الفرق أنّ نافلة الفريضة مكمّلة لها أداءً و قضاءً، كما يستفاد من غير هذه الصحيحة؛ فلا ملازمة بين نفي مطلق التطوّع و نفي الرواتب في القضاء، كما وقع الفصل في الرجحان في الأداء؛ كما أنّه علىٰ تقدير إرادة النافلة يمكن أن يكون حاصل السؤال أنّه يقضي جميع النوافل أو خصوص ركعتَيِ نافلة الصبح، و الجواب أنّ المقضيّ نافلة الفريضة؛ فإنّه من البدء بالفريضة من غيرها، بخلاف قضاء الوتر و ما بعده.

و علىٰ أيٍّ، فالمعارض لموثّقة «أبي بصير» و ما يفيد مفادها، ليس بتلك القوّة حتّى لا يقبل الحمل علىٰ ما يجامع مفاد الموثّقة و ما يفيد مفادها. و علىٰ تقدير المكافاة، فيمكن الجمع بينهما بالتخيير جمعاً في الدلالة أو الصدور، أو بأفضليّة تقديم الراتبة بشهادة صحيح النوم «2»، فيحمل الأمر بالبدء على الجواز المجامع للمرجوحيّة، بمعنى أقليّة الثواب إذا لم نقل بأنّ ركعتي الفجر من صلاة الليل في الوجوب على النبي صلى الله عليه و آله و سلم و الندب من غيره؛ و إلّا خرج ما في الصحيح عن البحث.

و يحتمل في الصحيح إرادة تأخر الوقت عن الكراهة، بخلاف ما تقدّم. و كون الراتبة مكمّلة للفريضة أداءً و قضاءً مع فواتهما، يرجّح حمل الأمر بالبدء على الجواز مطلقاً، أو في ما كان البدء مبالغة في الاهتمام بالفريضة.

و يحتمل علىٰ تقدير عدم العمل بصحيح النوم و تساقط الروايتين في قضاء ركعتَيِ الفجر، الرجوع إلىٰ عموم قوله

و لا يتطوّع بركعة حتى يقضي الفريضة كلّها «3»

لو لم يعارض بغيره أيضاً، كروايتي عمّار «4»، و زرارة «5».

______________________________

(1) تقدم آنفاً.

(2) الوسائل 3، أبواب المواقيت، الباب 61، ح

6.

(3) الوسائل 3، أبواب المواقيت، الباب 61، ح 3.

(4) الوسائل 3، أبواب المواقيت، الباب 61، ح 5 و 6.

(5) الوسائل 3، أبواب المواقيت، الباب 61، ح 5 و 6.

بهجة الفقيه، ص: 146

ثمّ إنّ الصحيح الحاكي عن نوم النبيّ صلى الله عليه و آله و سلم و قضائه نقل عن «الذكرى»: «أنّه لم يقف علىٰ رادّ له من جهة المنافاة للعصمة»، و لعلّه لما فيه من الحكمة الواضحة، فلا يقايس بالواقعة غيرها، أو لأنّه يمكن عدم التكليف لخصوصه صلى الله عليه و آله و سلم بالفرض في فريضة خاصّة، كما أنّهم لا تكليف عليهم في جميع موارد المغلوبيّة.

و ما ورد من أنّه صلى الله عليه و آله و سلم قال

تنام عيني و لا ينام قلبي «1»

فلا ينافي عدم التكليف بترتيب الأثر على اليقظة الخاصّة و الالتفات الخاصّ، كما في كثير من موارد اطّلاع المعصومين عليهم السلام بما هو الغائب عن غيرهم؛ مع أنّ العمل منهم كان كعمل غير العالم في الظاهر.

لكنّه حكىٰ في «الحدائق» عن «المفيد»، ردّ الخبر بالمنافاة لما ثبت في المذهب، و يمكن إبداء الاحتمال بأنّه لا طريق لنا إلىٰ أنّه صلى الله عليه و آله و سلم لم يصلّ في الوقت بحيث لم يطّلع علىٰ صلاته غيره لنومهم، و يشعر به قوله: «نُمتم» «2» بالخطاب؛ لكنّ الإعادة بعد الوقت و لو جماعة تحتاج إلىٰ دليل على المشروعيّة التي لا يصار إليها بهذه الروايات، مع إمكان التخلّص بنحو آخر لا محذور فيه.

ثم إنّ الظاهر من صحيح «زرارة» «3» المشتمل على القياس، انتزاع الجامع بين النافلة في وقت الفريضة و التطوّع لمن عليه الفريضة، المناسب للصوم الذي هو الأصل في القياس المذكور. و

حمل القياس على التقيّة لو تمّ لا ينافي كون الحكم واقعيّاً، و إن كان الاستدلال تقيّة مع إمكان تعليم الاستدلال مع العامّة المجوّزين؛ لكنّ الظاهر من صحيحه الآخر الحاكي للنوم «4» الفرق بين المسألتين، و أنّ التطوّع ممّن عليه الفريضة. و لعلّ الأقرب هو حمل المنع على الكراهة، و القياس لاستفادة الجامع بين

______________________________

(1) البحار 76، ص 189، الباب 43، ح 18.

(2) الوسائل 3، أبواب المواقيت، الباب 61، ح 1.

(3) الوسائل 3، أبواب المواقيت، الباب 50، ح 3.

(4) الوسائل 3، أبواب أعداد الفرائض، الباب 17.

بهجة الفقيه، ص: 147

الحرمة و الكراهة. و أمّا رواية «زرارة» المحكيّة عن «كتاب الغياث» «1» فمقتضاها جواز التنفّل في ضيق وقتها ممّن عليه القضاء، و لازمها عدم عموم المنع عن التطوّع عمّن عليه الفريضة.

و أمّا استفادة عموم الجواز بحيث يشمل غير الموقّتات، المخوف فوت أوقاتها، فلا يخلو عن تأمّل، إلّا أن يتمّم ذلك بموافقة سائر الروايات.

[المسألة الرابعة] الاستيجار للصلاة لا يمنع عن التطوّع

ثم إنّه إذا كانت الفريضة نيابةً عن الغير مستأجراً عليها، فهل يجري حكم التطوّع لمن عليه تلك الفريضة؟

مفاد الروايات، «2» عدم الجريان في غير فرائض المتطوّع الواجبة عليه بالأصالة، و مقتضى المرسل «3» الظاهر من «الفخر» و حكايته، العمل به الجريان في كلّ صلاة على المتطوّع بالصلاة؛ و الحاجة في المنع إلى الوضوح مع عموم البلوىٰ، تجري في هذا الفرع أيضاً، و مثل الإجارة سائر الموجبات للصلاة. و يقوى الإشكال في الرواتب المزاحمة للفرائض الأصليّة أداءً، بل قضاءً أيضاً علىٰ وجه. و لازم التعميم أن تكون المزاحمة، مع فرائضها، كما هو المعلوم، لا مع سائر الواجبات الصلاتيّة، و لا الرواتب في غير أوقات فضيلتها، و إن قيل بعدم القضاء بعد فعل الفريضة، و إنّ

فعلها قبلها، مرجوح بعد الذراع و الذراعين.

و لعلّ الخروج عن الارتكازات الدينيّة، و مطلوبيّة الصلوات المندوبة بنحو العموم، و خصوص ذوات الأوقات و الأمكنة الخاصّة، مع عمومها لمن عليه الصلاة، يغني عن الاستدلال بغير ذلك.

______________________________

(1) الوسائل 3، أبواب المواقيت، الباب 61، ح 9.

(2) الوسائل 3، أبواب المواقيت، الباب 35.

(3) المستدرك، أبواب المواقيت، الباب 46، ح 2.

بهجة الفقيه، ص: 148

و ما دلّ عموماً على المنع عن ذوات الأسباب، يدلّ على المنع عن المبتدأة عموماً أو بالفحوىٰ، بخلاف الدليل على الجواز في ذوات الأسباب؛ فإنَّه علىٰ تقدير عدم العموم، لا أولويّة للمبتدأة في الجواز، و إنّما جواز المبتدأة يفيد جواز ذوات الأسباب بالفحوىٰ لو لم يكن عموم.

فتحصل ممّا مرّ: أنّ الأقوىٰ جواز التطوّع في وقت الفريضة، و ممّن عليه الفائتة المفروضة، كان التطوّع من ذوات الأسباب أو لا، و إن كان الأحوط ترك المبتدأة مطلقاً، و ترك الكلّ في وقت الفريضة إلّا مع الدليل الخاصّ، فتنتفي المرجوحيّة أيضاً.

لو نذر التطوّع بلا تقيّد، خرج عن النفل و صار مفروضاً و خرج عن محلّ البحث؛ و لو قيّده بوقت الفريضة، أو بأن يكون عليه الفائتة، بطل النذر بناء على المضايقة في الأخير، أو على التحريم في التطوّع لمن عليه الفائتة، أو في وقت الفريضة؛ و كذا لو لم يقيّد و كان ممّن عليه القضاء، و لا يمكنه القضاء قبل الوفاء بالنذر.

بهجة الفقيه، ص: 149

الفصل الثالث أحكام الأوقات

[مسألة] ميزان وجوب القضاء على ذوي الأعذار

اشارة

مسألة: إذا حصل أحد الأعذار المانعة من التكليف كالحيض و الجنون و الإغماء بعد مضيّ مقدار من الزمان يتمكّن فيه من أقلّ الواجب الصلاتي مع التطهّر و سائر الشروط، مع عدم الأداء، وجب القضاء، و لا يجب القضاء مع إدراك الأقلّ من ذلك

على المشهور؛ و الأحوط مع العلم بطروّ العذر الإتيان بصلاة العاجز في الكميّة و الكيفيّة، و التنزّل إلى البدل في ما له بدل لا يطول وقته، و إسقاط ما يسقط بالضرورة و العجز، و كذا القضاء مع عدم الأداء المذكور. و لا فرق في ذلك بين أن يكون زمان التمكّن أوّل الوقت، أو وسطه، أو آخره في غير ما يذكر.

[و ينبغي الإشارة إلى أمور]
[الأول] لزوم نية الأداء مع إدراك ركعة من الوقت

و لو زال العذر في آخر الوقت بحيث يتمكّن من الصلاة مع الشّروط، فإن أدرك ركعة من الشروط، وجب الأداء تماما، و مع الترك القضاء.

و يدلّ عليه بعد نقل إجماع الأصحاب عليه عن «المدارك»، و نفي الخلاف فيه بين أهل العلم عن «المنتهىٰ» ما روي عنه صلى الله عليه و آله أنّه قال

من أدرك ركعة من الصلاة،

بهجة الفقيه، ص: 150

فقد أدرك الصلاة «1»

و عنه صلى الله عليه و آله أيضاً

من أدرك ركعة من العصر قبل أن يغرب الشمس، فقد أدرك الشمس «2»

، و من طريق الأصحاب ما رواه «الشيخ» عن «الأصبغ بن نباتة» قال: قال أمير المؤمنين عليه السلام

من أدرك من الغداة ركعة قبل طلوع الشمس، فقد أدرك الغداة تامّة «3»

و في الموثّق عن «عمّار الساباطي» عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام أنّه قال

فإن صلّىٰ ركعة من الغداة ثمّ طلعت الشمس، فليتمّ الصلاة، و قد جازت صلاته «4».

و الضعف في السند في بعض ما مرّ، مجبور بعمل الأصحاب بالنسبة إلى الدالّ منها؛ مع إمكان استفادة إلغاء الخصوصيّة ممّا في «المعتبر» بالنسبة إلى الغداة، و إن اختصّ البيان بها لأغلبيّة الابتلاء بعدم إدراك تمام الصلاة فيها كما لا يخفىٰ بالنسبة إلى سائر الصلوات. و يخرج ما مرّ شاهداً علىٰ الإلغاء المذكور

بحيث لا يرجع إلى القياس.

هذا، مضافاً إلى ما استند في «المعتبر» «5» إليه من قوله عليه السلام

من أدرك ركعة من الوقت، فقد أدرك الوقت

، و فيه زيادة الدلالة علىٰ أدائيّة الكلّ بوقوع ركعة في الوقت؛ و أنّ شرط المكلّف به أعمّ من وقت الركعة فما زاد بنحو تعدّد المطلوب؛ فوقت الركعة شرط و الزائد واجب فقطّ. و علىٰ الاشتراك يقتصر علىٰ فعل الظهر أو المغرب لاشتراط الأخيرة بالأُولىٰ بلا عكس، مع اشتراك الوقت فرضاً، فيقتصر علىٰ غير المشروط بالأُخرى.

[الثاني] إذا أدرك قبل الغروب أو انتصاف الليل أقل من وقت الفريضتين

و لو أدرك قبل الغروب مقدار أربع، تعيّن الوقت للعصر علىٰ الاختصاص المختار، و اشتغل بالأُولىٰ علىٰ الاشتراك. و لو أدرك مقدار الأربع قبل الانتصاف، فكذلك

______________________________

(1) الوسائل 3، أبواب المواقيت، الباب 30، ح 4.

(2) الوسائل 3، أبواب المواقيت، الباب 30، ح 5

(3) الوسائل 3، أبواب المواقيت، الباب 30، ح 2 و 3

(4) الوسائل 3، أبواب المواقيت، الباب 30، ح 2 و 3

(5) المعتبر، ص 139.

بهجة الفقيه، ص: 151

يشتغل بالعشاء على المختار، و بالمغرب قبل العشاء علىٰ الاشتراك.

و يتعيّن الأداء و القضاء في ما يختصّ به الوقت، و هو الأخيرة في الفرضين؛ فكما لا أداء لغيرها، لا قضاء في غيرها المصادف للعذر من جنون أو حيض أو إغماء علىٰ ما ذكر في محلّه. و دعوىٰ إمكان الجمع علىٰ الاختصاص بإعطاء مقدار الثلاث للمغرب و ركعة للعشاء، يمكن دفعها بأنّ مقتضى الاختصاص عدم صحة الشريكة أداءً و لو بغير الاختيار، كالساهي و المعذور إذا لم يؤدّ العشاء بنحو صحيح في الوقت المشترك سهواً و غفلةً؛ و إن كان لو فعل ذلك، صحّ العشاء الواقع ركعة منها في الوقت، و قضى المغرب لعدم صحّتها، كما لو

أخّر العشاء عصياناً أو عن غفلة.

و أمّا ما في «الشرائع» من قوله: «و لو أدرك قبل الغروب أو قبل انتصاف اللّيل إحدى الفريضتين، لزمته تلك لا غير» «1»، فالظاهر ابتناؤه علىٰ الاختصاص كما يفيده المقابلة مع إدراك خمس ركعات، فلا يكون في الأقلّ إدراك الوقت الاختياري لواحدٍ معيّن إلّا مع الاختصاص، إذ مع الاشتراك يمكن الجمع بين المغرب و العشاء في وقتهما الاضطراري بالنسبة إلى العشاء الاختياري للمغرب؛ فالقصر على الواحدة المعيّنة، كما يفيده قوله: «تلك» و إلّا كفىٰ أن يقول: «لزمته لا غير»، يبتني علىٰ الاختصاص. و يؤيّده موافقة ذلك لاختياره الاختصاص في ما مرّ.

و النتيجة أنّ إدراك مقدار الأربع إدراك للعصر، و للعشاء فقطّ، و ذلك منصوص في مرسلة «داود بن فرقد» «2».

أدائيّة الفريضتين لو أدرك خمس ركعات

و إذا أدرك خمس ركعات، لزمته الفريضتان، لإدراكه من كلّ منهما ركعة فما زاد،

______________________________

(1) شرائع الإسلام، 1، ص 53.

(2) الوسائل 3، أبواب المواقيت، الباب 4، ح 7، و الباب 17، ح 4.

بهجة الفقيه، ص: 152

و إدراك الركعة في كلّ منهما بناء علىٰ الاختصاص وجدانيّ. و أمّا عدم إدراك تمام الركعات، فهو أيضاً كذلك بالنسبة إلى الأُولىٰ، لاختصاص مقدار الأربع بالأخيرة؛ و أمّا الأخيرة، فإدراك جميع الركعات لها متوقّف علىٰ عدم وجوب صرف الزائد على الركعة في الأُولىٰ، و هو متوقّف على إدراكه بالفعل لتمام الأخيرة، فيلزم الدور. مع أنّ الأخيرة متوقّفة في الصحّة علىٰ تقديم الاولىٰ مهما أمكن، و عدم إمكانه متوقّف علىٰ تعيّن تمام وقت الأربع للأخيرة بالفعل، و هو موقوف علىٰ عدم الترتّب بالفعل، فيلزم الخلف. و الاختصاص إنّما يمنع عن صحّة تمام الشريكة في ذلك علىٰ أيّ حال مع عدم أداء ذي الوقت، و عن الشروع

في الشريكة، لا عن إتمامها، لأنّه لا يزيد على خروج وقت الشريكة.

[لمسألة] وجوب إتمام الصلاة على الصبي لو بلغ في أثناء الصلاة

مسألة: الصبيّ المتطوّع بوظيفة الوقت بناء علىٰ شرعيّة عباداته، إذا بلغ بما لا يبطل الطهارة و الوقت باقٍ، فهل يستأنف صلاته كما حكي عن «المدارك» النسبة إلى «الخلاف» و أكثر الأصحاب، أو يمضي فيها؟

وجه الأوّل [أنّ] الإيجاب أمر جديد لا يجزي عنه المندوب تماماً و لا بعضاً، [و] وجه الثاني أنّ الأمرين المتعاقبين لا فاصل بينهما في الزمان؛ فمطلوبيّة الصلاة مستمرّة في حقّ البالغ في الأثناء و متّصلة، بل باقية لا بحدّها؛ فما سبق، واقع علىٰ صفة المطلوبيّة الاستحبابيّة الانحلاليّة، و اللّاحق يقع علىٰ صفة الإيجاب الانحلالي، و الأمر بالصلاة قبلها ينحلّ إلىٰ أوامر أوّلها الأمر بالتكبير، و آخرها الأمر بالتسليم، سواء استمرّ الأمر الاستحبابي أو الوجوبي، أو تعاقب الأمران، لا فرق في الانحلال بينها؛ كما أنّ الأمر استحبابيّاً كان أو وجوبيّاً، انحلاليّاً كان أو واحداً متعلّقاً بتمام المركّب إنّما يتعلّق بمن لم يصلّ، فإن صلّىٰ صلاة مأموراً بها، فلا أمر، لأنّه طلب الحاصل، أو بعضها فلا أمر إلّا بالإتمام، لا بالاستئناف، لأنّه بالنسبة إلى السابق طلب الحاصل. و الانقطاع بالبطلان يستلزم مبطليّة البلوغ، و كونه كالحدث، و لا دليل عليه، بل الدليل

بهجة الفقيه، ص: 153

و الأصل علىٰ خلافه. و التعبّدي كالتوصّلي في حصول الغرض المسقط للأمر بالفعل، إلّا أنّه في الأوّل منوط بقصد القربة المفروض حصوله، و عدم اعتبار الوجه و عدم تأثيره في شي ء. و منه يظهر وجوب الإتمام، و أنّه مقتضىٰ إيجاب البقيّة، لا أنّه لمكان تحريم الإبطال حتّى يقال: لا دليل عليه في النافلة.

إذا بقي من الوقت أقلّ من مقدار ركعة كما يظهر الوجه في عدم إناطة

وجوب الإتمام ببقاء وقت الركعة؛ فإنّه إنّما يلزم لاختيار الاستيناف؛ و مع عدم هذا الوقت علىٰ هذا المبنىٰ، فلا يلزم شي ء من الأداء و القضاء، بخلاف ما ذكرنا وجهه؛ فإنّه يرجع إيجاب الصلاة على المتلبّس إلىٰ إيجاب البقيّة؛ فما دام يمكن الإتمام واجباً و لو بفعل جزئه الأخير، وجب و لا يجوز تركه، فإن ترك، فعليه القضاء، فافهم؛ و عليه تجديد نيّة الفرض في ما بقي؛ بخلاف القول بوجوب القطع و الاستيناف؛ فإنّه حينئذٍ لا قطع عليه، بل يحرم القطع إن قيل بعموم الحرمة للنافلة، و إلّا فالإدامة للنافلة مندوبة كالشروع فيها مع القول بشرعيّتها.

و أمّا احتمال البطلان رأساً لمكان المصادفة مع ضيق الوقت المعتقد عدمه في صورة إمكان الاستئناف بناء على وجوبه، فيمكن المناقشة فيه، لمكان أنّ الاختصاص يقتضي عدم صحّة الشريكة مع عدم أداء المختصّ به، لا أيّ واجب أو نفل، إلّا في التكليف بالقطع و الاستئناف لما هو أهمّ من واجب آخر؛ فلو غفل و صلّى واجباً غير الشريكة، أو نفلًا، كما هنا علىٰ هذا القول، اتّجهت الصحّة، لعدم انكشاف الوقوع في غير الوقت. و كذا صلاة المشتبه إذا انكشف الضيق في الأثناء، فعليه قطع النافلة، لا أنّها لا تصحّ مطلقاً و لو من غير الملتفت إلى الضيق.

و أمّا علىٰ وجوب الاستئناف و عدم الاجتزاء بالإتمام أو التمام، فمع سعة الوقت لا مانع من الإتمام نافلةً؛ و مع ضيقة بحيث يدرك تمام الفريضة أو ركعة منها مع القطع لا بدونه، فلا إشكال في رجحان إيجاب الصلاة علىٰ تحريم القطع بناءً علىٰ عمومه للنافلة؛ و على فرض عدم الرجحان، تقع المزاحمة بين رعاية تحريم القطع، و إيجاب

بهجة الفقيه، ص: 154

الصلاة. و

النتيجة التخيير الجاري في المتزاحمين، كانا إيجابيّين، أو تحريميّين، أو علىٰ الاختلاف كما هنا.

ثم، إنّه لا وجه لملاحظة وقت الطهارة في إدراك الركعة المستأنفة بناء على الشرعيّة، و مع تطهّره سابقاً من الحدث الأصغر؛ فإنّ الطهارة المندوبة مجزية للدخول في الواجبات و رافعة للحدث مطلقاً، لا من خصوص المكلّفين. نعم لو قيل بالتمرينيّة، اتّجهت الإعادة و الملاحظة المذكورة. و لعلّه لذا حُكي عن جماعة لزوم ملاحظتها و إن كان متطهّراً من الحدث، كما هو المفروض من البلوغ في أثناء النافلة.

[مسألة] جواز التعويل على الظنّ في دخول الوقت و عدمه

اشارة

مسألة: لا إشكال في جواز العمل بالظنّ عند تعذّر تحصيل العلم بدخول الوقت؛ فإنّه المتيقّن من الروايات المستفيضة «1» المعمول بها.

و أمّا مع إمكان تحصيل العلم، فمقتضىٰ روايات الاعتماد علىٰ أذان المؤذّنين «2» المتأيّدة بالسيرة المستمرّة على الاعتماد عليها، هو الجواز بلا قيد.

لكنّه نسب إلى المشهور عدم الجواز، بل عن «المدارك» أنّه يعني عدم الجواز مع إمكان تحصيل العلم مذهب الأصحاب؛ و أنّه لا نعلم الخلاف فيه؛ و إن ردّه في «الحدائق» بمخالفة ظاهر «المقنعة»، و «النهاية»، و «المبسوط» بحسب إطلاق ما فيها الفتوى المؤيّد بإطلاق النصوص، كرواية «إسماعيل بن رياح» «3» في دخول الوقت في أثناء الصلاة، لدعوىٰ الإجماع.

و حيث إنّ السيرة، على العمل، فلا فرق في الظنّ بين النوعيّ المعتبر، كالبيّنة، و غيره، كأذان العارف الصادق، بل المعتبر مرتبة الظنّ الواقع علىٰ طبقها العمل. و دعوى لزوم تحصيل العلم، أو أنّ الحاصل من أذان العارف، العلم، لا ينبغي المصير إليها.

______________________________

(1) الوسائل 3، أبواب المواقيت، الباب 14 و 59.

(2) الوسائل 4، أبواب الأذان و الإقامة، الباب 3.

(3) الوسائل 3، أبواب المواقيت، الباب 25، ح 1.

بهجة الفقيه، ص: 155

و ما في بعض الروايات كما

رواه «الشيخ» عن علي بن جعفر عليه السلام «1» ممّا يدلّ علىٰ عدم إجزاء غير العلم محمول علىٰ عدم الإجزاء عن الفضل الموافق للاحتياط لا مطلقاً.

و أمّا إيجاب تحصيل العلم مع الإمكان، ففيه من العسر و الحرج في هذا الحكم العامّ به البلوىٰ بحيث يحتاج إليه كلّ يوم مرّات ما لا يخفىٰ على المنصف.

الجمع بين الروايات و بينها و بين الفتاوىٰ و يمكن أن يقال: إنّ الطريق الجامع بين الروايات في أنفسها، و بينها و بين الفتاوىٰ، أنّ الظنّ الاطمئناني هو الداخل في روايات الجواز «2»، و المتيقّن من إطلاقاتها، و هو الموافق للسيرة المستمرّة و تقييدها في ذلك بعدم التمكّن من العلم الوجداني مخالف للسيرة و لا ملزم إليه. و أمّا مطلق الظنّ فمقتضىٰ نقل الإجماع كما ذكره في «الرياض» و «الجواهر» «3»، هو التقييد المذكور.

كما أنّ جواز العمل بالظنّ مع عدم التمكّن من تحصيل العلم و لا ما هو بمنزلته من الظنّ الاطمئناني، هو المستفاد من الروايات «4» المتأيّدة بالسيرة أيضاً علىٰ عدم انتظار المحبوس و الأعمىٰ إلى زمان اليقين و اكتفائهما بالظنون العقلائيّة، و كذا من كان بمنزلته في عدم التمكّن المذكور.

و دخول هذا الصنف في روايات الجواز التي منها روايات الاعتماد علىٰ أذان المؤذنين حتى المخالفين منهم «5»، و منها رواية «أبي الصباح الكناني» «6»، و صحيحة «زرارة»

وقت المغرب إذا غاب القرص. «7»

و صحيحته الأُخرىٰ

أنّه قال لرجل

______________________________

(1) الوسائل 3، أبواب المواقيت، الباب 58، ح 4.

(2) تقدّم آنفاً.

(3) جواهر الكلام، 7، ص 265.

(4) الوسائل 3، أبواب المواقيت، الباب 14 و أبواب الأذان و الإقامة، الباب 3.

(5) الوسائل 4، أبواب الأذان و الإقامة، الباب 3.

(6) الوسائل 7، أبواب ما يمسك عنه

الصائم و وقت الإمساك، الباب 51، ح 3.

(7) الوسائل 7، أبواب ما يمسك عنه الصائم و وقت الإمساك، الباب 51، ح 1 و 2.

بهجة الفقيه، ص: 156

ظنّ أنّ الشمس قد غابت، فأفطر ثمّ أبصر الشمس. «1»

، و موثّقة «ابن بكير» في صلاة الظهر في يوم غيم.» «2»، و الصحيح عن «أبي عبد اللّٰه الفرّاء» «3» عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام في ارتفاع أصوات الطيور و تجاوبها، و المرسل «للحسين بن مختار» «4» في صياح الديك ثلاثة أصوات ولاءً.

و يمكن الاستفادة أيضاً من رواية «سماعة» «5» في الاجتهاد للقبلة، لأنّ عدم القرينة على التخصيص بالاستقبال هو الأظهر منها. و ذكر القبلة لا يقتضي التخصيص، بل لأنّه يفيد المعرفة بالوقت أيضاً. و مقتضى الجهة المذكورة في السؤال، الحاجة في كلّ من الشرطين إلى ما يعمل به، و إن كان يمكن الاستدلال بالقبلة على الوقت في الجملة. و فيها التصريح بالغيم و نحوه من موجبات عدم التمكّن من العلم في أوّل الوقت. و في الجواب تجويز العمل بالظنّ، و عدم إيجاب الصبر إلى اليقين، و هو الموافق للمشهور أيضاً، و إن حُكي الخلاف عن، «ابن الجنيد».

و بالجملة: فالأظهر من الروايات الواقع علىٰ طبقها الفتاوىٰ، الاكتفاء بمطلق الظنّ في صورة عدم إمكان تحصيل العلم و ما بمنزلته، و عدم الاكتفاء بغير الاطمئناني منه للتمكّن من تحصيل العلم أو الاطمئنان. و السيرة موافقة للتجويز إثباتاً و نفياً في الصورتين. و يؤيّد ما مرّ: أنّ التأخير تعريض للفوت لمحدوديّة وقت التمكّن غالباً، و أنّه لو كان واجباً لكان متّضحاً. و عدم التعرّض لإيجابه في الروايات المكتفية بالظنّ مع إمكان الاستعلام بالتأخير مطلقاً، يدلّ علىٰ عدم الوجوب.

______________________________

(1) الوسائل 7، أبواب

ما يمسك عنه الصائم و وقت الإمساك، الباب 51، ح 1 و 2.

(2) الوسائل 3، أبواب المواقيت، الباب 4، ح 16.

(3) الوسائل 3، أبواب المواقيت، الباب 14، الحديث 5.

(4) الوسائل 3، أبواب المواقيت، الباب 14، ح 2.

(5) الوسائل 3، أبواب القبلة، الباب 6، ح 2.

بهجة الفقيه، ص: 157

و يستفاد من التعليل في روايات الأذان «1»، الاكتفاء بأذان الموثوق به أو إخباره بدخول الوقت؛ بل القول بالاكتفاء بإخبار الثقة، هو الموافق للسيرة الغير المردوعة إلّا في مقام الدعاوي و الخصومات، فيعتبر العدالة و التعدّد، إلّا في ما يُكتفىٰ بشاهد و يمين، كما لا يكفي الاثنان في بعض المقامات.

و نفي اعتبار ما عدا البيّنة في رواية «مسعدة» «2» مع إمكان منع الظهور في التعدّد مع العدالة، و أنّ المتيقّن ذلك من إطلاقها بحيث يكون التنزّل كالزيادة، محتاجين إلى الدليل مع عموم الاستبانة فيها لما نحن فيه.

و اعتبار الخبرويّة في الحدسيات، لعدم الوثوق النوعي بدونها فيها، لا لعدم كفاية الواحد الموثوق به، بل يشكل التعدّد و العدالة مع عدم الخبرويّة في الحدسيّات أيضاً.

و لو لا هذه الروايات المتقدّم إليها الإشارة، المشهورة عملًا حتّى عن «التنقيح» الإجماع على اعتبار مطلق الظنّ لغير المتمكّن من العلم، و المعتبر من الظنون، لكان حكم مطلق الظنّ، حكم الشكّ في أنّه مع الظنّ بدخول الوقت، يستصحب عدمه و عدم وجوب الصلاة، كما يستصحب بقاء النهار في الصوم و وجوب الإمساك، و عدم دخول الليل و عدم جواز الإفطار.

و الظاهر أنّ المتمكّن من تحصيل الظن القويّ بغير التأخير، لا يكتفي بالضعيف، لأنّه مقتضىٰ الأمر بالاجتهاد، يعني بذل الجهد؛ فلا يتوقّف عن بذل الجهد إلّا المطمئنّ، أو من قام عنده أمارة معتبرة شرعاً، كالبيّنة،

و لو قيل بكفاية أذان الثقة و إخباره.

انكشاف فساد الظنّ أو القطع

ثمّ، إنّه إن انكشف فساد الظنّ و وقوع تمام الصلاة قبل الوقت، أعاد إجماعاً، و منصوصاً في صحيحة «لا تعاد.» «3» و ما في عبارة «الشرائع» من قوله: «فإن انكشف له فساد

______________________________

(1) الوسائل 4، أبواب الأذان و الإقامة، الباب 3.

(2) الوسائل 12، أبواب ما يكتسب به، الباب 4، ح 4.

(3) الوسائل 4، أبواب الركوع، الباب 10، ح 5.

بهجة الفقيه، ص: 158

الظنّ قبل دخول الوقت، استأنف» «1» فلعلّ المراد منه «إن انكشف له فساد الظنّ الواقع به تمام العمل» و لا يكون كذلك إلّا إذا كان المنكشف وقوع تمام العمل قبل الوقت، «استأنف»، في قبال قوله: «و إن كان الوقت دخل و هو متلبّس، لم يعد علىٰ الأظهر» «2» و الدليل في الثاني رواية «إسماعيل» «3» المنجبر ضعفها باشتهار العمل بها بين الأصحاب.

و أمّا من دخل عليه الوقت و هو متلبّس بالصلاة، فالمشهور صحّة الصلاة إذا كان الدخول مع الظنّ المسوّغ للدخول؛ و أمّا إذا كان مع القطع، فيمكن التصحيح لشمول رواية «ابن رياح» «4»، و قوله

و أنت ترى

و التعبير بالظنّ في الفتاوىٰ، للتوسعة إلى الظنّ المسوّغ، كما هو الغالب يتعقّب بانكشاف الخلاف لا للتضييق.

مع أنّ المقام ليس من اعتبار الظنّ في متعلّق التكليف حتى يكون الحكم من إجزاء الأمر الظاهري، بل من الظنّ بأصل التكليف المستتبع للظنّ بمتعلّقه؛ فالظنّ المخالف للواقع ليس فيه إلّا العذر في مقام العمل، و هو مشترك بين جميع موارد العذر التي منها القطع، و لا يكون فيها إلّا تقييد صحيحة «لا تعاد» بما في رواية «إسماعيل» و حاصله صحّة الصلاة مع دخول الوقت في الأثناء و تحقّق العذر المسوّغ

للدخول المحقّق للتقرّب بالعمل.

لكن مقتضىٰ ذلك صحّة الصلاة مع نسيان الموضوع أو الحكم، أو الجهل بالموضوع أو الحكم، [أو] الغفلة، لتحقّق التقرّب في الجميع، و وجود العذر، طريق إلى تحقّق التقرّب. و الإثم في صورة الجهل مع التقصير، لا ينافي تحقّق القربة المعتبرة في أفعال كثير من المسامحين في شروط العبادات و موانعها.

و بالجملة: لا بدّ من تنقيح مفاد دليل الصحّة؛ فإنّ الإجزاء على قاعدة الأمر

______________________________

(1) شرائع الإسلام، 1، ص 54.

(2) شرائع الإسلام، 1، ص 54.

(3) الوسائل 3، أبواب المواقيت، الباب 25.

(4) الوسائل 3، أبواب المواقيت، الباب 25.

بهجة الفقيه، ص: 159

الظاهري، لا يناسب مقام عدم الأمر، بل مقام عدم المأمور به إلّا ظاهراً. كما لا محلّ للإجزاء في ما سبق العمل تماماً على الوقت، و ليس دليل الصحّة دالّاً علىٰ توسعة الوقت المعتبر لما صادف بعض العمل؛ فكون البطلان مع عدم التقرّب في ما سبق شرط آخر، لا للوقت، لما مرّ من أنّ وقت تمام العمل شرط الأمر لا المأمور به فقطّ.

إلّا أن يقال بالتعليق في الأمر و أنّ متعلّقه ما وقع في الوقت، و أنّ مفاد دليل الصحّة كفاية الوقوع بعضاً في الوقت؛ فالفرق بين الدخول بعد العمل و في الأثناء بعد الدليل، عدم التوسعة الوقتيّة في الأوّل دون الثاني، مع تحقّق الأمر في الجميع.

و التعليق و إن كان علىٰ خلاف القاعدة، إلّا أنّه لا بأس بالالتزام به في موارد وقوع الدليل بنفسه أو بلوازمه، و منها المقام، فيدور الأمر مدار الاستفادة من دليل المقام.

و يمكن أن يقال: إنّ دليل اعتبار الظنّ على الوجه المجوّز للدخول به في العمل، هو الظنّ بدخول الوقت حال العمل؛ فإن كان، يقتضي الإجزاء، فلا إناطة له

بالدخول في الأثناء؛ فإنّه غير المظنون بالظنّ الذي دخل معه في العمل، فالإجزاء ليس للظنّ السابق على الوقت، بل لأنّ شرط العمل بهذا الدليل الأعمّ من وقت البعض، فيكون البطلان في غير المتيقّن صحّته لمكان سائر الشروط.

و علىٰ هذا، فلا وجه للتحفّظ على الظنّ في قبال القطع مع عسر التفكيك، بل القطع عرفاً ظنّ مع الزيادة، و لا إناطة للمجوّز بالظنّ الحاصل من الأمارات المعتبرة؛ بل قد يكون المعتبر مطلق الظنّ لفاقد الأمارة المعتبرة و عدم تمكّنه منها إلّا بالتأخير فقطّ، مع أولويّة القطع بكونه رؤية من الظنّ، و قوّة احتمال إرادة الأصحاب التوسعة من التعبير بالظنّ دون التضييق، كما مرّ. و حينئذٍ يبقىٰ وجه الصحّة مع النسيان، و الجهل في الموضوع، أو الحكم، حيث إنّ الظنّ و القطع منتفيان في أكثر مواردها. و قد مرّ أنّ الظنّ لا يجدي في مقام الإجزاء، و لا في مقام بدليّة المظنون للواقع هنا، فيقوىٰ احتمال عدم لزوم سوىٰ ما يتحقّق به القربة، المفروض وقوعها في الجميع مع واقعيّة الوقت في بعض العمل. و تحقّق الإثم

بهجة الفقيه، ص: 160

لا ينافي الصحّة، كالتأخير للصلاة عمداً إلى أن يبقىٰ ركعة من الوقت، بل يمكن دعوى صدق الرؤية حيثما تحقّقت القربة، و هذا بخلاف العمل برجاء المطلوبيّة مع مصادفة الوقت للبعض؛ فإنّه لا يدخل إلّا بنيّة الإعادة مع انكشاف الخلاف، و قد يؤثّر في عدم الإعادة مع انكشافه مطلقاً، أو في بعض العمل.

و لو صلّىٰ بالتقليد فتخلّف الإخبار، فذلك من الصلاة بالظنّ، و إن كان من إخبار الثقة و معتبراً، أو من غيره مفيداً للظنّ و كان معتبراً عند عدم التمكّن من العلم و الحجّة الأُخرىٰ.

فالتخلّف في الأثناء لا

يبطل كما عن «الذكرى»، بخلاف ما بعد الفراغ. و في المعارضة بأخبار غيره بعدم الدخول، يمكن ترجيح الأوّل إذا كان مدرك الثاني الاستصحاب، و إلّا فبالترجيح بالقوة بناء علىٰ حجيّة الأخبار بالعدم أيضاً، كما يفهم من التعليل بشدّة المواظبة، و بأنّهم أُمناء «1».

و الأظهر جريان الحكم باعتبار الظنّ، بل بصحّة العمل في المتخلّف في الأثناء في النافلة، للأولويّة ممّا في النصوص «2» أو يتبادر منها من الفريضة؛ مع أنّ التسهيل في النافلة أقرب بحسب المعهود من الشرع، و اعتبار الشروط فيها أخفّ.

و كما أنّ الإخبار و الأذان يقطع بهما استصحاب عدم الدخول، يقطع بهما استصحاب بقاء الوقت، فلا يستصحب إلّا مع عدم الظنّ لو كان معتبراً، بخلاف صوره عدم الاعتبار.

و لو دخل بالظنّ فصادف الخروج، لا عدم الدخول، صحّ حيث يصحّ القضاء، لأنّ المفقود نيّة القضاء بدل الأداء، و هو غير ضائر بعد قصد الأمر الفعليّ الذي طبّقه علىٰ الأداء.

______________________________

(1) الوسائل 4، أبواب الأذان و الإقامة، الباب 3.

(2) الوسائل 3، أبواب المواقيت، الباب 25.

بهجة الفقيه، ص: 161

و كذا لو دخل بظنّ الخروج فصادف بقاء الوقت في ركعة أو ما زاد؛ فإنّ المفقود نيّة الأداء، سواء ظهر التخلّف في الفرعين في الأثناء، أو بعد الفراغ، و إن عدل في الأوّل إلى نيّة الواقع.

[مسألة] كراهة النوافل المبتدأة في الأحوال الخمسة و المراد منها

مسألة: يكره النافلة المبتدأة عند الطلوع، و الغروب، و القيام، و بعد صلاتي الصبح، و العصر.

و يدلُّ علىٰ الأوّلين صحيح «ابن مسلم» «1» و المرسل الموافق له «2»، و حديث المناهي «3» المرويّ عن «المجالس» فيهما و في الثالث، و كذا ما روى «الصدوق» «4» عن النبيّ صلى الله عليه و آله و سلم في خصوص الطلوع، و ما عن «العلل» عن

الرضا عليه السلام في الطلوع «5»، و ما روي عن «المجازات النبويّة» في الطلوع و الغروب «6».

و في خبر «الحلبي» «7» التعبير عن المورد بما بعد الفجر إلى الطلوع، و ما بعد العصر إلى الغروب مع التعليل بالنبوي، ليس موافقاً للمعلَّل، إلّا أن يحمل علىٰ ما يقرب الطلوع و الغروب نظراً إلىٰ أنّ العلّة تضيّق إذا لم يحمل هذا الاختلاف علىٰ أنّ منشأ ذكر الأصل، التقيّة عمّن يحرّمون الصلاة مستدلّين بالنبوي.

و يوافقه في غير التعليل خبر «ابن عمّار» «8» عن الإمام الصّادق عليه السلام، و ما في الجعفي

______________________________

(1) الوسائل 2، أبواب صلاة الجنازة، الباب 20، ح 2.

(2) الوسائل 3، أبواب المواقيت، الباب 38، ح 4 و 6.

(3) الوسائل 3، أبواب المواقيت، الباب 38، ح 4 و 6.

(4) الوسائل، 3، أبواب أعداد الفرائض، الباب 2، الحديث 7.

(5) الوسائل 3، أبواب المواقيت، الباب 38، ح 9.

(6) مستدرك الوسائل، أبواب المواقيت، الباب 30، ح 2.

(7) الوسائل 3، أبواب المواقيت، الباب 38، ح 2.

(8) الوسائل 3، أبواب المواقيت، الباب 38، ح 1.

بهجة الفقيه، ص: 162

عن الإمام الصّادق عليه السلام، لكنّه بعبارة الكراهة من طلوع الشمس إلىٰ الارتفاع، و بعد العصر إلى الغروب.

و عن «المنتهىٰ»: «إنّ الكراهة في الأوّلين مذهب أهل العلم» و في خبر «الحسين بن أسلم» «1» ذكر الثلاثة، أعني الطلوع و الغروب و القيام بعبارة: «ذرت، و كبدت، و غربت» و عن التوقيع «2» ما ربّما يقتضي نفي الكراهة.

و يمكن أن يقال بعد التسامح في الكراهة، فلا حاجة في جميع الأحوال الخمسة إلى الرواية الصحيحة-: إنّ المستفاد ممّا دلّ على الكراهة مع التعليل في بعضها المحمول عليه غيره، و بعد نفي الحرمة و البطلان عندنا

قطعاً، و إلّا لتبيّن و اتّضح، بل يمكن قيام الإجماع علىٰ نفي الحرمة و البطلان، و بعد الحمل علىٰ أقليّة الثواب في الكراهة في العبادة أنّ رجحانها بمعنى غلبة مصلحة فعلها علىٰ تركها، و مرجوحيّتها بمعنى غلبة مصلحة البدل الزمانيّ علىٰ مصلحته، فلا داعويّة لهذه الأوقات إلى الصلاة، بل الامتياز و الداعوية لغيرها، و لا صارفية لها عن الصلاة، لكفاية رجحان الفعل على الترك.

________________________________________

گيلانى، فومنى، محمد تقى بهجت، بهجة الفقيه، در يك جلد، انتشارات شفق، قم - ايران، اول، 1424 ه ق

بهجة الفقيه؛ ص: 162

كما أنّ الصلاة بداعي المشابهة لعُبّاد الشمس محرّمة، و بداعي إرغام أنف الشيطان الآمِر بالصلاة لغير اللّٰه، راجحة علىٰ الإطلاق.

و النذر المتعلّق بالصلاة في هذه الأوقات، يكفي فيه راجحيّة الفعل على الترك فيها، و النذر المطلق يوفىٰ بالفعل فيها، لعدم لزوم الامتياز عن الإبدال في الرجحان.

فإنّ الأمر في التوقيع الشريف هو المناسب للترخيص في العبادات المكروهة، و ربّما يكون الأمر بالإرغام كاشفاً عن ارتفاع الكراهة بالقصد المذكور حتى إذا تعلّق بالخصوصيّة، بخلاف صورة عدم هذا القصد، فإنّ اللازم للعباديّة عدم الفرق القصدي

______________________________

(1) الوسائل 3، أبواب المواقيت، الباب 39، ح 8 و 3.

(2) الوسائل 3، أبواب المواقيت، الباب 39، ح 8 و 3.

بهجة الفقيه، ص: 163

بين الأبدال. و قصد الخصوصيّة لا يخلو عن قصد المشابهة مع العابدين للشمس بأمر الشيطان، بخلاف ما إذا قصد الإرغام بالخصوصية؛ فإنّه يمكن إزالته للكراهة أيضاً.

و أمّا نفي التحريم فهو و إن وقع الاختلاف فيه، إلّا أن المحكيّ عن «كشف الرموز» الاتفاق علىٰ نفي التحريم. و يمكن ترجيح هذا النقل بأنّ الحرمة لو كانت، لبانت مع عموم البلوىٰ، فتدبّر.

و يمكن أن يقال في تقريب

الجمع و لو بحسب النتيجة: أنّ روايات المنع عن الصلاة عند الطلوع و الغروب منضمّة إلىٰ ما فيه الثالث، و هو عند قيام الشمس معلّلة بأنّها تطلع و تغرب بين قرني الشيطان، و هذه العلّة أيضاً لا تخلو عن إبهام. و تفسيره في الجملة قوله عليه السلام في المرسل، و فيه قال

نعم، إنّ إبليس لعنه اللّٰه اتّخذ عرشاً بين السماء و الأرض، فإذا طلعت الشمس و سجد في ذلك الوقت الناس، قال إبليس لشياطينه: إنّ بني آدم يصلّون لي «1»

و حيث إنّ كلام إبليس هذا، مبنيّ على الكذب و المبالغة، و اكتفاء بسجود بعض [بني] آدم و مشابهة غير ذلك البعض بهم في وقت الصلاة و السجود، فيعلم من هذا أنّ فتوى الأصحاب بالكراهة، لما في الصلاة في هذه الأوقات التي هي أوقات العبادة عند عبّاد الشمس من المشابهة الصوريّة بهؤلاء الكفّار، و لذا وقع التعبير بقوله عليه السلام

لا ينبغي

في الرضوي «2».

و من الظاهر أنّ الأوقات الثلاثة، أعني الطلوع و الغروب و الانتصاف، أوقات احترام أولئك الكفّار، فهي المناسبة عندهم لتعبّدها، و المناسبة للكراهة علينا، بمعنى أقليّة الثواب الغير المنافية للترخيص اللازم للرجحان في العبادة، خصوصاً إذا كان بقصد إرغام أنف الشيطان فيمن ينوي للعبادة، و في جهة القبلة اللازمة للصلاة؛ فيمكن نفي الأقلّية بهذا القصد للثواب، كما يستفاد من التوقيع الشريف، و إلّا فالتقدّم

______________________________

(1) الوسائل 3، أبواب المواقيت، الباب 38، ح 4 و 9.

(2) الوسائل 3، أبواب المواقيت، الباب 38، ح 4 و 9.

بهجة الفقيه، ص: 164

علىٰ هذه الأوقات أو التأخّر أكثر ثواباً من مقارنتها في الصلاة؛ و أمّا الصلاة بعد الفجر، و العصر، و بعد الطلوع إلى الزوال، فكراهتها

بملاك آخر، لا بهذا الملاك، كما هو ظاهر.

و ممّا قدّمناه، ظهر أنّ الصلاة ليست ممّا يُصرف عن مطلوبيّتها بأيّ عموم أو إطلاق، و كيف و هي غاية العبوديّة في الأعمال الظاهرة و القلبيّة الباطنة؟

[مسألة] استثناء نافلة الجمعة و ذوات الأسباب عن الكراهة

مسألة: و عليه، فنوافل يوم الجمعة ما كان منها في الانتصاف، و ما كان قبل ذلك ممّا بعد الفجر، و ما كان بعد الطلوع إلى الانتصاف، بل الصلاة الواردة فيها و في الأيّام الشريفة من ذوات الأسباب و الأولى من الرواتب، غير داخلة في عموم المنع «1» حتى تحتاج إلى الاستثناء، و كذا صلاة «جعفر» رضوان اللّٰه تعالى عليه التي أفضل أوقاتها صدر النهار.

مع أنّ السيرة مستمرّة علىٰ عدم المبالاة في ذوات الأسباب بخصوصيّات هذه الأوقات، بل مرّ أنّ الكراهة بمعنى أفضليّة البدل، لا رجحان الترك على الفعل. و مجرّد كون المعارضة عموماً من وجه، لا يوجب التوقّف في الترجيح، مع لزوم حمل الأمر علىٰ موارد نادرة يكون الالتزام بها في غاية الصعوبة، المستلزمة لترك هذه المستحبّات الأكيدة.

بل ملاحظة السيرة توجب القطع بالتقديم، و لا حاجة إلىٰ ملاحظة الشهرة الفتوائيّة و نحوها لو لم تكن مستندة إلى السيرة و نحوها؛ بل كثير من هذه واردة في ما بعد الفجر و العصر، فليست النسبة فيهما عموماً من وجه، بل ملاحظة ما قدّمناه في معنى الكراهة هنا، تسهّل الخطب جدّاً؛ فإنّ غاية ما في أدلّة المنع، أنّ التطوّع المبتدأ إذا اتي به في غير هذه الأوقات فهو أفضل من الإتيان فيها، إلّا أن يقصد في الأوقات

______________________________

(1) الوسائل 3، أبواب المواقيت، الباب 38.

بهجة الفقيه، ص: 165

إرغام أنف الشيطان، و هذا القصد أمر اختياري، فالكراهة بهذا المعنى المتقدّم أيضاً، في قوّة العدم، للتعليق

علىٰ عدم أمر اختياري جدّاً.

و يمكن الاستدلال بالمكاتبة «1» في قضاء النافلة بين الطلوعين، و من بعد العصر إلى الغيبوبة، بناء علىٰ أنّ عدم الجواز لغير المقتضي معناه للمتنفّل الغير المقتضي، لأنّ المقتضي، من ذوات الأسباب، لا من ذوات الأوقات المفروض خروجها.

و كذا ما في «العلل» «2» من أنّ صلاة الجنازة، من ذوات العلل و الأحداث، لا من ذوات الأوقات الممتاز فيه بعضها عن بعضها، فيعمّ كلّ ما كانت الإناطة بغير الوقت و إن لم يكن واجباً؛ ففي صلاة الجنازة جهتان لنفي الكراهة: الوجوب، و التعلّل بالحدث دون الوقت؛ بل فيها جهة ثالثة، و هي أنّها ليس فيها الركوع و السجود، كما يظهر ممّا في «العلل» «3».

و يمكن الاستشهاد برواية «العلل» «4» علىٰ ما يشرح به ما في صحيح «ابن عمّار» «5» من ذكر الخمس و أنّها تصلّى علىٰ كلّ حال، و ما في صحيح «زرارة» «6» من الأربع و أنّها تصلّى في الساعات كلّها، و ما في خبر «أبي بصير» «7» في الخمس مع ذكر ما بعد الفجر و العصر في آخره، إن لم يكن مخصوصاً بالآخر، و أنّ المدار في ذلك كلّه علىٰ كون الصلاة من ذوات الأسباب، و إن لم يكن أصل الوجوب منافياً لكراهة بعض الأوقات، أو الأمكنة كالصلاة في الحمّام، كما لا فرق بين كون السبب اختياريّاً كصلاة الطواف و الإحرام و الزيارات، أو لا، كصلاة الكسوف و الجنازة و القضاء في الجملة.

______________________________

(1) الوسائل 3، أبواب المواقيت، الباب 38، ح 3.

(2) الوسائل 2، أبواب صلاة الجنازة، الباب 20، ح 4.

(3) الوسائل 2، أبواب صلاة الجنازة، الباب 21، ح 7.

(4) الوسائل 2، أبواب صلاة الجنازة، الباب 20، ح 4.

(5) الوسائل، ج

3، أبواب المواقيت، الباب 39، الحديث 4 و 1.

(6) الوسائل، ج 3، أبواب المواقيت، الباب 39، الحديث 4 و 1.

(7) الوسائل 3، أبواب المواقيت، الباب 39، الحديث 5.

بهجة الفقيه، ص: 166

ميزان تشخيص ذات السبب و الظاهر أنّ تشخيص ذات السبب من طريق ارتكاز المتشرّعة و السيرة القائمة أولىٰ، حيث لا يعتنون في ما له سبب بخصوصيّات الأوقات الغير المزاحمة للفرائض؛ و عليه، فإدراج الصلاة بعد التطهّر و لو كان التطهّر في بعض هذه الأوقات في ذات السبب كما عن «الشهيد» و غيره أولىٰ، و كذا ما صرّح فيه في الروايات بالتعميم، صدق عليه ذات السبب، أو لا؛ بل لعلّ خروج ما له اسم مخصوص و هيئة خاصّة من الصلاة كصلاة «جعفر» رضوان اللّٰه تعالى عليه و صلوات الأئمّة عليهم السلام، و نحوها ممّا يعلم حالها بملاحظة السيرة علىٰ عدم المبالاة فيها بهذه الأوقات؛ فالمطلوب بما أنّه صلاة، لا بما أنّه صلاة خاصّة بسبب و وضع هو الداخل في المنع الذي قد عرفت رجوعه إلى أولويّة البدل، لا إلىٰ أولويّة الترك.

ثم إنّه لا وجه للمنع عن سوى الشروع في المبتدأة؛ فإنّ المحافظة على أوقات الأثناء أمر غير ميسور لا يحمل عليه الإطلاقات، مع ما في الإقبال علىٰ ما يدخل فيه المصلّي و الإطالة من الحثّ الشديد المعلوم.

كما لا وجه للمنع عن السجود و لو كان لا لسبب، لأنّه ليس صلاة مشتملة على السجود، و هو مورد المنع بعد ملاحظة المستفاد من تعليل «العلل» «1».

[مسألة] استحباب التعجيل في قضاء النوافل و أفضليّة انتظار المماثل

مسألة: ما يفوت من نوافل الليل أو النهار، يستحبّ قضاؤه معجّلًا، و لا يُنتظر بها المماثل من الزمان، و إن كان الانتظار أفضل.

أمّا مشروعيّة التعجيل و عدم التوقيت الشرطي للماثلة، فلما

يدلّ عليه الروايات المستفيضة «2» الوارد بعضها في تفسير الآية الشريفة «3»؛ و لا إشكال في دلالتها علىٰ

______________________________

(1) الوسائل 2، أبواب صلاة الجنازة، الباب 21، ح 7.

(2) الوسائل 3، أبواب المواقيت، الباب 57.

(3) الفرقان، 62.

بهجة الفقيه، ص: 167

مشروعيّة القضاء في غير المماثل، و المشهور العمل بها. و بذلك ينجبر الضعف في بعضها، لولا ملاحظة استفاضتها، و لو لا كفاية الاستناد إلى البلوغ في المستحبّات.

و أمّا أفضليّة انتظار المماثل لو لم تعارض بمرجّح آخر، كالإقبال، أو خوف الفوت، فلما يدلّ عليه صحيح «زرارة» «1»، و خبر «إسماعيل الجعفي» «2»، و خبر «الجعفي»، و «إسماعيل بن عيسىٰ» «3». و ما في خبر «الجعفي» من التصريح بالأفضليّة يشرح به أخبار الأمر بالقضاء في غير المماثل، لدلالته علىٰ شرعيّة المفضول أيضاً، فيحمل ما في بعض المقابل من التسوية، على التسوية في أصل المشروعيّة، دون مرتبة الفضيلة.

و ما دلّ علىٰ الأفضليّة، و إن كان من بعض أخبار الباب و غيره من الصحاح، لا تصريح فيه بالفضل، إلّا أنّه يستفاد منه، بعد معلوميّة المشروعيّة في المماثل، مع احتمال الشرطيّة التي حُكي عن البعض.

مع أنّ معهوديّة مطلوبيّة التعجيل تقتضي الترتيب و تأخير المماثل عمّا سبقه؛ كما يقتضي تقديم المماثل علىٰ ما لحقه من الغد، و هو مورد اجتماع التعجيل و المماثلة؛ كما [أنّ] افتراق التعجيل عن المماثلة، في صلاة النهار المقضية في الليل؛ و افتراق المماثلة عن التعجيل، في الانتظار؛ فلو لا أنّ المماثلة جهة مرجِّحة، لما اقتصر في البيان علىٰ الأمر بالقضاء في المماثل الذي كأنّه نفس الفائت.

مع أنّ جعل رواية «الجعفي» و إن لم تكن صحيحة عندهم شاهدة للجمع لا بأس به، كما هو المعهود في المستحبّات، فإنّ

الأفضليّة أيضاً زيادة الثواب، و هي شي ء من الثواب بَلَغَنا.

مع أنّ غاية المنع عنه جعل الروايتين دالّتين علىٰ استحباب الكلّ، لا ترجيح التعجيل علىٰ الإطلاق.

______________________________

(1) الوسائل 3، أبواب المواقيت، الباب 57، ح 11 و 7.

(2) الوسائل 3، أبواب المواقيت، الباب 57، ح 11 و 7.

(3) الوسائل 3، أبواب المواقيت، الباب 39، ح 18.

بهجة الفقيه، ص: 168

مع أنّ التأخير إلى المماثل، لا يظهر له وجه إلّا رعاية المماثلة و الأقربيّة إلى الفائت، بخلاف التقديم في النهار؛ فإنّه يحتمل فيه عدم خصوصيّة للتعجيل هنا، و أنّه إنّما يؤتىٰ به فيه لمكان عدم الصارف الذي هو النوم؛ فله في النهار الاشتغال بجميع ما يعنيه، و منه القضاء.

[مسألة] استحباب الإتيان بكلّ صلاة في أوّل وقتها، إلّا في بعض المواضع

مسألة: الأفضل في كلّ صلاة أن يؤتىٰ بها في أوّل وقتها، إلّا في مواضع تقع الإشارة إلىٰ بعضها، و ذلك لما ورد من

أنّ فضل الوقت الأوّل على الآخر، كفضل الآخرة على الدنيا «1»

، و

أنّ الأوّل رضوان اللّٰه، و آخره عفو اللّٰه «2».

و من تلك المواضع تأخير العشائين إلى المزدلفة للمُفيض من عرفات. و الظاهر أنّه لأهمّية الوصول في أوّل زمان الإمكان في الليل إلى المشعر، و لو انتهى التأخير إلىٰ ثلث الليل.

و قد مرّ الفضل في تأخير العشاء إلىٰ سقوط الشفق المغربي، بناء على المختار من جواز إيقاعه قبله.

و كذا المتنفّل يؤخّر الظهرين إلىٰ أدائها كما قدّمناه؛ فإنّه مقتضى الترغيب الأكيد في إيقاع النوافل قبل الفريضتين و بعد الزوال.

و المستحاضة الكبرى تؤخّر الظهرين إلى آخر الوقت لتأتي بهما فيه بغسل واحد. و الفضل فيه مختلف، فقد يكون، في التفريق و تعدّد الغسل؛ فالاستثناء من الأفضل، لعلّه لعدم اطّراد الأفضل فيها في أوّل الوقت.

ثمّ إنّهم ذكروا مواضع للاستثناء، أنهاها

في محكيّ «شرح النفليّة» إلىٰ خمسة و عشرين؛ و وجه الفضل في الاستثناء في الجلّ واضح و في بعضها قابل للخدشة.

______________________________

(1) الوسائل 3، أبواب المواقيت، الباب 3، ح 15 و 16.

(2) الوسائل 3، أبواب المواقيت، الباب 3، ح 15 و 16.

بهجة الفقيه، ص: 169

[مسألة] الاشتغال بالعصر قبل الظهر سهواً

مسألة: لو اشتغل بالعصر بظنّ فعل الظهر صحيحاً باعتقاد ذلك أو أمارة معتبرة عليه فانكشف في أثناء العصر أنّه لم يصلّ الظهر، أو لم يكن ظهره صحيحة، عدل بنيّته إلى الظهر إذا لم يفرغ من العصر المشتغل به.

و أمّا صحّتها عصرا مع عدم العدول، فهي مخالفة للإجماع علىٰ شرطيّة الترتيب الموافق لقوله عليه السلام في الرواية

إلّا أنّ هذه قبل هذه «1»

فإنّ اشتراط القبليّة للظهر ملازم لاشتراط البعديّة في العصر. و مقتضى الإطلاق و إن كان عدم الصحّة و لو مع السّهو إلى الفراغ، إلّا أنّ الدليل على الصحّة دلّ علىٰ عدم إطلاق الاشتراط.

و الظاهر بل المتعيّن أنّ اشتراط الترتيب كاشتراط الستر و الاستقبال، لا كاشتراط إباحة المكان منتزع عن مجرّد تنجّز التكليف بتقديم الظهر، و إن كان مع عصيان التكليف السابق قابلًا للصّحة بنحو الترتب، و غير قابل للصحّة مع التوبة من الغصب في الأثناء؛ فلا ينفع العدول في المقام إلّا بالدليل التعبّدي علىٰ كفاية النيّة في غير العمد قبل الفراغ.

و هل يفرّق بين الوقوع في الوقت المختصّ بالظهر، أو في الوقت المشترك؟

مقتضىٰ الإطلاق في دليل العدول «2» عدم الفرق. و يؤيّده أنّ الاختصاص بالظهر مقتضاه عدم صحّة الصلاة فيه عصراً، لا ظهراً صحّ بنيّة العصر المعدول عنها قبل الفراغ؛ فاللّازم تحقّق نيّة العصر بنحو صحيح عند الناوي، لا واقعاً، لعدم لزوم العصريّة و لوازمها واقعاً، فلا يلزم الوقوع

في وقتٍ لو لم يتذكّر في الأثناء صحّت عصراً؛ فالانصراف إلىٰ هذه الصورة بدويّ زائل بالتأمّل.

و مثله ما لو شرع في العصر قبل الوقت، فدخل الوقت في الأثناء، فتذكّر عدم

______________________________

(1) الوسائل 3، أبواب المواقيت، الباب 4.

(2) الوسائل 3، أبواب المواقيت، الباب 63.

بهجة الفقيه، ص: 170

الإتيان بالظهر فعدل إليها؛ فإنّ عدم الوقت مجبور بالدخول قبل الآخر، و عدم نيّة الظهر مجبور بالعدول عملًا بالإطلاق.

و عليه فكما لا يلزم الوقوع كلّاً في المشترك في أصل المسألة، لا يلزم دخول المشترك قبل آخر الصلاة في صحّة الظهر بالعدول.

و لو صلّىٰ بقصد الوظيفة و أخطأ في التطبيق، فالأظهر الصحّة بالعدول في الأثناء، و بانكشاف الخلاف بعد الفراغ مطلقاً.

و لو لم يتذكّر إلّا بعد الفراغ، فإن كان في الوقت المختصّ بطلت، و أعاد العصر بعد الظهر، و إلّا بأن كان كلّه أو بعضه في الوقت المشترك صحّت عصراً، و عليه فعلُ الظهر. و يدلّ عليه حسنة «الحلبي» «1»، و خبر «عبد الرحمٰن» «2». ما دلّ على الخلاف شاذّ معرض عنه.

______________________________

(1) الوسائل 3، أبواب المواقيت، الباب 63، ح 3 و 2.

(2) الوسائل 3، أبواب المواقيت، الباب 63، ح 3 و 2.

بهجة الفقيه، ص: 171

المقدمة الثالثة في القبلة

اشارة

مسألة في القبلة و وجوب الاستقبال في الصلاة و غيرها و في أحكام المستقبل بالكسر و تعيين المستقبَل بالفتح و هو المراد بالقبلة و في أحكام الخلل.

بهجة الفقيه، ص: 173

الفصل الأوّل تبيين القبلة

اشارة

«القبلة»، الكعبة عيناً أو جهةً علىٰ أحد القولين؛ أو الكعبة لمن في المسجد، و المسجد لمن في الحرم، و الحرم لمن خرج عنه.

و قال بكلّ جماعة يعتدّ بهم من الأصحاب، بحيث لا يستراب في الروايات «1» من جهة الصدور، مع اعتمادهم على الطائفتين منها على البدل.

و الظاهر أنّ كون الكعبة قبلة لمن في المسجد متّفق عليه بين الطائفتين؛ كما أنّ الأظهر التزام القائلين بالحرم للخارج بالجهة أيضاً للبعيد بما يخرج عن مساحة الحرم.

دلالة الروايات و يدلّ علىٰ أنّ القبلة الكعبة بلا تفصيلٍ، جميع الروايات المذكور فيها: «كون الكعبة قبلة، و تبديل القبلة الأُولىٰ بها» «2»، و في بعضها مضافاً إلىٰ ذلك ذكر الآية الشريفة «3». و منه يعرف ما نذكره في الجمع بين الطائفتين.

و علىٰ أيّ، فذكر الكعبة فقط في كثير من الروايات، لا يناسب ثبوت البدل له.

______________________________

(1) الوسائل 3، أبواب القبلة، الباب 2 و 3.

(2) الوسائل 3، أبواب القبلة، الباب 2 و 3.

(3) البقرة، 144.

بهجة الفقيه، ص: 174

و البدل العرضي غير محتمل، و إنّما المحتمل المقول به الطولي بحسب مراتب البعد عن الكعبة؛ فروايات التفصيل لها محمل يأتي؛ و روايات الإطلاق لا محمل لها في الأغلب من المواضع البعيدة، مع أنّ في بعضها التصريح بالكعبة مع بعد المكان كالمدينة.

و حمل روايات الكعبة علىٰ كثرتها على إفادة تبديل بيت المقدس بها، لا تعيّنها مطلقاً و بيان اختصاصها أو عمومها، مستلزم لحملها علىٰ الإهمال؛ مع استفادة التبديل من التفصيل أيضاً؛ و مع أنّ أوّل

صلاة صلّاها رسول اللّٰه صلى الله عليه و آله و سلم و المسلمون، إنّما هي في المدينة و أطرافها البعيدة عن الحرم؛ فالمناسب الاقتصار كالآية الشريفة على المسجد أو على الحرم علىٰ تقدير ثبوت التفصيل. و سيأتي ما في الآية من الشرح. و كيف كان، فيدلّ علىٰ أنّ القبلة الكعبة بلا تفصيل، جملة من الروايات المستفيضة:

منها: ما في صحيح «الحلبي» أو حسنه. و فيه

حتّى حوّل إلى الكعبة «1»

، و في رواية «القمي»

حتّى وجّهه اللّٰه إلى الكعبة

و في آخره

و حوّله إلى الكعبة

و فيه ذكر الآية الشريفة في شطر المسجد الحرام، و في آخره

و ركعتين إلى الكعبة

، و مثله ما في رواية «الصدوق» في «الفقيه» في الخصوصيّات المذكورة، في خبر «أبي بصير»

أنّ نبيّكم صرف إلى الكعبة

و فيه

و جعلوا الركعتين الباقيتين إلىٰ الكعبة «2»

، و خبر «معاوية بن عمّار»

متى صرف رسول اللّٰه صلى الله عليه و آله و سلم إلى الكعبة؟ قال: بعد رجوعه من بدر «3»

و في رواية «أبي البختري»

ثمّ صرف إلى الكعبة «4»

، و في «الاحتجاج» عن الإمام العسكري عليه السلام

فلمّا أمرنا أن نعبده بالتوجّه إلى الكعبة، أطعنا؛ ثمّ أمرنا بعبادته بالتوجّه نحوها في سائر البلدان التي تكون بها، فأطعنا «5»

و فيها زيادة الدلالة

______________________________

(1) الوسائل 3، أبواب القبلة، الباب 2، ح 4.

(2) الوسائل 3، أبواب القبلة، الباب 2، ح 2 و 3 و 17.

(3) الوسائل 3، أبواب القبلة، الباب 2، ح 2 و 3 و 17.

(4) الوسائل 3، أبواب القبلة، الباب 2، ح 2 و 3 و 17.

(5) الوسائل 3، أبواب القبلة، الباب 2، ح 14 و 10.

بهجة الفقيه، ص: 175

على الجهة المستفادة من غيرها

بغير الدلالة اللفظيّة. و في رواية «عبد اللّٰه بن سنان»

و بيته الذي جعله قبلة للناس لا يقبل من أحدٍ توجّهاً إلىٰ غيره «1»

، و فيه زيادة شرح لآية القيام «2».

الروايات الدالّة على التفصيل و ذكر التفصيل في رواية «الحجال» «3»، و في رواية «بشر بن جعفر الجعفي» «4»، و في رواية «العلل» عن «أبي غرّة» «5»، و فيها زيادة مكّة بين المسجد و الحرام، و لا إشكال فيه بناء علىٰ ما سيجي ء في الجمع بين الطائفتين من كون الدوائر الصغيرة أمارات و معرفات بالنسبة إلى الدوائر الوسيعة بالإضافة و أهلها، فلا محلّ للرمي بالشذوذ، و كذا رواية التياسر «6».

الجمع بين الروايات و الفتوىٰ و يمكن الجمع بين الروايات «7» بما يجتمع به الأقوال الناشئة عن اختلاف التعابير في الروايات، بالحمل على الطريقيّة و المعرّفيّة في أخبار التفصيل «8»، مع وضوح شدّة الحاجة إلى الطريق و المعرّف في الأغلب البعيد عن الكعبة، فيحمل علىٰ لزوم التوجّه إلى المسجد للخارج عنه مثلًا بما يكون توجّهاً علماً أو ظنّاً أو احتمالًا إلى الكعبة، كما هو شأن الطرق من عدم الاعتبار مع العلم بالخلاف، كالتوجّه إلىٰ بعض زوايا المسجد

______________________________

(1) الوسائل 3، أبواب القبلة، الباب 2، ح 14 و 10.

(2) المائدة، 97.

(3) الوسائل 3، أبواب القبلة، الباب 3، ح 1 و 2 و 4.

(4) الوسائل 3، أبواب القبلة، الباب 3، ح 1 و 2 و 4.

(5) الوسائل 3، أبواب القبلة، الباب 3، ح 1 و 2 و 4.

(6) الوسائل 3، أبواب القبلة، الباب 4.

(7) الوسائل 3، أبواب القبلة، الباب 4، و الباب 2 و 3.

(8) الوسائل 3، أبواب القبلة، الباب 4، و الباب 2 و 3.

بهجة الفقيه، ص:

176

ممّا يعلم بخروج الكعبة عن محاذاة المتوجّه إلى تلك الزاوية؛ مضافاً إلىٰ أنّ جواز التوجّه إلىٰ تلك الزاوية مع العلم بخروج الكعبة ملازم لبدليّة المسجد عن الكعبة، و ذلك مخالف للمرتكزات الشرعيّة، و لا يستفاد من روايات التفصيل قطعاً؛ فالاقتصار علىٰ ذكر الكعبة دالّ علىٰ أنّ موضوع الاستقبال هو الكعبة، و روايات التفصيل تدلّ علىٰ أنّ الطريق للبعيد في الدوائر المتّسعة هو التوجّه الطريقي إلى الدائرة الصغيرة القريبة بالإضافة إلى الكعبة.

و منه يظهر وجه الجمع بين الكلمات، فإنّ اختلاف الفتاوىٰ علىٰ حسب اختلاف الروايات. و الجمع بين الطائفتين بالحمل علىٰ موضوعيّة الكعبة و معرفيّة تلك الدوائر، هو المنساق المتبادر إلىٰ الأفهام منها، مضافاً إلىٰ اقتصار أهل الإسلام علىٰ ذكر الكعبة في بيان القبلة.

و أمّا صحّة صلاة الصفّ المستطيل، بل صحّة صلاة ناحية عظيمة بعلامة واحدة ممّا يقطع بخروج الكعبة و المسجد و الحرم عن بعض أهالي تلك الخطوط الوسيعة، فلمكان ما في الرأس من التدوير الذي بسببه يستقبل بين نصفي الدائرة بخروج خطّ ممّا بين الأُذنين إلى الكعبة. و لا ينافيه عدم جواز هذه التوسعة في العمد؛ فإنّ اختلاف مراتب الاستقبال باختلاف التمكّن من الأقرب و عدمه، لا مانع منه في الاستفادة من الأمر بالاستقبال، فيجوز لغير المتمكّن من الأقرب ما لا يجوز مثله للمتمكّن بحسب دليل واحد.

جمع آخر بين الروايات و يمكن الجمع بأن يقال: لا إطلاق في الطائفتين لصورة المخالفة، بل يحمل إطلاق ما دلّ علىٰ أنّ القبلة الكعبة، على التقيّد بالمتمكّن؛ و أنّ غيره له البدل ما لم يعلم بعدم الوصول إلى المبدَل، و أنّ القبلة الكعبة، أو المسجد بدلًا، أو الحرم بدلًا عن البدل لغير المتمكّن من الأصل و لغير

العالم، بخلاف التنزيل مع الأصل.

كما أنّ إطلاق المفصّل يحمل علىٰ ما إذا لم يعلم بمخالفة البدل مع المبدل الذي هو

بهجة الفقيه، ص: 177

الأصل؛ فلا بدليّة للمسجد عن الكعبة إذا علم بكون التوجّه إلى المسجد مخالفاً للتوجّه إلى الكعبة، و كذا في الحرم الذي هو بدل عن المسجد. و يراعي التمكّن و العدم، و العلم بالموافقة، أو الظنّ، أو الاحتمال مع عدم المرتبة السابقة، كما لا بدليّة للمسجد مع التمكّن من استقبال الكعبة بالمشاهدة، و إلّا صحّت صلاة من في إحدىٰ زوايا المسجد إلىٰ الأُخرىٰ بخطّ مستقيم بلا فصل الكعبة، و هو كما ترى.

و بالجملة، فيمكن الجمع بأحد النحوين المتّحدين بحسب النتيجة بين الطائفتين.

ذكر محامل لبعض الروايات و هناك بعض التعابير في الروايات المخالفة لما قدّمناه:

ففي بعضها: إنه

لا يقبل من أحد توجّها إلىٰ غيره «1»

، و يحمل على البيت أصلًا و طريقاً، أو التوجّه المعلوم أنّه إلىٰ غير البيت.

و في بعضها

أمرنا بعبادته بالتوجّه نحوها (الكعبة) في سائر البلدان «2»

، و فيه إشارة إلى [أنّه] لا بدّ من أن يلتزم به الفريقان، حتّى من قال بالتوجّه إلى الحرم للخارج عنه.

و في بعضها كرواية «المفضّل» المعتبرة علىٰ ما يظهر من «الوجيزة»

أنّ الحرم في يسار الكعبة أوسع منه في يمينها «3»

، (فالتّياسر لذلك مطلوب لئلّا يخرج من القبلة)»، و ظاهرها أنّ من كان موظّفا باستقبال الحرم، يرجّح التياسر على التيامن، لمكان أنّ احتمال التوجّه إلى الحرم الموافق للكعبة أرجح من احتماله في التيامن، لقلّة الأنصاب في اليمين بالإضافة إلى اليسار، و لا دلالة فيها على التوجّه إلى الحرم مخالفاً للتوجّه إلى الكعبة؛ فإذا أحرز الحرم في جهة مع بعده عنه، فالتياسر عن ذلك الخطّ

مطلوب وجوباً أو ندباً، لا أنّ التياسر مطلوب لكونه توجّهاً إلى الحرم في اليسار مخالفاً للتوجّه إلى المسجد و الكعبة.

______________________________

(1) الوسائل 3، أبواب القبلة، الباب 2، ح 10 و 14.

(2) الوسائل 3، أبواب القبلة، الباب 2، ح 10 و 14.

(3) الوسائل 3، أبواب القبلة، الباب 4، ح 1 و 2.

بهجة الفقيه، ص: 178

[و ينبغي التنبيه على أمور]

[الأمر الأول] لزوم الانحناء في الصف المستطيل و عدمه

ثمّ لا يخفىٰ أنّ الدوائر المفروضة حول الكعبة، مختلفة في الصغر و الكبر، و يمكن فرض المسجد من بعضها، و الحرم من بعضها، و ما بينهما، و ما بعد الحرم؛ فإنّه إذا فرض المصلّي في يمين المسجد، و المصلّي الآخر في يساره، و الثالث في ما بينهما من طرف، و الرابع في ما بينهما من طرف آخر؛ فإنّه يشكّل دائرة محيطة بهؤلاء الأربعة؛ فإذا استطال صفّ بين كلّ قوسين منها؛ فإنّه يقع الاتصال بين الأربعة و جميع أفراد الصفّ في المحيط مع الانحناء المحسوس الواقع في كلّ قوس، و هكذا في الدوائر المتّسعة، حتى تصل إلى حدّ من استطالة الصفوف لا يكون الانحناء محسوساً إلّا مع الإحاطة الحسابيّة بين طرفي القوس الوسيع جدّاً؛ ففرض المساواة الحقيقيّة بين مواقف المصلّين في الدائرة العظيمة، مخالف لفرض استقبال الكلّ لمركز الدائرة، أو مستلزم لاغتفار الخروج بسبب استقامة خطّ المصلّين عن الاستقبال للمركز. و ذلك لا إطلاق له علىٰ ما سيجي ء إن شاء اللّٰه تعالى.

و علىٰ ما ذكرناه، فالانحناء للصفّ المستطيل لا بدّ منه، إلّا أنّه لا يظهر في الحسّ في الدائرة الوسيعة جدّاً، إلّا بعد الملاحظة الدقيقة في طرفي القوس مع وقوع الصفّ للمصلّين مع التدقيق في ملاحظة الدرجات في أماكنهم المتباعدة.

كما لا خفاء في صحّة ما قيل و اشتهر من: «أنّ الشي ء إذا

ازداد بعداً، ازدادات سعة محاذاته»؛ فإنّ الدائرة الصغيرة إذا شغلها مأة مثلًا، فالكبيرة يشغلها أكثر منها يقيناً علىٰ اختلاف الدوائر في القرب و البعد لبعضها من البعض، و لا يكون إلّا بمحاذاة الاثنين مثلًا في الكبيرة لواحد مثلًا في الصغيرة؛ و إن كانت الدقّة تقتضي عدم المساواة، بل واحد من الثلاث مثلًا يحاذي يمين الواحد، و واحد منهم يحاذي يساره، و ثالث يحاذي ما بين الكتفين من الواحد الواقع في الدائرة الصغيرة، و هكذا في سائر الدوائر. ثمّ إنّ الاستشكال بصحّة صلاة الصفّ المستطيل، وارد علىٰ كلّ من القول بكون القبلة الكعبة، أو الجهة، أو التفصيل بين من في المسجد و خارجه، و من في الحرم

بهجة الفقيه، ص: 179

و خارجه مع المصير إلى الجهة لغير المشاهدين في كلّ من المسجد و الحرم، للزوم العلم بخروج الكعبة عن محاذاة الصفّ، و كذا جهة الكعبة، للعلم بعدم اتصال الخطّ من المصلّي؛ فلا وجه للجهة الثابتة مع احتمال الاتصال.

و كذا الحال في القول الآخر بناء على المعرّفيّة و الطريقيّة؛ و أمّا بناء على البدليّة، فلا بدّ من فرض استطالة الصفّ بنحو يقطع بأوسعيّته من طول الحرم للخارجين عنه، و من طول المسجد للخارجين عنه.

و كذا الكلام في عدم نفع الجهة مع العلم بعدم الاتصال. و لا سند في تصحيح الصلاة إلّا حجيّة الأمارة الواحدة لناحية عظيمة؛ فإذا صحّت صلاة المتباعدين فرادى، صحّت صلاتهم جماعة.

كما لا ينبغي الإشكال في أوسعيّة صفوف الخارجين عن المسجد في الحرم من نفس المسجد مع عدم مشاهدة المسجد.

لكن يجري الإشكال مع عدم الانحناء، كما يشكل مع عدم الانحناء المطلق في داخل المسجد مع الخروج عن محاذاة الكعبة، و إن كان بعض الصفّ

المستطيل محاذياً لها، بل الظاهر البطلان لغير المحاذي فرادى و جماعة.

و اللازم مع العلم بخروج الكعبة أو بدلها عن المحاذاة، العلم ببطلان صلاة شخص الخارج عن المحاذاة إذا علم تفصيلًا أو إجمالًا؟ ببطلان صلاته، إمّا لأنّ الكعبة أو بدلها، في أحد الجانبين لهذا الصفّ، أو في الآخر، فيعلم من يتّصل بصفّ طويل ببطلان صلاته جماعة، إمّا لعدم استقباله للخروج عن المحاذاة، أو بخروج من يتّصل به من أبعاض الصفّ عن المحاذاة، فتبطل صلاة المتأخّر إمّا لعدم وجدان شرط الصلاة، و هو الاستقبال في صلاته، أو لعدم وجدان شرط الجماعة، لعدم استقبال من هو متّصل به إلىٰ الإمام. و يمكن الدفع بأنّه مع العلم التفصيلي بخروج نفسه عن محاذاة الكعبة أصلًا و بدلًا، يلتزم ببطلان صلاته عالماً عامداً؛ و مع العلم التفصيلي بترك الاستقبال، أو ترك

بهجة الفقيه، ص: 180

الأقرب إلىٰ الإمام، يمكن منع البطلان، لأنّ العلم التفصيلي بترك استقبال أحد الشخصين المستلزم للعلم بفاقديّة صلاته لشرط الصلاة أو لشرط الجماعة، مع كون كلّ من الأقرب و غيره معذوراً مراعياً للوظيفة مصلّياً بمقتضىٰ الأمارة، ممنوع تأثيره في العلم بالبطلان، لكفاية صحّة صلاة المصلّي باعتقاده في ترتيب الغير أثر الصحة علىٰ صلاته.

فيمكن أن يكون ذلك كاختلاف أهل الجماعة الواحدة في تشخيص القبلة بالعلامات المعتبرة لدى كلّ منهم؛ فإنّه تصحّ صلاتهم إلىٰ أن يقطع بالبطلان بالاستدبار من بعضهم عند بعض و نحوه، أعني ما كان إلى المشرقين، و إلّا اكتفي بصحّة الصلاة عند المصلّي في ترتيب مصلٍّ آخر أو شخص آخر أثرَ الصلاة بذلك.

و مثل ذلك صلاة واحدٍ ظُهره في أحد جانبي الناحية الوسيعة و العصر في الجانب [الآخر]، لا كصلاة واحد بالعلامة في أحد الجانبين و

صلاة مكلّف آخر فرادى في الجانب الآخر.

نعم، يخدش به في تشريع العمل بعلامة واحدة لأهل ناحية متّسعة طولًا، و المفروض أنّ كلّاً منهما عامل بالوظيفة الظاهريّة؛ فكون واقع الاستقبال مورداً للتكليف الفعلي المنجّز مع العذر لكلٍّ من العاملين في مخالفته قابل للمنع، و ذلك كعدول المصلّي ظهراً في عصره إلىٰ مجتهد آخر رأى أعلميّته من الأوّل، أو انكشف ذلك فصلّى مستعملًا لمحلّ اختلافهما في الصلاتين، حيث يقطع بمخالفة العصر للوظيفة الواقعيّة، إمّا لمخالفة الثاني للواقع في الفتوىٰ أو الأوّل، و لا يضرّ ذلك بعد عدم التنجيز للواقع في الصلاة الأُولىٰ للحجّة على الخلاف، و في الثانية كذلك، و إن اختلف المستند فيهما. مع أنّ صلاة الصف المستطيل مشمولة للإطلاق، و لا يُصرف بالإطلاق عن أدلّة الشروط. و تجويز ذلك في الأطول من الحرم للخارج عنه قابل للتّأمّل؛ و كذا في الخارج من المسجد بنحو يتجاوز طول المسجد بلا انحناء، فعليهم الانحناء إذا علموا الوقوف في الخطوط المتجاوزة.

مع إمكان الالتزام باتّصال بعض الخطوط إلى الكعبة أو المسجد، الغير المعلوم عدم

بهجة الفقيه، ص: 181

محاذاته في جهة المصلّي للكعبة بسبب ما ذكرنا سابقاً؛ كما نقل عن بعض المتأخّرين من أنّ تدوير رأس المستقبل يجوّز الاستقبال بين المشرقين، أعني نصف الدائرة.

و كذا الحال في المستطيل بلا انحناء في المسجد إذا تجاوز عن الكعبة، فيمكن الالتزام بأنّه لا تصحّ الجماعة إلّا مستديراً.

و أمّا الاكتفاء بصدق الاستقبال للبعيد بلا اتّصال للخطوط و لو احتمالًا، فكما ترى فإنّه يوجب الجمع بين الاستقبال و نقيضه في صلاة واحدة.

[الأمر الثاني] إشارة إلى ما يكتفي به في الاستقبال

و لا ينبغي الإشكال في أنّه لا بدّ من التمكّن من الاستقبال علماً أو ظنّاً أو احتمالًا لكلّ مصلٍّ، و أنّه لا يكون

الاستقبال إلّا باتّصال الخطّ من المصلّي إلى الكعبة أو إلى المسجد و الحرم طريقاً أو بدلًا.

و المتيقّن هو الأوّل؛ و هو الظاهر من الأدلّة، بل من بعض كلمات المفصّلين أيضاً، و من الاعتبار المناسب للبعيد أيضاً. و لا بأس أيضاً بوصول النوبة إلى ما بين المشرق و المغرب، و هو الموافق لما مرّ نقله من صدق الاستقبال باتّصال الخطّ في ما بين نصف الدائرة الموافق لتدوير الرأس.

[الأمر الثالث] المراد من الجهة و ميزان صدق الاستقبال للقريب و البعيد

قال في «الجواهر» في تفسير الجهة، اللازم استقبالها على البعيد، بعد نقله ما في «المعتبر»، و «كشف اللثام» مع ما فيهما من الاختلاف: «و قد يناقش، يعني في ما عن «الكشف»، بأنّه لا مدخليّة للاحتمال و القطع المزبورين في الجهة بالمعنى الذي ذكرناه، ضرورة حصوله مع القطع بخروج نفس الكعبة عن بعض الخطوط، كما في الصفّ المستطيل المتّصل بمحراب النبيّ صلى الله عليه و آله و سلم بناء علىٰ أنّه منصوب على الميزاب؛ فإنّه لا ريب في حصول القطع بعدم كون الكعبة في خطوط مواقف المصلّين يزيد علىٰ مقدار الميزاب إلى الآخر. و من المعلوم ضرورة صحّة صلاة الجميع، و ليس هو إلّا لحصول

بهجة الفقيه، ص: 182

الاستقبال و المحاذاة للبعيد من حيث كونه بعيداً، الّتي قد عرفت عدم توقّف الصدق فيها علىٰ اتصال الخطوط» «1». انتهى.

و لم يذكر قدس سره هنا ميزان صدق الاستقبال بلا اتّصال، و لعلّه إحالة إلىٰ ما قدّمه من سعة المحاذاة للبعيد، لكنّه لا ينافي لزوم الانتهاء إلىٰ الانحناء في قوس الدائرة في قبال الاستطالة المطلقة في ما بين المشرق و المغرب. و قد مرّ وجه تصحيحها بالتدوير المقدّم للرأس.

لكنّه يمكن أن يقال: إنّ المستفاد من قوله عليه السلام

ضع الجدي في

قفاك «2»

هو أوسعيّة أمر استقبال البعيد، لأنّ استدبار الجدي علىٰ حدّ استقبال نجم يقابله، و من المعلوم أنّ اتّصال الخطّ على الموازاة لا يكون إلّا لواحد. و قد أمر أهل الناحية المتّسعة باستدبار هذا النجم المرئي كالنقطة.

فعليه، ينبغي القطع بأنّ المستفاد أنّ البعيد، عليه استقبال الكعبة أو طريقها أو بدلها رؤيةً لا واقعا، يعني أنّه لا بدّ و أن يرىٰ نفسه مستقبلًا، و يراه الناس مستقبلًا و إن علم بعدم اتصال الخطّ، أو عدم كفاية اتّصاله الخاصّ، و هذا شي ء يمكن حصوله لدى أهل ناحية متّسعة. و العلم بعدم اتصال الخطّ إمّا في استقباله أو استقبال الأقرب إلىٰ الإمام في الجماعة، لا يضرّ بعد تحقّق الاستقبال العلميّة بحسب القطع، أو الظنّ، أو الاحتمال في جميع أفراد الصفّ؛ فالشرط و هو الاستقبال رؤيةً محقّق، و إن كان استقبال عين الكعبة بالاتصال غير محتمل للعلم الإجمالي.

هذا في البعيد؛ فالاستقبال الوجداني المذكور مع عدم كونه في الواقع إلى اليمين أو اليسار، تمام وظيفة البعيد تكليفاً و وضعاً.

و لا ينبغي الاستشكال فيه بعد فهمه من جعل الجدي أمارة؛ فإنّه حيث كان بحسب الرؤية كنقطة بيضاء لا يقابله على التدقيق إلّا ما يرىٰ كنقطة، لا ما يرىٰ كجبل

______________________________

(1) جواهر الكلام، 7، ص 334 335.

(2) الوسائل 3، أبواب القبلة، الباب 5، ح 1.

بهجة الفقيه، ص: 183

في سعته؛ كما أنّ الحرم علىٰ سعته يراه البعيد كالنقطة في آخر ما ينتهي إليه رؤيته له، و كذا كلّ جسم كبير يشاهده البعيد صغيراً؛ فهو في قوّة التصريح بأنّ استقبال نجم يقابل الجدي يحصل به استقبال الحرم بما أنّه استقبال الكعبة طريقاً أو بدلًا، فلا بدّ من فرض الحرم للبعيد كنجم يقابل الجدي

في استقبال النجم و استدبار الجدي، و يكون استقباله محصّلًا للواجب من استقبال الكعبة أو الحرم، و يمكن أن يتأيّد ما مرّ، بما في المساجد القديمة من الاختلاف الفاحش في ما بينها، و في ما بين كلّ منها مع الاعتبارات الهيئيّة.

و أمّا القريب فلا بدّ من الاستقبال باتصال الخطّ، بل معظم الخطوط الخارجة عن موقف المصلّي إلىٰ عين الكعبة، أو المسجد، أو الحرم، طريقاً أو بدلًا علىٰ ما مرّ؛ و لازمه لزوم الانحناء طلباً لاستقبال عين ما يلزم استقباله باتصال الخطوط.

[الأمر الرابع] عدم لزوم المداقّة في القبلة و كفاية الظن

و هذا الذي قدّمناه من جهة البعيد و شرحها، المفهوم من جعل الأمارة، مع مساعدة الاعتبار لجعل العلامة؛ و إن حصل الاختلاف في المواضع و في موضع المقابلة من ظهر المصلّي بحسب ما ذكره علماء الهيئة، إلا أنّه لا يلزم على الناس تعلّمها و تطبيق العمل عليها، بعد صعوبتها علىٰ أهل الخبرة بها فضلًا عن غيرهم، و بعد العلم بجريان أمر استقبال المصلّين في جميع القرى بلا حاجة إلىٰ هذه العلامات المبيّنة في عصر الإمام المسئول عنه، و لا طريق إلّا استفتاء الناس بحسب حاجتهم و ابتلائهم العمومي؛ لما مرّ من تواصل آحاد المصلّين في المواضع المتقاربة، و تكرّر العبور من الطرق المختلفة في الجهات المختلفة بحيث لا يرتابون في الاستقبال بالوجه الذي ذكرناه. و في إطلاق النصّ «1» في العلامة، شهادة علىٰ عدم لزوم المداقّة بأزيد ممّا يحصل من الظنّ بالأسباب الميسورة.

______________________________

(1) الوسائل 3، أبواب القبلة، الباب 5.

بهجة الفقيه، ص: 184

و ممّا ذكرناه يظهر أنّ بطلان صلاة الصفّ المستطيل للمشاهد دون غيره، لانحلال الاستقبال الوجداني في المشاهد دون البعيد؛ و لا يلزم الانحناء و لو خرج عن حدّ الحرم؛ كما لا يلزم

الاختلاف تكليفاً و وضعاً في توجّه الشخصين فرادى في طرفي الناحية العظيمة؛ و أنّ استعمال القواعد الرصديّة ممّا يتغيّر به الاستقبال الوجداني؛ و أنّ هذا التغيير و الاستعمال غير لازمين على العموم؛ و إلّا اختلّت أمورهم إذا صرفوا الأوقات في القبلة بأزيد من صرف الوقت في نفس الصلاة و الطهور، و هو مخالف لسهولة الشريعة، بخلاف الحدّ الذي فيه السهولة النوعيّة و الشخصيّة. و في عدم التفصيل في النصّ المعتبر «1» دلالة عليه، مع إرشاده إلى الواضحات لديهم من غير هذه الطرق لعموم البلوىٰ، و الجري علىٰ ما سبق منهم بلا نكير من الأئمة عليهم السلام قد مرّ وجه معلوميّته لديهم.

و يظهر من «الجواهر» في نقله عن «شارح الإرشاد» حيث قال: «قلت: قد يحمل المحاذاة على الحسيّة، بل ذلك هو المتعارف علىٰ لسان أهل الشرع علىٰ نحو ما اشتهر بينهم من أهل العراق مثلًا، و إن طالت صفوفهم و استوت مواقفهم، يجعلون الجدي بحذاء المنكب علىٰ نحو واحد. و من المعلوم امتناع ذلك بحسب نفس الأمر لاختلاف أشخاصهم فيه، و إنّما يمكن تحقّقه بحسب الحسّ؛ فعلى هذا ليس البعد مخلّاً بظنّ المحاذاة، بل كلّما ازداد، اتّسع السمت الذي تظنّ هي فيه» «2» موافقت [- ه] له و لما قدّمناه.

و أمّا ما يلزم المشاهِد من حدّ الاستقبال، فالظاهر أنّ لزوم استقبال مجموع الكعبة بالمقاطرة و نحوها، من الأغلاط؛ و أنّ اللازم استقبال أيّ جزء منها، إلّا أنّ اللازم استقبال المصلّي، فلا بدّ من صدقه. و لا ينبغي إنكار الصدق مع استقبال معظم أبعاض البدن، بحيث لا يكون الخارج من حدّ الكعبة إلّا قليل من البدن، و لأجله قيل بعدم كفاية أماله البدن أو بعض المقاديم عن

القبلة في التخلّي في نفي الحرمة.

______________________________

(1) الوسائل 3، أبواب القبلة، الباب 5.

(2) جواهر الكلام، 7، ص 339.

بهجة الفقيه، ص: 185

و إنّما الإشكال في الاستقبال بخصوص نصف البدن؛ فإنّه يصدق كلّ من الاستقبال و العدم. و الظاهر كفاية الاستقبال بالوجه، المستلزم لكونه؟ الخارج خصوص أحد طرفي الوجه، إلّا أنّه من الاستقبال بمعظم البدن؛ فيبقىٰ الاستقبال بنصف الوجه و ما يتصل به مورداً للإشكال، فضلًا عن الأقلّ من ذلك؛ بل الأقلّ بما أنّه خروج عن صدق استقبال المصلّي، لأنّ المعظم على الفرض، خارج عن الإشكال، و إنّما مورد الإشكال خصوص الاستقبال بنصف البدن؛ فإنّ عدم الصدق للاستقبال و إن كان لا أثر له في الجملة، إلّا أنّه حيث لا يكون مانعاً عن صدق استقبال المصلّي المنصرف إلى غير الفرض، فالاحتياط لا يترك في ذلك.

[الأمر الخامس] القبلة أعمّ من البناء و الفضاء

ثمّ إنّه لا خفاء في أنّ القبلة أعمّ من البناء و الفضاء؛ فلو زالت البنية بظُلم أو غيره، كفىٰ استقبال الفضاء؛ كما لو صلّىٰ مَن في جبل «أبي قبيس»، فقبلته ما يحاذيه من الفضاء الخاصّ المتّصل من تحته ببناء الكعبة. و مثله المصلّي في سرداب في «مكّة» أسفل من بناء الكعبة، فقبلته ما يحاذيه من الأرض المتّصل فوقها ببناء الكعبة.

و يمكن فهم ذلك من الإطلاقات من جهة أنّ استقبال كلٍّ في مكانه عالياً كان على الكعبة أو سافلًا عنها هو المطلوب منه، لا تغيير المكان حتى يساويها في موقفه؛ فلو كان ذلك واجباً، لزم بيانه.

و قد وقع بيان الخلاف في العالي الذي يساوي السافل في عدم المساواة مع البناء، و لا يمكن أن يكون وظيفته خارجة من العين، و الجهة التي لا تتصوّر إلّا باستقبال الفضاء الذي هو المقدور للمنخفض مكانه عن

بناء الكعبة، الكثير الوقوع في بعض الأمكنة في نفس «مكّة» و في أطرافها القريبة و البعيدة؛ فإنّ العين و الجهة مشتركتان في لزوم المساواة بين الموقف و البناء و عدم لزومه.

و إنّما الاختلاف في أوسعيّة حدّ استقبال البعيد بحسب الجانبين، و بحسب ما قدّمناه من الاستقبال الحسيّ الذي لا بدّ فيه من التحفّظ فيه أيضاً على العلم و مراتب الظنّ،

بهجة الفقيه، ص: 186

فلا يتنزّل إلى الضعيف مع التمكّن من القوي بلا حرج بالنسبة إلى الحرم طريقاً أو بدلًا بالنسبة إلى القريب. و أمّا العالي و السافل، ففيهما إشكال آخر مندفع بكون الفضاء قبلة.

[الأمر السادس] جواز الفريضة في جوف الكعبة

ثمّ إنّه يدلّ علىٰ جواز الفريضة في الكعبة اختياراً كما عن المشهور، موثّقة «يونس بن يعقوب»

قال: قلت لأبي عبد اللّٰه عليه السلام: حضرت الصلاة المكتوبة و أنا في الكعبة أ فأصلّي فيها؟ قال: صلّ «1».

و بها يحمل ما في صحيح «محمّد بن مسلم»

لا تصل المكتوبة في الكعبة «2»

علىٰ الكراهة. و أمّا صحيح «معاوية بن عمّار» «3» فدلالتها على المنع ضعيفة، لما فيها من الاستدلال بترك رسول اللّٰه صلى الله عليه و آله و سلم الصلاة فيها إلّا مرّة نافلة.

و عن «الشيخ» رواية ما مرّ عن «محمّد بن مسلم» بعبارة

لا تصلح الصلاة المكتوبة جوف الكعبة «4»

، و في الموضع الآخر مثل ذلك بزيادة

و أمّا إذا خاف فوت الصلاة، فلا بأس أن يصلّيها في جوف الكعبة.

و يحتمل قريباً وحدة أصل روايات «محمّد بن مسلم»، إذ يبعد تعدّد الواقع و اختلاف العبائر، مع نقل المخالف للرواة عن «محمّد بن مسلم» بلا إشكال إلى التعبير الآخر في الواقعة الأُخرى.

و علىٰ أيّ، فإن كان الأصل واحداً و نهياً، يحمل على الكراهة كما

مرّ، و احتماله لغير

______________________________

(1) الوسائل 3، أبواب القبلة، الباب 17، ح 6 و 1.

(2) الوسائل 3، أبواب القبلة، الباب 17، ح 6 و 1.

(3) الوسائل 3، أبواب القبلة، الباب 17، ح 3.

(4) الوسائل 3، أبواب القبلة، الباب 17، ح 4 و 2.

بهجة الفقيه، ص: 187

النهي كالعبارة الأُخرى الظاهرة في الكراهة حيث لا يثبت معه المنع، فلا يحتاج إلى الجمع المذكور؛ فإن يثبت المنع، جُمع بما مرّ. و الحمل علىٰ الاضطرار و الجمع بالحمل عليه على التفصيل بعيد جدّاً، كما لا يخفىٰ.

ثمّ إنّ صدق الاستدبار على المصلّي في الكعبة، لا يضرّ بعد صدق الاستقبال أيضاً:

و زيادة الاحترام في الصلاة إليها عن الصلاة فيها و إن صلّىٰ إليها أيضاً، لا توجب تكليفاً نفسيّاً أو شرطيّاً.

و أمّا استقبال أيّ جدرانها شاء، فهو بمعنى عدم الاختصاص، أو في قبال توهّم لزوم كونها بين الأُسطوانتين كما فعله صلى الله عليه و آله و سلم، أو في قبال الصلاة إلىٰ أربع جوانب كما أرسله في «الكافي» «1» إذا حمل على الزوايا؛ و إلّا فيبعد إرادة التكرار، و يلغو الحمل علىٰ غير ذلك، إلّا ما قدّمنا من الزوايا، لمكان أنّها صلاة إلىٰ جهتين، أعني طرفي الزاوية، فتحمل على الندب.

[الأمر السابع] الاستقبال علىٰ سطح الكعبة

ثمّ إنّ المصلّي على السطح كالمصلّي في الجوف، يبرز بين يديه شيئاً من البناء أو الفضاء لو لم يكن بناء ليستقبله، فيكون الداخل كالخارج في هذه الجهة.

و أمّا الرواية في الاستلقاء على السطح للتوجّه إلى البيت المعمور «2» فمع شذوذها، و مخالفتها للإطلاقات الغير القابلة للحمل علىٰ ما فيها، و مخالفها للمشهور، أو المجمع عليه يمكن حملها لو ثبتت على التخيير، و إن كان الأحوط ردّ عملها إلىٰ أهلها.

[و هنا مسائل]

[المسألة الأولى] عودَة إلى حكم الصلاة في الصفّ المستطيل

مسألة: تبيّن ممّا مرّ أنّه لو استطال صفّ المأمومين في المسجد حتّى خرج بعضهم عن سمت الكعبة، بطلت صلاة ذلك البعض، و كذا في الصفّ الطويل الخارج عن سمت

______________________________

(1) الوسائل 3، أبواب القبلة، الباب 17، ح 2.

(2) الوسائل 3، أبواب القبلة، الباب 19، ح 2.

بهجة الفقيه، ص: 188

المسجد في خارج المسجد، و في الخارج عن محاذاة الحرم في خارج الحرم. و إنّما يختلف ذلك بحسب اختلاف الأخبار في بدليّة المسجد و الحرم و طريقيّتهما؛ فعلى البدليّة تصحّ الصلاة بمحاذاة المسجد سمتاً و إن خرجت عن سمت الكعبة، و كذا في الحرم الخارج عن سمت المسجد إذا حاذى الحرم فقطّ؛ بخلاف القول بالطريقيّة إلى الكعبة في كلّ من المسجد و الحرم، كما مرّ.

و القول بالبدليّة، مستنده روايات التياسر؛ و تعليله «بأنّ الحرم في يسار الكعبة أوسع منه في يمينها بالضِّعْف، لمكان إشراق نور الحجر الأسود» «1» و هذا علىٰ خلاف ما دلّ علىٰ أنّ القبلة الكعبة، و لا يقبل التوجّه إلىٰ غيرها «2». و حملها علىٰ من في خصوص المسجد الحرام كما ترى.

تدقيق في روايات التياسر و يمكن المناقشة الثبوتيّة في ما يستفاد من الرواية الدالّة على التياسر، و تعليله بما مرّ، بأنّ من كان

بعيداً عن الحرم بحدّ يميّز يمين الكعبة عن يسارها، فالميل عن الحدّ المسامت للكعبة إلى اليسار له في غاية البعد استحباباً، فضلًا عن اللزوم المستفاد من بعض كتب الفتوىٰ.

إلّا أنّ يقال بأنّه إذا تشخّص الحرم في مسافة وسيعة في قبال المصلّي بحيث له أن يصلّي في جميع هذه المسافة مستقبلًا لبعضها؛ فإنّه يختار يسار هذه المسافة بالنسبة إلى المستقبل لها علىٰ يمينها.

و فيه أنّ المميّز لكون الحرم في هذه المسافة على هذه الرواية، يميّز الكعبة في جهة كون الحرم بالنسبة إليها ثلثاه في طرف اليسار و ثلثها في طرف اليمين، فيكون المميّز للكعبة مطلوباً منه العدول عن مسامتة نفس الكعبة إلى مسامتة يسار الكعبة.

______________________________

(1) أصل الرواية موجود في الوسائل 3، أبواب القبلة، الباب 4، ح 2.

(2) الوسائل 3، أبواب القبلة، الباب 2، ح 10.

بهجة الفقيه، ص: 189

و فيه ما مرّ من الاستبعاد فإنّه مضافاً إلىٰ ما فيه من البدليّة، مشتمل على أولويّة البدل، ندباً أو لزوماً عن الأصل، و إن كان البعد بحدّ لا يميّز اليمين للكعبة عن اليسار، بل يكون الحرم كلّاً عنده علىٰ مساحة نجم؛ فإنّه بمجرّد الميل يخرج عن الحرم كلّاً، كان في طرف اليمين أو اليسار؛ و لذا يكون الاستقبال الحسّي بعيد هكذا باستدبار الجدي مثلا، و استقبال ما يقابله بقدره في الفرض.

[المسألة الثانية] قبلة أهل العراق و من سامتهم
اشارة

مسألة: أهل العراق يجعلون الجدي خلف المنكب الأيمن و يدلّ عليه مرسلة «الصدوق»

إنّي أكون في السفر و لا أهتدي إلى القبلة باللّيل، فقال: أ تعرف الكوكب الذي يقال له جدي؟ قلت: نعم، قال: اجعله علىٰ يمينك، و إذا كنت في طريق الحجّ، فاجعله بين كتفيك «1»

، و خبر «محمّد بن مسلم» عن أحدهما عليهما السلام

سألته

عن القبلة، قال: ضع الجدي في قفاك و صلّ «2»

مع موافقة الاعتبار لهذه العلامة و نحوها ممّا ذكره الأصحاب في كتبهم.

و حيث إنّ هذه الروايات عمل بها الأصحاب، و عبّروا عمّا فيها بما يطابق قواعد الهيئة، فلا ينبغي التشكيك فيها سنداً أو دلالة؛ فإنّ من يجعل الجدي بين الكتفين هو العراقي، و نحوه الموافق له في طول البلد؛ فيكون في محلّ سكناه من العراقي الذي يختلف مع سائر البلد بهذا الحدّ، كالأطراف الغربيّة للعراق، فيوافق خبر «محمّد بن مسلم الكوفي» حيث جعل قبلته بين الكتفين للجدي.

و ما قد يقال: إنّه مقتضى التدقيق من جعله خلف الأذن اليمنى، فلعلّه تفاوت يسير مغتفر؛ و كذا قوله في خبر «إسماعيل بن زياد» في الجدي

لأنّه نجم لا يزول، و عليه

______________________________

(1) الفقيه، 1، ص 280/ 860، و الوسائل، 3، أبواب القبلة، الباب 5، ح 2.

(2) الوسائل 3، أبواب القبلة، الباب 5، ح 1.

بهجة الفقيه، ص: 190

بناء القبلة «1»

يعني يكون المستقبل أينما كان متّصلًا بخطّ خاصّ إلى الجدي في طرف من دائرة موقفه.

و كذا قوله في الخبر الآخر، في الجدي

و عليه تبنى القبلة «2»

بالمعنى المذكور.

و منه يظهر: أنّ قوله عليه السلام في صحيح «زرارة» في جواب قوله: أين حدّ القبلة؟

ما بين المشرق و المغرب قبلة «3»

بمعنى جواز الصلاة إلىٰ ما بين المشرق و المغرب لمن كان قبلته الحسيّة بينهما اختياراً، لمن لم يتمكّن من تعيين الأضيق من هذا الحدّ في ما بينهما بالأمارات؛ و إلّا تعيّن التعيين بمقتضىٰ أدلّة لزوم استقبال العين للبعيد المتمكّن، كان عين الكعبة، أو عين الحرم أي سمتها، و لا وجه لتخصيصه بالصلاة الواقعة باعتقاد تشخيص القبلة مع انكشاف الخلاف.

[و هنا أمور]
[الأمر الأول] مراتب الاستقبال

و بالجملة، فمن تمكّن

من استعلام سمت الكعبة أو الحرم بنحو ينتهي إلى الاستقبال الحسّي برعاية قواعد الهيئة، و تحصيل مقدار الانحراف إلىٰ المغرب أو إلى المشرق بواسطة فهم طول البلد و عرضه مَقيسَيْن إلىٰ طول «مكّة» و عرضها بلا عسر شخصي، فعليه العمل بذلك، لما دلّ علىٰ لزوم الاستقبال إلى الكعبة، و أنّه لا يقبل التوجّه إلىٰ غيرها، و أنّ الحرم قبلة البعيد طريقاً أو بدلًا.

و مثله من عرف محلّ وضع الجدي بعد الاستعلام المتقدّم، و أنّه في بلده بين الكتفين، أو خلف أحد المنكبين.

فمن عرف ذلك بالحساب في تعيين أحد الأقسام الثمانية المتصوّرة في البلدين طولًا و عرضاً، أو لم يعرف، إلّا أنّه أخذه من أهل الخبرة بذلك المحاسبين لذلك، كان العمل

______________________________

(1) الوسائل 3، أبواب القبلة، الباب 5، ح 1 و 3 و 4.

(2) الوسائل 3، أبواب القبلة، الباب 5، ح 1 و 3 و 4.

(3) الوسائل 3، أبواب القبلة، الباب 2، ح 9.

بهجة الفقيه، ص: 191

بذلك بدخالة الجدي و استعلام نقطة الشمال به، أو بغير ذلك من الآلات المستحدثة، فتكفي الأدلّة العامّة لتعيّن ذلك مع عدم العسر الشخصي. و كذا استعلام جهة الاستقبال الحسيّ من الأمارات من قبيل المساجد، و قبور المسلمين، و قبر المعصوم عليه السلام مع الاطمئنان بالبناء الأصلي. و كذا معرفة مصلّى العابرين من المسلمين مع رعاية الأقوى ظنا، و عدم التنزّل إلى الأضعف إلّا مع عدم التمكّن.

و من لم يعرف و لم يتمكّن من أزيد ممّا بين المشرق و المغرب، و أنّ سمت القبلة في بعض هذا المجموع بلا رجحان؛ فإنّه يصلّي إلىٰ بعض هذا المجموع المفيد للعلم بالصلاة إلىٰ سمت القبلة الحسيّة، أو ما لا يخرج عن ذلك السمت

إلى حدّ المشرق أو المغرب.

[الأمر الثاني] اختلاف الطول و العرض و تعيين القبلة بهما

و أمّا بحسب مقتضىٰ الاعتبار، فمحلّ الكلام فيه أنّ البلاد الشماليّة إنّما يختلف سمت القبلة فيها باختلاف الانحراف إلى المغرب أو المشرق بقدر اختلاف طول البلد عن طول «مكّة» شرّفها اللّٰه؛ فما كان من البلاد في غرب «مكّة» فانحرافه إلى المشرق، و ما كان في شرق «مكّة» فانحرافه الى المغرب، و ما سامتها في الطول فلا انحراف فيه عن نقطة الجنوب، كما لا ينحرف المسامت لها في البلاد الجنوبيّة، و الانحراف و قدره في البلاد الجنوبيّة علىٰ ما مرّ في الشماليّة. و ستعلم قدر اختلاف طول البلد مع طول «مكّة» ممّا سيجي ء إليه الإشارة، و من النقوش «1» الصحيحة المرسومة المبنيّة لنسب البلاد بعضها إلىٰ بعض من حيث الشرق و الغرب و الجنوب و الشمال.

و لا يخفىٰ أنّ الاختلاف الطولي إذا كان قليلًا فإنّه لا يوجب الانحراف، بل الصفّ المستطيل المستقيم تصحّ صلاتهم جماعة؛ فإنّ الانحراف لا يتبيّن في الظاهر إلّا في حال استبانة التقوّس الحسّي في محيط الدائرة. و الظاهر أنّه لا يستبين في أقلّ من ثُمن الدائرة، إلّا أنّ الدائرة الصغيرة ظهورُ التقوُّس فيها أسرع منه في الكبيرة جدّاً؛ فلعلّه

______________________________

(1) يراد منها الخرائط.

بهجة الفقيه، ص: 192

لا ينوط صحّة الصفّ المستطيل مستقيماً في الدوائر الكبار علىٰ عدم اعتبار أزيد من اتّصال خطّ من رأس المصلّي، الذي هو شبه الدائرة كما أفيد.

قال قدس سره في «الروض» «1» بعد تقسيم اختلاف البلاد مع «مكّة» المعظّمة في الطول و العرض إلى ثمانية-: «فإن تساوى الطولان و عرض البلد أكثر، فسمت القبلة نقطة الجنوب؛ و إن كان أقلّ فهو نقطة الشمال؛ و إن تساوى العرضان و طول البلد أكثر، فسمت

______________________________

(1)

روض الجنان في شرح إرشاد الأذهان، الطبعة الحجرية ص 201.

بهجة الفقيه، ص: 193

القبلة نقطة المغرب؛ و إن كان أقلّ فهو نقطة المشرق. و معرفة السمت في هذه الأربعة سهل يتوقّف علىٰ إخراج الجهات الأربع علىٰ وجه الأرض بالدائرة الهنديّة أو غيرها لا غير.

و إن زادت مكّة على البلد طولًا و عرضاً، فسمت قبلة البلد بين نقطتي المشرق و الشمال؛ و إن نقصت فيهما، فهو بين نقطتي الجنوب و المغرب؛ و إن زادت عن البلد طولًا و نقصت عرضاً، فسمت قبلة البلد بين نقطتي الجنوب و المشرق؛ و إن انعكس، فبين نقطتي المغرب و الشمال. و هذه الأربعة تعلم من الجهات أيضاً إجمالًا.»

إلىٰ أن قال بعد ذكر قسمة كلّ قوس من الأربعة التي بين الجهات، بتسعين قسماً، لتصير الدائرة ثلاثمأة و ستّين قسماً، كما هو المفروض في قسمي الطول و العرض-:

«فإن كانت «مكّة» أطول من البلد المطلوب سمت القبلة فيه و عرضها أقلّ من عرضه، بأن يكون البلد غربيّاً شماليّاً من «مكّة» كبلدنا، تعدّ من محيط الدائرة الهنديّة مبتدءاً من نقطة الجنوب بقدر فضل ما بين الطولين إلى المشرق، و من نقطة الشمال مثله إلى المشرق أيضاً، و تصل ما بين النهايتين بخط مستقيم، ثمّ تعدّ من نقطة المشرق إلى الجنوب بقدر ما بين العرضين، و من نقطة المغرب مثله، و تصلّ ما بين النهايتين بخط مستقيم، فيتقاطع الخطّان لا محالة، ثمّ تخرج من مركز الدائرة خطّاً مستقيماً مارّاً بنقطة تقاطعهما و توصله إلىٰ محيط الدائرة؛ فذلك الخطّ سمت قبلة البلد. و القوس التي بين طرف الخط المنتهى إلى المحيط و نقطة الجنوب، هو قدر انحراف سمت القبلة في ذلك البلد عن نقطة الجنوب

نحو المشرق.

و إن كان طول «مكّة» و عرضها أقلّ من طول البلد المطلوب سمت القبلة فيه و عرضه، بأن يكون البلد شرقيّاً شماليّاً من «مكّة» كأكثر «العراق» و جميع «خراسان» و ما والاها، فعُدّ من الدائرة من نقطة الجنوب إلى المغرب بقدر فضل ما بين الطولين، و من نقطة الشمال مثله، و تصل ما بين النهايتين كما مرّ، ثمّ عدّ من نقطة المغرب إلى الجنوب بقدر ما بين العرضين، و من نقطة المشرق مثله، و تصل ما بين النهايتين أيضاً، و أخرِجْ من المركز خطّاً مارّاً بنقطة التقاطع إلى المحيط، فذلك سمت قبلته.

و إن زادت «مكّة» عن البلد طولًا و عرضاً، بأن كان غربيّاً جنوبيّا، فعدّ من نقطتي الجنوب و الشمال إلى المشرق، و من نقطتي المشرق و المغرب إلى الشمال، و تعمل كما مرّ. و إن كانت «مكّة» أعرض من البلد و هو أطول منها، بأن كان شرقياً جنوبيّا، فعدّ من نقطتي المشرق و المغرب إلى الشمال. و لا يخفىٰ عليك باقي العمل إذا تدبّرت ما أسلفناه.

و لنمثّل لقبلة بلدنا مثالًا، ليتّضح لك بالعيان، مرتّباً علىٰ ما قرّرنا من المقدّمات، و نتبعه بما استدركناه في الجهات، فنقول: طول «دمشق» من البحر الغربي 60 درجة، و عرضها ثلاث و ثلاثون و نصف، فهي أعرض من «مكّة»، و «مكّة» أطول منها، فهي إذن غربيّة شماليّة؛ فيكون سمتها خارجاً بين نقطتي الجنوب و المشرق. و طول وسط «العراق» ك «الكوفة»، و «بغداد» 79 درجة محدودة الدقائق، و عرضها 32، فهي إذن شرقيّة شماليّة فسمتها غربي جنوبي. و طول «البصرة» 75، و عرضها قريب من عرض الكوفة، فهي إذن محتاجة إلى زيادة تقريب، و اعتبر باقي البلاد بهذا

التقريب، و اللّٰه الموفّق.

[الأمر الثالث] استحباب التياسر لأهل العراق و ما فيه

و أمّا استحباب التياسر لأهل العراق كما حكىٰ عن المشهور، فقد مرّ وجه الإشكال الثبوتي فيه؛ فإن صح ما حُكي عن العراقيّين من العامّة أنّهم يتيامنون عن قبلة

بهجة الفقيه، ص: 194

المساجد المعروفة كمسجد الكوفة، و أنّ انحرافهم إلى اليمين ليس لوجه صحيح، فالمطلوب التياسر عن جهة تيامنهم، لا عن القبلة في العراق.

نعم، حيث يمكن الاعتذار عندهم بأنّ الحرم في يسار الكعبة ضِعْفَه في يمينها، فهو موافقة للواقع مع التقيّة في الاعتذار. و عدمُ وجوب ذلك مع أنّ اللازم، على ما ذُكر، الوجوب لا الندب لمكان عدم اطّراد الإمكان، فيكون كالصلاة لا متكتّفاً معتذراً بأنّه مالكي؛ لكن ظاهر الفتاوىٰ استحباب التياسر عن القبلة لا عن قبلتهم.

و مثل ذلك ما عن «المجلسي» قدس سره من: «أنّ مساجد العراق القديمة كمسجد الكوفة، و السهلة، و يونس، مبنيّة على التيامن عن القبلة بحسب ما ترشد إليه قواعد الهيئة، و البناء في زمن خلفاء الجور، فأمرنا بالتياسر للاستقبال بتعليل فيه التقيّة عن العلّة الواقعيّة».

و هذا مبني علىٰ تغيير بناء هذه المساجد عمّا كانت عليه في زمان أمير المؤمنين عليه السلام أو أنّه كان يتياسر فيها إلىٰ ما يقارب عشرين درجة، و كلاهما مستبعد جدّاً؛ و إن كان هذا الوجه لو صحّ مفيداً، و لعلّ التفاوت فيها ما يكون بين المنكب و خلف الاذن اليمنىٰ.

و يمكن للعامّة الاستناد في تيامنهم عن القبلة ببناء هذه المساجد علىٰ هذا الوضع مع كونه متّبعاً لديهم.

لكن لازم الوجهين الوجوب مع الإمكان و عدم التقيّة، لا الندب، فالعبرة بما تقتضيه القواعد، و إلّا فسائر الأمارات.

و الطريق الثاني: ما عن نصير الدين الطوسيّ قدس سره في محكيّ «التذكرة» «1». قال: «إنّ

الشمس تكون تارة بسمت رأس مكّة شرّفها اللّٰه تعالى حين كونها في الدرجة الثامنة من الجوزاء، و الدرجة الثالثة و العشرين من السرطان وقت انتصاف النهار. و الفضل بين نصف نهارها و نصف نهار سائر البلدان أن يكون بقدر التفاوت بين

______________________________

(1) جواهر الكلام 7، ص 382.

بهجة الفقيه، ص: 195

الطولين؛ فليؤخذ التفاوت، و يؤخذ لكل خمسة عشر جزءاً منه ساعة، و لكل جزء أربع دقائق؛ فيكون ما اجتمع، ساعاتِ البعد عن نصف النهار. و ليرصد في ذلك اليوم ذلك الوقت قبل نصف النهار إن كانت مكّة شرّفها اللّٰه تعالى شرقيّة، أو بعده إن كانت غربيّة، فسمت الظل حينئذٍ سمت القبلة» انتهىٰ.

و قد يستغنىٰ عن معرفة الطولين بما استحدث من سماع الأذان بمكّة بالآلات المستحدثة بعد معرفة التفاوت بين الانتصاف و الزوال، و الانحراف في ما بينهما إن كان محسوباً و لو في غير اليومين، ثمّ العمل علىٰ طبق ذلك في الأذان الواقع في أحد اليومين؛ فإنّ المستقبل للشمس حين مسامتتها لمكّة شرّفها اللّٰه مستقبل لمكّة أينما كان المصلّي في الشرق أو الغرب لمكّة شرّفها اللّٰه و تكون الشمس حينئذٍ في الجنوب الشمالي و في الشمال الجنوبي. و بعد وضع العلامة في ذلك اليوم في المكان الخاص يعلم قبلة ذلك المكان في كلّ زمان، و في ما وافقه في الطول و العرض.

بهجة الفقيه، ص: 197

الفصل الثاني أحكام الاستقبال

[الأول] جواز الأخذ بالظنّ بالقبلة

ثمّ إنّ العالم بالجهة و إن كان بعيداً، يعمل بعلمه؛ و هل له أن يعمل بالطرق الشرعيّة التي لا تفيد إلّا الظنّ، كالعمل بالجدي مع التوفيق بالاعتبارات الظنيّة الصناعيّة، حيث لا يلزم في العمل بها حصول العلم من الاعتبارات و إعمال القواعد، و إن كان تحصيل العلم ممكناً بلا

حرج، كما في سائر الأمارات الشرعيّة لسائر موضوعات التكاليف؟

الأظهر أنّ له ذلك، و أمّا العمل بالأمارات الشرعيّة الغير المحصّلة للظنّ المعتبر، فالظاهر توقّفه علىٰ عدم إمكان تحصيل الموافقة مع الظنّيات، أو إمكانه مع العسر الشخصي، كجعل الجدي في القفا لمن يحتمل ذلك في ناحية عظيمة من «العراق» و من وافقه، إلىٰ أن يعلم بعدم موافقة قبلته لقبلتهم.

و بالجملة، فغير العالم إذا حصّل الاطمئنان من الأمارات مع الاعتبارات أو من نفس الاعتبارات، فلا إشكال في عمله به؛ كما أنّه مع العسر في ذلك يعمل بالأمارات الشرعيّة مع رعاية الظنون الغير الاطمئنانيّة؛ و مع عدم إمكان ذلك أو حرجيّته، يعمل بمطلق الظن، و لا يتنزّل إلى المرتبة الضعيفة مع التمكّن من القويّة إلّا في العلم، فله العمل بالأمارات الشرعيّة في متيقّن مواردها من الموافقة للاعتبارات و إن كانت ظنّية.

بهجة الفقيه، ص: 198

دلالة الروايات و أمّا حجيّة مطلق الظن لغير العالم و مَن بحكمه، فهو المروي في صحيح «زرارة» «1»، و موثّق «سماعة» «2»، و ما عن «تفسير النعماني» «3» و عليهما العمل.

لا يعارضها مرسلة «خراش» «4» عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام الآمِرة بالصلاة إلى الأربع دون الاجتهاد، لموافقة الروايات المعتبرة «5» للمشهور.

توجيه تقدّم الاحتياط على الاجتهاد في الرواية و يمكن حملها علىٰ ردّ القوم في ما هم عليه من الرجوع إلى الظنّ الحاصل بالاجتهاد، أي بمطلق الاجتهاد حتى ما كان من القياس و الاستحسان في مطلق الأُمور الشرعيّة في أحكامها، و موضوعاتها التي ما نحن فيه منها، و أنّه لِمَ تنكرون أنّ المدار علىٰ الاجتهاد الذي ترجعون إليه أيضاً؟ فأجاب بأنّ اللازم تبعيّة النصّ، و الاجتهاد عند فقد النصوص، و منها العلامات الشرعيّة المنصوصة في

المقام و غير المراجع إلى النصوص لا بدّ له من الاحتياط مطلقاً، و هو في ما نحن فيه بالصلاة إلىٰ الأربع؛ و نحن إنّما نرجع إلى الاجتهاد مع فقد النصّ هنا، و أنتم ترجعون إليها بلا طلب و فحص عن النصّ، و ثبوت المنصوص؛ فمجرّد الاجتهاد بعد الفحص لا يكون موجباً لاشتراكنا معهم في شرعيّة الاجتهاد مطلقاً، فتأمّل تعرف.

و أمّا تقدّم الاجتهاد علىٰ الاحتياط هنا، فهو في ما احتمل تعيّن الأقلّ بُعداً من القبلة في ما يحصل بالاحتياط من التوجّه إلىٰ خطّ الاستقبال، أو ما لا يبعد عنه بأزيد من ثُمن الدائرة تقريباً، بناء علىٰ أنّه لا يجوز مع التمكّن اختيار هذا البعد بهذا

______________________________

(1) الوسائل 3، أبواب القبلة، الباب 6، ح 1 و 2 و 4.

(2) الوسائل 3، أبواب القبلة، الباب 6، ح 1 و 2 و 4.

(3) الوسائل 3، أبواب القبلة، الباب 6، ح 1 و 2 و 4.

(4) الوسائل 3، أبواب القبلة، الباب 8، ح 5.

(5) الوسائل 3، أبواب القبلة، الباب 6.

بهجة الفقيه، ص: 199

الحدّ عن القبلة، التي عيّنها بالاجتهاد، و إنّما يجوز له مقدار عرض أربع أصابع القريبة من الدرجتين و ثلثي درجة كما عن «السيّد الشيرازي» قدس سره، أو أزيد إلىٰ ستّ أصابع، و هي قدر أربع درجات كما عن «المحقّق النائيني» قدس سره في «الوسيلة»، و لعلّه مبنيّ علىٰ تحقّق الاستقبال باتّصال خطّ يقرب من ربع الدائرة، الموافق تقريباً لما بين وسط الجبهة إلىٰ ما يحاذي الاذن، و يكون ذلك بقدر ستّ أصابع أو أزيد.

و يحتمل بعيداً أن لا يراد من الرواية المتقدّمة التسوية في نفي الاجتهاد حيث لا أمارة ظنّية، فيقتصر علىٰ مجرّد الاحتمال بصلاة واحد، فيجاب

بأنّه حينئذٍ يحتاط بالأربع و لا يقتصر مع الاختيار على الواحدة.

فهذا أيضاً فارق بين الشيعة و المخالفين بحيث لا اجتهاد بناء علىٰ مثاليّة قولهم: «أظلمَتْ» «1» و كونه كناية عن عدم الأمارة الظنّية مطلقاً، و توفيقاً بين الفريقين في هذه الصورة، فيجاب بالفرق باختيارنا للاحتياط.

فعلى هذا يتأخّر الاحتياط عن الاجتهاد. و علىٰ الأوّل فالاجتهاد المنصوص حجّيته في المقام يتقدّم علىٰ الاحتياط، و غيره لا يتقدّم عليه.

[الثاني] مرتبة الاجتهاد في تعيين القبلة

ثم إنّ الظاهر أنّه إذا كان أمارة معتبرة شرعاً، فهي كالعلم متقدّمة علىٰ الاجتهاد المحصّل لمطلق الظنّ؛ و إذا لم يكن علم و لا علميّ معتبر إلّا بهذا الدليل الآمر بالتحرّي، فلا بدّ من الاجتهاد.

و حينئذٍ فقول الغير مع العدالة و التعدّد، أو لا معهما في الإخبار عن علم و حسّ، أو لا معهما، إمّا أن يقال بحجيّته في هذا الموضوع من باب الخبرويّة، أو الشهادة الّتي لا يعتبر فيها التعدّد، أو يعتبر؛ فذلك من المتقدّم على الاجتهاد، لأنّه بمنزلة العلم،

______________________________

(1) تقدم قريباً.

بهجة الفقيه، ص: 200

و التحرّي إنّما أمر به من لا يعلم؛ و إن لم يكن حجّة شرعيّة فهو داخل في الاجتهاد. و إن صدق عليه التقليد لعدم العبرة إلّا بالظنّ الحاصل من قول الغير و ممّا حصّله باجتهاده من غير ذلك القول، فلا بدّ من عمله بالأقوىٰ من الظنّين المتخالفين، بل في الحقيقة يكون المظنون هو الأقوىٰ، و غيره يقابل المظنون فيكون مرجوحاً، و إنّما يكون راجحاً مظنوناً لو خلّي و نفسه، لا مع المخالف له.

فالمقابلة بين الاجتهاد و التقليد هنا في غير محلّه، و مقابلتهما في الأحكام الكليّة لا يقاس عليها المقابلة في الموضوعات المعتبر فيها مطلق الظنّ. فليلاحظ ما في كلماتهم هنا من المقابلة

مع الصواب.

ثمّ إنّ الظاهر أنّ قبلة بلد الإسلام أعني قبلة مساجد المسلمين القديمة في بلادهم، كقبورهم في مقابرهم القديمة أمارة علىٰ الأمارة الشرعيّة، لبُعد الاستناد في بنائهم علىٰ غير الأمارات الشرعيّة، مع تكرّر الصلاة من المسلمين في الأعصار كذلك و عدم تغييرهم في الجهة الّتي لا يغتفر الانحراف في حدّها عن القبلة.

فمع ثبوت الأمارة المعتبرة علىٰ الأمارة الشرعيّة، يكون ذلك كاستفادة المصلّي بنفسه تلك الأمارة و الاستعلام بسببها، فلا يسوغ له الاجتهاد في نفس الجهة؛ بل في الانحراف يميناً و شمالًا على الوجه المغتفر تخلّفه يسوغ الاجتهاد، و إن كان لا يلزم للأمارة، و إن كان لو اجتهد فظنّ بالمخالفة كذلك احتمل العمل بالاجتهاد.

و يظهر من إطلاق الأمر بوضع الجدي في القفا «1» و يتقيّد ذلك بموضع وضع الجدي على اليمين، مع وضوح التفاوت في ما بين الحدّين اغتفار التفاوت بين في ما بين الموضعين ممّا يكون الانحراف في ما بين الأمرين و يزداد لو أُريد من قوله عليه السلام

علىٰ يمينك «2»

، محاذي اليمين، لا خلف المنكب الأيمن، كما عبّر به الأصحاب؛ فإنّه إنّما يكون

______________________________

(1) الوسائل 3، أبواب القبلة، الباب 5، ح 1.

(2) الوسائل 3، أبواب القبلة، الباب 5، ح 2.

بهجة الفقيه، ص: 201

علىٰ يمين من قبلته نقطة المغرب كمن في مشرق «مكّة» الاعتدالي.

و بالجملة، فترك التقييد في إحدى الروايتين، و التقييد في الأُخرىٰ للوضع في القفا، يدلّ علىٰ اغتفار التفاوت في ما بين القفا و المنكب، مع أنّه يسع تمام الكتف عدا ما يسمّىٰ بالمنكب.

و يمكن أن يكون هو الوجه في اغتفار مقدار ستّ أصابع المساوي تقريباً لأربع درجات في دائرة يفرض قطرها المصلّي.

كما أنّ قوله

ما بين المشرق و المغرب

«1»

، يراد به ما يكون الانحراف عنه مبطلًا و صلاةً إلىٰ غير القبلة، و هو تمام رُبع الدائرة، بأن يفرض القبلة في الجنوب مثلًا، فالانحراف إلىٰ منتهى الربع من كلّ جانب مبطل، فيكون في الأزيد مبطلًا أيضاً، كما إذا كانت القبلة في منتصف أحد الربعين و كان الانحراف إلىٰ قريبٍ من منتهى الربع الآخر؛ فإذا كان المغتفر ما بين القفا و المنكب، يظهر سعة هذا القدر بحيث تصحّ صلاة الصفّ الطويل المستقيم بلا انحناء إلىٰ ما يبلغ ثُلث الربع أو أزيد.

و يمكن أن يكون ذلك لأجل أنّ أبعاض هذا الصفّ كلّهم يرون أنفسهم مستقبلين حسّا إلى نقطة مفروضة في ما يحاذي الجدي و يقابله.

و يمكن الأخذ بإطلاق قوله عليه السلام «2»

في قفاك

فإنّه مؤخّر العنق، و لا يختصّ بالخطّ الواقع بين الكتفين، فيكون دالّاً علىٰ اغتفار هذا المقدار؛ و كذا قوله عليه السلام

علىٰ يمينك

، بناء علىٰ أنّه الوضع خلف المنكب؛ فإنّ مجمع عظمي العضد و الكتف، لا يختصّ بخط واحد عرفاً، فهو أيضاً شاهد علىٰ اغتفار لازم.

نعم، لا يجب استعلام الأمارة الشرعيّة بالمباشرة، لجريان السيرة على الصلاة في تلك المواضع بلا فحص آخر؛ و إن كان لو استعلم بنفسه و أعمل الأمارات، فمع تبيّن

______________________________

(1) تقدّم قريباً.

(2) تقدّم قريباً.

بهجة الفقيه، ص: 202

الخطأ في أصل الجهة بما لا يغتفر فالظاهر تعيّن ما حصّله لانكشاف خلاف الأمارة علىٰ الأمارة الشرعيّة؛ فإنّه من ذي الإمارة، و لا يسوغ له تحصيل الأمارة علىٰ ما عنده بخلافها.

[الثالث] جواز تعويل الأعمىٰ على الغير

ثمّ، إنّ الأعمىٰ لا ينبغي الاستشكال في أنّه يعوّل علىٰ غيره، لأنّه غير عالم و وظيفته الاجتهاد، و المقدور منه له تحصيل الظنّ بقول الغير، و إن كان لو قدر علىٰ الاطمئنان

لا يتنزّل إلى الظنّ، و لا يتنزّل إلى الضعيف مع التمكّن من تحصيل القويّ في ما لا يغتفر حال العمد، و في ما لا يغتفر إلّا في حال عدم التمكّن من تحصيل الأقرب إلى القبلة.

و يدلّ علىٰ ذلك جريان السيرة عليه، و ثبوت العسر و الحرج في تكليفه، مع مساعدة عموم دليل التحرّي؛ فإنّ الأعمىٰ بحسب النوع، لا يتمكّن من أزيد من التحرّي بمراجعة الغير المختلف في إخباره عن علم، أو استناد إلىٰ الأمارة الشرعيّة، أو إلى اجتهاد المخبر و كذا يدلّ علىٰ ذلك روايات إمامة الأعمىٰ «1» بالدلالة الالتزاميّة؛ فإنّ صلاة الأعمىٰ معتمداً علىٰ توجيه الغير تسديده مفروغ عنه، و المدلول المطابقي في هذه الروايات جواز إمامة الأعمىٰ مع تسديد الغير، و أنّ المأموم لا بدّ له من الاطّلاع على التسديد كي يتطابق استقباله مع استقبال الإمام؛ فلو لم تجز صلاته بتسديد الغير لم تجز إمامته به؛ فإن جازت الإمامة بالتسديد، جازت الصلاة به بالأولويّة، لأنّ الجماعة صلاة فاضلة. و لا فرق في بيان هذا المدلول بين التعبير في خبر «السكوني» «2» من المنع عن إمامته في الصحراء إلّا مع التوجيه، و بين التعبير في صحيح «الحلبي» «3»، و حسن «زرارة» «4»

______________________________

(1) الوسائل 5، أبواب صلاة الجماعة، الباب 21.

(2) الوسائل 5، أبواب صلاة الجماعة، الباب 21.

(3) الوسائل 5، أبواب صلاة الجماعة، الباب 21.

(4) الوسائل 5، أبواب صلاة الجماعة، الباب 21.

بهجة الفقيه، ص: 203

من نفي البأس مع التوجيه و التسديد و هما كالشارح لرواية «السكوني»، و مقتضاها المنع الإرشادي المختلف موارده بحسب المبطل و غيره، في حال العذر، أو مطلقاً.

و ممّا مرّ يظهر أنّ الأعمىٰ لا يفترق عن البصير إذا انحصر وظيفته في الاجتهاد،

لعدم التمكّن من أعلىٰ منه إلّا مع العسر، أو لعدم وجوب التأخير و الفحص و جواز صلاته في الحال بالاجتهاد و تحصيل مطلق الظنّ، فهو مثل الأعمىٰ حينئذٍ في أنّه نوعاً لا يتمكّن من أزيد من الاجتهاد بالسؤال من الغير؛ فتسمية وظيفة الأعمىٰ بالتقليد، و وظيفة غيره بالتحرّي و الاجتهاد، لا تؤثّر في شي ء؛ كما أنّ ورود الدليل في خصوص الأعمىٰ، لا يدلّ علىٰ أنّه غير الموظّف من البصير بالاجتهاد في الوظيفة. و مجرّد التسمية في الكلمات لا يغيّر الوظيفة، إذ ليس لشي ء من الاجتهاد و التقليد حقيقة شرعيّة أو متشرّعية، و إنّما يختلفان في الاصطلاح.

و بالجملة: فكلّ من الأعمىٰ و البصير الذي لا يتمكّن من تحصيل الأمارات إلّا مع العسر و الحرج، و البصير الذي قصّر في تأخير الاستعلام إلىٰ زمان ضيق الوقت عنه، مشتركون في التوظيف بالاجتهاد و التحرّي و الاكتفاء بصلاة واحدة معيّنة عن ضمّ غيرها، علىٰ خلاف يأتي في الاحتياط. و المقصود أنّ الكلّ مشتركون في كون عملهم بغير الاحتياط اجتهاداً و تحصيلًا لمطلق الظن.

و أمّا أنّ معرفة القبلة في مراتبها التي لا يتنزّل عن العالية إلّا بعدم التمكّن، أو بعدم الوجوب كما يقال بالاغتفار في العمد في الانحراف الغير البالغ لأربع أصابع و سعة المنكب، أو ستّ أصابع، أو ما بين أوّل المنكب و وسط الكتفين، حيث تغيّرت الوظيفة في الكتفين و اليمين فيدلّ علىٰ اغتفار ما بينهما. أو ما يقال من صحّة صلاة الصف المستطيل إلى أن ينتهي إلى الانحراف الغير المغتفر؛ مع أنّه لو كان من عرضه إلىٰ الأدلّة أو ليس فيه سيرة معلومة و عدم المحدوديّة لمكان ندرة الفرض و عدم الابتلاء، لا

بهجة الفقيه، ص: 204

يثبت حكماً غير ثابت؛ فإن انتهىٰ إلى ما قدّمناه من كفاية الاستقبال الحسّي للنقطة المقابلة للجدي مثلًا أو لما ترشد إليه قواعد الهيئة أو نحو ذلك، فهو؛ و إلّا فلا بدّ فيه من إقامة الدليل كفائيّاً، أو علىٰ الأعيان، فالأظهر هو الثاني كسائر شروط الصلاة.

و مجرّد اتّحاد القبلة الواقعيّة اللازمة على الكلّ فيكفي تشخيصها من شخص واحد للكلّ، لا يكون دليلًا على الكفائيّة، بل الكلّ مكلّفون بالتحصيل بالعلم، أو الاطمئنان، أو الاستناد إلىٰ الأمارات الشرعيّة، ثمّ الاجتهاد المحصّل للظن؛ و وصول النوبة إلى الرجوع إلى المخبر العالم أو بحكمه، لا يجعل الواجب كفائيّاً، لأنّ لازم الكفائيّة أن تعيّن الغير يكفي لغيره و إن تمكّن من الاستعلام بالمباشرة بنحو أوثق من تعيين الأوّل، مع أنّ خلافه مقطوع في ما احتمل المخالفة الغير المغتفرة، كالمخالفة في أصل الجهة و أنّها تنحرف إلى الغرب أو الشرق مثلًا.

[الرابع] وجوب إرشاد الجاهل، إلى القبلة و عدمه

و أمّا أنّ من حصّلها بوجه من الوجوه بحيث تصحّح صلاة نفسه و من تبعه في تعيينه، هل يجب عليه بناء مسجد، أو تعيين القبلة للبلد بنحو يعمل به في زمانه و بعده لئلّا يقعوا في المخالفة الغير المغتفرة مطلقا، فهو مبنيّ علىٰ وجوب إرشاد الجاهل في الموضوعات، و إن لم تكن المخالفة للواقع من قبل الشخص المعيّن للقبلة، إلّا أنّه مع ترك الإخبار تقع المخالفة كثيراً قطعاً أو ظنّاً؛ أو يفرّق بين الإخبار بالعلم أو الإسناد إلىٰ الأمارات المعتبرة الشرعيّة أو الاطمئنان الحاصل بالقواعد، و بين الظنّ الحاصل بالاجتهاد، فيجب في الأوّل دون الثاني، مع أنّه غير فارق إذا أخبر عن الظنّ لا عن المظنون حتّى لا يقع غيره في الوهم، فيستغني عن الاستعلام بتخيّل الإخبار عن العلم، و لا

إشكال في المحبوبيّة هنا، و في كلّ موضوع لا يوجب وقوع الغير في الحرج، ففيه وجهان جاريان فيمن رأى من ينحرف في صلاته بما لا يغتفر في العمد أنّه يجب عليه إعلامه، أو لا؟

بهجة الفقيه، ص: 205

[الخامس] حكم الجاهل بالقبلة

ثمّ، إنّ مراتب الاستقبال بحسب العلم و غيره، قد مرّ أنّها مترتّبة بحسب العلم، و الاطمئنان، و الأمارات المعتبرة الشرعيّة، و الظن الحاصل بالتحرّي؛ [و] لا تصل النوبة إلى المرتبة الأخيرة إلّا بعد فقد المتقدّمة، أو عدم وجوب تحصيلها للعسر، أو للضيق و نحوه؛ فيبقى الكلام في فاقدها في الظنّ الذي تقدّم تقدّمه علىٰ الاحتياط، لا أنّهما في عرض واحد، أو يتقدّم الاحتياط عليه.

إشارة إلى الروايات المختلفة و الجمع بينها فقد روى تعيّن الاحتياط، و عمل به المشهور مع التمكّن بسعة الوقت و غيره، و ادّعي عليه الإجماع، و هي مذكورة في مرسل «خراش» «1» المتقدّم. و عن «الكافي»، و «الفقيه» «2» التعبير عنه بالرواية. و قد تقدّم وجه المناقشة في الاستدلال بمرسل «خراش»، إلّا أنّ دعوى الإجماع من جماعة، تكفي لحجيّة بعض هذه الروايات في لزوم الاحتياط.

و روى: أنّ المتحيّر يصلّي حيث يشاء، نقل ذلك عن «العمّاني»، و «الصدوق»، و الميل إليه في «المختلف» في «الذكرى»، و يدلّ عليه مرسل «ابن أبي عمير» عن «زرارة» «3»، و صحيح «زرارة» و «محمّد بن مسلم» «4».

و الظاهر أنّ الموضوع في هذه الروايات متّحد، و أنّه المتحيّر المطلق الذي لا يرجّح طرفاً و جهةً، فهذه الروايات للاجتزاء، أظهر في الجواز و التخيير، و الاكتفاء بواحدة من ظهور المتقدّمة في وجوب الاحتياط المؤدّي إلى اليمين بالصلاة إمّا إلىٰ خطّ القبلة، أو ما لا يبعد عنها بأزيد من ثُمن الدائرة.

______________________________

(1) الوسائل

3، أبواب القبلة، الباب 8، ح 5.

(2) الفقيه، 1، ص 278/ 854.

(3) الوسائل 3، أبواب القبلة، الباب 8، ح 3 و 2.

(4) الوسائل 3، أبواب القبلة، الباب 8، ح 3 و 2.

بهجة الفقيه، ص: 206

ما دلّ على أنّ ما بين المشرق و المغرب قبلة و الجمع بين الروايات و أمّا رواية «معاوية بن عمّار» «1» فالظاهر أنّها في المتحيّر الخاصّ في ما بين المشرقين، و أنّ الانحراف إلىٰ ما لا يبلغ النصف غير مبطل للمتحيّر في بعض النصف.

و يحتمل فيه إرادة كفاية الصلاة إلىٰ خطّ المشرق أو المغرب مع التحيّر أيضاً، كما يناسبه الاستدلال بالآية المطلقة «2». و لا ينافيه اختلاف النزول بحسب الرواية؛ فإنّ إحداهما، في النزول في المتحيّر في قبلة المصلّي للفريضة؛ و الأُخرى، في المتعمّد في النافلة إذ لم يكن في جميعها ذكر السفر المشعر بالتحيّر، و لا منافاة بينهما و النزول فيهما و إرادتهما مع بيان القرينة في وقت الإمكان، و لا امتناع في استعمال اللفظ فيهما علىٰ مختارنا، بل علىٰ غيره إذا أُريد في جميع الموارد، و إنّما خرج بالدليل العالمُ و من بمنزلته في خصوص الفريضة.

و يمكن أن يقال بأنّه يستفاد من صحيح «معاوية بن عمّار» علىٰ ما مرّ أنّه مع القطع بأنّ القبلة في نصف الدائرة، فالصلاة إلىٰ بعض هذا النصف كافية؛ فإذا كان ذلك مع القطع الفعلي، فهو كذلك مع القطع التقديري، أي علىٰ تقدير كون القبلة في النصف الآخر. و لازمه كفاية صلاتين للمتحيّر في النصفين في حصول الاحتياط، و لا يحتاج إلى أربع صلوات. لكنّه يدفعه: أنّ المستفاد منه كفاية الواحدة في مجموع أطراف الاحتمال. و حيث إنّ الاحتمال في النصف، فالواحدة تقع في

النصف؛ فإذا كان الاحتمال في التمام، أمكن كفاية الواحدة في التمام و عدم لزوم الاحتياط رأساً، و خصوصاً إذا فهم من الآية النصف الذي هو مشرق مع النصف الذي هو مغرب بالنسبة إلىٰ الأوّل، بتنصيف خطّ نصف النهار للأرض المبتدء من نقطة الجنوب إلىٰ نقطة الشمال، فالصلاة تقع في أحد النصفين بما لهما من الجهتين، و إلّا فهو حكم آخر في مسألة أُخرى غير الصلاة في النصف

______________________________

(1) الوسائل 3، أبواب القبلة، الباب 10، ح 1.

(2) البقرة، 115.

بهجة الفقيه، ص: 207

المقطوع بكون القبلة فيه.

و يمكن أن يقال: إنّ المعارضة بين طائفتين من الروايات، إحداهما المكتفية بصلاة واحدة للمتحيّر، و الأُخرى الآمِرة بالأربع؛ و أمّا ما دلّ علىٰ أنّ ما بين المشرق و المغرب قبلة، فهي في التحيّر المنحصر في ما بينهما، لا التحيّر في تمام الدائرة؛ فإن كان المراد ممّا بين المشرق و المغرب، ما يشمل نفس المشرق و المغرب، فيراد منه نصف الدائرة، و يكون الصلاة الواحدة بعد تشخيص الجهتين، و طرفا المعارضة المتقدّم إنّما هما في صورة الدوران في تمام الدائرة.

و عليه، فمدلول الرواية «1» في العلم بالجهتين أنّ الصلاة في الوسط، بحيث تقع إمّا إلى القبلة أو ما لا يبعد عنها بأكثر من ربع الدائرة، فالصلاة في الخطّ المقابل أيضاً كذلك في صورة الدوران في تمام الدائرة، لكنّه بضميمة أنّ الصلاة إلىٰ الأربع جهات إنّما تجب للقطع بوقوعها إمّا إلى القبلة أو إلى ما لا يزيد علىٰ ثمن الدائرة، و لازمه إيقاع صلاتين في ما علم بأنّ القبلة في النصف الخاصّ من الدائرة، لا الاكتفاء بواحدة؛ فالاكتفاء بواحدة، لازمه عدم إضرار البُعد إلىٰ الأقلّ من ربع الدائرة، أو إلى قدر الربع

أيضاً؛ و لازم لزوم الأربع للمتحيّر المطلق، تحصيل اليقين بوقوع صلاة واحدة لا تبعد عن القبلة بأزيد من ثمن الدائرة في طرفي خطّ الصلاة. و أمّا علىٰ تقدير عدم شمول رواية كون ما بين المشرق و المغرب قبلة «2» لنفس الطرفين، فيلزم أقليّة الانحراف في طرفي الصلاة من ربع الدائرة؛ فلا ينفع في الاحتياط المستفاد من هذه الرواية صلاتان للمتحيّر المطلق، بل يلزم حتّى يتيقّن بوقوع واحدة منها إمّا إلى القبلة أو إلى ما لا يصل في الانحراف إلى قدر ربع الدائرة.

و أمّا المناقشة في الاستدلال، فقد مرّ دفعها و أنّه لا محذور في إرادة العموم مع

______________________________

(1) الوسائل 3، أبواب القبلة، الباب 8.

(2) الوسائل، 3، أبواب القبلة، الباب 10، الحديث 1 و 2.

بهجة الفقيه، ص: 208

خروج العالم في الفريضة بآية تولية الوجه لشطر المسجد الحرام «1»، كما أنّ الرواية متعدّدة، و لا ينحصر في ما فسّر الآية الشريفة، و أنّ ما فيه التفسير مشتمل علىٰ تفسير جملتين، إحداهما قوله تعالى وَ لِلّٰهِ الْمَشْرِقُ وَ الْمَغْرِبُ «2» و هذه هي المفسّرة بأنّ ما بينهما قبلة، أي للعالم بهما. و الثانية قوله تعالى فَأَيْنَمٰا تُوَلُّوا، فَثَمَّ وَجْهُ اللّٰهِ «3»؛ و هذه لا تنافي كفاية الواحدة للمتحيّر المطلق، كما في رواية اخرىٰ

أنّه يصلّي حيث يشاء «4»

، و لا يلزم رجوع التفسير المتقدّم إليهما حتى يقال بعدم مناسبة الاستدلال كما قيل.

و يمكن أن ينزّل قوله تعالى فَأَيْنَمٰا تُوَلُّوا على النافلة و على المتحيّر المطلق في الفريضة، و ينزّل قوله تعالى وَ لِلّٰهِ الْمَشْرِقُ وَ الْمَغْرِبُ على الفريضة للمتحيّر في ما بين المشرقين.

نعم علىٰ ما مرّ، يكون المعارض للمكتفي بصلاة واحدة، طائفتين: إحداهما روايات الأربع، و الأُخرى،

رواية قِبليّة ما بين المشرقين، المستلزمة بالدلالة الالتزامية للاكتفاء باثنتين في المتحيّر المطلق علىٰ أحد الاحتمالين، أو بثلاث صلوات علىٰ الاحتمال الآخر.

فلو لم تكن الشهرة البالغة إلىٰ حدّ ادُّعي عليها الإجماع، لم يكن مناص عن تحكيم المكتفي بواحد، لأنّ ظهوره في الكفاية أقوى من ظهور المعارض له في وجوب التكرار إلىٰ أربع، أو إلى ثلاث، أو إلىٰ الاثنتين، خصوصاً مع أنّ المستفاد من رواية قِبليّة ما بين المشرقين كفاية الاثنين أو الثلاثة للمتحيّر المطلق، بالاستلزام لكفاية الواحدة في المتحيّر في ما بين المشرقين، فيتقدّم عليه ما دلّ علىٰ كفاية الواحدة أيضاً.

و حيث إنّ الصلاة إلىٰ أربع تشتمل علىٰ تعبّد بعدم إضرار البُعد بأقلّ من الثمن، فما

______________________________

(1) البقرة، 144.

(2) البقرة، 115.

(3) البقرة، 115.

(4) الوسائل 3، أبواب القبلة، الباب 8، ح 3.

بهجة الفقيه، ص: 209

دلّ عليه لا ينطبق تماماً على المقدّمة العلميّة، لأنّ اغتفار أزيد من درجتين و ثلث الدرجة القريب من ستّ أصابع، شي ء غير ثابت إلّا بهذا التعبّد؛ فاللازم التكرار بأزيد من الأربع مع الإمكان و عدم العسر، كما أنّ العسر قد يقع في هذا القدر أيضاً.

و أمّا حكاية الإجماع، فبعد الظفر بالمخالف كما حُكي عن «العمّاني» و «الصدوق» و بعض من تأخّر، فلا تحمل علىٰ حقيقته، و إنّما يبقىٰ الإعراض بالشهرة.

و يمكن الحمل علىٰ الاحتياط المستحبّ في الفرض النادر من عدم تميّز المشرق، مع بُعد عدم العسر في هذا الفرض الذي لا يقع نوعاً إلّا في الأسفار؛ بل لا يخلو تعبير «الكافي»، و «الفقيه» في المحكيّ عنهما بالرواية عن إشعار بالترديد، أو أنّه إحدى الروايتين المتعارضتين، و لا يناسب الفتوىٰ إلّا لرواية، لا النسبة إلى الرواية.

تلخيص لما سبق و ترجيح كفاية صلاة

واحدة و بالجملة، فالمعارضة، بين الطوائف الثلاثة أعني ما دل علىٰ كفاية الواحدة، و ما دلّ علىٰ لزوم الأربع، و ما دلّ بالالتزام علىٰ كفاية صلاتين، أو ثلاث صلوات. و الجمع لولا الشهرة، إنّما يكون بالحمل علىٰ مراتب.

و قد مرّ وجه إمكان الاكتفاء بصلاة واحدة في روايةِ قِبليّة ما بين المشرق و المغرب ذاكرة لنزول الآية الشريفة أي بصدر الآية في المتحيّر بين المشرق و المغرب، و بذيلها في المتحيّر في جميع الجهات مع عدم العلم بالمشرق و المغرب.

و أمّا الإجماع المدّعىٰ فقد مرّ ما فيه؛ و أمّا الشهرة المدّعاة فيخرج منها «الكليني» و «الصدوق»، إذ لا مناسبة في «المُفتيٰ به» الذي هو حجّة «بالتعبير بالرواية» كما مرّ، و كذلك «العمّاني» كما حُكي عنه. و مثله ما عن «الشهيد» في «الذكرى»، و «الفاضل» في «المختلف» و غيره، و يؤيّده ارتكاز سهولة الشريعة المقتضية للقصر في متن الصلاة، فكيف يأمر وجوباً بالاحتياط في شروطها للمفروض الذي هو غالب في الأسفار و المفاوز الّتي لا يهتدي فيها للمشرق و المغرب؟

و مرسلة «خراش» قد مرّت الخدشة في دلالتها على المدّعىٰ، مع اختلاف العاملين

بهجة الفقيه، ص: 210

بها بين تقديم الاجتهاد عن الاجتهاد و تأخيره، و إمكان رجوع الجواب إلىٰ أنّا نعمل بالنصّ، أو الاحتياط و إن ورد النصّ هنا بالاجتهاد؛ و هم يعملون بالظنّ الاجتهادي لو لا العلم و لا يحتاطون، و مستندهم ذلك و إن ورد النصّ عندهم بالتحرّي؛ فالاستناد، إلى الظن لا إلى النصّ، لتسوية وجوده و عدمه عندهم هنا.

فالقول بكفاية الواحدة مستنداً إلىٰ مرسل «ابن أبي عمير» و صحيح «زرارة» و «محمد بن مسلم» «1» هو الأقرب؛ و إن كان الاحتياط في ما لا

يعسر من التكرار تحصيلًا للأقلّ انحرافاً عن القبلة الواقعيّة، في محلّه.

تفريعات على اعتبار الأربع و علىٰ تقدير اعتبار الأربع، فالظاهر كفاية العصر في الخطّ الذي صلّىٰ فيه الظهر مرّة و هكذا إلىٰ سائر الجوانب؛ و لا ينبغي الاستشكال فيه بعد عدم اعتبار الجزم بخصوص العمل المقرّب. و إن بقي من الوقت مقدار أربع صلوات، أمكن إعطاؤه لثلاث من الظهر، و الإتيان بواحدة للعصر؛ و ذلك لتقدّم الظهر في الأمر لاشتراط العصر بها، و المفروض أنّ المتمكّن منها بعد الاشتباه ثلاثة، فلا يمكن للعصر غير الواحدة.

و كذا لو لم يتمكّن من الاحتياط للظهر إلّا بإعطاء وقت ركعة للعصر، لأنّ الاحتياط مقتضى التكليف بالمتقدّم.

و لو كان الاحتياط بالجمع بين القصر و الإتمام

______________________________

(1) الوسائل 3، أبواب القبلة، الباب 8، ح 3 و 2.

بهجة الفقيه، ص: 211

بتقدّم احتياط المتقدّم و هو الظهر علىٰ احتياط المتأخّر، فيجمع في الظهر إلىٰ أن يبقىٰ ما يدرك به صلاة واحدة، و لو كانت غير اختياريّة أداءً للعصر.

و لو كان ذلك في سعة الوقت، فليس له فعل العصر إلّا بعد احتياط الظهر بالجمع، أو أنّ كلّ عصر يتأخّر عن الظهر الموافق له في القصر و الإتمام.

و المحتاط بالجمع في الجمعة لا يصلّي العصر الواحدة إلّا بعد الجمع بين الظهر و الجمعة.

و إن ضاق الوقت عن الأربع، صلّى ما يتمكّن منه؛ فلو لم يبق إلّا مقدار صلاة واحدة، اكتفىٰ بها على القول بوجوب الأربع مع التمكّن و السعة.

و لازمه الالتزام بسقوط شرطيّة الاستقبال المتعذّر، كما يلتزم بسقوطه مع الجهل و لو لم يتعذّر الاحتياط، على القول بكفاية الواحدة في السعة، أو كفاية الاثنتين، أو الثلاثة علىٰ اختيار رواية

ما بين المشرق و المغرب

قبلة «1»

بناء علىٰ أنّ مدلولها قِبليّة ما بينهما لمن عرفهما. و لازمه كفاية ما ذكر لمن لم يعرفهما، لاستواء الانحراف عن القبلة قدراً في الصورتين.

و تنزيل ما دلّ على الأربع «2» علىٰ من لم يعرف المشرقين، و ما دلّ علىٰ كفاية الواحدة «3» على العالم بهما يعني في تقدير العلم بهما، المستلزم لكفاية الاثنتين أو الثلاثة عن غير العالم بهما، هو الوجه في ما بين الطائفتين؛ و أمّا ما دلّ علىٰ كفاية الواحدة مطلقاً، يعني في المتحيّر المطلق، فالجمع لا يكون إلّا بالحمل على الندب و نحوه.

و أمّا الالتزام بقضاء ما لا يبقىٰ وقته من احتياط العصر، نظراً إلىٰ مطلوبيّة الصلاة، و الصلاة في الوقت، و تعذّر الثاني لا يسقط الأوّل الذي بقي من احتياطاته مقدار ثلاث صلوات مثلًا، فيرد عليه أنّ المستفاد من دليل الأداء تقيّد الفرض، و من عدم سقوط الصلاة ما يجامع سقوط الشرطيّة، و من دليل القضاء ثبوته مع الفوت الغير المحرز بعد فعل واحدة في الوقت؛ فمتعلّق الأمر الأوّل بشرط شي ء بالنسبة إلى الوقت، و متعلّق الثاني بشرط لا بالنسبة إليه. و استصحاب عدم الإتيان بالفريضة لا يحقق الفوت، لأنّ عدم الإتيان في مجموع الوقت ليس له حالة سابقة متيقّنة في زمان حتّى يكون

______________________________

(1) الوسائل 3، أبواب القبلة، الباب 2، ح 9.

(2) الوسائل 3، أبواب القبلة، الباب 8، ح 1 و 4 و 5.

(3) الوسائل 3، أبواب القبلة، الباب 8، ح 2 و 3.

بهجة الفقيه، ص: 212

كاستصحاب الفوت؛ فالمتّجه عدم ثبوت القضاء بعد واحدة للعصر في الفرض.

و دعوىٰ سقوط الاحتياط الموجب للعلم مع عدم القدرة، فلا دليل علىٰ وجوب الميسور بعد تعذّر الأربع صلوات، فتكفي الواحدة مع القدرة

على الثلاث، مدفوعة بأنّ العلم بوقوع الصلاة إلى القبلة، أو إلى ما لا ينحرف عنها بأزيد من ثمن الدائرة إذا تعذّر بتعذّر الأربع و تمكّن من الظنّ، تعيّن العمل به، و لا يمكن نفيه في الثلاثة بعد إثباته في الأربعة؛ و كذا في كلّ مورد تمكّن من تحصيل الظنّ و لم يتمكّن من تحصيل العلم، عمل بالظنّ، بل هذا أيضاً من التحرّي المأمور به، بعد الإجماع علىٰ كفاية الأربعة و عدم لزوم الزائد.

و قد عرفت أنّ هذا الاحتياط لا يخلو عن تعبّد، فهو كسائر الأمارات المعمولة شرعاً، مشتمل علىٰ اغتفار في الجملة، و إيصالٍ إلى الواقع في الجملة؛ و هذا له مرتبة اليقين و الظنّ؛ فإذا تعذّر الأوّل انتقل إلى الظن. و قد عرفت الانتقال في الظنّ أيضاً إلى الضعيف إذا لم يمكن القوي، إلّا أنّ ذلك في سائر الأمارات من غير ناحية التكرار، و هنا من جهته. و لا فرق بينهما في العمل بالاستقبال المعلوم أو المظنون في الصلاة في وحدتها تارة و تعدّدها اخرى؛ كما أنّ الأمارات إذا أرشدت إلىٰ طريقين إجمالًا؛ فإنّه إذا تمكّن من الصلاة إليهما، يتمكّن من الصلاة إلى القبلة المظنونة بظنّ قوي بالإضافة إلى الصلاة إلىٰ أحدهما خاصّة.

و بالجملة فعبارة «المقنعة» و ما بمثابتها، تحمل على المعلوم من أنّ المتمكّن من الاحتياط المذكور، يعمل بما تمكّن منه؛ و غيره يعمل بما يتمكّن منه علىٰ طبق القاعدة المتقدّمة.

و من هنا تعرف عدم الفرق بين التقصير و عدمه في التأخير إلّا في الإثم، و إلّا فالقضاء موضوعه الفوت، و هو غير محرز مع الإتيان بالواحدة كما مرّ، فتدبّر.

و أمّا مع ظهور الخطأ في ما اقتصر عليه مع التأخير الاختياري أو الغير

بهجة الفقيه، ص: 213

الاختياري، فحيث إنّ إيجاب الواحدة لمكان سقوط شرطيّة الاستقبال، فظهور الخطأ بعد الوقت لا يوجب انكشاف عدم الشرط. و مثله ما لو اقتصر على الواحدة اختياراً بناء علىٰ كفاية الواحدة اختياراً؛ فإنّ مرجعه إلىٰ سقوط الشرطيّة؛ فمع تجويز البدار لا وجه لوجوب الإعادة في الوقت، فضلًا عن انكشاف الخلاف بعد الوقت.

تردّد الظنّ بين جهتين و لو تردّد ظنّه بين جهتين، اقتصر عليهما، و لا يزيد الصلاة إلى غيرهما. و هل يأتي بصلاتين، أو تكفي الواحدة؟ فلو بني علىٰ كفاية الواحدة مع التردّد المطلق، فالظاهر كفاية الواحدة المخيّر فيها بين الطرفين و لو بني على لزوم الأربع في صورة التساوي في الاحتمال لزم التكرار إذا كان التفاوت أكثر من ثمن الدائرة المغتفر في تكرار المتحيّر المطلق؛ بل لو عمل بقبليّة ما بين المشرقين و كفاية الواحدة في ما بينهما، فمع عدم التجاوز في الطرفين عمّا بين المشرقين، فلا وجه للتكرار بمجرّد الزيادة علىٰ ربع الدائرة ما لم يبلغ نصفها؛ فإنّما يحتاج إلى التكرار لو حصر ظنّه في واحد من اليمين و اليسار، فيكرّر مراعياً لعدم وقوع المخالفة بالزيادة علىٰ ما بين المشرقين الحاصلة بالاقتصار على الواحدة.

[السادس] حكم الاستقبال على الراحلة

و لا فرق في وجوب الاستقبال بين الحاضر و المسافر، و هو واضح. و مقتضى العمومات عدم سقوط شي ء من الأجزاء و الشروط بمجرّد الركوب؛ فمع الاختيار لا بدّ من النزول إذا فات شي ء من الأجزاء أو الشروط بسبب الركوب. و أمّا خصوص الاستقرار فسيأتي البحث فيه، فإنّ الركوب مفوّت للاستقرار المطلق.

و ما قدّمناه مستفاد من العمومات، كما أنّ استفادة سقوط المتعذّر من الأجزاء أو الشروط ممّا دلّ علىٰ عدم سقوط الصلاة بحالٍ، و علىٰ عدم

سقوط الميسور بالمعسور، و علىٰ نفي العسر و الحرج، كذلك.

بهجة الفقيه، ص: 214

مع أنّ كلتا القضيتين أعني عدم سقوط الاعتبار في حال الاختيار، كسقوطه مع الضرورة الشديدة منصوصتان، مع الموافقة للإجماع المحكي على القضيّتين.

فمن النصوص قول الإمام الصّادق عليه السلام في صحيح «عبد الرحمن»

لا يصلّي على الدابّة الفريضة إلّا مريض يستقبل به القبلة. و يجزيه فاتحة الكتاب، و يضع بوجهه في الفريضة علىٰ ما أمكنه من شي ء و يومي في النافلة إيماءً «1».

و المستفاد منه بعد إلغاء الخصوصيّة في المريض و تخصيصه بالموجب للعجز أنّ العاجز عن بعض الأجزاء أو الشروط، الذي لا يتمكّن من النزول و الصعود إلّا بمشقّة، يجوز له الصلاة على الراحلة؛ و أنّ المتمكّن لا تجوز له؛ و أنّ الاستقبال حيث لا يحتاج إلى النزول لا يسقط عنه، كما لا يسقط سائر ما يتمكّن منه من الأجزاء و الشروط؛ فهو مشتمل على الحكمين في المستثنى منه و المستثنى.

و أمّا إجزاء فاتحة الكتاب، فلعلّه لمكان التخفيف على المريض و عدم وجوب الإطالة بالإضافة إلى الصحيح، كما أنّه مشتمل علىٰ أنّ التخفيف في النافلة أكثر منه في الفريضة في وضع الجبهة في السجود أو الإيماء. و سيأتي التكلّم فيه إنشاء اللّٰه تعالى.

و كذا موثّق «عبد اللّٰه بن سنان»

قلت لأبي عبد اللّٰه عليه السلام: أ يصلّي الرجل شيئاً من المفروض راكباً؟ فقال: لا، إلّا من ضرورة «2».

و الظاهر عمومه لما إذا لم يفت شي ء ممّا يعتبر في الصلاة إلّا الاستقرار.

و كذا ما في توقيعه عجّل اللّٰه تعالىٰ فرجه-

بعد السؤال عن أنّه هل يجوز أن يصلّي في المحمل، الفريضة؟ فقد فعلنا ذلك أيّاماً، فهل علينا في ذلك إعادة أم لا؟ فأجاب عليه

السلام: لا بأس به عند الضرورة و الشدّة «3»

و كذا ما عن توقيع «أبي الحسن» عليه السلام في مكاتبة

______________________________

(1) الوسائل 3، أبواب القبلة، الباب 14، ح 1.

(2) الوسائل 3، أبواب القبلة، الباب 14، ح 4.

(3) الوسائل 3، أبواب القبلة، الباب 14، ح 1 و 4.

بهجة الفقيه، ص: 215

«عبد اللّٰه بن جعفر» «1» و السؤال عن الصلاة في المحمل في السفر

يجوز ذلك مع الضرورة الشديدة

فلو كان في بعض الخصوصيّات دليل علىٰ خلاف العمومات، تصلح هذه الروايات لمعارضتها، فلا بدّ من ملاحظتها جميعاً.

[السابع] حكم الاستقبال في النافلة المنذورة

و أمّا النافلة المنذورة مطلقاً، أو الإتيان بها على الراحلة، فالأظهر عدم تغيّر حكمها بالنذر؛ و ذلك لضعف دليل المنع و إطلاقه للفرض بالجعل.

و الشاهد عليه الاحتياج نوعاً إلىٰ تعدّد السؤال و الجواب، فيسئل أوّلًا عن الأصليّة، فإن أُجيب بالمنع اختياراً، يسأل عن الفرض بالجعل؛ فمع تردّدها بين الدخول في الفريضة أو النافلة لاحتمال العموم للفرض بالأصل، مع استلزامه اختلاف الإرادة في الفريضة و لو بالجعل فقط، و النافلة أصلًا و فعلًا في ما جمع فيه بين الفريضة و النافلة كرواية «منصور بن حازم» «2»؛ فعلى تقدير التردّد بينه و بين إرادة الفريضة ذاتاً و النافلة ذاتاً، يرجع إلى الخاصّ الوارد في الفريضة الجعليّة و النافلة الأصلية أعني النافلة المنذورة و رخّص فيها في الصلاة في المحمل، و هو ما روى عن «علي بن جعفر» عليه السلام عن أخيه موسى عليه السلام: قال

«سألته عن الرّجل: جعل للّٰه عليه أن يصلّي كذا و كذا، هل يجزيه أن يصلّي ذلك علىٰ دابّتَه و هو مسافر؟ قال: نعم «3».

و الجمع بالحمل على الضرورة، بلا شاهد، بل هو خلاف الظاهر منها. و أضعف منه

الخدشة في السند، مع أنّ رواية «الشيخ» بطريقه إلىٰ «عليّ بن جعفر» صحيح. و لو لا هذه الرواية، فمع فرض الدوران يرجع إلى ما دلّ علىٰ اعتبار الشروط و الأجزاء، و ما دلّ علىٰ اتّحاد النفل و الفرض في الأجزاء و الشروط إلّا في ما دلّ الدليل علىٰ خلافه، و لم يقم إلّا في النافلة الفعليّة.

______________________________

(1) الوسائل 3، أبواب القبلة، الباب 14، ح 1 و 4.

(2) الوسائل 3، أبواب القبلة، الباب 14، ح 10 و 6.

(3) الوسائل 3، أبواب القبلة، الباب 14، ح 10 و 6.

بهجة الفقيه، ص: 216

و دعوى الإجماع على المنع، لا حجيّة فيه بعد احتمال الاستناد إلىٰ هذه الأدلّة المانعة؛ نعم يحسن الاحتياط مع هذه الدعوىٰ عن «التذكرة»، و «الذكرى»، خصوصاً مع عدم معلوميّة حال المسألة في الأدلّة.

[الثامن] حكم الاستقبال في بعض الصلوات

و أمّا صلاة الاحتياط، و صلاة غير البالغ و المعادة، فالأظهر أنّها كالفريضة؛ فإنّها بأجزائها و شروطها الاختياريّة، مستحبّة، أو يحتاط فيها في هذه الموارد، لا أنّ المستحب شي ء جديد غيرها، فأدلّة الشروط و الأجزاء بحالها؛ مع أنّ دليل المنع غير قاصر أيضاً إذا أُريد منه الفريضة أصلًا أو فعلًا، لا العموم بلحاظ الأصليّة الفعليّة، و الفعليّة الغير الأصليّة؛ فيخرج ما لم تكن فعليّة و إن كانت أصليّة، و لا الإطلاق بأن يراد الفعليّة، أصليّة كانت أو غير أصليّة، فإنّ المقام يخرج منه على التقديرين. ثمّ، إنّ الظاهر عموم المنع عن الصلاة على الراحلة في حال عدم السير إذا كان مفوّتاً لشي ء من الأجزاء أو الشروط، و كذا الجواز حال الضرورة من خوف اللصّ أو البرد، أو صعوبة النزول للمرض و نحوها.

و لا فرق بين صلاة الجنازة و الصلاة اليوميّة، لإطلاق ما دلّ

علىٰ لزوم المحافظة وضعاً علىٰ ما يعتبر في الصلاة، مع احتمال شمول الفرض لها و لو قيل بإرادة الفرض الأصليّ.

و في صورة الجواز أو الوجوب، بأن يكون نفس الكون الصلاتي بعد النزول حراماً لكونه تعريضاً للهلاك، لا مقدّمة و هو النزول، و لو قلنا بعدم جواز اجتماع الأمر و النهي في الكون الصلاتي، نظراً إلى عدم مقربيّة المبغوض، و قيل بشموله لصورة التمكّن من الطبيعة للمندوحة، و الركوب مع إمكان التقرّب بامتثال الأمر بالطبيعة، لا خصوص الفرد المحرّم، كانت صحّة صلاة النّازل مشكلة؛ لكنّ المبنىٰ، مخدوش في محلّه.

و كيف كان، فلا بدّ في الصلاة على الراحلة من استقبال القبلة، للزومه مع عدم

بهجة الفقيه، ص: 217

ارتباطه بمشقّة النزول. نعم الغالب عدم التمكّن منه في تمام الصلاة؛ فإن أمكن لزم و لو في بعض الصلاة إذا أمكن البعض خاصّة؛ فإن لم يتمكّن من الاستقبال إلّا في تكبيرة الإحرام، تعيّن و تقدّم علىٰ مثله من سائر الأفعال مع المزاحمة.

[التاسع] لزوم تحرّي الأقرب عند عدم التمكّن من الاستقبال على الراحلة

و إذا لم يتمكّن من الاستقبال، فهل يجب تحرّي الأقرب إليه، أو مطلقاً، أو في خصوص ما بين المشرقين، أو لا يجب؟ وجوه.

يمكن توجيه الثاني بأنّ قوله عليه السلام

ما بين المشرق و المغرب قبلة

خرج منه العالم المتمكّن و بقي غيره، و منه العالم الغير القادر. و الظاهر عدم تماميّة الاستدلال، لأنّه مع التمكّن من القرب لا يتباعد و لو في ما بين المشرقين، و لذا ينحرف في أثناء الصلاة لو علم بالقبلة، فكذا العالم الغير المتمكّن لا يتباعد عمداً إلىٰ أزيد ممّا لا يمكن له القرب، فإذا لزم القرب في ما بين المشرقين مع كونه قبلة كلّه فكيف يجوز له التباعد في المشرقين أو أزيد عمداً

اختياراً؟

إلّا أنّ يقال: ما بين المشرقين قبلة تنزيلًا لمن لا يتمكّن من الاستقبال الحقيقي و رعاية القرب لرعاية الأقرب إلىٰ الاستقبال الحقيقي؛ و أمّا الخارج عن ذلك فلا تنزيل فيه. و لازم جواز الصلاة حينئذٍ سقوط الاستقبال لو لم يجب الاحتياط، كما في المقام.

و يمكن دفعه بأنّ سقوط الاستقبال للتعذّر، يتقدّر بقدر الضرورة، بلا فرق بين ما بين المشرقين و الخارج، و قد فرضنا أنّ الخارج في مقامنا أيضاً تجوز الصلاة إليه، لكنّه لسقوط المتعذّر من الاستقبال لا لسقوط الاستقبال. و يكفي الشك في ذلك في اقتضاء الأدلّة عدم السقوط إلّا بقدر التعذّر، كما دلّ عليه لزوم رعاية ذلك في ما بين المشرقين. و الغرض أنّ المحافظة الممكنة مع كون البعيد قبلة إذا لزمت، فمع عدم كونه قبلة، تلزم بالأولويّة.

بهجة الفقيه، ص: 218

و هذا و إن كان قابلًا للمناقشة، لأنّ الانحراف في الأصل إلى القبلة، بخلاف الفرع، لكنّه قد وقع التعبير في الخارج أيضاً بقوله تعالى فَأَيْنَمٰا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللّٰهِ «1» مع التفسير له بالمتحيّر «2» فافهم. و قد ذكرنا ما فيه حمل الصدر على العالم بالمشرقين، و الذيل على المتحيّر المطلق.

و بالجملة: فالمفهوم من أدلّة الترخيصات في الموارد، عدم سقوط الشرط، بل الاكتفاء في تحقّق الشرط بالقرب منه في الجملة، كما هو كذلك في المتحيّر المطلق بناء علىٰ لزوم الأربع، لا الاكتفاء بواحدة و هذا هو المرتكز في أذهان المتشرّعة؛ و أنّ القرب مطلوب في ما لا يجوز التباعد فيه عمداً؛ فلزوم تحرّي قرب مطلقاً مع أنّه أحوط، هو الأقرب.

[العاشر] حكم الاستقبال في الصلاة ماشياً

ثم إنّ الصلاة ماشياً، كالصلاة على الراحلة، في عدم الجواز اختياراً و الجواز مع الضرورة، و لزوم الاستقبال مهما أمكن و لو

في تكبيرة الإحرام، و لزوم المحافظة علىٰ سائر الأجزاء و الشروط مع الإمكان. و مع الدوران بينهما يتقدّم الأقلّ تفويتاً للأجزاء.

و يمكن تقديم المشي على الركوب المفوّت للاستقرار أيضاً، لعدم جواز الركوب اختياراً، فالقيام الذي هو ركن محفوظ في المشي دون الركوب، و ذلك مع التساوي في سائر ما يعتبر شطراً أو شرطاً.

و مع جواز الصلاة ماشياً، فهل يجوز العَدْو لا لحاجة، أو يقتصر علىٰ الأقرب إلى الوقوف؟ مقتضىٰ الإطلاق في الآية الشريفة «3» الأوّل.

______________________________

(1) البقرة، 114.

(2) من لا يحضره الفقيه، 1 ص 276/ 848، ح 6.

(3) البقرة، 239.

بهجة الفقيه، ص: 219

[الحادي عشر] الصلاة على الراحلة و السفينة

مسألة: لا ينبغي الاستشكال في جواز الصلاة على البعير المعقول، و السفينة المشدودة بالساحل، و الراحلة الواقفة بلا تزلزل؛ و أما الراحلة السائرة فلا ينبغي الاستشكال في عدم الجواز في ما إذا استلزم حركتها حركة المصلي بالتبع لا بالعرض فقطّ، و أنّه لا يجوز إلّا مع الضرورة، كما استثناها في كثير من الروايات «1»، بعد ظهور ما تقدّم علىٰ الاستثناء في المتعارف الذي يفوت بعض الشروط و منها الاستقرار، دون الخالي عن ذلك.

و أمّا الراحلة المفروض فيها المحافظة علىٰ جميع الأجزاء و الشروط غير الاستقرار علىٰ الأرض، فهي كالسفينة.

و الروايات المجوّزة للصلاة فيها كثيرة: و في كثير منها

أ ترغب من صلاة نوح

و هو كالصريح في القدرة على الخروج؛ فإنّه مع عدم القدرة لا مجال للرغبة عنها.

و في بعضها «2» تحسين الخروج و عدمه، و هو نصّ في القدرة. و في بعضها «3» التصريح بقرب الشط، و المراد إمكان الخروج القريب زماناً.

و في طائفة أُخرى، «4» التفصيل بين القدرة، فالأمر بالخروج و المنع عن الصلاة، و عدم القدرة فيراعىٰ ما أمكن من

الأجزاء و الشروط التي منها الاستقبال الغير المطرد غالباً في السفن.

و لا يمكن الجمع إلّا بحمل الطائفة الثانية على المفوّت لبعض ما يعتبر، و الأولى علىٰ غير هذا الفرض ممّا لا يفوّت إلّا الاستقرار علىٰ الأرض؛ بل في روايات الأمر بالخروج

______________________________

(1) الوسائل 3، أبواب القبلة، الباب 14.

(2) الوسائل 3، أبواب القبلة، الباب 13، ح 5 و 11 و 3 و 8 و 14.

(3) الوسائل 3، أبواب القبلة، الباب 13، ح 5 و 11 و 3 و 8 و 14.

(4) الوسائل 3، أبواب القبلة، الباب 13، ح 5 و 11 و 3 و 8 و 14.

بهجة الفقيه، ص: 220

مع القدرة ما يشهد بإرادة المعرضيّة للتفويت، و إلّا لما عقّب الأمر بالخروج مع القدرة بأنّه مع عدم القدرة يصلّي بحسب استطاعته من القيام و القعود.

و أمّا المانعة بقول مطلق، فيمكن حمله علىٰ الاستحباب، أو على الغالب من عدم كون السفينة بحيث يتساوىٰ حال راكبها و الخارج عنها في أفعال الصلاة و شروطها، فيبقىٰ غير هذا الفرد داخلًا تحت إطلاق المجوّز للصلاة في السفينة مع القدرة على الخروج.

و منه يعلم أنّ المحمل إذا كان مثل السفينة في التفويت أو معرضيّته فهو بحكمها، و كذا في صورة عدم المعرضيّة للتفويت، و عدم فقدان شي ء ممّا في الصلاة علىٰ الأرض إلّا الحركة العَرَضيّة كما أنّه إذا كان موجباً للحركة بالتبع في المحمل، كما هو الغالب فيه، فهو من الخلل في الشروط، فلا تجوز مع القدرة على النزول، و تجوز مع عدمها، و حاله حينئذٍ حال الصلاة ماشياً، مع ما فيهما من حفظ القيام في المشي دون المحمل غالباً، و كون الحركة في المشي أكثر منها في المحمل؛ و

الظاهر أنّ المنع عن الصلاة في المحمل إلّا من ضرورة، لمكان معرضيّته للتفويت الغالب فيه.

و يشهد لما ذكرناه من اتّحاد المحمل و السفينة مع التساوي في الخصوصيّات ما في خبر «ابن عذافر» بعد تجويز الصلاة في المحمل مع الضرورة «هو بمنزلة السفينة»، يعني في حفظ مراتب القدرة في سائر الشروط. و الضرورة و المعرضيّة للتفويت و إن دلّ عليهما الخبر، إلّا أنّه يمكن الأخذ بعموم الوارد، و أنّ التنزيل بلحاظه مع التساوي في الخصوصيّات.

و المحكيّ عن «الذكرى» عن نقل كلام «أبي الصلاح»، و «ابن إدريس»: «أنّه من اضطرّ إلى الصلاة في سفينة فأمكنه أن يصلّي قائماً، لم يجزه غير ذلك؛ و إن خاف الغرق و انقلاب السفينة، جاز أن يصلّي جالساً». يريدان منه أنّ وظيفته القيام مع القدرة، و الجلوس مع عدم القدرة على القيام. و غير المضطرّ إلى الصلاة في السفينة، فانتفاء الحكم عنه بانتفاء الموضوع، لعدم المعرضيّة و الشأنيّة، للقدرة على القيام تارة و عدمها اخرى بسبب السفينة، لأنّه قادر على القيام بالقدرة على الخروج، مع أنّه

بهجة الفقيه، ص: 221

يكفي في المفهوم أنّ غير المضطرّ ينتفي فيه مجموع الحكمين بانتفاء الجلوس مع عدم القدرة على القيام.

و يمكن أن يقال: إنّ ما دلّ على المنع عن الصلاة في المحمل إلّا من ضرورة، بعد الحمل على المتعارف الغالب الذي يكون فاقداً لبعض ما يعتبر في الصلاة غير الحركة العرضيّة، و إلغاء خصوصيّة المحمل إلى السفينة المماثلة للمحمل في ذلك، أنّ إطلاقات تجويز الصلاة في السفينة اختياراً تتقيّد بغير ما يشتمل علىٰ فقد بعض ما يعتبر في الصلاة، موافقاً لما دلّ على المنع مع القدرة، مع المعرضيّة للتفويت كما قدّمناه في خصوص السفينة. و

الغرض موافقة المنع في خصوص السفينة مع التفويت أو معرضيّته لما دلّ على المنع في المحمل الغالب فيه الفقدان مع الاختيار، لاستثناء الضرورة بعد إلغاء الخصوصيّة كما ذكرناه.

و بالجملة، فمع إلغاء الخصوصيّة في كلّ من المحمل و السفينة يسري الحكم في كلّ منهما إلىٰ مماثلة في الخصوصيّات من الآخر و لو لم تكن رواية التنزيل المتقدّمة، فضلًا عن ثبوتها كما مرّ.

بهجة الفقيه، ص: 223

الفصل الثالث ما يُستقبل له

[مسألة] إشارة إلى شرطية الاستقبال في الصلوات المختلفة و عدمها

اشارة

مسألة: يجب الاستقبال في فرائض الصلاة مع الإمكان، و هو مجمع عليه مدلول الكتاب «1» و السنة «2»؛ و أمّا الواجب بالعارض كالنذر، فيمكن أن يقال بتبعيّته للقصد؛ فإنّ كون النافلة مع الاستقبال، بنحو تعدّد المطلوب، فلا مانع من تعلّقه بالأوّل.

و أمّا مثل صلاة العيد، و المعادة ندباً، فالظاهر وجوب الاستقبال شرطاً. و أمّا المعادة للاحتياط الندبي، فالظاهر عدم حصول الاحتياط إلّا بالاستقبال، و كذا المعادة لفضل الجماعة المطلوب فيها زيادة الفضيلة، فلا يمكن نقصان الفضل من جهة أُخرى، و الغرض فيهما لا يحصل إلّا بالاستقبال.

و أمّا صلاة الجنازة فلولا الدليل علىٰ لزوم الاستقبال فيها، أمكن المنع بسبب ما دلّ علىٰ أنّه دعاء لا يلزم الطهور؛ فإثبات سائر ما يلزم في الفريضة يحتاج إلى الدليل الموجود في القيام، و الاستقبال، و التكبير، كغيرها ما لا يلزم في الصلاة المفروضة.

______________________________

(1) البقرة، 144.

(2) الوسائل 3، أبواب القبلة، الباب 1.

بهجة الفقيه، ص: 224

و الظاهر أنّ ركعات الاحتياط و المنسيّ يراعىٰ فيها ما يلزم في الأصل، إلّا التقدّم علىٰ تسليم الصلاة، بخلاف سجدتي السهو؛ فإنّه محتاج إلىٰ دليل آخر.

و الكلام في باقي ما يعتبر فيه الاستقبال موكول إلىٰ محلّه.

________________________________________

گيلانى، فومنى، محمد تقى بهجت، بهجة الفقيه، در يك جلد، انتشارات شفق، قم - ايران،

اول، 1424 ه ق

بهجة الفقيه؛ ص: 224

اشتراط النوافل بالاستقبال و عدمه

و هل يجب الاستقبال شرطاً في النوافل في غير الماشي و الراكب، أو لا؟ فيه خلاف، نسب الجواز إلى غير القبلة في محكيّ «الذكرى» إلى كثير، و العدم في «الجواهر» «1» إلى المشهور.

و يستدلّ للجواز بالأصل؛ فإنّه غير معتبر في الفرائض مع الضرورة و الشدّة، فضلًا عن النافلة، و في النافلة ماشياً أو راكباً، و يشكّ في الاعتبار في حال الاستقرار من غير ضرورة.

و بقوله تعالىٰ فَأَيْنَمٰا تُوَلُّوا إلىٰ آخره، بعد نقل نزولها في النافلة في السفر «2»، مع فرض الاستقرار في المقام، فيجري فيه بالأولويّة.

و بأنّ الإطلاقات لا يتقيّد في المندوبات، و أنّما يحمل المقيّد علىٰ تعدّد المطلوب.

و بما عن مسائل «عليّ بن جعفر» عليه السلام

سألته عليه السلام عن الرجل يلتفت في صلاته، هل يقطع ذلك صلاته؟ فقال: إذا كانت الفريضة و التفت إلىٰ خلفه، فقد قطع صلاته فيعيد ما صلّى و لا يعتدّ به؛ و إن كانت نافلة، لا يقطع ذلك صلاته، و لكن لا يعود «3»

؛ فإنّ الالتفات مستلزم لترك الاستقبال الذي لا يصدق إلّا مع تولية الوجه».

و أمّا الأصل المذكور، فهو و إن كان هو المختار في الاشتراط، إلّا أنّه مع عدم الدليل عليه، و يكفي دليلًا منكَريّة تعمّد ترك الاستقبال، أو ترك الاستقبال المبطل في الفريضة عند المتشرّعة؛ مع أنّ إطلاق أدلّة الأمر بالصلاة التي وردت في مقام البيان

______________________________

(1) جواهر الكلام، 8، ص 4.

(2) مجمع البيان، 1 ص 191: و في الوسائل 3، أبواب القبلة، الباب 15، ح 18.

(3) الوسائل 4، أبواب قواطع الصلاة، الباب 3، ح 8.

بهجة الفقيه، ص: 225

لخصوصيّات الاستقبال عند الجهل أو عدم التمكّن و في

غيرهما، يقتضي الجواز كلاميّاً علىٰ «الأعمّ»، و مقامياً علىٰ «الصحيح»، فلا تصل النوبة إلىٰ الأصل. و لا أثر للشهرة إن لم تكن حجّة في الشك في الشمول؛ مع أنّ التمسّك بالإطلاق، عند الشك الغير الموجب للإجمال المفروض عدمه.

و كذا أصالة المساواة بين الفريضة و النافلة في الأجزاء و الشروط بحيث يحتاج الفرق بينهما إلى البيان لا الاشتراك، لا ينبغي إنكارها، و أنّ المفهوم من الأدلّة الاعتبار في الصلاة، لا في الفريضة منها.

و كذا المرويّ من قوله عليه السلام

صلّوا كما رأيتموني أُصلّي «1»

؛ فإنّ مفاده لتكن صلاتكم كصلاتي في الأجزاء و الشروط، و ليست إيجاباً؛ و إلّا لوجب فعل صلاة منهم بعد هذا الأمر بركعتين، و هو كما ترى. و إنّما المقصود إيجاد التسوية في الصلوات المطلوبة علىٰ أيٍّ من الطلبين. و أهميّة الفريضة بحيث لا بدّ من بيان ما فيها، لا توجب التخصيص.

و أمّا رواية «علي بن جعفر»، فدلالتها بالإطلاق لغير السهو، و يمكن جعل الارتكاز المتقدّم إليه الإشارة مقيّداً لهذا الإطلاق، لما مرّ من أنّ الفرق و تجويز العمد محتاج إلى التصريح؛ مع أن تعمد الالتفات إلى الخلف كأنّه غير عقلائي لغير المحتاج؛ و مع ما في السند من الضعف في نفسه، و بملاحظة اشتهار المنع الموجب للوهن.

و كذا عموم الأمر بتولية الوجه في الآية الشريفة؛ فإنّ المحذوف المعهود هو الصلاة لا خصوص الفريضة أعني ما يعتبر فيه الاستقبال يتغيّر المستقبَل بالفتح علىٰ حسب العهد، إلّا أنّه إيجاب جديد للاستقبال بحسب غير المستقبَل بالفتح أعني المستقبَل فيه.

مع أنّ الفساد و إن كان عامّاً لغير الفريضة، إلّا أنّ الاستدلال له بالآية الشريفة الواقع فيه الأمر، الظاهر في الإيجاب النفسي المنحصر بالفريضة؛ فربّما كان ما

في

______________________________

(1) عوالي اللئالي، 1، ح 8.

بهجة الفقيه، ص: 226

صحيح «زرارة» من قول أبي جعفر عليه السلام في الفريضة «1»؛ لمكان أنّ الإيجاب مع الشرطيّة ينحصر بالفريضة، لا أنّ الشرطيّة أيضاً منحصرة بها، و حيث إنّ إيجاب التقييد بالاستقبال منشأ لإيجاب الاستقبال غيريّاً، يكفي ذلك في جعل الإيجاب كناية عن الإيجابين.

مع أنّ المفهوم، منحصر في صورة انحصار الفائدة فيه، و يكفي في عدم الحصر اختلاف النافلة في غير الضرورة بحسب الاشتراط و عدمها، كما في موارد الاستثناء. و مثل هذا الظهور الضعيف لا يقاوم الارتكاز القوي، فتدبّر.

و كذا قوله عليه السلام في الصحيح الآخر

لا صلاة إلّا إلى القبلة «2»

دالّ علىٰ عموم الشرطيّة؛ و لا يقيّده الأمر بالإعادة في الجواب عن السؤال الواقع بعد ذلك القول، مع عدم الظهور في إرادة العلم و العمد، كما يرشد إليه ذكر الوقت في يوم غيم؛ مع أنّ الأمر بالإعادة علىٰ حسب الأمر الابتدا [ئى] في كون المطلوبيّة إيجاباً أو ندباً، و الجامع البطلان، و جعل ما وقع كالعدم.

و كذا قوله

لا تعاد الصلاة إلّا من خمس «3»

، الذي يكون الإرداف بسائر الأركان شاهداً للعموم. و أنّ مطلوبيّة الإعادة علىٰ حسب مطلوبيّة البدء في كيفيّة المطلوبيّة، مع أنّ قضيّة المساواة المرتكزة الاتّحاد في ما يعاد و ما لا تعاد مع الاختلاف في كيفيّة المطلوبيّة.

و ذكر الوقت لا قرينيّة فيه على التخصيص، لأنّ في الفرائض أيضاً ما هو غير موقّت كذوات الأسباب، كما أنّ في النوافل ما هو موقّت كالرواتب.

و أمّا ما في التفسير من نزول الآية الشريفة في النافلة في السفر، و أنّه لا بدّ في الفريضة من الاستقبال، فإنّما يدلّ علىٰ اغتفار الترك في النافلة لا يغتفر

مثله في

______________________________

(1) الوسائل 3، أبواب القبلة، الباب 9، ح 3 و 2 و 1.

(2) الوسائل 3، أبواب القبلة، الباب 9، ح 3 و 2 و 1.

(3) الوسائل 3، أبواب القبلة، الباب 9، ح 3 و 2 و 1.

بهجة الفقيه، ص: 227

الفريضة، كالركوب و المشي لا لضرورة بخلاف الفريضة؛ و أمّا الأزيد من ذلك، من ترك الاستقبال في حال الاستقرار مع التمكّن، فليس فيه إلّا ظهور ضعيف لا يقاوم وضوح المرتكزات المحتاج مخالفتها إلىٰ تصريح.

نعم، يمكن دعوى فهم إلغاء خصوصيّة الركوب و المشي في بعض ما وقع فيه في النافلة إلىٰ سائر موارد الحاجة، مع عدم التعدّي إلىٰ الاختيار في حال الاستقرار، كما وقع مثله في التعدّي من السفر إلى الحضر في النصّ؛ و أمّا التعدّي إلىٰ عدم الحاجة مع الاستقرار، فلا دليل عليه، مع غلبة الحاجة إلىٰ الركوب و المشي، بحيث يلزم من اعتبار الاستقبال المطلق فوت النوافل كثيراً، كما هو ظاهر.

و لو لا ورود التفسير بالنوافل «1»، أو بالمتحيّر المطلق «2» في الفرائض، أمكن دعوى الإجمال في الآية الشريفة، بأن يكون المراد أنّ الأطراف كلّها للّٰه، و التولية إليها إلىٰ اللّٰه، إنّما اللازم تبعيّة الأمر بالتوجّه إلىٰ جهة، و مع عدم الأمر فليس التوجّه إلىٰ غير اللّٰه، بل إليه بلا أمر؛ فالمحتاج إلى الشرع المصلحة و المفسدة الداعيتان إلىٰ الأمر، لا الطرف المتوجّه، فإنّ الأطراف متساوية في ما نعلم في أنّها للّٰه و تحت قدرته، و التخصيص أمر إلهي يعلمه اللّٰه تعالى؛ فلا فرق عندنا بين التخصيص السابق في دين اليهود و اللاحق في ديننا، إلّا ما وقع من النهي و الأمر بما يعلمه تعالى من المفسدة و المصلحة، كتخصيص المسجد من

الأرض، و «المسجد الحرام» من بين المساجد.

و أمّا تفسير «آية التولية» علىٰ ما في تفسير «علي بن إبراهيم» «3»، فهي معتبرة للسفر، و فيها الأمر بالصلاة نافلة حيث توجّهت، فيدلّ علىٰ عدم اعتبار الاستقبال في النافلة في السفر. و ظاهره اعتبار السير بالركوب أو المشي، و عدم اعتبار الاستقبال

______________________________

(1) الوسائل 3، أبواب القبلة، الباب 15 و 8.

(2) الوسائل 3، أبواب القبلة، الباب 15 و 8.

(3) تفسير القمي، 1، ص 59.

بهجة الفقيه، ص: 228

حينئذٍ رأساً؛ و كذا التفسير المحكيّ عن «مجمع البيان» «1»؛ و يمكن أن يكون اعتبار السفر لأنّه عذر، لا أنّه عذر خاصّ، كما يؤيّده ما ورد في تجويز النافلة للراكب في المصر حيث ما توجّهت به دابّته، كما في صحيح «عبد الرحمن بن الحجاج» «2».

و ما في رواية «إبراهيم الكرخي» «3» [من] نفي الضيق مع القدرة علىٰ الاستقبال في المحمل، فيدلّ علىٰ اعتبار الضيق الغالب المتعارف في المحمل المتعارف، و عدم لزوم الاستقبال معه رأساً في النافلة.

و يمكن أن يفهم منه اعتبار الضيق في السقوط في النافلة المشروعة، كان في الركوب في المحمل أو السفينة أو المشي، في السفر أو الحضر، و عدم الاغتفار بدون الضيق في أيّ واحد، حتّى أنّ السائر إلى القبلة ليس له الانحراف لا لحاجة، و إلّا لم يعتبر الضيق بل لم يؤثّر الضيق، و لجاز ترك الاستقبال للمستقرّ في الأرض.

و ما عن خبر «الحلبي» «4» فيه تجويز النافلة على البعير و الدابّة حيث كان متوجّهاً، و التنظير بفعل رسول اللّٰه صلى الله عليه و آله و سلم. و يمكن إلغاء الخصوصيّة إلى السفينة، بل إلى السائر بالمشي مع جواز أصل التنفّل للماشي، كما في غير هذه

الرواية «5».

و ما في رواية «حمّاد بن عيسىٰ» «6» فيه الصلاة على الراحلة حيثما توجّهت، و أنّه يومي، مثله رواية «الحميري» «7»، و مثلهما ما عن «تفسير العيّاشي» «8» للآية الشريفة «9».

و أمّا الماشي فبعد إلغاء الخصوصيّة في الراكب، لا يبقىٰ إلّا ترك الاستقرار فيه.

______________________________

(1) الوسائل 3، أبواب القبلة، الباب 15، ح 18.

(2) الوسائل 3، أبواب القبلة، الباب 15، ح 1 و 2.

(3) الوسائل 3، أبواب القبلة، الباب 15، ح 1 و 2.

(4) الوسائل 3، أبواب القبلة، الباب 15، ح 6 و 7.

(5) الوسائل 3، أبواب القبلة، الباب 16.

(6) الوسائل 3، أبواب القبلة، الباب 15، ح 20.

(7) الوسائل 3، أبواب القبلة، الباب 15، ح 22 و 23.

(8) الوسائل 3، أبواب القبلة، الباب 15، ح 22 و 23.

(9) البقرة، 115.

بهجة الفقيه، ص: 229

و اغتفاره مستفاد من صحيح «يعقوب بن شعيب» «1»؛ كما أنّ المشي بحسب المتعارف لا ينحفظ فيه الاستقبال، فاعتباره يحتاج إلى البيان المفقود فيه.

و هو حجّة علىٰ الإطلاق، مع تعارف حرجيّة رعاية الاستقبال في المشي المحوجة إلىٰ لزوم البيان في ما له معرضيّة الابتلاء كثيراً؛ فلا يتقيّد الحكم بما في حسن «معاوية بن عمّار» «2» من ذكر الاستقبال في التكبير و الركوع و السجود و فعلهما، لا فعل بدلهما المصرّح به في صحيح «يعقوب»، و لا جمع بينهما إلّا بالحمل علىٰ تعدّد المطلوب، لا الإمكان و العدم، أو الاحتياج و العدم، لما عرفت من تعسّر ذلك في السائر للوصول إلى المقصد، فهو كالراكب و إن كان الراكب أبعد من التمكّن لضيق المحمل، إلّا أن الماشي يكون الاستقبال و فعل الأصل عليه أشدّ، لمكان مانعيّتها من السير، بخلاف الراكب الذي لا يسير إلّا مركوبة،

بل قد مرّ ذكر الضيق في الرواية «3» في الراكب الشامل للماشي أيضاً بعد إلغاء الخصوصيّة و بعد ثبوت الصحّة في صلاة الماشي، و إن كان المتيقّن منه موارد الحاجة، كما هو في الراكب، لولا بيان أنّه الضيق أي الالتزام بالاستقبال المقدور.

و مرسل «حريز» «4» أقوى في الإطلاق، لذكر عدم سوق الإبل من جهة أنّه فعل غير صلاتيّ؛ فلو كان شي ء شرطاً صلاتيّاً للصلاة ماشياً، لكان لا يهمله، كما يمكن منع إطلاق الحكم للخادم الماشي الذي شغله سوق الإبل، فلا يترك التنفّل بهذا البيان، لأنّه ضيق عليه، بخلاف من ليس محتاجا إليه؛ كما أنّ الضيق لا يعمّ السائر إلى القبلة، فلا ينحرف عن جهة سيره بلا حاجة، و إلّا لكان اغتفاراً بلا ضيق، و ينصرف عنه الإطلاقات «5» كالمستقرّ علىٰ الأرض.

______________________________

(1) الوسائل 3، أبواب القبلة، الباب 16، ح 1.

(2) الوسائل 3، أبواب القبلة، الباب 16، ح 1.

(3) الوسائل 3، أبواب القبلة، الباب 15، ح 2.

(4) الوسائل 3، أبواب القبلة، الباب 16، ح 5.

(5) الوسائل 3، أبواب القبلة، الباب 1.

بهجة الفقيه، ص: 230

و كذا ترك التقييد في صلاة الماشي تطوّعاً في رواية «الحسين بن المختار» عن «أبي عبد اللّٰه عليه السلام

سألته عن الرجل يصلّي و هو يمشي تطوّعاً؟ قال: نعم «1»

؛ كما عن «المعتبر» عن كتاب «ابن أبي نصر».

و بالجملة، فعدم موافقة المشي و الركوب في الغالب المتعارف للاستقبال الشرطي، مع عدم بيانه في ما مرّت إليه الإشارة، يوجب مع الحاجة إلى البيان مطلقا حملَ ما فيه بيان الاستقبال و لو في التكبيرة علىٰ ذكر ما هو الأفضل، لا علىٰ ذكر الشرط، مؤيّداً بما في «الجواهر» «2» من نسبة إطلاق استثناء صلاة الماشي من

اعتبار الاستقبال إلى أكثر كتب الأصحاب.

و ما ورد من الاستقبال في التكبير في الماشي، ورد مثله في الراكب في صحيح «عبد الرحمن» «3» مع ما عرفت من التعبير بالضيق، و مخالفة فعل الرسول صلى الله عليه و آله و سلم في غيره «4» من الروايات.

و كذلك الحال في العموم للحضر، كما صرّح به في الراكب في بعض روايات المقام «5»، مع كفاية فهم إلغاء الخصوصيّة، و أنّ صلاة الماشي لا فرق في مكان المشي، و أنّه بعد تجويز الصلاة لا فرق في الاستقبال بين الماشي في الحضر و السفر.

و كذلك تعميم الحكم لراكب السفينة مع إلغاء الخصوصيّة و التنزيل في رواية المحمل «6»، و ما عن «تفسير العياشي» عن «زرارة» عن الإمام الصادق عليه السلام من قوله عليه السلام

أمّا في النافلة فلا، إنّما تكبّر إلىٰ غير القبلة

ثمّ قال

كلّ ذلك قبلة للمتنفّل «7».

______________________________

(1) الوسائل 3، أبواب القبلة، الباب 16، ح 6.

(2) جواهر الكلام، 8، ص 10.

(3) الوسائل 3، أبواب القبلة، الباب 15، ح 13، و 2 و 1.

(4) الوسائل 3، أبواب القبلة، الباب 15، ح 13، و 2 و 1.

(5) الوسائل 3، أبواب القبلة، الباب 15، ح 13، و 2 و 1.

(6) الوسائل 3، أبواب القبلة، الباب 16، ح 13.

(7) الوسائل 3، أبواب القبلة، الباب 13، ح 17.

بهجة الفقيه، ص: 231

و قد مرّ وجه العموم للمستقر، و أنّه يمنعه الارتكاز عند المتشرّعة، فضلًا عن العموم في المركوب و للماشي و في الحضر من سائر موارد الحاجة، دون غيرها من موارد الاختيار، و كذا ينصرف عن الماشي للصلاة إطلاق ما في رواية «ابن أبي نصر» «1».

______________________________

(1) الوسائل 3، أبواب القبلة، الباب 16، ح 6.

بهجة

الفقيه، ص: 233

الفصل الرابع أحكام الخلل

[مسألة] استقبال الأعمىٰ و انكشاف الخطأ في الاجتهاد

اشارة

مسألة: قد مرّ أنّ الأعمىٰ يقلّد المبصر، و أنّ ذلك اجتهاد منه مأمور به؛ و أنّه يعمل على الظنّ الأقوىٰ عنده؛ فالفرق بينه و بين المبصر، أنّ اجتهاده من طريق الغير، بخلاف المبصر في الغالب؛ فإن عمل علىٰ اجتهاده فانكشف الخطأ، فإن كان يسيراً أو ما بين المشرق و المغرب؛ فإنّه لا يعيد، و إلّا أعاد كغير الأعمىٰ.

و ما دلّ علىٰ تفصيل المجتهد بذلك، يعمّ الأعمىٰ، إلّا أنّه يخصّه بعض الروايات في صلاة الأعمىٰ لغير الأعمىٰ «1»، و أنّه يعيد في الوقت، لا في خارجه. و هذا الحكم يدلّ علىٰ أنّ الموضوع المتحرّي.

فما دلَّ على التفصيل في المتحرّي بين الصلاة ما بين المشرقين و غيره، حيث يدل على الحكم في الأعمىٰ لأنّه أولىٰ بعدم الإعادة في ما صلّىٰ بين المشرقين، يقيّد إطلاق الأمر

______________________________

(1) الوسائل 3، أبواب القبلة، الباب 11، ح 8 و 9.

بهجة الفقيه، ص: 234

بالإعادة في الوقت في صحيحة «عبد الرحمن بن أبي عبد اللّٰه» «1»، و خبر «أبي بصير» «2» بما إذا وقعت الصلاة في الأزيد انحرافاً ممّا بين المشرقين.

و يمكن دعوى الحكومة التي لا يضرّ إخراج العمد لو فرض عموم رواياته، و الالتزام بتقيّد الإعادة بالوقت بحسب هذه الروايات المفصّلة بعد تفسيرها بروايات الحكومة. و أمّا أنّه لا يقضي في هذا الموضوع أو ما يعمّه، فشي ء مخصوص بالأعمىٰ. و يمكن الالتزام به، لمكان أغلبيّة ابتلاء الأعمىٰ بمثل ذلك؛ فالقضاء مستلزم للعسر و الحرج في الأعمىٰ بما لا يستلزمه في المبصر؛ كما أنّ ما دلّ علىٰ إعادة الأعمىٰ إذا أمّ قوماً فصلّوا إلىٰ غير القبلة من باب أنّه غير متحرٍّ، فالإعادة في حقّه مع الانحراف في ما

بين المشرقين لعدم العمل علىٰ طبق الوظيفة و سيأتي الكلام فيه و عدمها في حقّهم، لمكان تحرّيهم و عدم الانحراف عمّا بين المشرقين.

و الحاصل أنّ النسبة بين روايات التفصيل بين ما بين المشرق و المغرب «3» و روايات التفصيل بين الوقت و خارجه «4»، و إن كانت كما عن «الحدائق» عموماً من وجه، لأنّ الأُولىٰ عامّة للتبيّن في الوقت و خارجه و خاصّة بالانحراف اليسير، و الثانية عامّة للانحراف الكثير و خاصّة بالتبيّن في الوقت، و ليس التفصيل في الحكم كما في «الجواهر» «5» علىٰ ما عرفت؛ إلّا أنّ لسان الاولىٰ هو الحكومة، و معها لا تلاحظ النسبة، بل تجري مع أخصّية المحكوم أيضاً. و لأجل معلوميّة هذا الجمع و عرفيّته، ذُكر الحكمان في كلام كثير من الأصحاب.

______________________________

(1) الوسائل 3، أبواب القبلة، الباب 11، ح 8 و 9.

(2) الوسائل 3، أبواب القبلة، الباب 11، ح 8 و 9.

(3) الوسائل، 3، أبواب القبلة، الباب 10.

(4) الوسائل 3، أبواب القبلة، الباب 11.

(5) جواهر الكلام، 8، ص 26.

بهجة الفقيه، ص: 235

و ممّن جمع بين العبارتين و التفصيلين «المحقّق» في «المعتبر»، و لا يكون إلّا بفهم أنّ الصلاة في ما بين المشرقين صلاة إلى القبلة، و أنّ موضوع التفصيل بين وقت و خارجه، هو الصلاة إلىٰ غير القبلة.

[و ينبغي التنبيه على أمور]
[الأول] وجوب الإعادة خارج الوقت في صورة الاستدبار

إلّا أنّه يبقىٰ الإشكال في اقتضاء الجمع عدم الإعادة في خارج الوقت مع الصلاة إلى المشرق و المغرب و ما بعدهما حتّى الاستدبار الحقيقي، و هو مخالف للمفهوم من روايات جعل ما بين المشرقين قبلة «1»؛ و لإطلاق ما في صحيحة «لا تعاد»، و لا يضرّ إخراج غير الاستدبار الحقيقي بالدليل على التفصيل، و لا يستلزم إخراج الاستدبار أيضاً؛ و

لكونه المتيقّن من رواية «معمّر بن يحيىٰ» «2» الآمِرة بالإعادة بعد الوقت، كما لا يضرّه أيضاً إخراج غير الاستدبار بالدليل؛ و لما عن جماعة من المتأخّرين، فيهم «الشيخان» و «سلّار»، و إن كان خلافه أكثر قائلًا، بل عن «التنقيح» و «المنتهىٰ» ما يفيد حكاية الإجماع، بل استظهاره محكيّ عن «كشف اللثام»، و هو المحكيّ أيضاً عن «الخلاف» و «المدارك» و شرح «الشيخ نجيب الدين»، أعني حكايتهم الإجماع.

لكن يمكن تقويته بما رواه في «الناصريّات» و «الجمل»، و «الشيخ» في «النهاية»، و «العجلي» في «السرائر»، قالوا: أنّه روىٰ

أنّه إذا كان صلّى إلى استدبار القبلة ثمّ علم بعد خروج الوقت، وجب عليه إعادة الصلاة «3».

و من البعيد جدّاً فهمه ممّا لا نفهم منه ذلك.

و يؤيّده المستظهر من صحيح «لا تعاد» المردف له بغيره من الخمس، و خبر «معمّر»، مع أنّه المشهور كما عن «الروضة» و عليه عمل الأصحاب كما

______________________________

(1) الوسائل 3، أبواب القبلة، الباب 10.

(2) الاستبصار، 1، ص 297، الرقم 1099.

(3) الوسائل 3، أبواب القبلة، الباب 11، ح 10.

بهجة الفقيه، ص: 236

عن غيره و عليه العمل، مع أنّه أحوط، كما عن «نهاية الشيخ» بعد الرواية المذكورة، مع أفقه الحكم للمرتكزات، فهذا القول هو الأقرب.

[الأمر الثاني] ميزان تحقّق الاستقبال

يبقى الكلام في أنّ العبرة في الاستقبال، بما بين المشرق و المغرب، كما عبّر به «الشيخ» قدس سره، و جماعة ممّن تأخّر عنه علىٰ ما حُكي عنهم؛ أو بما بين اليمين و الشمال، كما عمّن تقدّم عليهم؟

يمكن توجيه الأوّل بأنّه المذكور في الروايات «1» التي هي الأصل في هذا الحكم تبعاً لما في الكتاب «2»؛ و أنّه إنّما ذكر الثاني في كلمات الأصحاب، لمكان فهمهم من «ما بين المشرق و المغرب»

إرادةَ ما لا يبلغ نصف الدائرة، لمكان أنّ الابتلاء يمكن وقوعه في البلاد الشرقيّة و الغربيّة و الجنوبيّة، و لا يمكن اختلاف وظيفتهم مع مَن في البلاد الشماليّة.

و دعوى عدم المعموريّة فيها، لا يعلم صحّتها، بل تدفع بما يقال من فرضه في شرق «مكّة» شرّفها اللّٰه تعالىٰ و غربها.

فالاعتبار باليمين و الشمال في مورد الافتراق عن المشرق و المغرب بالمعنى المذكور، لا مدرك له، إلّا ما سنذكره؛ كما أنّ الاعتبار بالمشرق الحقيقي و المغرب كذلك، مع عدم كون المجاوزة انحرافاً بقدر نصف الدائرة أيضاً، مخالف للمفهوم من الروايات، بعد ملاحظة الحكم في سائر الأرض و سكّانها كذلك.

لكن اغتفار ما لا يبلغ نصف الدائرة لغير العالم و للظانّ بالخلاف هنا، لازمه عدم لزوم الأربع للمتحيّر المطلق لكفاية الثلاث، و لا يبلغ الانحراف فيها النصف، مع لزوم الأربع فيه على القول بعدم كفاية الواحدة. و هذا أيضاً من شواهد إرادة اليمين و اليسار،

______________________________

(1) الوسائل 3، أبواب القبلة الباب 10.

(2) البقرة، 177.

بهجة الفقيه، ص: 237

التي لازمها أنّ المغتفر أنّما هو الأقلّ من ربع الدائرة.

و علىٰ أيٍّ، فالانحراف بقدر نصف الدائرة في مسألتنا، غير مضرّ علىٰ تقدير العبرة، بالمشرقين دون اليمين و اليسار، للظانّ بخلاف القبلة إذا صلّىٰ بظنّه المسوّغ له في الصلاة؛ كما أنّ المصلّي منحرفاً بقدر النصف فما زاد إلىٰ الاستدبار الحقيقي، أو بقدر الربع فما زاد إلى النقطة المقابلة للقبلة؛ بل إلىٰ أن يصير إلىٰ أوّل الربع الرابع آخذاً في الاستقبال، مورد التفصيل بين الوقت و خارجه، بخلاف المستدبر؛ فإنّه يعيد علىٰ الأظهر مطلقاً.

ثمّ إنّه يحتمل في رواية «عمّار»، إطلاق دبر القبلة على الصلاة في غير ما بين المشرق و القبلة، لما يقتضيه تثنية التقسيم،

و لأنّ الصلاة مع الانحراف بنصف الدائرة لا تكون على الدقّة إلّا استدباراً للقبلة، بل سيأتي ذلك في ربع الدائرة أيضاً، فإنه شروع في الاستدبار، كما يأتي إن شاء اللّٰه تعالىٰ، لأنّه الصلاة إلى المشرق مع كون القبلة في المغرب.

و إطلاق الأمر بالإعادة فيه و في أمثالها من الروايات مخالف لإطلاق رواية التفصيل، كصحيح «عبد الرحمن بن أبي عبد اللّٰه» «1» عن الإمام الصادق عليه السلام، و خبر «يعقوب بن يقطين» «2»، و صحيح «سليمان بن خالد» «3»، في الصلاة إلىٰ غير القبلة، لأنّ الصلاة إلىٰ غير القبلة هو الموضوع للحكم الإطلاقي و للتفصيل، فلا إشكال في التقييد بالتفصيل لولا المرسلة المتقدّمة «4»؛ أمّا معها فلا يخلو عن إشكال، لأنّ الصلاة إلىٰ غير القبلة لا تكون على الفرض إلّا خارجة عمّا بين المشرقين، و داخلة في الاستدبار الذي حكم فيه في «الموثق» «5» و أمثاله بالإعادة مطلقاً، و في «المرسلة» بالإعادة في خارج

______________________________

(1) الوسائل 3، أبواب القبلة، الباب 11، ح 1 و 2 و 6 و 10.

(2) الوسائل 3، أبواب القبلة، الباب 11، ح 1 و 2 و 6 و 10.

(3) الوسائل 3، أبواب القبلة، الباب 11، ح 1 و 2 و 6 و 10.

(4) الوسائل 3، أبواب القبلة، الباب 11، ح 1 و 2 و 6 و 10.

(5) الوسائل 3، أبواب القبلة، الباب 10، ح 4.

بهجة الفقيه، ص: 238

الوقت و في روايات التفصيل بالتفصيل و لا اتّحاد كما قيل بين «المرسلة» و «الموثّق» الخالي عن ذكر العلم بالانحراف في خارج الوقت.

و مقتضى الجمع الحمل على الندب في «المرسلة»، و الجامع بين الوجوب و الندب في المطلق تحكيماً لروايات التفصيل، لأنّها أظهر في

نفي الوجوب، بناءً علىٰ أنّ الوجوب في «المرسلة» و لو كان بهذه العبارة بالمادّة، قابل للحمل على الندب، كما وقع في نظيره في الحقوق المسنونة و الزيارات المندوبة «1» المعبّر عنها في الروايات بالوجوب.

و بالجملة، «الموثّق» كما يفيد استقبال ما بين المشرقين، يفيد استدبار المشرقين، و لا إشكال في الأوّل الملحوظ مع روايات التفصيل؛ و أمّا الثاني فروايات التفصيل و إن كانت معبّرة بالصلاة إلىٰ غير القبلة المقيّدة بما بين المشرقين، فيكون الحكم فيها بالتفصيل لما خرج عمّا بين المشرقين، و هو المراد بالاستدبار في «الموثّق»، و بغير القبلة في ما يوافق «الموثّق» من مطلقات الأمر بالإعادة، فالموثق و «المرسلة» شريكان في حكم الاستدبار و أنّه الإعادة؛ إلّا أنّ المرسلة ناصّة في خارج الوقت، و المقابل مفصّل و نافٍ للوجوب في الخارج في جميع مراتب الاستدبار بعد التقييد بما بين المشرقين.

و مقتضى أظهريّة روايات التفصيل في نفي الوجوب إذا كان في خارج الوقت، و لزوم اللغويّة لها مع الالتزام بالوجوب في الوقت و خارجه لاشتراك الجميع في استدبار القبلة، و في كونها صلاة إلىٰ غير القبلة، و عدم الوجوب في ما كان بين المشرقين، فلا يبقىٰ مورد للتفصيل الموافق للنصّ و الفتوىٰ، مع وجود القائل الكثير لكلّ من القولين، هو الالتزام باستحباب الإعادة.

و يمكن أن يقال: إنّ ما دلّ علىٰ قِبليّة ما بين المشرق و المغرب و استدبار ما وراء ذلك، إن أُريد به مشرق المصلّي و مغربه، و أنّ القبلة إذا كان بينهما، فصلاته بينهما أينما كانت القبلة في ما بينهما و إلى أين وقعت صلاته باعتقاد القبلة، لا يعيدها. و لا ينافي

______________________________

(1) الوسائل 8، أبواب أحكام العشرة، الباب 122.

بهجة الفقيه، ص: 239

ذلك استفادة حكم الصلاة في غير البلاد الشماليّة بهذا المقياس، فإنّ القدر المغتفر من الانحراف عن القبلة لا يفرّق فيه بين البلاد الشماليّة و الجنوبيّة و الشرقيّة و الغربيّة. و بالجملة، فمفاده أنّه إنّما يبطل صلاته إذا وصل إلىٰ نصف الدائرة في الانحراف عن القبلة، لا في ما وصل إلىٰ الأقلّ منه. مع أنّه يمكن دعوى صدق الاستدبار بمجرّد الانحراف إلىٰ ربع الدائرة فما زاد منه، لأنّه يجعل شيئاً من ظهره إلى القبلة حتّى إذا وصل إلىٰ آخر هذا الربع و هو النصف، تمّ الاستدبار؛ و مع ذلك إذا انحرف لا يخرج عن الاستدبار بنصف ظَهره الآخر إلىٰ أن يبلغ آخر هذا الربع الثالث، فيكون متيامناً أو متياسراً، لا مستقبلا و لا مستدبراً. و هذا موافق للكناية بالمشرقين عن اليمين و اليسار، يعني إذا استقبل القبلة الواقعيّة؛ فالانحراف السابق في صلاته إلىٰ يمين هذا المستقبل أو إلىٰ يساره لا يضرّ، و الانحراف إلىٰ نفس اليمين أو اليسار و ما بعدهما أخذٌ في الاستدبار و يعدّ منه. و عليه، فالاستدبار لا يختصّ بالنقطة المقابلة لنقطة القبلة، بل يشرع من أوّل الربع، و يكمل في النصف، و ينتهي في منتهى الربع الثالث؛ فلو وجبت الإعادة في الخارج مع الاستدبار، لم يبق مورد للتفصيل المنصوص.

و يمكن أن يجعل الانحراف عن اليمين مثلًا، أخذاً في الاستدبار؛ و أمّا نفس اليمين فاستقباله مورد تساوي الاستقبال و الاستدبار، فلذا الحق بالاستدبار. و مقتضى الكناية كون المغتفر ربع الدائرة، أي الأقلّ منه لا نصفها. و قِبْليّة ما بين اليمين و اليسار يوافق ما سبق استظهاره من رواية وضع الجدي على اليمين، و بين الكتفين «1» بلا فرض الجهل.

و أمّا ما في «الكشف»

من أنّ ملاحظة الآية «2» و الأخبار هو أنّ الانحراف إلى المشرق كثير و إن لم يبلغ اليمين مثلًا، و إليه يسير و إن تجاوز المشرق، يعني أنّ المدار في اليسير و الكثير علىٰ حيثيّة المشرق و المتجاوز عنه، لا حيثيّة اليمين و المتجاوز عنه

______________________________

(1) الوسائل 3، أبواب القبلة، الباب 5، ح 2.

(2) البقرة، 177.

بهجة الفقيه، ص: 240

ففيه أنّ الداعي إلى الكناية في الآية و الأخبار هو كليّة الحكم، فلا يمكن الالتزام باغتفار انحراف في الشمال لا يغتفر قدره في غيره، و بإبطال انحراف فيه لا يبطل في غيره. و كون الاستدبار الخاصّ منكَراً إنّما يسلّم مع عدم اعتقاد الخلاف أو التحيّر المطلق، و لذا لا يعيد المتحيّر في خارج الوقت صلاته، الواحدة الواقعة في دبر القبلة علىٰ هذا الوجه.

و أمّا ما في «الكشف» من كون الانحراف إلىٰ ما لا يسامت القبلة استدباراً، أو إلى اليمين و اليسار، فإنّما يؤثّر لو لم يتّفق حكمهما، مع أنّه يمكن أن يكون تفصيلهم بين ما بين اليمين و اليسار و الاستدبار، لا بين اليمين و اليسار و الاستدبار، و لعلّ تفصيلهم مأخوذ ممّا في رواية «عمّار».

و في ملاحظة مدرك الحكم في الصُّوَر من غير ناحية المقابلة في كلماتهم، ما يعيّن الحكم و يرشد إلىٰ إرادتهم ما يستفاد من الأخبار. و قد عرفت تحقّق الاستدبار بمجرّد المجاوزة عن اليمين و اليسار؛ و وجه اتّحاد حكم الجميع؛ و أنّ نفس محاذاة اليمين و اليسار لا يكون استقبالًا و لا استدباراً، و لكنّه ملحق بالثاني علىٰ الأصل الذي لا يخرجه ما دلّ علىٰ قِبْليّة ما بين اليمين و اليسار. و أمّا عدم الإعادة في خارج الوقت فمفهوم بالفحوىٰ ممّا

دلّ علىٰ عدمها في أزيد من ذلك من الانحراف؛ كما أنّ الانحراف إلىٰ ما بين اليمينين استقبال بحسب النصوص و الفتاوىٰ.

و ظاهر التعبير بقوله

شمالًا

يعني اليمين و اليسار في تقدير إرادة الأعمّ من الاستدبار كلَّ انحراف إلىٰ ما بين اليمين و اليسار، لا ما فوقهما يعني الانحراف إلىٰ الاستدبار، خفاء الحكم في ما بين اليمين و اليسار عليه، و هو كما ترى.

و أما استفادة التوسعة في التنزيل بدون فرق بين المشرقين و غيرهما، و فيهما بين الاعتداليّين و غيرهما، فإنّما تتّجه بناء على الكناية عن مطلق اليمين و التياسر، أو إلغاء الخصوصيّة علىٰ ما مرّ من اتّحاد المَقرّ و غيره في الجوانب كلّها بحسب مقدار الانحراف. و التوسعة بغير أحد هذين النحوين، ممّا لا يستفاد من أدلّة المقام.

[الأمر الثالث] حكم انكشاف الخلاف للناسي و الغافل و الجاهل

ثم إنّ المستفاد من أدلّة الشرطيّة، البطلان بالانحراف مطلقاً، بحيث يوجب الإعادة و القضاء خرج منه في ما بين المشرقين، أعني اليمين و اليسار بالنص و الإجماع كما أنّ الخارج منه يعيد و لا يقضي إلّا في الاستدبار، و قد مرّ أنّه أيضاً لا يقضي معه و هو المعتمد أخيراً، لكنّ مورد التنزيل بلا شبهة إنّما هو الظنّ المعتبر بالقبلة، و كذا المتحيّر الموظّف بالصلاة إلىٰ ما يحتمل في آخر الوقت، أو مطلقاً.

و أمّا الناسي و الغافل و الجاهل المقصّر بالحكم، فيمكن دعوى عدم شمول دليل التنزيل لهم، و لو تمشّىٰ قصد القربة؛ لكن الناسي و الغافل يقوىٰ لحوقهما بالظانّ، للعذر شرعاً مع الموافقة في الانحراف في ما بين المشرقين، أعني اليمين و اليسار؛ و كذا الجاهل القاصر.

و أمّا المقصّر فهو في الإثم كالعامد، و إن فُرض تمشّي قصد القربة منه بأن قصد الفحص بعد الصلاة و

انكشاف الانحراف الموجب للإعادة، ثمّ انكشف أنّها في ما بين المشرقين، و لا يكون عاصياً إلّا مع التفويت العمدي، و لا يكون مفوّتاً مع شمول التوسعة له، فتقرّبه كالخيال؛ أمّا استفادته من استثناء المسألتين فقطّ في المقصّر، فيمكن الخدشة فيها؛ فإنّه لا مفهوم لبيان الحكم فيهما، أو لا دليل علىٰ هذا المفهوم المنتقض بكثير من المسائل في الحجّ.

و أمّا غيره فلا يبطله صحيح «زرارة» «1» الشامل للسهو، لمكان دليل التوسعة علىٰ ما عرفت الوجه في حكومته علىٰ أدلّة الاشتراط، فتذكّر.

و مثله ترك الاستفصال في الصحة في ما بين المشرق و المغرب في بعض أخبارها، بل قد مرّ شموله للعمد في لسانه، الموافق للمستظهر من أخبار بعض الأمارات «2» المتعرّضة لوضع «الجدي» على اليمين، إلّا في طريق الحجّ، فبين الكتفين؛ فإنّ التفاوت في ما بينهما تفاوت بين اليمين و اليسار، و معه أهمله في الرواية، مع عدم فرض السهو و الجهل و الظنّ بالخلاف. و لا يكون إلّا للاغتفار في ما لم يصلّ إلىٰ ربع الدائرة، فيوافق روايات قِبْليّة ما بين المشرق و المغرب، فيكون أوسع ممّا بنىٰ عليه بعض المتأخرين من جواز الانحراف العمدي إلىٰ ستّة أصابع، و هو قريب من أربع درجات؛ و كذا أولويّة جعل «الجدي» في «الكوفة» خلف الاذن اليمنىٰ، مع الأمر في الرواية للكوفي بجعله في القفا «3».

[الأمر الرابع] تبيّن الانحراف في أثناء الصلاة

إذا تبيّن الانحراف اليسير في أثناء الصلاة، استقام و صحّت صلاته، لإطلاق أدلّة قِبْليّة ما بين المشرق و المغرب، و خصوص موثّق «عمّار»، و لأنّ ما لا يفسد الكلّ فهو بأن لا يفسد البعض، أولىٰ؛ فإن كان من فقد الشرط فيفسدهما؛ و إن كان من وجود الشرط في غير العمد، فلا يفسدهما، و

هذا جيّد.

و أمّا الأولويّة، فيمكن تقريرها بأنّ عدم الفساد مع عدم الاستقبال الحقيقي رأساً يقتضي عدمه مع تحقّقه في البعض بالأولويّة، و إلّا فنفس عدم وجوب إعادة الكلّ لا يقتضي أولويّة عدم وجوب إعادة البعض.

و عليه ينزّل خبر «القاسم بن الوليد» بناء علىٰ عود الضمير في «يستقبلها» إلىٰ الأقرب، و هو القبلة، مع مشروحيّتها بروايات قِبْليّة ما بين المشرقين، و بخصوص موثّق «عمار»، و قد مرّ حكومة الطائفة الأُولىٰ علىٰ إطلاق الآمرة بالإعادة في الوقت دون خارجه.

و لو تبيّن الانحراف الكثير في الأثناء فإنّه يستأنفها، لعدم إمكان التصحيح.

[الأمر الخامس] لو تبيّن الانحراف في الأثناء و لا يسع الوقت للإعادة

و لو تبيّن الانحراف الموجب للإعادة في الوقت بعد خروج الوقت، و كان في أثناء الصلاة الواقعة بإدراك ركعة مثلًا من الوقت، و كان المصلّي في الركعات الخارجة عن الوقت، فعن «الذكرى»: أنّ فيه وجهين: من فحوى أخبار نفي القضاء؛ فإنّ نفي القضاء مع وقوع الكلّ منحرفاً يقتضي نفيه مع وقوع البعض منحرفاً بالأولويّة، لأنّ ما يفسد البعض يفسد الكلّ بالأولويّة، فعدم الثاني يقتضي عدم الأوّل بالأولويّة؛ و من إطلاق خبر «عمّار» لما إذا كان التبيّن للانحراف الكثير في أثناء الصلاة بعد خروج الوقت.

و إطلاقه لما بعد الوقت لا يخلو عن ضعف؛ مع أنّ إيجاب الانحراف الكثير في البعض للإعادة، لا يزيد علىٰ إيجاب الكثير لها في الكلّ، و قد مرّ أنّه مقيّد بما دلّ على التفصيل بين الوقت و خارجه؛ فكذا الانحراف في البعض يوجبها في الوقت لا في خارجه، مع أنّ روايات التفصيل «4» ورودها في التبيّن بعد العمل، و تنفي القضاء فيه. و إلحاق التبيّن في الأثناء مع كون الإعادة قضاءً متّجه، و هو أولىٰ من إلحاقه بصورة إمكان الإعادة في الوقت حتّى يثبتها

في خارجه.

و أمّا تأييد الوجه الثاني بالأدائية، فوجهه أنّ الصلاة الواقعة في الوقت يوجب الانحراف الكثير فيها، إذا تبيّن في الأثناء الإعادة، و هذه الصلاة واقعة في الوقت تنزيلًا، فالانحراف الكثير في أثنائها إذا تبيّن، يوجب الإعادة، و إن كانت متخصصة بالقضاء اتّفاقاً.

لكنّ التنزيل إنّما هو في الوجوب و نفي وجوب القضاء، لا في جميع أحكام الصلاة في الوقت التي منها الإعادة مع تبيّن الانحراف الكثير، أعني غير ما بين المشرقين في الأثناء. و أمّا ما عن «المبسوط» من نفى الخلاف في الاستدبار المكشوف في أثناء الصلاة في

______________________________

(1) الوسائل 3، أبواب القبلة، الباب 9، ح 1.

(2) الوسائل 3، أبواب القبلة، الباب 5، ح 2.

(3) الوسائل 3، أبواب القبلة، الباب 5، ح 1.

(4) الوسائل 3، أبواب القبلة، الباب 11.

بهجة الفقيه، ص: 244

كونه موجباً للإعادة، فهو مطلق من حيث التبيّن بعد الوقت أو فيه، فيكون كاشفاً عن مثل إطلاق موثق «عمّار»، و قد مرّ ما فيه.

و يمكن تأييد نفي القضاء بأنّ هذه الصلاة يدور الأمر فيها بين المحافظة على الوقت و الاستقبال، و الأوّل أهمّ و إن كان الوقت تنزيليّاً؛ فإنّه لا يكون قضاء، و يتقدّم على القضاء مستقبلًا؛ و كذا لو تبيّن الانحراف الكثير في الأثناء في الوقت لكنّه لا يتمكّن على تقدير القطع من الإتيان بركعة في الوقت؛ فإنّ الدوران و التقدّم جاريان هنا أيضاً، و الانحراف الكثير في التمام في هذا الوقت لا يوجب القضاء، ففي البعض بالأولويّة؛ و كذا لو كان تبيّن الانحراف الكثير بعد الوقت و قبل خروج الوقت مع عدم سعة الوقت لركعة؛ فإنّه أيضاً يلحق بالتبيّن في خارج الوقت في نفي القضاء، لعدم إمكان الإعادة حينئذٍ.

[الأمر السادس] لحوق الناسي و الغافل و القاصر و المتخيّل في الموضوع، بالظانّ

ثم إنّ

الأظهر لحوق الناسي و الغافل و القاصر و المتخيّل في الموضوع، بالظانّ المجتهد إذا أخطأ في حكمه في الأثناء و بعد العمل، و تبيّنه في الوقت أو بعده، و كون الانحراف يسيراً أو كثيراً؛ كما هو الموافق للارتكاز المفهم لاشتراك موارد العذر في الدخول في الصلاة و الإتيان بها.

أمّا الانحراف اليسير، فهو علىٰ طبق العموم في القبلة التنزيليّة علىٰ نحو لا يخرج عنها سوى العلم و العمد، كما هو لسان قِبْليّة ما بين المشرق و المغرب كلّه.

و أمّا الإعادة في الكثير في الوقت، فعلى طبق القواعد المقتضية لانتفاء المشروط بانتفاء الشرط.

و أمّا نفي القضاء في الخارج، فبترك الاستفصال في روايات التفصيل بين الوقت و خارجه في ما بين الظانّ و غيره، بل في بعضها الجواب الواحد للسؤال عن المتحرّي بجهده و غيره، كخبر «يعقوب بن يقطين» «1»، و هو الموافق للارتكاز متقدّم ذكره.

______________________________

(1) الوسائل 3، أبواب القبلة، الباب 11، ح 2.

بهجة الفقيه، ص: 245

[مسألة] وجوب استئناف الاجتهاد في الاستقبال و عدمه

اشارة

مسألة: إذا اجتهد لصلاة و قد دخل وقت أُخرى فإن تجدّد شكٌّ بحيث زال الظنّ الفعليّ الذي عليه كان المدار دخل في العمل بالظنّ السابق، أو لا للتأخير، استأنف الاجتهاد، إذ ليس المدار علىٰ الأمارات المعتبرة شرعاً من باب الظنّ النوعي، بل علىٰ فعليّة الظنّ. و كفاية الظنّ السابق المتبدّل إلى الشك أو ضعف درجته محتاجة إلى الدليل.

و الظاهر جريان ذلك في العمل الواحد أيضاً، لجريان احتمال التكليف بالاستقامة، الذي لا يدفعه سوى العسر و الحرج لو كانا في مورد، بخلاف صورة إمكان الاجتهاد في الأثناء بلا عسر و بلا إبطال للصلاة؛ فإذا لم يمكن، لم يتمكّن في شخص هذا العمل من سوىٰ الاجتهاد السابق على العمل.

مع إمكان المناقشة فيه

بأنّ إمكان تحصيل الاجتهاد للصلاة التامّة بظنّ الاستقبال، يوجب رفع اليد عن الصلاة المشروع فيها بالظنّ الزائل في الأثناء، و لا يكون إبطالًا بل إتمام الصلاة بلا حجّة في البقاء كالدخول فيها بلا حجّة في الحدوث.

إلّا أن يقال: إنّه مع الدخول علىٰ وجه سائغ، فالالتفات بالشك في الأثناء مع كونه شاكّاً قبل العمل بشكّ سعىٰ بالاجتهاد في رفعه حتى جاز له الدخول، مخالف للمرتكزات؛ و لعلّ السيرة تشهد بالخلاف وفاقاً لما عن كتب «العلّامة»، و حُكي عن «كشف اللثام»؛ مع أنّه ممّا ينشأ من أمثاله الوسوسة، المستبعد وجوب ما له المعرضيّة لها. و أمّا إن لم يتجدّد شكٌّ و علم بعدم تغيّر الأمارات و عدم حدوث غيرها، فلا إشكال في بقاء أثر الاجتهاد للصلوات المتأخّرة عنه. و أمّا إن علم بالتغيّر، أو حدوث الغير، أو احتمل ذلك و لم يزُل الظنّ السابق بأصله بل بتلك الدرجة، فإن احتمل الظنّ في ما بعدُ بالانحراف وقع عن القبلة بحيث يسقط الظنّ السابق، أو يكون أقوى ممّا سبق، أمكن إيجاب الاجتهاد ثانياً، إلّا في ما مرّ من أثناء العمل الواحد.

بهجة الفقيه، ص: 246

و أمّا إن لم يحتمل إلّا ترقّي الظنّ و عدمه، فالظاهر عدم الوجوب، كما لا يجب تحصيل العلم مع الأمارة الظنيّة. و لا يجب طلب الأقوىٰ من الظنون، إلّا إذا احتمل انكشاف الانحراف و لو بظنّ مساوٍ أو أقوى؛ فمع احتمال الظنّ بالخلاف، أو انتفاء الظنّ الموافق السابق يجتهد، و إلّا فلا دليل علىٰ وجوب الاجتهاد لمجرّد ترقّي الظن.

و الظاهر عدم الفرق بين العلم بالتغيّر و احتماله مع احتمال الظنّ بالانحراف، أو انتفاء الظنّ السابق بعد الاجتهاد الثاني؛ و هذا بخلاف ما لا يلزم فيه

بقاء صفة الظن بالفعل كالاجتهاد في الأحكام، و لا يجدّد بمجرّد عدم حضور الدليل في مقام العمل أو الإفتاء لما فيه من العسر الواضح المنفي قطعاً؛ فإنّه مفوّت للاجتهاد في ما لم يجتهد فيه ممّا يبتلىٰ به العموم.

و بالجملة، فما يعتبر فيه الظنّ الفعلي من الموضوعات، لا يجدّد إلّا مع احتمال زوال الظنّ بظنّ مساوٍ أو أقوى.

[و ينبغي التنبيه على أمور]
[الأول] حكم الانكشاف الظنيّ للخلاف بعد الاجتهاد الثاني

ثم إنّه لو اجتهد ثانياً بعد العمل، فظنّ بخلاف الأوّل، و أنّ العمل كان مع انحراف كثير، فلا إعادة عليه، بخلاف تبيّن الخطأ في الاجتهاد الأوّل كما مرّ، لأنّ الاجتهاد الثاني لا يؤثّر في ما مضى. و مقتضى حجيّة الظنّ الثاني لزوم العمل في ما بعد علىٰ وفقه، لا لزوم إعادة ما وقع سابقاً علىٰ خلافه. و مع الظنّ بخلاف الأوّل و وقوع العمل الأوّل مستدبراً، فمقتضىٰ أصالة الصحّة و قاعدة الفراغ الجاريتين مع الظنّ الشخصي بالخلاف، هو صحّة ما مضى و عدم لزوم إعادة في البراءة من تكليفه.

و حيث لا إعادة عليه قبل العمل بالثاني، فالعلم بوقوع الثاني مستدبراً أو بلا شرط، لترتّبه علىٰ ما فرض كونه مستدبراً فيه، لا يؤثّر في شي ء، للقطع التفصيلي بالتوظيف للثاني بالظنّ الثاني، و التعبّد بصحّة الأوّل، و لا ترتّب للثاني إلّا علىٰ ما هو

بهجة الفقيه، ص: 247

صحيح و لو بالتعبّد الشرعي المنتفي في ما تبيّن كون الأوّل استدباراً كما مرّ، لا بسبب الظن بذلك، لأنّ تأثير العلم إمّا في جعل الثاني بحكم الاستدبار و الحجّة علىٰ خلافه، أو بجعل الأوّل في حكم الاستدبار؛ و التعبّد الشرعي متعلّق بكونه لا يعاد منه و لو كان استدباراً في الواقع؛ فأخذ الاستدبارين في الواقع معذور منه بالحجّة، و الآخر كذلك لا

حكم فيه بالإعادة بسبب الاستدبار الواقعي المظنون حال العمل عدمه؛ فكلّ واحد منهما إمّا لا استدبار فيه واقعاً، أو لا حكم للاستدبار الواقعي فيه شرعاً. فهل يمكن إجراء ذلك في العمل الواحد المتبدّل فيه الظن في الأثناء، أو لا؟

وجه العدم أنّ العمل الواحد المعلوم خطأ أحد الاجتهادين و عدم إصابته الواقع، وقع مستدبراً في بعض أجزائه يقيناً، فلا يمكن تصحيحه بوقوع الجزء السابق بالظنّ السابق، و الجزء اللاحق بالظنّ الآخر، و كلّ منهما يوجب عدم إعادة ما أتى به مقارناً لظنّه، و أنّ الجزء اللاحق مترتّب على السابق الصحيح في موطن تحقّقه لا مطلقاً.

مع إمكان أن يقال: إنّ لزوم الإعادة ليس لواقعيّة الاستدبار بل للعلم به، و حيث إنّه غير مفروض في المقام الاستدبار الواقعي في الأثناء، و إنّما المفروض الاستدبار بالإضافة إلى التشخيص الظنّي المشترك بين الظنّين؛ فوقوع الصلاة مستدبراً واقعاً غير معلوم؛ و وقوع اللاحق بلا استقبال في نفسه أو في ما قبله بنحو ينافي صحّته التأهّليّة أيضاً غير معلوم، و إنّما هو مظنون بما لا دليل علىٰ تأثيره في العمل السابق عليه. و لو كان من أجزاء العمل الباقي فيه، فالصحّة التأهّليّة للأوّل مستصحبة، و مقتضاه كفاية إتباعه باللاحق الصحيح شرعاً.

و يمكن المناقشة في الفرعين أعني ترتّب الثاني علىٰ الأوّل كان ذلك في أثناء عمل واحد، أو قبل العمل المترتّب على السابق بأنّ المانع ليس هو العلم الإجمالي حتّى يقال بالعذر في ما سبق في حينه و في اللاحق من حينه، بل العلم التفصيلي بوقوع الثاني مع الاستدبار، أو مترتّباً علىٰ ما فيه الاستدبار بحيث يكون الإتيان بالثاني عملًا

بهجة الفقيه، ص: 248

بالظنّ الأوّل أيضاً؛ و هذا بخلاف العملين اللذين يعلم

إجمالًا بوقوع أحدهما مع الاستدبار؛ فإنّه لا يعيد إلّا مع انكشاف ذلك؛ فقبل الإتيان بالثاني، لا يعيد الأوّل و عليه الإتيان بالثاني، و لا يمكنه إلّا مع الظنّ الأخير، فهو عَلِم بتكليف يعذر في مخالفته علىٰ أيّ تقدير.

و أمّا منع حصول العلم فلا وجه له؛ فإنّ الظنّ الثاني و إن كان كالأوّل اجتهاداً لا تبيّناً، إلّا أنّه يعلم مع كون كلّ صلاة بالنسبة إلى الاجتهاد الآخر واقعة مستدبراً فيها، بأنّ إحداهما مستدبر فيها عن القبلة الواقعيّة أيضاً، إذ لا يمكن فرض ذلك إلّا مع الاستدبار الواقعي بناء علىٰ أعميّته من نفس اليمين و اليسار، فهذا العلم يمنع في صورة الترتّب لا مع عدمه، كما عرفت.

و من هنا يلزم الاحتياط بإعادة ما سبق بظنّه الأخير قبل الإتيان بالعمل اللاحق، لكنّه ليس لمكان الخروج من التكليف بالأوّل، و إلّا لزم ذلك مع عدم الترتّب و الاشتراط في العملين أيضاً، بل للخروج عن عهدة التكليف بالثاني أو اللاحق المعلوم فساده تفصيلًا لو اقتصر علىٰ الإتيان به وحده بظنّه الأخير.

[الأمر الثاني] أربع صلوات مترتّبة و غيرها مع أربع اجتهادات

و لو صلّىٰ أربع صلوات مع الترتّب بأربع اجتهادات، فقد ظهر الحكم ممّا مرّ، و مع عدم الترتّب، فلا يعيد إلّا مع كون تبيّن الخطأ بالعلم كما سبق؛ و لو بُني علىٰ الإعادة مع تبدّل الظنّ بالظنّ، فالظاهر لزوم إعادة ما عدا الأخير، للعلم الإجمالي بالاستدبار في الثلاثة المخالفة للاجتهاد الأخير، فيعلم بالاستدبار إمّا في الأخير أو في كلّ واحد من الثلاثة المتبيّن فيها خطأ الاجتهاد بالاجتهاد.

و قد مرّ عدم تأثير العلم الإجمالي مع وجود أصالة الصحّة في كلّ صلاة ماضية، و لزوم العمل بالظنّ الأخير الذي لم يتبدّل إلىٰ غيره، فلا موجب لإعادة شي ء؛ لكنّه علىٰ تقدير لزوم

الإعادة، فإعادة الأربع بلا وجه، و إعادة ما قبله متعيّنة.

بهجة الفقيه، ص: 249

و يمكن أن يقال: إنّ صلاتين من الثلاثة الأُوَل لا يجتمعان في عدم الاستدبار واقعاً، فحيث لا يتعيّنان فعليه إعادة الثلاثة بدون تعليق لحكم الاجتهاد علىٰ حكم العلم بالخطإ. و أصالة الصحّة في كلّ من الاثنتين في ضمن الثلاثة معارضة بها في غيره، للقطع بالمخالفة للواقع؛ نعم، العلم بالخطإ الكثير إذا كان في خارج الوقت لا يوجب القضاء و إن كان تفصيليّاً، فضلًا عمّا لو كان إجماليّاً.

و عن «الذكرى» ردّ القول بإعادة الجميع كما عن «نهاية الأحكام» بأنّه: لو وجبت الإعادة، لم يؤمر بالصلاة مع تغيّر الاجتهاد، و لعلّه يريد تعارض الاجتهادين مع عموم المتعلّق في كلّ منهما.

و يمكن الخدشة فيه مع عدم اختصاص الإيراد بالأوّل بأنّ المدار في صحّة العمل و عدم وجوب الإعادة، الظنّ الفعلي حال العمل، و عدم تبيّن الخطأ بعده في الوقت؛ فإن قلنا بأنّ الظنّ بالخلاف كتبيّن الخطا، فمقتضاه لزوم الإعادة في الوقت، لا عدم جواز الصلاة مع الظنّ الفعلي المتأخّر، بل الإعادة أيضاً علىٰ طبق الظنّ الفعلي حال الإعادة، و كيف يظنّ من يعلم تبدّل ظنّه بعد العمل؟ و كيف يتوقّف مع احتمال التبدّل عن العمل؟ ثم احتمل أخيراً بالاحتياط إلىٰ أربع، يعني في صلاته المتأخرة بعد التبدّل لمعارضة الظنّين، مع أنّه كيف يسقط الظنّ الثاني و لا يسقط الأوّل، حتى يحتاط في ما تأخّر، و لا يعيد ما تقدّم؟ كما في كلامه من التعليل بالدخول مشروعاً مع إمكان صحّته؛ إلّا أن يستند إلىٰ أصالة الصحّة، و فيه ما مرّ، مع إمكان الاستناد إلىٰ ما دلّ علىٰ كفاية التحرّي لما يأتي.

فلا وجه للزوم الصلاة إلىٰ أربع،

و كيف تتصوّر المعارضة بين الظنّين مع فعليّة الظنّ الأخير و كون الاعتبار بالظنّ الشخصي الفعلي حال العمل؟

و عن «الذكرى»: أنّه لو ظهر خطأ الاجتهاد بالاجتهاد، ففي القضاء أي إعادة ما صلّىٰ بالأوّل مطلقاً، أو بالوقت خاصّة، علىٰ حسب ما مرّ من وجوه الخطأ، إشكال.

بهجة الفقيه، ص: 250

قلت: تقدّم ما فيه في الانحراف الكثير، أو أنّه لا يعيد إلّا ما تبيّن الخطأ في الوقت مع عدم الترتّب بين الصلاتين؛ و تقدّم الإشكال مع الترتّب، كان في الأثناء. و لا ينافي ذلك اشتراط القبلة؛ فإنّه مقيّد بحسب الأدلّة بعدم الظنّ بالخلاف بالظنّ الذي لم يتعقّب بظهور الخطأ في ما بعده في الوقت، و إلّا أجزأ العمل بالظنّ؛ و أمّا معارضة الظنّين، فلا أثر لها في ما بعد العمل، كما مرّ.

[الأمر الثالث] بعض موارد العلم أو الظنّ بالاستدبار أو الشك

أمّا لو علم بالاستدبار في الوقت بعد العمل، و لكنّه لم يظنّ بالقبلة في جهة خاصّة و بقي متحيّراً في غير تلك الجهة، أعاد ما أتى به علىٰ حسب وظيفته الفعلي لو أُمر بالصلاة؛ فلو قلنا بالأربع على المتحيّر المطلق، كان علىٰ هذا الثلاث، أو قدر [ما] لا ينحرف عن القبلة إلّا بأقلّ من رُبع الدائرة كما مرّ في شرح قِبْليّة ما بين الشرقين؛ و لا إعادة في خارج الوقت كما لو اجتهد ثانياً، و كذا لو شك في اجتهاده بالأولويّة، لكنّه لا يعيد في الوقت أيضا لما مرّ من انحصار الإعادة بظهور الخطأ في الوقت.

و إن شكّ أو ظنّ الخطأ في الأثناء و أمكنه الاجتهاد في الأثناء، و أتمّ ما لم ينته إلى القطع بالاستدبار في السابق أو اللاحق بخلاف الانحراف اليسير، فلا مانع عنه؛ و إن لم يتمكّن من الاجتهاد في الأثناء، ففي

السعة يحتاط بالإتمام مع الاحتمال الغير المنتهى إلى القطع المذكور، ثمّ الإعادة بعد الاجتهاد؛ و في الضيق يتمّ بالاجتهاد الغير الموجب للعلم بالاستدبار، و ليس عليه الإعادة مع عدم التمكّن من صلاة في الوقت عن اجتهاد صحيح، و لو كان بركعة في الوقت بعد الاجتهاد.

نعم، يحتمل مع ضيق الوقت إتمام الصلاة علىٰ غير جهة الخطأ المتبيّن في الأثناء، و عدم شي ء من البطلان أو الإبطال؛ و ذلك لأنّه يُفهم من دليل إثبات الإعادة و نفي القضاء في الانحراف الكثير أنّه إذا لم يتمكّن من الإعادة في الوقت تصحّ صلاته و لو كان التبيّن في الوقت.

بهجة الفقيه، ص: 251

مضافاً إلىٰ دوران الأمر بين الاستقبال و الوقت في هذه الصلاة، و أهمّية الثاني معلومة، فيتمّها إلىٰ غير جهة الخطأ ممّا لا يقطع بالاستدبار في إحدى الجهتين.

و لو ظنّ بما فيه القطع بالاستدبار في واحد منهما؛ فإنّه يتمّ على الظنّ الأخير. و لا يضرّ القطع المذكور حيث لا يتمكّن من الصلاة المستأنفة بالاجتهاد الأخير و لو بركعة تامّة.

و أمّا كون تحريم القطع مانعاً عن الاجتهاد، فمخدوش بأنّه مع عدم إمكان تصحيح الصلاة بالاجتهاد السابق الزائل، فهو من البطلان لا الإبطال؛ كما لو شرع في الصلاة بالطهارة المستصحبة، ثم في الأثناء زال اليقين السابق، فلا دليل علىٰ تحريم القطع في مثل ذلك.

و لو بقي متحيّراً في الأثناء؛ فإنّه يعمل بالاحتياط مع السعة؛ فإن أتمّها بلا يقين بالاستدبار، فهو من أربعة الاحتياط علىٰ تأمّل، موجب للإعادة مع تبيّن الخطأ الكثير في الأثناء مع السعة، فالاحتياط في غير تلك الجهة بالتكرار المتقدّم.

[الأمر الرابع] حكم ائتمام شخص بالآخر مع الاختلاف في الاجتهاد

و أمّا ائتمام أحد المجتهدين بالآخر مع المخالفة بالانحراف الكثير كانت المخالفة في العلمين، أو الظنّين، أو مع

الاختلاف فحيث يرجع ذلك إلى العلم التفصيلي بوقوع صلاة المأموم مخالفة للواقع إمّا للمخالفة العرضيّة من جهة خطأ الإمام، أو الذاتيّة من جهة خطأ نفسه، و لا دليل علىٰ كفاية صحّة صلاة الإمام بحسب علمه أو اجتهاده في ترتيب الغير أثر الصحّة علىٰ تلك الصلاة، فهو متّحد في الحكم مع العلم بخطإ الإمام، أو الحجّة علىٰ خطائه، بحيث لا يجوز للمأموم أن يصلّي بمثل تلك الصلاة المخالفة للواقع علماً، أو ظنّاً معتبراً بحسب علم المأموم، أو ظنّه المعتبر، بحيث ليس فيه إلّا أنّ الصلاة بحسب اعتقاد المصلّي نفسه صحيحة مجزية.

بهجة الفقيه، ص: 252

و الحجّة القائمة على الطريقيّة و إن كانت مع المخالفة للواقع لا تكشف عن شي ء من المصلحة، فحجّة الإمام عند المأموم كالعدم، كالعكس؛ فلا بدّ من القول بحجيّة كلّ طريق لمن قام عنده و من يتّبعه، فليس للغير الائتمام بمن لا يتّبعه و هو عالم، أو ظانّ بعدم إصابة الإمام و عدم بدليّة ما في صلاته عن الواقع، كما هي لازمة للقول بالسببيّة.

فلا بدّ في القول بالإجزاء بعد انكشاف الخلاف في مورد، إلى الدليل الخاص كالإجماع و نحوه، الكاشف عن تقيّد الحكم الواقعي من الشرطيّة أو الجزئيّة، الكاشف عن المصلحة الواقعيّة بعدم الظنّ بالخلاف حين العمل بما يكون عذراً لدى المخالفة للواقع، و إلّا فالعدم على الطريقيّة على القاعدة.

و ليس من مورد البحث احتمال كون صلاة الشخص فاقداً للشرط مثلًا و لو كان معتقداً للصحّة أيضاً، أو احتمال وقوع الصلاة إلىٰ غير القبلة الواقعيّة عن اجتهاد، أو احتمال فقدان الصلاة على الميّت، الواقعة من الغير لبعض الشروط، أو احتمال فقدان الذبح لبعض الشرط لاعتقاد الصحّة، و كذا الجماعة الواقعة في الظلمة المحتمل

فيها مخالفة المأمومين للإمام في الجهة بالاختلاف الفاحش. فإنّها من موارد جريان أصالة الصحّة، و الكلام هنا في غير ذلك من موارد العلم بوقوع الصلاة فاقداً للشرط الثابت شرطيّة عند الغير معتمداً علىٰ اجتهاد الفاعل، كالغَسل الواقع للبول بالقليل مرّة باعتقاد الكفاية، و العقد الواقع بالفارسيّة باعتقاد الصحّة؛ فترتيب الغير أثر الصحّة علىٰ هذا العمل الذي هو فاسد بظنّ الغير أو عمله، يحتاج إلىٰ دليل كالسيرة أو لزوم العسر، و لو تمّ ذلك في مورد يقتصر عليه فيه.

بهجة الفقيه، ص: 253

المقدمة الرابعة في لباس المصلي

اشارة

بهجة الفقيه، ص: 255

الفصل الأوّل الصلاة في جلد الميتة و هنا أمور

[الأول] اعتبار التذكية و حكم الصلاة في مشكوك التذكية

لا تجوز الصلاة في شي ء من الجلود إلّا ما كان مذكّى، و لا تأثير للدبغ في غير المذكى عندنا.

و هل تجوز الصلاة في مشكوك التذكية؟

مقتضىٰ أصالة عدم التذكية علىٰ فرض عدم الدليل الاجتهادي علىٰ شي ء من الجواز و العدم، هو عدم الجواز.

و تقرير الأصل بأنّ الزهاق المحقّق كان مسبوقاً بعدم تحقّق السبب الوجودي المسمّى بالتذكية قبل الزهاق، فهو مستصحب إلىٰ زمان الزهاق و لا يعارضه أصالة عدم الزهاق حتف أنفه أو لسبب آخر غير التذكية؛ فإنّ الأثر للتذكية و عدمها، لا لأضداد التذكية إلّا أن يثبت استصحاب عدمها تحقّق التذكية. و هذا بخلاف استصحاب عدم التذكية، فيترتّب عليه رفع أثرها بلا إثبات.

و انتفاء التذكية و عدمها بانتفاء الزهاق الذي هو في قوّة الموضوع لهما، لا يستلزم إلّا انتفاء العدم المقابل للملكة لا انتفاء السلب المقابل للإيجاب، فيثبت حيث ينتفي الإيجاب.

و يبقى التأمّل في أنّ الاعتبار، بمجرّد عدم العلم بالتذكية في جواز الصلاة، كما هو

بهجة الفقيه، ص: 256

ظاهر إطلاق روايات مجوّزة للصلاة و نحوها بمجرّد عدم العلم بالميتة «1»؛ أو أنّ الاعتبار، بالأمارة على التذكية، و مع عدمها يحكم بعدم التذكية بالأصل الذي لا يجري إلّا مع عدم الدليل علىٰ أحد الطرفين؟

و يمكن أن يقال: إنّ لازم أصالة التذكية الموافقة للإطلاقات، عدم المحمل الصحيح لما أناط من الروايات «2» بيد المسلم، أو سوقه، أو أرضه، أو غلبة المسلم في الأرض.

[الأمر الثاني] أمارات التذكية و يد الكافر في أرض المسلمين

ثمّ إنّ ظاهر الروايات الاكتفاء بكلّ من اليد، و السوق للمسلمين، و الأرض الغالب فيها المسلمون في الحكم بالتذكية، فيؤخذ بمقتضىٰ الأماريّة في ما يحتمل فيه التذكية. و منه ما لو علم بمسبوقيّة يد المسلم بيد الكافر إذا احتمل الانتهاء إلى المسلم و يده.

و

هذا هو الوجه في الحكم الموافق لإطلاق دليل الأمارات المذكورة، لا أقوائيّة يد المسلم من يد الكافر و الترجيح بالأقوائيّة المذكورة، لعدم الدليل علىٰ الأقوائيّة.

فإنّ خبر «إسحاق» «3» المثبت للبأس مع عدم أغلبيّة المسلم في أرض الإسلام لا يدلّ علىٰ الأماريّة ليد الكافر، المكشوفة بعدم الغلبة المذكورة؛ فإنّه مع التساوي فضلًا عن غلبة الكافر، لا أماريّة ليد المسلم و ما يكشف عنها، لا أنّ أماريّتها معارضة بأماريّة يد الكافر و ما يكشف عنها، فيمكن أن يكون الموجب للبأس هو أصالة عدم التذكية مع عدم الأمارة عليها، لا ثبوت الأمارة علىٰ عدمها مع عدم أقوائيّة الأمارة علىٰ وجودها.

و كذا قوله

إذا رأيتم المشركين يبيعون ذلك

في خبر «إسماعيل» «4» لا يدلّ علىٰ أماريّة المشرك لعدم التذكية، و إلّا لم يكن وجه للسؤال مع الأمارة المعتبرة على العدم.

______________________________

(1) الوسائل 2، أبواب النجاسات، الباب 50.

(2) الوسائل 2، أبواب النجاسات، الباب 50.

(3) الوسائل 2، أبواب النجاسات، الباب 50، ح 5.

(4) الوسائل 2، أبواب النجاسات، الباب 50، ح 7.

بهجة الفقيه، ص: 257

كما أنّ الأمر في التبيّن في الآية الشريفة «1» ليس لأمارية إخبار الفاسق علىٰ خلاف الواقع، بل لعدم الأمارة علىٰ وفاق الواقع، فلا بدّ من الفحص عنها.

و بالجملة، فالمدار علىٰ الأصل المذكور أو الأمارة على التذكية؛ و منه يظهر أنّ يد الكافر لا حكم لها في أرض الإسلام و سوق المسلمين مع احتمال مسبوقيّتها بيد المسلم؛ فالكاشف عن يد المسلم لا دافع له، فهو كالمأخوذ من المسلم، المعلوم مسبوقيّة يده بيد الكافر، المحتمل مسبوقيّتها بيد المسلم.

و ما علّل به في محكيّ «الذكرى» من العمل الظاهر في الحكم بميتة ما في يد الكافر، لا يقتضي الأماريّة، لاحتمال العمل بالأصل، لا

بأماريّة يد الكافر؛ فإنّ ما في يد الكافر يعلم بعدم تذكية الكافر له، لأنّه ليس من أهلها.

و أمّا عدم التذكية من المسلم مطلقاً، فهو أمر محتمل؛ فيمكن انكشاف التذكية بأمارة سابقة من يد المسلم، أو بكاشف عن يده من أرض أو سوق للمسلمين.

و منه يظهر أنّ اشتراك اليدين لا يمنع عن أماريّة يد المسلم على التذكية و إن علم بسبق يد الكافر مستقلّة، إذا احتمل سبق يد المسلم على السابقة أيضاً.

فلا ينبغي الإشكال في المأخوذ من يد الكافر في أرض المسلمين مع احتمال تذكية المسلم و يده، و كذا المأخوذ من المسلم مع العلم بسبق يد الكافر مع احتمال سابقيّة يد المسلم على اليد السابقة أيضاً.

و منه يظهر ما في دعوى التعارض بين سوق المسلمين و يد الكافر بالعموم من وجه، و الجواب عنه، بالترجيح بالشهرة و الإجماع كما في «الجواهر» «2»؛ و بقوّة يد المسلم المسبوقة بيد الكافر في التعارض بين اليدين؛ فإنّ التعارض ساقط بعدم أماريّة يد الكافر علىٰ عدم التذكية رأساً، حتّى يجاب بأنّ التعارض هنا بين الدليلين لا بين

______________________________

(1) الحجرات، 6.

(2) جواهر الكلام، 8، ص 54.

بهجة الفقيه، ص: 258

المؤدّى فيهما، مع أنّ التعارض بين الدليلين فقطّ هو المسقط لهما، فيرجع إلىٰ الأصل، و لا أثر للأقوائيّة.

كما أنّ اليدين لا مزاحمة فيهما و لا معارضة لما مرّ؛ و أنّ التعدّد في الدليل ليس من المرجّحات المنصوصة «1»، و لعلّ المرجّح لا يرجّح بغير المنصوص مرجحيّته.

بل قد مرّ انحصار الدليل علىٰ أماريّة يد المسلم و أنّه الواضح دلالة الدليل عليه؛ كما أنّ أصالة الصحّة الواقعيّة لا فرق فيها بين المسلم و الكافر، و الاعتقاديّة في فعل المسلم لا تثبت الواقعيّة.

و لا

أصل لأصالة الفساد في فعل غير المسلم، و ليس فيها إلّا عدم جريان أصل الصحّة الاعتقاديّة للمسلم.

و يد المسلم كاشفة عن التذكية في يده أو سابقاً، و معه لا يتيقّن بعدم التذكية في زمان الوقوع في يد الكافر، حتّى يستصحب، حتّى يعارض الاستصحاب بالأمارة على التذكية.

مع أنّ الأمارة لا يفرّق فيها بين السابقة و غيرها، و لذا يحكم بالتذكيّة لما في يد الكافر إذا علم سبق يد المسلم علىٰ يده، و قد مرّ عدم الأماريّة إلّا ليد المسلم و ما يكشف عنها كأرض الإسلام مع علامة، كأثر الاستعمال المحمول علىٰ كون المستعمل مسلماً للغلبة، لا ما احتمل إلقاء الحيوان من فوق له.

و ممّا مرّ يظهر ما في تقديم حكم يد المسلم على الفعلي من يد الكافر، و أنّه من تقديم اليد علىٰ الأصل، أمّا يد الكافر علىٰ سوق المسلم و أرضه فقد مرّ كشفهما عن يد المسلم، و لا أماريّة ليد الكافر، فلا وجه للعكس؛ بل الظاهر أنّ الفحص عن أمارة التذكية من السؤال المأمور به في ما في يد الكافر، فلا محلّ لتقديم

______________________________

(1) الوسائل 18، كتاب القضاء، أبواب صفات القاضي، الباب 9.

بهجة الفقيه، ص: 259

استصحاب حكم اليد على السوق و الأرض للمسلمين كما في «الجواهر» «1» الاستشكال فيه.

كما يظهر ممّا مرّ حال استصحاب حكم الأرض و السوق للمسلمين، و أنّه من استصحاب المكشوف بهما من التذكية، المستفادة من الأمارة علىٰ يد المسلم، و أنّه لا يدفعه أرض الكافر و سوقه الفعليّين، لعدم الأماريّة في يد الكافر فضلًا عن الأمارة عليها.

و قد استثنى القول بعدم أماريّة سوق الكافر و أرضه بنحو الاحتمال في أواخر كلامه في «الجواهر» هنا، مع أنّ يد الكافر كالأمارة

عليها في الاعتبار و عدمه، و أنّه لا أصل لغير أماريّة يد الكافر و الأمارة عليها. و استصحاب حكم أرض الإسلام لا حاجة إليه، بل اليد السابقة المكشوفة بأرض الإسلام أمارة غير مدفوعة بيد الكافر، فضلًا عن أرض الكفر و سوقه. و اليد كافية في قطع الأصل بناء علىٰ عدم الأماريّة كما ذكرناه.

و منه يظهر أنّ اشتراك الأرض كاشتراك اليد، و الأمارة يد المسلم و الأمارة عليها، لا يد الكافر و الأمارة عليها.

و أمّا ما عن «الكشف» من: «أنّه مع العلم بوجوده في السوقين فلا ينوط البناء على التذكية بالتاريخ»، فإنّما يتمّ علىٰ ما سلكناه من أنّ سوق المسلم أمارة علىٰ يد المسلم مع احتمال التذكية السابقة، و لا أمارة في قبالها؛ و أمّا مع أماريّة سوق الكفر علىٰ عدم التذكية، فلا وجه لاحتمال التذكية اللاحقة في سوق المسلمين، فينوط الحكم بالتذكية علىٰ عدم العلم بسبق الوجود في سوق الكفر.

إلّا أن يقال: إنّ السوق اللاحق أمارة على المحتمل من التذكية السابقة، و السوق السابق أمارة علىٰ عدم التذكية السابقة، و مع التعارض يقدّم الأقوىٰ.

______________________________

(1) جواهر الكلام، 8، ص 55 و 59.

بهجة الفقيه، ص: 260

و قد مرّ أنّ الأمارة واحدة، و معها فليس في السابق إلّا الأصل المقطوع بالأمارة، و لو كانت سابقة على التذكية السابقة، أي حال زهاق الروح.

و أمّا تقييد الحكم بالتذكية في الأرضين بسبق الكون في أرض الإسلام، فمع سبق أرض الكفر و العلم به لا محلّ لأماريّة أرض الإسلام إلّا علىٰ ما مرّ من الأماريّة على التذكية السابقة و عدم أماريّة أرض الكفر على العدم؛ و معه يتّحد الأرض و السوق في الحكم بمقتضىٰ الأمارة المتحدة. و اشتراك الأرض بين ثبوت

أثر الاستعمال و عدمه مشترك في الأرضين، كتعيّن التصرّف في السوق، المكشوف كون المتصرِّف فيه مسلماً في السوقين. و لا بدّ من تقييد ما في الأرض بعدم احتمال الوقوع بإطارة الريح أو إلقاء الحيوان مثلًا، بل المحتمل فقطّ إلقاء إنسان متصرِّف فيه، مكشوف كونه مسلماً بالغلبة.

و أمّا الاستشكال في الفرق بين السوق و الأرض في الإناطة بالعلم بالتاريخ، أي بسبق الإسلام في الثاني لا الأوّل، فيمكن أن يكون لعدم الإناطة في المقامين، لكشف الأمارة عن التذكية السابقة، فتقدّم علىٰ أمارة الخلاف.

و يمكن أن يكون للإناطة فيهما، لأنّ المكشوف هو التذكية في زمان الكون، فيضرّها العلم بسبق الكون في محلّ الأمارة علىٰ عدم التذكية فيه من سوق و أرض.

ثمّ إنّ زمان الترافع لا يتفرّق فيه الحكم بأماريّة اليد على التذكية، كانت أماريّته على الملك محفوظة أو لا، و الحكم بالملك ثابتا أو لا بمثل الكون في اليدين أو غيره. و استلزام ملك المسلم للتذكية الواقعيّة لا يثبت تحقّق الأمارة على الملك، لأنّ الحكم كالأصل، و مع الأمارة على التذكية لا ينتظر الملك.

ثمّ إنّه لا يجتمع البناء علىٰ أماريّة شي ء للتذكية، مع احتمال غير الكشف عن وقوع التذكية حال زهاق الروح، [سواء] سبق الحكم بعدم التذكية لأمارة أو غيرها، أو الحكم بالتذكية؛ بل الأمارة كاشفة عن التذكية في حال زهاق الروح و لو كان حدوث الأمارة بعد مدّة من زهاق الروح؛ مع أنّه لا نعلم أمارة تحكي عن الوجود السابق و تؤثّر في حين حدوثها.

بهجة الفقيه، ص: 261

كما أنّه لا تجتمع الأمارة، مع القول بأنّ الثابت حكم التذكية في ما تأخّر من الأزمنة، لا حقيقتها المتقدّمة بزمان؛ بل ما نحن فيه بالعكس من أصالة الصحّة و

قاعدة الفراغ حيث يحكم فيهما بصحّة اللاحق من الأفعال المنوطة بالتذكية دون السابق.

و قد عرفت: أنّه مع الأماريّة فلا بدّ من الالتزام بذلك هنا بمثله، لو كان المدرك أصالة الصحّة في موارد قاعدة الفراغ و قلنا بجريانها و أماريّتها في كلّ من فعل النفس و الغير.

و أمّا ما يحكم به على التذكية من يد، أو سوق، أو أرض للإسلام و أنّه أمارة أو أصل عملي؟ فيبعّد الأخير عدم معهود [يه] أصليّ عمليّ غير تنزيليّ يتقدّم علىٰ الأصل المحرز بدون خصوص دليل في مورد خاصّ، كما في مثل «قاعدة التجاوز» مع الاستصحاب لورود الأوّل في مورد الثاني.

مع أنّ ملاك الأماريّة و هي الغلبة الوجوديّة فيها في أيدي المسلمين و ما يكشف عنها، و أنّه طاهر يستعمل في ما ينوط بالطهارة في ما كان ذلك منفعته الظاهرة موجود في المفروض.

[الأمر الثالث] الأمارة تقتضي الصحّة الواقعية أو الاعتقادية؟

ثمّ إنّ المحكوم عليه باليد أو غيرها من الأمارات، هل هو الصحّة الواقعيّة أو الاعتقاديّة عند ذي اليد؟

يمكن أن يقال: إنّ المدرك إذا كان هو أصالة صحّة فعل المسلم، فما يكشف عنه فعل المسلم هو عدم كونه حراماً، لا كونه واجداً لشروط الوضع، بل المكشوف عنه هو عدم الحرمة باعتقاد ذي اليد؛ فإذا فرض اعتقاده للتذكية بالدباغ، فلا أثر للحمل على الصحّة، بخلاف ما إذا كان المدرك أصالة صحّة فعل العامل، و كونه بحيث يترتّب عليه الأثر المترتّب منه كسائر معاملاته؛ فالمحكوم بالصحّة هو لتصرّف المعاملي

بهجة الفقيه، ص: 262

المكشوف باليد البانية علىٰ ذلك التصرف؛ فلا بدّ من البناء على الصحة الواقعيّة و شروطها الواقعيّة.

و عليه، يعمل بأصالة عدم التذكية على التقدير الأوّل في جميع موارد الاختلاف في الاجتهاد، أو التقليد، أو اختلاف المذهب، أو الدين،

بخلاف التقدير الثاني الموافق عملًا لما هو المشهور، كما عن «الروض»، و عمل الأصحاب و فتواهم، كما عن «المدارك»، بل السيرة المعلومة التي هي فوق الإجماع كما في «الجواهر» «1». و اختلاط فِرَق المسلمين مع بناء كثير منهم على الطهارة بالدباغ، أمر غير منكر.

و عليه، فالمقام من موارد أصالة الصحّة في معاملات العقلاء، يعني «أصالة الصحّة في العمل» المنوط بالطهارة من المعاملة بالمعنى الأعمّ، المكشوفة باليد التي بنيت علىٰ الاتّخاذ لذلك.

فما يستفاد من خبر «أبي بصير» عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام في حكاية عمل الإمام السجّاد عليه السلام في صلاته و غيرها من التجنّب عن الفرو العراقي في الصلاة دون اللّبس «2»، لعلّه يحمل على التنزّه الذي هو أشدّ مطلوبيّة في الصلاة من غيرها، أو علىٰ جواز الانتفاع بالميتة في غير المشروط بالطهارة، فضلًا عن مشكوكها المحلّلة ظاهراً.

و دعوىٰ عدم معقوليّة الاحتياط في حقّ المعصوم عليه السلام عن الخطأ و الخطيئة، مدفوعة بعدم اطّراد عملهم بمقتضىٰ علومهم الغيبيّة في جميع الأُمور الظاهرة، فكيف يأمر بالتنزّه عن جلود «العراق» و هو يلبسها لعلمه بخصوصيّات أشخاص الجلود؟ إلّا أن يقال: إنّ العلم بالميتة واقعاً مانع عن الصلاة، دون اللبس و نحوه ممّا لا يشترط بالطهارة علىٰ وجه. مع ما يستفاد من النصوص من الإطلاق، حتى أنّه وقع السؤال عن الشراء في بيع المسلم الغير العارف، و الجواب بأنّ اللازم السؤال في بيع المشركين في خبر «إسماعيل

______________________________

(1) جواهر الكلام، 8، ص 58.

(2) الوسائل 3، أبواب لباس المصلّى، الباب 61، ح 2.

بهجة الفقيه، ص: 263

بن عيسى» «1»؛ و السؤال عن شراء الخفاف في السوق مع عدم العلم بالتذكية، و الجواب بقوله عليه السلام

نعم، أنا أشتري

الخف من السوق و يصنع لي و أُصلّي فيه و ليس عليكم المسألة.

في خبر «البزنطي» «2» عن الإمام الرضا عليه السلام. و لا يمكن حملها مع موافقتها للشهرة، علىٰ غير الجواز، بخلاف ما قابلها القابل للحمل على التنزّه.

و ما في خبر «عبد الرحمن» من قوله عليه السلام

استحلال أهل العراق الميتة «3»

إلىٰ آخره؛ فإنّه يحمل على المنع عن البيع علىٰ أنّها ذكيّة، لا عنه علىٰ شرط بائعه للتذكية؛ فلو لم يتمّ الحكم بالتذكية لما جاز الشراء ثمّ البيع و لو مع السكوت، بل حيث إنّ الإخبار بالتذكية عن علم، تدليس ممنوع عنه، أوجب المنع عن البيع علىٰ ذلك.

و بالجملة، فاليد من المسلمين من أمارات التذكية، و احتمال عدمها من المستحلّ للميتة بالدبغ لا أثر له في غير التنزّه، ضرورة ندرة التذكية عندهم بالدبغ بحيث تكون لاحقة بغير المحصور، و ليس قيام السوق بهذه الأشياء النادرة غير الغالبة.

و أمّا الإخبار من المستحلّ بالتذكية فلا أثر له، إذ مع أماريّة اليد عن التذكية الواقعيّة لا حاجة إلىٰ الإخبار، و مع عدمها فإخباره لا يثبت أزيد ممّا يعتقده تذكية، إلّا أن يخبر بالتذكية بالذبح و إن كان يعتقد التذكية بغيرها. و الممنوع في خبر «ابن الحجّاج» «4» منع الإخبار بالتذكية في اليد مستنداً إلىٰ إخبار البائع المستحلّ بالتذكية، لا إلىٰ إخباره بالتذكية بالذبح.

[الأمر الرابع] إذا سبقت يد الكافر على المسلم

و هل يمكن التمسّك باليد للمسلم، المسبوقة بيد الكافر إذا احتمل مسبوقيّتها بيد المسلم؟

______________________________

(1) الوسائل 2، أبواب النجاسات، الباب 50، ح 7 و 6.

(2) الوسائل 2، أبواب النجاسات، الباب 50، ح 7 و 6.

(3) الوسائل 2، أبواب النجاسات، الباب 61، الحديث 3.

(4) الوسائل 2، أبواب النجاسات، الباب 61، الحديث 4.

بهجة الفقيه، ص: 264

يمكن الأخذ

بأماريّة يد المسلم مع احتمال التذكية بناء علىٰ عدم أماريّة يد الكافر علىٰ عدمها.

إلّا أن يقال: ملاك الأماريّة في يد الكافر موجود كالسوق و الأرض لهم، و إلّا لاختلّ نظم أمورهم في ما كان هناك عندهم مذكّى و غير مذكّى، و طاهر و نجس، ممّا يقرّون عليه؛ فالأماريّة على التذكية عند المخالفة للتذكية عندنا، إخبار استلزاميّ عن عدم التذكية الواقعيّة، و هذا لا رادع له، و إن ناقشنا في دلالة الأخبار السابقة عليه.

لكنّه في ما كان أمارة عن تذكية خاصّة ملازمة لعدم التذكية الواقعيّة؛ فلو اختلفوا و كان فيهم مستحلّ الميتة مطلقاً بحيث يكون المحرّم ما يتنفّر الطبع عندهم، فلا أمارة؛ و كذا ما لم يطّلع علىٰ حال اليد و السوق السابقين في طريقتهم و أديانهم بعد التفحّص العادي.

[الأمر الخامس] شمول المنع لما لا تتمّ فيه الصلاة و المحمول

بقي الكلام في عموم المنع عن الصلاة في الميتة في ما لا تتمّ فيه الصلاة.

مقتضىٰ رواية «ابن أبي عمير»، أنّه لا تصلّى في الميتة و لا في شسع منه، «1» العموم؛ فإنّه كناية عن غاية القلّة و الحقارة، و قد حكىٰ في «الجواهر» «2» عدم الخلاف صريحاً فيه. فعليه، تخصيص العموم في ما لا تتمّ فيه الصلاة بالنسبة إلىٰ عموم الموانع «3»، و ما في أمر موسى عليه السلام بخلع النعلين «4»، لا يدلّ على الجواز في غير المقام، لاحتمال حدوث المنع في ذلك الزمان؛ مع أنّ الجواز للّبس غير تجويز الصلاة.

______________________________

(1) الوسائل، 3، أبواب لباس المصلي، الباب 1، الحديث 2.

(2) جواهر الكلام، 8، ص 61.

(3) الوسائل 2، أبواب النجاسات، الباب 31.

(4) طٰه، 12.

بهجة الفقيه، ص: 265

بل يمكن استفادة المنع في الصلاة من الأمر في «الوادي المقدّس»، مع أنّ الأمر يمكن ندبيّته بالنسبة إليه، مع

أنّ التفسير بكون النعل من جلد حمار ميّت «1» معارض بما دلّ علىٰ أنّ المراد الأمر بنزع حبّ الأهل من القلب.

و يمكن إلحاق المحمول بالملبوس، كما في سائر موارد الجواز و المنع، لا للقياس، بل للاشتراك في صدق الصلاة فيه، و أنّه ممّا تتمّ الصلاة فيه وحده أو لا، و أنّ ما لا يتمّ فيه الصلاة يفرّق فيه بين الميتة و غيرها.

و يؤيّد الإلحاق خبر الفأرة «2» و فيه التعليق بالذكاة، و خبر تقليد السيف «3» إن لم يكن غير المحمول، لصدق الصلاة فيه.

[الأمر السادس] اختصاص المنع بميتة ذي النفس

] ثم إنّه قد يدّعىٰ انصراف دليل المنع عن الصلاة في الميتة، إلىٰ ما له نفس سائلة، لأنّه الميتة النجسة التي ينصرف إليها الإطلاق، و هي التي كان يتّخذ منها الجلود و الألبسة و سائر ما يصلّى فيه.

و مع عدم إطلاقها يحكّم إطلاق الصلاة المأمور بها مع الشك في المانعيّة؛ كما أنّه مع المناقشة في هذا الإطلاق الذي قوّيناه على الوضع للصحيح أيضاً، يجري الأصل في الأقل و الأكثر الارتباطيّين.

و أمّا خبر «ابن مهزيار» المجوّز للصلاة في القرمز، فالاستدلال به مبنيّ علىٰ ثبوت المعنىٰ، و أنّه الموافق للعرف السابق باللغة، و هو محلّ التأمّل، و إن نقل محكيّ «القاموس»، و ذكره في «اللسان»، إلّا أنّه ذكر: «أنّه صبغ أرمني أحمر يقال إنّه من عصارة دود يكون في آجامهم»، و قال أيضاً: «و يقال إنّه حيوان تصبغ به الثياب فلا يكاد تنصل لونه»، و كذا نسبه إلى القائل في «البرهان»، و الرواية ذكرها في

______________________________

(1) الوسائل، 3، أبواب لباس المصلي، الباب 1، الحديث 2 4.

(2) الوسائل 3، أبواب لباس المصلّى، الباب 41.

(3) الوسائل 2، أبواب النجاسات، الباب 50، ح 4.

بهجة الفقيه، ص:

266

«الوسائل» «1» في تعداد ثلاثة، إحداها عن «علي بن مهزيار»، و الثانية عن «إبراهيم بن مهزيار» عن أبي محمّد عليه السلام، و الثالثة عن أبي جعفر عليه السلام مع اختلاف ما، و سند «الفقيه» إلىٰ «إبراهيم بن مهزيار» صحيح، و هي رواية «الفقيه» عن «إبراهيم بن مهزيار».

كما أنّ الإجماع المنقول في «الجامع» عن «المعتبر» علىٰ جواز الصلاة في ما لا نفس له و إن كان ميتة، غير معلوم، و إن لم يكن معلوم العدم، أعني عدم الدعوىٰ من «المعتبر» و علىٰ تقديره، فلعلّه استنباط منهم من السيرة علىٰ عدم الاجتناب عن نحو القمّل و البرغوث و البقّ.

إلّا أن يقال: إنّها ممّا يعسر الاجتناب عنه نوعاً، و ما كان كذلك لا منع فيه، فلا يتعدّىٰ إلىٰ غير مورد العسر نوعاً و شخصا، كما هو المبحوث عنه.

______________________________

(1) الوسائل 3، أبواب لباس المصلي، الباب 44 و الفقيه، 1، ص 263/ 810.

بهجة الفقيه، ص: 267

الفصل الثاني الصلاة في أجزاء ما لا يؤكل لحمه

مسألة: ما لا يؤكل لحمه ممّا يقبل التذكية، يجوز انتفاع به بعد التذكية، و لا تصحّ الصلاة فيه

اشارة

و قد حكي عليه الإجماع منّا، و دلّت عليه الروايات المستفيضة في السباع «1»، و رواية «ابن بكير» «2» و غيرها.

و أمّا الاستدلال بأنّ الموت إذا تحقّق بزهاق الروح في الحيوان يشمله المنع عن الانتفاع بالميتة، و تأثير الذباحة مع احتمال دخالة حلّية الأكل في التذكية غير معلوم، و الأصل عدم التذكية، و العلم بجواز الانتفاعات لا يتعدّىٰ به إلىٰ غير المعلوم، الداخل في عموم المنع يعني الصلاة، ففيه أنّ تأثير الذباحة في جواز الانتفاعات بغير المأكول مع عدم تأثير ما فيه إذا كانت لا على الوجه المشروع، يدلّ علىٰ تأثيرها في التذكية في مورد الجواز، و عدم التأثير في مورد المنع.

مع أنّ كون الميتة من المأكول إذا ذبحت لا على الوجه

المشروع، غير جائز الانتفاع؛

______________________________

(1) الوسائل 3، أبواب لباس المصلي، الباب 5 و 6.

(2) الوسائل 3، أبواب لباس المصلي، الباب 2، ح 1.

بهجة الفقيه، ص: 268

و كونها من غير المأكول إذا ذبحت على الوجه المشروع لولا الحرمة، جائز الانتفاع، أمر مستبعد جدّاً، مع عدم الالتزام بتأثير الذباحة في التذكية هنا دون الميتة من المأكول. نعم، لا بدّ من إثبات القابليّة في غير المأكول بدليل أو أصل، و إلّا كان كما إذا ثبتت القابليّة دون الذبح المشروع المعلوم.

كما أنّ ما يستظهر من رواية «ابن أبي حمزة» «1» من اعتبار حلّية الأكل في التذكية، مع احتمال إرادة الدخل في جواز الصلاة بالمذكّى، المتعيّن هذا الاحتمال بصراحة رواية «ابن بكير» «2» بالخلاف، حيث قال عليه السلام فيه

ذكّاه الذبح أو لم يذكّه.

كما أنّ الأصل مقطوع بما دلّ علىٰ كفاية التذكية في غير المأكول في سائر الانتفاعات غير الصلاة.

كما أنّ الميتة في الآية الشريفة «3» لعلّها الميتة العرفيّة، و إنّما يلحق بها غير المذكى شرعاً بالدليل المقتصر علىٰ مفاده في الأحكام، بل يمكن أن يراد بها حرمة الأكل فقطّ، و إنّما يتعدّىٰ عنها بالدليل، فلا يمكن أن يستفاد منها أنّ غير معلوم التذكية و منه غير المأكول، محرّم مطلقاً في سائر الانتفاعات التي منها الصلاة لكونه ميتة.

عموم المنع لذي النفس الذي له لحم ثم إنّه يمكن أن يقال بعموم المنع لغير ذي النفس أيضاً إذا كان له لحم، و لا عبرة بالانصراف إلىٰ ما يكون ميتة نجسة، و لذا يتعدّىٰ إلىٰ غير النجس من أجزاء الميتة النجسة من غير المأكول، [سواء] قيل بكون غير ذي النفس الخاصّ غير قابل للتذكية، أو أنّ تذكيته بالذبح أو بالإخراج؛ فإنّه علىٰ أيّ

تقدير داخل في ما يحلّ أكله، و منه السمك المحرّم أكله، و سائر الحيوانات البحريّة، و ما يعيش في البرّ و البحر

______________________________

(1) الوسائل 3، أبواب لباس المصلي، الباب 2، ح 2 و 1.

(2) الوسائل 3، أبواب لباس المصلي، الباب 2، ح 2 و 1.

(3) المائدة، 3.

بهجة الفقيه، ص: 269

ممّا ليس له نفس سائلة. و عدم تعارفها و عدم تعارف لبس المأخوذ منه لا يمنع عن الإطلاق.

نعم، موارد السيرة القطعيّة كالحرج الواضح ممّا يعسر التجنّب عنه على النوع و الأشخاص كالقمّل و البراغيث و أمثالها من المؤذيات، خارجة عن العمومات في ما لا يحلّ، لكنّ الظاهر أنّها حيث لا لحم لها فهي غير داخلة في تلك العمومات، و مثلها الزنبور و الجراد و الشمع و اللؤلؤ و الحرير الممتزج.

و المراد ممّا لا يحلّ في رواية «ابن بكير» «1» بشارحيّة التصريح فيه، و شارحيّة بعض ما فيها للبعض، هو ما لا يحلّ أكله بلا إطلاق لما لا لحم له يؤكل. و مقتضى الأصل مع عدم العموم هي البراءة في ما شكّ في مانعيّته.

و أمّا سائر الفضلات غير الشعر و الصوف من لحس الهرّة و نحوها، فالظاهر دخولها في العمومات المعبّرة ب «كلّ شي ء منه»؛ نعم، لو قيل بعدم المنع عمّا لا تتمّ فيه الصلاة و كان التلطّخ للبدن بهذه الفضلات من أوضح أفراد المانع، أمكن إخراجها.

و أمّا صحيح الخرز و اللؤلؤ «2» و عدم البأس عمّا في الفم منهما مع عدم المنع عن القراءة، فلا يدلّ [علىٰ] عدم المنع عمّا في الظاهر، لو عمّهما المانع بكون الأصل ذا لحم، أو عدم اعتبار اللحم كما مرّ.

و أمّا فضلات الإنسان [سواء] كانت للمصلّي أو غيره، فالظاهر انصراف

الأدلّة عنها، و لو كان السبب وقوع الابتلاء الكثير الذي لا يكفي في منعه العموم؛ بل العموم في أمثال ذلك ممّا يكثر الابتلاء و يستمرّ ما كان قبل صدور البيان إلىٰ ما بعده، محتاج إلى الدليل الصريح، بخلاف سائر الموارد المحتاج فيها التقييد إلى التصريح.

مع أنّ الصحيح «3» جوّز الصلاة في ثوب يكون فيه شعر الإنسان و أظفاره مع إلغاء

______________________________

(1) الوسائل 3، أبواب لباس المصلي، الباب 2، ح 1.

(2) الوسائل 3، أبواب لباس المصلي، الباب 60، ح 3.

(3) الوسائل 3، أبواب لباس المصلي، الباب 18، ح 2.

بهجة الفقيه، ص: 270

الخصوصيّة إلىٰ غيرهما من فضلات الإنسان، و مثله رواية «الريان بن الصلت» «1»، و خبر «الحسين بن علوان» في البزاق «2»، و في حمل المرأة ولدها و إرضاعه «3»، و خبر «سعد الإسكاف» في النكاح في القرامل «4»، و في جعل سنّ الميت مكان الساقط من سنّ الحيّ عن «المكارم» عن «زرارة» عن الإمام الصادق عليه السلام «5».

و لو نسج من الشعور لباساً، فالأظهر عدم المنع. و اعتبار كون ما يصلّى فيه ممّا يحلّ أكله تعبير عن مفهوم المنع عما لا يحلّ أكله، لا أنّه اشتراط زائد على المانعيّة، و من الواضح عدم اعتبار كون الثوب ممّا يحلّ الأكل في أصله.

و علىٰ أيّ تقدير، فموارد السيرة كموارد معلوميّة الحرج و أمثالها ممّا لا ينبغي الاستشكال في عدم المنع فيها.

[و هنا أمور]
[الأول] أدلّة جواز الصلاة و عدمه في ما لا تتمّ فيه الصلاة من غير المأكول

ثم إنّه وقع الخلاف في ما لا تتمّ فيه الصلاة من غير المأكول.

و المنع موافق لمدلول موثّقة «ابن بكير» «6»، لأنّ فيها ذكر الشعر و الوبر، و الألبان و الروث و البول و كلّ شي ء منه؛ و فيها التصريح بالفساد و لزوم الإعادة، و ليس

فيها مجرّد النهي القابل للاستعمال في الحقيقة و المجاز علىٰ وجه.

و كذلك مكاتبة «إبراهيم بن عقبة» علىٰ ما نقل عن «الشيخ» بإسناده في الصحيح عن «عن علي بن محمّد بن مهزيار» في الجوارب و التكك المعمولة من وبر الأرانب

______________________________

(1) الوسائل 3، أبواب لباس المصلي، الباب 18، ح 1.

(2) الوسائل 2، أبواب النجاسات، الباب 17، ح 6.

(3) الوسائل 4، أبواب قواطع الصلاة، الباب 24.

(4) الوسائل 14، أبواب مقدمات النكاح و آدابه، الباب 101، ح 2.

(5) الوسائل 3، أبواب لباس المصلي، الباب 31، ح 4.

(6) الوسائل 3، أبواب لباس المصلي، الباب 2، ح 1.

بهجة الفقيه، ص: 271

لا تجوز الصلاة فيها «1»

، و رواية «الريان بن الصلت» في الخفاف من أصناف الجلود، و أنّه لا بأس بهذا كلّه إلّا الثعالب «2». و كذلك المرويّ عن «أحمد بن إسحاق الأبهري» «3»، و رواية «إبراهيم بن محمد الهمداني»

قال كتبت إليه: يسقط علىٰ ثوبي الوبر و الشعر ممّا لا يؤكل لحمه، من غير تقيّة و لا ضرورة، فكتب: لا تجوز الصلاة فيه «4»

، و كذلك إطلاق رواية

محمّد بن إسماعيل «5».

و يدلّ على الجواز رواية «ابن أبي عمير» «6» في ما لا تجوز الصلاة وحده، و فيها التمثيل بالقلنسوة و الخفّ؛ فهي بعمومها تدلّ على الجواز لا تتمّ فيه الصلاة من غير المأكول، و يقوّي الأخذ بها نظرها إلىٰ مدلول أدلّة الموانع في ما لا يصلّى فيه، فلا تلاحظ النسبة بينهما.

لكنّه يمكن الخدشة فيه بأنّ مفادها أنّ ما لا تتمّ فيه الصلاة خارجة عن مدلول أدلّة الموانع، فلا تجري في ما ورد في ما لا تتمّ فيه الصلاة خاصّة من الحرير، و الميتة، و غير المأكول؛ فالاختصاص الغير

المضرّ بالحكومة، ما كان بنحوٍ لا يخالف مفاد الحاكم الذي هو تخصيص واقعاً، و إن كان يزيد عليه إثباتاً.

و مكاتبة «محمّد بن عبد الجبار» الصحيحة، و فيها في السؤال

هل يصلّى في قلنسوة عليها وَبر ما لا يؤكل لحمه، أو تكة حرير محض، أو تكة من وبر الأرانب؟ فكتب: لا تحلّ الصلاة في الحرير المحض، و إن كان الوبر ذكيّاً حلّت الصلاة فيه إن شاء اللّٰه «7».

______________________________

(1) الوسائل 3، أبواب لباس المصلي، الباب 14، ح 3.

(2) الوسائل 3، أبواب لباس المصلي، الباب 14، ح 5 و 3.

(3) الوسائل 3، أبواب لباس المصلي، الباب 14، ح 5 و 3.

(4) الوسائل 3، أبواب لباس المصلي، الباب 2، ح 4 و 7.

(5) الوسائل 3، أبواب لباس المصلي، الباب 2، ح 4 و 7.

(6) الوسائل 3، أبواب لباس المصلي، الباب 14، ح 2.

(7) الوسائل 3، أبواب لباس المصلي، الباب 14، ح 4.

بهجة الفقيه، ص: 272

لكن فيها اعتبار الذكاة في وبر ما لا يؤكل لحمه مع أنّه ممّا لا تحلّه الحياة، فلا مانع من حيث الميتة فيه، و المفروض عدم المنع من حيث عدم حلّ الأكل، فأيّ محمل للتعليق. و مثله وارد في رواية «التحف» «1» مع زيادة في رواية «التحف»، و هي قوله

من الميتة و غير الميتة

، و يمكن إرادة ذكاة الأصل، يعني عدم كونه نجس العين، أو يتعيّن الحمل عليه حيث يبتنىٰ الأخذ بها عليه.

و ما في «المستدرك» عن «فقه الرضا عليه السلام

«و قد تجوز الصلاة لم تنبته الأرض، و لم يحلّ أكله، مثل السنجاب و الفنك و السمور و الحواصل، إذا كان ممّا لا يجوز في مثله وحده الصلاة «2».

و جمع في «الحدائق» بين

الطائفتين بالحمل على التقيّة، و علّله باستفاضة الأخبار على المنع. و فيه أنّ الظاهر أنّه أي المنع المشهور.

علاج التعارض و ترجيح روايات المنع و لا يخفىٰ بُعد الجمع العرفي بين الطائفتين مع التصريح بالفساد في محلّ البحث في أحدهما، و بحلّية الصلاة في الآخر، فتصل النوبة إلىٰ علاج التعارض.

و حيث إنّ روايات المنع مستفيضة بالإضافة إلىٰ قليل من المعارض، و هي أشهر منها روايةً و فتوى، بناء علىٰ ما مرّ في محلّه من أنّ المرجّح الأشهريّة، و أمّا الشهرة فهي مميّزة للحجّة عن غير الحجّة؛ فلا تصل النوبة مع شهرة إحدى الطائفتين إلىٰ عمل التعارض بين الحجّتين الشأنيّتين.

كما أنّ روايات المنع مخالفة للعامّة المخالفين في أصل مانعيّة غير المأكول، و هي أيضاً

______________________________

(1) الوسائل 3، أبواب لباس المصلي، الباب 2، ح 8.

(2) مستدرك الوسائل 3، أبواب لباس المصلي، الباب 14، ح 1.

بهجة الفقيه، ص: 273

موافقة لعموم المنع من الصلاة في جلد غير المأكول، بعد عدم الفصل بين الجلد و غيره، و ثبوت العموم لما لا تتمّ فيه الصلاة.

فعموم السند ممّا يرجّح بموافقته أحد المتعارضين؛ كما أنّ عموم الكتاب كذلك في ما وقع فيه اشتراط، كما في قوله إِذٰا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلٰاةِ، فَاغْسِلُوا «1» فإنّه يمكن الأخذ بعمومه الكلامي بناء علىٰ «الأعمّ»، و المقامي بناء علىٰ «الوضع للصحيح» حتّى يعلم المخصّص، و المفروض ابتلاء المخصّص هنا بالمعارض الموافق لعموم الكتاب و إطلاقه؛ كما أنّ الترجيح بأصدقيّة الراوي يفهم منه الترجيح براويين، لرجوع الأصدقيّة علىٰ ما ذكرنا في محلّه إلىٰ الإخبار بالجهة المختصّة، فهو في قوّة إخبارين من مخبرين. و بالجملة، فجميع المرجّحات المذكورة في روايات المنع.

و أمّا «الفقه الرضوي» فالظاهر ثبوت الكتاب مسنداً إلىٰ الإمام

الرضا عليه السلام بطريق موثوق به، و لا ينبغي إنكار ذلك، و يظهر ذلك بمراجعة ما ذكره المحدّث النوري نوّر اللّٰه مرقده الشريف، في خاتمة «المستدرك»، لكنّه إنّما يفيد الحجّة الشأنيّة، فلا بدّ من النظر في المعارض و ما به العلاج.

[الأمر الثاني] عدم اعتبار الدباغ في استعمال الجلد

ثم إنّ استعمال الجلد المحكوم بطهارته، لا يفتقر إلى الدباغ؛ فإنّه لا دخل له في الطهارة عندنا، فما يمكن دلالته علىٰ الافتقار، محمول على التقيّة، أو علىٰ إرادة الطهارة العرفيّة لدفع التنفّر، كنزح المقدّرات، و نقل الشهرة ضعيف بنقل أشهريّة الخلاف، كما عن صلاة «الإيضاح»، و طهارة «الروض».

[الأمر الثالث] ما لا تحلّه الحياة

ثمّ إنّ ما لا تحلّه الحياة من الميّت، محكوم بالطهارة، كالحي و المذكّى، فلا مانع من

______________________________

(1) المائدة 6.

بهجة الفقيه، ص: 274

الصلاة في الصوف و الشعر و نحوهما ممّا يؤكل لحمه، بل مع الجزّ لا يجب الغسل.

و مع القلع، فهل يجب غسل موضع الاتصال بالميّت و لو لم يستصحب شيئاً من أجزائه، كما هو ظاهر إطلاق خبر «حريز» حيث أمر بالغسل للصلاة مع الأخذ بعد الموت، أو لا يجب إلّا مع الاستصحاب بعد إزالة تلك الأجزاء الميتة، و لو أُخذت من الحيّ للحكم بالميتة بخلاف المأخوذ من المذكى، أو لا يجب مطلقاً كما عن «المحقّق الأردبيلي» احتماله؟ احتمالات.

و يمكن أن يكون نظر المحقّق المذكور أنّ الرطوبة لما يلاصق الشعر و الوبر ليست مؤثّرة في النجاسة، كما يظهر بمسّ ذلك المحلّ باليد؛ فإنّ الرطوبة يمكن أن لا تظهر في الملاقي، و يمكن وقوع الشك في بعض الموارد، و أمّا الإزالة لتلك الأجزاء الميتة أو المحكوم به إذا أُخذت بالقلع من الحيّ، فهي لازمة في الصلاة.

إلّا أن يمنع ذلك، فإنّ البثورات و ما يسقط بالتسريح محكومة بالطهارة، و قد فرض أنّ المأخوذ من الحي، بحكم الميتة، فهي ميتة طاهرة؛ و الأخذ من الميت لا يزيده نجاسة، و إنّما العارض ملاقاة بعضه للميتة النجسة، و قد سبق التأمّل في إيجابها لغسل الملاقي.

و الأمر بالغسل في خبر «حريز» الذي رواه

محمّد بن يعقوب عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن حمّاد عن حريز قال

قال أبو عبد اللّٰه عليه السلام لزرارة و محمّد بن مسلم، اللبن و اللباء و البيضة و الشعر و الصوف و القرن و الناب و الحافر، وكل شي ء يفصل من الشاة و الدابّة، فهو ذكيّ، و إن أخذته منه بعد أن يموت فاغسله و صلّ فيه «1»

يمكن حمله على الندب، كما يشهد به حليّة اللبن و نحوه من الملاقي برطوبة للميّت.

و الظاهر رجوع الضمير إلىٰ «كل شي ء يفصل»، يعني ما يقبل الغسل، و المراد من الصلاة ما يعمّ المشروط بالطهارة كالأكل و الشرب، كما أنّ المراد من «ما بعد الموت» ما يقابل التذكية و لو كان من الحيّ.

______________________________

(1) الوسائل 16، أبواب الأطعمة المحرّمة، الباب 33، الحديث 3.

بهجة الفقيه، ص: 275

[الأمر الرابع] ما لا تحله الحياة خارج عن موضوع الميتة

ثمّ إنّ الظاهر أنّ استثناء ما لا تحلّه الحياة من الميتة، لمكان أنّ الميتة ما ينجس بالموت، أي يحدث نجاسته بحدوث الموت؛ فما لا حياة له خارج عن الموضوع، لعدم تأثير الموت فيه شيئاً؛ فما دلّ علىٰ جواز الصلاة فيها يدلّ علىٰ أنّها ليست ممّا ينجس بالموت، إذ لا موت لها حادث بموت الحي.

و إطلاق ما دلّ «1» على النهي عن شسع من الميتة يقصد به الأعمّ من القليل لا الأعمّ ممّا لا حياة له، و يدلّ عليه ما في حسن «حريز» من قوله

و كلّ شي ء يفصل من الشاة و الدابّة فهو ذكيّ

، و كذا المفهوم من قوله عليه السلام

و إن أخذته منه بعد أن يموت فاغسله و صلّ فيه

؛ فتفصيل «الجواهر» «2» بين الطهارة و جواز الصلاة فيه لعلّه غير تامّ.

نعم لو لم يكن النصّ علىٰ الاستثناء

ربّما كان الظاهر نجاسة الأبعاض بنجاسة الكلّ بموته.

و عليه، فما كان نجساً في حال حياته فلا يؤثّر فيه الموت نجاسة، و كان في حياته محكوماً بالنجاسة العينيّة لا المقيّدة بالحياة، و ما ذاته نجسة فأبعاضه محكومة بالنجاسة، فلا يعمّها ما دلّ علىٰ جواز الصلاة في ما لا تحلّه الحياة من أبعاض الميّت.

و أما لا يحلّ أكله من الميّت و المذكّى من غير نجس العين، فلا فرق فيه بين الجلد و الوبر و نحوه، كما عن «المعتبر»، و «المنتهىٰ» من الإجماع علىٰ أنّ ما لا تجوز الصلاة في جلده لا تجوز في وبره أو شعره أو صوفه، إلّا ما استثنىٰ.

يدلّ عليه الموثّق المتقدّم «3»، و صحيح «العلل» «4» كان أبو عبد اللّٰه عليه السلام يكره الصلاة في

______________________________

(1) الوسائل 3، أبواب لباس المصلي، الباب 14، ح 6.

(2) جواهر الكلام، 8، ص 75.

(3) الوسائل 3، أبواب لباس المصلي، الباب 2، ح 1.

(4) الوسائل 3، أبواب لباس المصلي، الباب 2، ح 5.

بهجة الفقيه، ص: 276

وبر كل شي ء لا يؤكل لحمه بعد الحمل على الفساد بأظهريّة ما في الموثّق.

بل بتلك الأظهرية يحمل التعليل في خبر «محمد بن إسماعيل»

لأنّ أكثرها مسوخ «1»

على الحكمة، أو العلّية لجعل الحكم بالبطلان على النحو العامّ.

و كذا نسب إلى المشهور البطلان بالشعرات الملقاة على اللباس و إن لم تكن جزءاً منه؛ فإنّ ظهور «الموثّق» في عدم اعتبار اتخاذ اللباس، و مساواة الشعر و الوبر و الروث و كلّ شي ء منه، أقوى من ظهور «في» في الظرفيّة الحقيقيّة.

[الأمر الخامس] عودة البحث إلى ما لا تتمّ الصلاة فيه

و أمّا ما لا تتمّ فيه الصلاة من غير المأكول، فيدلّ علىٰ جواز الصلاة فيه على العموم رواية «ابن أبي عمير» «2»، و فيها بعد العموم

التمثيل بالخفّ الذي يعمّ ما كان من جلد غير المأكول؛ و كذا ما في خبر «الريان بن الصلت» «3»، و فيها

الخفاف من أصناف الجلود

، فإنّها تعمّ جلود غير المأكول، بل الميتة منه أيضاً. و لا يضرّ المنع عن الثعالب بعد جريان احتمال النجاسة، أو المنسوخيّة المانعة احتمالًا عن التذكية بعد إرادة المذكى ممّا سبق، أو غير ذلك من المحامل.

و أمّا المنع عنه في مكاتبة «إبراهيم بن عقبة» «4»، و فيها

الجوارب و التكك المعمولة من وبر الأرانب، فكتب: لا تجوز الصلاة فيها

، فهي معارضة بمكاتبة «محمّد بن عبد الجبّار» «5»، و فيها

قلنسوة عليها وبر ما لا يؤكل لحمه و تكة من وبر الأرانب

و في الجواب

و إن كان الوبر ذكيّاً حلّت الصلاة فيه

و لا محمل للمنطوق إلّا الجواز في ما لا تتمّ فيه الصلاة؛ و أمّا المفهوم من

______________________________

(1) الوسائل 3، أبواب لباس المصلي، الباب 2، ح 7.

(2) الوسائل 3، أبواب لباس المصلي، الباب 14، ح 2 و 5 و 3 و 4.

(3) الوسائل 3، أبواب لباس المصلي، الباب 14، ح 2 و 5 و 3 و 4.

(4) الوسائل 3، أبواب لباس المصلي، الباب 14، ح 2 و 5 و 3 و 4.

(5) الوسائل 3، أبواب لباس المصلي، الباب 14، ح 2 و 5 و 3 و 4.

بهجة الفقيه، ص: 277

الجملة الأخيرة؛ فلا بدّ للمجوّز للميتة في ما لا تتمّ فيه الصلاة كما مرّ، من حمله على الكراهة، أو إرادة المذكى بالذات في قبال نجس العين. و أمّا الحرير في ما لا تتمّ فيه الصلاة، فالمذكور في رواية «ابن أبي عمير» «1»

التمثيل بالتكة الإبريسم و القلنسوة و الزنّار يكون في السراويل

، فيحمل

المعارض كما في مكاتبة «محمّد بن عبد الجبار» على الكراهة.

و أمّا الميتة ممّا لا تتمّ فيه الصلاة، فيدلّ على المنع عنه رواية «ابن أبي عمير» «2»

لا تصلّ في شي ء منه و لا شسع

، و هي خاصّة بالنسبة إلىٰ روايته العامّة المجوّزة، و كذا مكاتبة «محمّد بن عبد الجبّار» حيث اعتبرت الذكاة من وبر ما لا يؤكل لحمه، مع عدم تماميّة الصلاة في القلنسوة و التكة المذكورتين فيها. و قد مرّ أنّ ما لا تحلّ فيه الحياة محكومة بالذكاة، لا مجرّد جواز الصلاة فيه.

و بالجملة، ففيما لا تتمّ فيه الصلاة من غير المأكول روايات متعارضة، و مقتضى «الموثّقة» «3» المنع، لبُعد التخصيص بما تتمّ فيه الصلاة، و يؤيّدها الرواية في الشعرات الملقاة على الثوب ممّا لا يؤكل لحمه «4».

و في قبالها مكاتبة «محمّد بن عبد الجبار» المصرّحة بالحلّية للصلاة كان من المذكى. و هي و إن كانت موافقة للرضوي «5»، إلّا أنّ فيها ما يحتمل التقيّة، للنهي عن الصلاة في الحرير المحض.

مع أنّ المورد ما لا تتمّ فيه الصلاة، و المنع عن المأخوذ من الميتة مع عدم المنع من حيث الموت في ما لا تحلّه الحياة كالوبر المذكور فيها، و لو قيل بالمنع عن الميتة في ما لا تتمّ فيه الصلاة، و حلّ الصلاة في وبر المذكى لا تتمّ فيه الصلاة، كما هو موردها.

______________________________

(1) الوسائل 3، أبواب لباس المصلي، الباب 14، ح 2 و 6.

(2) الوسائل 3، أبواب لباس المصلي، الباب 14، ح 2 و 6.

(3) الوسائل 3، أبواب لباس المصلي، الباب 2، ح 1 و 4.

(4) الوسائل 3، أبواب لباس المصلي، الباب 2، ح 1 و 4.

(5) المستدرك، أبواب لباس المصلي، الباب 14، ح 1.

بهجة

الفقيه، ص: 278

مع أنّ عدم حلّ الصلاة في الحرير منسوب إلىٰ «أحمد»، و منصوص خلافه في رواية «ابن أبي عمير»، و عدم الفرق بين الشعر من الميتة و غيره منسوب إلىٰ بعض العامّة، و حلّية الصلاة في غير المأكول مذهبهم. فحمل «المكاتبة» على التقيّة لا يخلو عن قرب. و الجمع بحمل المانع على ما تتمّ فيه الصلاة مستبعد، و لا يبقىٰ للجواز إلّا «الرضوي» في ما لا تتمّ فيه الصلاة من وبر غير المأكول. و الشهرة روايةً و فتوى مع رواية المنع، و كذلك الأبعديّة عن مذاهبهم.

إلّا أنّ الالتزام بالمنع في مثل الشعرات الملقاة على الثوب مع اختلاط بعض الحيوانات الأهليّة في البيوت، و كذا سائر المحمولات، لا يخلو عن بُعد عن سيرة متشرّعة.

[الأمر السادس] اللباس المشكوك كونه من غير المأكول

و أمّا الكلام في اللباس المشكوك كونه من غير المأكول، فعن المشهور المنع، و قيل بالجواز، و قيل بالتفصيل، و سيأتي إليها الإشارة و إلى أدلّتها.

أدلة جواز الصلاة: البراءة و أمّا الجواز فقد استدلّ له بالبراءة في الشبهات الموضوعيّة التحريميّة، كما تجري في التحريميّة النفسيّة الناشئة من الشبهة الموضوعيّة، أو الحكميّة، أو المفهوميّة.

و هذا ربّما يدّعىٰ وضوحه مع انحلال الطلب الغيري في الشروط العدميّة أو الموانع، إلىٰ وجودات مانعة أو إعدام معتبرة؛ فالمشكوك من العدم المعتبر أو الوجود المانع، يجري فيه البراءة، دون المعلوم بعد فرض عدم الارتباط بين الوجودات المانعة و الأعدام المعتبرة.

و أمّا علىٰ عدم الانحلال بدعوىٰ رجوع القيد إلى السلب الكليّ بحيث إذا خولف و لو للاضطرار فلا مانعيّة لسائر الوجودات، فقد يقال بجريان البراءة، لرجوع الشك إلىٰ جزئيّة الوجود المشكوك للمانع المركّب منها، المعتبر عدم تلك الموجودات المانع

بهجة الفقيه، ص: 279

مجموعها على الفرض. و

مثله مانعيّة صرف الوجود بمعنى الوجود الانبساطي الجامع لجميع الوجودات في قبال وجود الطبيعة المرسلة الملازم للاستغراق؛ فالبراءة تنوط بالأعمّ من الانحلال و من تركّب المانع، في قبال بساطة المانع، المانعة عن الاشتمال علىٰ معلوم المانعيّة و مشكوك المانعيّة، أعني الجزئيّة للمانع.

و يمكن أن يقال: إذا اعتبر مجموع الوجودات مانعاً في قبال مانعيّة كلّ وجود علىٰ الاستقلال، فاللازم عدم تحقّق المانع مع انتفاء بعض الوجودات المعلوم كونها من المانع، فلا حاجة إلىٰ إجراء الأصل في المشكوك مانعيّته.

نعم، إذا اعتبر مجموع الأعدام المضافة إلى الوقوع في ما لا يؤكل، احتمل انتقاض العدم بالمشكوك كونه ممّا لا يؤكل، و احتمل كون عدمه من العدم، المعتبر مجموعة لاحتمال إضافته إلىٰ ما لا يؤكل، و جرىٰ الأصل في كونه الواجب الضمني للشبهة المصداقيّة، كما يجري في الواجب النفسي لها.

مع إمكان منعه، لأنّه بخصوصيّته غير واجب، و بالشكِّ في تحقّق الواجب علىٰ أيّ نحوٍ شك في المحصّل، فلا بدّ من الإحراز، و لا يتمّ البراءة إلّا بالشك في موضوع التكليف بالمجموع، كما يأتي.

مع إمكان منع أنّه ظاهر [في] صورة الاضطرار، لأنّ المانع إنّما هو غير المضطرّ إليه، أعني المختار فيه، فبعض المضطرّ إليه كالعدم، فيكون الفرد اللاحق مانعاً علىٰ تقديري الاستغراق و المجموعيّة، فتدبّر.

و إذا اعتبر مجموع إعدام الوقوع في ما لا يؤكل، فالمانع المقابل له أيّ وجود، أو أوّل وجود بلا تخصّص، و هو مفاد العموم البدلي، ففي هذا الفرض لا يعقل البراءة بالشك في جزئيّة المشكوك لهذا المجموع؛ فإنّه لا تركّب من الخصوصيّات في مقام الجعل حتى المتيقّنة الجزئيّة، بل المعتبر إعدام الوقوع في ما لا يؤكل بإضافة الأعدام إلى الطبيعة، لا إلى الماهيّات الشخصيّة في غير صورة

العموم الاستغراقي كما هو المفروض، و قد فرض الشك في تحقّق مجموع الأعدام المضافة.

بهجة الفقيه، ص: 280

بل المدار علىٰ أنّ الشك في موضوع التكليف النفسي بمجموع الأعدام؛ ففيه يطّرد البراءة و عدم لزوم الفحص عن الموضوع، لمكان هذه الكليّة من البراءة العقليّة و الشرعيّة. و إذا كان التردّد في المتعلّق مصداقيّاً فمع الانحلال تجري البراءة، و مع عدمه يتعيّن الاحتياط في الشك في المحصّل الغير الناشئ عن الشك في التكليف؛ فالشك في الامتثال إذا نشأ عن الشك في التكليف فلا احتياط، و هذا يطّرد في الشك في موضوع التكليف، و إذا تبيّن التكليف فلا بدّ من الخروج عن التكليف المتبيّن بالاحتياط.

فمنه ظهر أنّ اعتبار العدم علىٰ الاستغراق أو المجموعيّة لا يفترق في جريان الشك في الشك في الموضوع، و إن كان ناشئاً عن الشبهة المصداقيّة.

و أمّا عدم اختصاص البراءة عقلًا و نقلًا في غير الشبهات المصداقيّة الموضوعيّة، فلمكان اشتراك حكم النقل بالتقبيح مع الشك في التكليف، و إن كان منشأه الأُمور الخارجيّة الغير المربوط بيانها بالشارع، و لذا بني المقام علىٰ جريانها في الشبهة المصداقيّة التحريميّة النفسيّة.

و دعوىٰ أنّ الشارع ليس وظيفته إعلام الموضوع، بل الحكم فقطّ، فلا عذر مع بيانه في عدم العلم بالموضوعات، فلا بدّ من الاحتياط عقلًا، مدفوعة بأنّ عدم كون البيان من وظيفة الشارع لا يجعل الاستعلام وظيفة للمكلّف، بحيث يجب عليه إشغال أوقاته في استعلام موضوعات التكليف؛ فإنّه لا يناسب احتمال التكليف بها في شريعة، فضلًا عن أسهل الشرائع.

نعم، في الاحتمالات المرتبطة بما هو أهمّ الحرمات و الواجبات، كما في الدماء و الأعراض و الأموال المساوية لها، لا بدّ من الفحص أو الاحتياط؛ كما أنّ الفحص واضح الوجوب عن

الأدلّة في ما ينحصر طريقه أي طريق العلم بالشارع و إبلاغاته، كالأحكام الشرعيّة وضعيّة و تكليفيّة، و الموضوعات المستنبطة الداخل فيها الجعل الشرعي، فلا ينبغي الإشكال في شي ء من البراءتين في الشبهات الموضوعيّة، و إن كانت تحريميّة، كانت نفسية أو غيريّة.

بهجة الفقيه، ص: 281

و أمّا الفرق بين القول بالشرطيّة أو المانعيّة، فيلزم العلم بحصول المقيّد علىٰ الأوّل دون الثاني، بل المقيّد مدفوع بالأصل حتى يعلم، فيمكن منعه أوّلًا: بعدم الأصل النافي للمانع إذا لم يستصحب عدمه، و ثانياً: بأنّ الفرق بينهما غير متّجه؛ فإنّ دليل المانعيّة الشرعيّة الجعليّة لا يمكن معه بقاء الإطلاق في دليل الأمر من حيث الاقتران بالمانع، فقهراً يكون عدمه قيداً للمأمور به، و يكون الدليل على المانعيّة و الإفساد، دليلًا على الشرطيّة، و المفروض جريان البراءة على الشرطيّة، مع الانحلال إلىٰ شرطيّة الأعدام المتعددة للواجب، المقتضي للانحلال إلىٰ معلوم الشرطيّة للعلم بالاندراج تحت الموضوع، و مشكوكها للشك في الاندراج المذكور، و لذا جمع بين المانعيّة و الإفساد و الشرطيّة للصلاة في المأكول مريداً به ضدّ غير المأكول في موثّقة «ابن بكير» «1»، فتحفّظ.

و منه يظهر أنّ الصحيح هو دوران الأمر بين شرطيّة عدم اللبس و نحوه، و بين مانعيّة اللبس و نحوه، و أنّ جعل المانعيّة جعل لشرطيّة العدم بالاستلزام؛ فالدوران بين جعلها بالمطابقة أو بالاستلزام. و علىٰ أيّ، فجعل المانعيّة و المفسديّة، لمكان أنّ المانع راسم عدم الشرط، لمساوقة عدم عدمه لوجود المانع تقريباً، فلا يستقيم جعل الدوران بين شرطيّة أحد الضدّين و مانعيّة الآخر، و جمع ما يترتّب عليه من الإشكال و الجواب، إذ لا مجال لتوهّم شرطيّة لبس المأكول مطلقاً، أو في خصوص ما كان من أجزاء،

و إنّما المراد من قوله عليه السلام في «الموثقة»

لا يقبل اللّٰه تلك الصلاة. «2»

شرح ما قدّمه من الحكم بالإفساد، لا تأسيس لبيان شرط آخر، و هذا من الوضوح بمكان.

و أمّا الشروط الوجوديّة فلزوم الاحتياط و عدم جريان البراءة فيها لمكان عدم الانحلال إلىٰ معلوم الشرطيّة و مشكوكها، كتردّد الطهارة بين الوضوء و الغسل، و تردّد الساتر بين الحاكي و غيره مع عدم إمكان الاطّلاع؛ بخلاف صورة الانحلال، مثل تردّد

______________________________

(1) الوسائل 3، أبواب لباس المصلي، الباب 2، ح 1.

(2) الوسائل 3، أبواب لباس المصلي، الباب 2، ح 1.

بهجة الفقيه، ص: 282

الساتر المعتبر بين أن يكون ثوباً، أو جواز الستر بالحشيش اختياراً، و تردّد التستّر المعتبر فرضاً بصورة وجود الناظر، كما في غير الصلاة بين وجود الناظر و عدمه، فتجري البراءة عن شرطيّته في الصلاة إن كانت مشكوكة، كما تجري البراءة عن لزومه النفسي في غير الصلاة.

المناقشة في جريان البراءة الشرعيّة في المقام ثمّ إنّ ما أفاده في رسالة «اللباس المشكوك» «1» في جريان البراءة الشرعيّة في فرض المنع عن العقليّة من أنّ اجتماع الارتباطيّة و الشبهة المصداقيّة لا يؤثّر في الإشكال في البراءة بعد البناء علىٰ عدم تأثير شي ء منهما منفرداً عن الآخر، فالارتباطيّة كالنفسيّة، و الشبهة المصداقية كالحكميّة و المفهوميّة علىٰ ما حرّرنا عبارته في المقام، يمكن أن يتأمّل فيه.

فإنّ الشك في الجزئيّة لما لا يؤكل بالشبهة المصداقيّة في المقام، ليس من الشك في متعلّق التكليف، كتردّده بين الأقلّ و الأكثر من جهة الشبهة المصداقيّة؛ و إنّما الشك في المتعلّق يتمّ في مثل الشك في مانعيّة مطلق الوقوع في الجزء، حتّى بإلقاء الشعر على الثوب، أو خصوص المتلبّس باللباس المتّخذ منه؛ لا

ما نحن فيه، فإنّ الشك فيه متعلّق بالموضوع و ليس من الارتباطي، بل الشبهة المصداقيّة لموضوع ما لا يؤكل الذي قبلَ الصلاة الواجبة بعدم وقوعها في جزء منه، كما إذا شك في الخمريّة المضاف إليها حرمة الشرب؛ فلا محلّ للارتياب في البراءة المقول بها في الشبهات الخارجيّة من دون توهّم ارتباط بين آحاد الموضوع.

و الشك في التكليف الارتباطي هنا ناشٍ عن الشك في موضوع التكليف. و التكليف المشكوك نفسيّاً كان أو غيريّاً، إذا كان منشأ الشك فيه في تحقّق موضوعه مجرى لأصل البراءة. و حيث يعلم بالاشتراط في تقدير الإضافة إلىٰ ما لا يؤكل،

______________________________

(1) رسالة «الصلاة في المشكوك» للمحقّق النائيني قدس سره ص 291 213، ط: مؤسسة أهل البيت عليهم السلام.

بهجة الفقيه، ص: 283

فالشك في التقدير يستلزم الشك في الاشتراط بالشبهة المصداقيّة، فيدفع بالأصل؛ لا أنّ الشك في زيادة الشرطيّة أو المانعيّة حتّى يدفع بالأصل.

و أمّا توجيه ما عن المشهور من المنع بجعلهم الشرط ما يتحصّل من مجموع إعدام الوقوع في ما لا يؤكل، علىٰ: ما حرّرنا به كلام «صاحب الرسالة»، فمرجعه إلىٰ أنّ المطلوب أمر بسيط لا ينحلّ إلىٰ معلوم و مشكوك، و إنّما التردّد في محصّله بين أن يكون مجموع إعدام تسعة أو عشرة.

و مثله ما نسب إلىٰ بعضهم من الاستدلال بأنّ الستر مقيّد بعدم الوقوع في ما لا يؤكل، و الشك في المقيّد تحقّقاً مجرى قاعدة الاشتغال. و قد مرّ أنّ الشرطيّة إنّما هي في موضوع ما لا يؤكل، فما لم يحرز الموضوع لم يحرز الاشتراط و التقيّد، فلا تصل النوبة إلىٰ بساطة القيد و تركّبه في موطن قيديّته، حتى يجري الأصل على الثاني دون الأوّل.

مقتضى أصالة الحلّ في المقام و

أمّا الكلام في جريان أصالة الحلّ في ما نحن فيه، فهو نفس الكلام في أصالة البراءة، بناءً علىٰ عموم الحلّية للوضعيّة، كما يناسبه التمثيل في موثّقة «مسعدة بن صدقة» «1».

و إلّا ففي جريان الأصل في المأخوذ منه الجزء، و إن تردّد أمره بين الحلال اللحم يقيناً و حرامه يقيناً، كتردّد ما في الكأس بين الأخذ من ماء مباح و آخر محرّم، كالجريان في المشتبه حكماً أو موضوعاً بين أن يكون حراماً أو حلالًا، وجه قريب.

إلّا أنّ إثبات جواز الصلاة بالحليّة الظاهريّة الثابتة بأصالة الحلّ في الشك السببي لا يخلو عن مناقشة. و ما في «إزاحة الشكوك» للآشتياني قدس سره «2» إخراج للصوف المأخوذ عن المشتبه

______________________________

(1) الوسائل 12، كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب به، الباب 4، ح 4.

(2) إزاحة الشكوك ص 79.

بهجة الفقيه، ص: 284

حكماً عن النزاع بعد جريان أصالة الحلّ في ذلك المشتبه حكماً أو موضوعاً، مع العلم بحكم النوع الظاهر في أنّ الأصل السببي يثبت حكم الشك في المسبّب؛ فالصورتان خارجتان عن النزاع المخصوص بما لا مجرى لأصالة الحلّ في الشك السببي، كالمشكوك أخذه من حرام معلوم أو من حلال معلوم، و قد مرّ تقوية جريان الأصل المذكور في المأخوذ منه بهذا العنوان.

و ما أفاده في «الإزاحة» من تأثير الأصل في السبب، لازمه إلحاق التعبّد الثابت بالأصل و لو لم يكن غير محرز بالعلم، بالأخذ من الحلال المعلوم، المستلزم للعلم بجواز الصلاة في المأخوذ، كالعلم بالأخذ من الحرام المعلوم، المستتبع للعلم بعدم جواز الصلاة في المأخوذ.

فإنّه علىٰ تقدير كون موضوع الحكمين نفس الأنواع المحرمة ذاتاً، لا لعارض من قبيل عدم التذكية لحلال الأكل بالتذكية، المقابلة للمحلّلة كذلك كالأنعام، فلا ترتّب بين الحكمين

حتى يُثبت الأصل في أحدهما الحكم الآخر، و لا أصل فرضاً يثبت الموضوع لهما أو ينفيه.

و هذا هو المراد من الأدلّة، لا أنّ المراد الحرمة و الحلّية الفعليّتين و لو بالعارض، كعدم تذكية حلال اللحم، أو الاضطرار إلىٰ حرام اللحم، فتبطل الصلاة في شعر الأوّل، و تحلّ في شعر الثاني كما هو واضح؛ و لو فرض الترتّب فالتعبّد بالحليّة أو الحرمة لا يُثبت الحكم المترتّب على الحرمة و الحليّة الواقعيّتين، و ليس فيه التعبّد بزوال الشك إلّا علىٰ ما قدّمناه من تكفّل الأصل للحليّة الوضعيّة و معه لا حاجة إلى الترتّب.

و أمّا كون الموضوع لعدم جواز الصلاة معنوناً بعنوان الحرمة بحيث يكون حرمة الأكل عنواناً مشيراً، فلا يخلو عن تردّد، لعدم قرينيّة ذكر السباع علىٰ ذلك. و ظاهر

ما حرّم اللّٰه

و

ما أحلّل اللّٰه

دخالة الوصفين في المنع و الجواز، و لا حصلا بالعرض كالجلل و الوطي و شرب لبن الخنزيرة، لصدق «ما حرم اللّٰه» على الكلّ فيها، مع مزيد اعتناء باللبن و اللحم، فإنّهما معظم الانتفاع بالمأكول، بخلاف المغصوب المحرّم إمساكه،

بهجة الفقيه، ص: 285

و المضطرّ إليه المحرّم خصوصُ مورد الاضطرار فيه، بخلاف مثل الاضطرار و الغصب للاختصاص بخصوص الغاصب و المضطرّ.

و بالجملة، فأصالة الحلّ بغير استصحابه، و إن لم يترتّب عليها حليّة الصلاة، إلّا أنّ الدليل عليهما واحدة بناء على العموم للوضع، كما ذكرناه.

________________________________________

گيلانى، فومنى، محمد تقى بهجت، بهجة الفقيه، در يك جلد، انتشارات شفق، قم - ايران، اول، 1424 ه ق

بهجة الفقيه؛ ص: 285

و المناقشة في التمسّك بأصالة الحلّ: بأنّ موضوع جواز الصلاة عدم الحرمة الشأنيّة، و الثابت بأصالة الحلّ الحليّة الفعليّة، فإنّ صوف الغنم الميّت تجوز الصلاة فيه مع عدم الحليّة

الفعليّة، فيمكن دفعها بأنّ مفاد الأصل الحليّة المحتملة؛ فإن كانت الحلّية المحتملة مطلقة فهي مطلقة؛ و إن كانت علىٰ تقدير، فهي تُثبت الحليّة علىٰ ذلك التقدير، و جميع الحيوانات قبل التذكية محلّلة علىٰ تقديرها لا مطلقاً، و مشكوك الحلية علىٰ تقدير التذكية محكوم بالحليّة علىٰ ذلك التقدير، و المذكّى إذا شكّ في حلّيّته محكوم بالحليّة الفعليّة في شخصه، و علىٰ تقدير في نوعه؛ فلا مانع من إجراء أصالة الحل علىٰ تقدير التذكية، و إثبات جواز الصلاة المترتّب فرضاً على الحلال علىٰ تقدير التذكية لولا الإثبات، [و] لولا العموم للوضع و التكليف علىٰ ما قدّمناه.

المناقشة في ما أفاده بعض مشايخ العصر ثمّ إنّه ذكر بعض مشايخ عصرنا قدس سره «1»: أنّ الشك في مانعيّة المشتبه و هي التي استظهرها في المقام في قبال الشرطيّة يرجع إلى الشك في منع الشارع عن إيقاع الصلاة فيه أو ترخيصه، و جَعَلَه بمنزلة الصغرىٰ للكبرىٰ الآتية في كلامه؛ و أنّه عليه يبتنى التفرقة بين ما نحن فيه و بين الشك في تحقّق القيود الوجوديّة. و ذكر في بيان هذه المقدّمة: «أنّ الكلام تارة في رجوع الجهة المستتبعة للمانعيّة، إلى المنع الشرعي المولوي عن إيقاع الصلاة في آحاد ما ينطبق علىٰ عنوان المانع الخارج، و قد ظهر ممّا مرّ عدم استقامة الفرق بين الشرطيّة و المانعيّة في المقام؛ و أنّه يكشف

______________________________

(1) هو المحقّق النائيني قدس سره في رسالة «الصلاة في المشكوك» ط: مؤسسة أهل البيت عليهم السلام ص 350.

بهجة الفقيه، ص: 286

جعل المانعيّة عن تقييد الإطلاق من حيث وجود الشرط، أعني عدم ما هو مانع شرعاً؛ و أنّ المانع المعتبر عدمه سواء كان عبارة عن صرف الوجود، أو كلّ

وجود؛ فإنّه يضاف إلىٰ ما لا يؤكل، و هذا موضوعه، و الشك فيه يستلزم الشك في المانعيّة و اشتراط العدم».

و هذا أعني انحلال الموضوع إلىٰ وجوداته الواقعيّة المعلوم بعضها المجهول بعضها، هو ملاك الانحلال المفيد للبراءة هنا، كان انحلال المانع إلى الوجودات المانعة أو لا، لكون المانع صرف الوجود؛ و لذا فمثل هذا الانحلال المفيد إذا كان في ناحية الشرط الوجودي، جرت البراءة أيضاً؛ كما إذا فرض أنّ الشرط في الصلاة هو الواجب عن الستر في غير الصلاة؛ يعني [إذا كان] الشرط، الصلاة بالتستّر من الناظر، فشك في وجود الناظر، لم يجب التستّر مقدّمة لإحراز الستر الواجب، لأنّه ليس واجباً مطلقاً غيريّاً على الفرض، فتجري البراءة المختارة في كون الشرط مجموع إعدام الوقوع في ما لا يؤكل، أو مطلق العدم، أو عدم الصرف، و بين كونه كلّ عدم لكلّ وقوع في ما لا يؤكل بالنحو المقتضي للانحلال في نفس الشرط لا في موضوعه.

و إنّما يمنع عن البراءة في الشروط الوجوديّة، القطعُ بالشرطيّة، إمّا للقطع بوجود شرطها، أو لعدم مشروطيّتها، ثمّ شكّ في وجود ما هو الشرط، فشكّ في وجود الواجب المقيّد به، فمقتضىٰ قاعدة الاشتغال وجوب إحراز المقيّد بإحراز وجود قيده.

و ذكر في الكلام في الإطلاق من حيث الأضداد الوجوديّة، المقابلة للوقوع في ما لا يؤكل من الواقعة في ما يؤكل، أو في ما ليس من الحيوان: «أنّه لا مقيّد لغير جعل المانعيّة، و أنّ المستفاد كفاية الشكّ في حرمة الشي ء يعني و لو كانت غيريّة في تحقّق موضوع هذا الأصل، و لا يلزم إحراز الوقوع المضادّ للوقوع في ما لا يؤكل».

و قد ذكرنا أنّ الشرط عدم الوقوع في ما لا يؤكل، و الوقوع هو

المانع، و ليس الشرط ما يلازم عدم الوقوع في ما لا يؤكل ممّا ذكر، كما هو ظاهر «الموثّقة» «1».

______________________________

(1) الوسائل 3، أبواب لباس المصلي، الباب 2، ح 1.

بهجة الفقيه، ص: 287

و ذكر في شرح المقدّمة الثانية في كلامه، و هي عدم اختصاص ما يدلّ علىٰ اعتبار هذا الأصل، يعني المجوّز للصلاة مع الشك في المانع بما إذا كان المنع المشكوك نفسيّاً ناشئاً عن المبغوضيّة الذاتية، بل يعمّها و ما إذا كان من جهة القيديّة: «أنّ الحرام الوارد في عنوان الأدلة سواء أُريد به المعنى الوضعي العارض لذوات الأشياء الخارجيّة من حيث تعلّق أفعال المكلفين بها، أو الاقتضائي العارض لنفس الأفعال فليس هو إلّا عبارة عمّا منع عنه الشارع، و حرّم العباد عنه في عالم الجعل و التشريع، و لو باعتبار ما يتعلّق به من الأفعال كالصلاة فيه مثلًا فالجعل التشريعي المقتضي لذلك هو التحريم، و المجعول الشرعي المعبّر عنه باسم المصدر هو الحرمة، و معروضها هو الحرام، و الحلال ما يقابل ذلك، أما استناد المنع أو الترخيص المذكورين إلىٰ مبغوضيّة الشي ء في حدّ نفسه و عدم مبغوضيّته كذلك، أو استقلال الجعل المقتضي لذلك، فهو خارج عن مدلول اللفظ لغةً و عرفاً.» عبد و يشهد لذلك الاستعمالات الواردة في ما نحن فيه و أشباهه في لسان الرواة، و جواب الأئمّة عليهم أفضل الصلاة و السلام- «1»، بحيث يظهر منه أعميّة حاقّ مدلول اللفظ عن القسمين، لا لأجل التجوّز فيه» «2».

ثمّ سرد عدّة من الروايات الدالّة علىٰ ما استفاده من الأعميّة لمكاتبة «محمّد بن عبد الجبار» في الصلاة في قلنسوة حرير محض «3». و مرسلة الفقيه بما فيها من التعبير بقوله عليه السلام

و لم يحرم

لبسه و مسّه و الصلاة فيه «4».

______________________________

(1) الوسائل 3، أبواب لباس المصلي، الباب 14.

(2) رسالة «الصلاة في المشكوك» ص 359.

(3) الوسائل 3، أبواب لباس المصلي، الباب 14، ح 1.

(4) الوسائل 2، أبواب النجاسات، الباب 38، ح 13.

بهجة الفقيه، ص: 288

و رواية الخصال، و فيها

يجوز أن تتختّم بالذهب و تصلّي فيه، و حرّم ذلك على الرجال «1».

و رواية «الشيخ» عن «موسى بن أكيل»، و فيها

فحرّم على الرجال لبسه و الصلاة فيه «2»

و مكاتبة «محمّد بن عبد الجبّار» الأُخرىٰ، و فيها

لا تحلّ الصلاة في الحرير المحض. و إن كان الوبر ذكيّاً حلّت الصلاة فيه «3».

و ما رواه عن «عمّار الساباطي»، و فيها في السؤال

لا تحلّ الصلاة فيه «4»

أي في الثوب الواحد الذي ليس له سواه.

و التوقيع المروي في «الاحتجاج» «5»، و التوقيع الآخر المحكي عن «الخرائج»، و فيه

فحرام عليك و علىٰ غيرك الصلاة فيه «6».

انتهى المشار إليه.

و يمكن أن يقال: إنّ التعبير بالوضعي و الاقتضائي لا يخلو عن مسامحة، بل الحرمة العارضة للأعيان، باعتبار الأفعال المتعلّقة بها من التوصيف بحال المتعلّق؛ فالحرمة المنسوبة إلىٰ الأعيان و الأفعال، اقتضائيّة و بمعنىٰ فأرد، و في قبالها الحرمة الوضعيّة. و الميزان أنّ الفعل الذي يتسبّب به إلىٰ غيره تسبّباً اعتباريّاً، فحرمته بمعنى عدم حصول المسبّب به، لا ما ينشأ عن مفسدة في نفس السبب، بخلاف ما كان المقصود نفسه، أو ما يتولّد منه تكويناً، فالحرمة فيه تكليفيّة. و المقصود مغايرة الحرمتين، لا عدم إمكان اجتماعهما في ذات السبب بملاكين نفسي و غيري. و الحاصل أنّ أصالة الحلّ بدليلها العام تعمّ الحليّة النفسية التكليفيّة و الوضعيّة الغيريّة.

______________________________

(1) الوسائل 3، أبواب لباس المصلي، الباب 16، ح

6.

(2) الوسائل 3، أبواب لباس المصلي، الباب 30، ح 5.

(3) الوسائل 3، أبواب لباس المصلي، الباب 12، ح 4.

(4) الوسائل 2، أبواب النجاسات، الباب 45، الحديث 8.

(5) الوسائل 3، أبواب لباس المصلي، الباب 10، ح 15.

(6) المستدرك، أبواب لباس المصلي، الباب 3، ح 1.

بهجة الفقيه، ص: 289

و يؤيّده أنّ الحرمة التكليفيّة في الأمثلة المذكورة في رواية «مسعدة» «1» و هي من أدلّة الأصل المذكور تابعة للوضعيّة في البيع و النكاح، فلا تكون الوضعيّة الثابتة في السبب خارجة عن العموم الممثّل بما في تلك الموارد. و لا يمكن التحليل التكليفي في تلك الموارد إلّا بالتحليل الوضعي، كما لا يمكن التحريم التكليفي فيها مع التحليل الوضعي للأسباب.

مع أنّه قد مرّ كفاية أصالة البراءة في ما نحن فيه، لأنّ الشرطيّة المجهولة للجهل بموضوعها، شرعيّة قابلة للوضع و الرفع، فيشملها رفع المجهول في ضمن التسعة «2»، و كذلك البراءة العقليّة على الوجه المتقدّم تقريره.

فما قيل من: اقتضاء الشكّ في الامتثال إحرازه على اليقين لقاعدة الاشتغال، مزيّف بما في محلّه من أنّه كذلك إذا لم ينشأ عن الشك في أمر شرعي في الوضع و الرفع يشمله ما دلّ علىٰ رفع المجعول الشرعي إذا كان مجهولًا بأيّ سبب كان الجهل، و إلّا جرىٰ الإشكال في البراءة في الأقلّ و الأكثر الارتباطيّين.

و أمّا الكلام في استنتاج الصحّة في الظاهر من جريان الأصل في الشرطيّة أو المانعيّة، فشي ء لا يختصّ بالمقام، و يجري في الشبهات الحكميّة في دوران الواجب بين الأقلّ و الأكثر الارتباطيّين؛ فالشبهة الموضوعيّة، كالحكميّة بعد تسلّم جريان أصالتي البراءة و الحلّ فيهما معاً في استفادة الصحّة الظاهريّة الموقوفة علىٰ انطباق المأمور به على المأتيّ به. و بعد ضمّ ما

بالوجدان إلى التعبّد بعدم الشرطيّة المجهولة و المانعيّة المجهولة، كان الجهل في الحكم أو في موضوعه. و يمكن أن يستشهد له بمثل ما إذا شكّ في الاشتراط بالشبهة الحكميّة التي منشأها فقد النص، فهل يشكّ أحد في صحّة المأتيّ به في الظاهر بمثل هذا الشكّ؟ و الشكّ في الامتثال آتٍ هنا أيضاً. و القطع بالفراغ بالنسبة إلىٰ ما في قطع التكليف به في حيثيّة

______________________________

(1) الوسائل 12، أبواب ما يكتسب به الباب 4، ح 4.

(2) الوسائل 5، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 30، ح 2.

بهجة الفقيه، ص: 290

القطع به مشترك بين الشبهة الموضوعيّة و الحكميّة. و الشك في الامتثال في المأتيّ به من حيث الشك في التكليف و بلحاظ ما يشكّ في أصل التكليف به أيضاً، مشترك بين المقامين.

و مقتضى تحليل الأمر إلى اليقين و الشكّ في التكاليف معاملة الاستقلال مع التكاليف الضمنيّة الانبساطيّة، فإن صحّ هذا التحليل، كان الشكّ في الامتثال ناشئاً عن الشك في تكليف زائد لو كان، كان ارتباطيّاً.

و حكم العقل بالاشتغال إنّما هو في ما تمحّض الشكّ في الامتثال من دون أن ينشأ عن الشك في التكليف؛ فلا يبقىٰ إلّا احتمال توقّف تحقّق معلوم الشرطيّة بما يعلم به الامتثال، و ذلك في تقدير شرطيّة المتحصّل من مجموع الوجودات، أو مانعيّة صرف الوجود؛ و ذلك لو تمّ، ففي معلوم الاشتراط لا مشكوكه، للشكّ في تقدير الاشتراط كما مرّ، فلا وقع لهذا الاحتمال.

مقتضى الأصل الموضوعيّ في المقام و أمّا الكلام في الأصل الموضوعي المتقدّم على الحكمي و إن كان استصحاباً، فضلًا عن البراءة الشرطية المشكوكة أو المانعيّة المشكوكة، و لو للشكّ في موضوعها، و هو كون الشي ء ممّا لا يؤكل، أو

وقوع ما لا يؤكل على المصلّي، فحاصله، أنّ المانع هو كون اللباس أو ما يلحق به ممّا لا يؤكل، و الشرط إنّما هو عدم تحقّق هذا المانع؛ فالشكّ في كون الحيوان ممّا لا يؤكل أو في وقوع جزء منه على المصلّي، بناءً علىٰ لحوقه باللبس، شكّ في تحقّق ما هو المانع و في تحقّق ما هو الشرط، و الأصل في المانع و الشرط اعتبار اجتماع المشروط مع الشرط و مع عدم المانع، أمّا اتصافه بعدم المانع فيحتاج اعتباره إلىٰ مزيد عناية في دليل الاشتراط؛ و إلّا فنفس مثل: «لا تصلِّ في غير المأكول»، أو «أنّها فيه فاسدة»، أو أنّه «حتّى يصلّيها في غيره» لا يفيد إلّا اعتبار اجتماع الصلاة زماناً مع عدم المانع.

فلا محلّ للإيراد بالإثبات في المستصحب، مع الاتصاف المطلوب من قضيّة

بهجة الفقيه، ص: 291

اشتراط الصلاة بعدم الوقوع في ما لا يؤكل، فيكفي تكفّل الأصل لعدم ما ثبت مانعيّته، أو لوجود ما ثبت شرطيّته مع الشكّ فيهما في زمان تحقّق الصلاة، بلا حاجة إلىٰ إثبات اتّصاف الصلاة بذلك الشرط، أو بعدم المانع؛ كما أنّ استصحاب الطهارة إلىٰ حين الصلاة و في أثنائها، يكفي في التعبّد بحصول الشرط، و إن لم يكن اتصاف الصلاة بالاقتران بالطهارة مجرى الاستصحاب، و لا ممّا يثبت باستصحاب الطهارة.

فعليه، فيمكن دعوى الاكتفاء بأنّ لبس المصلّي لما لا يؤكل، أو ما بحكم اللبس و هو المانع المفسد للصلاة لم يكن قبل الصلاة، فهو إلىٰ زمان الصلاة علىٰ ما كان؛ و كذلك عدم اللبس أو ما بحكمه كان قبل الصلاة، فهو علىٰ ما كان إلىٰ حين تحقّق الصلاة. و لا حاجة إلىٰ إثبات اقتران الصلاة بعدم اللبس من جهة مطلوبيّة

الاقتران بعدم المانع شرطاً، فيجاب بأنّ الاقتران بالحمل الشائع لا يُثبت الاقتران بالحمل الأوّلى؛ و لا إلىٰ إثبات أنّ المشكوك ليس ممّا لا يؤكل، بل يكفي إثبات عدم لبس غير المأكول تعبّداً.

و علىٰ تقدير استفادة اعتبار الاتصاف، فالمانع هو اتصاف الصلاة بالوقوع في ما لا يؤكل، و الشرط إنّما هو عدم المانع، لا الاتصاف بعدم الوقوع في ما لا يؤكل، و المانع و هو اتصاف الصلاة بالوقوع في ما لا يؤكل لم يكن قبل الصلاة، فهو علىٰ ما كان في زمان الصلاة، كما إذا شك في طروّ بعض المبطلات في أوّل أجزاء الصلاة. الفرق بين العدم المحمولي و النعتي في جريان الاستصحاب و المناقشة فيه و دعوىٰ أنّ استصحاب عدم الاتصاف محموليّاً لا يُثبت العدم النعتي، فإنّ استصحاب السالبة بانتفاء الموضوع، لا يثبت السالبة المنتفية بانتفاء المحمول، مدفوعة بأنّ العدمين لا فرق فيهما في أنفسهما، و إنّما الفرق في معروضهما و موضوعهما، المعدوم في ما مضى و المحقّق في ثاني الزمانين؛ فمرجع الاتصاف بالعدم مطلقاً إلىٰ عدم الاتصاف المضاف إلىٰ موضوع قبل وجوده أو بعده، فيكون كاستصحاب عدم القرشيّة في المرأة.

بهجة الفقيه، ص: 292

و عليه، فلا يستقيم ما عن «الشيخ الأنصاري» قدس سره «1» من الفرق بين ترتّب الأثر على العدم المقارن، أو على العدم النعتي، فلا يجري استصحاب عدم كريّة الماء و عدم حيضيّة العدم، و يجري في استصحاب عدم كون الشرط مخالفاً للكتاب من جهة الشك في كون الحكم الكتابي ممّا لا يقبل التغيّر بالشرط.

لابتنائه على الفرق بين العدمين في الاستصحابين في ما لهما من نفس الأمريّة، و إنّما الفرق بين الوجودين أعني المحمولي و النعتي من حيث إنّ استصحاب الوجود المحمولي

لا يثبت اتصاف الموضوع الخاصّ به، فلا يترتّب الأثر المفروض ترتّبه علىٰ اتصاف الموضوع بالوصف.

مع أنّ كلّاً من الصلاة و التلبّس بما لا يؤكل في حال الصلاة من عوارض بدن المصلّي، لا أنّ التلبّس من عوارض الصلاة، و صدق الصلاة في ما لا يؤكل إنّما هو بالعرض و بتوسّط كون المصلّي متلبّساً بما لا يؤكل، فليست الصلاة مع التلبّس بنحو من العرض و محلّه.

مع أنّ العرض و محلّه الشخصي إذا أُخذا في الموضوع للحكم، فإنّما يستفاد اعتبار الاتصاف الملازم للأخذ المذكور في الوجوديّات، أي في الشروط الوجوديّة؛ لا عدم التلبّس و هو الشرط، لأنّه عدم للمانع، و لا نعتيّة في الأعدام. بل تقسيمات الوجود الأربعة، لا تجري في الأعدام؛ فالوجود قد يكون لا ماهيّة له لقوّته، كالواجب تعالىٰ؛ أو لغاية ضعفه كالرابط، و يفترقان بالوجود «في نفسه بنفسه»، و «لا في نفسه و لا بنفسه»، و قد يكون «لنفسه» كالجوهر، و «لغيره» كالعرض. و أعدام هذه الوجودات المفروضة ليس لها هذه الشؤون.

و الفرق بين السالبة المحصّلة و الموجبة المعدولة المحمول، منطقي لا فلسفي حقيقي، و المرجع إلى عدم الاتصاف، لا الاتصاف بالعدم.

______________________________

(1) انظر رسالة «الصلاة في المشكوك» ص 404.

بهجة الفقيه، ص: 293

كما يظهر ذلك من ملاحظة صحّة السالبة بانتفاء الموضوع على النحو المفهوم من المنتفية بانتفاء المحمول، أعني النسبة السلبية، كما يقولون، لا سلب النسبة، كما نقول، و إنّما يلتزمون به في ورود السلب على النسبة بأن يقال «ليس زيد قائماً، لا في مثل «زيد ليس قائماً».

و يشهد لما ذكرنا عدم اعتبار وجود الموضوع في السالبة. و لو كانت المنتفية بانتفاء الموضوع غير حقيقيّة، لاعتبر في الحقيقيّة و لو كانت سالبة، كما يعتبر عندهم

في الموجبة المعدولة المحمول. و لو كانت النسبة مطلقاً متوقّفة علىٰ وجود الموضوع و لو لم تكن ثبوتيّة، لكانت متوقّفة علىٰ وجود المحمول أيضاً، و هو لا يجتمع مع السلب.

فمنه يظهر: أنّ النسبة السلبيّة نفسُ أمريّتها سلب النسبة الواردة علىٰ طرفين ثبوتيين، بل النسبة مطلقاً غير مستقلّة في الثبوت و نحوه، تابعة للمنتسبين فيهما حتّى في الموجبة، حي يصحّ أن يقال: «لا حيوان لا متحرّك بالإرادة». و حينئذٍ فمرجع أخذ الصلاة مع عدم التلبّس، إلى المقارنة الوجوديّة، أي إلىٰ أخذ المتقارنين في موضوع الحكم بالصحّة؛ فاستصحاب عدم التلبّس قبل الصلاة إلىٰ زمانها ممّا يتمّ به الموضوع بضمّ ما بالوجدان في أحد الجزئين إلىٰ ما بالأصل، و هذا الاستصحاب لا فرق فيه بين طروّ الشك و المشكوك في أثناء الصلاة، أو حدوثهما في أوّل الإجزاء، بناء علىٰ اعتبار هذه الشروط في الأكوان المتخلّلة، بل مطلقاً بناء علىٰ جريان الاستصحاب في أوّل أجزاء الصلاة.

و بالجملة، فمجرّد فرض الجزئين العرض و محلّه-، لا يمنع عن الاستصحاب، و لا يحدث الإثبات فيه، و سيأتي إن شاء اللّٰه مزيد إيضاح لذلك.

تحقيق في الفرق بين السالبة المحصّلة و الموجبة المعدولة المحمول ثم إنّ المحقّق صاحب الرسالة قدس سره بعد ما ذكر الإشكال في استصحاب العدم المحمولي لإثبات العدم النعتي في ضمن مقدّمتين، ذكر فيهما ما لا يخلو من التعبيرات عن مخالفة

بهجة الفقيه، ص: 294

اصطلاح أهل الفنّ في الرابط و الرابطي و غيرهما أورد علىٰ نفسه بما حاصله: صدق السالبة المحصّلة بانتفاء الموضوع، بخلاف الموجبة المعدولة المحمول، فلا فرق بين المستصحَب و المتعبّد به بالاستصحاب «1».

و أجاب عنه بعد الغضّ عن أنّ ذلك ينافي تسالمهم علىٰ رجوع العمل إلى التوصيف،

و أنّ السالبة المعدولة محمولة ك «زيد ليس بلا قائم»، تلازم الموجبة المحصّلة المفروض توقّفها علىٰ وجود الموضوع ك «زيد قائم» أنّ رجوع السلب المحصّل إلىٰ سلب الربط الصادق عند انتفاء الموضوع بخلاف ربط السلب في الموجبة المعدولة المحمول، مبني إمّا علىٰ عدم اشتمال السالبة على النسبة، و ورود السلب فيها على النسبة الثبوتيّة، و مرجعها إلى سلب الحمل و قطع الربط.

ثمّ زيّف هذا المبنىٰ بلزوم انقلاب المعنى الحرفي اسميّاً، فيكون السلب محموليّاً، أو يكون الرابط استقلاليّاً.

و لا يخفىٰ ما فيه، فإنّ المدّعى لذلك يُنكر كون المعنى الحرفي الذي هو النسبة

______________________________

(1) رسالة «الصلاة في المشكوك» ص 438.

بهجة الفقيه، ص: 295

المدلول عليها بالحروف، غالباً علىٰ قسمين ثبوتيّة و سلبيّة، بل هو وجود «لا في نفسه» و ليس نقيضه إلّا «عدمه»، لا «عدم لا في نفسه»؛ كما أنّ عدم الواجب تعالىٰ فرضاً «عدم ما بنفسه»، لا «عدم بنفسه». و لو لزم من سلب الربط اسميّة الربط و محموليّته اللازمة لمسلوبيّته، لزم من إثباته في الموجبة المعدولة المحمول الاسميّة أيضاً، لأنّه ربط السلب، و ليس ربطاً سلبيّاً كما يدّعىٰ في السالبة المحصلة.

و الذي يشهد علىٰ عدم الانقسام الذي يكون الأصل فيه مراجعة ما في الخارج، و تنزيل الحكم و الكلام عليه، لا العكس هو عدم الفرق الحقيقي بين قولك «لا ربط بين زيد و القيام» و «زيد ليس بقائم»، و «زيد لا قائم» إلّا تعبيرات مختلفة تحسّنها أدنىٰ مناسبة المقام.

و يشهد له أيضاً أنّ النسبة في الموجبة المعدولة المحمول ثبوتيّة؛ فلو كان النسبة المدلول عليها ثبوتيّة واقعاً كما هي كذلك في الحكميّة المدلولة للكلام لزم كون النسبة الثبوتيّة التي ليس ثبوتها في نفسها، بل في طرفيها،

محقّقة مع عدم أحد الطرفين، و هو لتحقّقها مع عدمهما، إذ المقوّم بالغير المكتفي بطرف واحد عرض لا نسبته، و المفروض أنّها قسم رابع للوجود.

و يشهد أيضاً لما ذكرنا أنّ تقسيمات الوجود لم يقل أحد بجريانها جميعاً في العدم، بحيث يكون الوجود الواجبي واجباً في نفسه لنفسه بنفسه، و العدم كذلك، و الجوهري وجوداً في نفسه لنفسه بغيره، و هناك عدم كذلك؛ بل ليس في العقل إلّا عدم الوجود الواجبي، و عدم الوجود الجوهري، و عدم الوجود الرابطي، لا عدم واجب، و عدم جوهري، و عدم عرضي، فمن أين صار عدم النسبة عدم سلبي نسبي ربطي؟

و ما أبْعَدَ ما بين هذا التقسيم و أجزائه في العدم في خصوص النسبة المنقسمة إلىٰ ثبوتيّة و سلبيّة، و بين إنكار المعنى الحرفي مغايراً للوجود الرابطي، و المصير إلىٰ أنّ المعنى الحرفي هو العرض الموجود لغيره، و لازمه إنكار القسم الرابع للوجود رأساً، و إنكار النسبة الثبوتيّة فضلًا عن السلبية في قبال العرض، و كلاهما خلاف ما ينتهي إليه البرهان، و يشهد به الوجدان. و قد كان بعض مشايخنا قدس سرهم، منبّهاً علىٰ قصر التقسيمات في الوجوديّة، و منكراً للنسبة السلبيّة الغير الراجعة إلىٰ سلب النسبة الثبوتيّة، و مع هذا ذكر في بحثه علىٰ ما في ظنّي بعض مجاري الأصل في الأعدام الأزليّة الإيراد على الجريان في خصوص ذلك المورد، بأنّ المفهوم من الدليل موضوعيّة العدم عن وجود الموضوع، لا مطلقاً، و هذا غير محرز في الاستصحاب، لعدم الحالة السابقة.

مع أنّ المستصحب نفس العدم الذي هو جزء للموضوع، و ليس أخذه في الموضوع إلّا بأن يؤخذ الجزء الآخر وجود الموضوع، و الكلام في إثبات أخذ الاتصاف بالعرض جزءً ثالثاً،

و هو النسبة اللازمة لأخذ العرض و محلّه الشخصي في الموضوع؛ و علىٰ تقديره فلا مانع من استصحاب عدم انتساب هذا الموجود إلى الوصف المتيقّن

بهجة الفقيه، ص: 296

قبل الموضوع إلىٰ زمان وجوده، و لا يلزم إثبات الاتصاف بالعدم، كما يلزم إثبات الاتصاف بالوجود في إثبات الحكم المرتّب علىٰ وجود الموضوع المتّصف بوجود العرض.

و استنتج في «الرسالة» للمحقّق النائيني قدس سره ممّا ذكره: «أنّ حديث سلب الربط من الشعريات، و أنّه ليس فارقاً بين السالبة المحصّلة و الموجبة المعدولة المحمول، و الفرق إنّما هو في ترتّب الثاني علىٰ الأوّل ترتّبَ العنوان الثانوي علىٰ محصِّله» «1».

و هذا أيضاً ليس بفارق في عدم جريان الأصل مع اعتبار وجود الموضوع في القضيّتين في المقام، و إنّما الفرق بين القضيّتين، في رجوع السالبة إلى الشك في التكليف و الشرطيّة، و في الموجبة إلى الشكّ في الامتثال، لأنّ الشك في تحقّق كون المصلّي، لا لابساً لغير المأكول، و هو المعتبر فرضاً، فلا بدّ من الاشتغال.

قلت: قد مرّ أنّ موضوع غير المأكول إذا كان مشكوكاً، فالشكّ في اعتبار كونه غير لابس للمشكوك، و إن كان المعتبر عدم اللابسيّة للشي ء من أفراد غير المأكول الواقعيّة، فإنّ كون المشكوك منها غير معلوم؛ فالشكّ في الدخول في موضوع الاعتبار يوجب الانحلال الذي هو موضوع البراءتين. و عليه، فليس في السالبة بانتفاء الموضوع إلّا حسن العبارة.

مع أنّ الربط في تحصّله إذا كان علىٰ قسمين ثبوتي و سلبي، فلا يتوقّف علىٰ قسمين ثبوتي و سلبي، فلا يتوقّف علىٰ طرفين ثبوتيّين، و إلّا لم تصحّ السالبة، فليكن غير متوقّف علىٰ طرف ثبوتي أيضاً، فتصحّ السالبة بانتفاء الموضوع أيضاً؛ فإنّ تحقّق العدم غير تحقّق الوجود و له

النفس الأمريّة فقطّ، فكيف يتوقّف علىٰ أزيد من نفس الأمر في الطرفين؟ و تعلّق الغرض العقلائي بسوق السالبة بانتفاء الموضوع، أمر اتفاقي لا كلّي.

ثم زيّف في الرسالة ثانيَ الشقّين المبنيّ علىٰ أحدهما الالتزام بسلب الربط و تربيع

______________________________

(1) رسالة الصلاة في المشكوك» ص 452.

بهجة الفقيه، ص: 297

أجزاء القضيّة و كون الجزء الرابع وقوع النسبة التقييديّة أو لا وقوعها بأنّه مستلزم لورود السلب علىٰ الإيجاب، أو ورودهما على الربط المشترك بينهما، مع أنّه لا يخرج عن حقيقتهما، فليس إلّا تثليث الأجزاء، يعني مع الترديد في الجزء الثالث المسلّم عندهم بين الثبوتي و السلبي.

و قد مرّ ما يظهر منه ما فيه، و أنّ النسبة الكلاميّة [و هي] الدالّة على الحكميّة، الحاكية عمّا في الواقع المنحصر بثبوت النسبة، المستلزمة لثبوت المنتسبين، و عدمها بعدمهما أو عدم أحدهما، و مفاد الموجبة الهوهويّة، و مفاد السالبة سلب الوحدة لا وحدة سلبيّة؛ فمفاد الإيجاب «هو هو»، و مفاد السلب و العدول «ليس هو هو»، لا أنّه «لا هو» بنحو من النحوين، أعني ربط السلب، أو ربط سلبي.

و منه يظهر الجواب عمّا دفع به إيراد استحالة ارتفاع النقيضين، فلا مانع من استصحاب عدم النعت، بأنّ التقابل بالمناقضة الموجبة لاستحالة الارتفاع في الوجود و العدم المحموليّين؛ و أمّا النعتيّان فالتقابل، بالعدم و الملكة، لاعتبار الصلاحية بوجود الموضوع، و ارتفاعهما بعدم الموضوع ممكن؛ فإنّه لا عدم نعتيّ حتى يقال لا يقين به، بل اليقين بعدمه قبل وجود الموضوع، و إنّما الموجود الوجود النعتي، و هو مرتفع بعدم الموضوع تارة، و بعدم المحمول اخرىٰ، فيستصحب عدم النعت أي عدم الوجود النعتي بين الطرفين بعدمها، إلىٰ زمان وجود الموضوع المركّب منه و من نعته موضوع

الحكم، و ينتفي الحكم المرتّب علىٰ هذا المجموع.

و أمّا استصحاب عدم إذن المالك مع الشك في كون الاستيلاء علىٰ مال الغير بإذنه، فلا محلّ لنعتيّة إذن المالك للاستيلاء؛ فأصالة الضمان بعد تنقيح الموضوع بالأصل المفيد لكون الاستيلاء علىٰ مال الغير مقارناً لعدم إذن المالك، محكّمة علىٰ أيّ تقدير.

و أمّا أصالة عدم القرشيّة بعد الخمسين في ما تراه المرأة المشكوك قرشيّتها، فيمكن الاستناد فيها إلىٰ الإلحاق بالغالب و أنّه أمارة معتبرة؛ كما يمكن أن تكون مستندة إلى استصحاب عدم الانتساب إلىٰ قريش في

بهجة الفقيه، ص: 298

ما تراه بعد الخمسين؛ و مثلها أصالة عدم الانتساب إلى الميّت مع الشكّ، فينتفي الإرث، أو المنع و الحجب عن الإرث المشكوك انتسابه إلّا في احتمال الأماريّة.

هذا كلّه في الشكّ في أوّل الشروع في الصلاة أنّها تقع في غير المأكول أو لا؟ و أمّا الشكّ في الأثناء في الواقع أو وقوع غير المأكول، فموضوع الاستصحاب فيه محرز بناء على الهيئة الاتصاليّة في ما بين أجزاء الصلاة، و هي التي يقطعها أُمور، و إلّا فالواقع في ضمن الجزء المنتفي بانتفاء شرطه لا يصدق معه القطع حقيقة، و كذا النقض و البطلان على الدقّة؛ فلا مانع من الاستصحاب حتى علىٰ نعتيّة عدم الوقوع في ما لا يؤكل، لأنّها كانت منعوتة بعدم الوقوع في ما لا يؤكل، فهي علىٰ ما كانت.

و يؤيّده لولا ما مرّ من عدم وصول النوبة إلىٰ الاستصحاب مع الأصل في السبب الغير الاختياري، الذي هو الوقوع في غير المأكول في الشكّ في الواقع دون الوقوع أنّه لا ينبغي أن ينسب إلىٰ فقيهٍ الحكم بالبطلان مع الشكّ في الوقوع في أيّ مانع، أو ما يشترط عدمه في الأثناء، لاستمرار

السيرة علىٰ عدم الاعتناء، بل على عدم الفحص في احتمال الوقوع قبل الصلاة أيضاً؛ و إن كان يجتمع ذلك مع عدم شرطيّة عدم الوقوع على المصلّي قصراً للشرطيّة علىٰ ترك اللبس.

و ممّا ذكرنا يظهر ما في التفصيل المذكور في «الرسالة» في جريان البراءة بين الشكّ في بول الخفّاش مثلًا في محلّ لو بال لأصاب المصلّي، أو في الإصابة لبوله المحقّق المعلوم، و جعل الأوّل من الشكّ في الشرطيّة الزائدة على الشرطية المعلومة فتجري البراءة، و الثاني من تحقّق الشرط المعلوم شرطيّته فيلزم الاحتياط.

فإنّ العلم بالصغرى في ما يشترط عدمه إن كان لازماً، ففي الصورتين؛ و إن كان العلم بالكبرى كافياً ففيهما؛ فالشكّ في الوقوع شكّ في تحقّق المانع الغير الاختياري المعتبر عدمه، كان ناشئاً عن الشكّ في أصل الوقوع، أي في وجود الواقع، أو في الوقوع على المصلّي مع العلم بأصل وجوده، فتجري البراءة عن الشرطيّة الزائدة و عن المانع الزائد المعتبر عدمه إمّا للشك في وجود المانع، أو مانعيّة الموجود.

بهجة الفقيه، ص: 299

كما أنّه علىٰ تقدير وصول النوبة إلىٰ الاستصحاب يقال: [إنّ] عدم المانع و هو الوقوع متيقّن، و الشكّ، في انقلابه إلى الوجود، مع أنّه لو وجد كان مفسداً، فمقتضىٰ الاستصحاب عدمه، كان الشكّ ناشئاً عن حرمة أكل الواقع، أو وجود جزء من المحرّم، أو إصابة الموجود منه للمصلّي، و يجمعها الشك في وقوع غير المأكول على المصلّي، أو وقوع صلاته في جزئه.

و قد مرّ أنّ النعتيّة للعدم و لو كانت مسلّمة في متعلّق التكليف التحريمي الغيري، فلا محلّ لها في موضوع التكليف المذكور، أعني الكون من أجزاء ما لا يؤكل، و مع الشكّ في الموضوع يشكّ في حكمه، فتجري أصالة البراءة

عن الشرطيّة، و أصالة الحلّ بمعنى حلّ الصلاة فيه.

مع أنّه لا يستفاد من الدليل اعتبار العدم النعتي، بمعنى أنّ الصلاة يعتبر فيها صدق أنّ الصلاة لم تقع في غير المأكول، بل مفاده أنّه يعتبر فيها عدم وقوعها في غير المأكول، أعني عدم النعت، أي عدم ما لو كان موجوداً كان ناعتاً، لا العدم النعتي، حتى يلزم الإثبات لولا دعوى خفاء الواسطة، أو مع عدم صحّتها بحسب الكبرى.

و هذا في استصحاب عدم الوقوع في غير المأكول بنحو ينقّح به الشرط دون الأصلين المذكورين، مع أنّ الشكّ في صحّة الصلاة ناشٍ عن الشكّ في الشرطية المدفوع بالأصلين؛ فلا محلّ لاستصحاب عدم الوقوع في ما لا يؤكل حتى يترتّب عليه صحّة الصلاة الواقعة في المشكوك كونه ممّا لا يؤكل، حيث يشكّ في وقوعها في ما لا يؤكل بذلك الشك.

جريان البراءة في الشك في سائر الموانع ثمّ إنّه لا يختصّ ما ذكرناه بالشك في غير المأكول، بل يعمّ سائر الموانع، فتجري البراءة عن الشرطيّة و المانعيّة المشكوكتين في الشبهات الموضوعيّة، بل الحكميّة مع عدم ارتفاع الشك المسبّبي بالحكم في الشكّ السببي، فيجري ما ذكر في الشكّ في الحرير و الذهب، بل الميتة أيضاً لولا اقتضاء الأصل في الشكّ السببي عدم التذكية، فلا يترتّب

بهجة الفقيه، ص: 300

على المشكوك تذكيته أثر المذكى من جواز استعماله في ما يشترط فيه الطهارة أو مطلقاً.

و الفرق بينه و بين ما لا يؤكل أن التعبّد بعدم التذكية تعبّد بالموضوع الذي من أحكامه عدم جواز الصلاة فيه في عرض عدم جواز الانتفاعات بالميتة، بخلاف التعبّد بحليّة الأكل ظاهراً؛ فإنّه يمكن مفارقته عن التعبّد بما لو كان للحليّة و الحرمة من الحكم، لصحّة التعبّد بنفس

حليّة اللحم، و إنّما يتعبّد بأحكامه بنفس التعبّد بالحلّية لو دلّ على التعبّد بكونه الحلال الواقعي، كما هو مفاد الأمارة، بل الظنّ الاطمئناني علىٰ وجه، بل الاستصحاب لو جرىٰ في مورد علىٰ وجه، هذا. و قد مرّ أنّ الحليّة المتعبّد بها في دليل الأصل تعمّ التكليفيّة و الوضعيّة، و أنّ التمثيل بما في رواية «مسعدة» «1» يناسب العموم الذي لا مانع عن الالتزام به، و لو لم يقع ذلك التمثيل.

و عليه، فلا يراد من إثبات الحلية التكليفيّة إثبات حكمها في المقام و هي الوضعيّة، حتّى يقال: «إنّها في موضوع الشكّ في الوضعيّة، و هو غير مرتفع وجداناً، و لا تعبداً بالتعبّد بالحلّية التكليفيّة التي هي ما متيقّن دليل أصالة الحل إلّا علىٰ الأصل المثبت».

بل يقال: إنّ الشكّين و إن كانا طوليّين، و التعبّد بحلّ الأكل أعمّ من التعبّد بآثاره الشرعيّة التي منها حلّ الصلاة، إلّا أنّ التعبّد بالحلّ بالمعنى العامّ يشمل الشكّين الطوليّين، كما يشمل العرضيّين لو كانا؛ فإنّ مفاده جواز أكل المشكوك حرمته، و جواز الصلاة في المشكوك جوازها فيه.

و دعوىٰ أنّ حمل رواية «مسعدة» علىٰ الأعمّ، و الالتزام بأصالة الحلّ الوضعيّة في جميع الأبواب، و في جميع الشروط و الموانع من العقود و الإيقاعات و المعاملات، لازمه تأسيس فقه جديد، مدفوعة بأنّه لا مانع من الالتزام [به] في غير موارد الإجماع، و فيها يكفي الإجماع دليلًا مانعاً عن العموم؛ كما في ما ثبت فيه إناطة الحلّ الوضعي بالعلم، أو

______________________________

(1) الوسائل 12، أبواب ما يكتسب به، الباب 4، ح 4.

بهجة الفقيه، ص: 301

ما يقوم مقامه بدليل اجتهادي؛ كما أنّ قاعدة الفراغ و أصالة الصحّة من التسهيلات على الشاكّ موافقة لعموم الحلّ للوضع

فيها.

و منه يظهر وجه الاكتفاء بأصالة البراءة، فإنّها تعمّ الحكم التكليفي و الوضعي. و لو لا هذا العموم، لما أمكن رفع الشرطيّة المجهولة بأصالة البراءة في ما لا محلّ للتكليف فيه، حتّى يرفع احتماله بها، كالشك في أخذ الشعر من هذا الحيوان المحلّل قطعاً، أو ذاك الحيوان المحرّم قطعاً، بل في ما يشك في التكليف فيه.

فإنّ رفع التكليف تعبّداً، لا يستلزم رفع الشرطية الموقوف علىٰ رفع الشك فيها، فكيف يتمسّك بالأصل في رفع الشرطيّة المجهولة للشعر بعموم دليل هذا الأصل، و لا يتمسّك به في المقام بمجرّد طوليّة الشكّين، و عدم تكفّل دليل الملزوم رفع حكم اللازم لعدم رفعه للشك فيه؟

و عليه، يكون الشكّ في غير المأكول موضوعاً أو حكماً، كالشك في الحرير و الذهب موضوعاً أو حكماً، في عدم ترتّب الوضع على التكليف في المشموليّة لدليل أصالة الحل أو البراءة الشرعيّة الجاريتين في الوضع المجهول، في عرض الشمول للتكليف المجهول، أو في ما ليس هناك تكليف مجهول مبتلىٰ به.

جريان البراءة في الدم المشتبه بين المعفوّ عنه و غيره ثمّ إنّ الطهارة من الخبث إذا كانت مشكوكة، مجرى أصالة الطهارة، و بها يحكم بجواز ترتيب آثار الطهارة على المشتبه التي منها جواز الصلاة فيه.

و أمّا خصوص الدم المشتبه بعد نجاسته علىٰ جميع التقادير بين المعفوّ عنه، كالأقلّ من الدرهم من غير الدماء الثلاثة، و دم القروح و الجروح و غيره، و لم يكن استصحاب ينقّح الموضوع، فهل القاعدة تحكم بالاشتغال لإحراز الصلاة مع الطهارة، أو البراءة؟

و يمكن أن يقال: إنّه حيث كانت المانعيّة للصلاة الموجبة لاعتبار العدم شرطاً في صحّتها لخصوص الدم البالغ قدر الدرهم و من غير الجروح، فمع الشكّ يكون مانعيّته

بهجة الفقيه،

ص: 302

مشكوكة، و مقتضى عدم المانعيّة و عدم اعتبار العدم شرطاً في الصحّة.

و لا فرق في الشك في المانعيّة، بين الشبهة الموضوعيّة أو الحكميّة، كما إذا شككنا في العفو عن دم خاصّ و لم يكن عموم يتمسّك به في عدم العفو مع الشكّ، و إنّما يمنع عن البراءة في ما إذا علم بالمانعيّة و شكّ في تحقّق المانع، أو الشرط للشك في تحقّق المشروط بلا أصل يعيّن الحال.

و مثله الشك في كون هذا الماء الملاقي للنجس من ماء الاستنجاء أو من غيره؛ فالشك في كون الصلاة مع المعفوّ عنه أو لا حيث كان منشأه الشكّ في التكليف الغيري الذي هو منشأ المانعيّة و الشرطيّة من الشك في الامتثال الناشئ عن الشكّ في التكليف، الذي هو مجرى أصالة البراءة دون الاشتغال، كما في سائر موارد الدوران بين الأقل و الأكثر.

دفع المنافاة بين الواجب و الحرام من ناحية الإحراز تنبيه: ربّما تتوهّم المنافاة بين الالتزام بلزوم إحراز تحقّق الواجب، فلا يكتفي بالمشكوك تحقّقه و لو للشك في الصدق، أو في تحقّق قيده مع العلم بتقيّده، إلّا أن يكون الشكّ بعد الفراغ، و بين ما هو المعروف من أنّه مع الشكّ في تحقّق الحرام و لو للشك في تحقّق قيده المعلوم تقيّده به، فلا عقوبة مع الارتكاب. و ذلك لرجوع التحريم إلىٰ طلب العدم، المشابه لطلب الوجود في الواجبات؛ فلما ذا يلزم إحراز الوجود في رفع العقاب، و لا يكفي احتماله في الواجبات، و لا يلزم إحراز العدم في المحرمات، و يكتفى باحتمال العدم في رفع العقاب؟

و الحلّ أنّ الأمر بالطبيعة تخييري في حصصها، و النهي عن الطبيعة تعييني في حصصها، و مقتضى الشك في كون شي ء

من حصص الطبيعة الواجبة، الشكّ في تعلّق الوجوب بها إلّا إلىٰ بدل، و لازمه عدم الاكتفاء بها عن الطبيعة الواجبة تعييناً، كانت مطلقة أو مقيّدة، و كان الشكّ في التحصّص للشك في تحقّق الطبيعة أو تحقّق قيدها.

و أمّا الشك في تحقّق الحرام الراجع إلى الشك في كون الشي ء من حصص الطبيعة

بهجة الفقيه، ص: 303

المنهي عنها، و مع هذا الشك، فيشك في تحريم الشي ء شمولياً عينيّاً، و تجري البراءة عنه، و التكليف بطلب ترك الطبيعة المحرّمة مطلقة كانت أو مقيدة بحاله، و فعليّة العلم بالصغرىٰ و التحصّص كما تتوقف على العلم بالكبرى في المقامين، فمقتضىٰ بقاء التكليف بالطبيعة في المقامين و عدم فعليّة التكليف الجزئي في مورد الشك في الموضوع و إن كان تخييريّاً في الواجب بالنسبة إلى الخصوصيّة تعيينيّاً في الحرام، يقتضي عدم الاكتفاء بالمشكوك في الخروج عن الإيجاب المعلوم على اليقين، و عدم التنزّه لزوماً عن المشكوك، و إن بقي التحريم المعلوم تعلّقه بمتعلّقه منجّزاً في صورة العلم بالكبرى و الصغرىٰ.

تنبيهات و تفريعات
[الأول] الصلاة في ما شكّ في كونه من الحيوان

منها: أنّه لو شكّ في كون شي ء كالدهن في الآلة المسمّاة بالساعة من الحيوان أو غيره، فأولىٰ بالجواز في ما لم يكن أصل موضوعي من صورة العلم بكونه من الحيوان، و الشك في كونه ممّا لا يؤكل بحسب الأُصول المذكورة.

[التنبيه الثاني] الصلاة مع الغفلة عن حال اللباس

منها: أنّه إذا صلّىٰ مع الغفلة عن لباسه و أنّه من غير المأكول أو لا، فمع عدم مسبوقيّة الغفلة بالشك، سواء كان مسبوقاً بالاعتقاد بأنّه من المأكول، أو بالشك في كونه من الحيوان مع الغفلة عن خصوصيّة الحيوان المحتمل بنحو يجوز معه الصلاة و لو لم يكن غافلًا، أمكن الصحّة، لقاعدة الفراغ بالشك بعد العمل، إلّا مع قصر القاعدة علىٰ احتمال الإحراز حال العمل للشرط، و لا تجري حينئذٍ مع القطع بالغفلة حال العمل لو لم يكن غافلًا [و] لم يكن معتقداً للصحّة و محرزاً لها.

و أولى بالإشكال ما لو شك في كونه من المأكول، ثم غفل و صلّى، ثم شكّ، فإنّ

بهجة الفقيه، ص: 304

الشك التقديري باقٍ في حال الغفلة، و الشك بعد الصلاة في قوّة بقاء ما كان من الشك السابق على الصلاة.

فاحتمال الصحّة بقاعدة الفراغ، يبتنىٰ علىٰ الأخذ بالإطلاقات في مثل

كلّ ما مضى من صلاتك و طهورك «1»

، و في خصوص ما ورد في الشك في الوصول للماء تحت الخاتم بعد الوضوء. «2» و الأخذ بالعموم المذكور لا يخلو عن وجه موافق لحرجيّة المحافظة علىٰ جميع الشروط و الموانع، و إحرازها وجوداً أو عدماً حال الصلاة الكثير شروطها و موانعها.

و يمكن التصحيح بعموم رفع السهو «3»، فإنّ عموم الشرطيّة لعدم الوقوع في غير المأكول يرفع اليد عنها بعموم الدليل في العناوين الثانويّة، و بعموم قاعدة «لا تعاد» «4» الجارية في

غير الخمسة في ما تبيّن بعد العمل أنّه من غير المأكول، فضلًا عن صورة الشك المفروضة، و المفروض وقوع العمل غفلة و قريباً.

و ممّا قدمناه يظهر الحال في ما لو صلّىٰ مع الغفلة، ثمّ التفت في الأثناء و تمكّن من نزع الملبوس و إلقاء المحمول بلا منافٍ لجريان أكثر الوجوه المتقدّمة في الالتفات بعد العمل، حتّى قاعدة التجاوز، لعدم الدليل علىٰ الاعتبار في الأكوان المتخلّلة كالحدث القاطع، خصوصاً مع عدم التمكّن، و مع السهو في اللبس، أو المصاحبة.

و كذا صحيح «لا تعاد»، بناء علىٰ عمومه للكلّ و البعض، أي لا تعاد أصل الصلاة بالخلل فيها و لو في بعضها و لو انكشف في الأثناء فلا يلزم قطعها كما إذا توقّف النزع على المنافي.

و كذا حديث رفع الخطأ و السهو «5». و لو لم يكف السهو في الفرد، لعدم إيجابه السهو

______________________________

(1) الوسائل 1، أبواب الوضوء، الباب 42، ح 6.

(2) الوسائل 1، أبواب الوضوء، الباب 41، ح 2 و 3.

(3) الوسائل 5، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 30، ح 2.

(4) الوسائل 4، أبواب الركوع، الباب 10، ح 5.

(5) تقدّم تخريجها آنفاً.

بهجة الفقيه، ص: 305

عن الطبيعة المأمور بها، لم يكف السهو المستمرّ إلى الفراغ مع إمكان الإتيان بالطبيعة في آخر الوقت، و إنّما يكون سهواً عن الطبيعة حيث وقع السهو في العمل المأتيّ به في آخر الوقت، بل يمكن فهم الأولويّة في صورة الشك بعد تمام العمل، لاشتمال بعض العمل على الشرط، و إن كان لا يخلو عن تأمّل.

[التنبيه الثالث] العلم الإجمالي بكون أحد الثوبين من غير المأكول

منها: أنّه لو كان له ثوبان يعلم بأنّ أحدهما من غير المأكول و لم يتمكّن من التمييز و لا من التستّر بثالث، وجب التكرير.

و لو لم

يتمكّن منه و لو بكونه في آخر الوقت، فكما لم يكن ساتر؛ لأنّ الاحتمال هنا بمنزلة العلم.

و لو غفل عن علمه الاحتمالي و صلّى واحدة ثمّ التفت، فكما لو علم تفصيلًا ثمّ غفل و صلّى، فتصحّ بناء علىٰ جريان قاعدة الفراغ بمجرّد احتمال المصادفة للشرط بدون احتمال الالتفات؛ بل مع عدم احتمال أنّه لو كان حين العمل ملتفتاً لكان محرزاً للشرط كما لعلّه مدلول قوله عليه السلام

هو حين يتوضّأ أذكرُ منه حين يشك «1»

اتّجه الحكم بالصحّة الموافقة للإطلاقات المتقدّم إليها الإشارة.

منها: أنّه لو لم يكن له إلّا ثوب واحد مردّد بين المأكول و غيره، فعلى ما وجّهناه من الجواز ظاهراً في المشتبه، لا يجب الجمع بين الصلاة متستراً به و الصلاة عرياناً، بخلاف البناء علىٰ الاشتغال.

و علىٰ هذا المبنىٰ، لو لم يتمكّن من النزع لبرد أو لغيره، أمكن رفع المانعيّة بالاضطرار إلى اللبس في الصلاة، فلا يجب القضاء معه، و إن قيل بأصالة عدم الإتيان بالواجب و أنّه غير مثبت، لتحقّق الفوت الموجب للقضاء.

______________________________

(1) الوسائل 1، أبواب الوضوء، الباب 42، ح 7.

بهجة الفقيه، ص: 306

[التنبيه الرابع] في اعتبار مطلق الظنّ في الموضوعات

منها: أنّه لا ينبغي الإشكال في حجيّة الظنّ الاطمئناني بكون اللباس من المأكول أو غيره؛ فإنّه علم حكماً لا موضوعاً، و لا اضطراب للساكن حتّى يسأل عن اعتبار ظنّه القوي. و أمّا مطلق الظنّ ففي اعتباره في الموضوعات في غير ما ثبت فيه لزوم البيّنة كموارد الترافع و القضاء، نظراً إلىٰ حرجيّة اعتبار العلم في موضوعات التكاليف الشخصيّة، و لازمها اعتبار الظنّ الموجب اعتباره للتسهيل في العمل بالتكليف، فلا حرج في عدم اعتبار الظن بكون اللباس من غير المأكول، و إن كان اعتبار الظن بالعدم موجباً للتسهيل في

أداء الواجب.

و قد قيل باعتباره في كثير من الموضوعات. و نسب ذلك هنا إلىٰ «المحقّق الأردبيلي» قدس سره. و المستفاد من رواية «مسعدة» «1» اعتبار الاستبانة أو البيّنة، و ليس مطلق الظن منهما.

و سهولة أمر الشريعة خصوصاً الصلاة التي تعمّ الكل في التوظيف بها كلّ يوم خمس مرّات، المقتضية للتسهيل في الشروط و الموانع، تقتضي الاكتفاء بالظنّ بالموضوع في شروطها، لا في موانعها، و لا في شروط التكليف بها.

بل ذلك نافع في أصل مسألة اللباس المشكوك، فإنّ لزوم التجنّب عن مشكوك المانعيّة لا يناسب سهولة الشريعة في هذا الأمر الذي هو أهمّ الفرائض و أعمّها بحسب المكلّف و زمان التكليف، فلا يمكن إيقاع المكلّفين بمثل ذلك في هذا الحرج العظيم.

[التنبيه الخامس] جريان أصالة البراءة في سائر الشروط

منها: أنّ ما ذكرناه يطّرد في كلّ شرط واقعيّ لم يكن أمارة معتبرة علىٰ تحقّقه، و لا أصل موضوعي محرز لما هو الشرط، فإذا كان مشكوك الشرطيّة مشكوكاً كونه

______________________________

(1) الوسائل 12، أبواب ما يكتسب به، الباب 4، ح 4.

بهجة الفقيه، ص: 307

حراماً نفسيّاً، كما إذا شكّ في ملبوس أنّه من الحرير؛ فأصالة إباحة اللبس لا تثبت جواز الصلاة فيه، إلّا أنّ أصالة البراءة عن الشرطيّة للمشكوك كونه شرطاً واقعياً للصلاة كافية علىٰ ما ذكرناه؛ و أمّا على العدم فلا يخلو من إشكال، لأنّ أصالة عدم المنع من اللبس لا تثبت كونه الحلال الواقعي حتى يثبت جواز الصلاة.

[التنبيه السادس] في تحديد شمول أصالة عدم التذكية

منها: أنّ أصالة عدم التذكية في محلّ جريانها، لا تثبت عدم جواز الصلاة في الصوف مثلًا، لأنّ جواز الصلاة ليس حكماً للمذكّىٰ، بل للحلال علىٰ تقدير التذكية، و عدم جوازها ليس حكم غير المذكى، بل حكم الحرام علىٰ تقدير [عدم] التذكية المقبولة؛ فأصالة الحرمة من جهة الشك في التذكية، لا تثبت عدم جواز الصلاة، و لكن أصالة الحلّ علىٰ تقدير التذكية تثبت جواز الصلاة على التقريب المتقدّم.

نعم، القطعة من لحم المشكوك تذكيته محكومة بعدم جواز الصلاة فيها و في ما تحلّها الحياة، لكن عدم الجواز من حيث الميتة لا ينافي الجواز و عدم المنع من حيث كونه من غير المأكول. و أصالة الحلّ علىٰ تقدير التذكية و إن ثبت بها جواز الصلاة علىٰ تقدير التذكية، لكن أصالة عدم التذكية تنفي ذلك التقدير، فيثبت حكم الميتة لا حكم غير المأكول.

[التنبيه السابع] الاستصحاب الموضوعي في محله يثبت عدم جواز الصلاة

منها: أنّ الاستصحاب الموضوعي إذا جرىٰ في بقاء عنوان الحيوان المحرّم أكله، أو في بقاء حرمة المذكى منه؛ فإنّه يثبت عدم جواز الصلاة في أجزائه من دون لزوم إثبات، و إن كان المستصحَب نفس الحكم الذي هو موضوع لحكم شرعي آخر بلا وساطة أمر غير شرعي بينهما.

[التنبيه الثامن] كفاية ابتلاءٌ ما، في جريان أصالة الحلّ

منها: أنّ أصالة الحلّ، كانت استصحاباً له أو أصالة الإباحة، حيث إنّها جارية في

بهجة الفقيه، ص: 308

موضوع حلّ الصلاة في الأجزاء، فلا يعتبر فيها الابتلاء بنفس الحيوان بأكله مثلًا، و يكفي الابتلاء بصوفه للصلاة مثلًا؛ كما يكفي في الأصل الجاري في الموضوع، الابتلاء بحكمه، إذ لا فرق في الأصل الموضوعي بين التعلّق بالحكم المأخوذ في موضوع حكم آخر و تعلّقه بغير الحكم، بل في ما نحن فيه يمكن الاكتفاء بالتعبّد الظاهري بالحلّ علىٰ تقدير الابتلاء؛ فإنّه يثبت حلّ الصلاة فيه علىٰ تقدير الابتلاء بالصوف، لكنّه مشكل من جهة اعتبار القيد في حكم الموضوع المقيّد أيضاً.

[التنبيه التاسع] تحديد شمول أصالة الطهارة

منها: أنّه إذا دار أمر الصوف بين كونه من الغنم أو الكلب، فأصالة الطهارة تثبت حكمها و تنفي حكم النجاسة، و أمّا حكم غير المأكول فلا تثبته و لا تنفيه.

نعم، إذا أخبرت البينة عن واقع الطهارة ثبت لازمها الواقعي من عدم كونه من النجس، و لا من غير المأكول، لأنّ كونه طاهراً واقعاً ينافي كونه من نجس العين الذي هو غير المأكول واقعاً، و ليس مثله شأن قاعدة الطهارة.

[التنبيه العاشر] المناقشة في استصحابين لإثبات حليّة المشكوك

منها: أنّ استصحاب عدم حرمة اللحم قبل البلوغ، لا ينفع في المشكوك كونه من ذلك الحيوان، فإنّ عدم الحرمة تكليفاً قد تبدّل بالحرمة بعد البلوغ، و عدم المنع وضعاً الذي هو من آثار عدم الحرمة تكليفاً على النحو المتقدّم مشكوك قبل البلوغ أيضاً، لأنّ عدم الوضع من آثار عدم الحرمة ذاتاً و شأناً، الملازم لعدم كونه من السباع مثلًا، لا من آثار عدم الحرمة فعلًا بعدم التكليف بعدم البلوغ الذي هو من شروط التكليف، فتصحّ الصلاة في الجملة ممّن يقطع بعدم التكليف بعدم البلوغ.

و أمّا استصحاب عدم الحرمة الشخصيّة للحيوان المأخوذ منه هذا المشتبه قبل الشريعة، أو قبل تشريع حرمة المحرّمات، فيمكن أن يورد عليه بأنّ المتيقّن عدم التحريم للموضوع الكلّي و قد تبدّل بالتحريم؛ و أمّا الموضوعات فلا فرق بين معلومها

بهجة الفقيه، ص: 309

و مجهولها في عدم التحريم الاستقلالي، و كفاية الانطباق الواقعي فيها لو كان واقعاً؛ فلا شكّ إلّا في أنّ موضوع الحكم الكلّي المحقّق لموضوعه الكلّي منطبق على المشكوك أو لا؟ و هذا ليس أمر شرعيّاً. و الانطباق بين الكلّي الخاص و فرده لا حالة سابقة متيقّنة لوجوده و لا لعدمه.

نعم، لا يجري هذا البيان في الشبهة الحكميّة في التحريم، لعدم

بيان التحريم في زمان نزول آية «الحصر» «1» المبيّنة لعدمه عموماً في غير المذكورات فيها، فيستصحب الإباحة الملازمة لإباحة الصلاة المتيقّنة في ذلك الزمان المشكوكة في ما بعده، و كذا يستصحب عدم التحريم الشأني الذي [هو] موضوع عدم جواز الصلاة، و كذا يستصحب جواز الصلاة.

[التنبيه الحادي عشر] ذكر لوازم جريان تقسيمات الوجود في العدم لتبيين الاستصحاب

منها: أنّه لو فرض جريان تقسيمات الوجود في العدم، كما هو المعروف، فلازمه أن يكون عدم العرض كوجوده ناعتاً، كما أنّ عدم الجوهر كوجوده في نفسه؛ فعدم العرض قبل موضوعه و بعده سواء في أنّه لو كان موجوداً لكان ناعتاً لموضوعه، لا شأن له إلّا الناعتيّة؛ فالفرق بين العدم المحمولي قبل الموضوع و النعتي بعده، في عدم لحاظ الموضوع الذي لا يكون العرض معقولًا وجوده إلّا بالإضافة إليه، لا أنّ تحصّل العدم في الصورتين مغاير في ناحية المحمول كتغايرهما في ناحية الموضوع؛ فالعدم المقابل للوجود، الملحوظ معه وجود الموضوع الذي هو أمر واقعي لوحظ أوّلًا، عدم مقابل للوجود تقابل العدم و الملكة، و المقابل للوجود الغير الملحوظ معه الموضوع و إن كان أمراً واقعيّاً بحيث يتحصّل العدم قبل الموضوع أيضاً مقابل للوجود تقابل السلب و الإيجاب. و عليه، فالعدم في الصورتين لا مغايرة في تحصّلهما، كما أنّ مغايرة الموضوع

______________________________

(1) البقرة، 173.

بهجة الفقيه، ص: 310

بالوجود و العدم لا توجب المغايرة في نفس المحمول، فالفارق على القول المتقدّم وجود النسبة العدميّة في إحداهما في قبال النسبة الثبوتيّة، و عدم هذه النسبة لأنّها تتشخّص بالأطراف؛ فما فرض فيه وجود الموضوع نسبة مغايرة تحصّلًا للنسبة السابقة علىٰ وجود الموضوع، فإذا فرض في موضوع الحكم في ظرف البقاء النسبة الليسيّة فالمتيقن السابق علىٰ وجود الموضوع مغاير للمتعبّد ببقائه، و لازم لبقاء ما كان،

و الأصل فيه مثبت.

و عليه، فما هو المعروف من: «أنّ إثبات العدم النعتي باستصحاب العدم المحمولي مثبت» لا يستقيم، إلّا أن يؤوّل إلىٰ ما ذكرناه من المغايرة بين النسبتين السابقة و اللاحقة.

و قد ظهر ممّا قدمناه أنّ لازم اعتبار العدم للعرض في الموضوع ليس إلّا بمعنى اعتبار عدم الاتصاف بوجود العرض، لا باعتبار الاتصاف بالعدم؛ فإنّه ليس في نفس الأمر إلّا عدم الاتصاف، و هو كما يكون مع وجود الموضوع يكون مع عدمه أيضاً، و لو فرض تسلّم الاتصاف السلبي الملازم للنسبة السلبيّة، أو الإيجابيّة في معدولة المحمول، فلا بدّ في استفادة اعتباره من دليل عليه، و إلّا فمجرّد الانتساب حاصل في النسب الحكميّة التي تكون في الهليّة البسيطة، بل في الحمل الأوّلي، و لا تقتضي الاثنينيّة النفس الأمرية، و هي غير النسبة الحقيقيّة التي هي وجود لا في نفسه، و المفروض جريانها في العدم أيضاً.

فلا بدّ من استفادة عدم العرض عن موضوعه الموجود بنحو تخصّص القيد لا تقيّد الموضوع؛ فإنّه علىٰ الأوّل لا واقعيّة له في السالبة بانتفاء الموضوع، فلا حالة سابقة متيقّنة قبل الموضوع لتستصحب بخلاف الثاني. و قضيّة السالبة المحصّلة في غير ما ذكرناه من الصورتين أعني في الهليّة المركّبة السالبة و إن كان في صورة كون الموضوع وجوديّاً اعتبار وجود الموضوع في مثل

لا تصلّ في غير المأكول «1»

، لكنّه

______________________________

(1) الوسائل 3، أبواب لباس المصلّي، الباب 2.

بهجة الفقيه، ص: 311

في التعبّد بحكم الموضوع و ما ينضمّ إليه و لو بالاستصحاب، لا أنّه تخصيص لما في طرف المحمول أعني المسلوب، حتى لا يمكن استصحاب غير الموضوع، لعدم الحالة السابقة المتيقّنة لولا ما قدّمناه من مغايرة النسب بمغايرة الأطراف؛ فالمتيقّن غير

المشكوك المتعبّد به بالاستصحاب على الفرض تحقّق النسبة السلبيّة، و عدم رجوعها في نفس الأمر إلىٰ سلب النسبة.

[التنبيه الثاني عشر] تحكيم جريان البراءة و عدم لزوم إعادة الصلاة في المقام

منها: أنّه ظهر أنّ ملاك الجواز هنا المطّرد في جميع الصور في ما لا يكون أصل موضوعي مجوّز أو مانع عن جريانه، هو أصالة البراءة عن الشرطيّة و المانعيّة للمشكوك بالشبهة الموضوعيّة أو الحكميّة، كالشك في حليّة لحم حيوان خاصّ من دون الإناطة بخصوص المانعيّة؛ بل لو فرض أنّ الشرط ستر العورة عن الناظر المحترم، ففي الشكّ في الناظر أو في كونه محترماً كالصبي المميّز بالفرض تجري البراءة التي ملاكها انحلال الموضوع إلىٰ أفراده، بحيث إذا شكّ في الفرديّة شكّ في حكم الموضوع.

و أنّه لا فرق في جريان الأصل المذكور بين العلم بحيوانيّة الأصل و مجرّد احتمالها، و لا بين كون المشكوك في الأوّل الصلاة أو في أثنائها. نعم، قد يستغنىٰ عن هذا الأصل بالأصل الموضوعي الجاري علىٰ بعض الوجوه، النافع للمطلوب من صحّة الصلاة.

و أمّا إعادة الصلاة الواقعة في غير المأكول سهواً أو نسياناً، فمنتفية بحديث «لا تعاد» «1» في جميع موارد جريانه و شموله، و هو مخصّص لأدلّة الشروط و الموانع في الصلاة بحال العلم و العمد في غير الخمسة المذكورة فيها، و اللازم من تقديمها لغويّته بلا عكس، و ليس فيها في ما نحن فيه ما يخرجه عن النسبة المذكورة، كما يظهر بملاحظة بعض ما قدّمناه، و هو العالم المعلّم.

______________________________

(1) الوسائل 4، أبواب الركوع، الباب 10، ح 5.

بهجة الفقيه، ص: 312

و أمّا اشتهار المنع عن الأصحاب، فقد وقع الخلاف في العبارات فيه؛ فعن «مجمع البرهان»: أنّه يعني عدم جواز الصلاة في المجهول الظاهر من كلام بعض الأصحاب؛ و عن «الجعفريّة» و «شرحها»: أنّ

وجوب الإعادة مع الصلاة جهلًا إجماعي للأصحاب، و فيهما زيادة استظهار الإجماع، و لزوم الإعادة للصلاة الواقعة جهلًا؛ و عن «المنتهىٰ» الحكم بعدم الجواز مع التعليل بالشك في الشرط، يعني ستر العورة بما يؤكل لحمه؛ و مثله عن «البيان»، و «الهلاليّة» و «الشرائع» «1»، و «فوائد الشرائع»، و «الميسيّة»، و «المسالك».

و عن «المدارك» و «الشافية» نسبة المنع عند عدم العلم إلىٰ الأصحاب، ثمّ ردّه في «المدارك» بأنّ المنع غير معلوم مع الجهل بالحرمة، و تأيّد بصحيح «ابن سنان»

كل شي ء فيه حرام و حلال، فهو لك حلال أبداً، حتّى تعرف الحرام منه بعينه فتدعه «2»

[ثم قال] و لا ريب أنّ التنزّه أحوط. انتهى.

و فيه الجمع بين النسبة إلىٰ الأصحاب، و الردّ على القاعدة، و زيادة التأيّد بالصحيح المبنيّ على العموم للحلّ الوضعي المشكوك بحسب الظاهر.

و في «المصباح» اختيار المنع على القاعدة في الشك في الشرط و هو الستر، و هو لبس النبات أو ما بحكمه تلخيصاً، يعني قاعدة الاشتغال في الشك في الشرط.

و نحوه ما في «الجواهر» «3» من التفصيل بين الشرطيّة و المانعيّة، و اختاره كثير ممّن تأخر عنهما. و في استكشاف الزائد عن الروايات الواصلة إلينا و القواعد المربوطة بما فيها من الحكايات المتقدّمة تأمّل أو منع، لقوّة احتمال إرادة الإجماع علىٰ قاعدة الاشتغال في الشك في الشروط؛ فالجرى على القاعدة في المسألة خصوصاً مع عموم البلوىٰ

______________________________

(1) شرائع الإسلام، 1، ص 104.

(2) الوسائل 12، كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب به، الباب 4، ح 1.

(3) جواهر الكلام 8، ص 81.

بهجة الفقيه، ص: 313

و سهولة الشريعة و الانتهاء إلى الحرج الذي لا يُنكَر في الفحص عن المشكوكات، و التنزّه عن جميعها، أولىٰ بأن

يكون احتياطاً.

[مسألة] الصلاة في الخزّ و وبره

مسألة: استثنى من عدم جواز الصلاة في غير المأكول، الخزّ.

و لا إشكال في دخول الوبر، لأنّه المتيقن من النصوص «1» و الإجماعات المنقولة بحيث يلزم من المنع فيه لغويّة جميع هذه النصوص. و قيّد في الكلمات بالخالص من وبر الأرانب و الثعالب و نحوها ممّا لا تجوز فيه الصلاة حتى مع الامتزاج. و فيه إشعار بعدم اختيار المقيّد للجواز في غير الوبر، إلّا أن يريد حصر التقييد في الوبر، لا حصر الجواز في المقيّد.

جواز الصلاة في جلد الخزّ و أمّا الجواز في الجلد فهو مشهور، كما عن «كشف الالتباس»، و «الذكرى»، فالدليل على الجواز لو كان فيه ضعف كان منجبراً بالشهرة كما أنّها تدفع احتمال الإعراض عمّا صحّ من الأدلّة سنداً، ممّا تتمّ فيه الدلالة.

أدلّة الجواز فممّا يدل على الجواز رواية «ابن أبي يعفور» «2» الواردة في الصلاة في الخز، مع الجواب فيها بما يدلّ علىٰ أنّ ذكاته بالخروج حيّاً؛ فإنّه لا يحتمل أنّ إرادة التجويز من جهة الذكاة مع اطّراد عدم الجواز من حيث عدم الأكل؛ فهي ناصّة علىٰ عدم المنع المطّرد في شي ء من الحيثيّات.

هذا بضميمة ما نقل عليه من الاتفاق علىٰ أنّه من غير المأكول، كما عن ثاني

______________________________

(1) الوسائل 3، أبواب لباس المصلي، الباب 8.

(2) الوسائل 3، أبواب لباس المصلي، الباب 8، ح 4.

بهجة الفقيه، ص: 314

الشهيدين، فيكون التحليل المشبّه بالحيتان من حيث التذكية فقطّ، و أنّه كما لا نفس له من الحيتان ذكاته بالإخراج حيّاً أو الخروج حيّاً، و حلّيته كحلّيتها المختلفة في أصنافها في تعلّقها بالأكل في بعضها دون بعض.

و منها موثّق «معمر بن خلّاد» «1» النافي للبأس عن الصلاة في الخز؛ فإن كان لبس الوبر

مع جلد ذي الوبر من المتعارف، فهو، أعنى الجلد داخل يقيناً، و إلّا فهو مشمول للإطلاق، حيث إنّ تفكيك الجلد عن الوبر لو كان لازماً شرعيّاً، كان محتاجاً إلى التنبيه بخلاف الإطلاق.

و من المستبعد في مثل الجبّة و الطيلسان و نحوهما، إلصاق الوبر بغير جلد الخز، و إن كان الظاهر إرادة الوبر مع الجلد أو لا معه، لا نفس الحيوان أو مطلق أبعاضه، إلّا في ما اشتمل علىٰ إرادة الجلد من الروايات «2»؛ لكن ما دلّ علىٰ ذكاة الجلد، يدلّ علىٰ أنّ غير الوبر بحكمه، لأنّه إن كان المانع عدم التذكية فهو بحكم الحيتان، و إن كان عدم الأكل فهو بحكم وبره؛ فالجلد مراد من المنطوق علىٰ تقدير الإطلاق، و من مفهوم الموافقة علىٰ تقدير عدم الإطلاق، لدلالة سائر الأدلّة على المساواة.

و يتّحد في الدلالة مع الموثّق المذكور خبر «يحيى بن ابى عمران» في الصلاة في السنجاب، و الفنك، و الخز، إلىٰ أن قال

فكتب إليّ بخطه: صلّ فيها «3».

و ممّا يدلّ على الجواز صحيح «سعد بن سعد» عن الإمام الرضا عليه السلام

عن جلود الخز، فقال: هو ذا نحن نلبس، فقلت ذاك الوبر جعلت فداك، قال: إذا حلّ وبره، حلّ جلده «4»

؛ فانّ الجواب باللبس مع ظهور أنّ ملبوسه حين السؤال كان غير الجلد كافٍ في اتّحاد حكمهما من حيث عدم الأكل، مضافاً إلىٰ تصريحه في الجواب عن مغايرة

______________________________

(1) الوسائل 3، أبواب لباس المصلي، الباب 8، ح 5.

(2) الوسائل 3، أبواب لباس المصلي، الباب 10، ح 1 و 14.

(3) الوسائل 3، أبواب لباس المصلي، الباب 3، ح 6.

(4) الوسائل 3، أبواب لباس المصلي، الباب 10، ح 14.

بهجة الفقيه، ص: 315

المسئول عنه مع

الجواب بالملازمة الظاهرة في إرادة المنع من حيث عدم الأكل، و إلّا فالملازمة من حيث التذكية و عنها منتفية قطعاً، و هو المراد ممّا قيل من إرادة التلازم في جواز الصلاة، يعني أنّ جواز الصلاة في وبر غير المأكول يقتضي جواز الصلاة في جلد ذي الوبر، و إن كان جواز لبس غير المأكول في غير الصلاة لا يقتضي جواز لبس جلده في غير الصلاة فضلًا عن الصلاة.

فلا ينبغي الاستشكال في دلالته على الملازمة من حيثيّة عدم الأكل في الجواز.

و تظهر الثمرة في جلد الميتة في الماء قبل الخروج، حيث إنّ المانع عدم التذكية، لا عدم الأكل، و إنّما تجوز الصلاة حينئذٍ في الوبر فقطّ.

و منها: ما يدلّ علىٰ جواز لبس الخز «1» المطلق للبس الوبر مع الجلد، و للّبس في حال الصلاة، فإنّ التقييد بالتفكيك أو بالنزع في حال الصلاة محتاج إلى البيان، و عدمه يكفي في الإطلاق، مع استبعاد لزوم التفكيك للصلاة شرعاً و النزع لها جدّاً.

و أمّا الاستناد في المنع عن الجلود إلىٰ رواية «الاحتجاج» ممّا كتبه «محمّد بن عبد اللّٰه الحميري» إلى الناحية المقدسة

روي لنا عن صاحب العسكر عليه السلام: أنّه سئل عن الصلاة في الخز الذي يغشّ بوبر الأرانب. فوقّع عليه السلام: يجوز.

و روى عنه أيضاً

أنّه لا يجوز؛ فبأيّ الخبرين نعمل؟ فأجاب: إنّما حرّم في هذه الأوبار و الجلود، فأمّا الأوبار وحدها فكلّ حلال

، فغير تام. لأنّ الفرق إن كان من حيث عدم التذكية لعدم القبول لها، فهو لا يجتمع مع ما دلّ علىٰ قبولها في السباع و في الخز، مع أنّ التجويز في الوبر لا يوافق ما دلّ على المنع في ما لا يؤكل عموماً «2» أو خصوصاً

في غير الخالص من الخز «3».

و كذا إن كان المنع من جهة بقاء الجلود تحت العموم في ما لا يؤكل، فذلك العموم

______________________________

(1) الوسائل 3، أبواب لباس المصلي، الباب 10.

(2) الوسائل 3، أبواب لباس المصلي، الباب 2.

(3) الوسائل 3، أبواب لباس المصلي، الباب 9، ح 1.

بهجة الفقيه، ص: 316

يقتضي المنع في وبر الأرانب بلا تقييد بالخلوص عمّا يجوز الصلاة فيه، و لو لم يكن دليل خاصّ على المنع أيضاً.

و بالجملة، فالتقيّد بالخلوص في الوبر في الفتاوىٰ، و التجويز في الجلود في النصوص «1»، لا يمكن رفع اليد عن شي ء منهما بهذا النقل المضطرب جدّاً.

و ما عن كتاب العلل ل «محمّد بن إبراهيم» لا حجيّة فيه إن كانت التصفية و التنقية لمكان الجلود، حيث إنّ المسوخ عنده لا تقبل التذكية، مع أنّ البحث عن جلد الخز بعد البناء علىٰ تذكيته، أو عن الدليل على الجواز الموقوف على التذكية و الاستثناء معا.

ثمّ إنّ احتمال مغايرة الخزّ في زمان الصدور مع الخزّ الموجود في هذه الأزمنة، ممّا لا يبتنىٰ عليه، و إلّا لبطل الكلام في كثير ممّا سمّى في موضوعات التكاليف من الحيوانات. و [لا يضرّ] مجرّد اختلاف التوصيفات مع إمكان الجمع بينها بكون الخزّ ممّا لا يعيش إلّا في البحر و البرّ معاً، و الاعتبار بالحاجة إلى الماء فقطّ، فيكفي عدم دوام شي ء منهما، و لعلّ في مقايسة ما يقع عليه البيع و الشراء في أيدي التجار مع وحدة الاسم، غنى عن ذلك؛ كما أنّ الحاجة إلى الذبح و عدمها غير مربوطة بالمغايرة المحتملة.

تذكية الخزّ هو التذكية المعهودة في الحيتان و مقتضى رواية «ابن أبي يعفور» «2» المعمول بها عند الأصحاب كما عن «الشهيد» هو التذكية

المعهودة في الحيتان، فلا حاجة إلى الذبح بعد الخروج أو الإخراج من الماء، و المتعقّب بالاصطياد.

و التوصيف بكلب الماء أعمّ من ذلك، كما جمع بينه في السؤال و بين ما دلّ علىٰ الاعتبار بعدم التعيّش خارج الماء، المشير إلى التذكية علىٰ نحو الحيتان في صحيح «عبد الرحمن» «3» عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام.

______________________________

(1) الوسائل 3، أبواب لباس المصلي، الباب 14 و 15.

(2) الوسائل 3، أبواب لباس المصلي، الباب 8، ح 4.

(3) الوسائل 3، أبواب لباس المصلي، الباب 10، ح 1.

بهجة الفقيه، ص: 317

و كذا ما في خبر «حمران بن أعين» من

أنّه سبع يرعىٰ في البرّ، و يأوي الماء «1»

و ذلك لا ينافي المنع عن كلب الماء إذا لم يكن ممّا يسمّىٰ بالخز الذي وقع توصيفه أيضاً بكلب الماء.

و أمّا حلّ لحمه، فعن «الشهيد» حرمته عندنا و هو الموافق لرواية «ابن أبي يعفور» «2» عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام في ذي الناب، الموافق لخبر «عمران بن أعين» «3» عن أبي الحسن عليه السلام، المؤيّد بما تقدّم ممّا دلّ على التوصيف بالسبع، مضافاً إلىٰ ما يمكن الاستدلال به للمنع عن غير السمك من حيوان البحر، و عن غير ذي الفلس السمك.

شمول حكم وبر الخز المغشوش بوبر الأرانب و نحوها ثم إنّه يكفي في المنع عن المغشوش بوبر الأرانب و نحوها، العمومات «4» في ما لا يؤكل لو لم يكن غيرها، كما هو مقتضى الجمع بين تجويز الخز بدليله و المنع عن كلّ ما لا يؤكل بدليله؛ فللممتزج حكمان حيثيّتان و الفعليّة للحرمة.

و يدلّ عليه ما صرّح به مرفوعة «أحمد بن محمّد» عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام

الصلاة في الخز الخالص لا بأس

به، فأمّا الذي يخلط فيه وبر الأرانب أو غير ذلك ممّا يشبه هذا، فلا تصلّ فيه «5».

و كذا ما عن مرفوعة «أيّوب بن نوح» «6». و رواية «بشير بن بشار» «7» المجوّزة للصلاة في الخز يغشّ بوبر الأرانب، و إن كانت قابلة للجمع العرفي مع ما تقدّم، إلّا أنّها لشذوذها بالمخالفة للعمومات، و الخصوص المتقدّم، الموافقة للإجماع

______________________________

(1) الوسائل ج 16، أبواب الأطعمة المحرّمة، الباب 39، الحديث 2 و 3 و 1.

(2) الوسائل ج 16، أبواب الأطعمة المحرّمة، الباب 39، الحديث 2 و 3 و 1.

(3) الوسائل ج 16، أبواب الأطعمة المحرّمة، الباب 39، الحديث 2 و 3 و 1.

(4) الوسائل 3، أبواب لباس المصلي، الباب 2.

(5) الوسائل 3، أبواب لباس المصلي، الباب 9، ح 1.

(6) الوسائل 3، أبواب لباس المصلي، الباب 9، ح 1 و 2.

(7) الوسائل 3، أبواب لباس المصلي، الباب 9، ح 1 و 2.

بهجة الفقيه، ص: 318

المحكيّ عن «الخلاف»، و «الغنية»، و «المفتاح» عن عدّة كتب من اشتراط الخلوص، لا يمكن المصير إليه، بل عن «المعتبر» و «المنتهىٰ»: «أنّ أكثر أصحابنا ادّعوا الإجماع على العمل بمرفوعي «أحمد بن محمّد»، و «أيّوب بن نوح».

ثمّ إنّ المعتبر الخلوص ممّا لا يجوز و لو ممزوجاً، لا الأعمّ ممّا لا يجوز خالصاً كالأبريسم، و يستفاد ذلك من «المرفوع المتقدّم»، مع كفاية العمومات في ذلك، كما لا يخفىٰ.

[مسألة] جواز الصلاة في السنجاب وبراً و جلداً

مسألة: تجوز الصلاة في السنجاب «1» وبراً و جلداً كما عن المشهور، لاستفاضة الروايات في الجواز لبساً أو صلاةً «2».

و لا ينافيه الإرداف بما عن المشهور عدم جواز الصلاة فيه من الفَنَك «3»، و الحواصل «4»، و السمُّور «5»، بعد اختلاف الروايات في تلك الأُمور، و كفاية

العموم بعد عدم الحجّة على التخصيص و لو كان للتعارض، مع ذهاب المشهور إلى المنع تقويةً للمانع و إعراضاً عن المجوّز؛ مع أنّ في بعضها الخالي عن الإرداف المذكور مع الموافقة للشهرة، كفاية.

و النظر إلىٰ حيثيّة الذكاة في بعض تلك الروايات، لا ينافي الاستدلال، لظهور

______________________________

(1) السنجاب: و هو علىٰ ما فسّر، حيوان علىٰ حدّ اليربوع، أكبر من الفأر، شعره في غاية النعمة، يتّخذ من جلده الفراء يلبسه المتنعّمون. (مجمع البحرين).

(2) الوسائل 3، أبواب لباس المصلي، الباب 3 5.

(3) الفَنَك: هو كعسل دُويبّة بريّة غير مأكول اللحم، يؤخذ منها الفرو، و يقال إنّ فروها أطيب من جميع أنواع الفراء، يجلب كثيراً من بلاد الصقالية. (مجمع البحرين).

(4) الحواصل: جمع حوصل، و هو طير كبير له حوصلة عظيمة، يتّخذ منها الفرو، قيل: و هذا الطائر يكون بمصر كثيراً. (مجمع البحرين).

(5) السمّور، كتنّور دابّة معروفة يتّخذ من جلدها فراء مثمنة (مجمع البحرين).

بهجة الفقيه، ص: 319

الجواب في الجواز المطلق الغير الآبي مع عدم التخصيص لا يؤكل؛ كما أنّ فرض حلّ الأكل لو تمّ، يُغني عن البحث هنا.

مع أنّ مقتضى الجمع بين الروايات حمل النهي في السنجاب على الكراهة، أو المشترك بينها و بين التحريم بمناسبة الإرداف، لنصوصيّة ما دلّ على الجواز كما فيه التعليل، و إن كان محمولًا على الحكمة؛ لكنّه بوجوده التكويني يوافق استظهار النصوصيّة في الجواز المعلّل به.

و قد وقع التصريح بالجواز مع التعليل المتقدّم في خبر «علىٰ بن أبي حمزة» «1» عن الإمام الصادق عليه السلام، و في خبر «مقاتل» «2» عن أبي الحسن عليه السلام.

و أمّا صحيحة «أبى علىٰ بن راشد» «3» ففيها الإرداف بالفنك، و يمكن حمل التجويز في الفنك مع المخالفة للشهرة،

و للعمومات «4»، و للخصوص كما يأتي على اللبس في الصلاة عند التقية، فالاختلاف مع السنجاب في التقييد المذكور لا مطلقاً. و كذلك الحال في صحيحة «الحلبي» «5»، مع المخالفة للصحيح المتقدّم «6» في السمور و الثعالب.

و في خبر «الوليد بن أبان» «7» عن الإمام الرضا عليه السلام تجويز الصلاة في الفنك و السنجاب، و المنع عن الثعالب. و لعلّ الفرق المذكور فيه بين الفنك و الثعالب، لشيوع لبس الفنك في عصر الصدور دون ما كان من الثعالب.

كما أنّ ما في رواية «بشر بن بشار» «8» من التجويز في «الحواصل الخوارزميّة»

______________________________

(1) الوسائل 3، أبواب لباس المصلي، الباب 3، ح 3.

(2) الوسائل 3، أبواب لباس المصلي، الباب 3، ح 2.

(3) الوسائل 3، أبواب لباس المصلي، الباب 3، ح 2 و 5.

(4) الوسائل 3، أبواب لباس المصلي، الباب 2.

(5) الوسائل 3، أبواب لباس المصلي، الباب 4، ح 2.

(6) الوسائل 3، أبواب لباس المصلي، الباب 3، ح 2 و 7.

(7) الوسائل 3، أبواب لباس المصلي، الباب 3، ح 2 و 7.

(8) الوسائل 3، أبواب لباس المصلي، الباب 3، ح 4.

بهجة الفقيه، ص: 320

محمول على الشيوع المذكور المقتضي للتقيّة. و العطف على السنجاب في التجويز، و إن كان «الحوصل الخوارزمي» غير معلوم الآن، إلّا أنّه يكفي في المنع العام صدق الحوصل الموجب للاندراج في ما لا يؤكل.

و حُمل التجويز، على التقيّة، أو على الصلاة تقيّة، مع شيوع اللبس في ذلك العصر و إن كان على سبيل الاحتمال منّا، تبعاً للمشهور الذين هم أعلم بقرائن الصدور، و بجهات الصدور لأعلميّتهم بعمل القوم، و موارد الأسئلة و الأجوبة منّا. نعم خصوص هذه الرواية لعلّها غير ممكن الحمل على التقيّة

في الصلاة، لما في سؤالها، إلّا أن تحمل على التقيّة في الجواب منه عليه السلام.

بخلاف رواية «يحيىٰ بن أبي عمران» «1»، فلا تحمل على التقيّة في الجواب، بل على الصلاة تقيّة، لاحتمال عموم البلوى بلبس الفنك حينئذٍ، إلّا أن يحمل الجواب على التقيّة و إن شرط السائل عدمها في الجواب، لعلمه عليه السلام بما لا يعلمه السائل في قبول الحمل على التقيّة في الجواب، أو في الصلاة تقيّة في ما عدا السنجاب، أعني الفنك و السمّور في رواية «قرب الاسناد» «2» المقيّد للجواز بالذكاة، كما هو مفروض البحث هنا.

و رواية «مكارم الأخلاق» «3» عن الإمام الرضا عليه السلام ناصّة على الجواز المرئي علىٰ أبيه عليهما السلام، مع الإرداف بالنهي عن الثعالب و السمّور، بضميمة ما مرّ في استفادة الصلاة من عدم الاستثناء لحال الصلاة. و أمّا التنصيص في موثّقة «ابن بكير»، فيمكن حمله علىٰ كونه واقعاً في السؤال، موجباً لمناسبة ذكر الكليّة المختصّة بهم عليهم السلام في غير المأكول، بلا نظر إلىٰ خصوصيّة في السنجاب؛ كما لا نظر للسائل في خصوصها أيضاً، و إنّما هي أفراد لما كان في ذهنه،

______________________________

(1) الوسائل 3، أبواب لباس المصلي، الباب 3، ح 6.

(2) الوسائل 3، أبواب لباس المصلي، الباب 4، ح 6 و 5.

(3) الوسائل 3، أبواب لباس المصلي، الباب 4، ح 6 و 5.

بهجة الفقيه، ص: 321

و لذا جعل أشياء أغلبها ممّا ينطبق عليه الكليّة في الجواب، و مثله قابل للتخصيص بالمتّصل و المنفصل، خصوصاً مع كون الابتلاء بالخارج علىٰ حدّ يستهجن ترك التقييد، أو كان ترك التقييد ما في ترك سائر الأحكام في مجلس واحد، أو أنّه لا مانع من المنع عن الجائز لعدم الإغراء بالجهل

أو الإيقاع في المفسدة، بخلاف تجويز الممنوع؛ فبمثل ذلك لا يرفع اليد عن المتواتر، أو المستفيض تجويزه، المنصوص عليه في تلك الروايات «1».

و أمّا «الرضوي» «2» الجامع بين المنع و التجويز، فيحمل على التقيّة في الجواب أو في العمل، في غير السنجاب المنصوص على التجويز فيه في غيره ممّا مرّ، مع أنّ مقتضى الجمع، الكراهة أو الجامع.

و أمّا رواية «ابن أبي حمزة» في السنجاب و الفنك، فهي ممّا يدلّ على الجواز المحمول علىٰ ما يحمل عليه غيرها في الفنك، و المأخوذ بالرخصة المستفادة منها الموافقة لغيرها في السنجاب.

كراهة الصلاة في الفنك و السمّور و الحواصل و أمّا الفَنَك و الحواصل و السمُّور فبعد كون الأصل المنع العامّ بدليله، مع خصوصيّة وقوع الفنك في، السؤال في موثّقة «ابن بكير» «3»، مع بُعد التخصيص جدّاً بعد البناء علىٰ خروج السنجاب و الخز، و وقوع التجويز في الروايات المستفيضة في الفنك، كما وقع في بعض الروايات في غيره ممّا ذكر أيضاً لا بدّ من وقوع الحجّة علىٰ الاستثناء، و لا يكون مع تماميّة الإجماع المنقول في «المفاتيح» على المنع، و إن استفاضت رواية الجواز.

إلّا أن يعارض بما يظهر من «الصدوق» من أنّ الرخصة في الفنك و السنجاب

______________________________

(1) الوسائل 3، أبواب لباس المصلي، الباب 3 5.

(2) فقه الرضا عليه السلام، ص 157.

(3) الوسائل 3، أبواب لباس المصلي، الباب 2، ح 1.

بهجة الفقيه، ص: 322

و السمّور، من دين الإماميّة، كمعارضة نقل الشهرة في جميعها بذلك، و بما عن «النهاية» الإجماع على الرخصة في الحواصل.

فلا بدّ مع عدم ثبوت الشهرة على المنع الخاصّ أو معارضة نقلها بنقل الخلاف، من ثبوت الجواز في رواية صحيحة، أو مستفيضة.

و لا يبعد الثاني

في الفنك، و قد وقع التجويز في الفنك و السمور كالسنجاب في خبر «علىٰ بن جعفر» «1»، كما وقع النهي عن السمور في صحيح «أبي علي بن راشد» «2» مع التجويز في الفنك و السنجاب، كما وقع التجويز في «الحواصل الخوارزميّة» في رواية «بشير بن بشار» «3»، و يمكن العمل بها بضميمة إجماع «النهاية» في الحواصل.

كما أنّ النهي عن السمّور يمكن حمله على الكراهة أو الجامع بينها و بين الحرمة، الملتزم بها في ما ذكر فيها من الثعالب؛ كما أنّ تجويز السمّور مع الفنك في رواية «المستطرفات» في الضرورة، لا يستلزم التجويز اختياراً في محلّ البحث.

و بالجملة، فكلّ من السمّور و الحواصل و الفنك وقع التجويز له في رواية، كخبر «علي بن جعفر» في السمّور و السنجاب و الفنك، و رواية «بشير» في الحواصل الخوارزميّة.

و الجمع، بالحمل على الكراهة و إن كان ممكناً لو لا الشهرة على المنع فيهما، و نقل الإجماع فيها كذلك و الفنك و إن تعارض النقلان فيه إلّا أنّ الروايات المجوّزة له مستفيضة لا تحتاج إلىٰ جابر، كما لا موهن لها مع التعارض المتقدّم؛ فالالتزام بالجواز في جميعها مع الكراهة في ما ورد النهي عنه لا يخلو عن وجه، و إن كان الأحوط العمل بالعمومات «4» المانعة في غير الخز و السنجاب، أعني في السمّور و الحواصل و الفنك.

______________________________

(1) الوسائل 3، أبواب لباس المصلي، الباب 4، ح 6.

(2) الوسائل 3، أبواب لباس المصلي، الباب 3، ح 5 و 4.

(3) الوسائل 3، أبواب لباس المصلي، الباب 3، ح 5 و 4.

(4) الوسائل 3، أبواب لباس المصلي، الباب 2.

بهجة الفقيه، ص: 323

الفصل الثالث الصلاة في الذهب و الحرير

[مسألة] عدم جواز لبس الذهب و الصلاة فيه، للرجال

اشارة

مسألة: لا يجوز لبس الذهب للرجال، و هو مجمع عليه،

و لا الصلاة تتمّ فيه الصلاة و إن لم يكن ساتراً بالفعل.

إلّا أنّ كونه بنحو الشرطيّة في الساتر، يمكن الاستدلال له مضافاً إلىٰ ما يأتي من الروايات بما عن «الشيخ نجيب الدين» من: «أنّه يشترط أن لا يكون لباس الرجل في الصلاة ذهباً بلا خلاف». و هو يعمّ الساتر و غيره، و كذا حكي عن «المنظومة» عدم الخلاف فيه.

و إلّا فيبتني الحكم بالبطلان علىٰ عدم جواز اجتماع الأمر بالستر مع النهي عن لباس الذهب، و استنتاج البطلان عن الاجتماع، و هو قابل للمنع، لأنّ الشرط و هو الستر ليس عباديّاً، و إن كان تقيّد الصلاة به عباديّاً يصحّ التقرّب به، مع إمكان انبساط الأمر بالاشتراط بانحفاظ القدرة على الستر بغير الحرام و لو في أثناء الصلاة.

و يمكن الاستدلال للبطلان برواية «موسى بن أكيل النميري»، و فيها

و جعل اللّٰه الذهب في الدنيا زينة النساء، فحرّم على الرجال لبسه و الصلاة فيه «1»

؛ فإنّ تحريم

______________________________

(1) الوسائل 3، أبواب لباس المصلي، الباب 30، ح 5.

بهجة الفقيه، ص: 324

الصلاة بعد تحريم اللبس، ظاهر في التأسيس و في كون التحريم الثاني وضعيّاً لا تكليفياً، فيدلّ على البطلان. و مثلها موثّقة «عمّار» عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام

في الرجل يصلّي و عليه خاتم حديد، قال: لا، و لا يتختّم به الرجل؛ فإنّه من لباس أهل النار «1»

، و قال [في رواية أخرى]

لا يلبس الرجل الذهب، و لا يصلّي فيه، لأنّه من لباس أهل الجنّة «2».

و حيث إنّ التعليل يراد به الاختصاص، و ظهور المعلّل به في المنع الوضعي المعطوف على المنع التكليفي للّبس، فلا مانع من استفادة البطلان منها بعد فهم إرادة الاختصاص من غيرها من الروايات؛

فإنّ في بعضها

أنّها يعني الذهب- لهم في الدنيا، و لكم في الآخرة «3»

و لا ينافيه العطف على المنع في الحديد، المحمول على الكراهة بدليل آخر لا يقتضي الاتّحاد في المعطوف عليه مع المغايرة الموضوعيّة، بخلاف الحكميّة الجارية في لبس الذهب مع الصلاة فيه؛ فالمنع عن الظهور أو دعوى وهنه بالتعليل المذكور فيها غير مقبول.

و مثلها ما في خبر «جابر الجعفي»، ففي آخره

و يجوز أن تتختّم يعني المرأة بالذهب و تصلّي فيه، و حرّم ذلك على الرجال «4»

بالتقريب المتقدّم؛ و ما عن «الفقه الرضوي» علىٰ الأصحّ عندنا من اعتبار الكتاب، و فيه

و لا في خاتم ذهب، و لا تشرب في آنية الذهب و الفضّة، و لا تُصلّ علىٰ شي ء من هذه الأشياء «5».

و وجه الدلالة على الحرمة ظاهر. و وجه العدم تخصيص الحكم بالشخص مع احتمال كون الحرمة، أو شدّة الكراهة من المختصّات بالمعصومين عليهم السلام، كما يستفاد من غيرها؛ مع أنّ اقتضاء التعليل لأزيد من الكراهة غير ظاهر؛ مع أنّ المعلّل به ما له

______________________________

(1) الوسائل 3، أبواب لباس المصلي، الباب 32، ح 5.

(2) الوسائل 3، أبواب لباس المصلي، الباب 30، ح 4.

(3) المستدرك ج 2 الباب 41 ح 3

(4) الوسائل 3، أبواب لباس المصلي، الباب 16، ح 6.

(5) فقه الرضا عليه السلام، ص 157 و 158.

بهجة الفقيه، ص: 325

ظهور في المنع التكليفي. و مثلها في ضعف السند و في الدلالة رواية «جراح المدائني» عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام

قال: لا تجعل في يدك خاتماً من ذهب «1»

و فيها احتمال منعه عليه السلام عن فعل المكروه، و لعلّ الظهور في المنع التكليفي يدفعه، لولا ظهور غيرها في التنزيه.

و مثلها رواية

«ابن القدّاح» «2» عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام، في تختّم النبي صلى الله عليه و آله و سلم في يساره بخاتم من ذهب، و لعلّها تحمل على الكراهة؛ فالتختّم لبيان الجواز، و الرمي لبيان الكراهة، فهي بالقرينيّة علىٰ أنّ المنع في غيرها للكراهة، أشبه لو تمّ السند، أو تعاضد بما له هذه الدلالة.

و يمكن أن يجعل من هذه الطائفة رواية «موسى بن أكيل «3» النميري» من جهة التفريع للتحريم علىٰ جعل الذهب حلية أهل الجنّة و زينة النساء، الظاهر في الاختصاص، و لذا فرّع عليهما التحريم على الرجال متعلّقاً باللبس و الصلاة.

و تقريب الدلالة هو ظهور جعل الزينة لأهل الجنّة و للنساء، في عدم جواز تزيّن الرجال في الدنيا، و هي عالم التكليف، و التختّم يصدق عليه التزيّن بالخاتم؛ مضافاً إلىٰ أنّ تفريع تحريم اللبس علىٰ جعل الذهب مختصاً بالآخرة و بالنساء، يقتضي إلغاء خصوصيّة اللبس إلى مطلق التزيّن بالذهب.

كما أنّ قوله عليه السلام في رواية «روح بن عبد الرحيم»

لا تختّم بالذهب فإنّه زينتك في الآخرة «4»

يعني أنّ الذهب زينتك في الآخرة، لا أنّ التختّم بالذهب زينتك في الآخرة أيضاً يدلّ علىٰ أنّ المختصّ بالآخرة مطلق التزيّن بالذهب، لا خصوص التختّم بالذهب.

______________________________

(1) الوسائل 3، أبواب لباس المصلي، الباب 30، ح 2 و 3 و 5 و 1.

(2) الوسائل 3، أبواب لباس المصلي، الباب 30، ح 2 و 3 و 5 و 1.

(3) الوسائل 3، أبواب لباس المصلي، الباب 30، ح 2 و 3 و 5 و 1.

(4) الوسائل 3، أبواب لباس المصلي، الباب 30، ح 2 و 3 و 5 و 1.

بهجة الفقيه، ص: 326

و رواية «أبي الجارود» «1» كرواية «روح» الاولىٰ

«2»، مع زيادة قوله صلى الله عليه و آله و سلم لعليّ عليه السلام

أُحبّ لك ما أُحبّ لنفسي، و أكره لك ما أكره لنفسي

؛ فإنّه ممّا يستطهر منه الكراهة من جهة هذا المذكور في الصدر، و من جهة الإضافة للزينة إلى الشخص المعصوم، و في جهة استفادة حكم مطلق التزيّن من تعليل الحكم بالزينة المختصّة بالآخرة.

و رواية «حمزة بن محمّد» «3» بسنده عن علي عليه السلام

قال: قال علي عليه السلام: نهاني رسول اللّٰه صلى الله عليه و آله و سلم، و لا أقول نهاكم عن التختّم بالذهب

و ظاهره الاختصاص للحكم التحريمي، أو التنزيهي بشدّته بالمعصوم عليه السلام مع الإرداف بالمكروهات؛ فيمكن أن تجعل في ضمن ما له القرينيّة علىٰ إرادة التنزيه ممّا له ظهور في التحريم بالنسبة إلى التختّم و التزيّن علىٰ ما مرّ.

و أمّا رواية «البراء» «4» فليس فيها القرينيّة المتقدّمة، نعم التعبير بالنهي ربّما يقال بضعف دلالته على التحريم من جهة وجود غير المحرّم في السبع، فيراد الجامع من النهي، و تحتاج الدلالة على التحريم، علىٰ أمر زائد فيها، أو في غيرها.

و أمّا رواية «قرب الإسناد» «5»، ففيها ذكر التختّم بالذهب، و أنّه كان في ضمن السبع، فلعلّه كان في السبعة ما هو غير محرّم بل مكروه، فكان المراد الجامع من النهي.

الجمع بين الطائفتين و يمكن أن يقال: بعد ملاحظة روايات الباب-: إنّ الدّال منها على المنع عن التختّم بالذهب و عن التزيّن به بهذا العنوان، أو بعنوان اللبس العام له، مستفيض، بل يستفاد منها أنّ المنع عن اللبس لمكان أنّه تزيّن بالذهب، و المنع في كلّ واحد سنداً أو دلالة أو

______________________________

(1) الوسائل 3، أبواب لباس المصلي، الباب 30، ح

6 و 1.

(2) الوسائل 3، أبواب لباس المصلي، الباب 30، ح 6 و 1.

(3) الوسائل 3، أبواب لباس المصلي، الباب 30، ح 7 و 8 و 9.

(4) الوسائل 3، أبواب لباس المصلي، الباب 30، ح 7 و 8 و 9.

(5) الوسائل 3، أبواب لباس المصلي، الباب 30، ح 7 و 8 و 9.

بهجة الفقيه، ص: 327

فيهما و إن كان ممكناً إلّا أنّه غير ممكن في المجموع المتعاضد بعضه ببعض، و في قبالها ما لا يخلو عن الظهور في الكراهة، كرواية «ابن أبي عمير» «1» من طريق «معاني الأخبار»، و من الطريق الآخر عنه في «الخصال»، و لا بأس بها سندا و دلالة، و رواية «أبي الجارود» و رواية «ابن القدّاح». لكن الشهرة مع روايات المنع، لما في «الخلاف» من عدم الخلاف في حرمة التختّم بالذهب، و استدلّ أيضاً بعد إجماع الفرقة برواية «موسى بن أكيل».

و ظاهره أنّ له إليه طريقاً لا إرسال فيه، و لذا أسند الرواية إلىٰ «موسى»، و دلالتها بالعموم للتختّم. و بحسب تفريع التحريم على الزينة في مطلق اللبس و في خصوص التختّم، يظهر اتّحاد حكم الزينة و اللبس و التختّم؛ بل تفريع حرمة اللبس و الصلاة علىٰ اختصاص الزينة، ظاهر في أنّ البطلان لمطلق التزيّن و ما يتفرّع عليه، فيكفي صدق الصلاة في الزينة، كما يكفي صدق الصلاة في اللباس.

فالجمع العرفي بحسب الدلالة و إن كان مقدّماً على التراجيح الصدوريّة، إلّا أنّ بلوغ الأمر إلىٰ حدّ عدم الخلاف ربّما يمنع عن حجيّة الدالّ على الجواز؛ فإنّ استفاضة روايات المنع تجعلها مع العمل المتقدّم كالعلم بالمنع، و ما دلّ على الجواز كالظنّ بالجواز لولا العلم المذكور.

و سلوك الأخذ بمفاد خصوص «الموثّق»

مع اعتبار غيره أيضاً، كما عن «معاني الأخبار» و «الخصال»، و استفاضة مجموع هذه الروايات، و استظهار وحدة المراد من المطلقات و المقيّدات، أعني ما فيه التعليل و غيره، كما لا يخفىٰ علىٰ فرض صدورها من واحد في مجلس واحد، و هو اللازم المتعيّن في الروايات المختلفة بالإطلاق و التقييد و التعليل، ليس علىٰ ما ينبغي.

و أمّا ما عن «الجواهر» من الإجماع علىٰ حرمة التزيّن في غير هذا الكتاب «2»،

______________________________

(1) الوسائل 3، أبواب لباس المصلّي، الباب 30، ح 7.

(2) جواهر الكلام 41، ص 54.

بهجة الفقيه، ص: 328

فلا يكشف عن دليل غير ما بأيدينا؛ فهو علىٰ تقدير كشفه عن شي ء آخر، كرواية مطلقة معروضة علىٰ سائر روايات المقام الواصلة. و طريق الجمع بينها ما قد عرفت.

فلا بدّ من ارتكاب التأويل بعد تسلّم السند فيها و إن كان بعيداً، بأن يقال: إنّ ما في رواية «أبي الجارود» يجتمع المحبة مع الإيجاب و الكراهة مع التحريم، و رواية «ابن أبي عمير» «1» يكون النهي للمعصوم مقيّداً للنهي لغيره في غير ما دلّ علىٰ الاختصاص، و أنّه كان التعبير في الأصل تشريفاً للمعصوم بأن يكون هو الموضوع الأصيل و غيره تابعاً للمعصوم في الحكم.

و رواية «ابن القداح» تحمل على السبق على التحريم، المدلول عليه بسائر الروايات المحتمل تأخّرها صدوراً. و بحسب ثبوت الحكم الذي تدلّ عليه عن الفعل الواقع الذي تحكيه رواية «ابن القداح»، فلا يمكن رفع اليد عن الاتفاق الذي نقله الشيخ الخبير بذلك، مع دلالة المستفيضة علىٰ ما وقع عليه بسبب المعارض الذي ليس بتلك القوّة سنداً و عملًا. و مقتضاه وفاقاً لما يقتضيه الاحتياط، المنع تكليفاً و وصفاً في التختّم و التزيين، كاللبس في الصلاة

و غيرها.

[و ينبغي التنبيه على أمور]
[الأمر الأول] عدم إناطة حرمة اللبس بالخلوص

ثمّ إنّ الأظهر عدم اشتراط الخلوص في قبال الامتزاج و التمويه «2» و نحوهما في الذهب المحرّم لبسه و التزيّن به و الصلاة فيه و التختّم به، لصدق العناوين المذكورة، و عدم الداعي إلىٰ الاقتصار على المتيقّن، مع مساعدة المطلقات، و ندرة الخالص من لباس الذهب بحيث يعدّ المطلقات بالغة إلىٰ الإلغاء مع التقيّد به؛ فما عن «كاشف الغطاء»، تبعاً للفاضل، و «الشهيدين»، و «المحقّق الثاني»، و غيرهم كما حكي عنهم، هو الأقرب.

______________________________

(1) الوسائل 3، أبواب لباس المصلّي، الباب 30، ح 6.

(2) و موّهت «بالتشديد»: إذا طليته بفضّة أو ذهب و تحت ذلك نحاس أو حديد. و منه التمويه، و هو التلبيس، و قول مُمَوَّه أي مزخرف. أو ممزوج من الحق و الباطل. (مجمع البحرين).

بهجة الفقيه، ص: 329

[الأمر الثاني] الصلاة في المحمول من الذهب و ما تتمّ الصلاة فيه و ما لا تتمّ

و أمّا المحمول فالأظهر عدم البأس به في ما لا يصدق التزيّن به، لعموم البلوىٰ باستصحاب المسكوكات المتخذة للنفقة، و شدّ الهميان، و أخذ الكيس؛ فيحتاج الصرف عن ذلك إلىٰ بيان خاصّ، مع عدم صدق اللبس و لا التزيّن هنا و لا الصلاة فيه. و إنّما يصار إلىٰ ذلك في غير المأكول للدليل، لا بالإطلاق.

كما أنّ الظاهر عدم الفرق بين ما تتمّ و ما لا تتمّ، فإنّ الخاتم منصوص المنع «1»، و التزيّن يستبشع التقييد له بما تتمّ. و قد أشرنا إلىٰ أنّ التقيّد يقيّد به الممنوع، لذكره في كثير من روايات الباب بنحو التعليل و تفريع الحكم عليه فقد ذكر في رواية «2» تعليلًا للمنع المتقدّم في الخاتم.

و يمكن أن يكون وضع اليمنىٰ على اليسار الذي فيه خاتم في رواية «3»، لسدّ التزيّن به بمنعه عن الظهور، و أنّ اللبس لبيان حدّ الحكم بالستر، ثمّ

الرمي حيث ظهر، فعمله راجح. و التعليل بلباس أهل الجنّة في رواية «4»، قد مرّ رجوعه إلى الحِلية و الزينة في غيرها.

و فرّع على الحلية و الزينة التحريم في رواية «5»، و كذا تعليل المنع في الخاتم بالزينة في رواية «أبي الجارود» «6»، و كذا حلية الجنّة المعلّل بها المنع في الخاتم في رواية «7».

و دعوىٰ معارضة ما دلّ علىٰ حرمة التزيين بروايتي «أبي الصباح» «8»، و «ابن

______________________________

(1) الوسائل 3، أبواب لباس المصلي، الباب 30.

(2) الوسائل 3، أبواب لباس المصلي، الباب 30، ح 1.

(3) الوسائل 3، أبواب لباس المصلي، الباب 30، ح 3 و 4.

(4) الوسائل 3، أبواب لباس المصلي، الباب 30، ح 3 و 4.

(5) الوسائل 3، أبواب لباس المصلي، الباب 30، ح 5 و 6 و 11.

(6) الوسائل 3، أبواب لباس المصلي، الباب 30، ح 5 و 6 و 11.

(7) الوسائل 3، أبواب لباس المصلي، الباب 30، ح 5 و 6 و 11.

(8) الوسائل 3، أبواب أحكام الملابس، الباب 63، ح 1 و 2.

بهجة الفقيه، ص: 330

سرحان» «1»، قابلة للمنع؛ فإنّ حرمة التزيين إجماعيّة، كما عن «الجواهر» في الشهادات «2»، و لا داعي إلى التقييد باللباس و الخاتم، لعدم المنافاة للإطلاق؛ مع تأيّد ذلك باستفادة المنع من المستفيضة المذكور فيها الزينة و الحلية بعد الحكم بالمنع في اللباس، أو الخاتم أو قبله. و منها يستظهر أنّ الاختصاص تحريميّ، و إلّا لم يرتبط «إسماعيل بن سعد الأحوص» «3»، و يمكن استفادة ذلك من مكاتبة «ابن عبد الجبار» «4» علىٰ ما سيأتي من حملها على التقيّة بقدر الضرورة إليها فقطّ، و بالمفهوم من «مرسلة» الاستثناء لما لا يجوز الصلاة فيه وحده، المشروح ما

فيه عدم البأس بالمنع المستفاد من غيره؛ فيمكن حمل المجوّز من خبر «ابن بزيغ» «5» على التقيّة، لأنّ الصحّة أحد القولين عندهم.

و أمّا الجواز في ما لا تتمّ فيه الصلاة، فهو أحد القولين عندنا موافقاً لما عن «المبسوط» و «الحلي» و «الحلبي» و «المعتبر» و «الشرائع» «6» و «النافع» و «الإرشاد» و «التلخيص» و «التذكرة» و «الدروس» و «الروض» و «الروضة» و «الذكرى» و «النراقي الثاني». و عن «التنقيح» أنّه الأظهر بين الأصحاب؛ و عن «الوافي» أنّه أشهر فتوى بينهم؛ و عن «الذخيرة» و «البحار» و «الحدائق» أنّه المشهور؛ و عن «المدارك» أنّه المشهور بين المتأخّرين.

و مستنده بعد الأصل، بُعد منع الإطلاق في غير الثوب إلّا ما في «الرضوي» «7»،

______________________________

(1) الوسائل 3، أبواب أحكام الملابس، الباب 63، ح 1 و 2.

(2) جواهر الكلام 41، ص 54.

(3) الوسائل 3، أبواب لباس المصلي، الباب 11، ح 1 و 2.

(4) الوسائل 3، أبواب لباس المصلي، الباب 11، ح 1 و 2.

(5) الوسائل 3، أبواب لباس المصلي، الباب 11، ح 10.

(6) شرائع الإسلام، 1، ص 59، ط: إسماعيليان.

(7) فقه الرضا عليه السلام، ص 157.

بهجة الفقيه، ص: 331

و سيأتي ما فيه، و روايتا «يوسف بن محمد»، و «يوسف بن إبراهيم» «1» في نفي كراهة كون سدى الثوب أو زرّه أو علمه من إبريسم، و الضعف منجبر بالشهرة المحكيّة، بل يكفي عمل المذكور في الجبر و الوثوق بالصدور.

و أمّا المنع فهو المحكيّ عن «المفيد» و «الصدوق» و «الإسكافي» و «الديلمي» و «النهاية» و «ابن حمزة» و «المختلف» و «المدارك» و «المعالم» و «الأردبيلي» و «الخوانساري» و «المجلسي» و «السبزواري» و «اللمعة» و «القواعد» و «النراقي الأوّل».

و مستنده ما يقال من

عموم دليل المنع عن الصلاة في الحرير، و خصوص مكاتبتي «ابن عبد الجبّار» «2»، و موثّقة «الساباطي» «3» المانعة عن الصلاة في الثوب يكون علمه ديباجاً. و أمّا الموثّقة فيأتي بيان المعارض و وجه الجمع. و أمّا الصحيحتان، فالظاهر نصوصيّتهما في البطلان، لتطبيق الكليّة علىٰ مورد السؤال، الممنوع بسببه التخصيص بالمورد؛ كما أنّ المرسلة النافية للبأس أيضاً ناصّة، و الجمع العرفي بينهما مشكل بل ممتنع، و كذا شهرة القدماء يُشكل ثبوتها بذلك النقل مع ما تقدّم من بعض من تقدّم.

لكن الترجيح بالمخالفة للعامّة ممكن، لعدم القول عندهم بالتفصيل بين ما لا تتمّ و غيره، بل القولان كما ذكره «ابن رشد» «4» هما الجواز و الصحّة مطلقاً، و البطلان كما في المغصوب مطلقاً، بل البطلان يدور عند المُبطل منهم مدار التحريم المقتضي لفساد العبادة؛ فالتفصيل مخالف لهم. و الحمل على التقيّة بسبب عدم التفصيل بالتصريح به و تطبيق الكلية المسلّمة «5» علىٰ ما لا تتمّ، أو الإعراض عن خصوصيّة السؤال،

______________________________

(1) الوسائل 3، أبواب لباس المصلي، الباب 13، ح 6.

(2) الوسائل 3، أبواب لباس المصلي، الباب 11، ح 2 و 12.

(3) الوسائل 3، أبواب لباس المصلي، الباب 11، ح 2 و 12.

(4) بداية المجتهدين.

(5) الوسائل 3، أبواب لباس المصلي، الباب 11، ح 2.

بهجة الفقيه، ص: 332

و الاكتفاء بالعموم المسلّم عندنا و عند بعضهم في الصلاة في الحرير المحض، لأنّ الإعراض أيضاً نحو من التقيّة، مع أنّه لا يترتّب عليه إلّا ترك الصلاة في ما لا تتمّ، و لا محذور فيه، و هذا الترجيح اختاره في «المستند»، و يمكن الترجيح بالحكومة و نظر دليل التجويز إلىٰ دليل المنع بلا عكس، فيكون أقوى في إثبات المدلول، كما في

سائر موارد الحكومة، هذا مع ما مرّ من حكاية الشهرة بناء علىٰ عدم ضير مخالفة من تقدّم بها. و لو تنزّلنا، فمقتضى القاعدة بعد عدم الترجيح، التخيير، فلا مانع من أخذ المجوّز. و أمّا «الرضوي»، ففيه

و لا يصلّى في ديباج، و في حرير، و لا في وشي، و لا في ثوب إبريسم محض، و لا في تكة إبريسم. و إذا كان سداه إبريسم، و لحمته قطن، أو كتان، أو صوف فلا بأس بالصلاة فيها «1»

و هو مشتمل على النهي القابل للحمل على الجامع بين المنع و التنزيه، و ليس كالصحيحين «2» صريحاً في المنع، مع أنّه مشتمل علىٰ كون سداه إبريسم و التجويز فيه، و قد مرّ شهادته على الكراهة في غيره في غير «الرضوي» أيضاً علىٰ تأمّل فيه، فإنّ الظاهر رجوعه هنا إلى الكلّ، و أنّ الشي ء المستقل لا بدّ و أن يكون محضاً و لو كان تكّة، فعدم البأس بسدىٰ الإبريسم لعدم محوضة الكلّ، لا لكون البعض ممّا لا تتمّ الصلاة فيه، فتدبّر في لوازمه، نعم النهي بل للحمل على الجامع هنا.

[الأمر الثالث] ملاك ما لا تتمّ فيه الصلاة

و المدار في ما لا تتمّ الصلاة فيه على الشأنيّة القريبة، فالعمامة ممّا تتمّ فيه الصلاة غالباً، بخلاف اللباس المحتاج إلىٰ تغيّر الهيئة و الخياطة، أو نقض الخياطة المغيّر للاسم و الأثر.

و هل العبرة في التقدير، بالوسط الغالب، لعدم مقدار معهود غير ذلك؛ أو ملاحظة حال المصلّي في القصر و الطول، فيجوز لمثل «عوج» ما لا يجوز للوسط، و لا يجوز لمن

______________________________

(1) فقه الرضا عليه السلام، ص 157.

(2) الوسائل 3، أبواب لباس المصلي، الباب 11، ح 2.

بهجة الفقيه، ص: 333

هو ناقص عن الغالب ما لا يجوز للغالب، لعدم

تحقّق الستر في الأوّل، و تحقّقه في الثاني؟.

دليل الاعتبار بالأوّل معهوديّة التقدير، و لا عهد في غير الغالب؛ و دليل الثاني ملازمة الوضع بانصراف دليله إلى التكليف المختلف باختلاف المكلّفين؛ فلزوم الستر تكليفاً هو المنشأ للزومه وضعاً، و هو المقدّر لما هو لازم وضعاً، فيتّبع التكليف ما ينشأ منه من الوضع و لا يقاس بمثل التقدير بالأشبار و الذراع ممّا هو خارج عن المكلّف به و داخل في الموضوعات للتكليف. و عليه، فيعتبر الستر و العدم للغالب بستر الغالب، و لغير الغالب في الطرفين بستر نفس المصلّي، و هو الواجب عليه تكليفاً و وضعاً، و هذا أقرب و إن خالف ما في «الجواهر» «1».

فروع حول الاضطرار إلى لبس الحرير

فرع: إذا جاز لبس الحرير للضرورة، فهل يجوز التستّر به و عدم إضافة غيره للتستّر، أو لا، بل يجب التستّر بغيره لو كان فوق الحرير؟

يمكن ان يقال: إنّ المنع عن لبس الحرير تكليفاً و وضعاً متعلّق باللباس لا بالساتر؛ و إنّما عبّر بالساتر، لعدم وجوب لبس غيره للصلاة، و قد فرض ارتفاع المنع تكليفاً و وضعاً للضرورة، و لذا يجوز لبسه فوق الساتر، و المأمور به وضعاً إنما هو التستّر، لا التستّر بغير الحرير، أو النجس و نحوهما؛ فالتستّر الذي هو المعتبر موجود وجداناً بالممنوع عنه وضعاً و تكليفاً، و المنعان مرتفعان للضرورة؛ فلا مانع عن التستر بالحرير و نحوه إذا اضطرّ إلىٰ لبسه و إن وجد ساتراً غيره، و لا يجب الضمّ.

[فرع] عدم وجدان الساتر للصلاة، هل يسوّغ لبس الحرير؟
اشارة

فرع: ليس من الضرورة إلىٰ لبس الحرير و نحوه عدم ساتر غيره، بل يصلّي عرياناً؛

______________________________

(1) جواهر الكلام 8، ص 122 و 123.

بهجة الفقيه، ص: 334

فإنّ المنع عن لبس الحرير وضعاً المعارض بإيجاب التستّر وضعاً، يرجّح علىٰ الإيجاب الوضعي بالحرمة النفسيّة المقارنة للوضعيّة.

و لو فرض فقد الأجزاء و الأركان في الصلاة عرياناً، فالدوران بين الشرط في اللباس للمصلّي و شرطيّة التستّر مع جزئيّة القيام و الركوع للمختار مثلًا و إن كان من الدوران بين المتمحّض في الشرطيّة مع ما له الجزئية المقوّمة، و لازمه تقديم الركن المقوّم، إلّا أنّه يرجّح أيضاً بالحرمة النفسيّة و ثبوت البدل للأركان الاختياريّة، لتقدّم ما ليس له البدل في التكليف و الوضع علىٰ ما له البدل، لا لحكم العقل، حتّى يقال: إنّ العجز في نفسه غير حاصل، و بملاحظة الآخر مشترك، فاللازم عدم الترجيح بل التخيير، و في قبال المنع النفسي إيجاب الصلاة بأركانها المقوّمة لها، و إن كان إيجاب التستّر فقطّ وضعاً مكافئاً لإيجاب كون لباس المصلّي من غير الحرير وضعاً.

و لا للاستقراء، حتّى يقال: إنّ لازمه علىٰ فرض كونه

تامّاً مفيداً للقطع، القول به هنا و إن يكن اتفاق هنا.

بل لمكان أنّ تقديم دليل الاعتبار في التستّر، بالجهة المشتركة لاشتراك العجز؛ و تقديم دليل الاعتبار لعدم لبس الحرير، بالجهة المختصّة؛ و ذلك لأنّ عمل المختار له بدل، و عدم لبس الحرير لا بدل له؛ فكونه ممّا له البدل، جهة مختصّة يقدّم بها رعاية ما لا بدل له في جميع الموارد؛ فإنّه لا يفوت بفوته ما يعتبر في أصل الصلاة من قِبَل المقوّم؛ بخلاف لبس الحرير؛ فإنّه إذا فات يصلّي عرياناً، و لا بدليّة فيها عن عدم لبس الحرير، بل ترك الشرط فقطّ و الصلاة بدون هذا الشرط، و الصلاة مع الركن واجبة وضعاً بإيجاب الصلاة؛ و كذا مع عدم لبس الحرير وجوب عدم لبس الحرير جهة مختصّة تكليفيّة من غير التكليف بالصلاة أيضاً، و هذه جهة مختصّة، فهناك جهتان مختصّان توجبان تقديم الصلاة عرياناً، و لو بالإيماء على الصلاة مع الحرير.

و منه يظهر الفرق بين ما له البدل من الأجزاء أو الشروط و ما ليس له البدل.

بهجة الفقيه، ص: 335

[في بيان بعض الأحكام]
[الأول] دوران الاضطرار بين لبس النجس أو الحرير

و لو اضطرّ إلىٰ لبس واحد من الحرير و النجس في الصلاة، قدّم النجس، لاختصاص الحرير بالحرمة النفسيّة، لا لذاتيّة مانعيّته؛ فإنّه في صورة عدم إمكان الإزالة فالنجاسة كالذاتيّة، مع أنّ المنع في لبس الميتة أيضاً ذاتي؛ و لا أثر للتجويز في الحرب في الأهونيّة في المفروض، و هو غير حال الحرب. و أمّا الاختصاص بجواز اللبس في الفتاوىٰ للضرورة في الحرير دون النجس الباقي في عموم الاضطرار «1»، فلا أثر له مع إمكان عدم كشف الفتاوى عن غير العموم.

و يجري ذلك في مثل الفَنَك و السمّور بالنسبة إلىٰ غيرهما ممّا لا يؤكل،

فلا أثر للاختصاص بالتنصيص «2» إلّا الكشف عن مصحّح، و لعلّه كان من قبيل كون المتعارف لبس ما كان منهما، أو أنّهما وقعا في السؤال دون غيرهما.

و ممّا سبق يظهر رجحان غير المأكول على الحرير إذا دار الأمر بينهما.

[الثاني] المستثنيات عن حرمة اللبس و الصلاة في الحرير

1- الحرب بقي الكلام في اللُّبس المستثنىٰ منه الحرب؛ فإنّ الظاهر عدم اختصاصه بكيفيّة خاصّة في اللبس؛ كما أنّ المفهوم، الحرب الجائز؛ فإنّه المناسب لتحليل الحرام به. و لا يختصّ بالجهاد مع الإمام عليه السلام أو مأذونه. و لا يعتبر أزيد من المعرضيّة لفعليّة القتال و الاستعداد لها، بنحو يكون بين البعيد غايته، و الفعليّة الغير المعتبرة.

و الظاهر أنّ الاستثناء للحرمة الوضعيّة أيضاً، كالتكليفيّة؛ و ذلك أنّ الاستثناء للمنع عن اللبس تكليفاً في جميع حالات الحرب، مع عدم استثناء المنع الوضعي المتّحد مع

______________________________

(1) الوسائل 3، أبواب لباس المصلي، الباب 12، ح 6 8.

(2) الوسائل 3، أبواب لباس المصلي، الباب 4، ح 3.

بهجة الفقيه، ص: 336

التكليفي في التعبير بالنهي «1»، يفهم منه عدم المنع عن الصلاة كسائر الأفعال الغالبة العادية، و إلّا كان محتاجاً إلى البيان، و أنّه يجوز اللبس إلّا في حال الصلاة؛ مع ما في الأمرين من المغايرة؛ فإنّ استثناء التكليف عقلًا لا يستلزم استثناء الوضع، لكن الاحتياج إلى البيان منشأ الفهم المذكور، و لعلّ ترك اللبس أهون على المحارب من تحرّي إمكان النزع. 2- النساء و كذا الحال في الجواز للنساء تكليفاً و وضعاً، فإنّ المنع عن صلاتهنّ فيه محتاج إلى البيان عند ذكر الجواز تكليفاً بحيث لا يقيّده البيان المتأخّر المنفصل، مع السيرة العمليّة الغير المنكَرة، و الشهرة التامّة المنقولة، بل النسبة إلىٰ فتوى الأصحاب عن «الذكرى».

مع أنّه لا دليل عامّ

للحرمة الوضعيّة؛ فإنّ روايتي «أبي الحارث» «2» و «إسماعيل بن سعد» «3» مشتملان على السؤال عن صلاة الرجل في ثوب إبريسم، و ظاهرهما السؤال عن الحرمة الوضعيّة في مورد العلم بالتكليفيّة، و أنّ الثاني هنا يستلزم الاولىٰ و لذا خصّ السؤال بالرجل؛ و أمّا النساء فلا حرمة تكليفيّة كي يحتمل الوضعيّة من ناحيتها؛ فالحكم في حقّها غير مسؤول عنه، لعدم احتمال ذلك، لعدم الملزوم حتى يسأل عن لازمه؛ فلا عموم للمنع الوضعي للنساء في الروايتين جواباً، و لا مطابقة للجواب مع السؤال عن غير العموم.

و أمّا مكاتبتا «ابن عبد الجبّار» «4» فالظاهر أنّ المكاتب كان عالماً بالحكم التكليفي و الوضعي، و كان سؤاله في الكتاب عن شمول الوضع لما لا تتمّ فيه الصلاة، بعد العلم

______________________________

(1) الوسائل 3، أبواب لباس المصلي، الباب 12.

(2) الوسائل 3، أبواب لباس المصلي، الباب 11، الحديث 7 و 1.

(3) الوسائل 3، أبواب لباس المصلي، الباب 11، الحديث 7 و 1.

(4) الوسائل 3، أبواب لباس المصلي، الباب 11، ح 2، و الباب 14، ح 4.

بهجة الفقيه، ص: 337

بالمنع الوضعي في مثل الجُبّة و القميص ممّا تتمّ فيه الصلاة؛ فالجواب بالعموم للنساء غير مطابق للسؤال، بل المطابق إنّما هو الجواب بالعموم لما لا تتمّ فيه الصلاة، سواء عمل بتمام الرواية حتى التطبيق لما لا تتمّ فيه الصلاة المذكور في السؤال، أو لم يعمل به.

و إنّما أُخذ بالعموم فيه في الجواب منقطعاً عن السؤال، و حمل التطبيق على التقيّة في عدم الفرق بين ما تتمّ فيه الصلاة و غيره، فيراد العموم تقيّة لمورد السؤال في قبال الاختصاص بغيره. و أمّا العموم من الجهات الأُخر غير ما سأل عنه و نظر إليه في

الجواب و عمل بالتقيّة في هذا النظر، فلا يعلم إرادته، و لا كونه في مقام بيانه، و ليس كلاماً ابتدائيّاً يشكّ في كونه في مقام البيان، فتحمل عليه من سائر الجهات، بل وارد في مورد السؤال عن العموم و الخصوص من جهة، فهذه الجهة معلوم الإرادة، و غيرها غير معلوم.

إلّا أن يقال: إنّه يستفاد من الرواية قياس صغراه مستفاد من السؤال كالمذكور، و كبراه مذكور في الجواب، و مرجعه إلىٰ أنّ الصلاة في ما لا تتمّ غير جائزة، لأنّه لا تحلّ الصلاة في حرير محض، و قصد الجهة يوجب التنصيص في العموم من جهة، و أمّا العموم من سائر الجهات فهو على نحو الظهور العمومي، و لا يكون المستفاد من الدليل الإثباتي إلّا العموم من تمام الجهات، لا خصوص العموم من الجهة المنصوصة فيها؛ فالعمل بالصغرى المستفادة، و عدمه بالحمل على التقيّة، أو الجامع بين الكراهة مع القرينة الخارجيّة و التحريم الوضعي، سِيّان في استفادة للنساء كالرجال.

نعم، يبقى التقيّد بالمنفصل، و هو ما أشرنا إليه من السيرة القطعيّة بحيث يكون النزع من النساء في خصوص أحوال الصلاة أمراً مبتدَعاً؛ و كذا نقل فتاوى الأصحاب عن «الذكرى»؛ و كذا انصراف ما دلّ على المنع الوضعي إلى صورة حرمة اللبس، لا للملازمة بل لاستظهار دخل الحرمة التكليفيّة في الوضع، و لذا لم يفهموا البطلان، و حكموا بالجواز وضعاً أيضاً للنساء علىٰ ما مرّ من الشهرة، أو نقل اتفاق الأصحاب

بهجة الفقيه، ص: 338

علىٰ خلاف «الصدوق» المستدلّ بالعموم، لا بنصّ خاص، مع ما أشرنا إليه من الخدشة في العموم.

و كذا يكون من الشواهد عدم استثناء الوضع في ما دلّ على الجواز للنساء، مع أنّ البقاء على اللبس

إلىٰ حال الصلاة المتكثّرة في كلّ يوم مرّات أمرٌ معتاد علىٰ خلاف الراحة المعتادة بنحو عجيب يكون معه ترك اللبس رأساً لهذه الزينة أروَح لهنّ، و أحبّ إليهن. ففي رواية «أبي داود بن يوسف بن إبراهيم» «1»

و إنّما يكره المصمت من الإبريسم للرجال

و لقد كان المهمّ اتباعه بقوله: «أو في الصلاة لهم و للنساء»، و ما عنه صلى الله عليه و آله و سلم

فاقسمها بين نسائك «2»

من دون تخصيص بغير أوقات صلاتهنّ مع الحاجة إلى البيان لو كان، و وقوع الابتلاء في الثوب الخارجي، و شدّة الحاجة في صدر الإسلام.

و يمكن الاستدلال للجواز بموثّقة «ابن بكير» «3» عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام قال

النساء يلبسن الحرير و الديباج إلّا في الإحرام

، فإنّها كالنصّ في دخول الصلاة في المستثنىٰ منه، إلّا أن يكون الحكم في الإحرام تنزيهيّاً، و أشدّ منه في الصلاة العامّة البلوىٰ؛ و كما أنّ المستثنىٰ يعمّ التكليف و الوضع، فالمستثنىٰ منه كذلك، و لو كان الصلاة كالإحرام في المنع التكليفي و الوضعي، لكانت أولىٰ بالاستثناء، لغلبة الابتلاء و عمومه.

و دعوىٰ كفاية مفهوم الموافقة للأولويّة فهي كالمذكورة، مدفوعة بأنّ الأولويّة للذكر في المنطوق، لا في الحكم بالتحريم وضعاً و تكليفاً، بل يمكن العكس في الأولويّة. و وجه الأولويّة في الذكر ما مرّ من عموم البلوىٰ بالإضافة إلىٰ الإحرام. و قولهم في النصّ و الفتوىٰ: «لا يجوز الإحرام إلّا يجوز فيه الصلاة» لا يدلّ على العكس، حتّى

______________________________

(1) الوسائل 3، أبواب لباس المصلي، الباب 16، ح 1 و 2.

(2) الوسائل 3، أبواب لباس المصلي، الباب 16، ح 1 و 2.

(3) الوسائل 3، أبواب لباس المصلي، الباب 16، ح 3.

بهجة الفقيه، ص: 339

يدل

على المنع في ما نحن فيه بضميمة الدليل علىٰ عدم جواز الإحرام.

و أمّا ما في حسن «حريز» «1»: «كلّ ثوب تصلّى فيه، فلا بأس أن تحرم فيه» من العموم للرجال و النساء و للحرير و غيره، فهو قابل للتخصيص بسبب الموثّقة المذكورة المختصّة بالنساء و في غير الإحرام و في خصوص الحرير و الديباج؛ فالدّال بعمومه علىٰ عدم الفصل، يخصّص بالدالّ بخصوصه على الفصل في خصوص النساء، و الحرير بين الصلاة و الإحرام؛ فهو يدلّ علىٰ أنّ عدم جواز الإحرام للنساء في الحرير تخصيص لجواز صلاتهنّ فيه بالنسبة إلىٰ ما دلّ علي أنّه يجوز الإحرام في ما تجوز فيه الصلاة، لا تخصّص، لمكان عدم جواز صلاتهنّ في الحرير، أو أنّ ذلك غير معلوم، فيحمل على الثاني بأصالة العموم الغير الجارية مع العلم بالمراد.

هذا مع أنّ رواية «الجعفي» «2» و إن كانت ضعيفة، تؤيّد لحوق الإحرام بالصلاة في عدم الجواز، و أنّه على التنزيه، لا التحريم الذي لا مناسبة لاختصاص الذكر في «الموثقة» بالإحرام، كما يشهد به التعبير في موثّقة «سماعة» «3» بقوله: «لا ينبغي للمرأة أن تلبس الحرير المحض، و هي محرّمة» و هو أعني التنزيه في الإحرام منسوب إلى المشهور أيضاً.

[الثالث] لزوم الاحتياط على الخنثى المشكل

ثمّ إنّه ذكر في «الجواهر» «4» و غيره: أنّ الخنثى المشكل يلحق بالنساء في جواز لبس الحرير نفسيّاً و وضعاً، للشكّ في التكليف النفسي الذي موضعه الرجل، و في الاشتراط المعلّق بالرجل أيضاً. و مقتضى الأصل عدم التكليف و عدم الاشتراط.

و يمكن أن يقال: حيث يعلم إجمالًا بفعليّة التكليف بواحد من الستر في مقابل

______________________________

(1) الوسائل 9، كتاب الحجّ، أبواب الإحرام، الباب 27، ح 1.

(2) الوسائل 3، أبواب لباس المصلي، الباب 16، ح

6 و 4.

(3) الوسائل 3، أبواب لباس المصلي، الباب 16، ح 6 و 4.

(4) جواهر الكلام 8، ص 122.

بهجة الفقيه، ص: 340

تكشّف البدن عند الأجنبي نفسيّاً و للصلاة وضعيّاً، أو ترك لبس الحرير نفسيّاً و شرطيّاً، فلا بدّ من الاحتياط مع فعليّة التكليفين الذين هما طرفٰا العلم، بترك لبس الحرير و ترك كشف البدن.

نعم، لو لم يكن أجنبيّ، لم يكن تحريم التكشّف نفسيّاً فعليّاً، و كان احتمال حرمة لبس الحرير شبهة بدويّة، لكنّ التحريم الوضعي لواحد من التكشّف، أو لبس الحرير في الصلاة معلوم بالإجمال، و مقتضاه رعاية العلم في تحقّق شرط الصلاة و عدم مانعها.

و دعوىٰ لزوم وحدة التكليف المعلوم بالإجمال سنخاً و متعلّقاً، غير مقبولة كما بيّن في محلّه. كما أنّ ذلك مع البناء علىٰ كون الخنثىٰ في نفس الأمر من الرجال أو النساء، حتى يتيقّن بأحكام أحد الصنفين الخاصّة. و لو احتمل كونها طبيعة ثالثة، فلا علم بأحد المختصّين، لاحتمال كونه غير مندرج في واحد من الصنفين، فلا علم بإحدى الشرطيتين، و إنّما المعلوم الأحكام المشتركة الثابتة للمكلّفين من غير اختصاص بالرجل أو بالمرأة، بحيث يكفي اندراجه في الإنسان المكلّف، كوجوب القيام و الركوع و السجود و نحوها في الصلاة، لكنّ الظاهر أنّه معلوم الخلاف، بملاحظة ما يترتّب عليه من اللوازم الفاسدة، بخلاف ما يقتضي الاحتياط مع الإمكان و وجود المندوحة و القدرة علىٰ الامتثال للتكاليف الخاصّة بالصنفين.

و أمّا ما في «المستند» في التفصيل بين التكليف بترك اللبس فيدفع الشك بالإجماع بالاختصاص بالرجال، و الوضع للصلاة فيتمسّك بالعموم الذي لم يخرج منه إلّا النساء، ففيه أنّ الموضوعين محتملان لا مقطوعا العدم، فيدفع التكليف النفسي مع الشكّ في الرجوليّة بالأصل، و الشرطي

مع الشكّ في الأُنوثيّة أيضاً بالأصل، لو لا العلم الإجمالي باشتراط الصلاة إمّا بالستر للبدن أو بترك لبس الحرير فيها، كما مر.

[الرابع] إلباس الطفلَ و المجنونَ، الحرير و الذهب

و لا يجب على الوليّ للطفل و المجنون المنع، بل يجوز التمكين و إلباسهما، لأنّ الحرام هو اللبس على المكلّف الذي هو البالغ العاقل، و ليس لبس الذهب و الحرير من المبغوض

بهجة الفقيه، ص: 341

وجوده بحيث يجب دفعه و رفعه ممّن وقع منه مع القدرة، كما علم من الشرع وجوب حفظ الخارج عن وقوع مثل ذلك النظم و الانتهاك للدين من قبله، نعم يأتي الإشكال في الإلباس في وقت لا يقع النزع بعد البلوغ و الإفاقة من حيث إنّه تفويت للمصلحة اللزوميّة، أو إيقاع في المفسدة كذلك.

هذا، و لكنّه لا يخلو عن شوب إشكال، لمنافاته مرتكزات أهل الشرع، بحيث يرون الإعانة علىٰ لُبس الطفل و المجنون للذهب و الحرير مع التمييز في الجملة، من المنكرات في الجملة، و كذا بالنسبة إلىٰ سائر المحرّمات و إن لم يبلغ إلىٰ حدّ يفهم وجوب المنع أيضاً، لمكان أنّ المبغوض وجوده، بلا خصوصيّة لمن يصدر منه ككثير من الكبائر.

نعم، هذا شي ء يختلف في المحرّمات، و فيمن يصدر مباشرة، لاختلاف مراتب الارتكاز، فبعضها ينتهي إلىٰ رؤية عدم المبالاة بالشرع في الإلباس و الإعانة، و بعضها يضعف فيه ذلك، فليس كلّها علىٰ نسق واحد؛ و ليس في النبوي «1» علىٰ تقدير حجّية ما يستفاد منه التحريم علىٰ الأعمّ من الرجال بسبب التعبير بالذكور.

[الخامس] صلاة المميّز في الحرير

و أمّا الصلاة في الحرير من المميّز، فيمكن المنع، لمكان أنّ الصلاة الجامعة للشروط و الفاقدة للموانع الواجبة على المكلّفين، هي المندوبة من غيرهم، فتكفي الحرمة الوضعيّة كسائر الشروط و الموانع على المكلّفين في اعتبار الشروط و الموانع في عمل غيرهم من المميّزين.

إلّا أن يقال: إنّ الحرمة النفسيّة الخاصّة إذا كان منشأ للاشتراط، فلا اشتراط في

حقّ من لا حرمة في حقّه، فيمتاز هذا الشرط في الحرير و الذهب عن سائر الشروط، كغير المأكول و النجس في العموم و الخصوص؛ و لذا قلنا: ينصرف دليل الوضع عن النساء، لعدم التكليف النفسي، و إن كان نفس التكليف غير مستلزم للوضع. إلّا

______________________________

(1) المستدرك، أبواب لباس المصلي، الباب 16، ح 1.

بهجة الفقيه، ص: 342

أنّ الوضع في خصوص هذا الشرط يحتمل انتزاعه بحسب اللُّبّ من التكليف.

و يمكن الخدشة فيه بأنّ دليل اعتبار الشروط و الموانع، لا ينقسم إلى اللزوم الوضعي في المكلّف، و الندب الوضعي في غيره، بل الأمر بما يعتبر فيه تلك الشروط منقسم بقرينة من الخارج إلىٰ إلزامي و غيره؛ و أمّا ما يتّصف بالاعتبار و عدمه من شرط واحد بالنسبة إلىٰ اختلاف صنفي في المكلّفين فيه، فلازم التقسيم المذكور الاعتبار الوضعي اللزومي في مماثل من يعتبر في حقّه من المكلّفين، و عدم الاعتبار اللزومي الوضعي في حقّ مماثل الآخر كالصبيّ و الصبيّة؛ فالاختلاف، في الأمر، لا في متعلّقه.

[السادس] استعمال الحرير في غير اللبس

و لا يحرم سوى اللبس، فيجوز الركوب على الحرير و افتراشه علىٰ ما نسب إلى المشهور.

و يدلّ عليه ما في صحيح «علي بن جعفر» «1» في الافتراش و القيام عليه، و لا ينافيه النهي في «الرضوي» «2»، لإمكان حمله على الكراهة بسبب الصحيح المذكور المعتضد بالشهرة.

و أمّا «النبويّ» «3» المعبّر ب

أنّ هذين محرّمان علىٰ ذكور أُمتي

فلا يستفاد منه علىٰ تقدير تسلّم السند سوىٰ الانتفاعات الظاهرة المختصّة في الحرير باللبس، فلا ينبغي الاستشكال في الالتحاف و التدثّر بغير اللبس كالتغطّي به، و إن استغنىٰ بهما عن اللبس أحياناً.

نعم، يمكن صدق اللبس في بعض البلاد على التردّي و الاتّزار، لأنّهما من ألبستها المُغنية

لها عن سائر الألبسة في بعض فصول السنة و لا يعدّان لنا من الألبسة، فالمدار علىٰ صدق اللبس.

______________________________

(1) الوسائل 3، أبواب لباس المصلي، الباب 15، ح 1.

(2) فقه الرضا عليه السلام، ص 158.

(3) المستدرك، أبواب لباس المصلي، الباب 16، ح 1.

بهجة الفقيه، ص: 343

[السابع] عدم إضرار كون بعض الثوب حريراً

و الظاهر أنّ المدار، علىٰ كون الثوب و اللباس بتمامه من الحرير المحض في المنع التكليفي و الوضعي، فلا عبرة بكون بعض الثوب كالرقعة من الحرير المحض. و يؤيّد ذلك وقوع التمثيل للمستثنىٰ بالألبسة المستقلّة، لا بمثل أبعاض الثوب و لو كان كالعلم، و الزرّ و الكف.

و لو فرض عدم صدق الثوب و اللباس على التكة و الزنار و العمر، و اعتُبر صدق الصلاة فيه في المستثنىٰ و المستثنىٰ فيه، فلا بدّ من الحمل علىٰ كون ما يصلّى فيه بتمامه من الحرير، فإن كان ساتراً بالقوة مُنع عنه، و إلّا جاز.

و يؤيّده أيضاً عدم ذكرهم تطبيق الحكم في ما لا تتمّ فيه الصلاة على العلم و نحوه ممّا يأتي و ما مضى الإشارة إليه، في أنّ اختلاف السدى و اللحمة، من باب عدم محوضة الحرير في الثوب المستقل، لا من باب عدم تماميّة الصلاة فيه؛ فالدليل مجوّز عدم المنع لغير المحض، لا عدم عمومه لما لا تتمّ الصلاة فيه بالاستثناء.

[الثامن] جواز الصلاة في ثوب مكفوف بالحرير

و أمّا الصلاة في المكفوف بالحرير، أي ما يخاط أطراف الثوب بالحرير المحض، فالمشهور لو لم يكن مجمعاً عليه جوازها.

و يدلّ عليه ما دلّ علىٰ حصر الممنوع في المبهم في صحيح «صفوان» «1»، و المحض كما في «المكاتبة» «2»، و المصمت في صحيح «صفوان» الآخر «3» مع مقابلة بعضها أي الأوّل بما فيه الزرّ و العَلَم و السدىٰ، الدّالة على المحوضة اللازمة في المنع تنتفي بهذه الأمور، و ليس إلّا لمكان الاختلاط و عدم الخلوص، بل الاختلاط في السدى في قوام الثوب،

______________________________

(1) الوسائل 3، أبواب لباس المصلي، الباب 13، ح 6.

________________________________________

گيلانى، فومنى، محمد تقى بهجت، بهجة الفقيه، در يك جلد، انتشارات شفق، قم - ايران،

اول، 1424 ه ق

بهجة الفقيه؛ ص: 343

(2) الوسائل 3، أبواب لباس المصلي، الباب 14، ح 4.

(3) الوسائل 3، أبواب لباس المصلي، الباب 16، ح 1.

بهجة الفقيه، ص: 344

بخلاف الكف و الزرّ و العلم؛ فلا حاجة إلىٰ دليل آخر على الجواز المشهور، مضافاً إلىٰ وجود الدليل الآخر في الجملة. فممّا يستدل به على الجواز خبر «جراح المدائني» «1» الذي قيل فيه و في «القاسم» الراوي عنه ما يدلّ علىٰ اعتبار روايتهما، و فيه الجمع بين كراهة القميص المكفوف بالديباج، و كراهة غيره من غير المحرّمات كالوَشْى و المثيرة، و الجمع بين كراهة لباس الحرير و الوشى بلفظ واحد الدّال علىٰ إرادة الجامع من الكراهة، و تعقيب كراهة المكفوف بكراهة لباس الحرير؛ فلو كانت الكراهة الاولىٰ تحريماً و الثانية مستعملة في الجامع، فلا وجه لهذا التعبير الواقع من الراوي الذي هو من عرف العقلاء، فإنّ الحرير المحرّم لماذا يجمع بينه و غير المحرّم في التعبير؛ و إذا كانت الاولىٰ تحريماً، فلا حاجة إلىٰ تحريم لباس الحرير و إن كان بلفظ الكراهة، لأنّه محرّم بالأولويّة؛ مع أنّ الكراهة لا بدّ لها من شاهد علىٰ إرادة الحرمة، و هو مفقود في المقام، بل يمكن جعل الجمع هنا قرينة علىٰ إرادة الممزوج من لباس الحرير.

و بالجملة؛ فلو لم يكن إلّا مثل هذا التعبير، لم يعلم تحريم لباس الحرير، كما أنّ وجود القرينة علىٰ إرادة الحرمة في الحرير لو سلّم لا يدلّ على التحريم في المكفوف، خصوصاً مع القرينة علىٰ عدم الحرمة في الوَشْى و المثيرة مع ما فيها من التشديد هنا.

و [ممّا يدلّ على الجواز] ما عن «أسماء»

أنّه كان للنبيّ صلى الله عليه و آله و سلم

جُبّة كسروانيّة لها لبنة ديباج، و فرجاها مكفوفان بالديباج، و كان يلبسها «2».

و فيه إجمال؛ فإن اللبنة الجيب، فإن كان ديباج فكيف يحتاج إلىٰ كف طرفي الجيب بالديباج، إلّا أن يكون العطف للتفسير. و الرواية و إن كانت عامية [لكنّها] معمول بها بين الأصحاب. و علىٰ أيّ، ففيها الدلالة علىٰ حكم المكفوف، فتنفع في تكثير الدالّ على الجواز و لو لم يكن كلّ واحد كافياً.

______________________________

(1) الوسائل 3، أبواب لباس المصلي، الباب 48، ح 1.

(2) صحيح مسلم (المطبوع بالأزهر)، 6، ص 140.

بهجة الفقيه، ص: 345

و ما في خبر عمر

أنّ النبيّ صلى الله عليه و آله و سلم نهىٰ عن الحرير إلّا موضع إصبعين، أو ثلاث، أو أربع «1».

و ظاهره إرادة هذا المقدار في الطول و العرض، لا خصوص الثاني كما في الكف، إلّا أن يحمل علىٰ ذلك بالعهد إلى المتعارف؛ فإنّه لا مناسبة لغيره مع التحديد بهذا المقدار إلّا بحسب الفرض النادر من الرقع بالحرير، أو العَلَم بهذا المقدار.

و ما في صحيح «ابن بزيع» عن الإمام الرضا عليه السلام

عن الصلاة في الثوب الديباج فقال: ما لم يكن فيه التماثيل فلا بأس «2»

بعد إخراج المحض بالدليل، فيبقىٰ غيره و هو المتعارف من المكفوف و المعلم و المزرور بالحرير.

و ليس في شي ء منها التحديد المذكور في النبوي المتقدّم؛ لكن حكي عن «مجمع البرهان»، الشهرة على التحديد المذكور فيه؛ و حيث إنّ المتعارف لما يزيد فيه الكف في عرض المكفوف عن مساحة الأربع و الأقلّ، فلا بأس بتطبيق الشهرة في تجويز الكف على التقدير المذكور؛ فإنّ النبويّ و إن كان معتبراً للمقدار في الحرير، و ما دلّ علىٰ جواز المكفوف مطلق في خصوص الكف و نحوه،

لكنّه حيث إنّ التقدير المذكور لا يناسب في ما هو المتعارف غير الكف، فلذا كأنّهم فهموا رجوع التحديد إلى الكف، أو كان لهم دليل آخر موافق لذلك، و إلّا فمع كون النسبة عموماً من وجه، لا وجه للتقييد بالتحديد المذكور في النبويّ، إلّا بشاهد آخر يبتنى علىٰ مثله الشهرة.

لكنّ الدليل علىٰ اعتبار المحوضة و الإبهام، «3» يُغني الاستدلال بما يقتضي تجويز الكف المحدود بالأربع أو الأقلّ، بناء علىٰ أنّ العطف تخيير، كما هو الظاهر، لا ترديد؛ فيكون التحديد محمولًا على الفضل الذي لا يستفاد من النهي «4» غير التنزيه المناسب له.

______________________________

(1) صحيح مسلم (المطبوع بالأزهر)، 6، ص 140 و 141.

(2) الوسائل 3، أبواب لباس المصلّي، الباب 11، ح 10.

(3) مع الدلالة على الحصر و المقابلة بالمختلف من غير المحض حتّى الاختلاط بالسدىٰ و اللحمة الذي يفهم منه حكم غيره من الاختلاط بالفحوىٰ، بل الأولويّة دليل مستقلّ للحكم في سائر أنحاء الاختلاط، فتدبّر تعرف (منه مد ظلّه).

(4) صحيح مسلم، ج 6، ص 141 (المطبوع بالأزهر).

بهجة الفقيه، ص: 346

بل مع عدم الدليل المذكور يمكن الاستغناء عمّا تقدّم في الكف من الروايات، لقيام السيرة عليه المستمرّة الغير المردوعة. و ثبوتها في ما تقدّم يظهر من عدم نقل الحدوث، و لو لم تكن الروايات الدّالة على التقدّم.

و ممّا قدمناه يظهر الكلام في ما وقع فيه التردّد و الاحتياط من الأعلام من موارد:

منها: المنسوج طرائق بعضها حرير محض مع التجاوز عن أربع أصابع.

و منها: ما بطانته أو ظهارته حرير محض، لما في ذلك من الانفصال الشأنيّ الملحق بالتعدّد.

و منها: ما يكون من الكف في غير الذيل؛ فإنّه مع الشك في صدق الكف لا يمكن التمسّك بدليل الاستثناء؛ بل حيث

إنّ الشبهة مفهوميّة، فالمتيقّن من الخارج هو المتيقّن دخوله في مفهوم الكف؛ فيكون المشكوك كفيّته مفهوماً ممّا يتمسّك فيه بالعموم بناء علىٰ اختياره في الشبهة المفهوميّة المردّدة بين الأقلّ و الأكثر.

و منها: ما يكون نصفه الأعلى حريراً محضاً، و غيره غيره.

و منها: المحشوّ بالحرير مع الخياطة و كونه ممّا يزيد علىٰ الأربع لو كفّ به.

فالمدار في الجميع، علىٰ صدق الكف بالأربع، أو علىٰ ما يساوي ذلك علىٰ أحد المسلكين، و علىٰ عدم صدق الحرير المحض على المسلك الآخر.

و قد تحقّق في النصّ و الفتوىٰ أنّ المدار، على المحوضة «1» و الخلوص و الإبهام «2» و الإصمات «3»، كما وقع ذلك في النصّ، و نقل عليه الإجماع بقسميه في «الجواهر» «4»، و نقل استفاضته؛ فليس ذلك إلّا من كون المنصوص من اعتبار المحوضة المنصوص قطعيّاً، و مع ذلك اشتهر علىٰ ما حكي اعتبار عدم زيادة الكف علىٰ الأربع، مع أنّ كلام الأكثر

______________________________

(1) الوسائل 3، أبواب لباس المصلّي، الباب 11، ح 2.

(2) الوسائل 3، أبواب لباس المصلّي، الباب 13، ح 6.

(3) الوسائل 3، أبواب لباس المصلّي، الباب 16، ح 1.

(4) جواهر الكلام 8، ص 135.

بهجة الفقيه، ص: 347

كما في «المستند» خالٍ عن التقدير و مقتصر علىٰ الإطلاق، و كانت الشهرة بحدّ تجبر ضعف النبويّ «1» مع أنّ الكلام في دلالته القابلة للانصراف عنه بالأقوىٰ دلالة من قوله عليه السلام

إنّما يكره الحرير المحض «2»

، الجاري في جميع أقسام الخلط بنحو القاعدة المنصوصة المجمع عليها المستدلّ بها تقريباً في الرواية أيضاً، و اشتهر المنع عن المحشوّ بالقزّ، و ربّما يقال: إنّ الشهرة هنا توهن النصوص المعتبرة المجوّزة للمحشوّ، مع وضوح دلالتها إلّا من طريق إيرادات غير

واردة، كما لا يخفىٰ علىٰ من لا حظها.

و دعوىٰ تخصيص دليل اعتبار المحوضة في الموردين و ما شابههما، مع الالتزام به في السدى و اللحمة المنصوصتين الراجعتين إلى النصف، كما ترى؛ مع أنّ النساجة أو نحوها معتبرة في الثوب، فليس ما في الحشو إلّا قزّاً أو إبريسماً، لا ثوباً أو لباساً، و لا دليل على المنع في غيرهما؛ و كذا الجزئيّة للثوب لا تغني في المنع مع عدم صدق الحرير و الديباج؛ و الكشف عن حجّة بالشهرة هنا علىٰ خلاف الروايات المعتبرة غير ممكن؛ مع أنّه لا معنىٰ للإجماع المسلّم مع هذه التخصيصات العجيبة، لرجوعها إلىٰ الاغتفار في داخل الثوب، و عدم الاعتبار في خارجه مع فهم الأولويّة في مثله.

و ليس لنا شكّ في صدور ما اعتبر المحوضة «3» أو دلالته حتّى تحتاج إلى الشهرة، كما لا تتقوّىٰ دلالة الضعيف في الكف بسبب الشهرة الجابرة لصدوره، و لا تضعف صدور المجوّز للمحشوّ «4» و لا دلالته باشتهار المنع علىٰ ما حُكي في المقامين، مع التسالم علىٰ اعتبار المحوضة بما ينافيها، مثل اختلاف السدى و اللحمة، لعدم كشفها عن حجّة مخصِّصة؛ بل التخصيص بالخارج عن العموم «5»، و بمنزلة إلحاق غير الحرير بالحرير و ثوب إبريسم و لباس الحرير.

______________________________

(1) صحيح مسلم 6 ص 141 المطبوع بالأزهر.

(2) الوسائل 3، أبواب لباس المصلي، الباب 13، ح 5.

(3) الوسائل 3، أبواب لباس المصلي، الباب 13.

(4) الوسائل 3، أبواب لباس المصلي، الباب 13.

(5) الوسائل 3، أبواب لباس المصلي، الباب 14، ح 1 و 4.

بهجة الفقيه، ص: 348

و بالجملة، فاختلافهم و اشتهار الخلاف في فروع اعتبار المحوضة، مع توافقهم المسلّم علىٰ اعتبارها ممّا لا يجتمعان إلّا بالتخصيص المستبعد جدّاً.

و كيف

يجدي عدم زيادة الكف علىٰ الأربع مع تبديل الزيادة بالإعلام الكثيرة، و الإزار، و الجيب أعني اللبنة، أو الزيق، يعني أطراف الفرجة في الجيب، و مع كون الثوب مشتملًا على السدى أو اللحمة من الحرير، و إن لم يتعارف الكف أو لا يرغب فيه، مع كون الثوب في داخله حريراً محضاً؟ و كذا احتمال اعتقادهم كون هذه الأمور مضرّة بالخلوص، و هذا أيضاً بعيد؛ فالعدول عن الشهرة المحكيّة في الفروع إلىٰ إجماعهم المتيقّن في الأصل المنصوص «1» و العمل بمقتضاه، مقتضى القواعد.

______________________________

(1) الوسائل 3، أبواب لباس المصلّي، الباب 13.

بهجة الفقيه، ص: 349

الفصل الرابع الصلاة في الثوب المغصوب

[مسألة] الصلاة في الثوب المغصوب

اشارة

الثوب المغصوب لا تجوز الصلاة فيه، [و] لا إشكال في الحرمة، و أمّا الفساد فعليه المشهور، بل حكي عليه الإجماع في كلمات جمع من الأصحاب.

و استدلّ له بخبر «تحف العقول» عن كتاب «بشارة المصطفىٰ» للطبري، مسنداً عن أمير المؤمنين عليه السلام في وصيّته لكميل

قال: يا كميل، انظر تصلّي، و علىٰ ما تصلّي، إن لم يكن من وجهه و حلّه، فلا قبول «1».

و نحوه ما عن «الصدوق» مرسلًا، قال

قال الصادق عليه السلام: لو أنّ الناس أخذوا ما أمرهم اللّٰه فأنفقوه في ما نهاهم عنه، ما قبله منهم؛ و لو أخذوا ما نهاهم عنه فأنفقوه في ما أمرهم اللّٰه به، ما قبله منهم، حتّى يأخذوه من حقّ و ينفقوه في حقّ «2».

و الظاهر أنّ الإجماع المحكيّ مستند إلىٰ ما كان في أنظارهم من الحكم العقلي، و ليس مثله ممّا يجبر ضعف السند لو كان.

و أمّا الدلائل فهي ضعيفة في الخبرين، إذ يستبعد التعبير عن البطلان بعدم القبول، مع أنّ الثاني منهما يراد به أنّ المعصية يعاقب عليها، و لا ينفع كونها ناشئة

الطاعة، أو منتهية إلى الطاعة.

______________________________

(1) الوسائل 3، أبواب لباس المصلّي، الباب 2، ح 1 و 2.

(2) الوسائل 3، أبواب لباس المصلّي، الباب 2، ح 1 و 2.

بهجة الفقيه، ص: 350

تصحيح الجواز الوضعي للصلاة في الثوب المغصوب فنقول: لا إشكال في عدم سراية النهي عن الغصب إلىٰ متعلّق الأمر بالصلاة، و لا موجب لارتكاب التقييد، كما يظهر بالمراجعة إلىٰ أحوالنا في الأمر و النهي من أنّ التقيّد لا يكون جزافاً، بل للدخل في التأثير في المصلحة من حيث الفاعل أو القابل، أو للتمانع و التزاحم بين المصلحة و المفسدة، و لم يفرض هنا المزاحمة الوجوديّة بين ترك الغصب و فعل الصلاة.

فلا محذور في مقام الجعل يوجب تقييد أحد الحكمين بسبب الآخر، فلا نجد من أنفسنا وجهاً للتقييد في ما إذا أمرنا بإطعام زيد، و نهانا المأمور عن أخذ مال عَمرو، ثمّ إنّ المأمور عصىٰ و أطعمه بمال عمرو في أنّه لم يكن متعلّق الأمر مقيّداً بعدم كونه من مال عمرو، فلا شبهة في عدم الأمر بالإعادة بعد الاطّلاع، و في أنّ سقوط الغرض مع هذا الحرام، لمكان الإتيان بمحصّله الذي هو متعلّق الأمر، لا بسبب آخر يشبه إطعام الغير له.

و عليه، فلا تقييد يقيناً في التوصليّات؛ فلو كان الاتّحاد الاتفاقي مضرّاً، فهو مضرّ بالامتثال، و حيث إنّ الامتثال مركّب من إيجاد الطبيعة المأمور بها بداعي الأمر بها، و الآتي بالطبيعة بالفرض في ضمن الحرام لا يأتي بها إلّا بداعي الأمر، لا لغرض آخر في الإتيان بها في ضمن الحرام، و لا لتشخّص الواجب بالحرام، بل لإضافة ما في الخارج إلى الطبيعة المأمور بها بما هو مضاف إليها، لا إلى الماهية الشخصيّة و لواحقها، و التقرّب

المعنوي بالامتثال القصدي غير التقرّب التكويني المكاني، حيث لا يمكن أن تكون حركة خارجيّة مقرّبة إلىٰ جهة و مبعّدة عنها، بل يمكن التقرّب بجهة إضافة الفرد إلىٰ ما تعلّق به الأمر، و إن لا يتقرّب بجهة إضافته إلىٰ ما يتّحد به من الحرام، فالاتحاد المسلّم حكمه عندهم لا ينتج الفساد، فضلًا عن غير الاتّحاد.

و أمّا تقريب الاتّحاد و ما يرجع إليه بأنّ: «اللبس في نفسه لا يتّحد مع الصلاة حتى

بهجة الفقيه، ص: 351

لبس الساتر بالفعل، إلّا أنّ الحركة الركوعيّة مثلًا إذا استلزمت تحرّك اللباس المغصوب تكون من أفعال الصلاة، و هي محرّمة لحرمة ما يتولّد منه من التصرّف الزائد في المغصوب، و أمّا الكون في المكان المغصوب فهو بعين القيام و الركوع يتّحد معه أجزاء الصلاة»، ففيه أنّ الاستلزام للغصب بالحركة، كاستلزام الحركة لتحريك مغصوب غير ملبوس للمصلّي، و ليس فيه تصرّف غصبي محرّم بحيث يكون مكروهاً للمالك و لو مع عدم اللبس، و إن كان التحريك في الجملة في غير ما نحن فيه غصباً محرّماً؛ مع أنّ الهويّ للركوع ليس من الأفعال الصلاتيّة، و الفعل نفس هيئة الركوع غير مستلزمة للتحريك؛ مع أنّ الحرمة المقدميّة للسبب بالنسبة إلى المسبّب التوليدي ليس عن مبغوضيّة، و لا توجب المبعديّة؛ مع أنّ هذا لا يجري في الساتر بالفعل إذا كان بنحو لا يتحرّك بحركات في الصلاة، و لا ينفع في ما سلكوه من حرمة الملبوس، و المحمول حتى الخيط المغصوب.

و أمّا الكون في المغصوب فليس عين القيام الذي هو وضع خاصّ بل و لا مقدّمة له و إنّما يتوقّف عليه الجسم المتحيّز؛ فلو تمكّن خرقاً للعادة من القيام في الهواء تحقّق القيام الصلاتي، و مثله

الركوع و السجود مع التمكّن من الاستقرار علىٰ مثل خشبة في الهواء. و الغرض عدم الدخالة في صدق الاسم، فضلًا عن التقويم الذي هو فوق المقدّميّة، و كذا وضع الخاتم الملبوس علىٰ الأرض ليس فيه زيادة غصب علىٰ لبسه بحيث تحرم لولا اللبس أيضاً.

[و ينبغي التنبيه على بعض الأحكام]
[الأول] الصلاة مع الجهل بالغصب

ثمّ إنّه بناء علىٰ الإبطال بالغصب إنّما يبطل مع العلم بالموضوع و الحكم، فمع الجهل بالحكم لا عن تقصير لا فعليّة للنهي، فلا تقييد، و لا إفساد من جهة أُخرى، و ذكروا أنّ الجهل بالوضع أعني البطلان لا أثر له؛ فإن كان لواقعيّة التقييد بالنهي المعلوم، كان كالجهل بالفساد في سائر القيود المعلوم قيديّتها، لكنّ العلم بالحرمة أعمّ من العلم

بهجة الفقيه، ص: 352

بالتقييد، فإذا كان معذوراً في هذا الجهل فهو كالجهل بالحكم عن قصور، و معه لا تنجيز للقيديّة، و لا للبطلان المجهول عن قصور، بخلاف صورة التقصير في التكليف و الوضع.

[الثاني] الصلاة مع نسيان الغصب

و أمّا نسيان الحرمة فيمكن افتراقه عن الجهل التقصيري، لكونه كالجهل عن قصور، و لا موجب لمعاملة الحرام و لا المبطل بعد نسيان الحكمين.

و أمّا ناسي الموضوع، أو الجاهل اعتقاداً به، فلا وجه لفعليّة التحريم معه، و لا وجه حينئذٍ للتقييد و لا للبطلان، لأنّهما آتيانِ من قِبَل التحريم. و التذكّر بعد الفعل و لو في الوقت لا يكشف عن الخلل في المأتيّ به المقارن إتيانه، لعدم فعليّة التكليف التحريمي، و إنّما يوجب فعليّته بعد التذكّر، و لازمه عدم إحداث العمل بالصلاة في المذكور مغصوبيّته، لا إعادة ما سبق أو قضاء ما سبق.

و بالجملة، ففعليّة النهي و تنجّزه لازم للإبطال بالتقييد أو بغيره، و هذا بخلاف الشك في الرضا فلا يجوز له الاكتفاء بالمأتيّ به مع الشك، إلّا إذا أتى بقصد السؤال بعد العمل و الإتيان بالوظيفة، فعلم بكونه مال زيد الراضي دون عمرو الكاره، فالظاهر جواز الاكتفاء بالمأتيّ به برجاء عدم الغصب المصادف لعدمه واقعاً.

[الثالث] الحكم التكليفي و الوضعي للصلاة في المأذون

ثمّ إنّه ذكر في «الشرائع» «1»: «أنّه لو أذن صاحبه لغير الغاصب أو له، جازت الصلاة فيه مع تحقّق الغصبيّة؛ و لو أذن مطلقاً، جاز لغير الغاصب على الظاهر».

و لا يخفىٰ أنّ الصلاة كالأعمال الأُخَر لبسٌ و كونُ انتفاعٍ بالمغصوب، و ليس عين الاستيلاء عليه، فإنّ انفكاكهما في غصب المكان واضح، و في غصب المحمول كذلك؛ فالانتفاع بالعين المغصوبة إذا كان مأذوناً فيه، كان منافياً لتحقّق الانتفاع الغصبي

______________________________

(1) شرائع الإسلام، ط إسماعيليان، 1، ص 59.

بهجة الفقيه، ص: 353

بلا تأثير لذلك في غصبيّة الاستيلاء و مُضمِنيّته؛ فلو كان تحريك المغصوب بحركات الصلاة تصرّفاً غصبيّاً محرّماً كما في كلمات جماعة، كان تحريك غير الملبوس و المحمول كذلك، كما إذا

كان في جنب المصلّي فتحرّك بحركات الصلاة، و الإبطال بمثله كما ترى، بل قد مرّ في حرمة التحريك للملبوس مضافاً إلى اللبس.

و بالجملة، فالصلاة في المغصوب، غير الاستيلاء الغصبي على العين المغصوبة المحقّق في وضعه علىٰ جنبه أيضاً، فلا وجه لعدم فهم العموم للغصب من الإذن العامّ للصلاة في ماله لبساً و كوناً، لأنّه مغاير للاستيلاء و إن اجتمعا تارة و اتّحدا، بل الصلاة بلا استيلاء قد تكون كالصلاة في الأمكنة المتّسعة التي لا بدّ في الحكم بالبطلان من منع خاصّ، و يكفي عدمه في جواز الصلاة فيها.

و أمّا لبس الغاصب إذا اتّحد فيه غصب العين و المنفعة و دام إلى الصلاة؛ فإنّه إمّا لا إذن، أو لا غصب؛ فمع عموم الإذن لصلاة الغاصب لا غصب في حال الصلاة، و مع عدمه يسلّم الغصب و لا تصحّ الصلاة بناء علىٰ عدم الصحّة في العمد و العلم.

و قد مرّ أنّه لا طريق إلى الحكم بالبطلان مع العلم و العمد في الصلاة في المغصوب، إلّا أنّه يمكن تأييد المشهور من البطلان، أو الاستدلال بما في موثّقة «عمار» «1»، من تعليل النهي عن لبس الذهب و الصلاة فيه بأنّه من لباس أهل الجنّة، يعني المختصّ بهم، فيدلّ التعليل علىٰ أنّ تحريم اللبس و الصلاة معلول الاختصاص المذكور فيها؛ فإن كان معلولين عَرْضيّين، فاللازم عدم انفكاك المنع عن الصلاة في شي ء عن تحريمه، و هو معلوم العدم في مثل النجس و غير المأكول، مع انفكاكهما عن عليّة الاختصاص؛ فالبطلان معلول للتحريم المعلول للاختصاص؛ فيدلّ التعليل علىٰ أنّ كلّ ما يحرم لبسه يحرم الصلاة فيه من دون اختصاص بالذهب، فيعمّ الحرير و المغصوب و لباس الشهرة.

______________________________

(1) الوسائل 3، أبواب لباس

المصلّي، الباب 30، ح 4.

بهجة الفقيه، ص: 354

و مثله في الدلالة و التعليل رواية «موسى بن أكيل النميري» «1»، و الضعف فيها مجبور بالعمل.

لكنّه يمكن أن يقال بأنّ الطوليّة خلاف ظاهر ما ورد هنا، فلا بدّ من الالتزام بالعَرْضيّة و التخصيص بالذهب الذي يكون تحريم لبسه للاختصاص الجعلي بالآخرة، فلا بدّ من استظهار أنّ التخصيص الإلهي الجعلي علّة للأمر لزوميّا، حتى الاختصاص الشرعي الملكي الموجب لتحريم اللبس علىٰ غير مالكه و مأذونه، كما لا يبعد فهمه من سوق التعليل في أخبار المقام.

و يمكن تتميم الاستدلال بذلك في الكون في المغصوب، فإنّ مساسه بأفعال الصلاة أشدّ من مساس اللبس لغير الساتر، فهو بالأولويّة مورد تأثير الحرمة في البطلان؛ و لو فرض عدمها، فإلغاء خصوصيّة اللبس يفيد ذلك، و في التعدّي من لبس الذهب إلىٰ غيره، كلبس الحرير و المغصوب و لباس الشهرة كذلك؛ فإنّ من البعيد جدّاً أن يكون التكليف الثابت في حال الصلاة سبباً للمنع الوضعي من الصلاة في مورد دون آخر إلّا بدليل مفقود، و لا يقاس بما لا مساس له ببدن مصلّي، كالنظر إلىٰ الأجنبيّة و نحوه من المحرّمات المقارنة للصلاة.

[مسألة] الصلاة في ما يستر ظهر القدم دون الساق

مسألة: هل تجوز الصلاة في ما يستر ظهر القدم لا يغطّي الساق، أو لا؟

فيه خلاف، و الشهرة بين المتقدّمين و المتأخّرين على العكس، كما حكاها في «المستند». و عبارة القدماء مختلفة بحسب جعل المورد «الشمشك» «النعل السندي» في كلمات جماعة منهم، و التعبير ب «ما يستر ظهر القدم و لا يغطّي الساق» في كلمات آخرين منهم.

______________________________

(1) الوسائل 3، أبواب لباس المصلّي، الباب 30، ح 5.

بهجة الفقيه، ص: 355

و الرواية مرسلة «1» عن «ابن حمزة» في الاسمين المذكورين، و عن «الحميري»

«2» في البطيط الذي لا يغطّي الكعبين. و هو بضميمة ما عن «القاموس»: رأس الخف بلا ساق، يحمل علىٰ إرادة العظمين في الجانبين، لا القبّتين من الكعبين، و من البعيد التعبير بما يستر ظهر القدم و لا يغطي الساق من القدماء، إلّا أن يكون منشأه فهم تحديد الاسمين بحسب المتعارف لديهم، أو نصّ آخر في المسألة.

و لو منع من الأخذ بما عن «القاموس»، كان الأظهر في الرواية غير ساتر القبّتين، و إيهام المنع في الساتر لا وجه لاعتباره من الجواب عن غير الساتر، و جعل الساتر أعمّ من ستر البعض بعيد، و الاسمان لا نعرفهما إلّا من شرح القدماء، فانجبار المرسلة سنداً و دلالة بذلك لا محذور فيه؛ و خلاف المتأخّرين غير ضائر، إلّا أنّ إثبات ما يعتبر في الصلاة وجوداً أو عدماً ليس بهذه السهولة؛ فإن العموديّة «3» تقتضي مع عموم البلوىٰ بها وضوح الدليل و لو بحسب العمل كسائر المهمّات الدينيّة.

و يمكن أن يكون مخالفة المتأخّرين لهم، لكثرة استعمال النواهي مطلقاً، و في الصلاة في الصيغ و الموادّ في الكراهة، خصوصاً مع استفادة القرائن من كلامهم، أو من أهميّة المورد بحيث لو كان المنع لَبٰان، أو للحمل علىٰ الإرشاد في الحظر لمنع ذلك من بعض ما يعتبر، كالاعتماد في القيام، أو وضع الإبهام في السجود، أو القرار في السجود إذا كان عقب الرجل مكشوفاً غير موصول بالظهر، أو غير ذلك.

فمخالفة المتأخّرين مع الاتصال بمن تقدّم، و أهمّية المدلول و ضعف الدالّ لاحتمال الإرشاد، تمنع عن الجزم بالمنع، و اللّٰه العالم.

______________________________

(1) الوسائل 3، أبواب لباس المصلي، الباب 38، ح 6 و 4.

(2) الوسائل 3، أبواب لباس المصلي، الباب 38، ح 6 و 4.

(3) الوسائل

3، أبواب الفرائض و نوافلها، الباب 6، ح 12 و غير ذلك.

بهجة الفقيه، ص: 357

الفصل الخامس مسائل الستر الصلاتي

[مسألة] ستر العورة و ما يعتبر فيه

اشارة

مسألة: لا إشكال في وجوب ستر العورة تكليفاً و وضعاً في الصلاة؛ و لا ينبغي الاستشكال في وحدة ما يلزم ستره في المقامين؛ و لا ينبغي الاستشكال في لزوم ستر العورة بلونها المختصّ بها عن الأبصار، و لذا ورد المنع عن الصلاة في الرقيق و الشفاف و ما لا يواري في قبال الكثيف و الصفيق من الثياب و الستير، بل عن مطلق اللبس أيضاً «1» و في المرفوعة المحكيّة عن «الكافي» عن الإمام الصادق عليه السلام بطريقين فيهما رفع «2»

لا تصلّ في ما شفّ أو وصف

، و في الطريق الآخر

أوصف «3»

، و فيهما جميعاً

يعني الثوب المصقّل

، و ليس إلّا أن الشفاف و الصقيل من الثياب يحكي اللون الخاصّ، و الأظهر كون الوصف بمعنى حكاية البشرة بما لها من اللون الخاصّ، فهو الموافق للصفيف المقابل للكثيف.

______________________________

(1) الوسائل 3، أبواب لباس المصلي، الباب 21، ح 3 و 4.

(2) الوسائل 3، أبواب لباس المصلي، الباب 21، ح 3 و 4.

(3) الوسائل 3، أبواب لباس المصلي، الباب 21، ح 3 و 4.

بهجة الفقيه، ص: 358

[في بيان بعض الأحكام]
[الأول] عدم لزوم ستر حجم العورة

و لا [إشكال] في عدم لزوم ستر الحجم، بمعنى عدم تبيّن غير الجسم للناظرين إلّا بقرينة تدلّ علىٰ أنّه جسم العورة، و إلّا لما جاز النظر إلىٰ بدن النساء في ضمن أيّ ساتر غليظ. و يمكن الاستدلال برواية «الواقفي» «1» الذي احتمل فيه «الرافعي»، أو المرافعي» عن أبي جعفر عليهما السلام

أنّه كان يدخله، يعني الحمام فيبدأ و يطلي عانته و ما يليها، ثمّ يلفّ إزاره علىٰ أطراف إحليله و يدعوني، فأطلى سائر بدنه، فقلت له يوماً من الأيّام: إنّ الذي تكره أن أراه قد رأيته، فقال: كلّا إنّ النورة سترة.

و

من الواضح أنّ المرئيّ لم يكن إلّا ما تحت النورة من العانة لعدم الإزار، فإذا كانت النورة سترة لشي ء فهي و أمثالها في الستر سترة لكلّ ما يستر، فيستفاد منه ساتريّة الطين للعورة إذا لطّخها به بالنسبة إلى التكليف، فكذا بالنسبة إلى الوضع، إلّا أن يدلّ دليل علىٰ أخصّيّته من التكليف.

و كذا الرواية الثانية في إطباق النورة للعورة «2»، و الظاهر إرادة غير الإحليل المستور بغير النورة من لفّ الإزار، أو وضع اليد عليه، بل المقصود ساتريّة النورة لما تنوّر فيه بها بلا حاجة إلىٰ الإزار و الاعتراض في الثانية لإلقاء الإزار؛ و يمكن أن يكون الأصل في الروايتين واقعة واحدة.

و يستفاد من الجواب كفاية النورة في امتثال التكليف بالستر، و مقتضاه أنّ ستر العورة بالوحل يجزي في امتثال التكليف من دون تخصّص في المستور، و لا في مورد الروايتين من العانة و ما يليها، و لا بخصوصيّة النورة الساترة لإلغاء الخصوصيّة يقيناً؛ مع أنّ العورة يبدو حجمها بالوحل كالنورة، فلا يلزم ستر الحجم بالإزار المعتاد له

______________________________

(1) الوسائل 1، أبواب آداب الحمام، الباب 18، ح 1 و 2 و 3.

(2) الوسائل 1، أبواب آداب الحمام، الباب 18، ح 1 و 2 و 3.

بهجة الفقيه، ص: 359

و إن كان أفضل، كما في رواية أُخرى «1».

و أمّا المتوسّط بين الأمرين فلا يكون إلّا برؤية اللون في الجملة، لا اللون الخاص، فهو الذي ينبغي حمل الخلاف بين المتأخّرين عليه، و الظاهر أنّ ذلك له مراتب، ففي بعضها يصدق رؤية العين و عدم سترها، و في بعضها لا يصدق ذلك، و العبرة بتحقّق الستر و عدمه بانكشاف العورة، بعد أن كان المستور أو المبدوّ عين العورة، لا

مثالها، و لا صورتها المرتسمة في الصقيل و ما له جلاء كالماء و المرآة، فإنّ لحوقه بالحرام لو كان فللاشتراك في الأثر المعلوم أنّ التكليف لأجله.

ثم إنّ الظاهر أنّ الرقّة و كون الثوب شفّافاً لازمه الافتراق عن الكثيف في ضخامة الثوب و غلظه، و كثافته و عدمها، فهو المفترق في عمق المنسوج بلطافته بما له من السدى و اللحمة، لا في عرضه أو طوله، في ضمّ أحدهما و وصله بالآخر، فلا يرى العين من خلل الساتر بلا تمييز للّون، بل هو للطافته يحكي البشرة، و يحكي لونها الخاصّ بها، و قد يحكي اللون في الجملة لعدم كونه بتلك اللطافة، بل مع كثافته إذا كان مغسولًا و فيه الماء، أو كان في مقابلة الشمس قد يبدو العين في الجملة مع لون ما، و قد لا يتميّز اللون الخاصّ المعلوم حال عدم لبس شي ء.

و هذا الذي يمكن وقوع الخلاف فيه، و إناطته بصدق الستر في مراتبه. و أمّا مع رؤية العين من خلل الثوب بواسطة ضعف الوصل بين السدي و اللحمة، فالظاهر أنّه لا إشكال في عدم صدق الستر، و في صدق الرؤية التي لا فرق فيها بين البعض و الكلّ، مع تمييز اللون و عدمه لكثرة الفواصل بين الأبعاض المرئيّة.

و لكنّه يمكن البناء علىٰ إناطة صدق الستر و عدمه عرفاً من جهة أنّ المرئيّ حينئذٍ ذرّات العين، قد تكون مستهلكة في ضمن الفواصل الكثيرة المانعة من الرؤية، فإنّ دعوى صدق الستر و عدم صدق روية الجسم بعينها في بعض موارد رؤية الأجزاء الصغيرة جدّاً، غير مجازفة.

______________________________

(1) الوسائل 1، أبواب آداب الحمام، الباب 18، ح 1 و 2 و 3.

بهجة الفقيه، ص: 360

كما أنّه لا ينبغي

الاستشكال في صورة ظهور العين مع لبس الكثيف إذا كان في ضوء الشمس و نحوها، كالكشف بالآلات الكهربائية المستحدثة، أو كان مغسولًا و كانت الكثافة بحدّ الستر العرفي للعورة في الظلّ، لا في الشمس في ما أشرنا إليه؛ فإنّ الظاهر الحرمة تكليفاً و وضعاً في زمان الانكشاف بأيّ سبب كان، و عدم الحرمة أصلًا في زمان عدم الانكشاف لتحقّق الستر حينئذٍ.

فالستر بالثوب الساتر في المتعارف يمنع عن الحرمة و يحقّق الشرط، و الاستتار بالظلمة يمنع عن الحرمة و لا يحقّق الشرط، و الانكشاف بأيّ سبب و أيّ نحو حرام، فلا يتحقّق معه الشرط، لأنّه مع الحرمة النفسيّة لا تتخلّف الوضعيّة، بلا عكس.

[الثاني] ما يجب ستره من بدن الرجل و المرأة الحرّة

ثمّ إنّ عورة الرجل، السوءتان، فيجب سترهما عن الناظر و في الصلاة؛ و عورة المرأة الحرّة، جميع بدنها إلّا ما استُثني.

و في «التذكرة» و غيرها الإجماع بعد بيان وجوب ستر العورة و أنّ عورة الرجل ما ذكر: عند أكثر علمائنا الإجماع علىٰ أنّ عورة المرأة جميع بدنها إلّا الوجه بإجماع علماء الأمصار عدا «أبا بكر بن عبد الرحمٰن بن هشام»؛ فإنّه حُكي عنه في «التذكرة» التعميم لظفرها. و ما في «الجواهر» «1» من نقل كلمة «الحرّة» في ضمن نقل الإجماع فلم أجده في «التذكرة»؛ نعم نقل فيه في المسألة التالية أنّ الأمة الكبيرة يجوز أن تصلّي مكشوفة الرأس بإجماع العلماء.

و يظهر منه أنّ العورة الواجب سترها من المرأة جميع بدنها، إلّا ما استثنىٰ من الوجه و الكفّين و القدمين المذكورات في كتابه، و كذا ما عن «المعتبر» و «المختلف»، و قد سبق استثناء الوجه، و قال في «التذكرة»: «أمّا الكفّان فكالوجه عند علمائنا

______________________________

(1) جواهر الكلام 8، ص 163.

بهجة الفقيه، ص: 361

أجمع»،

ثمّ قال: «أمّا القدمان فالظاهر عدم وجوب سترهما»، إلىٰ أن قال: «لأنّ القدمين يظهر منها في العادة، فلم يكن عورة كالكفّين».

و بعد القطع بإرادة ناقل الإجماع أنّ العورة الواجب سترها في الرجل كذا، و في المرأة الجميع، لا حاجة إلىٰ إثبات أنّ إطلاق العورة على المرأة على الحقيقة، فيعمّ جميع بدنها الإجماع علىٰ وجوب ستر العورة؛ فإنّه إتعاب مُستغنى عنه؛ كما لا حاجة مع ذلك إلى الكلام في خصوص بعض المواضع كالرأس من الحرّة و الشعر و العنق، بعد وقوع التعبير بالبدن و جميعه في عبائر نقلة الإجماع، بلا فرق في ما كان مطلقاً، أو في خصوص الصلاة.

مع أنّ ذلك أي وجوب ستر الجميع غير المستثنيات يستفاد من سيرة أهل الدين، و من مرتكزات المسلمين الغنيّة عن الاستعلام بغير ذلك، و يستفاد من الروايات «1» الآمرة بالصلاة في ما هو ساتر لجميع البدن من ثوب للرأس، و ثوب لغيره من البدن، أو ثوب واحد شامل للجميع كالخمار.

و كذا يستفاد من سيرة أهل الإسلام لزوم سترها غير ما ظهر في العادة، و منكريّة التكشّف منها، و كذا يستفاد من الأمر بضرب الخمر على الجيوب «2» بناء علىٰ حمل التعليل على الحكمة أو المعرضيّة النوعيّة، في قبال حمل الحكم علىٰ الإرشاد أو الندب لأجل التعليل.

[الثالث] وجوب ستر الرأس و الشعر و العنق للمرأة

فما ينسب إلىٰ بعضهم من عدم وجوب ستر الرأس، مخالف لجميع ما مرّ و لو كان المراد الصلاة. و ما عن «الألفيّة» من أولويّة الستر محجوج بما مرّ من عورتيّة جميع البدن المؤكّد باستثناء الوجه و القدمين دون الرأس.

______________________________

(1) الوسائل 3، أبواب لباس المصلي، الباب 28.

(2) النور، 31.

بهجة الفقيه، ص: 362

و كذا الشعر التابع للبدن الواجب ستره، و إلّا لما كان

غير مذكور مع اقتضاء جميع ما مرّ للوجوب في الصلاة و غيره العامّ؛ فرواية تجويز كشف الرأس في الصلاة «1» شاذّة معرض عنها، مردود علمها إلىٰ أهله.

و كذا العنق الذي لا ينبغي التأمّل في مؤخّره المستور بالخمار و القناع و المقنعة و الملحفة في العادة، و لو وقع في مقدّمة التابع للوجه في الستر و الكشف علىٰ احتمال أن يكون كالوجه من «ما ظهر»، مع منافاته للأمر بضرب الخمر على الجيوب في الآية الشريفة «2»، فإنّ لازم ستر الجيوب ستر مقدّم العنق أيضاً بحسب العادة في جرّ ساتر الرأس إلى الجيب.

و ما دلّ علىٰ صلاة الصديقة عليها السلام في درع و خمار، ليس عليها أزيد ممّا وارت شعرها و أُذنيها، فيمكن حمله علىٰ إرادة ساتريّة الخمار لجميع الشعر كما هو الغالب، مع زيادة التنبيه علىٰ عدم لحوق الأُذنين بالوجه في الكشف، فليس فيه ما ليس في غيره. و لو أُريد جميع الشعر في ما لا يصل إلى العنق، احتاج ذلك إلىٰ بيان لا يفي عنه ذكر العنق لما ذكر.

بالجملة، فوجوب ستر ما يجب ستره في المشهور في الصلاة و النظر، لا يحتاج إلىٰ دليل آخر بعد نقل الإجماعات، و موافقة النصوص لها، و استمرار السيرة في النظر علىٰ ذلك.

و كذا قوله تعالىٰ وَ لٰا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ «3» بعد استثناء «ما ظهر»، الذي يمكن أن يفهم منه إرادة ما لا بدّ من كشفه للحوائج الضروريّة للنوع من المستثنيات، و استثناء المحارم الكاشف عن إرادة مواضع الزينة الغير العامّة في الاستثناء لغير المحارم، مع وضوح عدم استثناء العورتين لغير الزوجين، فلا يكون إلّا بأنّ جميع

______________________________

(1) الوسائل 3، أبواب لباس المصلي، الباب 29، ح 5 و 6.

(2)

النور، 31.

(3) النور، 31.

بهجة الفقيه، ص: 363

بدن المرأة زينة، أي موضع التزيّن بالألبسة المرّغبة و غيرها، دون مواضع الحليّ الداخلة في ما ظهر.

فإنّ مقتضىٰ الإجماع جرّ عورة الرجل الخاصّة إلىٰ جميع بدن المرأة، مع أنّه مقتضى السيرة في النظر أيضاً، و يمكن فهم اتّحاد النظر و الصلاة في الأحكام في غير ما وقع مورداً للبيان، بل يمكن أن يكون الحكمة في الاشتراط هو ملاحظة ما في التكليف من المصلحة الموجبة له بضميمة لزوم احترام الخالق تعالىٰ في مقام إحضار العبد نفسه إليه بما لا يقلّ عن التحفّظ من المخلوق و الحياء منهم، كما [يمكن] أن يكون من الحكمة أنّه بالصلاة يخرج عن الاشتغال بنفسه، بحيث إذا ورد أجنبي يتستّر منه في الأثناء، فعليه الستر مثل الصلاة لهذه المَعرضيّة الغالبيّة و إن لم يطّرد، كسائر الحِكَم في بعض الأمكنة و الأزمنة، بل مع بعض التستّرات المختلف فيها؛ و بالجملة، فاللازم بيان الدليل في المستثنىٰ، لا في المستثنىٰ منه.

[الرابع] استثناء الوجه من المرأة

فمن المستثنيات الوجه، و هو المذكور في معقد الإجماعات المحكيّة، و هو الموافق للسيرة بدعوة الحاجة إلىٰ كشف الوجه للتعرّف في المعاملات المحتاج إليها للنوع المستمرّ عليها العمل، مع نقل «الذكرى» للإجماع علىٰ عدم وجوب سترها في الصلاة، و هو الموافق لاستثناء الظاهر في الآية الشريفة «1»؛ فإنّ العادة و الحاجة من أظهر ما يعيّن به الظاهر في عرف المخاطبين فيها، فلا ينافيه الأمر بضرب الخمر على الجيوب «2»، لستر العنق و الصدر، و ليس لستر الوجه بعد ضمّ استثناء الظاهر كما ذكر، كما أنّ الأمر بإدناء الجلباب، لعدم كشف بعض الرأس و الأُذنين و ما ليس من «الوضع»، كما يحصل الكشف برفع الجلباب أو ردّها إلىٰ

مؤخّر الرأس.

______________________________

(1) تقدم آنفاً.

(2) تقدم آنفاً.

بهجة الفقيه، ص: 364

[مسألة] إطلاق شرطيّة التستر

اشارة

مسألة: هل شرطيّة الستر في الصلاة مطلقة لحال الأمن من الناظر المحترم أو لا؟

مقتضىٰ إطلاق معقد الإجماع المنقول في «التذكرة» و «المنتهىٰ» و «الذكرى»، الأوّل، و قد فهم في «التذكرة» الإطلاق حيث قال بعد نسبة الشرطيّة إلينا: «فلو صلّىٰ مكشوف العورة في خلوة أو غيرها، بطلت صلاته»، حيث إنّه فهم مغايرة الشرطيّة للتكليف، و عدم ارتهانها بمورد ثبوت التكليف النفسي. و الظاهر رجوعه إلىٰ إطلاق الفتاوىٰ بالاشتراط لحال الأمن.

مع أنّه لو كان مقيّداً، لزم التنبيه عليه هنا، و في بيان صلاة العريان، و لا أثر له في الفتاوىٰ و النصوص، و لا يكون إلّا لوضوح الحكم المؤيّد بقبح صلاة المتمكّن عارياً في الخلوة، و ارتكاز عدم الصحّة عندنا و بحسب العرض علىٰ سيرة المتديّنين.

و هو موافق لإطلاق النصوص في صلاة المرأة في الدرع و الخمار، و الرجل في ثوب واحد ستير «1»، و النهي عن الصلاة في ما شفّ أو وصف «2»، و الأمر بصلاة العريان قائماً مؤمياً «3»، للانتقال عن الفرض إلى البدل الدالّ على الشرطيّة، مع دخول حال الأمن في إطلاقه، أو اختصاصه إلىٰ الأمن بسبب غيره من الروايات، و لا يمكن التخصيص بصورة عدم الأمن؛ فإنّه بلا وجه. و على التقييد يحصل النصوصيّة في المطلقات.

و يدلّ على الشرطيّة صحيح «صفوان» «4» في الصلاة في الثوبين المشتبهين بالنجس؛ فإنّه مع عدم الشرطيّة لا وجه للتكرار و لزومه في حال الأمن، بل له الاكتفاء بالصلاة عارياً. و تنظّر في الاستدلال به في «المنتهىٰ» مع قبوله في مسألة الصلاة في المشتبة

______________________________

(1) الوسائل 3، أبواب لباس المصلّي، الباب 28.

(2) الوسائل 3، أبواب لباس المصلي، الباب

21، ح 4.

(3) الوسائل 3، أبواب لباس المصلي، الباب 50، ح 1.

(4) الوسائل 2، أبواب النجاسات، الباب 64، ح 1.

بهجة الفقيه، ص: 365

بالنجس فيه، و لعلّه لحملة له علىٰ عدم إمكان الصلاة عارياً لضرورة أو عدم الأمن، و إطلاقه علىٰ خلافه.

كما يمكن فهم المراد من الزينة المنهيّ إبداؤها لغير المحارم «1»، بعد الحمل علىٰ غير «ما ظهر» المفهوم جواز كشفه مطلقاً، و أنّه جميع بدنها المحكوم في محكيّ الإجماعات أنّه عورة، و إن كان الحكم فيها آكَد.

[في بيان بعض الأحكام]
[الأول] تدقيق في عدم وجوب ستر الوجه في الصلاة

و يبقى التأمّل في الاتفاق علىٰ عدم وجوب ستر الوجه في الصلاة مع الخلاف في الستر التكليفي، مع أنّ الإجماع علىٰ عورتيّة البدن مستثنى منه الوجه في كلام الحاكين، و من البعيد جدّاً إرادتهم العورتيّة في الصلاة خاصّة، و إن ذكروا الإجماع في بيان الشرط؛ فإنّ أحكام العورة المراد بيانها لا تختصّ بالصلاة، بل المفهوم ما يقابل عورة الرجل و أنّها في المرأة وسيعة تشمل جميع بدنها، فلا يمكن الحمل على العورة في الصلاة، خصوصاً إذا فهم بيان موضوع العورة فيلزمه وجوب الستر نفسيّاً و غيريّاً، و قد وقع الاستثناء في «التذكرة» بعد نقل الإجماع في ما عدا وجه المرأة لبعض من غيرنا أوجب ستر الوجه و غيره حتى الظفر، فليس الحال في المستثنىٰ و المستثنىٰ منه مجهولًا.

بل الموافق للمرتكزات أنّ الأمر في الصلاة أشدّ منه في النظر في غير الصلاة، و لذا وجب غيريّاً الستر بلا ناظر و لم يجب نفسيّاً، و احتمل وجوب الساتر من الثوب و نحوه و أطلقوا في النظر، فكيف تلزم بوجوب ستر الوجه و الكفّين نفسيّاً و عدم وجوبه شرطيّاً؟

فما في «المفتاح» من الجمع بين الإجماع، و الإجماع المستثنىٰ للوجه، و

الإجماع في الوجه في الصلاة، بالحمل على العورتيّة المطلقة و عدم وجوب ستر هذه العورة خاصّة

______________________________

(1) النور، 31.

بهجة الفقيه، ص: 366

في الصلاة، حتّى يكون حكم الوجه نفسيّاً مسكوتاً عنه، أو مبيّناً تحريمه خلاف الظاهر من الإجماعات و ما يبيّنها من الروايات «1» المفسّرة ل مٰا ظَهَرَ «2»، و لظاهر العمل المستمرّ.

نعم، مجرّد تحريم النظر نفسيّاً لا يثبت الاشتراط، فيمكن أن يقال بالحرمة النفسيّة في الوجه و نحوه و رأس الأمة، دون الغيريّة إذا ساعده الدليل. هذا، مضافا إلىٰ ما يستفاد من عدّة روايات، منها الصحيح المرويّ في «الكفاية»، كما في «الرياض» عن «قرب الإسناد»

عمّا تظهر المرأة من زينتها، قال: الوجه و الكفّين «3»

و كأنّ السؤال و الجواب ناظران إلىٰ ما في الآية الشريفة وَ لٰا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلّٰا مٰا ظَهَرَ مِنْهٰا.

و ما في رواية «الفضيل» عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام

سألت أبا عبد اللّٰه عليه السلام عن الذراعين من المرأة هما من الزينة التي قال اللّٰه وَ لٰا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلّٰا لِبُعُولَتِهِنَّ؟ قال: نعم، و ما دون الخمار من الزينة، و ما دون السوارين «4».

و ما في المرسل المرويّ في «الرياض»

ما يحلّ للرجل أن يرىٰ من المرأة إذا لم يكن مَحرماً؟ قال: الوجه و الكفان و القدمان «5».

و الخبر المستقرب صحّته

عن الرجل ما يصلح له أن ينظر إليه من المرأة التي لا تحلّ له؟ قال: الوجه و الكفّان و موضع السوار «6».

و العامل بما في مجموعها الأكثر، كما عن «الصيمري» في شرح «الشرائع»، بل نسب في «الرياض» المنع إلىٰ «التذكرة»، و نسب الجواز إلىٰ «الكليني» و «النهاية» و «التبيان»

______________________________

(1) الوسائل 3، أبواب لباس المصلّي، الباب 28.

(2) النور، 31.

(3)

الوسائل 14، أبواب، مقدمات النكاح و آدابه، الباب 109، ح 5.

(4) الوسائل 14، أبواب، مقدمات النكاح و آدابه، الباب 109، ح 1 و 2.

(5) الوسائل 14، أبواب، مقدمات النكاح و آدابه، الباب 109، ح 1 و 2.

(6) بحار الأنوار 104، ص 34، الباب 33، ح 11.

بهجة الفقيه، ص: 367

و كتابي الحديث و ظاهر «المسالك» و سبطه في «الشرح» و «المحقّق الثاني» و «الشرائع» «1» و «العلّامة» في جملة من كتبه؛ فالردّ بالإرسال أو شذوذ القول، ضعيف.

مع ما في كثير من الروايات من ذكر غير الوجه و الكفّين في السؤال و الجواب، مع أنّ الابتلاء بهما في الكشف أشدّ، و جعله في «الرياض» ممّا تكاد أن تعدّ من الأدلّة القطعيّة، و لعلّه مفهوم من السيرة المستمرّة علىٰ خروج النساء في الأسواق للمعاملات بلا إنكار إلزامي من الشرع، مع أمره بالاحتجاب، و معروفيّة خروج الظاهر لدى الكلّ؛ فلا يمكن أن يكون منشأه إلّا وضوح الجواز في النظر بلا رتبة، لا وضوح المنع مع ندرة القول به.

[الثاني] حدّ الوجه المستثنىٰ في النظر و الصلاة

و أمّا الكلام في حدّ الوجه في النظر و الصلاة، فيمكن أن يقال فيه: إنّ التحديد الوارد في الوضوء إرشاد إلى الوجه العرفي بلا تصرّف تعبّدي تشريعي، و لازمه دخول ما عدا المغسول في العورة اللازم سترها.

و يرشد إلىٰ ذلك مع عدم الإشارة إلى التعبّد في روايات التحديد و التخصيص بخصوص الوضوء و بُعد ذلك بحيث يحتاج إلى التصريح ما في بعض الروايات «2» في السؤال و الجواب

أنّ الأُذنين أو الصدغين ليسا من الوجه

، يعني من الوجه العرفي، لعدم سبق ذلك بالتحديد في الرواية.

و يمكن أن يكون الأمر في الآية الشريفة بضرب الخمر على الجيوب «3» لستر العنق و

الصدر، لا الوجه، في قبال رفعها أو ردّها إلى المؤخّر بحيث تكون ساترة للُاذنين و الصدغين و ما لا يغسل من الوجه، لا أنّها في المتعارف غير ساترة للصدغين؛ مضافاً

______________________________

(1) جواهر الكلام 29، ص 75.

(2) الوسائل 1، أبواب الوضوء، الباب 17، ح 1 و الباب 18، ح 1.

(3) النور، 31.

بهجة الفقيه، ص: 368

إلىٰ أنّ لبس الخمر بل مطلق اللباس ليس إلّا للتحفّظ من الحرّ و البرد، و إنّما تكشف الوجهَ و الكفّين للحاجة و الضرورة الغالبية، و لازمه المنع في غير مورد الضرورة الغالبيّة الفرعيّة.

و قد مرّ: أنّ الضرورة هي المبيحة للقدمين، و السيرة في نساء العرب مشتركة فيهما بين الرجال و النساء، فإنّ الغالب غير متمكّنين من تكثير الثياب و ليست الغلبة بالعكس، و إن ادّعىٰ في «الرياض» الإجماع علىٰ عدم جواز النظر إلى القدمين، و لعلّه مستنبط من عدم القدمين مع الوجه و الكفين في عبائر المتقدّمين، مع أنّ بعضها لم يذكر في حكم بدن المرأة الوجه أيضاً، و بعض مَن ذكر الوجه لم يذكر الكفّين، و العبرة بالذكر في مقام آخر و بمن ذكره و حكىٰ عليه الإجماع، و القدمان و إن لم يقعا في الإجماع إلّا أنّ الدليل موافق له كما مرّ.

ثمّ إنّه علىٰ تقدير الاشتباه في مفهوم الوجه في النظر و الصلاة و أنّه الوجه الوضوئي الشرعي أو أوسع، فحيث إنّ الشبهة مفهوميّة و المرجع فيها البراءة عن التكليف و الوضع، فلا منع ظاهراً في الصلاة و لا في غيرها.

[الثالث] عدم وجوب ستر القدمين على المرأة في الصلاة

و أمّا القدمان فقد نسب استثناؤه في الصلاة إلى المشهور، بل ذكر في «الجواهر» «1»: «لا خلاف فيهما في ما أجد إلّا من خالف في الوجه»، و لازمه

الاتفاق فيهما كالوجه. و يدلّ عليه السيرة في الستر عن الأجانب في نساء العرب كرجالهم، و اتّحاد الحكم في النظر و الصلاة، لأنّه لستر العورة، فيكونان من الخارج موضوعاً أو حكماً.

و لاستثناء مٰا ظَهَرَ «2»، الذي لا يفهم منه إلّا الظاهر في العادة المحتاج إلىٰ ظهوره نوعاً؛ فلو حمل علىٰ غير ذلك كان من الحمل المخدوش، أو علىٰ الإجمال بعد إمكان

______________________________

(1) جواهر الكلام 8، ص 173.

(2) النور، 31.

بهجة الفقيه، ص: 369

الحمل على البيان، فلا حاجة إلّا إلىٰ عدم التفسير بالخلاف، لا إلى التفسير بالوفاق، مع أنّ المروي «1» الأوّل [هو] الموافق للمشهور.

و أمّا الاختلاف في ذكر ظهر القدمين، أو الاقتصار على القدمين، فغير ضائر بعد موافقة السيرة للإطلاق، مع تبعيّة الباطن للظاهر، فإمّا لا استثناء رأساً، أو كان التفكيك مبيّناً بالصراحة لا مسكوتاً عنه، و التعبير بالظاهر، لمكان الأولويّة المفهوم من موضع الرغبات، فيكونان أولىٰ من الوجه و الكفين في جواز الكشف، و ليس التفكيك خارجاً كما هو ظاهر. و ما في النبويّ من توصيف الدرع بالسابغ إلىٰ ظاهر القدمين فلمكان خروج الغاية، و كون الساتر إلى الظاهر أي غير البالغ إلى الظاهر ساتراً للباطن بحسب القدر، لا لإرادة تغطية الظاهر، كما عن «التذكرة».

كما يشهد للموافقة ما في «الجواهر»، قال بعد الاستدلال في القدمين في الصلاة: «كلّ ذا مضافاً إلىٰ ما ذكروه في النكاح ممّا يدل علىٰ عدم وجوب سترهما عن الأجنبي، ككونهما ممّا ظهر في الزينة من بعض النصوص، و غيره ممّا هو مسطور في محلّه ممّا هو ظاهر في اقتضائه عدم كونهما ممّا نزّل منزلة العورة في وجوب الستر للصلاة أيضاً» «2».

و قال في الكفّين بعد ذكر التفسير عن «ابن عبّاس»:

«و غير ذلك ممّا يقضي بأنّه ليس كالعورة، فلا يجب ستره في الصلاة للأصل، و حصر وجوب الستر في العورة في النصّ «3» و الفتوىٰ، أو ما نزّل منزلتها» «4» و إن احتمل «5» في آخر المسألة عدم البطلان ببعض ما يحرم كشفه للنظر كالوجه، للاتّفاق علىٰ عدم شرطيّة ستره حتى على القول بحرمة كشفه للنظر، و كذا رأس الأمة على القول بوجوب ستره للنظر لا يجب ستره

______________________________

(1) الوسائل 14، أبواب مقدمات النكاح و آدابه، الباب 109، ح 2.

(2) جواهر الكلام 8، ص 172.

(3) الوسائل 1، كتاب الطهارة، أبواب آداب الحمام، الباب 3 و 4.

(4) جواهر الكلام 8، ص 171.

(5) جواهر الكلام 8، ص 175.

بهجة الفقيه، ص: 370

للصلاة، يعني أنّ ما يجب ستره عن الناظر يجب ستره للصلاة بلا عكس، فيمكن التحريم بلا شرطيّة.

[الرابع] جواز صلاة الرجل مع الاقتصار على ستر العورتين أحدهما

ثمّ إنّ جواز صلاة الرجل عرياناً مع ستره العورتين بعد موافقته للأصل، موافق للسيرة المستمرّة علىٰ إيقاع الصلاة علىٰ الأحوال المختلفة بلا تقيّد بانكشاف سائر البدن غير العورتين بعضاً كما هو واضح، فكذا في كلّ ما عدا العورتين.

و أمّا البطلان بكشف إحدى العورتين عمداً مع القدرة، فقد حُكي عليه إجماعنا، و أنّ عليه أكثر العامّة.

و يمكن الاستدلال بقوله تعالىٰ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ «1»، كما عن «الذكرى» حكاية القول باتفاق المفسّرين علىٰ أنّ الزينة هنا ما يواري العورة للصلاة و الطواف، و إن كان إثبات الحجّة بكلام المفسّرين قابلًا للمنع، إلّا أن يؤيّد ذلك بأنّه بعد البناء علىٰ أنّ «المسجد» هو مصدر بمعنى «السجود» الذي يراد به الصلاة لأنّه أهمّها، فيراد من قوله تعالى عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ للسجود، أو لموضع السجود بما أنّه موضع السجود، فيكون الإيجاب غيريّاً

للصلاة.

و الظاهر أنّه يفهم منه بالمنطوق أو الأولويّة، وجوب أخذ الزينة الخاصّة، أعني ما يستر العورتين من الثياب؛ بل يمكن دخوله في المنطوق لأنّ ستر العورتين بالثياب من أهمّ التزيّن و أَلْزَمه في العرف؛ و عليه فيكون الأمر غيريّاً إيجابيّاً، إلّا في ما علم فيه الندب من سائر ما يستر به سائر البدن. و لا محذور في الجمع مع القرينة كما بيّن في الأُصول، و حينئذٍ يستفاد شرطيّة ستر العورتين للصلاة، و أمّا الطواف فيمكن فهم حكمه بما دلّ علىٰ أنّه الصلاة، فيعتبر فيه ما يعتبر فيها إلّا ما أخرجه الدليل.

______________________________

(1) الأعراف، 31.

بهجة الفقيه، ص: 371

فيكون التفسير المحكي للمسجد بالصلاة و الطواف، بدليلين: أحدهما هذه الآية «1»، و للزينة بساتر العورة من طريق الفحوىٰ أو المنطوق على الوجه الذي قرّرناه.

و يمكن الاستدلال للشرطيّة بصحيح «ابن مسلم» عن أبي جعفر عليه السلام

في الرجل يصلّي في قميص واحد؟ فقال: إذا كان كثيفاً فلا بأس به «2»

بتقريب أنّ السؤال عن الوضع دون التكليف، و هو أهمّ ما يقع في نظر السائل و المجيب، و الجواب بكون القميص ستيراً و نفي البأس عنه بمعنى نفي البطلان المراد في سؤال الراوي، فيكون البأس في المفهوم هو البطلان دون التنزيه.

و يمكن الاستدلال على الشرطيّة المجمع عليها بما دلّ «3» علىٰ كيفيّة صلاة العاري، و أنّه مع إصابة الساتر و لو كان حشيشاً، فالوظيفة هو الصلاة مع التستّر به، و لا تكون وظيفة مع عدم الإصابة، فكذا مع عدم التستّر اختياراً؛ بل الوظيفة هو الصلاة قائماً مؤمياً مع وضع اليد على العورة و ترك الركوع و السجود لئلّا ينكشف ما خلف المصلّي المستور بالأليتين، و أنّ ذلك مع الأمن من

الناظر، و إلّا فالوظيفة هو الجلوس و الصلاة بالإيماء.

فالذي أوجب رفع اليد عن الركوع و السجود، هو اشتراطهما بالستر الغير الممكن فرضاً، لا التكليف المحض، لفرض الأمن المسوّغ للقيام في الصلاة؛ و الذي أوجب الإيماء على الجالس، هو الذي أوجبه على القيام، و هو اشتراط الركوع و السجود بالستر الغير المفترق بين حالتي الأمن و القيام، و عدمه مع الجلوس، فالدلالة على الشرطيّة في الصورتين ثابتة، إلّا أنّ التأمّل في وجه الانتقال للاشتراط في الركوع و السجود دون القيام، لعدم الانتقال إلى الجلوس إلّا مع عدم الأمن، الظاهر في كونه لأجل التكليف دون الشرط، و إلّا لما جاز القيام مع الأمن أيضاً.

______________________________

(1) الأعراف، 29.

(2) الوسائل 3، أبواب لباس المصلي، الباب 21، ح 1.

(3) الوسائل 3، أبواب لباس المصلي، الباب 50.

بهجة الفقيه، ص: 372

لكنّ الدلالة علىٰ الاشتراط، من جهة الانتقال مع الأمن إلىٰ الإيماء، و لا يكون ذلك إلّا مع الاشتراط، و إن وقع الاختلاف في غير ذلك، و أنّ الوظيفة هو القيام مع الأمن و الجلوس مع عدمه، أو وضع اليد على العورة و الصلاة مع الإيماء للركوع و السجود، و هذا مشترك في الكلّ، لكن في الأخير أنّه يجلس فيؤمي للركوع و السجود.

و يمكن أن يقال في شرح ما في الباب من الروايات «1»: إنّ الطائفتين المشار إليهما المختلفتين في الجملة، يحمل المفصّل بين الأمن و القيام معه، و عدمه و الجلوس يحمل علىٰ إرادة أنّ الآمِن يصلّي قائماً مؤمياً، لما قدّمناه في الانتقال الذي هو لرعاية الستر الشرطي، فلا ينكشف أزيد ممّا في حالة القيام عارياً لأجل الركوع مثلًا؛ و أمّا التستّر باليد و غير الساتر العامّ للحشيش، فلا يجب لتحصيل الشرط،

و لذا أُطلق في الروايات الواردة في مقام البيان؛ و أمّا غير الآمِن فعليه التستّر عن النظر و لو ببعض البدن، فعليه أن يصلّي قائماً متستّراً بيده، تغليباً للقيام الركني مع التستّر عن النظر، أو يجلس في الصلاة و لا يتعيّن عليه التستّر باليد، بل يمكن التستر بالجلوس، لعدم ظهور المقدّم من العورة و يومي حذراً عن انكشاف الخلف، كما ذكره في الرواية «2»، فغير الآمن مخيّر بين الكيفيّتين، و أمّا بعد الإيماء للركوع و السجود، فوظيفته حيث إنّه غير آمن هو الجلوس مطلقاً.

و عليه، فالستر الشرطي إنّما يوجب الانتقال إلىٰ بدل الركوع و السجود لا القيام، إلّا أن يفهم من الانتقال إلىٰ الإيماء أنّه لدفع زيادة التكشّف من الخلف، فدفعها باختيار وضع اليد مع الإمكان كذلك، و إنّما يتخيّر بينه و بين الجلوس غير الآمن الذي يحمل عليه رواية وضع اليد «3».

______________________________

(1) الوسائل 3، أبواب لباس المصلّي، الباب 50.

(2) الوسائل 3، أبواب لباس المصلي، الباب 50، ح 6.

(3) الوسائل 3، أبواب لباس المصلي، الباب 50، ح 1.

بهجة الفقيه، ص: 373

و يمكن أن يكون اشتراك الكلّ في صورة الأمن و عدمه في ما إذا أومأ للركوع؛ فإنّه يجلس و يومئ للسجود، كما لعلّه المراد من رواية وضع اليد، و سيأتي إن شاء اللّٰه ما يرجع إلىٰ ذلك.

شرح روايات الباب و خلاصة الكلام في شرح روايات الباب بعد ضمّ بعضها إلىٰ بعض، و ملاحظة مجموعها بدخل الاعتبارات الواضحة: أنّ رواية الإيماء قائماً بلا تخصيص و تقييد «1»، مع روايات التفصيل بين الآمن فالقيام و غيره فالجلوس بلا تقييد بالإيماء، مع رواية وضع اليد على العورة على النحو المذكور فيها، يفهم من مجموعها الملحوظ أنّ الإيماء

ليس إلّا لحفظ الخلف عن الانكشاف، فلا يختصّ بواحد من الركوع و السجود، و لا بواحد من القيام و الجلوس، و حيث إنّ من الواضح أنّه كما يحفظ الدبر عن الكشف يحفظ القبل عنه، و لا حافظ له إلّا واحد من الجلوس أو وضع اليد على العورة في القيام، و أنّه إذا كان الملحوظ حفظ القبل عن الكشف، فلا فرق بين الجلوس و وضع اليد في القيام.

و أمّا تجويز ترك القيام مع ركنيّته، فلمكان التسهيل؛ فإنّ التستّر بوضع اليد لا يخلو عن صعوبة، بل يتعذّر في الجملة؛ كما أنّ التفصيل بين القيام و الجلوس في الآمن و غيره إنّما هو في غير ما لا يقع إلّا جالساً كالتشهّد، بل السجود أيضاً، فالجلوس المراد في قبال القيام إنّما يراد الجلوس في موضع قيام غير العريان، و إلّا فبعد إيماء القائم للركوع يتعيّن الجلوس لإيماء السجود و لما بعده من التشهّد، و ما فيه وضع اليد مقدّماً على الجلوس المراد منه محلّ الإيماء للسجود بعد ذكر أنّه يومي مع وضع اليد قبل الجلوس، لما مرّ من عدم الحاجة إلىٰ وضع اليد مع الجلوس الحافظ للقبل عن الكشف، و ملاحظة مجموع الروايات و الأخذ بالجميع كما مرّ، لمكان ورودها جميعاً في صلاة

______________________________

(1) الوسائل 3، أبواب لباس المصلي، الباب 50، ح 1.

بهجة الفقيه، ص: 374

العاري؛ فالموضوع وظيفة العاري، و تفاصيل الأحكام واردة علىٰ هذا الموضوع، و إلّا لما أمكن العلاج بتحكيم كلّ منها علىٰ الآخر في جهة.

[الخامس] عدم التستّر جهلًا أو نسياناً أو اضطراراً

ثمّ إنّه يقع البحث في عموم الاشتراط لحال الجهل و الغفلة، و السهو و النسيان، و عدم التعمّد مطلقاً، أو عروض هذه الأحوال في الأثناء.

و المدار، علىٰ ثبوت الإطلاق في

دليل الشرطيّة و عدم المقيّد، مع إمكان منعه لورود الروايات في العريان «1»، و المتبادر منه الملتفت إلىٰ كونه عارياً و أنّه يتستّر و لو بالحشيش إذا أمكن.

و تسرية الحكم إلى العاري الغير العالم بكونه عارياً، تحتاج إلىٰ إطلاق إلىٰ الأوسع من مفروض السؤال الذي يرجع إليه الضمير في الجواب، و لا يمكن الجزم به و لو مع البناء علىٰ اشتراك الحكم في الامتثال، بل الإطلاق ضعيف و ليس بقاطع لأصالة عدم الشرطيّة؛ كما أنّ الإجماع المحكيّ في المقام يحتمل استناده إلى الفتاوى المستندة إلىٰ هذه الروايات، لا غيرها، فلا يتمسّك به في ما لا يتمسّك بها فيه.

و علىٰ تقدير الإطلاق، فدليل رفع السهو و النسيان يقيّد دليل الاشتراط بغير الحالتين، و كذا الاضطرار و عدم القدرة الطارئة دون السابقة، المعيّن فيه الحكم في هذه الروايات في صلاة العاري، و في ما لا إطلاق في دليل الاشتراط و لا معيّن للحكم بحسب الدليل الاجتهادي، فمقتضىٰ «رفع ما لا يعلمون» انتفاء الشرطيّة المجهولة، و كذا «رفع الخطأ» الصادق على الجهل بموضوع انكشاف العورة.

و منع صدق الاضطرار الغير المتعلّق بالطبيعة بل الفرد، يمكن دفعه بأنّه إنّما يسلّم لو سلّم في مثل عدم القدرة في بعض الوقت إذا سبق على الصلاة، دون الطاري في الأثناء، كما يؤيّده حرجيّة الحكم بالإعادة و الإبطال بمثل ذلك ممّا يخرج عن الاختيار

______________________________

(1) الوسائل 3، أبواب لباس المصلّي، الباب 50.

بهجة الفقيه، ص: 375

في ما لا دليل خاصّ فيه. و علىٰ تقدير تسلّمه فيمكن إلغاء الخصوصيّة ممّا في الصحيح «1»، لأنّ عدم العلم مع الاختيار كالعلم مع عدم الاختيار في عدم التأثير في التحفّظ الاختياري، مع أنّ صحيح «لا تعاد» «2» لا

يختصّ بالسهو، فيشمل التكشّف القهري و إن التفت في الأثناء، فلا يبطل الصلاة و لا يوجب الإعادة.

و بمثل ما ذكر في الاضطرار، قد يقال في رفع السهو و النسيان، و لازمه اختصاص الجريان بنسيان الطبيعة، و لا يكون إلّا في الصلاة في آخر الوقت، لانحصار الطبيعة في ما وقع فيه النسيان أو الغفلة.

مع إمكان دفعه بصدق نسيان الشرط و لو كان في ما وقع في أوّل الوقت، لأنّ المنسيّ في ذلك الوقت طبيعة الستر و ما هو الشرط، و الجهل متعلّق به، و كذا عدم القدرة، لأنّه في ذلك الوقت ناسٍ للستر في ذلك الوقت و جاهل بالانكشاف في ذلك، أو غير قادر على الستر في ذلك، بل الوقت ظرف للصفة، لا أنّه مأخوذ في متعلّقها، فهو في ذلك الوقت ناسٍ لطبيعة الستر الذي هو شرط موضوع يرفعه نسيانها و لو في وقت، فيدبّر.

و الحاصل أنّ ما يتعيّن محلّه من أجزاء الصلاة و شروطها إذا طرأ الاضطرار، أو سائر الأعذار في الأثناء، يصدق الاضطرار الرافع للثابت لولاه، لو لم يرفع ما كان حاصلًا قبل الشروط إلّا ما إذا كان في آخر الوقت؛ فإنّ الإعادة بعد الشروع المتعقّب بالاضطرار ضيق مرفوع بالحديث «3».

و يمكن الاستدلال بالسيرة المستمرّة، فإنّ الالتزام بالإعادة مع إطارة الريح الثوب في الأثناء مخالف للعمل المستمرّ المبني علىٰ عدم المبالاة بهذه الأمور الغير الاختياريّة و لا المعلومة قبل الصلاة؛ فاحتمال البطلان المنسوب إلىٰ «التذكرة» لنسبته إلىٰ علمائنا

______________________________

(1) الوسائل 3، أبواب لباس المصلي، الباب 27.

(2) الوسائل 3، أبواب القبلة، الباب 9، ح 1.

(3) الوسائل 5، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 30، ح 2.

بهجة الفقيه، ص: 376

كما ترى مخالف لما عن ظاهر

«المبسوط»، و «البيان»، و «كشف اللثام»، و «الدروس»، و «المنظومة»، مع ما مرّ من إلغاء الخصوصيّة ممّا في الصحيح «1» بما مرّ؛ و باستظهار اتّحاد الصلاة كلّاً و بعضاً في الشروط، فما لا يضرّ بالكلّ لا يضرّ بالبعض؛ بل عدم العلم طريق إلىٰ عدم القدرة كما أنّ العلم طريق إليها، فالعفو مع عدم العلم إذا استمرّ لمكان استمرار عدم القدرة، فكذا عدم القدرة لا مستمرّاً، و إن كان لا لعدم العلم، فتدبّر.

بل ترك الاستفصال المقتضي للصحّة و لو طرأ في الأثناء، المعلوم لزوم الستر حينئذٍ المشتمل علىٰ مقدار من الزمان، لا يتمكن فيه من الستر قطعاً؛ مع أنّ جماعة كالفاضل في عدّة من كتبه، و «المعتبر» صرّحوا بالصحّة في هذا الفرض الذي هو مقتضىٰ إطلاق «الصحيح»، و من الغريب الجمع بين الحكم بالبطلان في مسألتنا و الصحة في مورد إطلاق الصحيح القوي بملاحظة التعبير بقوله في السؤال: «يصلي». و عدم بيان لزوم الستر لما بقي لا يضرّ بالإطلاق بعد وضوح لزومه لما يأتي به من سائر الأبعاض، كما يظهر من السؤال علم السائل باللزوم لولا عدم الاختيار.

فما عن التحرير من أنّه: «لو قيل بعدم الاجتزاء بالستر كان وجهاً»، بعد حكمه بالصحّة، خلاف التدقيق في «الصحيح»، و خلاف ما ذكرناه من السيرة العمليّة المبنيّة علىٰ سهولة الأمر في هذه الوظيفة التي هي أهمّ الوظائف و أعمّها لعامّة طبقات المكلّفين بها.

قال في «الدروس»: «و لا تبطل الصلاة بانكشاف العورة في أثناء الصلاة من غير فعل المصلّي، نعم تجب المبادرة إلى الستر. و لو صلّىٰ عارياً ناسياً، فالأصحّ الإعادة في الوقت و خارجه».

و لا وجه للتعبير بالأصح مع إجماعيّة الحكم عنده، و ليس قوله: «الأصحّ.»، لمكان ما عن

«ابن الجنيد»، مع اختلاف كلامهما، حيث إنّ كلام «ابن الجنيد» في غير العامد، و كلامه في الناسي، و هذا يوجب القضاء و ذاك الإعادة فقطّ.

______________________________

(1) تقدّم آنفاً.

بهجة الفقيه، ص: 377

و يقرب منه ما عن محكيّ «البيان»، قال: «لو تعمّد كشف العورة بطلت صلاته، و لو نسي فالأقرب ذلك»، و الاشتراك في الكشف عن عدم إجماعية الحكم عنده.

و في «الذكرى»: «و لو قيل بأنّ المصلّي عارياً مع التمكّن من الساتر يعيد مطلقاً، و المصلّي مستوراً و يعرض له التكشّف في الأثناء بغير قصد لا يعيد مطلقاً، كان قوياً، نعم يجب عليه عند الذكر الستر قطعاً؛ فلو أخلّ به بطلت حينئذٍ لا قبله»، و قوله عند الذكر يوجب تعميم حكمه الانكشاف لنسيان الستر في الأثناء، مع أنّ التخصيص بقوله: «و يعرض له التكشف في الأثناء» قابل للمنع، إذ ليس فيه إلّا كونه عارياً واقعاً، و لا دليل علىٰ الانتقال فيه، بل في خصوص الملتفت إلىٰ كونه عارياً غير متمكّن من الساتر و الستر، و هذا أيضاً لا يجتمع مع إجماعيّة بطلان صلاة العاري الناسي؛ مع أنّ المفهوم من صحّة صلاة العاري و غير العالم أولويّة طروّ ذلك في الأثناء من الاستمرار، لا العكس باشتمال الثاني علىٰ زمان العلم مع عدم إمكان الستر، و ليس الملاك إلّا ارتكاز الاعتبار بالتمكّن من التستّر وجداناً، و عدمه الحاصل في مضمون صحيح «علي بن جعفر» «1»، فلا فرق بين النسيان و الخطأ، و الاضطرار و السهو و الجهل.

و لا نعرف ظهور كلماتهم في الإجماع علىٰ بطلان صلاة الناسي للستر، و ليس ذكرهم للاشتراط و اقتصارهم عليه و علىٰ بيان صلاة العاري و الجاهل، مع ذكر كثير لحكم الجاهل العالم في

الأثناء، دليلًا على المفروغيّة في صلاة الناسي؛ بل يمكن أن يكون فهموا الشرطيّة ممّا فهمناها منه من النصوص «2»، و اقتصروا علىٰ ذكر المنصوص من حكم الصور المذكورة حينئذٍ، و ليس ذكر التفصيل بين الناسي و غيره في كلام «مالك» في ذكر أقوالهم إلّا بيان للاختلاف في ما بينهم، و ليس مذهب «مالك» في المقام تامّ الموافقة للمستفاد من أدلّة المقام عندنا.

______________________________

(1) الوسائل 3، أبواب لباس المصلّي، الباب 27.

(2) الوسائل 3، أبواب لباس المصلي، الباب 27 و 28.

بهجة الفقيه، ص: 378

و بالجملة، فتعميم الحكم بالصحّة لصور الجهل و النسيان و الاضطرار و إن علم في الأثناء و تمكّن و تستّر، هو الموافق لحديث «الرفع» «1»، و لصحيح «لا تعاد» «2»، و لإلغاء الخصوصيّة في صحيح «علي بن جعفر» في المقام، الذي ذكر في كلمات جماعة إطلاقه لصورة التبيّن في الأثناء، و قد سبق ما في «الدروس»، و «الذكرى»، و أفتى بالصحّة في «العروة»، و «السيّد الأستاد الأصفهاني» 0 في «حاشيتها»، و في «الوسيلة»، و يؤيّده ما مرّ من ارتكاز التسهيل في هذه الفريضة المهمّة من الجهات الغير الاختياريّة في غير الأركان.

و أمّا ناسي الحكم الوضعي و جاهله، فمقتضىٰ ما ذكر من الأدلّة هو الصحّة أيضاً. و دعوى الاتفاق علىٰ عدم معذوريّة الجاهل في غير المستثنيات يمكن منعها، لعدم الإجماع، بل الإجماع على العذر في تلك الموارد، لا العدم في غيرها؛ كما أنّ عدم العذر التكليفي لا ينافي العذر الوضعي المطلوب هنا، و قد ثبت في الحجّ موارد للعذر، فلا يمكن الاستناد إلىٰ الإجماع بعد وضوح عدم العذر تكليفاً إلّا في الفروع الدقيقة التي لا تعمّ بها البلوىٰ، و الأمر في النسيان أوضح، و الاحتياط

مع عدم العسر الشخصي نجاة من الهلكات.

[مسألة] وظيفة المصلي عند فقدان الثوب

مسألة: إن لم يجد المصلي ثوباً يستر به عورته، استتر بما يجده و لو كان حشيشاً أو ورق الشجر، كما في صحيح «علي بن جعفر» «3». و فيه ذكر الحشيش المعلوم كونه مثالًا لذي ساتر غير الثوب و لو كان غير متعارف، أو كان في الاستتار به صعوبة غير منتهية إلى العسر الشخصي، كما يرشد إليه قوله فيه

إن أصاب حشيشاً يستر به عورته، أتمّ صلاته بالركوع و السجود؛ و إن

______________________________

(1) الوسائل 5، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 30، ح 2.

(2) الوسائل 3، أبواب القبلة، الباب 9، ح 1.

(3) الوسائل 3، أبواب لباس المصلي الباب 50، ح 1.

بهجة الفقيه، ص: 379

لم يصب شيئاً يستر به عورته، أومأ و هو قائم

، لا لذكر الستر في القضيّة الأُولىٰ لمعلوميّته قيديّة الستر للحشيش، بل لذكر الستر في الثانية بعد ذكر الشي ء، حيث إن المستفاد منه أنّ العبرة بالساتر بلا مداخلة شي ء آخر فيه، فهو المراد ممّا في القضيّة الأُولىٰ، و إلّا لم يحتج إلىٰ قضيّة مفصّلة اخرىٰ، و كان قوله

و إلّا أومأ

كافياً، فلم يذكر إلّا لبيان ما تقدّم، و ذكر القرينة علىٰ إرادة الساتر في الأُولى التي هي بمنزلة المنطوق للثانية التي هي بمنزلة المفهوم.

مضافاً إلىٰ عدم الدليل علىٰ إرادة أزيد من الساتر في النظر و الصلاة، و قد مرّ أنّ الأصل اتّحادهما في الساتر و المستور إلّا بدليل، فإنّ الدليل علىٰ شرطيّة ستر العورة للصلاة لا يدلّ علىٰ إرادة ما تعارف الاستتار به في ذلك الزمان و في تلك الأمكنة، و إن احتاجوا في بيان الاكتفاء بثياب آخر إلىٰ ذكر الأمثلة.

و لعلّ مستند الاتفاق على الشرطيّة ما

فهمناه منه من روايات صلاة العريان «1» المحفوظ فيها الستر بالإيماء مع الإطلاق لصورة الأمن، بل التقييد في بعضها بالأمن و القيام الموجب لتقييد الإيماء قائماً بالأمن، لما مرّ، و كذا نصوص صلاة المرأة في الدرع و الخمار «2» التي لا يستفاد منها إلّا شرطيّة الستر، لإطلاق ما فيها لصورة الأمن من الناظر، و لا يستفاد منها شرطيّة الثوب، لورودها لبيان المقدار الواجب ستره، لا ما يستر به، حتّى لا يكتفي بالجلد الكافي اتّفاقاً، كما حُكي بل نسب إلىٰ الأكثر عدم اشتراط الثوب في الساتر، إلّا ما يأتي في الطين من القولين، و قد نسب الجواز اختياراً إلىٰ الأكثر في ما عن المجلسي قدس سره لعدم الدليل علىٰ اعتبار انتفاء الثوب في جواز التستّر بغيره.

و بالجملة، فالترتيب المحكيّ عن «المسالك»، خلاف المستفاد من الأدلّة من إلغاء

______________________________

(1) الوسائل 3، أبواب لباس المصلّي، الباب 50.

(2) الوسائل 3، أبواب لباس المصلي، الباب 28.

بهجة الفقيه، ص: 380

الخصوصيّة و الاكتفاء بتحقّق الستر الكافي في النظر اتّفاقاً، و كذا في الاختيار في الصلاة لقوله عليه السلام

أما علمت أنّ النورة سترة «1»

؛ و الورود في مقام النظر لا يخصّص الوارد المعلوم فيه ما يراد بالستر الذي هو غير مستور في المعنىٰ إلّا عند من استأنس بالمتعارف، فلا ريب في الاكتفاء بكلّ ساتر و لو كان غير منفصل عن البدن؛ بل يمكن أن يكون وضع اليد على العورة بدلًا عن الجلوس مع كفاية كلّ منهما لستر القبل كاملًا مع الإتيان بغير ذلك من واجبات الصلاة، و إنّ الإيماء كما مرّ لستر الخلف فقط و لو مع الجلوس.

فالظاهر، أنّ الطين و الجصّ و نحوهما كالحشيش، و يراعى كمال الستر و عدم

العسر الشخصي، و لذا لا أثر في النصوص للاطلاء بالطين مع ذكر الأصحاب له من جهة الفهم من رواية السترة «2» العامّة علىٰ ما مرّ، أو من جهة فهمهم الإطلاق في لزوم ستر العورة في الصلاة.

و كذا ما ذكروه من النزول في الوحل و الماء الكدر، و ليس في عبائر الأكثر ما يفيد ترتّب الحشيش على الثوب، و لا ترتّب الطين على الحشيش، بل في بعضها ما يفيد التخيير و عدم الترتيب، و إنّما المرعي أفعال الصلاة كلّاً أو بعضاً غير ساقط علىٰ أيّ تقدير و لو إلىٰ بدل، و كمال الستر.

و كذا الدخول في الحفيرة الواقع في النصّ «3» و الفتوىٰ، فإنّ ستر الكلّ ستر للبعض، الذي لم يعتبر فيه عدم ستر الكلّ، و العرف فارق بين الحفيرة و البيت الواسع الذي هو مستور فيه، لا مستور به.

و كذا الظلمة، و قد ذكر في رواية الحشيش «4» التعبير بالستر و بالركوع و السجود، و في

______________________________

(1) الوسائل 1، كتاب الطهارة، أبواب آداب الحمام، الباب 18، ح 1 و 2.

(2) تقدّم آنفاً.

(3) الوسائل 3، أبواب لباس المصلي، الباب 50، ح 2.

(4) الوسائل 3، أبواب لباس المصلي، الباب 50، ح 1.

بهجة الفقيه، ص: 381

رواية الحفيرة خصوص الركوع و السجود، و ورودهما في العريان و من لا ثوب له، لا خصوص من لا يصيب الحشيش أيضاً.

و بالجملة، بعد عدم الدليل علىٰ خصوصيّة للساتر، بل المرتكز اتّحاد الساتر الصلاتي و النظري، و المستور في الصلاة و عن النظر، إلّا أن يدلّ دليل على الخلاف.

جمع بين روايات المقام و صلاة العاري و أمّا ما يقال في الجمع بين روايات القيام، و روايات الجلوس، و المفصّلة بين الأمن و

عدمه، فحاصله تقييد الأوّلة بالأخيرة، كما هو الوظيفة في العموم و الخصوص بحسب الموضوع، كما أنّ اللازم تقييد المفصّلة أيضاً بصحيحة «على بن جعفر» «1» في إيماء القائم، و صحيح «زرارة» «2» في إيماء القائم أو الجالس من حيث المتعلّق.

و لا تنافي بين التقييدين هنا، فإنّ الأوّل في الموضوع و بحسبه، و الثاني في خصوص إطلاق الصلاة و بحسب المتعلّق، و هو الصلاة مع الإيماء يعني أنّ صحيحة «علي بن جعفر» تدلّ على القيام مع الإيماء، و رواية التفصيل تدلّ علىٰ أنّ القيام وظيفة الآمِن و الجلوس وظيفة غير الآمِن، كما أنّ صحيح «زرارة» يدلّ علىٰ أنّ الوظيفة حتى للجالس هو الإيماء؛ فرواية التفصيل شارحة للصحيحين من حيث بيان محلّ القيام و القعود، كما أنّ الصحيحين يدلّان على التوظيف بالإيماء في القيام و الجلوس، و لا إطلاق في رواية التفصيل ينافي هذا التقييد، فمن المعلوم أنّ جلوس غير الآمن إنّما ينفعه لستر القبل، فكيف يستفاد منها أنّه يركع و يسجد؟ بل يفهم منها الإيماء لستر الخلف، كما يصرّح بالجلوس لستر القبل، و من المستبعد افتراق الأمن و غيره في غير القيام و الجلوس، فهما في الإيماء متّحدان، و قد فهم ذلك في الجالس فكذا القيام، و قد صرّح بذلك في الصحيحين، فبعد الجمع بين الأخبار تكون

______________________________

(1) الوسائل 3، أبواب لباس المصلّي، الباب 50، ح 1 و 6.

(2) الوسائل 3، أبواب لباس المصلّي، الباب 50، ح 1 و 6.

بهجة الفقيه، ص: 382

رواية التفصيل مقيّدة بالكسر في جهته، و بالفتح في جهة أُخرى. و حيث إنّ جلوس غير الأمن ليس إلّا لستر القبل، و هو حاصل بوضع اليد مع القيام، فلا يبعد تغيير الرجل، و

تعيّن الجلوس على المرأة لأنّها كلّها عورة.

و ذلك هو الموافق لحكم المشهور من التفصيل، و الإيماء مطلقاً في العريان و من لا ثوب له، و كيف يؤمر غير الآمن بالجلوس الذي لا يستر إلّا القبل، و لا ساتر للخلف إلّا الإيماء المبنيّ على الستر بالأليتين في القيام و الجلوس؟ مع أنّ الاستتار المرعيّ هاهنا إن كان للصلاة، أو له و للنظر، فاللازم الاستتار للصلاة بالإيماء الساتر للخلف في كلا الحالين؛ و قد مرّ نقل الإجماع على الشرطيّة، و إطلاق هذا النقل مع ما ذيّله به في «التذكرة» من التصريح بالبطلان في خلوة أو غيرها؛ مع شهادة الارتكاز ببطلان الصلاة عارياً في الخلوة أو الظلمة مع التمكّن من ستر العورة بساتر، كما أنّ ما مرّ من توظيف الآمِن بالقيام مع الإيماء كما هو لازم التقييد المذكور كون سقوط الركوع و السجود و التنزّل إلى البدل فيهما في الآمن، لأجل الشرطيّة المطلقة لصورة الأمن و عدم التمكّن من الساتر غير الأليتين للخلف.

و بالجملة، حيث إنّ الستر الصلاتي كالنظري إنّما يحصل للخلف بالإيماء، و لا بدّ من ستر القبل أيضاً للصلاة، فلا بدّ للآمن من وضع اليد على العورة.

و عليه، فغير الآمن إنّما يجلس لستر القبل الغير المنحصر بالجلوس، فله اختيار القيام و الستر باليد، و الجلوس و الستر بنفس الجلوس مع ضمّ الفخذين، أو مع وضع اليدين، و قد ذكر ذلك في الروايات «1» على التفرّق، الراجع إلىٰ ما قدّمناه بشهادة الاعتبار. نعم، المرأة يتعيّن عليها الجلوس، لعدم الساتر لغير العورتين مع أنّ بدنها عورة إلّا الجلوس، و لا أزيد من الستر بالجلوس، و لا بأس بالجمع بين الرجل و المرأة في الجلوس المأمور به و إن

اختلف الأمر فيهما.

______________________________

(1) الوسائل 3، أبواب لباس المصلّي، الباب 50.

بهجة الفقيه، ص: 383

و هل ما في صحيح «زرارة» «1» صلاة قياميّة أو جلوسيّة؟ يترجّح الثاني لما فيه من الجمع بين الرجل و المرأة و تأخير الإيماء من الجلوس، و إن كان يصحّ الأخير علىٰ الأوّل أيضاً، لأنّ إيماء الركوع مقدّم على الجلوس، و إيماء السجود مؤخّر عنه.

و علىٰ أيّ، فهو مقيّد بعدم الأمن الذي يقوم معه الرجل في موضع القيام، و يجلس مع عدم الأمن مخيّراً في موضع القيام، و إلّا ففي موضع الجلوس لا بدّ من الجلوس مطلقاً، كان لإيماء السجود، أو للتشهّد و التسليم.

و عليه، فالقيام الركني الصلاتي لا يسقط في حقّ الرجل إلّا مع عدم الأمن، و سقوطه فيه على التخيير بين القيام و وضع اليد، أو الجلوس و الضمّ، أو وضع اليد و الإيماء لحفظ الخلف مطلقاً، و المرأة تستر بالجلوس تنزّلًا عن القيام، كما ينزّل الكلّ عن الركوع بالإيماء رعاية للستر. و كلّ ذلك مستفاد من الروايات بعد جمعها و الجمع بينها، و إعمال الاعتبار، و التوفيق بينها و بين كلمات الأصحاب رضوان اللّٰه عليهم.

ثمّ إنّ تعبير المشهور بالأمن مع ذكر «الرؤية» في النصوص، هو الموافق لانحصار الطريق إلىٰ واقع عدم الرؤية في تمام الصلاة في الأمن.

كما أنّ المراد «رؤية العورة» لا «رؤية العريان» كما فهموه، فإنّ غير ذلك محتاج إلى البيان، و عدمه كافٍ في فهم الأوّل كما لا يخفىٰ؛ و يؤيّده أنّ أمر المرأة بالجلوس «2» تعييني مطلقاً، لأنّ بدنها عورة.

[مسألة] مراتب الصلاة عند فقد الساتر

مسألة: إذا لم يجد المصلّي ثوباً يستر به عورتيه، صلّىٰ متستّراً بأيّ ساتر لا مانع فيه كالحشيش و الورق.

و لو لم يجد ساتراً صلّىٰ عارياً، فمع

الأمن من الناظر المحترم يجوز أن يصلّي قائماً

______________________________

(1) الوسائل 3، أبواب لباس المصلّي، الباب 5، ح 6.

(2) الوسائل 3، أبواب لباس المصلّي، الباب 50.

بهجة الفقيه، ص: 384

مؤمياً للركوعين، و مع عدم الأمن المطلق يجوز أن يصلّي جالساً مؤمياً. و الأظهر جواز الركوعين في الجلوس و القيام المختلفين بالآمن من الناظر إلى القبل و عدمه إذا أمن من النظر إلى الخلف، كما هو الحال في الصفّ الواحد للمأمومين الجلوس. و الأظهر لزوم وضع اليد على العورة في القيام، و ضمّ الفخذين للستر في الجلوس، و يحتمل جواز الجلوس للآمن، و القيام لغيره مع رعاية الإيماء أو الركوعين علىٰ ما قدّمناه.

و لا مانع من كون المراد رؤية العورة و عدمها، و كون الأمر في الرجل تخييريّاً، لما فيه من الحزازة في الصلاة قائما عارياً و لو مع وضع اليد، فإنّ الجلوس له كوضع اليد ممّا يستأمن به الغير الآمن لو لا ذلك.

عودة إلى الجمع بين الروايات و كيفيّة صلاة العاري و يمكن أن يقال: إنّ الجمع بين الطائفتين المطلقتين «1» لكلّ واحد من الجلوس و القيام، مع الاشتمال علىٰ الإيماء أو لا معه، بما دلّ على التفصيل بين الأمن و عدمه، كالجمع بين روايات التفصيل مع المطلقات في لزوم الإيماء، نظراً إلىٰ أنّ التقييد من جهة يجتمع مع التقييد من جهة أُخرى؛ فكلّ دليل يتقيّد بالآخر في جهة، و يقيّد الآخر من جهة أُخرى. و الجمع بين الدليلين بالتصرّف فيهما معاً و إن كان غير مقبول، إلّا أنّه لمكان عدم التعيين في نحو واحد للجمع، و مع التعيّن فلا بأس بالجمع به، و فرض الكلامين واحداً صادراً من واحد يفسّر كلّ منهما الآخر في جهة

خاصّة، فهو كقرينيّة صدر الكلام لذيله في جهة، و العكس في جهة خاصّة أُخرى غير مربوطة بالجهة الأُولىٰ.

و أمّا الجمع بين روايات التفصيل بين الآمن و عدمه، و رواية إطلاق القائم و إيمائه «2»، و رواية إطلاق الجالس و إيمائه «3»، كرواية إطلاق القيام أو الجلوس بدون ذكر الإيماء بالتقييد لكلّ بالآخر، فلمكان عدم عموم البلوىٰ و شيوعه بمفروض ما فيها من السؤال

______________________________

(1) الوسائل 3، أبواب لباس المصلّي، الباب 50.

(2) الوسائل 3، أبواب لباس المصلّي، الباب 50، ح 1 و 6.

(3) الوسائل 3، أبواب لباس المصلّي، الباب 50، ح 1 و 6.

بهجة الفقيه، ص: 385

و الجواب، لندرة فرض العريان بلا اختيار بحيث لا يتمكّن من التستّر و لو بغير الثياب، فلا يكون المقيّد فيها وارداً بعد وقت الحاجة، كما لا مانع من ارتكاب التقييدين المتعاكسين مع الانحصار كما مرّ، هذا.

و يمكن المصير إلىٰ ذلك من ناحية نفس رواية التفصيل «1» بحيث تكون تقيّد ما يقابلها من المؤيّدات و المؤكّدات، و ذلك بتقريب أنّ الجلوس ليس في حقّ الرجل إلّا لستر القبل، و هو لازم نفسيّاً و شرطيّاً، و مسقط لفرض القيام الركني؛ و لزوم الستر كذلك لازم في الخلف أيضاً، و موجب للتنزّل إلىٰ الإيماء، كما أنّ الآمن إنّما يتستر بالأليتين في الدبر، و أمّا القبل فعليه التستّر باليدين إن أمكن، و إلّا فبالجلوس؛ فالدليل علىٰ إطلاق الشرطيّة لصورة عدم الناظر يفيد أنّه إنّما يتستّر عن النار بالأليتين، و أمّا للصلاة فلا بدّ من ضمّ التنزّل إلىٰ الإيماء لستر الخلف، كما أنّ عليه وضع اليد لحفظ القبل للصلاة من دون ملاحظة دليل الإيماء هاهنا؛ فلا بد في الآمن من رفع اليد عن شرطيّة

الستر، أو التنزّل إلىٰ الإيماء؛ و مقتضى إطلاق دليل الشرطيّة «2» عدم الاختصاص بصورة الناظر، و لازمه الإيماء مع الأمن، و هذا الوجه يؤيّد ما قدّمناه من الوجه، مع عدم رجوعه إلىٰ ما يشتمل على القياس. نعم لا بدّ من توجيه ما استفدناه من الجمع بين الروايات بإرادة توظيف غير الآمن من النظر على التخيير بين الجلوس و القيام لاستتار القبل بهما مع الحفظ باليد إن كان رجلًا، و المرأة يتعيّن عليها الجلوس مطلقاً لتحصيل الستر الصلاتيّ، و الآمن يتستّر بوضع اليد و يقوم إن كان رجلًا، و يومي الجميع للتحصيل الستر الصلاتي للخلف مع الأمن، و مطلقاً مع عدم الأمن.

فإنّ المستفاد من موثّق «إسحاق بن عمّار» «3» موافقة صلاة الإمام في جماعة العراة

______________________________

(1) الوسائل 3، أبواب لباس المصلّي، الباب 50.

(2) الوسائل 3، أبواب لباس المصلّي، الباب 27، ح 28.

(3) الوسائل 3، أبواب لباس المصلي، الباب 51، ح 2.

بهجة الفقيه، ص: 386

المستحبّة لهم، كما نقل عليه الإجماع عن «الذكرى»، و كتب «العلّامة».

و ما في خبر «أبي البختري» «1» من قوله أخيراً

ثمّ صلّوا كذلك فرادى

، لا بدّ من تأويله بما يوافق غيره، إمّا بالحمل على الجواز فلا ينافي استحباب الجماعة، و لا بدّ من كون التباعد بحدّ يوجب الاستتار عن النظر، أو حمل قوله

فرادى

، علىٰ أنّ الوظيفة ذلك إن صلّوا فرادى، و مخالفة صلاة المأمومين بالجلوس مع الركوع و السجود؛ أمّا الجلوس فلمكان عدم الأمن؛ و أمّا الركوع و السجود ففي ما مرّ دلالة علىٰ لزوم الستر المطلق للخلف بالإيماء، فإنّ الآمِن يومي لستر الخلف للصلاة، و غاية ما هاهنا أن يقع الأمن من النظر إلى الخلف، فكيف يوجّه ما فيه من

السجود و الركوع الذي عبّر بهما فيه مقابلًا لإيماء الإمام، و مع قوله

علىٰ وجوههم

؟ «2». و قد حُكي نفي الإيماء على المأمومين عن «الوسيلة» و «الدروس» و «النهاية» و «الجامع» و «الإصباح» و «المعتبر» و «المنتهىٰ». و عن «القواعد» و «البيان» و «المدارك» الإيماء على الجميع، و نقل أيضاً عن «جُمل السيد» و «مصباحه» و «المفيد» و عن «كشف اللثام» احتمال إرادة الإيماء بوجوههم. و يمكن التوجيه بأنّ الصفّ الواقع خلف الإمام الجالس المؤمي الغير الآمِن لهم الأمن في الخلف دون القدّام، فعليهم لستر القبل الجلوس، و إنّما عليهم لإيماء لستر الخلف للصلاة مع المحافظة على القيام، و المفروض عدمه هنا، فلا مانع من التعبّد بالركوع و السجود حيث لا قيام ركني، و قد وقع التنزّل عنه إلى البدل لستر القبل بغير وضع اليد، لعدم معهوديّة ايتمام القائم بالقاعد، بل في الرواية «3» تنبيه علىٰ عدم مشروعيّته.

و بالجملة، الإيماء للمأموم الجالس فيه تنزّل عن الأصل الواجب في القيام

______________________________

(1) الوسائل 3، أبواب لباس المصلي، الباب 52، ح 1.

(2) الوسائل 3، أبواب لباس المصلّي، الباب 51، ح 2.

(3) الوسائل 3، أبواب لباس المصلّي، الباب 51، ح 2.

بهجة الفقيه، ص: 387

و الركوعين، بخلاف إيماء المنفرد الآمن القائم؛ فإنّه يتنزّل عن أصل واحد دون أصلين، فلا غرابة في ارتكاب تقييد ما سبق بغير المأموم الجالس في صفّ واحد؛ نعم لا يجري ذلك في الأزيد من صفّ و إن اقتضاه الإطلاق «1»، إلّا أنّه يمكن الانصراف عنه بما مرّ من الأدلّة، فيؤمي الصفّ الأوّل و يركع و يسجد الصفّ الثاني، كما عن «التحرير» و «الذكرى».

و الأظهر: أنّ المصلّي قائماً للأمن، يجلس لإيماء السجودين و للتشهّد و التسليم

كالمستور بالثوب، كما أنّ القائم الآمن إذا اختار الركوعين يجلس للسجودين.

كما أنّ مقتضىٰ ما تقدّم في غير الجماعة من عدم تعيّن الجلوس علىٰ غير الآمن من النظر في غير المرأة، و أنّ له الجلوس لستر القبل، كما له الاكتفاء له بوضع اليد، كما له القيام مع ستر القبل بوضع اليدين للصلاة مطلقاً، و للنظر مع عدم الأمن، كما أنّ علىٰ الآمن و غيره الإيماء لستر الخلف للصلاة مطلقاً، و للنظر لغير الآمن هو جريان ذلك هنا أيضاً بملاحظة الاعتبار المرشد إلىٰ عدم الاختصاص بمورد دون مورد، لأنّ ذلك من ملاحظة الأمن و عدمه، و أفعال الصلاة و أبدالها بدون اختصاص بصورة الانفراد، و إنّما المعرضيّة بسبب الجماعة للتكشّف الممنوع وضعاً مطلقاً، و تكليفاً في الجملة. فعليه، يمكن أن يقال: لهم اختيار القيام و ستر القبل مطلقاً بوضع اليد، و ستر الخلف للصلاة بالإيماء بأن يختار ذلك للإمام و المأموم بدون تفرقة بينهما؛ و كما أنّ الأمر بجلوس غير الآمن، يمكن حمله على التخيير فكذا الإمام الذي هو سبب الاجتماع، يكون كالمأمومين غير آمن من النظر إلى القبل؛ كما أنّ الإمام لا يأمن من النظر إلى الخلف بخلاف المأمومين في صفّ واحد، فإنّ إيمائهم حينئذٍ لستر الخلف للصلاة. و حيث إنّ مستند تعيّن الجلوس موثّق «إسحاق بن عمار» «2»، و هو بهذا الاعتبار المفهوم

______________________________

(1) الوسائل 3، أبواب لباس المصلّي، الباب 51، ح 2.

(2) الوسائل 3، أبواب لباس المصلّي، الباب 51، ح 2.

بهجة الفقيه، ص: 388

من روايات المقام «1» قابل للحمل على التخيير، فلا مانع من المصير إلى التخيير هنا، نعم تعيين ذلك مخالف للنصّ هنا و في ما مرّ، و أزيد حزازة في المقام،

أعني جماعة العراة قياماً، كما هو واضح.

[مسألة] استحباب الجماعة للعراة

اشارة

مسألة: يستحبّ الجماعة للعراة بأن يجلسوا صفّاً واحداً خلف الإمام الجالس، و يومي الإمام، و يركع المأمومون و يسجدوا؛ كما لهم الانفراد مع التباعد الموجب للأمن في الجملة، و العمل بما يعمله المنفرد الآمن مطلقاً، أو في الجملة، أي في العورتين أو إحداهما فقطّ. و المراد من الآمن هو الآمن من الناظر المحترم، لا مطلق الناظر علىٰ الأظهر.

و لو لم يجد الرجل إلّا ساتراً لإحدى العورتين أو بعض الواحدة، وجب ذلك تكليفاً و شرطاً، لعدم الارتباط في شي ء منهما، و عمل في غير المستور بوظيفة العاري في ذلك، و في المستور بوظيفة اللابس علىٰ ما مرّ في الأفعال المربوطة بكلّ منهما.

و مع الدوران بين العورتين يستر عندنا ما لا ساتر له و لو من غير الثوب كالفخذين اليدين و الأليتين؛ و مع الاشتراك في ذلك عدماً يستر الدبر إذا تمكّن بستره من الركوعين في القيام و الجلوس، كما أنّ القائم المستور دبره بالأليتين الغير المستور قبله يستره بالثوب، فإذا أراد الركوعين ستر الدبر و استتر في القبل بضمّ الفخذين، و يتخيّر مع عدم الترجيح، و وجب الستر بالثوب كما هو الأحوط للمختار، و مع عدم الأمن من الناظر من جهته رأساً ترجّح التستّر فيه به و العمل بالوظيفة في الآخر، يعني وظيفة العاري من الجهة الأُخرى الغير المستورة للشرط.

و الحاصل أنّ إيماء المأموم الجالس، لا يستفاد من إيماء القائم الآمن، كما لا يستفاد من إيماء الجالس الغير الآمن بما يدلّ عليهما من الدليل. و القاعدة في ذلك من حيث

______________________________

(1) الوسائل 3، أبواب لباس المصلّي، الباب 50.

بهجة الفقيه، ص: 389

دوران الأمر بين الستر الصلاتي للخلف و المحافظة

على الركوع و السجود، هو تقديم الجزء على الشرط. و إن كان مع التساوي في الجزئيّة و الشرط، يتعيّن تقديم ما ليس له البدل علىٰ ما له البدل، و لذا قدّم الستر الشرطي في صلاة المنفرد مع الأمن، و ذلك لأهميّة الجزء و مقوّميّته للصلاة بخلاف الشرط المتمحّض في الشرطيّة، لما مرّ من أنّه بسبب وحدة الصفّ آمن من جهة النظر إلى الخلف، و غير آمن من جهة القدّام الذي يحصل ستره بكلّ من وضع اليد أو الجلوس. و لعلّ ما في «الموثّق» من ترجيح الركوع و السجود للجالس، لمكان تقديم الجزء على الشرط في المأموم الآمن من النظر إلى الخلف.

مع أنّه علىٰ تقدير التساوي فالترجيح بالدليل الذي هو في خصوص جماعة العراة، و ما سبق من الأدلّة في الإيماء في خصوص الانفراد، أو بنحو يعمّ الاجتماع خصوصاً مع فهم الاعتبار بالأمن و عدمه، لا بخصوص الانفراد و عدمه؛ بل يفهم ممّا في الموثّق من الفرق بين الإمام و المأمومين، أنّ العبرة بوجود الأمن من تكشّف الخلف للغير في المأمومين و عدم أمن الإمام من ذلك، و أنّ الإيماء كما مرّ لستر الخلف فقطّ، و أنّ إيماء الآمن القائم و إن كان لرعاية الستر الشرطي فقطّ مخصوص بغير المأمومين الجالسين، فيمكن جريانه في المأمومين إذا كانوا قائمين و سوّغنا لهم مع الإمام ذلك لما مرّ. و من المرجّحات كفاية الساتر لإحدى العورتين دون الأُخرى الغير المستورة بشي ء.

و هل المرأة كالرجل، فمع استتار العورتين فقطّ تصلّي صلاة المختار؟ الأظهر العدم مع عدم الأمن من الناظر المحترم، فتجلس لزيادة الستر و تؤمي لعدم زيادة التكشّف في غير العورتين المستورتين فرضاً؛ و يحتمل التخيير و ترجيح الستر الشرطي،

و الأحوط اختيار القيام و الركوعين، و ترجيحها على الستر الشرطي لمكان الجزئيّة، و خلوّ النصوص عن مغايرتها مع الرجل، فيحتاط في غير المعلوم كعدم الأمن علىٰ ما مرّ، لكن الأظهر الأحوط تعيّن الجلوس مع عدم الأمن في الفرض، و الاحتياط به

بهجة الفقيه، ص: 390

مع الأمن حسبما يقتضيه الارتكاز المناسب لعورتيّة جميع بدنها، و أنّها الموجبة لتبديل الركوعين بالإيماء، لا خصوصيّة العورتين؛ و مع الدوران بين عورتيها سترت غير المستور بساتر ما، و مع الاشتراك سترت القُبُل لأنه أفظع و كشفه أقبح.

و بالجملة، فالترجيح بحسب القاعدة بالجزئيّة و الشرطيّة، و بثبوت البدل و عدمه، فيتعارضان في المورد.

و دعوىٰ أنّ الترجيح بعدم البدل إنّما هو مع التساوي في الجزئيّة و الشرطيّة، و من سائر الجهات، معارضة بأنّ الترجيح بالجزئيّة إنّما هو مع التساوي في عدم البدل و في سائر الجهات، و قد فرضنا أنّ الجمع بين الشرط و الجزء غير ممكن، و كلّ واحد مقدور في نفسه. و مع عدم المرجّح و لو بسبب التعارض يحكم بالتخيير بحسب القاعدة بين الإيماء جالساً، أو الركوع و السجود، و قد احتملنا التخيير بحسب ما مرّ من الروايات بين الجلوس و القيام لغير الآمن، لإمكان التستّر في القدّام بكلّ من وضع اليد و الجلوس لأجل الشرط و النظر، كما يتستّر الخلف بالإيماء من النظر و للشرط أيضاً، لكنّه في الجماعة حيث يأمن النظر إلى الخلف بوحدة الصفّ فيتمحّض الإيماء للستر الشرطي للخلف، كما في القائم الآمن، و يكون حكم الجالس الآمن هنا كحكم القائم الآمن مع الانفراد، كما أنّ الأمر بالركوع و السجود تحفّظ على الجزء.

فيمكن أن يكون الترجيح بالدليل الخاصّ في خصوص المأموم الجالس الآمن بوحدة

الصفّ، و يمكن أن يكون الأمر بالسجود و الركوع هنا تخييريّاً، و كذا ما في القائم من الإيماء المخصوص بالآمن، كما أنّ أصل جلوس الكلّ يمكن فيه التخيير في الأمر، و علىٰ تقدير تعيّن الجلوس يحتمل تعيّن الركوع و السجود الموافق لظاهر الأمر، و أن يكون إيماء القائم الآمن تخييريّاً، لأنّ الأمر لا يستفاد منه الإيجاب بعد الورود في مقام توهّم إيجاب الأصل و عدم جواز البدل، و إن كان أصل القيام علىٰ الآمن واجباً علىٰ الأصل.

بهجة الفقيه، ص: 391

و الخنثى المشكل يستر القبلين للمقدّمة، و لا يجب ستر غير العورتين دبراً و قبلًا للشكّ في كونه امرأة، تقتدي في الصلاة بالرجل و بمن يعلم أنّه مثلها في الواقع، لكنّها تعمل بالاحتياط لعلمها بتحريم نكاح النساء، و تحريم الكشف في النظر و في الصلاة، فعليها الاحتياط.

و لو لم تجد إلّا ساتراً لواحد من الدبر أو القبلين، تستر باليدين أمكن، و بغيرهما في ما لا يمكن. و لو لم تتستّر للتعذّر بغيره، سترت ما يمكن معه من الركوعين، و هو الدبر علىٰ ما مرّ. و لو لم تتمكّن إلّا من ستر واحد من الثلاث سترت الدبر أيضاً، لما مرّ، و لكونه متيقّن العورتيّة.

و لو لم تجد إلّا ساتراً لأحد القبلين و لا ساتر غيره، سترت القضيب عن المرأة، و الفرج عن الرجل، لو لم تتمكّن من سترهما بالجلوس و ستر ما لا تتستّر به بذلك الثوب، و إلّا تعيّن ذلك علىٰ الأظهر، و كذلك لو اجتمعا عنده، فإن فُرض عدم التمكّن منه، تخيّرت في ستر واحد من القبلين.

[في بيان بعض الأحكام]
[الأول] حكم جلوس المرأة عند فقد غير ساتر العورتين

و هل المرأة إذا لم تجد إلّا ساتر العورتين، عليها الجلوس في الصلاة مع الركوعين، لأنّ بدنها

عورة، فكما تجلس للناظر لأقلّيّة الكشف عنه تجلس للصلاة لأقلّيّة الكشف فيها إجراءً لأحكام العورة؟

لا يخلو عن تأمّل، لأنّ تبديل القيام بالجلوس لا بدّ له من دليل مفقود في غير عدم الأمن من الناظر، كما دلّ في تبديل الركوعين بالإيماء مع الأمن من الناظر، و الأحوط ارتكازاً لها الجلوس لو لم تجمع بين الصلاتين على الكيفيّتين، أعني القيام و الجلوس.

و احتمال التخيير فيه لمكان أنّه لا بدّ له من الستر الشرطي للقبل إمّا بوضع اليد، أو بالجلوس، و لا يتعيّن الأوّل يمكن دفعه بأنّه لا يوجب سقوط القيام. و إطلاقات الأمر

بهجة الفقيه، ص: 392

بالجلوس «1» قد فرض تقيّدها بعدم الأمن، إلّا أنّ الإيماء فيه للستر الشرطي للخلف.

و يمكن فيه التخيير بينه و بين المحافظة على الجزء و هو الركوع و السجود، كما يمكن الأمر بهما في المأموم الجالس تخييريّاً، و إنّما يلتزم بالتعيّن للإيماء في حقّ المأموم إذا لم يأمن من النظر إلى الخلف حتى مع وحدة الصفّ، كما يلتزم به في الجالس المنفرد.

و يمكن دعوى انصراف «الموثقة» «2» عن الفرض، و يبقى ما فيها من الأمر بالركوع و السجود.

فيمكن أن يقال بأنّ المتيقّن أو المفهوم من الروايات السابقة «3» خصوص المنفرد، كما أنّ «الموثّقة» في خصوص المأموم، فيتغاير الموضوع فيهما؛ و علىٰ تقدير استفادة العموم من الروايات السابقة «4» المجتمعة بما مرّ، فالموثقة مخصوصة بالجماعة، و يخصّص بها عموم الأمر بالإيماء، لستر الخلف شرطاً.

[الثاني] تعيّن الإيماء مع عدم الأمن

فتحصّل: أنّ إيماء المأموم الجالس مع عدم الأمن حتى مع وحدة الصفّ في خط واحد، هو المتعيّن، لانصراف «الموثّقة» عن ذلك، و اقتضاء غيرها من العموم، أو ما يُلغىٰ فيه الخصوصيّة للإيماء للستر النظري و الشرطي للخلف؛ و

أمّا مع الأمن فمع قيام الكلّ و أمن المأمومين من الخلف فالستر الشرطي مستفاد ممّا فيه الأمر بالإيماء على القائم الآمن بإلغاء الخصوصيّة، لكنّ الكلام في جواز القيام لأخصيّة «الموثّقة» من العمومات؛ و مع جلوس الكلّ فالموجب للركوع و السجود، و تقديم المحافظة علىٰ الأصل فيهما علىٰ رعاية الستر الشرطي، هو

الموثّق

الذي عمل بها مع ما مرّ من أخصيّة موضوعه من العمومات، أو المغايرة.

______________________________

(1) الوسائل 3، أبواب لباس المصلي، الباب 51 و 52.

(2) الوسائل 3، أبواب لباس المصلّي، الباب 51، ح 2.

(3) الوسائل 3، أبواب لباس المصلّي، الباب 50.

(4) الوسائل 3، أبواب لباس المصلّي، الباب 50.

بهجة الفقيه، ص: 393

و ما في صحيح «علي بن جعفر» «1» من الإيماء على القائم الخاصّ بالمنفرد، أو العامّ له، تقديم لما ليس له البدل، و هو الستر الشرطي على الركوع و السجود، مع تقيّده بالأمن بسبب الروايات المفصّلة؛ فمع استفادة التعيّن في كلتا الطائفتين يتعيّن العمل بكلّ منهما في مورد، و أنّ غير الآمن من النظر إلى الخلف يومي إذا كان جالساً؛ فإنّه المتيقّن من حسن «زرارة» «2» بلا خصوصيّة للانفراد، فيختصّ ما في «الموثّق» بالآمن الجالس المأموم، بل لا خصوصيّة للمأموميّة، و إنّما العبرة بالأمن من النظر إلى الخلف دون القبل؛ فيجري فيمن جاز له الجلوس الساتر للقبل؛ فليس عليه تقديم الستر الشرطي على الركوع و السجود، بل يمكن إلغاء خصوصيّة الجلوس؛ فلو جاز القيام للإمام و المأموم، جاز للمأمومين الركوع و السجود مع الأمن من النظر إلى الخلف لولا المعارض للموثق، و كذا القيام الجائز للمنفرد؛ فيجوز معه في صورة الأمن من النظر إلى الخلف، أو مطلقاً مع التستّر بوضع اليد الركوع و السجود تقديماً للجزء

علىٰ الشرط.

و المستفاد من الصحيح في إيماء القائم بعد التقييد بالمفصّل، ترجيح الشرط الذي ليس له البدل على الجزء الذي له البدل؛ و التخصيص بالآمن القائم كتخصيص «الموثّق» بالآمن الجالس، لا يخلو عن تأمّل، و إن انحفظ أصل القيام دون الركنين الآخرين في مورد «الصحيح»، و انحفظ الركنان دون القيام الركني في مورد «الموثّق»، لكن لازم التخصيص عدم جريان في صورة قيام الكلّ، و قد يستبعد ذلك.

لكنّه لا ينبغي الإشكال في الجالس الآمن من النظر إلى الخلف في جواز الركوعين له، و في القائم الآمن مطلقاً، أو من الخلف في جواز الإيماء له؛ و في ما عدا الصورتين، فمقتضى القاعدة، التخيير بعد البناء علىٰ صحّة العمل من حيث القيام و الجلوس، لعدم البدل للشرط و أهميّة الجزء الذي له البدل و عدم تعيّن الترجيح بشي ء منهما، لأنّ إلغاء

______________________________

(1) الوسائل 3، أبواب لباس المصلّي، الباب 50، ح 1 و 6.

(2) الوسائل 3، أبواب لباس المصلّي، الباب 50، ح 1 و 6.

بهجة الفقيه، ص: 394

الخصوصيّة معارض بالمثل في الطائفتين المذكورتين، و الفرق الثابت في «الموثّق» ذهب إليه جماعة، كما أنّ إيماء الجميع منسوب إلىٰ جماعة ممّن تقدّم، و حيث إنّ العمل بالروايات، فلا أثر في الفتاوىٰ في غير ما يفهم من الروايات، و فهم الإلزام منهما مشكل لما مرّ.

و ما عن «الذكرى» من الإشكال في «الموثّق» بأنّه مع صدق المطّلع يجب الإيماء، و مع عدم صدقه يجب القيام يمكن الجواب عنه بالأمن من النظر إلى الخلف في كلّ من القيام و الجلوس في خطّ واحد، فلهم الركوع و السجود ترجيحاً للجزء على الستر الشرطي، و عدم الأمن من النظر إلى القبل، فلهم الجلوس للستر التكليفي

و الشرطي، كما لهم القيام مع قيام الإمام. و ما أجاب به من أنّ التلاصق في الجلوس أسقط اعتبار الاطّلاع بخلاف القيام مخدوش بما عرفت.

فيمكن أن يقال بعد ملاحظة مجموع الروايات في غير المعنون بالجماعة، مع «الموثّق» المختصّ بالجماعة؛ و بعد ملاحظة أنّ الإيماء ليس إلّا لستر الخلف عن النظر و للشرط، أو لخصوص الشرط؛ و أنّ الجلوس ليس إلّا لستر القبل الذي يخلفه وضع اليد، و أنّ روايات التفصيل لا بدّ من التقييد بها للمطلقات؛ و أنّ جلوس المنفرد ليس إلّا لعدم أمنه من النظر إلى الخلف، و مثله جلوس الإمام و المأموم؛ و أنّ الوظيفة في صورة عدم الأمن من النظر إلى القبل هو الجلوس المبيّن في الجماعة؛ و أنّه يمكن الاستغناء عنه بوضع اليد للمجتمع و المنفرد، فيقوم الجميع مع وضع اليد الساترة للقبل، و في صورة الأمن من النظر هو القيام المصرّح به في صحيحة «علي بن جعفر» المطلقة، و في روايات التفصيل؛ و أنّ القيام حينئذٍ لستر الخلف شرطاً؛ و أنّه لا فرق بين القيام و الجلوس في صورة الأمن من النظر إلى الخلف في أنّ الإيماء لترجيح الشرط، و الركوع لترجيح الجزء من دون تكليف بالنظر و حكمه؛ و أنّه لو لم يجب وضع اليد على القائم، لما جاز له ترك الركوع و السجود بالإيماء لستر الخلف مع الأمن؛ و أنّه لا بدّ من تسويغ الإيماء للآمن من النظر إلى الخلف القائم للصحيحة بعد التقييد بما فيه

بهجة الفقيه، ص: 395

التفصيل، و من تسويغ الركوع و السجود للآمن من النظر إلى الخلف مع الجلوس؛ و يحتمل التعيين لما مرّ في الموردين كما هو ظاهر الأمر في المقامين، و

يحتمل تخيير كليهما بين الأمرين مع إلغاء الخصوصيّة للقيام في الأوّل، و الجلوس في الأخير، كما يتعيّن الإيماء علىٰ غير الآمن من النظر إلى الخلف، كان جالساً، كما وقع في ما يستفاد من صحيح «زرارة»، أو قائماً إن سوّغنا القيام له مع وضع اليد للنظر و للشرط. و عليه، فالاحتياط للقائم الآمن من النظر إلى الخلف في الإيماء، و للجالس الآمن من النظر إلى الخلف في الركوع و السجود، و في المقامين، محافظة علىٰ بعض أصول الصلاة، و الفرق بين الآمن من النظر إلى القبل و غيره في اختيار الأوّل للقيام مع وضع اليد، و اختيار الثاني للجلوس، و أنّه لا أثر للجلوس إلّا ستر القبل للنظر، أو للشرط، أو لهما كما في غير الآمن، و أنّه يُلغىٰ خصوصيّة الجماعة مع عدم الأمن من النظر إلى الخلف، فيُعيَّن الإيماء حينئذ للمنفرد كما يتعيّن للإمام، كما أنّه علىٰ تقدير جواز الجماعة مع القيام يمكن لحوق المأموم بالآمن المنفرد من النظر إلى الخلف فيؤمي مع وضع اليد، و يمكن لحوقه بالمأموم الجالس الآمن من النظر إلى الخلف فيركع و يسجد، و يختلف ذلك باختلاف المبنىٰ في الإيماء للقائم و الركوع للجالس مع أمنهما من أنّه على التعيين أو التخيير.

و الأظهر جواز ترجيح الستر الشرطي بالإيماء لكلّ آمن من النظر إلى الخلف مع قيامه الجائز، كما إذا جوّزنا القيام للجماعة متستّرين باليد فقاموا كذلك، فلهم الإيماء للركوع و السجود، و فيه إلغاء لخصوصيّة الانفراد للقائم، و ترجيح الركوع و السجود لكل آمن من النظر إلى الخلف مع جلوسه الجائز، كما إذا جلس المنفرد لعدم الأمن من القدّام، و كان آمناً من النظر إلى الخلف، فله أن يركع و

يسجد، و فيه إلغاء لخصوصيّة الجماعة لصراحة صحيحة «عليّ بن جعفر» بعد التقييد بروايات التفصيل، و صراحة «الموثّق» في كلّ واحد من الأمرين على الترتيب.

و يبقى الكلام في تعيين ذلك في غير ما ذكر فيه اللحوق، أعني مورد الروايتين في المقامين، مورداً للتردّد و الاحتياط كما مرّ.

بهجة الفقيه، ص: 396

تفصيل من «الجواهر» في المقام و الملاحظة فيه و أمّا ما في «الجواهر» «1» من الفرق في المنفرد بين الجالس الغير الآمن فيؤمي، ترجيحاً للستر النظري على الركوعين؛ و القائم الآمن، فيركع و يسجد، ترجيحاً لهما على الستر الشرطي الساقط بالتعذّر، [فيمكن] الاستدلال له في الأوّل بحَسَن «زرارة» «2» بعد حمله علىٰ غير الآمن. و قد استدلّ للثاني بالأصل المقطوع بصحيح «علي بن جعفر» «3» بعد التقييد بروايات التفصيل؛ و بخبر «الحفيرة» «4» بناء علىٰ عدم كونها ممّا يتستّر بها، و إن ذكرها لانتفاء غير مثلها كما هو الغالب في مفروض السؤال؛ و بناء علىٰ اطّراد القيام فيها؛ أو أنّ ترجيح الركوعين على الستر الشرطي مطّرد مع الأمن من النظر، [سواء] كانت الوظيفة في القيام، أو الجلوس الواقع في «الموثّق» «5».

لكن دلالة «الصحيح» علىٰ جواز الإيماء مع الأمن، تصرّف عن دلالة «الخبر» علىٰ وجوب الركوعين مع الأمن و كذا لا دلالة للموثّق علىٰ تعيّن الركوعين، كما لا دلالة له علىٰ تعيّن الجلوس حتّى مع قيام الإمام و إيمائه، فلهم الإيماء قائمين في الفرض، كما في المنفرد بحسب الصحيح المتقدّم.

و يمكن أن يجوز لهم الإيماء جالسين مع الإمام ترجيحاً للستر الشرطي، كما في «الصحيح» بعد استفادة الاعتبار بالدوران بين الشرط و الجزء.

و استدلّ «6» أيضاً بأنّ المسوغ للقيام مسوّغ للركوعين، لعدم الفرق في مسوغيّة الأمن بينهما

و بين القيام، فإذا ترجّح القيام على الشرط ترجّحا عليه، و إنّما يترجّح الستر

______________________________

(1) جواهر الكلام 8، 210.

(2) الوسائل 3، أبواب لباس المصلّي، الباب 50، ح 6.

(3) الوسائل 3، أبواب لباس المصلّي، الباب 50، ح 2.

(4) الوسائل 3، أبواب لباس المصلّي، الباب 50، ح 1.

(5) الوسائل 3، أبواب لباس المصلي، الباب 51، ح 2.

(6) جواهر الكلام 8، ص 210.

بهجة الفقيه، ص: 397

عن النظر المفقود مع الأمن؛ فالمحافظة على القيام، لسقوط الشرط حيث لا يمكن الجمع بينهما، فكذا يحافظ عليهما، فيسقط الشرط، حيث لا يمكن الجمع مع اشتراكهما في الأمن من النظر.

و دعوى الفرق بإمكان الستر الشرطي مع القيام بوضع اليد دون الركوعين لانكشاف الخلف فيهما لا محالة، مدفوعة بعدم وجوب وضع اليد، كما هو ظاهر النصّ «1» و الفتوىٰ، مع أنّه علىٰ تقدير وجوبه لا محلّ للتفصيل بين الأمن و عدمه، لاطّراد الأمن المقتضي للقيام مع وضع اليد. انتهىٰ بتوضيح.

و فيه أنّ مسوّغ القيام لحصول الستر النظري، بالأمن؛ و الشرطي، بوضع اليد، و لا يجري في الركوعين، و لا في غير القيام مع الإيماء، لعدم انحفاظ الستر الشرطي في الخلف، و عدم التصريح بوجوب وضع اليد لوضوحه، و لأنّه لولا جواز ترجيح الستر الشرطي على الركوع، لما سوّغ الإيماء في «الصحيح»، و ليس تصريحاً و لا ظهوراً في عدم الوجوب، بل يظهر الوجوب من تجويز الإيماء، أو إيجابه للستر الشرطي للخلف، المشارك للقابل في الشرط كالنظر.

كما ليس في «الموثّق»، علىٰ أنّ مسوِّغ الركوعين الأمن الحاصل في صلاة القائم أيضاً، فلعلّه الأمن مع التنزّل من القيام إلى الجلوس، مع أنّه لو كان هو الأمن فلا دليل علىٰ تعيّن الركوعين مع الأمن النسبي من النظر

إلى الخلف حتى في حال القيام إلّا بالإطلاق القابل للتقييد بما في «الصحيح». و الالتزام بتعيّن الإيماء مطلقاً على القائم الآمن من الخلف، و الركوعين على الجالس الآمن من الخلف كتعيّن الإيماء علىٰ غير الآمن، إذا كان جالساً، منفرداً كان كما في حسن «زرارة»، أو إماماً كما في «الموثّق».

و أمّا «المرسل» في الحفيرة، فيمكن منع إفادته للحكم في القائم الآمن، لأنّ الغالب في مثلها عدم التمكّن من القيام، كما أنّ الظاهر هو الأمن بسببها، فعليه يكون، كما في المأموم الجالس خلف الإمام الجالس، في أنّه يركع و يسجد، و لا دلالة له علىٰ كفاية

______________________________

(1) الوسائل 3، أبواب لباس المصلّي، الباب 50.

بهجة الفقيه، ص: 398

الأمن و لو في حال القيام في تعيّن الركوعين، فلعلّه مقيّد بعدم القيام، و لعلّه يجمع بين «الخبر» «1» و ما في صلاة العُراة جماعة، و بين ما دلّ علىٰ إيماء القائم الآمن بتعيّن الإيماء مع القيام و الأمن، و الركوعين مع الجلوس و الأمن، و إطلاق ما في «المرسل» لقيام الآمن يمكن تقيّده بما دلّ علىٰ إيماء القائم مقيّداً بما دلّ علىٰ أنّ غير الآمن لا يتعيّن، أو لا يجوز له القيام.

و مطلقات الأمر بالجلوس «2» مقيّدة بما دلّ علىٰ أنّ الآمن يقوم و غيره يجلس، و إطلاق أدلّة الإجزاء «3» معارَض بإطلاق دليل شرطيّة الستر، و تقدّم الجزء غير مسلّم في صورة ثبوت البدل له دون الشرط.

و كفى بإطلاق دليل الشرطيّة، أعني الإجماع المنقول المؤيّد باستفادة الوضع من روايات الصلاة في الستر «4»، و بالارتكاز المتقدّم، دليلًا لكون الستر بمعنى الإخفاء عن الناظر التقديريّ بأيّ آلة كان، و إنّما ذكر القميص و نحوه لمكان التعارف، فإنّ العاقل المتمكّن

لا يتستّر بغير الثياب، كما لا يتحفّظ عن البرد بغيرها.

و منه يظهر أنّه لا حاجة إلى الشهرة في العمل بالصحيح و نحوه، مع أنّ منع الشهرة في غير محلّه، فإنّ الاختلاف في إطلاق القيام أو الجلوس لا ينافي الاتفاق علىٰ الإيماء للستر الشرطي و هو المقصود؛ و أمّا موافقة كلّ في القيام أو القعود، فليست لازمة مع وجود روايات التفصيل التي لا شهرة علىٰ خلافها.

فتحصّل ممّا قدمناه: أنّ الفرق بين القيام و القعود، ليس إلّا في ستر القبل و عدمه؛ فالآمن من النظر إلى القبل يقوم، كما أنّ غير الآمن منه، يجلس فيستر قدّامه بالجلوس، و حيث لا يتعيّن ستره به، أمكن كونه مخيّراً بينه و بين القيام مع وضع اليد؛

______________________________

(1) الوسائل 3، أبواب لباس المصلّي، الباب 50، ح 3.

(2) الوسائل 3، أبواب لباس المصلّي، الباب 50.

(3) الوسائل 4، أبواب أفعال الصلاة، الباب 1.

(4) الوسائل 3، أبواب لباس المصلي، الباب 28.

بهجة الفقيه، ص: 399

كما أنّ الفرق بين الإيماء و الركوعين في انكشاف الخلف و عدمه، فالآمن من النظر إليه له أن يركع و يسجد، كما وقع في «الحفيرة»، و في المأموم، فيرجّح الجزئين على الستر الشرطي، كما له أن يومي و يرجّح الستر الشرطي على الجزئين، كما في صحيحة «علي بن جعفر» بعد تقييد ما فيه من القيام بالأمن؛ كما أنّ الجالس لعدم أمنه مطلقاً يومي و يرجّح الستر النظري و الشرطي، و مثله الإمام المفروض في «الموثّق».

و عليه، فيجوز للآمن المطلق، القيام مع وضع اليد للشرط و الإيماء، لترجيح الشرط على الجزء؛ كما يجوز له الركوع، لترجيح الجزء لو عمل بمرسل «الحفيرة»، و مثله المأموم في «الموثّق»؛ كما أنّ غير الآمن مطلقاً يجلس

و يومي، و منه الإمام المفروض، في «الموثّق». و تعيّن الجلوس علىٰ غير الآمن نسبيّاً إلى القبل مع إمكان التستّر بوضع اليد قائماً، محلّ التأمل.

و علىٰ أيّ، فالآمن المطلق، لا ينبغي الاستشكال في جواز أو وجوب القيام له مع الإيماء و ستر القبل باليد عملًا بروايات التفصيل مع صحيحة «علي بن جعفر» و ما يستفاد من الفحوى فيها، فإنّ الإيماء للدبر كالوضع للقبل، فإذا جاز الأوّل أو وجب و إن أسقط الجزء، جاز أو وجب الثاني الذي لا يسقط شيئاً.

و أمّا مضمر «سماعة» فأضبطيّة «الكافي» «1» ترجّح القعود إذا لم يروه في «التهذيب» «2» عن «الكافي» أيضاً. و علىٰ أيّ، فعلى تقدير القعود تكون كحسن «زرارة» مقيّدة بروايات التفصيل، و كذا علىٰ تقدير القيام؛ فلا أثر لها إلّا تأييد إحدى المعتبرتين في القيام أو القعود.

و كذا لا ينبغي الاستشكال في أنّ غير الآمن المطلق، يجوز له الجلوس مع الإيماء، أي لستر القبل بالجلوس و ستر الدبر بالإيماء، و الإمام في «رواية الجماعة» «3» كالمنفرد

______________________________

(1) الكافي 3، ص 396، الرقم 15.

(2) التهذيب 2، ص 223، الرقم 881.

(3) الوسائل 3، أبواب لباس المصلّي، الباب 51، ح 2.

بهجة الفقيه، ص: 400

الغير الآمن المطلق؛ كما أنّ المأموم آمن نسبيّاً إلى الخلف غير آمن نسبيّاً إلى القبل، فله الجلوس للثاني، و له الإيماء على القاعدة و للموثّق للأوّل، و يبقى غير هذه الأعمال و الكيفيات مورداً للتأمّل. و ممّا قدمناه يظهر وجه النظر في ما أفاده في «الجواهر» «1»، ثمّ لحقه في المحصّل: «إنّ ما يمكن دعواه أحد أمور أربعة:

الأوّل: و هو الذي جعله أقوى القولين سقوط الستر للصلاة و بقاؤه من حيث النظر، فمع عدمه يأتي بالصلاة

تامّة، و مع وجوده ينتقل إلىٰ الأبدال.».

و فيه أنّ سقوط الشرط إن كان للقاعدة، فلا بدّ له من دليل، لأنّ المفروض التمكّن من رعايته في نفسه. و إنّما يزاحمه رعاية الجزء الذي له بدل؛ فالقاعدة تقتضي التخيير، لا تعيّن الركوعين علىٰ الآمن، مع أنّ «الصحيح» «2» قد دلّ علىٰ ترجيح الستر الشرطي جوازاً أو وجوباً، فلا طريق إلىٰ تعيين الخلاف.

و أمّا الثاني «3» الذي جعله عبارة عن سقوط الشرط مع التعبّد بما فيه التفصيل، و إلزام الركوع و السجود في الحالين، و قد مرّ أنّه على القاعدة مع التأمّل في الالتزام، و القطع بعد ابتنائه على السقوط، و كيف يلتزم بالسقوط و إيجاب الإيماء علىٰ الآمن أو تجويزه، مع أنّه يشتمل علىٰ إسقاط الركوعين بلا مزاحم؟ فهل يكون إلّا تعبّداً في قبال العلم؟ و لا نعلم من صرّح بهذا الوجه مقرّاً بأنّه تعبّد محض، مع أنّه لا شرط في حقّ العاري الآمن، و لا بد من إسقاط هذا الوجه الثاني عن الوجوه الممكنة المناسبة.

و أمّا الثالث المشتمل علىٰ نفس الكيفيّة في السابقين مع التفصيل بين العورتين، فيجب سترهما نظراً و شرطاً في الجلوس، و بين خصوص الدبر، فلا يجب إلّا سترها شرطاً في القيام و الركوع و السجود، يعني الأليتين في الأوّل، و بالإيماء في الأخيرين،

______________________________

(1) جواهر الكلام 8، ص 217، و صفحات قبلها.

(2) الوسائل 3، أبواب لباس المصلّي، الباب 50، ح 1.

(3) جواهر الكلام 8، ص 217 و صفحات قبلها.

بهجة الفقيه، ص: 401

و هذا تفكيك بين العورتين في الشرطيّة، و لازم انتفائه جمعها في الشرطيّة، لا في سقوط الشرطيّة، كما فعله قدس سره «1»؛ مع أنّه خلاف المفهوم من الأدلّة، لكفاية المحافظة على

الستر الشرطي بإيماء القائم دليلًا علىٰ لزوم الستر الشرطي بوضع اليد على القبل، و السكوت عنه لوضوحه، لا لوضوح عدمه أو لعدم لزومه؛ مع أنّ وضع اليد له أحكام الستر النظري و الشرطي بمقتضى الرواية «2»، و هي خبر «أبي يحيى الواسطي»

و الدبر مستور بالأليتين؛ فإذا سترت القضيب و البيضتين، فقد سترت العورة

، فمهما كان الستر شرطاً، كان وضع اليد محقّقاً له.

ثمّ إنّ المرأة الآمنة ليست كالرجل، فهل عليها الجلوس للستر الشرطي في ما لا يستره الأليتان و وضع اليد، أو أنّها بالخيار بين الستر الشرطي و القيام؟ مقتضى القاعدة مع عدم ذكر خلافها في النصوص، الثاني.

ثمّ إنّ لازم ما اختاره في «الجواهر» «3» هو أنّ الشرطيّة مقصورة على التمكّن من الستر بغير البدن، فالعاري لا شرطيّة في حقّه مع الأمن، و لذا بنىٰ علىٰ وجوب الركوعين عليه؛ و أمّا غير الآمن، فحيث إنّه مكلّف مطلقاً بالستر فما كان واجباً تكليفاً في حقّه فهو شرط في صحّة صلاته، فيجب الجلوس و الإيماء عليه، منفرداً كان أو إماماً؛ و أمّا المأموم، فحيث إنّه متمكّن من الصلاة خلف الإمام، و متّصلًا بالمأموم الآخر لو كان، و في صفّ واحد فهو آمن من جهة، و غير آمن من جهة، فيجلس لعدم أمنه في قبله، و يركع و يسجد لأمنه في دبره، كما يركع القائم الآمن عنده، و قد مرّ توجيه خلافه؛ إلّا أنّه علىٰ تقديره فيدور الشرطية للعاري مدار التكليف المقصور علىٰ صورة الناظر المحترم، فلا يحتمل العموم لمطلق الناظر، إذ لا يحتمل التكليف كي يحتمل الوضع.

______________________________

(1) جواهر الكلام 8، ص 217.

(2) الوسائل 1، أبواب آداب الحمام، الباب 4، ح 2.

(3) جواهر الكلام 8، ص 217.

بهجة الفقيه،

ص: 402

و كلامه قدس سره هنا لا يأبى عن سقوط الشرط للعاري و بقاء الستر النظري مع عدم الأمن فيُسأل عن الدليل على البطلان مع المخالفة بالتكشّف مع عدم الأمن، إذ لا يوجب النظر إلىٰ الأجنبيّة، البطلان، خصوصاً بناء علىٰ اختيار عدم البطلان في سائر موارد اجتماع الحرمة و الوجوب.

و أمّا علىٰ ما مرّ من أنّ المستفاد من روايات التفصيل «1» المعتبرة للأمن في القيام و لعدمه في الجلوس، بضميمة المرتكز من لزوم التحفّظ عن التكشّف المحرّم للأجنبي تكليفاً و وضعاً، أنّ إناطة صلاة خاصّة بالغير وجوداً و عدماً لا يفهم منها إلّا إرادة الناظر المحترم، و غيره، فوجوده و عدمه سواء في صحّة الصلاة و عدمها، و كذا رؤيته و عدمها، فعموم اللفظ لا يُعبأ به مع ارتكاز الخصوص.

ثم إنّ صحة الصلاة مع الركوع مثلًا مع التوظيف بالإيماء، أو بالعكس و عدمها، مبنيّة علىٰ اختيار التجويز الملازم للوجوب التخييري، أو العزيمة و الإيجاب. و ورود الأمر و النهي في مقام توهّم وجوب الضدّ ربّما يمنع عن الجزم بالوضع و التعيين، مع أنّه ربّما يجمع بين الروايات المتخالفة «2» بالحمل على التخيير و لو كانت النسبة عموماً مطلقاً، إلّا أنّه لا يخلو عن بعد، فإنّ الالتزام بالتكليف و التخصيص أقرب من العموم مع رفع اليد عن الإطلاق المقتضي للتعيين، أو رفع اليد عن الظهور في الوجوب، خصوصاً مع تأكيد الأمر بالنهي في حسن «زرارة» «3»؛ و أمّا عذريّة الجهل بالحكم أو النسيان، فمبنيّة علىٰ شمول «لا تعاد» «4»، و ليس بكلّ البعيد علىٰ إطلاقه.

[الثالث] حكم نسيان إيماء الركوع

و لو تذكّر بعد الركوع و لو بعد السجود بناء على التعيين، فلا مانع من الإيماء، لعدم

______________________________

(1) الوسائل 3،

أبواب لباس المصلّي، الباب 50.

(2) الوسائل 3، أبواب لباس المصلّي، الباب 50 و 51.

(3) الوسائل 3، أبواب لباس المصلّي، الباب 50 ح 6.

(4) الوسائل 3، أبواب لباس المصلّي، الباب 9، ح 1.

بهجة الفقيه، ص: 403

الاعتداد بما قدّمه. و الزيادة المبطلة إنّما هي في الركوع مثلًا مع التوظيف بالأصل، لا مطلقاً؛ و مبطليّة العمد لو سلّمت ليست للزيادة، و أمّا الإيماء فلا دليل علىٰ مبطليّة زيادته. و البدليّة في تتميم الصلاة أعمّ من المحكوميّة بجميع أحكام المبدَل التي منها البطلان بالزيادة و النقيصة و لو لا عن عمد؛ و كذا لو نسي إيماء الركوع حتّى دخل في إيماء السجود إلّا إذا تذكّر بعد الإيمائين للسجود، فإنّ تدارك إيماء السجود بعد إيماء الركوع مستلزم للزيادة العمديّة المبطليّة للإيماء، لا أنّه بحكم زيادة السجود فتبطل و لو سهواً.

[الرابع] كيفية الإيماء و الركوع و السجود في صلاة العاري

ثم أنّ الظاهر أنّ الإيماء هنا بالرأس، و لعلّه المفهوم من الإيماء غير مقيّد بالعين، و يمكن استفادته من مناسبة الحكم و الموضوع، فإنّ الركوعين للتعظيم، فالمناسب في البدل الدلالة عليه، و هي مع الإمكان في الإشارة بالرأس، و حكىٰ ذلك عن نصّ الأصحاب في «الجواهر» «1».

و منه يظهر إمكان فهم اعتبار الأخفضيّة للسجود من إيماء الركوع، كما حكىٰ نسبته إلىٰ الأصحاب في «الذكرى» و دلّ عليه خبر «أبي البختري» «2»، فيمكن انجباره بالعمل في هذه الجهة.

و الظاهر منه و ممّا قدّمناه أنّ ذلك معتبر في الفرق بين الإيمائين حيثما كان التوظيف بهما، بلا فرق بين الجلوس و القيام إلغاءً للخصوصيّة بالمناسبة المتقدّمة.

و حيث إنّ المستند للإيماء روايات المقام «3»، و هي لا تدلّ علىٰ أزيد من الإشارة بالرأس، فلا وجه للزوم الانحناء إلىٰ ما لم يبلغ حدّ الراكع

و الساجد أو كشف العورة،

______________________________

(1) جواهر الكلام 8، ص 200.

(2) الوسائل 3، أبواب لباس المصلّي، الباب 52، ح 1.

(3) الوسائل 3، أبواب لباس المصلّي، الباب 50، ح 1 و 6.

بهجة الفقيه، ص: 404

لأنّ دليله «قاعدة الميسور» بناء علىٰ صدقه علىٰ الانحناءات المنتهية إلى الركوعين، و إن كان لا يخلو عن تأمّل في غير تقدير دخول الانحناءات في مفهوم الركوع و السجود، و كونها من المقدّمات الخارجيّة لا الداخليّة حيث لا يصدق الميسور حينئذٍ على المقدّمات، بل على المقوّمات فقطّ.

كما أنّه علىٰ تقدير القول و تماميّة الاستناد، فالظاهر سقوط الفرق، و لزوم آخر ما يمكن في الركوع، فلا محلّ للأخفض في السجود، و استفادة اعتبار الأخفضيّة ممّا ورد في البدل تعبّد لا يتعدّىٰ منه، كما لا محلّ للأخفضيّة في ما بين نفس الركوع و السجود لعدمهما فرضاً.

[الخامس] عدم وجوب واجبات السجود ما سوىٰ الإيماء

ثمّ إنّ الظاهر علىٰ تقدير عدم وجوب ما سوىٰ الإيماء، عدم وجوب واجبات السجود من وضع المساجد علىٰ الأرض، لعدم الدليل على الوجوب في غير السجود، و عدم إفادة البدليّة وجوب واجبات السجود في البدل، و إنّما يحتمل ذلك بناء علىٰ وجوب الانحناء و كونه من المقدّمات الداخليّة المستلزمة لكونها مرتبة من السجود، مع إمكان منع الاستلزام؛ و إنّما الواجبات، في حال السجود بما له من الانحناءات المنتهية إلىٰ وضع الجبهة؛ فوجوب غيره لا يستلزم وجوب سائر الواجبات في السجود مع ذلك الغير، إلّا إذا علم أنّ ذلك سجوده عند عدم التمكّن من سجود المختار، فيجب عليه ما يجب عليه في السجود، حتّى رفع ما يسجد عليه من الأرض إذا لم يُخلّ بوضع اليد الواجب، و إلّا أمكن التخيير. و تقديم الأصل الاختياريّة لا يستلزم ترجيح غيره ممّا

يشبهه في الصورة، بل في وجوبه مع عدم صدق السجود تأمّل.

و بالجملة، فمع وجود إطلاق وجوب الإيماء بالدليل كما في المقام لا محلّ لهذه الواجبات، لعدم الدليل، و عدم الفهم من أدلّة الإجزاء بضميمة «قاعدة الميسور» لوجود الدليل الخاص بالمقام.

بهجة الفقيه، ص: 405

و منه يظهر: أنّ محلّ سائر الواجبات إنّما هو الالتزام بوجوب الممكن من الانحناء، كما في المريض، مع عدم دليل علىٰ وجوب الإيماء عليه، لا مثل المقام.

[السادس] وجدان الساتر في الأثناء

و لو وجد الساتر في الأثناء و لم يتوقّف التستّر على المنافي، تستّر به و أتمّ، للعمل بوظيفة العريان في ما مضى في ما يجوز فيه البدار و التستّر بقىٰ، و العفو في الأثناء علىٰ ما مرّ من التعبديّة، و أنّ عدم العلم لمكان عدم التمكّن من الامتثال للأمر بتحصيل الشرط، و أنّ غير المتمكّن كالجاهل بمناسبة الحكم و الموضوع.

و هل العبرة بالتمكّن من الستر بلا منافٍ و لو كان هو الفصل الطويل بين الأجزاء و لو كان جزءاً واحداً، كما هو الظاهر من «الجواهر» «1»، أو بأطوليّة زمان الصلاة بلا ستر مع عدم الاشتغال بالتستّر منها مع الاشتغال بالستر؛ فلا ستر علىٰ من لو اشتغل بالتستّر كان عارياً في دقيقتين، و لو لم يشتغل كان عارياً في دقيقة، لقلّة الأجزاء الباقية، و عدم اختصاص الشرط بنفس الأجزاء، بل يعمّ الأكوان المتخلّلة، كما لعلّه المراد من المحكي عن الكشف؟

وجهان، لا يخلو ثانيهما عن رجحان، لكنّه مع ملاحظة تحقّق المنافي و عدمه يلاحظ طول زمان التكشّف و قصره أيضاً.

و إن توقّف علىٰ فعل المنافي و لم يتمكّن من الصلاة مع الستر و لو بركعة في الوقت، أتمّ صلاته.

و إن تمكّن فهل يستأنف، أو يستمرّ؟ يمكن للمختار

التخيير، للدوران بين الأخذ ببدليّة وقت الركعة مع الحفظ على الستر، أو بالإبدال في صلاة العاري مع المحافظة علىٰ وقت الركعات كلّها، كالدوران بين ركعة مع المائيّة، و أربع مع الترابيّة علىٰ ما وجّهنا في محلّه فيه من التخيير بين إعمال السببين. و حيث إنّ القاعدة تقتضي

______________________________

(1) جواهر الكلام 8، ص 203.

بهجة الفقيه، ص: 406

التخيير، فيتعيّن أحد الطرفين بالنهي عن الإبطال «1»، و ليس بطلاناً و إلّا لما كان مخيّراً لولا النهي عن الإبطال.

و أمّا الترجيح بنفس البدليّة و انحصارها في الوقت الاضطراري، ففيه أنّ البدليّة للإيماء و الجلوس عن الركوعين و القيام مع المحافظة على الشرط أيضاً ثابتة، و الترجيح بين البدلين بلا مرجّح، إلّا علىٰ ما مرّ.

و المناقشة في استصحاب جواز الاشتغال بالصلاة، أو حرمة القطع بتغيّر الموضوع، أعني التمكّن من الستر، و عدمه، فيمكن دفعها بأنّ المفروض عدم إيجاب التمكّن للتكليف، و إلّا لم يجز البقاء؛ فالمدّعىٰ وجوب البقاء بتحريم القطع بدليله؛ و لولاه، بالاستصحاب إذا شكّ في إيجاب التمكّن للتعيين لتعارض جعل البدليّة في الطرفين إذا لم ينته إلى التخيير.

و منه يظهر الجواب عمّا قيل من أنّ المحقَّق بطلان لا إبطال ممنوع.

[السابع] لو صادف وجدان الساتر في الأثناء العلم بوجدانه في ما سبق

و لو صادف حصول الستر العلمَ بوجدانه في ما سبق من أجزاء الصلاة، زاد علىٰ ما مرّ في وجه البطلان كون الأمر خياليّاً لا واقعيّاً، فلا يجزي من هذه الجهة، لا من جهة عدم إجزاء الأمر الاضطراري أو الظاهري لا فرض الأخير.

إلّا أن يقال: إنّ غير المعلوم كغير الموجود في عدم إمكان الستر، فيجزي ما سبق فعله بملاك الجهل بانكشاف العورة في عكسه، أي الجهل بوجود الساتر، فعلى المولى الأمر بهذه الصلاة، أي صلاة العاري ما دام

جاهلًا بموضوع الساتر، و لا يمكن أمره بالتستّر مع ذلك، فعدم إجزاء الأمر الخيالي بأصله لا يجري في المقام. و أمّا دفع ذلك بظاهر النصوص «2» و الفتاوىٰ كما في «الجواهر» «3»، فيمكن المناقشة فيه بورودها في

______________________________

(1) محمّد صلى الله عليه و آله و سلم، 33.

(2) الوسائل 3، أبواب لباس المصلّي، الباب 50.

(3) جواهر الكلام 8، ص 203.

بهجة الفقيه، ص: 407

العاري المعلوم كونه عارياً، أو المظنون بالظنّ المعتبر بعدم الساتر، لا الأعمّ من واجد الساتر واقعاً مع اعتقاد عدمه.

[الثامن] إشارة إلى التمكّن من التستّر مع الوقت الاختياري

و ظاهر التردّد في صورة التمكّن من الوقت الاضطراري مع الساتر أنّه يستمرّ أو يستأنف، التسلّم على الاستيناف في صورة التمكّن من التستّر مع الوقت الاختياري كاملًا.

و نفى عنه الريب في «الجواهر» «1» في البطلان و الاستيناف، و لعلّه لمكان عدم الاضطرار إلى الصلاة بلا ستر، إلّا في خصوص ما تلبّس به ممّا يتوقف التستّر فيه على المنافي، و المرفوع إنّما هو الاضطرار إلىٰ ترك طبيعة الستر في طبيعة الصلاة، لا في صلاة خاصّة؛ و هذا بخلاف السهو و النسيان لتعلّقهما بالطبيعة و لو في زمان خاصّ، و ينتقض بوجدان الساتر بعد الفراغ، فإنّ متعلّق الاضطرار الصلاة الخاصّة بلا ستر دون الطبيعي، فلا فرق بينه و بين الوجدان في الأثناء في تعلّق الاضطرار بالصلاة الخاصّة المتلبّس بها علىٰ وجه مشروع بناء علىٰ جواز البدار، أو فرض العلم بعدم الوجدان إلىٰ آخر الوقت مع انكشاف الخلاف في الأثناء.

[التاسع] نسيان التذكّر و التذكّر في الأثناء

و كذا الحال في النسيان و السهو إذا علم و تذكّر في الأثناء و لم يمكن التستّر إلّا بالقطع، في أنّه يستمرّ و يصلّي صلاة العاري و إن كان قبلُ و كان صلاته صلاة المختار، أو يقطع و يستأنف صلاة المختار؟ و علىٰ الأوّل يرتفع شرطيّة الستر الخاصّ بالمختار، و يصلّي صلاة العاري في الاستتار باليد و الإيماء أو الجلوس، مع أنّه متمكّن من الساتر لا في شخص هذه الصلاة.

______________________________

(1) جواهر الكلام 8، ص 203.

بهجة الفقيه، ص: 408

[العاشر] التستّر من تحت

و هل يجب التستّر من تحت؟ لا إشكال في العدم، لاستمرار السيرة علىٰ الاكتفاء بالصلاة في القميص الساتر الكثيف، و فيه ما لا يستر من تحت كما هو ظاهر، بل و لا من الفوق كالجيب الواسع.

و يمكن أن يقال بعد موافقة النصوص «1» لما قدّمناه للتعبير بالقميص و نحوه-: إنّه لا إشكال في أنّه مع اللباس الساتر للعورتين على المتعارف، كان اللابس علىٰ اختلاف الأصناف يدخل في المجامع، و يصلّي جماعة و فرادى في ما بينهم، و ما كانوا يعيبون فيه مع اختلاف أشخاص القميص و الإزار في الطول و القصر، و فيه العتيق ما فيه خرق و ثقب بحيث لو تأمّل متعمّد لرأي العورتين، لا مع عدم التعمّق كما هو المتعارف.

و منه يظهر أنّ الكافي للستر النظري كافٍ للستر الشرطي، لا للملازمة بينهما، فإنّ الافتراق من الطرفين ثبوتاً و إثباتاً، و الدليل على الشرطيّة الإجماع المنقول، و ما يوافقه من إطلاقات النصوص «2» المستفاد منها الوضع، فيشترط في الخلوة ما لا يحرم معه التكشّف، بل الحرمة علىٰ ما ذكروه لا تلازم البطلان هنا و لا في غير المقام، و قد لا يحرم ما يبطل لبسه

كغير المأكول، و تبطل الصلاة عارياً في الخلوة مع المكنة.

بل لمكان أنّ الكافي في الدخول في الجامع، كافٍ للصلاة، و لو لم يكن كافياً، لكان ما يَنبِّه عليه، فالتستّر من تحت أو من فوق شرطيّاً، كالتستر تكليفاً. بل لو فرض الناظر من تحت مع أنّ القميص الساتر في المتعارف يكتفي به في الصلاة، فالزائد فيه هو التحريم الغير المستلزم للبطلان، و كذا الجيب الواسع، و أمّا مع عدم الناظر فلا حرمة و لا بطلان؛ فالقول في الموردين بالبطلان و لو احتمالًا لا يجتمع مع الجزم بعدم استلزام التحريم للبطلان، و بعد لزوم أزيد من إزار أو قميص ساتر

______________________________

(1) الوسائل 3، أبواب لباس المصلي، الباب 22.

(2) الوسائل 3، أبواب لباس المصلي، الباب 22.

بهجة الفقيه، ص: 409

للعورتين لتحصيل الشرط. و كأنّ تسلّم الحرمة مع الناظر مع تخيّل أنّ الظاهر كليّة الشرطية مع التحريم أوجب هذا، مع التفرّع منهم بعدم وجوب التستّر من تحت شرطاً، فإن كان كذلك، فهو علىٰ ذلك حتّى مع الناظر، لأنّه لا يرتبط للشرطيّة و لا يزيد في الشرط.

نعم، مرّ إمكان استفادة مبطليّة ما يحرم لبسه ممّا ورد في لبس الذهب من التعليل «1»، و علىٰ تقديره يمكن تعدية العلّة إلى الهيئة التي يحرم بها كالعري اختياراً عند الأجانب، و مثله كون اللباس بحيث لا يستر من غير جهة تعارف النظر، فتبطل الصلاة كذلك، و لو لم يكن دليل آخر على الشرطية، و يكون التكشّف من تحت أو فوق مبطلًا، لأنّه محرّم، لكنّه منحصر في صورة وجود الناظر.

[الحادي عشر] التستّر عن النفس

و أمّا التستّر عن النفس فهو أمر عسر جدّاً مع تعارف القصر في القميص و الإزار و وسعة الجيب، فليس عدم إناطة الشرط بالحرام

دليلًا للإبطال في المقام حتّى يكون مثل التكشّف لدى الزوجة؛ فإنّه سائغ مبطل.

و ممّا ذكرناه يظهر وجه النظر في ما نقله في «الجواهر» «2»، و في ما ذكره ردّاً علىٰ «الأستاذين» 0 فإنّ إطلاق الصلاة في القميص «3» مع اختلاف المتعارف منه ذيلًا و جيباً لا يعرف عنه باشتمال بعض الصور على الحرام الذي لا يرونه مبطلًا.

________________________________________

گيلانى، فومنى، محمد تقى بهجت، بهجة الفقيه، در يك جلد، انتشارات شفق، قم - ايران، اول، 1424 ه ق

بهجة الفقيه؛ ص: 409

و أمّا ما ذكره من نفي الخلاف في ما لو صلّىٰ في ثوب واسع الجيب تنكشف به عورته عند الركوع في البطلان إذا لم يتدارك عمداً قبل الركوع و كذا نسياناً؛ فلو ركع فانكشفت عورته، بطلت الصلاة من حين الركوع، لا من الأوّل، فالمأموم ينفرد في

______________________________

(1) الوسائل 3، أبواب لباس المصلّي، الباب 30.

(2) جواهر الكلام 8، ص 204 205.

(3) الوسائل 3، أبواب لباس المصلي، الباب 22.

بهجة الفقيه، ص: 410

الفرضين، فالظاهر عدم المستند للأصحاب غير الأدلّة المذكورة، و قد عرفت عدم دلالتها، مع زيادة أنّ النسيان يمكن إلحاقه بالجهل لولا أنّ النسيان أيضاً مرفوع، فعليه التستّر بعد التذكّر في الركوع إن تذكّر فيه.

[الثاني عشر] ما يكفى من الساتر و شرط الاتصال في الستر الصلاتي

و قد ظهر ممّا مرّ كفاية التستّر بكلّ ساتر حتى شعر الرأس و اللحية، نعم يشكل فيهما تحقّق الشرط لمكان الانفصال عن المستور؛ ففي فرض الانكشاف بسعة الجيب حال الركوع فقطّ و انسدال الشعر على العورة في الركوع لا تحريم مع الناظر، و لا بطلان مع عدمه، و لا مع وجوده علىٰ تأمّل لمكان الانفصال.

و لا دليل علىٰ لزوم التستّر بالثوب. و ما يستفاد منه الوضع في الصلاة في القميص إنّما يراد به

وحدة اللباس، و عدم لزوم التعدّد في الألبسة المتعارف لبسها في جميع الأحوال التي منها الصلاة، و أمّا لزوم لبسها فليس المقام مقام بيان ذلك، و لا يفهم ورود السؤال في ذلك حتّى يستفاد من الجواب عدم كفاية التستّر بالنورة مثلًا في الصلاة.

و عليه، فلا فرق بين الخرق و التستّر باليد و لو لم يكن جامعة للثوب، بل ساترة لبعض العورة أيضاً كما ذكرناه في ستر العورة بلا وضع اليد، كما أنّ وضع يد غير الزوجة مثلًا لو كان مَحرماً فليس بمبطل مع المندوحة، الّا على الوجه السابق في لبس الحرام و بين التستّر بالشعر الطويل للرأس و شعر اللحية، و لا يقاس ذلك بالتستّر ببدن الغير مع عدم الاتصال، و مع صدق الصلاة عارياً في الفرض.

نعم، يمكن الإشكال في الستر الصلاتيّ، لمكان عدم الاتصال في شعر الرأس و اللحية أيضاً؛ فيكون كالصلاة عارياً في الحفرة و الظلمة، و مثله التستّر بالوجه راكعاً؛ فإنّه ستر عن النظر لا للصلاة، لعدم الاتصال، فلا بد من اتصال الساتر و المستور للصلاة، و لا يضرّ كون الساتر بعض البدن مع الاتصال المذكور.

بهجة الفقيه، ص: 411

و أمّا الاستشكال باعتبار المأكوليّة في الساتر فعجيب جدّاً، و أمّا الانكشاف للنفس فقطّ فلا مانع منه وضعاً كما مرّ، و إنّما العبرة بالانكشاف للغير و لو تقديراً في الوضع، و الانكشاف فعلًا للغير تكليفاً.

[الثالث عشر] لو لم يكف الساتر إلّا لإحدى العورتين

و لو لم يجد المصلّي ساتراً إلّا لإحدى العورتين، وجب ذلك و لا يسقط بفقد الساتر الآخر، فإنّ تخصّص بإحداهما و تعيّن فلا كلام، و إلّا فهل يتخيّر، أو يتعيّن ستر القبل، كما عن «الفاضلين»، و «الشهيدين»، و غيرهما؛ أو يحتمل رجحان الدبر، كما عن «البيان»، لاستتمام الركوعين

به، مع أنّ ساتر القبل حينئذٍ الفخذان؛ أو يستر القبل قياماً و الدبر في الركوعين. لأنّ المكشوف في القيام، و قبل الركوعين هما؛ أو خصوص الدبر، لأنّ الستر الشرطي يقدّر فيه التكليفي؟

يمكن أن يقال: يتعيّن ستر القبل بوضع اليد في القيام كما مرّ، فلا حاجة إلىٰ ستر القبل بالثوب، فإن تستّر الدبر، بالأليتين، فلا حاجة في القيام أيضاً إلىٰ ستر الدبر بالثوب، و إلّا تستّر به للقيام و للركوعين؛ فإنّه إنّما يومي لانكشاف الدبر.

فلو أمن الانكشاف، ركع و سجد و إن كان في غير جماعة العراة كما احتملناه؛ و علىٰ تقدير العدم، فلا إشكال فيه مع ستر الدبر بالثوب حيث لا مانع عن الركوعين، فله أن يركع متستّراً بالثوب في الدبر، و بضمّ الفخذين للقبل، و إن لم يمكن فبوضع اليد على القبل، و يراعي عدم الانكشاف للآخر في ما بين القيام و الركوعين.

و أمّا ترجيح ستر الدبر بالتمكّن من الركوعين به، فإنّما يتمّ علىٰ مسلك من يذهب إلىٰ الإيماء مع الأمن و القيام؛ و أمّا من يذهب إلى التوظيف بالركوعين حينئذ كما عليه في «الجواهر» «1»، فلا يرجّح ستر الدبر بالتمكّن. و كونه مع عدم إمكان التستّر الشرطي

______________________________

(1) جواهر الكلام 8، ص 210 217.

بهجة الفقيه، ص: 412

الساقط، إنّما يجدي لو قيل بتعيّن ستر القبل و ترجيحه، لا بالتخيير حتى يوجد مرجّح. و الغرض أنّه علىٰ هذا لا ترجيح لستر الدبر بالتمكّن، و إنّما يرجّح بذلك من يذهب إلىٰ الإيماء مع الأمن و القيام، كما ينسب إلى الكثير.

و لا فرق بين تمام العورة و بعضها، و لا ترتيب في الأجزاء، إلّا أنّه يحتمل رجحان ستر الحشفة لأقبحيّتها انكشافاً.

كما أنّه لولا ملاحظة التمكّن من

القيام مع الركوعين بوضع اليد على القبل، و التستّر بالثوب في الدبر، أمكن ترجيح القبل لتعدّد العورة، و زيادة الكميّة في القبل بالنسبة إلى الدبر.

و أمّا ما عن «المبسوط» من قوله: «لو وجد ما يستر به بعض عورته، وجب ستر ما يقدر عليه»، فهو في التعميم للجزء، لا العورتين أو إحداهما، إلّا أن يجري فيه بالفحوىٰ.

و أمّا الاستدلال لترجيح ستر القبل بخبر «أبي يحيىٰ» «1»، فيمكن تقريبه بأنّ ستر الدبر حاصل بلا اختيار في المتعارف في القيام و الجلوس، و إنّما المحتاج إلى الستر الاختياري، القبل، فيكون محقّقاً بالثوب الساتر لو كان لازماً، أو بالأعمّ منه و من وضع اليد لو لم يكن.

و يمكن أن يقال: بأنّ الستر الحاصل ما كان مشتملًا علىٰ الإيماء، مع وجوب الركوعين مع إمكانهما مع الستر للدبر، فلا مرجّح لستر القبل المحتاج إليه بالثوب على الفرض في القيام على المحافظة على الركوعين لستر الدبر؛ و أمّا في الجلوس فحصول الاستتار به إنّما هو للنظر؛ و أمّا للشرط فربّما لا يحصله القائل بلزوم الثوب، كما أنّ الجلوس لغير الآمن من النظر بلا ساتر، و المفروض وجود الساتر لولا مزاحمة ستر الدبر في الشرط.

______________________________

(1) الوسائل 1، أبواب آداب الحمام، الباب 4، ح 2.

بهجة الفقيه، ص: 413

و أمّا جعل عدم سقوط قادحيّة كشف الدبر في حال مرجّحاً لستر الدبر، فيمكن المناقشة فيه بأنّ ما في جماعة العراة يرجّح الركوعين علىٰ ستره شرطاً، و كذا ما في خبر «الحفرة» «1»، و هو المحتمل أن يستظهر من خبر «أبي البختري» «2»، بل كلّ ما يدلّ علىٰ سقوط ستر القبل شرطاً، يمكن استفادة سقوط ستر الدبر كذلك بالفحوىٰ، و المزاحمة لا تؤثّر إلّا في التخيير

أو الترجيح بغير ذلك؛ و أمّا الترجيح بالحفظ عن الناظر الراجح علىٰ كلّ ما يزاحمه من أفعال الصلاة قياماً أو ركوعاً، فلا يختصّ بالدبر حيث لم ينكشف القبل، بل يجري في العكس، فليس من موجبات ترجيح ستر الدبر على التعيين في كلّ مقام.

و أمّا علىٰ ما سلكناه فلا بدّ من تحصيل الستر الشرطي للدبر حتى لا يقع في الإيماء مع القيام للآمن، و مع الجلوس لغير الآمن، و ستر القبل بوضع اليد قائماً، و بضمّ الفخذين في صورة الصلاة جالساً، و في ما كان الستر عن الناظر متوقّفاً على الستر بالثوب؛ فإنّه يوجب الترجيح علىٰ ما يزاحمه جزءاً كان أو شرطاً، و هو العالم.

[الرابع عشر] صلاة المرأة الفاقدة لمطلق الساتر

و أمّا المرأة ففي صورة عدم وجدان الساتر أصلًا، فهل هي كالرجل إن أمنت من النظر إلى العورتين قامت و أومأت، و إلّا جلست و أومأت؛ أو أنّها لا تقوم مع عدم الأمن من النظر إلىٰ سائر بدنها أيضاً، لأنّه كلّه عورة، بل مع الأمن أيضاً لعدم سقوط الستر الشرطي مع الأمن؟

فكما يسقط الركوعان من الرجل الآمن من النظر إلى العورتين، سقطا من المرأة الآمنة من النظر إلىٰ شي ء من البدن، لبقاء الاشتراط مع الآمن أيضاً، بل لعلّ القيام غير جائز لها وضعاً إذا كان استتارها في الجلوس في مواضع من بدنها لا تستر

______________________________

(1) الوسائل 3، أبواب لباس المصلّي، الباب 50، ح 2 و 1.

(2) الوسائل 3، أبواب لباس المصلّي، الباب 50، ح 2 و 1.

بهجة الفقيه، ص: 414

بقيامها، فلذلك يكون إطلاق جلوسها و إيمائها آمنة و غير آمنة، للنظر إلىٰ شي ء من بدنها موافقاً للاحتياط.

و دعوىٰ عدم الدليل علىٰ ترجيح الستر الشرطي في غير العورتين علىٰ مثل الركوعين،

مدفوعة بأنّ العورة، لها حكم مشترك في النظر و الصلاة و إن كان بعضها مختصّاً ببعض الأحكام، يؤثّر الاختصاص في صورة الدوران بين أنفسها، لا الدوران بينها و بين غيرها من أبعاض الصلاة؛ فالراجح على الركوع ستر العورة بما أنّها عورة، لا بما أنّها عورة خاصّة، و إن كانت عورة الرجل خاصّة، و الدليل متعرّض لها، و لاشتراك الكلّ مع عدم الأمن في الجلوس و الإيماء و وضع اليد.

[الخامس عشر] لو لم تجد المرأة إلّا ساتراً لإحدى العورتين

لو وجدت ساتراً لإحدى العورتين دون الأُخرىٰ، فهل تتخيّر، أو ترجّح ستر القبل، أو الدبر، أو يحكم بمثل الحكم في الرجل؟

و قد مرّ أنّها تحتاط باختيار الجلوس الساتر لأزيد ممّا تستر في القيام من مواضع بدنها. و عليه، فستر القبل حاصل بالفخذين، و المحتاج إلى الستر الدبر في حال الركوعين، حتى لا يتعيّن عليها الإيماء حتى مع الأمن، لمكان تقدّم الستر الشرطي على الركوعين، مع ما في الركوعين في المرأة مع زيادة التكشّف على الرجل للعورة لاختلافهما فيهما بالزيادة، إلّا أنّه يحتاج إلىٰ ستر الدبر مع الركوعين علىٰ ستر الزائد المنكشف بسبب الركوعين و لو مع ستر العورتين، مع أنّ الإيماء مشتمل علىٰ ستر الزائد على الدبر.

و في «الجواهر» هنا ما يحتاج إلىٰ الإصلاح، حيث قال: «أو لأنّ ستر الأليتين بالنسبة إليها كالعدم.» «1»،

و الأصحّ أن يقال: فلا يرجّح القبل بذلك، أي بستر الأليتين على الدبر، كما أنّه

______________________________

(1) جواهر الكلام 8، ص 220.

بهجة الفقيه، ص: 415

لا يرجّح عليه، أي على الدبر بالأفظعيّة، أي ليس الوجهان، أعني ستر الأليتين أو الأفظعيّة مرجّحين لستر القبل علىٰ ستر الدبر.

و لو وجدت ساتراً لعورتين، فهل تجب عليها صلاة المختار كالرجل لعدم اندراجها في نصوص العاري المفصّلة «1» بين

الأمن و عدمه؟ بل مع عدم الأمن يعارض حرمة كشف ما عدا العورتين بالقيام و غيره، وجوب القيام و غيره من الأفعال، و لا دليل على الترجيح بستر غير العورتين؛ بل بعض النصوص «2» الدالّ علىٰ عدم البأس بخروج رجل المرأة في الضرورة لعدم كفاية الثوب ربّما يدلّ علىٰ اغتفار انكشاف ما عدا العورتين مع عدم التمكّن، و أنّه لا يسقط بذلك شي ء من الأفعال، أو أنّ الترجيح بستر العورة، و هي مختصّة بهما في الرجل، و عامّة لغيرهما في المرأة، و علىٰ الأوّل يكون فرض تحريم الكشف غير مبطل كسائر المحرّمات المقارنة.

لكنّ الظاهر أنّ الشرط ستر العورة، و هي في حقّها عامّة، فلا ينبغي الارتياب في مبطليّة ترك الستر من المرأة لغير العورتين، و ليس إلّا الترجيح للستر علىٰ أفعال الصلاة، كما يرجّح بستر العورتين علىٰ الاختلاف، أو يقال بالتخيير؛ فكلّ من التحريم مع عدم الأمن، و الشرطيّة معه و مع الأمن، يجري هنا ما يجري في العورتين لها و للرجل، و قد مرّ ما في الرجل. و أمّا المرأة فيمكن تعيين الجلوس عليها مع عدم الأمن، و إن قلنا بالجواز في الرجل لإمكان الاستغناء بالوضع لليد في القبل و بالإيماء في الدبر، و هذا حاصل في القيام، بخلاف المرأة فإنّها تستر الواجب بالجلوس في غير العورتين، و كذلك تعيين الإيماء لانكشاف ما عدا القبل بالركوعين أيضاً، و هو حرام مانع عن الركوعين.

و أمّا مع الأمن فلا يكون الترجيح المذكور إلّا للستر الشرطي الغير الحاصل بمجرّد الإيماء، و مقتضى رجحان الستر الشرطي للعورة بما أنّها عورة، جريان

______________________________

(1) تقدّم آنفاً.

(2) الوسائل 3، أبواب لباس المصلي، الباب 28، ح 2.

بهجة الفقيه، ص: 416

ما يجري

في دبر الرجل المقتضي لتعيّن الإيماء هو تعيّن الجلوس الساتر للعورة شرطاً، فإنّ بدن المرأة كعورة الرجل في التحريم في محلّه، و الاشتراط و الترجيح في محلّهما بما دلّ علىٰ أنّ بدنها عورة، و أنّه يجب ستر العورة، و أنّه يُقدم ستر العورة بما أنّها عورة، لا بما أنّها قبل أو دبر، مع كفاية الارتكاز و السيرة في المسلمين علىٰ إنكار صلاة المرأة عارية قائمة بمجرّد ستر عورتيها، كالرجل الذي قد مرّ إمكان عدم تعيّن ذلك عليه، و أنّه يمكن أن يجوز له الجلوس مع الأمن، و الإتيان بالوظيفة من الركوعين أو الإيماء.

و في حال الجلوس و الأمن، يمكن ترجيح الستر الشرطي على الركوعين، لأنّ لها البدل، و ترجيحهما لأنّهما من الأجزاء و الأركان، و قد وقع الترجيح بكلّ منهما في إيماء القائم الذي قيامه لعدم المزاحم، و إيماؤه لرجحان الستر الشرطي على الجزئين، و ركوع المأموم الجالس الذي جلوسه لحفظ القبل عن النظر و للستر الشرطي، و لركوعه لرجحانه على الستر الشرطي فقطّ؛ فالاحتياط في الركوعين، لضعف ترجيح الشرط في غير العورتين مع العكس في العورتين في المأموم، فتدبّر.

و قد تحصّل ممّا مرّ: أنّ صلاة العارية قائمة و لو مع ستر العورتين و لو مع الأمن من الناظر، علىٰ خلاف الارتكاز، بل عليها في الظاهر اختيار الأستريّة في اللباس و الهيئة، و لا تكون إلّا بالجلوس؛ فإن وجدت ساتراً لإحدى العورتين، أمكن ترجيح ستر الدبر مع عدم انكشاف الأزيد من العورتين بالركوعين، أو الانكشاف بحدّ يمكن ترجيحهما على الستر الخاصّ، فإنها بستر الدبر تتمكّن من الركوعين، و القبل لا يحتاج إلى الساتر تكليفاً و لا وضعاً، لاستتاره بالفخذين و ضمّهما، و باليد مع الحاجة.

و عدم كون الساتر غير العورة، جهة مشتركة في غير الكفّين، مع أنّ ستر الدبر بالأليتين ليس كالعدم، فإنّهما كسائر البدن، و ستر الأفظع بغيره واجب في نفسه.

و بالجملة، فالستر للعورتين باليد و الأليتين، حاصل تكليفاً و وضعاً عندنا في حال القيام و الجلوس الجائز، و في حال الركوعين إنّما يحتاج إلىٰ ساتر من غير البدن الدبر، فيختصّ بالساتر الخارجي إذا لم يكن ممّا يمكن ستره بالدبر.

بهجة الفقيه، ص: 417

و كأنّ القائل بالتخيير هنا كما في «المنظومة» لاحظ اشتراكهما في الاستتار بالفخذين و الأليتين، مع أنّ كليهما عورة، فلم يلاحظ الركوعين، أو لاحظ كشفهما أي الركوعين للأزيد من العورتين بالقدر الراجح على الركوعين.

و قد مرّ أنّ الإيماء لستر الخلف؛ فمع استتار القبل أو انكشافه بالنحو المشترك بينه و بين الدبر، يترجّح الأخير بالتمكّن به من الركوعين دون ستر القبل؛ كما أنّ الأفظعيّة غير مرجّحة هنا مع الاشتراك في الاستتار و لو كان الظاهر عورة أيضاً.

نعم مع الاشتراك في الاستتار باليد، أو باليد و الفخذين المضمومتين بحيث تمكّنت من الركوعين مع ساتر لا يكون عورة مكشوفة بسبب الركوعين، أو كان الانكشاف الخاصّ غير مسقط للركوعين فلتخييرها في وضع الساتر الخارجي علىٰ أيّ موضع وجه، لكن ظاهرهم التخيير بين العورتين، و يمكن حمله علىٰ غير صورة الاستتار بما مرّ، و فيه ما مرّ.

[السادس عشر] وظيفة الخنثى بالنسبة إلى التستّر

و أمّا الخنثى المشكل، فعليها ستر القبلين تكليفاً و وضعاً، و هل عليها ستر الزائد المحتمل كونه عورة لاحتمال كونه امرأة؟

مقتضىٰ الأصل البراءة كالنظر إلىٰ من يحتمل كونه امرأة؛ فإنّه إمّا يحرم النظر من الرجل و الكشف من الخنثىٰ، أو يجوزان على الشخصين، و العلم بتكليف واحد منهما لا يؤثّر تنجيزاً في واحد

منهما.

و يمكن أن يقال: إنّها تعلم إجمالًا بحرمة كشف ما عدا العورتين عن النظر و في الصلاة، أو بحرمة نكاح النساء، فيجب عليها الاحتياط فيهما.

و إن لم يجد الرجل أو المرأة إلّا ساتراً لواحد من القبل و الدبر، ففي التكليف يقدّم ستر القبل لكونه أفحش في الارتكاز، إلّا أن يتمكّن من سترهما، أو أحدهما خاصّة باليدين و في الوضع؛ فالتطابق بين الحرمتين، على القاعدة، إلّا أنّ مقتضىٰ ما مرّ، أنّ الإيماء لعدم الاستتار في حالتي الأمن و العدم؛ فإذا دار الأمر بين ستر الدبر مع

بهجة الفقيه، ص: 418

الركوعين، أو القبل مع الإيماء في ما لو لم يستر القبل بالثوب لم يجلس، قدّم ستر الدبر و ركع و سجد، و كذا في ما يجلس مع عدم ستر القبل بالثوب لتقدّم الركوعين علىٰ خصوص القيام، و عليه يبتني فهم الحكم في الخنثىٰ.

[السابع عشر] لو لم تجد الخنثىٰ إلّا ساتراً لإحدى العورتين

فلو لم تجد الخنثىٰ إلّا ساتر أحدهما، أو الدبر، قدّمت الأخير المعلوم كونه عورة، كما يأتي البحث السابق إن وجدت ما يستر الدّبر، أو كلتا القبلين في ما وجدت ساتراً لإحدى العورتين.

و قد مرّ أنّ القبل يستر باليد و الفخذين، و الدبر بالأليتين، إلّا أنّه في الركوعين يستر الدبر بشي ء مع الإمكان، و إلّا أومأ، و مثله غير الآمن، إلّا أنّه يجلس لستر القبل وجوباً أو جوازاً.

و في عبارة «الجواهر» هنا ما لا يخلو عن شي ء، لقوله: «و إن لم تجد إلّا ساترَ أحدهما، قيل: قدّمت القبل» «1» و الأولى أن يقول: «إلّا ساتر أحدهما، أو الدبر»، و إليه يرجع قوله أخيراً: «قلت: قد يرجّح الدبر»، فيكون قوله «و إن لم تجده.» كالمعترض هنا.

و لو لم تجد إلّا ساتراً لأحد القبلين دون الآخر،

أو الدبر، ففي الستر التكليفي يترجّح الستر عن الحاضر ما يختصّ بغير مماثله، للأقبحيّة كشفاً و نظراً، و لو حضرا معاً أمكن التخيير، بل هو الوجه، لا الإشكال المنقول عن «الجامع».

و منه يظهر أنّ غير الآمن يعمل ما يعمله المستتر عن النظر، لرجحان الستر التكليفي على ما يزاحمه من أفعال الصلاة، لكنّه لا جدوىٰ فيه بعد إمكان ستر الآخر بالكفّ أو بضمّ الفخذين، فإنّه يجب سترهما و لو كان أحد الساترين ثوباً و الآخر من البدن، و لو احتمل كونه أي الساتر عورة عامّة.

______________________________

(1) جواهر الكلام 8، ص 221.

بهجة الفقيه، ص: 419

و أمّا الستر الشرطي للآمن من النظر مطلقاً، فعليه الستر في كلّ منهما و لو مع اختلاف الساتر.

و لو لم يتمكّن من غير ساتر أيّاً ما كان لواحد من القبلين فقطّ، أمكن ترجيح عورة النساء، لأنّها فيهن عورة صنفاً و شخصاً، بخلاف عورة الرجال.

و ترجيح عورة الرجال، لأوسعيّتها قدراً و عدداً، لأنّها قضيب و أنثيان إن قدر علىٰ ستر جميعها؛ و مع عدم تعيّن المرجّح، يتخيّر في ستر إحداهما؛ و إن كان القضيب و الأنثيين للأقبحيّة التقديريّة، لا يخلو سترها من رجحان.

و هذه الاعتبارات لا إشكال في ابتناء البطلان كالحرمة عليها إذا انتهت إلى القطع، أو في ما يكفي فيه الاحتمال للترجيح.

[مسألة] عدم وجوب ستر الرأس علىٰ الأمة المحضة و الصبيّة في الصلاة

اشارة

مسألة: الأمة المحضة و الصبيّة تصلّيان بغير خمار، فلا يجب عليهما وضعاً ستر الرأس في الصلاة، و هو مجمع عليه عندنا، و عند العامّة مع استثناء «البصري» في خصوص المتّخذة لنفس المالك و المتزوجة كما عن «المعتبر» و «الذكرى». و حيث إنّ الاستثناء من الوضع، فلا محلّ للمناقشة في عموم الجواز للصبيّة.

و يدلّ على الحكم في الأمة الصحاح المستفيضة، كصحيحتي «محمد

بن مسلم» «1»، و صحيحة «عبد الرحمن بن الحجاج» «2» عن أبي الحسن عليه السلام و صحيحة «محمّد بن مسلم» «3» عن أبي جعفر عليه السلام. و مقتضى عموم النصوص و معاقد الإجماعات، عدم الفرق بين أقسام الأمة التي لم يتحرّر منها شي ء تحريراً لا ردّ فيه، و أُمّ الولد من الإماء في جميع الأحكام غير النقل المعاوضي، و الانعتاق بعد موت المالك من نصيب الولد، فلا مجال للاستثناء فيها.

______________________________

(1) الوسائل 3، أبواب لباس المصلي، الباب 29، ح 1 و 2 و 7.

(2) الوسائل 3، أبواب لباس المصلي، الباب 29، ح 1 و 2 و 7.

(3) الوسائل 3، أبواب لباس المصلي، الباب 29، ح 1 و 2 و 7.

بهجة الفقيه، ص: 420

و مقتضى ما في صحيح «محمّد بن مسلم» عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام

قلت له: الأمة تغطّي رأسها؟ قال: لا، و لا علىٰ أُمّ الولد أن تغطّي رأسها إذا لم يكن لها ولد «1»

مع التحفّظ على الظهور في اللزوم، و العموم للتكليف و الوضع، و لموت المولى و حياته، مع أنّها بعد الموت و الانعتاق من نصيب الولد ليست من الإماء هو أنّه عليها التغطية مع الولد، و لا يخلو ما فيه الغرابة، أعني لزوم التغطية بمجرّد الاستيلاد، مع أنّ جميع أحكام الإماء ثابتة لها غير النقل المعاوضي و الانعتاق بعد الموت؛ فلو كانت في التغطية كالحرائر، لكان ذلك من الواضحات.

مع أنّ وضوح الروايات المطلقة التي لا استثناء فيها، و النصوص علىٰ وفقها، يقتضي عدم الاستثناء المذكور مع أنّها خاصّة بالصلاة؛ أو حمل قوله عليها بحسب المفهوم، على الجامع بين الاستحباب و الوجوب، مع أنّ الترجيح لإطلاق النصوص بعد كون النسبة عموماً

من وجهٍ بسبب الفتاوي و عمومها على ظهور هذا الصحيح، مع أنّه يتبنى على العمل به في نفي التغطية تكليفاً، كما عن «الشهيد الثاني قدس سره» أنّه المشهور، خلافاً للمستظهر من تقييد جواز النظر إلى الأمة بمزيد الشراء، مع معارضتها بالخصوص لخبره الآخر عنه: أنّه سأل أبا جعفر عليه السلام عن الأمة

إذا ولدت عليها الخمار؟ فقال: لو كان عليها، لكان عليها إذا حاضت، و ليس عليها التقنع في الصلاة «2».

و رواه في الفقيه عن محمد بن مسلم صحيحاً.

[ثم إنّه] إذا حمل على إرادة أنّ التكليف يتبع الوضع، فمن لا وضع في حقّه لعدم اشتراط الخمار في صلاة الأمة الحائضة فلا تكليف في حقّه بسبب الولادة، و أنّ التكليف لا ينفكّ عن الوضع؛ و إن وقع العكس فثبت الوضع في مورد عدم ثبوت التكليف في الخلوة و الظلمة و نحوهما، و الضعف ينجبر بإطلاق ما عن المشهور من الفتاوى، بل إطلاق معاقد الإجماعات المحكيّة، بل مرّ صحّتها من طريق «الفقيه».

______________________________

(1) الوسائل 3، أبواب لباس المصلي، الباب 29، ح 7.

(2) الوسائل 3، أبواب لباس المصلي، الباب 29، ح 7.

بهجة الفقيه، ص: 421

أو حمل على أنّ الحيض أسبق من الاستيلاد؛ فالتغطية لو كانت للمستولدة كانت عليها بالحيض و للصلاة؛ فإنّها أوسع من التكليف أو هما متلازمان، و حيث ليس في حقّها الوضع بالحيض فليس فيها التكليف و الوضع بالاستيلاد.

و قد مرّ: أنّه مع معارضة الخاصّين فالترجيح بالشهرة مع عدم الجمع العرفي القابل في المقام، و بالموافقة للعموم الذي هو من السنة؛ فالأظهر هو المصير إلى ما عليه العمل بذكر العموم و عدم الاستثناء في الفتاوى.

[في بيان بعض الأحكام]
[الأول] في دخول الرقبة في الرّأس

ثمّ إنّ الظاهر دخول الرقبة هنا في الرأس، لأنّ الساتر؟؟؟ المنفي

هو الخمار و القناع، و الستر للرقبة في الغالب بهما، بل هو المفهوم من التستّر، إلّا أن أمر حينئذٍ بغيره، و مثله الإذن للصلاة في قميص واحد.

و أمّا غير الرقبة، فلا بدّ من ستره في الصلاة، كما يفهم ممّا عن «التذكرة»: «عورة الأمة كالحُرّة إلّا في الرأس عند علمائنا أجمع»؛ و عن «المنتهي» عدم جواز كشف الأمة ما عدا الوجه و الكفّين و القدمين ناسباً إلى علمائنا، و هو مقتضى قصر الاستثناء عن حكم المرأة على الرأس، و عدم ذكر أنّها كالرجل، كما حكي عن بعض العامّة؛ كما أنّه أيضاً مقتضى الجمع بين دليل العموم في المرأة و الخصوص في رأس الأمة؛ و المراد استثناء الرأس في الأمة ممّا يحكم بلزوم الوجه و الكفّين؛ فإنّه لو لم يكن شي ءٌ إلّا دليل الاستثناء في الحرّة لدلّ عليه في الأمة بالأولويّة المرتكزة مع عدم مصرّح بالخلاف في المقام؛ نعم من لا يستثني في الحرّة فلا دليل على استثنائه في الأمة للوجه و الكفّين؛ لكنّ الكلام على تقدير الاستثناء في الدليل و القول.

ثم إنّ المراد بعد جمع عبارتي المنع و الترخيص، هو رفع المنع الوضعي الحاصل في الحرّة البالغة، لا إثبات لزوم الكشف وضعاً لغيرها لورود الاستثناء و موقع توهم الحظر و لشهادة الارتكاز بأن المقام من موارد الاقتضاء في الحرّة و اللااقتضاء في الأمة، لا اقتضاء العدم؛ و النتيجة فهم الترخيص في المستثنى فقط. و روايات الضرب محمولة

بهجة الفقيه، ص: 422

على التقيّة، كما في نظائرها، كما يظهر من روايات «1» التصريح بالاختيار لها في الستر و الكشف، كخبري «أبي بصير»، و «أبي خالد «2» القماط».

[الثاني] ستر الأمة عند العتق في أثناء الصلاة

و لو انعتقت في أثناء الصلاة، تستّرت في ما بقي

من الأجزاء؛ فإن لم يتخلّل زمان بين العلم بالانعتاق و الستر، فلا ينبغي الاستشكال فيه؛ فإن تخلل زمان كما هو الغالب و لم يكن مناف لطول الزمان أو لغيره، فعن الأستاذ الأكبر قدس سره و غيره، الجزم بالاكتفاء بالستر لما بقي، و هو مناسب للمرتكز، لبُعد لزوم القطع مع بقاء جزء مثلًا يحتاج إلى الستر له إلى عمل له زمان، و لعلّه مقطوع به في كلامهم كما ذكره السيّد قدس سره في المطالع، و لا خلاف فيه إلّا من كشف اللّثام، كما في الجواهر؛ فإن كان لأنّه المفهوم من العمومات، فكما بينّاه، و إن كان للظفر بحجّة خاصّةٍ غير ما عندنا، فذلك بعد إلغاء الخصوصيّة ينفع في جمع الشروط الممكنة في حال الاشتغال بالصلاة غير الخمس و غيرها فيه الدليل. بل لعلّه المتيقّن من مثل عبارة «الشرائع»، و لا يكون إلّا مع كون الواجب في كل آن، الأعمّ من ابتداء الصلاة جامعة للشرائط الفعلية، و إتمامها كذلك، و القطع بذلك نافع في ما يأتي من بعض الفروع، و هو المناسب لما يلتزم به في انكشاف العورة بالريح أو الغفلة في الأثناء مع الستر بعد الاطلاع، و الجامع عدم التمكّن، لا مجرّد عدم العلم، بل و إن علم في الأثناء بهبوب الريح شديداً المستلزم للانكشاف، و لعموم رفع الاضطرار لما يكون في أثناء الصلاة، و إن لم تعمّ مثله في خارج الصلاة من الزمان، و لضعف عموم دليل الشرطية للمفروض، كعدمه في صورة عدم التمكّن لتحصيل الساتر رأساً حتى بعد القطع.

و منه يظهر: أنّ المقام لا يفترق عن وجدان الستر في الأثناء، و التمكّن منه بعد

______________________________

(1) الوسائل 3، أبواب لباس المصلّي، باب 29.

(2) الوسائل 3،

أبواب لباس المصلّي، باب 29، ح 3.

بهجة الفقيه، ص: 423

الشروع في الصلاة بسبب تغيّر الموضوع هنا دون الفرض؛ فإنّ زمان الاطلاع و هو زمان الاشتغال بتحصيل الساتر و التستر زمان تغيّر الموضوع مع العذر في الستر، فيتحد مع الفرض في واقعيّة التكليف الشرطي بالستر؟ مع العذر و عدم التمكّن من الستر.

و منه يظهر: الإشكال في صورة لزوم المنافي و وجوب القطع مع السعة؛ و ذلك لعموم الاضطرار للفرد المشتغل، و ضعف دليل الاشتراط لما كان في الأثناء مع التمكّن من الإتمام مع الستر، بل الشرطية فيه غير معلومة، فهي مرفوعة. و هو أعني الاستمرار هنا محكيّ عن «المعتبر» و «الخلاف» و غيرهما، و إن صرّح بخلافه في «الشرائع»، و إن كان الأحوط فيه الإتمام بلا تستّر و الإعادة مع التستّر. و إن لم يعلم بالعتق إلّا بعد الصلاة، فعن جماعة، الصحة؛ و هو مقتضى عموم «لا تعاد».

و حكي عن «المنتهي» ما يظهر منه الإجماع على الصحّة هنا، و قد مرّ ما يوافقه، و ذكر في صورة لزوم القطع، و هي السعة و الاحتياج إلى المنافي، أنّه لا بدّ من بقاء وقت ركعة مع الشروط و الستر، و إلّا استمرّت، و لا يكون ذلك إلّا مع قصر الشرطية على التمكّن، إلّا أنّ الدعوى هو عدم التمكّن في مجموع الوقت، لا شخص صلاة اشتغل بها، و الدفع بعموم رفع الاضطرار على الوجه الموافق للامتنان، لا الملغى للاشتراط، و كذا الارتكاز المناسب للحكم في صورة الانكشاف عن غفلة و بلا اختيار.

[الثالث] ستر الصبية إذا بلغت في أثناء الصلاة

و أمّا الصبية البالغة في الأثناء بغير المبطل، فحكمها في «الشرائع» معطوف على «المعتقة» في الأثناء، و يقال: إنّ التشبيه في لزوم الاستئناف مع الفعل الكثير

مع إمكان التصحيح في غيره كما عن «المبسوط» و «السرائر» و «المعتبر» و «المنتهي»، للاشتراك في عدم التمكن في أوّل زمان البلوغ، أو الاطلاع عليه على التستّر، و ضعف الشرطية

بهجة الفقيه، ص: 424

فيه؛ و أنّ «لا تعاد» تعمّ الأبعاض؛ و أن الوجوب غير لازم في العمل بالمأمور به مع أنّه لو كان لازماً لكان كذلك مع دوام الستر أيضاً، لعدم إجزاء المندوب عن الفرض عندهم، مع أنّه في محلّ التأمّل أو المنع في عمومه و أنّ الواجب الأعم من الإتمام للصلاة الصحيحة لولا الإيجاب بنفسها، لا بجميع شروطها؛ فإنّ الطهارة المستحبة من البالغ يؤدّي بها الفرض، مع أنّ بُعد لزوم القطع هنا ممّا يناسب الارتكاز، و كذا استبعاد عدم لزوم الصلاة عليها رأساً لو لم تتمكّن من القطع و الاستئناف مع الساتر مع أداء ركعة.

و من الغريب دعوى عدم جواز الإتمام و الإعادة، حتى في صورة عدم توقّف الستر على المنافي، لا لعدم وجوب ما سبق، و لا لعدم الستر في زمان ما.

بهجة الفقيه، ص: 425

الفصل السادس ما تكره الصلاة فيه من الألبسة

[مسألة] كراهة الصلاة في الثياب السود إلّا ثلاثة موارد

اشارة

مسألة: تكره الصلاة في الثياب السود، عدا الخُفّ و العمامة و الكساء.

أمّا المستثنى منه، فيدل عليه مع نقل الإجماع «1» النصوص المستفيضة «2» الناهية عنه و عن لبسها التي لا يستفاد منها الكراهة الوضعيّة بمجرّد الدلالة على كراهة اللبس، إلّا مع ملاحظة دلالة المستفيض منها على كراهة الصلاة فيها، و في بعضها تعليل كراهة الصلاة بأنّها لباس أهل النار، و ضعف الأسانيد فيها منجبر بالشهرة المحقّقة، فلا بأس بالعمل منها، و إن كان لا حاجة إليه في الكراهة، بل في تخصّص الكراهة أي عدمها في المستثنيات، حيث إنّ ضدّ الكراهة و هو الرخصة الوضعية

______________________________

(1) و

أمّا الشهرة فهي مختلفةٌ في الكراهة و الاستثناء، و المسلّم استثناء الكراهة لا الاستثناء في غير الخفّ و العمامة، إلّا أنّه حكي عن جماعةٍ من المتأخرين القول باستثناء ما يعمّ الكساء؛ فانجبار ضعف السند في أثناء الجميع، لا يخلو عن وجهٍ. لكنّ مرّ عدم حاجة عدم كراهة الكساء مع وجود السيرة الغير المنكرة إلى رواية، كي يدّعي ضعفها و يجاب بالانجبار أو عموم البلوغ. و يمكن أن يقال: إنّ الكلامين لمتكلمٍ واحدٍ إذا اختلفا بالإطلاق و التقييد فإنّه يصدق بلوغ كلٍّ من المطلق و المقيّد، و لازمه الحمل على مراتب الكراهة، أو كراهة المقيّد خاصة، لأنّه المتيقن [منه مدّ ظلّه].

(2) الوسائل ج 3، أبواب لباس المصلّي، باب 20.

بهجة الفقيه، ص: 426

الخاصة ليس ممّا يكفي فيه البالغ ضعيفاً، إلّا أن يستفاد من أخبار «من بلغ»، التسامح في غير التكليفيّات مطلقاً بلا اختصاص بموارد الثواب على الفعل أو الترك.

و قد يمكن أن يستفاد ممّا مرّ من التعليل: أنّ كلّ لبس محرّم تكليفاً، محرّم في الصلاة وضعاً لتعليل النهي الوضعي بالنهي التكليفي؛ و اختصاص المورد بالتنزيه لا ينافي عموم الوارد للتحريم تكليفاً و وضعاً، و قد مرّ مثله في أخبار المنع عن التزيّن بالذهب، و تعليل النهي الوضعي بالنهي التكليفي.

و بالجملة: فقد ورد استثناء الثلاثة و اشتهر العمل بها فيها، فلا مانع من العمل بها، بل يمكن الاكتفاء في مثلها بالسيرة المستمرّة على ذلك في الخف و الكساء، و أمّا العمامة فلو كان لبس السواد مكروهاً لكان مشتهراً لعموم البلوىٰ، و عدم الفرق الالتزامي بين ألوان العمامة و إن كان الفضل للبياض مطلقاً في غيرها.

ثمّ إنّه لا بدّ من صدق السواد عرفاً في أوّل مراتبه العرفيّة، فليس

منه ما كان بين الغبرة و السواد و هو الأركن، و لا الكراهة في سائر الألوان غير البياض إلّا بمثل تذكار الدنيا و نحوه من العناوين، فيحتمل أن يكون لذلك ما عن «حماد بن عثمان» عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام

يكره الصلاة في الثوب المصبوغ المشبع المفدم «1»

، و لعلّه المائل من الحمرة إلى السواد، و المشبع بالعصفر و المضرّج بالزعفران، كما عن «يزيد بن خليفة» عن ابي عبد اللّٰه عليه السلام

انّه كره الصلاة في المشبع بالعصفر و المضرّج بالزعفران «2».

و حيث إنّ الحكم تنزيهي، فلازمه أقليّة الثواب من الفرد الخالص، و ذلك أيضاً ممّا يختلف بعروض العوارض، فتخفّف الكراهة في بعضها، و تزول في بعضها.

و أمّا اختصاص الكراهة لُبساً و صلاةً بالرجال، كما عن تصريح غير واحد من كتب الأصحاب، فالظاهر كفاية ارتكاز المتشرّعة دليلًا له بل من الواضح رجحان تحرّى الأستر من الثياب في حقّ النساء.

______________________________

(1) الوسائل 3، أبواب لباس المصلي، الباب 59 ح 2 و 3.

(2) الوسائل 3، أبواب لباس المصلي، الباب 59 ح 2 و 3.

بهجة الفقيه، ص: 427

[في بيان بعض الأحكام]
[الأول] في كراهة الصلاة في ثوبٍ واحد رقيقٍ للرّجال

فممّا قدّمناه ظهر كراهة الحاكي لرقّته لما لا يجب ستره من الحجم أو الشبح و نحوهما ممّا مرّ ثبوت الاحتمال، أو القول فيه بوجوب الستر، و بين الرقّة و الوحدة عموم من وجه؛ فلو تلطّخ بالساتر و لبس الرقيق الغير الساتر لغير الواجب ففي الكراهة نظر، و أمّا الوحدة مع الكثافة فيمكن عدم الكراهة معها، لأنّ المستفاد من أدلّة المقام غير ذلك، و يمكن الاستدلال بمثل خُذُوا زِينَتَكُمْ «1» إذا استفيد منه الوضع، و قوله عليه السلام

إذا كان لأحدكم ثوبان فليصلّ فيهما «2»

و

لا يصلح في سراويل واحد

«3»

استحباب التعدّد في غير العمامة، و لازمه الدخالة في المرتبة الكاملة، و نقص الفاقد عنها، و لازمها أقليّة الثواب للناقص بالإضافة إلى الكامل؛ فعدم استفادة الكراهة للترك من استحباب الفعل إنّما هو في الاستحباب النفسي دون الوضعي، فتدبّر.

[الثاني] في كراهة الاتّزار فوق القميص

و يكره أن يأتزر فوق القميص، كما عن المشهور و علّل بالتجبّر في خبر «زيادة بن المنذر» «4» و بأنه من زيّ الجاهلية، في رواية أبي بصير على ما «5» عن «الكافي». و لا منافاة بين مفهوم التعليل و مفهوم الشرط؛ فإنّ التعليل لكراهة الاتّزار فوق القميص نفسيّة، كما هو واضحٌ، و المفهوم للكراهة الوضعيّة، و إرادة الكراهتين من نهي واحدٍ مع القرينة لا مانع منها، كما ذكرناه في الأُصول، و لا منافاة أيضاً بين التعليل للاتّزار فوق القميص بزيّ الجاهليّة في صحيح «أبي بصير» و التعليل بالتجبّر في خبر زياد، كما لا يخفى. و كذا التوشّح بالإزار تحت القميص، و علّل ذلك التجبر بأنّه عمل قوم لوط، بل

______________________________

(1) أعراف: 31.

(2) سنن أبي داود 1 ص 242، الطبعة الثانية.

(3) الوسائل 3، أبواب لباس المصلّي، الباب 53، حديث 7.

(4) الوسائل 3، أبواب لباس المصلي، الباب 24، حديث 4.

(5) الوسائل 3، أبواب لباس المصلي، الباب 24، حديث 1.

بهجة الفقيه، ص: 428

التوشّح مطلقاً مكروه، كما في خبر «الخصال» «1»، و علّل فيه بما مرّ، و في خبر «أبي بصير» المروي في «الكافي»

أنّه لا ينبغي أن تتوشّح بإزار فوق القميص و أنت تصلي.

و يمكن حمل خبر «الخصال» على ما يوافق التعليل في خبر «زياد» من إرادة التوشّح تحت القميص، و على أيّ فالتوشّح المغطّى لا كراهة فيه.

و بالجملة: فكراهة قسمَىْ التوشّح يمكن مغايرتها لكراهة الاتّزار فوق القميص و

لو لم يكن متوشّحاً.

و عن «الذكرى» أنّه تشبّهٌ بأهل الكتاب، و التشبّه بهم مطلقاً منهيّ عنه، و كأنّه مأخوذٌ من التعليل بأنّه من زيّ الجاهلية، و الاتّزار فوق القميص مكروه و لو لم يكن على النحو المستقبح لإطلاق الرواية و التوشّح على كراهته و لو لم يلبس قميصاً.

[الثالث] كراهة اشتمال الصّماء في الصلاة

و يكره أن يشتمل الصّماء، كما حكي عدم الخلاف فيه في الجواهر، و يكفي ذلك للكراهة الصلاتيّة و ما في الصحيح من تفسيره من أن تدخل الثوب من تحت جناحك، فتجعله على منكب «2» واحد، يغني عن البحث في ما اختلفوا فيه من التفاسير، و يمكن بملاحظة التعليلات الواردة في المواضع المختلفة للنهي الوضعي بالنهي التكليفي المتعلّق باللبس، كما في ما مرّ آنفاً من الاتّزار فوق القميص و تحته، و في الاتّزار فوق القميص من التعليل بالتوشّح بالتجبّر؛ و بأنّه من زيّ الجاهليّة؛ و بأنّه عمل قوم لوط؛ و في لبس الذهب، و التختّم به، و الصلاة فيه بأنّه زينتك في الآخرة: إنّ كلّ ما ينهى عن لبسه تكليفاً ينهى عن الصلاة فيه وضعاً، كان النهي في الموردين تنزيهيّاً كما في ما ذكرنا هاهنا، أو تكليفياً كما في ما تقدّم.

______________________________

(1) الوسائل 3، أبواب لباس المصلي، الباب 24، حديث 9.

(2) الوسائل 3، أبواب لباس المصلي، الباب 25، 1.

بهجة الفقيه، ص: 429

و قد مرّ: أنّ الاستحباب إذا كان وضعياً، اقتضى ذلك كراهة الترك الّتي لا يراد منها إلّا أقليّة الثواب الحاصلة بالنقص في الثواب الذي هو مقتضى كون الاستحباب شرطيّاً لا نفسيّاً.

[الرابع] كراهة الصلاة في عمامةٍ لا حنك لها

و أمّا الصلاة في عمامة لا حنك لها كما في «الشرائع»، فهو غير ما حكي عن «الفقيه» عن مشايخه من عدم جواز الصلاة للمتعمّم إلّا و هو متحنّك، فإنّ ظاهره التحنّك بالتلحّي و إدارة طرف العمامة تحت اللحية. و مثل النقل المذكور بهذه العبارة يكفي في صدق البلوغ و حكمه؛ و أمّا التعبير بعدم الجواز، فشائع في المكروهات في النصوص و فتاوى المتقدّمين، و مقتضاه كراهة الصلاة في عمامة لا حنك لها، و هي

الطابقية، و كراهة الصلاة في عمامة لها حنك إلّا مع التحنّك في الصلاة، و التعبير بكراهة الصلاة بلا تحنّك واقعٌ في الإجماعات المنقولة على ما في «الجواهر» و «المطالع»، و كذا ما في الخبر من قوله عليه السلام

من تعمّم و لم يحنّك فاصابه داءٌ. «1»

أو ما في الموثّق من قوله عليه السلام

من اعتمّ فلم يدر العمامة تحت حنكه فأصابه ألم. «2»

، لشيوع هذا التعبير في المكروهات بضميمة ما مرّ من كراهة الصلاة في ما يكره لبسه، و مثله في ذلك من رواية الفرق بين المشركين و المسلمين «3»، مع أنّها تكويناً ممّا يوجب الاندراج في التشبّه بالكفّار في اللبس، و كذا قوله: قد تحنّك برنسه في «المستدرك» و ينضمّ إلى ما مرّ ما عن «غوالي اللئالي» من أنّ رسول اللّٰه صلى الله عليه و آله و سلم قال

من صلّى مقتطعاً فأصابه داء لا دواء له، فلا يلومن إلّا نفسه «4»

، و هي العمة الطابقية كما في «المجمع» و مثله ما عن فخر الإسلام في «شرح الإرشاد».

______________________________

(1) الوسائل 3، أبواب لباس المصلي، الباب 26، ح 1.

(2) الوسائل 3، أبواب لباس المصلي، الباب 26، ح 2.

(3) الوسائل 3، أبواب لباس المصلي، الباب 26، ح 8.

(4) المستدرك، 3، أبواب لباس المصلي، الباب 21، ح 2.

بهجة الفقيه، ص: 430

و في كثير من الروايات فعلهم صلوات اللّٰه عليهم في مقام التعمّم بالإسدال «1»، و الظاهر أنّه كسائر أفعالهم صلوات اللّٰه عليهم، يحمل على الاشتراك و التأسّي، لا على الاختصاص، فيكون كل من التحنّك الذي لا يصدق بمجرّد جعل العمامة بحيث يكون لها شأنيّة التحنّك الفعلي، و لا التعمّم حين التعمّم فقط، بل هو كترك إدامة سائر

ما يستحب لبسه، و من الإسدال مندوباً لبساً، بل و للصلاة أيضاً، كما يظهر من عمل الإمام الرضا عليه السلام لصلاة العيد «2»؛ و لا حاجة إلى الجمع بتخصيص الإسدال بهم عليهم السلام و تعميم التحنّك، كما لا محل للجمع بحمل التحنّك إلى السدل؛ فإنّ مطلوبية الكل لا مانع منها، كما أنّه يمكن الجمع خارجاً فيهما في الجملة؛ فإنّ جعل أحد طرفي العمامة تحت الحنك و جرّه إلى ما بين الكتفين و إسداله على الكتف ممكن؛ و جعل الطرف الآخر مسدولًا إلى الصدر كذلك؛ لكن السيرة تقضي بخصوص التلحّي بلا إسدال لأحد الطرفين، أو مع الإسدال إلى الخلف؛ كما أنّ الواقع في الروايات كلا النحوين، و وقع التعليل بالفرق بكل منهما، فالإسدال بلا تلحّ، و التلحي بلا إسدال، و الجمع بينهما ممّا يقع به امتثال المطلوب، أو المطلوبين، و قد وقع هنا بعض الكلمات من بعضهم ممّا يستأهل ردّاً؛ فالاعتماد، على النصوص و الفتاوى، كما أنّه لا بأس باستحباب التعمّم للمصلي لما عن «المكارم».

و أمّا ما عن «المفاتيح» من أنّ التحنّك صار في هذا الزمان من لباس الشهرة فلازمه الاستشكال في الصلاة متحنّكاً ايضاً، و لا فارق إلّا كثرة التحنك في الصلاة من المعمّمين، مع أنّ كثيراً من المعمّمين المتعبدين يكثر منهم الاشتغال بالصلوات و لو مندوباتها، فيخف أمر الاشتهار، و الظاهر عدم إمكان الالتزام بحرمة لبس المندوب لبسه إذا وقع بسبب و لو منع الظالمين ممّا يشتهر بلبسه، بل الأظهر إحداث الشهرة باللبس، فلا يعمّ لبس المندوب من الكل إذا اتّفق الناس و لو بقهر الظالم على ترك

______________________________

(1) الوسائل 3، أبواب أحكام الملابس، الباب 30.

(2) الوسائل 3، أبواب أحكام الملابس، الباب 30، ح

5.

بهجة الفقيه، ص: 431

المندوب، و بقي بعضهم على لبسه السابق؛ فما به الاشتهار، ترك الناس لما كانوا عليه، لا لبس هذا الشخص إدامة لما كان يلبسه.

[الخامس] كراهة اللثام في الصلاة للرجل

و يكره اللثام للرجل، كما هو المشهور. و يدلُّ عليه صحيح «ابن مسلم» «1» بعد حمل التفصيل فيه على الضرورة، و يحمل الأفضل في مضمر «سماعة» «2» على إرادة كون التلاوة للقرآن أوضح و أبين و أفصح، بعد الاشتراك في تحقّق القراءة الواجبة المجزية.

و النهي في الصحيح يحمل على الكراهة، لما تقدّم من الشهرة المؤيّدة بنقل الإجماع، كما عن «الخلاف»؛ و أنّه مذهب جلّ علمائنا، كما عن «المختلف»، و ما يدلّ على نفي البأس من صحيحي «ابن سنان» «3» و «الحلبي» «4»، و التقييد بسماع الهمهمة أو بإسماع الأُذنين الهمهمة في الصحيحين، للمحافظة على أداء الواجب، و هو الإسماع الشأني الذي لا ينافيه عدم السماع حتى الهمهمة بالموانع التي يمكن أن يكون اللثام منها في الجملة بناء على اشتراكه مع ما فيهما من وضع الثوب على الفم في الملاك المقصود من وضع اللثام و تركه، ثمّ إنّه إن منع اللثام و نحوه اللازم من القراءة، و هو الإسماع الشأني فلا شبهة في البطلان لترك الواجب عمداً.

[السادس] كراهة النقاب للمرأة في الصلاة

و مثله في الكراهة، النقاب للمرأة، كما هو المشهور في ما عن «المدارك» المؤيّد بما عن «المختلف» و يدلّ عليه ما في مضمر «سماعة» «5» المتقدّم بعد التقييد بكشف موضع السجود، و أنّ الإسفار أفضل و لعلّ المراد كشف موضع السجود حين السجود و إلّا

______________________________

(1) الوسائل 3، أبواب لباس المصلي، الباب 35، ح 1 و 6.

(2) الوسائل 3، أبواب لباس المصلي، الباب 35، ح 1 و 6.

(3) الوسائل 3، أبواب لباس المصلي، الباب 35، ح 2 و 3 و 6.

(4) الوسائل 3، أبواب لباس المصلي، الباب 35، ح 2 و 3 و 6.

(5) الوسائل 3، أبواب لباس المصلي،

الباب 35، ح 1 و 6.

بهجة الفقيه، ص: 432

فهو لا يجتمع مع التنقّب؛ كما أنّ أفضليّة الإسفار لما فيه من القيام عند الأعظم من جميع الخلق و لوازمه المستحسنة عرفاً، لمكان أنّه ضد المكروه الذي هو أقل ثواباً، فيكون الصلاة مع الإسفار أكثر ثواباً.

[السابع] كراهة الصلاة في قباء مشدود

و تكره الصلاة في قباء مشدود، كما عن المشهور، و يكفي ذلك للكراهة على التسامح؛ و لعلّه لما فيه من التضيق المخالف للاستراحة المناسبة للخشوع الصلاتي، و الظاهر إرادة الشدّ في نفس القباء، لا بسبب التحزّم الذي لا فرق فيه بين الألبسة، كما أنّ التحزّم أيضاً بمعنى شدّ الوسط ممّا نقل عن «الخلاف» الإجماع على كراهة المؤيد لما عن العامة من قوله صلى الله عليه و آله و سلم

لا يصلّي أحدكم و هو محزم «1»

، و أمّا حلّ الأزرار فقد روى كراهته، فليس في شدّها ما في التحزّم؛ و لعل كراهة الحلّ لمعرضيّته لكشف ما لا يستحسن كشفه من البدن، كما يومي إليه ما في خبر «غيات» «2» من النهي عنه إذا لم يكن عليه إزار.

[الثامن] كراهة الإمامة بغير رداءٍ

و يكره أن يؤمّ بغير رداء، و هو المشهور المحكي عليه الإجماع في محكي «الذكرى» و يدلّ عليه صحيح سليمان بن خالد في ترك الرداء «3» مع أنّه عليه قميص واحد، و يدلّ على الحكم بلا قميص بالأولويّة، و على ما هو بمنزلة القميص بفحوى المساواة.

[التاسع] استحباب الرداء للإمام

و قد مرّ: أنّ الكراهة الوضعيّة تقتضي استحباب الضدّ وضعاً، و هو المستفاد من ذلك،

______________________________

(1) في جواهر الكلام قال: «لم نعثر على هذا النص» و الموجود في سنن بيهقي 2 ص 240: «نهى أن يصلي الرجل حتى يحتزم» 8 ص 256.

(2) الوسائل 3، أبواب لباس المصلي، الباب 23، حديث 3.

(3) الوسائل 3، أبواب لباس المصلي، الباب 53، ح 1.

بهجة الفقيه، ص: 433

و من أنّه زينة تؤخذ عند الصلاة، و من التأسّي، و من السيرة أيضاً، و يمكن أن يكون قول أبي جعفر عليه السلام في القميص الكثيف بلا إزار و لا رداء «1»، تخصيصاً للكراهة، أو أجزاءً عن شدّة مطلوبيّة الرداء للإمام، و يمكن إلحاق المتعدّد بالكثيف، كما هو المناسب للتوصيف بالواحد في صحيح «سليمان» المتقدّم نقله على نقل المسقط للتوصيف، و كما في خبر «علي بن جعفر» في الإمامة في ممطر واحد، أوجبه وحدها أنّه

إذا كان تحتها قميص فلا بأس «2».

قد ذكر عن جماعة إطلاق الكراهة للمصلّين، و زاد في المحكي عن «الشهيد الثاني قدس سره»

أنّه يستحب لهم الفعل بلا كراهة للترك

؛ و أمّا الإطلاق فيمكن استفادته من السيرة، و التأسّي، و عموم الزينة، و ما يفيده روايات ابدال الرداء كما في صحيح «زرارة» في بدليّة مثل جناحي الخطّاف للمصلّي «3».

و ما فيه من التعبير بقوله عليه السلام

أدنى ما يجزيك أن تصلّي فيه

، يدلّ

بظاهره على اشتراك الأدنى و الأعلى في التعلّق بالصلاة، لا أنّ الأعلى في الإمامة و الأدنى في الصلاة، كما يدلّ على أنّ الأعلى هو الرداء، لأنّه الكامل في ما على المنكبين، و القميص و إن سترهما، إلّا أنّه ليس له اختصاص بالمنكبين، كاختصاص الرداء بحيث ينصرف إليه: «ما يكون على منكبيك»، و من هنا يظهر الحال في سائر أبدال الرداء في سائر الروايات، مع زيادة التعبير بالارتداء بالمنديل و العمامة في رواية «جميل» «4»؛ و ما في صحيح «عبد اللّٰه بن سنان» من بدليّة التكّة و تقليد السيف في الصلاة «5»؛ و ما في صحيح «و محمّد بن مسلم» في لابس السراويل أنّه: «يجعل على عاتقه شيئاً و لو

______________________________

(1) الوسائل 3، أبواب لباس المصلي، الباب 22، ح 7.

(2) الوسائل 3، أبواب لباس المصلي، الباب 22، ح 12.

(3) الوسائل 3، أبواب لباس المصلي، الباب 53، ح 6.

(4) الوسائل 3، أبواب لباس المصلي، باب 53، ح 4 و 3.

(5) الوسائل 3، أبواب لباس المصلي، باب 53، ح 4 و 3.

بهجة الفقيه، ص: 434

حبلًا» «1»، و مرفوع «عليّ بن محمّد» «2» ذكر فيه بعض ما في صحيح «عبد اللّٰه بن سنان» مصرّحاً بالصلاة، و كذا خبر جميلٍ فيمن صلّى في إزارٍ مؤتزراً به أنّه

يجعل على رقبته منديلًا أو عمامةً يرتدي به

، و كذا خبر «عليّ بن جعفر» «3» في الصلاة في قميصٍ واحدٍ أو قباء وحده، قال

ليطرح على ظهره شيئاً

و قد دلّ على البدليّة المتقدّمة خبر «مرازم» «4» و خبر «وهب»، مع أنّ فهم البدليّة لفاقد الرداء من نفس الأمر بهذه الأُمور غير بعيد.

و أمّا استحباب الفعل وضعاً فقد مرّ أنّه يستلزمه كراهة الترك

وضعاً، كالعكس على ما مرّ، و يمكن أن يكون ما ذكره «الشهيد الثاني قدس سره» للقياس على الحكمين النفسيين و قد مرّ عدم الملازمة في ما بينهما، و عدم الملازمة بين النفسي و الشرطي في ذلك.

[العاشر] كراهة سدل الرداء في الصلاة و عدمها

و أمّا كراهة سدل الرداء فيدل عليها خبر «زرارة» عن ابي جعفر عن أمير المؤمنين عليهم السلام لظهور أنّ المفهوم أنّ المكروه صلاة اليهود في بيعهم مع سدل الرداء «5»، و يجبر ضعفه عمل الأكثر، كما نسب إليهم، مع كفاية البلوغ في الجملة. و في «التذكرة» عن «الشافعي» الاستدلال بأنّه نهى النبي عن السدل في الصلاة، و نقل عن ابن المنذر أنّه قال: «لا أعلم فيه حديثاً»، لكنّ الناقل المستدل يكفي نقله في الاندراج في أحاديث البلوغ.

______________________________

(1) الوسائل 3، أبواب لباس المصلي، الباب 22، ح 2.

(2) الوسائل 3، أبواب لباس المصلي، الباب 53، ح 5.

(3) الوسائل 3، أبواب لباس المصلي، الباب 22، ح 11.

(4) الوسائل 3، أبواب لباس المصلي، الباب 53، ح 4 و 1.

(5) الوسائل 3، أبواب لباس المصلي، الباب 25، ح 3.

بهجة الفقيه، ص: 435

فما دلّ على نفي البأس، يحمل على التجويز بالمعنى الأعمّ موافقاً لفهم هؤلاء، و مفهوم السدل واضح، و في قبالة الجمع على الأيمن، لا الأيسر الممنوع عنه في خبر «علي بن جعفر عليه السلام»، و يمكن عدم الكراهة إلّا مع عدم القميص، بل على الإزار فقط، فأمّا على القميص و الجبّة فلا كراهة، كما في خبر «الحسين بن علوان»، إلّا أنّ نفي الكراهة بالخبر الضعيف لا يخلو عن تأمّل قد مضى؛ فلو أمكن كان مخصّصاً للطائفتين، أعني الناهية و المرخصة و لعل الوجه في كراهة السدل ما فيه من كشف ما لا

يستحسن كشفه من البدن غير العورة، أو لأنّه فيه معرضيّة الوقوع على الأرض و التقذر به فيكون كالأمر بتقصير الثياب.

ثم إنّ الرداء ثوب معروف يلبس فوق الثياب، و يستر أعالي البدن، و ليس له أكمامٌ، و يمكن بدليّة العباءة عنه لحصول النتيجة بها، و عدم معهوديّة الجمع، كمعهوديّة الكل، و لأنّها أبلغ في الزينة المأخوذة للصلاة، و للسيرة على الاكتفاء بها؛ فلو شك في الصدق لا ينبغي الشك في النتيجة، و الحكم هنا في الاختيار؛ و أمّا الاضطرار فقد مرّ بدليّة تقليد السيف، و الحبل على الظهر، و طرح شي ء على عاتقه.

[الحادي عشر] في كراهة الصلاة مع الحديد

و يكره أن يصحب شيئاً من الحديد بارزاً، نقل عليه الإجماع في محكي «المعتبر»، و «التذكرة»، و «جامع المقاصد»، و قد روى النهي عن التختم بالحديد في الصلاة «1»، و زاد في رواية الساباطي: و لا يتختّم به الرجل؛ فإنّه من لباس أهل النار «2» و مثله في ذلك الأخير خبر «أبي بصير» «3»، مضافاً إلى ما مرّ من إمكان استفادة تبعيّة الوضع للنفسيّة في اللباس حرمة و بطلاناً، و كراهة نفسيّة و كراهة وضعيّة إلّا مع الدليل على الفرق؛ و الكلام هنا أعمّ من اللبس، كما في الإجماع المنقول على المصحوب.

______________________________

(1) الوسائل 3، أبواب لباس المصلي، الباب 32، ح 1.

(2) الوسائل 3، أبواب لباس المصلي، الباب 32، ح 5.

(3) الوسائل 3، أبواب لباس المصلي، الباب 32، ح 4.

بهجة الفقيه، ص: 436

و رواية الاحتجاج على إحدى النسختين «1» تحتمل الجمع بين ما فيه من الروايتين بالكراهة التي اختارها فيه؛ فالرخصة المحكيّة تحمل على ظاهرها بدواً من الإباحة الخاصّة؛ و يحتمل إرادة أنّه صلى الله عليه و آله و سلم مع نقل الكراهة،

فكأنّها رويت من معصومين، و اكتفى بها لكفاية الرخصة الضمنيّة في الكراهة.

و عليه، فالأظهر تصديقه عليه السلام للروايتين، و ترجيحه الكراهة المحكيّة لمرجّح، أو تعليم الجمع بينهما بالحكم بالكراهة.

و أمّا الحديد الصيني، فيحتمل عدم الكراهة فيه، لتختّمه عليه السلام به؛ و الظاهر عدم النزع في الصلاة و يحتمل خفّتها إلّا مع مرجّحات أُخر، و التعليل بالقوة يرشد إلى لُبسه في الحرب، فيخرج عن محل الكراهة.

و أمّا في الضرورة و الحرب، فلا كراهة، كما في الملفوف، لرواية «عمار» في غلاف السيف «2» بعد إلغاء الخصوصيّة الذي يرشد إليه الفتاوى في البارز، و أمّا حرمة لبس الحديد فعلى خلافها الشهرة، و نقل للإجماع و النصوص.

[الثاني عشر] كراهة الصلاة في ثوب متّهم صاحبه

و يكره الصلاة في ثوب متّهم صاحبه بالنجاسة، كما هو المشهور الموافق لصحيحة «علي بن جعفر» عن أخيه عليه السلام عن رجل اشترى ثوباً من السوق للبس لا يدري لمن كان؟ قال

إن اشتراه من مسلم فليصلّ فيه، و إن اشتراه من نصراني فلا يصلّ فيه حتى يغسله «3»

، و كذا صحيحة «عبد اللّٰه بن سنان» «4»، و مفهوم صحيح العيص «5».

______________________________

(1) الوسائل 3، أبواب لباس المصلي، الباب 32، ح 11.

(2) التهذيب 290، ص 227، طبعة النجف.

(3) الوسائل 2، أبواب النجاسات، الباب 50، ح 1.

(4) الوسائل 2، أبواب النجاسات، الباب 74، ح 2.

(5) الوسائل 3، أبواب لباس المصلي، الباب 49، ح 1.

بهجة الفقيه، ص: 437

[الثالث عشر] كراهة الصلاة للمرأة في خلخال له صوتٌ

و أن تصلّي المرأة في خلخال له صوت، كما هو المشهور بين الأصحاب الموافق لصحيح «علي بن جعفر» في لُبس النساء للخلخال الذي له صوت «1» و لذكر الأصحاب له في مكروهات الصلاة، و لعلّه لما قدّمناه من الكراهة الوضعيّة في مورد الكراهة النفسيّة، و أنّ لُبس ماله صوت كالتعطّر بما يظهر ريحه مكروه على النساء ذلك اللبس، فلا تصلّي في المكروه، كما ذكرناه في لبس الحديد، و لبس الذهب المحرّم، فلا يحتاج إلى الاستشهاد بما تقدّم من الأسئلة، و ما تأخّر في الصلاة، و أنّه قرينة على إرادة الصلاة هنا في السؤال و الجواب؛ فإنّه لا قرينة لذلك، و ليس العلّة إشغال القلب؛ فإنّه يعمّ النظر إلى الزينة و الحليّ منها أيضاً بلا مداخلة للصوت، بل قدّمناه من المعرضيّة لتوجيه الرجال إليها و إلى النظر إليها. و منه يظهر الحال في سائر المكروهات النفسيّة.

[الرابع عشر] كراهة الصلاة في ثوب فيه تماثيل

و تكره الصلاة في ثوب فيه تماثيل، أو خاتم فيه صورة، [و] يمكن تعميم الكراهة في سائر الثياب لكلّ صورة، و اختصاصها بالحيوان في الخاتم لما روي في خاتم «أبي الحسن عليه السلام» في صحيح «البزنطي» «2»، و لما ورد في الثياب، كما في صحيح «ابن بزيع» سئل الإمام الرّضا عليه السلام عن الصلاة في الثوب المُعْلَم، فكره ما فيه التماثيل «3»، و المُعْلم بالفارسيّة «نشانه دار».

[الخامس عشر] خفّة الكراهة بستر التمثال

و يستفاد من الروايات زوال الكراهة أو خفّتها بالتغيير، كما في الصحيح عن أبي

______________________________

(1) الوسائل 3، أبواب لباس المصلي، الباب 62.

(2) الوسائل 3، أبواب لباس المصلي، الباب 46، ح 1.

(3) الوسائل 3، أبواب لباس المصلي، الباب 45، ح 4.

بهجة الفقيه، ص: 438

جعفر عليه السلام «1» أو النقص في التصوير، و بالجعل في الخلف مطلقاً، أو بعد الستر، و لا تحرم و لا تبطل في شي ء من ذلك للسيرة و لما في الروايات من نفي البأس المحمول على نفي الحرمة، لأظهريّة غيرها من المرجوحيّة المؤيّد بالشهرة، أو الإجماع من غير «الشيخ» و «الصدوق» في بعض كتبهما.

______________________________

(1) الوسائل 3، أبواب لباس المصلي، الباب 45، ح 16.

بهجة الفقيه، ص: 439

المقدمة الخامسة في مكان المصلّي

اشارة

بهجة الفقيه، ص: 441

الفصل الأوّل إباحة المكان

اشارة

في تعريف المكان لا ينبغي التكلّم في مفهوم المكان بعد أن كان المتيقّن منه من الواضحات. و مورد الاختلاف بحسب التعاريف لا بدّ من فهم حكمه من الأدلّة في الأحكام النفسيّة و الغيريّة؛ فمثل وضع اليد في غير السجود على المغصوب، لا مجال لاحتمال البطلان فيه، لعدم اتّحاد الصلاة على القول به مع هذا الفعل؛ و كذا مثل الوقوف على مرتفع قوائمه البعيدة عنه مغصوبة، لبعد المقدّمة عن ذيها. و مجرّد توقّف كون المصلي على شي ء، لا يوجب احتمال اتّحاد صلاته مع غصبه، و كذا الوقوف على السقف المغصوب، أو الخيمة المغصوبة الحافظة للمصلّي من الحر أو البرد مع توقّف صلاته على الحافظ لا يوجب احتمال الاتّحاد المضرّ، و لا يدور مدار صدق المكان عرفاً حتى نحكم أو نتوقّف.

و كذا طول الثياب بحدّ يصل بعيداً عن المصلّي إلى محلّ مغصوب له لا يتحرّك الواقع عليه بحركات المصلّي؛ بل يمكن المناقشة في حرمة غصب الفضاء المجرد عن غصب الأرض و البناء على تقدير عدم الحرمة من الجهات الأُخر حتى الإيذاء، فلا تصل النوبة إلى احتمال البطلان، لأنّ فيه احتمال التبعيّة في الحرمة، و انصراف أدلّة الغصب عن التصرّف في الفضاء المحض على احتمالٍ؛ كما لو أخرج خشبة عن ملكه إلى فضاء

بهجة الفقيه، ص: 442

ملك الغير و صلّى عليها. نعم على تقدير الحرمة يجي ء فيه احتمال البطلان؛ كما أنّه على تقدير البناء على مملوكيّة نفس الفضاء تبعاً لغيره من أرض أو بناء تجري العادة بمعاملة الأملاك فيه، إمّا مطلقاً إلى تخوم الأرض و عنان السماء فيبعد الالتزام بالملك فيه، و إن كان الأولويّة غير بعيدة.

[مسألة] جواز الصلاة في الأماكن كلّها مع الملك أو الإذن

اشارة

مسألة: الصلاة في الأماكن كلّها جائزة بشرط المملوكيّة، أو حكمها

بالإباحة في المباحات، أو الاذن في المملوكات. و على الأول، الإجماع من العلماء في محكيّ «المدارك»، و بين العلماء في محكي «التذكرة»، مع الخلو عن النجاسة، و قد ذكر في «الجواهر» حكاية الإجماع بعد ذكر الشرط في المتن، و هو على خلاف ما في الأصلين، فليس الإجماع على الشرط فيهما، حتى يكون من أدلّة بطلان الصلاة في المغصوب، و إن نقل اتفاقنا عليه في عبارته الآتية في «التذكرة».

و لا يخفى أنّ نقل اتّفاق العلماء هنا على جواز الصلاة في الأماكن، مناف لما في «الخلاف» من القول بعدم الإجزاء (عن بعض الشافعيّة)، و بعض أهل الظاهر، و قوم من أصحابنا من عدم إجزاء الصلاة في مقبرةٍ جديدةٍ دفن فيها، و عن بعض الشافعيّة في الحمّام مع الجهل بالنجاسة و عدمها، فكأنّ الناقل لم يعبأ بخلافهم في انعقاد الإجماع.

ثمّ إنّ [جعل] الإذن بالعوض المذكور في «الشرائع» «1» قسيماً للملك أعمّ من الإجارة، فلا يرد الإشكال على جعله إيّاه المجعول على غير المستأجر قسيماً للمملوك، كما أورد به في «المدارك» و أمّا [ما] فيه الأُجرة فكما يقصد به الثواب من الوصية و الحبس و غيرهما، ممّا لا ملك فيه للمالك و لا أجرة للمالك. و الظاهر إرادة «الشرائع» من اعتبار المملوكية أو المأذونية إنّما هو في الأملاك المختصّة أو العامّة، لا في الأعمّ من غير

______________________________

(1) شرائع الإسلام 1، ص 61.

بهجة الفقيه، ص: 443

الأملاك كالمباحات الغير المملوكة، حيث لا سبب فيها للملكية و لا محلّ للاستيذان للاشتراك فيها. و أمّا جعله الإذن في الكون بالنسبة إلى الإذن في الصلاة بالفحوى، فإنّما يقيّد بالكون الذي يدخل الأشدّ على المالك من الصلاة، كالضيافة بالنزول و لوازمه العادية.

و أمّا شاهد

الحال في المملوك، فهو يعمّ كلّ قول أو فعل يشهد لعدم كراهة المالك الذي هو طريق غالبي لرضا المالك الأعمّ من النفسي و العقلي الموجود في بيع المضطر و لو لأن يعلم أنّ منعه لا يؤثر في الأغلب فهو راض عن النادر المتعين بإذنه و منعه و لا بأس بهذا التفصيل في رضاه، بل لا ينحصر ذلك في الوجوديات، بل نفس عدم المنع بأيّ وسيلة و كان يكشف عن عدم الكراهة الكاشف عن الرضا بنحو الأعمّ.

و أمّا كون المالك مسلماً، بل غير معاند للمسلمين في الجملة، فقد يسهل كشف الرضا منه بصلاة المصلّين، لأنّها من أنحاء نفع المالكين بانتفاع المصلّين نعم يبقى تأثير المنع و يحتمل عدم التأثير في ما لا يكون للمنع غرض عقلائي، كالمنع في الأراضي المتّسعة التي لا يتصوّر غرض في المنع الآجل أو عاجل مقدّمي أو طريقي، بخلاف المنع في صورة الفرض أو احتماله؛ و ذلك لدعوى انصراف مثل لا يحلّ في الحكم المنطوقي عن عدم طيبه بهذا الوجه، و كذا دليل السلطنة المانع عن المزاحمة المفقودة، كما إذا منع بلا غرض عن اتكاء العابر و لو دقيقة على جدار الحائط بلا إضرار مالي أو حالي أو جاهي. و لعلّ منشأ السيرة ما ذكرناه؛ فلا ينقض، لعدم العلم بها في المتدينين في بعض التصرّفات في الأرض المتّسعة أو الأعمّ أو عدم العلم باستمرارها.

و أمّا جزم «كاشف الغطاء» قدس سره به مستنداً إلى الحرج، فيمكن أن يمنع بعدم الحرج في التصرّف مع النصوص المناسب في ما فيه العوض.

و قد يفرض عدم تأثير المنع في ما لو علم برضاه بدخول الصديق و عدمه في دخول العدوّ و اعتقاده عداوة «زيد» و صداقة «عمرو»

مع واقعيّة العكس، حيث لا تأثير لشي ء من إذنه و منعه، بل الإذن الواقعي في الصديق، يلغى خطائه في المنع؛

بهجة الفقيه، ص: 444

و كذا المنع الواقعي النفساني في العدوّ، يلغى خطائه في المنع، لكنّه يفتح باب المنازعة بين المالك و المتصرّف مع ديانة كليهما، بل أمر تطبيق الكليات في ماله، بيد المالك ليس لأحد المنازعة بغير الإرشاد و التنبيه و الاستدلال.

و أمّا الاستدلال بعموم «لا يحل مال امرء» «1» في أصل المسألة، فقد مرّ أنّ عدم المنع يكشف عن الرضا بالنحو الأعمّ من العقلائي في قبال النفساني، كبيع المضطرّ و أنّه لا يعتدّ بمنعهم لا عقلائيّاً إذا لم ينجرّ إلى المنازعة في ثبوت الغرض العقلائي؛ و أنّه لا وجه للتمسّك بهذا العموم مع الشك في الطيب المستلزم للشك في غير الطيب الذي هو موضع «لا يحلّ».

ثمّ إنّ بطلان الصلاة في المغصوب مع العلم و العمد، نقل عليه الاتفاق هنا في «التذكرة» و غيرها. و يمكن الاستدلال له بما قدّمنا استفادته من روايات لبس المحرّم أو كراهيته، و ما فيها من تعليل البطلان أو الكراهة الوضعيّة بالحرمة النفسيّة أو الكراهة النفسيّة في الذهب و الحديد، فراجع.

و بما عن «غوالي اللئالي» من تعليل إباحة المسائل للشيعة بقوله «لتصحّ عباداتهم» و ما في رواية الكميل من قوله

فإن لم يكن من وجهه و حلّه فلا قبول «2»

و في تحقّق الإجماع مع مخالفة الفضل جزماً و «الكليني» ظاهراً تأمّل، و في تأثير نقله في الكشف عن الحجة المفقودة غير الإرشاد إلى قبح التصرّف المرتكز بنحو يكون أقبح من التصرّف و بغير الصلاة مع تعرّض كثير منهم للاستدلال بعدم القابليّة للتقرّب في ما هو المبعد تأمّل أيضاً؛ فإنّ المتقرّب

به الأمر بالطبيعة المفروض عدم دخول الغصب في التقرّب النفساني الوجداني، بل لولا الأمر بنفس الطبيعة لم يصلّ، كان غصب أو لا، و مع الأمر بالطبيعة صلّى، كان غصب أو لا؛ فمع إمكان الصلاة في غير المغصوب فالأمر بالصلاة لا يعارضه النهي عن الغصب؛ و مع عدم إمكان الصلاة بلا غصب حتى

______________________________

(1) الوسائل 3، أبواب مكان المصلي، الباب 3، ح 3 و الكافي 7، ص 50، ح 7.

(2) الوسائل 3، أبواب مكان المصلّي، باب 2، ح 2.

بهجة الفقيه، ص: 445

في حال الخروج، كان الاضطرار حال الصلاة مسوّغاً للغصب بمقداره، فلا مزاحمة.

و منه يظهر الجواب عن دعوى الاتّحاد الممنوع موضوعاً في غير وضع الجبهة على المغصوب، و أثراً في فعليّة الأمر بالصلاة على ما مرّ من عدم المزاحم، و أنّ التقرّب ليس بجهة الاتّحاد، بل بجهة لا مداخلة لغير الطبيعة فيه.

مع أنّ الغصب بالكون الذي هو مقدّمة الأفعال الصلاتية، بل من لوازم الجسم الكائن في المكان في أيّ فعل من حركة أو سكون؛ فالاتحاد ليس في نفس ذي المقدّمة في غير الوضع المتقدّم للجبهة؛ و كذا الفضاء للمغصوب لا فرق في الحاجة إليه بين حركة المصلّي و سكونه، فلا يلزم فضاء و لا هواء أزيد؛ بل و لو لزم فإنّ المنع عنه تبعي في مثل المقام، لا استقلالي كما في غير الفرض.

و بالجملة: فاستدلال القوم يرشد إلى كون الإجماع لو كان مدركيّاً، فلا يكون للنصّ الغير الواصل، بل و لا يجبر ضعف الواصل، خصوصاً إذا احتملنا رجوع نفي الصحّة في خبر إلى نفي القبول في آخر، و رجوعه إلى تأثير العصيان في الغصب في ما لعلّه يزيد على إطاعة الأمر بالصلاة في الفرار عن

النار التي دخل فيها بالغصب و إن لم تلزم الإعادة بعد الإتيان بها.

[في بيان بعض الأحكام]
[الأول] عدم الفرق في الحكم بين مغصوب العين و المنفعة

و لا فرق على البطلان بين مغصوب العين و المنفعة. و أمّا متعلّق الحق بلا ملك، فيمكن انصراف الدليل إلى الأملاك، بل خصوص ما كان من التصرّفات مزاحمة للمالك يراعي رضاه؛ فمع عدم المزاحمة و احتمالها لا يجب الاستئذان، كما في مورد حق التحجير، و يمكن التمسك بعموم «لا يحل» «1» في غير موارد الحجّة على الخروج. و أمّا غصب المشترك، ففي «المنظومة» عدم البطلان مع الحرمة؛ و يمكن إرادة غير صورة بقاء المزاحمة المتّحدة مع الصلاة، فيمنع عن التقرّب على ما مرّ.

______________________________

(1) الوسائل 3، أبواب مكان المصلي، الباب 3، ح 3.

بهجة الفقيه، ص: 446

و يمكن أن يقال: إنّ حرمة المزاحمة و وجوب تركها بترك الصلاة و أيّ إشغال أو منع، لا يقتضي حرمة الصلاة و نحوها من المزاحمات حتى تمنع الحرمة عن التقرّب.

[الثاني] عدم الفرق بين اليومية و غيرها في الجهة المبحوث عنها

و أمّا النافلة فقد يقال بصحّتها في السعة مع الركوعين، للتمكّن مع فعلها بالخروج الواجب مع الإيماء؛ فهو مندوحة لعلّها مسوّغة في الفريضة أيضاً؛ و من لا يسوّغ فيها، لا يسوّغ في النافلة أيضاً.

و أمّا في حال الخروج، فلا مانع عن الفريضة أيضاً، للأمر بالخروج الذي هو عين النهي عن الغصب الزائد؛ و كون التصرّف في الفضاء بالتكلّم بالقراءة غصباً مبغوضاً، يمكن منع مبغوضيّته، بل العرف يحكم بأنّ التصرّف لنفس المصلّي في الفضاء له حرمة تبعيّة؛ فلو أمكن مثله أن ينفكّ عن التصرّف في الأرض فلا تحريم في كثير من صوره، و قد يستقلّ التصرّف في الفضاء المملوك عرفاً عن التصرّف في الأرض، فيمكن تحريمه المستقلّ، لا غير المملوك الذي هو بمنزلة المشتركات فيها حق السبق، أو يراعى صدق المزاحمة لمالك الأرض مع التباعد جدّاً عن الأرض.

و بالجملة: فمشروعيّة الإبدال

في النافلة اختياراً، كالمندوحة في الفريضة، مع أنّ الإبدال جميعها من الأكوان الصلاتيّة؛ و عدم اختصاصها لا يمنع عن كونها عباديّة لا يتقرّب بها مع الحرمة، إلّا إذا قيل بمقدميّة الكون لما هو الصلاة، و هو الذي يتأتّى احتماله في الفريضة أيضاً حتى في وضع الجبهة؛ فإنّه مع عدم الوضع تكون الجبهة كما عدا الرجلين، غير خارج عن التصرّف في المغصوب؛ فالاعتماد على الأرض، من المقدّمات العادية؛ فلو تمكّن من الاستقرار في الهواء لم يفت شي ء من الصلاة.

و وضع الجبهة قد عرفت ما فيه في خصوصية المماسّة؛ و أنّ عدمها لا ينقص من الغصب إلّا مثل النقص في سائر مواقع البدن غير الرجلين، و أمّا جعل القراءة تصرّفاً غصبيّاً محرّماً غير متقرّب به فبعيد جدّاً من بعض الجهات المتقدّمة، و كان في بعض الكلمات ما فيه الخلط بين عدم اعتبار الاستقرار في النافلة، و عدم اعتبار الكون

بهجة الفقيه، ص: 447

في غير جهة مقدميّة الكون المشتركة بين الفرض و النفل.

إلّا أنّ يقال بعدم اعتبار الأفعال الّتي هي متّحدةٌ مع الغصب في النافلة من القيام و القعود و الوقوف و غيرها، و توقّف المصلّي غير توقّف صلاته النافلة، بخلاف الفريضة؛ كما أنّ اللازم من القراءة بعد النيّة ليس عين الغصب، و ليس فيها توقّفٌ غير توقّف جسم المصلّي؛ فالمتّحد بالغصب غير معتبر، و المعتبر غير متّحدٍ، و لا توقّف أزيد من توقّف بدن المتحيّز؛ فلا بدّ من كون الصلاة تصرّفاً زائداً على تصرّف المصلّى ببدنه و لو لم يصلّ، أو يكون عين تصرّف المصلّي ببدنه في المغصوب، كما يقال في أفعال الفريضة، و ليس شي ءٌ منها في النافلة بناءً على عدم اعتبار الأفعال الخاصّة التي

لها أبدال في صحّتها على تقدير خلوّ الإيماء عن إشكال الركوعين بدعوىٰ عدم الحرمة في التصرّف في الفراغ بالإيماء، أو فيه؟ لقراءة.

[الثالث] الوضوء في المكان المغصوب

و أمّا الوضوء في المغصوب فلا اتّحاد فيه لشي ء من أفعاله مع الغصب، و إنّما الموجود التوقّف؛ حتى أنّه في حال الغسل و المسح لو تصرّف في الفضاء بالتحريك، فالمماسة في المسح مقارنة للتحريك للهواء، و إنّما الواجب التحريك على الممسوح، و لو أمكن تخليصه من تحريك الهواء لم يفت شي ء، و المتقرّب به نسبة بين الماسح و الممسوح، و الغاسل و المغسول، و كذا الحال في تحريك اللباس في الصلاة المقارنة للحركة نحو الركوع و السجود لو كانت واجبة، لا مقدّمة.

إلّا أن يقال: إنّ تحريك الغاسل و الماسح علّة لحركة الهواء المغصوب محرّمة للتوليد، فلا يمكن التقرّب به مع الحرمة، و التقرّب بالطبيعة جار في جميع موارد ثبوت الأمر بها، و يختصّ المسح بلزوم التحريك فيه دون طبيعة الغسل.

و الحاصل: أنّه لا بدّ من حرمة ما يتقرّب به؛ فإن تقرّب بالأمر بالطبيعة و كان مفروض الحصول، فلا يضرّ حرمة الفرد؛ و إن بنى على عدم إجدائه، فلا بدّ من تسلّم الحرمة في الفرد في البطلان. أمّا في الصلاة فيمكن فيها منع الاتّحاد، و أنّ الثابت هو

بهجة الفقيه، ص: 448

توقّف بدن المصلّي في أطوار كون في المغصوب، حتى أنّه في سجوده على الأرض المغصوبة لا يزيد على وضع جنبه في المغصوب، فبدنة متوقّف كونه في المغصوب على شي ء من هذه الأُمور، فليس في خصوصياته تصرّف زائد محرّم.

و أمّا الوضوء و الغسل، فعدم اتّحاد أفعالهما مع الغصب في الأرض أوضح منه في الصلاة، و ليس في الوضوء و الغسل ما يزيد من

الغصب في الأرض على كون المتوضّي أو المغتسل ببدنه فيها.

و أمّا المسح فالتحريك فيه تصرّف في الفضاء إلّا أنّه ليس بحيث يعتني العقلاء بزيادته على الكون في ذلك الهواء، فيكون حراماً آخر لا يتقرّب به، مع أنّ الأمر في حال اتصال الماسح بالممسوح بلا تخلّل هواء، فهو نسبة بين العضوين، و ذلك في غير صورة إمكان المسح خاصّةً في خارج المغصوب، و فعله.

و كذا في الغسلات و اليد أينما كانت شاغلة للفضاء المغصوب لو فرض أنّه حرام مستقلّ لا يتبع التصرّف في الأرض بالغصب لها، و أمّا مصبّ ماء الغسل فهو بما أنّه وضوء لا يزيد على الدهن ليس تصرفاً زائداً؛ فإرسال الماء إلى المصبّ من مقارنات الشخص، و لو فرض علية الصب الوضوئي لإرسال الماء إلى أرض الغير فيكون الصب حراماً للتوليد، فلا بدّ من منع مبغوضيّة الفرد عن التقرّب بالطبيعة، و هو ممنوع كما مرّ؛ كما أنّه مع عدم إمكان التخلّص عن الغصب لعدم إمكان الخروج لا حرمة للفرد، فلا مانع.

[الرابع] الصلاة تحت سقف مغصوب أو شبهه

و أمّا العبادة تحت الخيمة و السقف المغصوبين، فلا مانع منه، لأنّ الغصب فيهما مقارن، لأنّه لو رفع السقف حال الصلاة لم يضرّ بفعله للصلاة، و كذا الجدار المغصوب؛ فالانتفاع المحرّم من مقارنات الصلاة، و لا وجه للاستشكال فيه مع البناء على منع إبطال المكان، لأنّه ليس مكاناً.

بهجة الفقيه، ص: 449

[مسألة] صحة الصلاة في المغصوب مع النسيان و الجهل بالغصب

اشارة

مسألة: تصحّ الصلاة مع نسيان الغصب أو الجهل به؛ أمّا مع تعلّقهما بموضوع الغصب، فعن «المدارك» و «المنتهي» الإجماع على الصحة؛ فإنّه لو كان المانع عن الصحّة اتّحاد الكون في المغصوب مع الصلاة، فذلك إنّما يمنع عن التقرّب بالمبعد مع الالتفات حال الصلاة إلى الغصبيّة، و المفروض الجهل بها أو نسيانها؛ فلا مانع من التقرب حيث لا يراه تقرّباً بالمبعد.

و إن كان المانع اتفاق أصحابنا على البطلان بحيث أنّ القائل بالصحّة على الصراحة إنّما هو «الفضل» قدس سره، و «الكليني» قدس سره على احتمالٍ، مع إمكان الاعتذار للأوّل بعدم النص في المسألة، و الآراء في تلك الأعصار إنّما كانت منحصرة في العمل بالنصوص، و ما يستظهر منها؛ و السيرة العمليّة على الترك يمكن استنادها إلى المحافظة عملًا على ترك الحرام، و لا حاجة مهمّة تدعو إلى السؤال و الجواب، و التعرّض للحكم للاستيفاء التبعي التشريعي بتحريم الكون الغصبي المتفق عليه عند العلماء، و الاتّحاد في قبال النهي عن الخارج ليس بذلك الوضوح، و لا يؤثّر أيضاً من الجهل و النسيان.

و بالجملة: فهذا الإجماع بضميمة الإجماع على الصحة في الفرض بمنزلة العام المخصّص؛ فلا إجماع في الفرض على البطلان، و ذلك يكفي في رفع المنع، فضلًا عن الإجماع على الصحة؛ مع أنّ المكشوف بالإجماع على البطلان إن كان غير النص فذلك يتوجّه عليه إمكان

التقرّب؛ و إن كان هو النصّ فذلك في جميع الشروط يأتي فيه رفع الجهل و النسيان، و حديث

لا تعاد في غير الخمس

؛ و حيث لا محلّ للكشف مع عدم الإجماع كما مرّ، فيبقى نفس النص المتقدّم إليه الإشارة، فيجري فيه ما ذكرناه من رفع الخطا و النسيان، و حديث «لا تعاد».

فما في «الجواهر» من التعليل بتعلّق النهي في معلوم الغصب لا مجهوله، يتوجه عليه: أنّ النهي متعلّق بالغصب الواقعي، و هو التصرّف في مال الغير بدون إذنه، إلّا أنّه لا منجّز له مع عدم الالتفات إلى الغصب، فلا يستحقّ العقوبة؛ فإنّ مال الغير الغير

بهجة الفقيه، ص: 450

المأذون فيه، موضوع لتحريم التصرّف، و مع عدم العلم أو التذكّر للموضوع، فلا يعلم النهي الجزئي، فلا يعاقب على مخالفته؛ و لا تبطل الصلاة، لأنّ البطلان، لمكان الالتفات إلى الموضوع و حكمه المانع عن التقرب، كما أنّ بطلان الصلاة من جهة فقد التقرّب في ما إذا اعتقد الغصب و كان في الواقع غير غاصب لا يختصّ بالمقام، بل كل مورد يختلّ فيه القصد المذكور تبطل العبادة.

و أما ما عن «العلامة قدس سره» من تنزيل نسيان حرمة شخص الساتر، بمنزلة نسيان الستر من المصلّي عارياً، لأنّ الشرط هو الستر بالمباح فيتوجه عليه: أنّ شرطية الإباحة في الساتر، لمكان اجتماع الأمر و النهي، لا للنص على الشرطيّة غير ذلك، و قد مرّ مقتضاه؛ مع أنّ تنزيل نسيان الشرط منزلة نسيان المشروط؛ لا اطراد له، بل يكفي رفع النسيان المخصوص بالشرط لقطع التنزيل المذكور، مع أنّ عدم جريان رفع النسيان في نسيان أصل الستر مع عدم الدليل منظور فيه؛ كما أنّ تنزيل نسيان غصب المكان منزلة نسيان الركوع أو

السجود غريب، حيث لا يجري نسيان السجود في نسيان سجدة واحدة مقضيّةٍ، فضلًا عن سائر الشروط و إن كانت شرعيّة مع صدق الركوع و السجود و القيام، مع ما مرّ من قصر النسيان على خصوص ما تعلّق به، لا الأعمّ منه و من المشروط بمتعلّقه.

[في بيان بعض الأحكام]
[الأول] الصلاة في المغصوب مع الجهل بالحكم التكليفي أو الوضعي

و إن كان جاهلًا بالحكم كان المجهول الحكم التكليفي أو الوضعي لم يعذر. أمّا عدم المعذوريّة في غير القاصر كالقادر على الفحص، فلا شبهة فيه.

و أمّا بطلان العبادة، فعلى تقدير كون المستند اجتماع الأمر و النهي، فلا شبهة في تمشّي القربة مع جهله بالبطلان، حتى لو علم الحكم إذا لم يكن مردّداً في البطلان، و كذا لو نسي البطلان و لو لم ينس الحرمة، و قد مرّ أنّ المانع عن الصحة على هذا التقدير في المبنى هو امتناع التقرّب بالمبعّد.

بهجة الفقيه، ص: 451

و أمّا على تقدير كون المستند، الإجماع المنقول المستند إلى نصّ تعبّدي، أو ما وصل إلينا من النص على ما مرّ، فمع الجهل الغير التردّدي بالبطلان، أو نسيان البطلان بلا تردّد يتمشّى القربة؛ بعد العلم و التذكر بعد الصلاة، يمكن شمول

لا تعاد في غير الخمس

، الشامل للخطإ أو النسيان في غير الحكم يقيناً؛ فقد يدّعي عدم الشمول لمكان الإجماع على عدم معذوريّة الجاهل بالحكم، و بطلان عباداته، إلّا في موارد خاصة، و لمكان أنّ الجاهل يعمل ببيان الحكم، لا بأنّ عليه الإعادة.

و في الأوّل: أنّ الإجماع على عدم المعذوريّة في غير القاصر، غير ما نحن بصدده؛ و على البطلان، فهو يمكن أن يكون إرشاداً إلى مقتضى عدم مطابقة المأتيّ به للمأمور به الواقعي، فلا إجزاء؛ فإنّ المأتيّ به مأخوذٌ بإطلاق دليله، فكان العمل على اللّابشرطيّة الواقع

على الشرط شيئيّة مثلًا، فوقعت المخالفة بين الأمرين.

و عن «المنتهي» و «التحرير»، الاستدلال للبطلان في جاهل الحكم بلزوم الدور في اشتراط الحكم بالعلم، فيمكن أن يراد بالإجماع ذلك؛ و عن «المدارك» و «شيخه» 0، نفى البعد عن اشتراط العلم بالحكم.

و أمّا كفاية ما أتى به مع القربة عن الواقع بحيث يكون فيه أمر تعيني؟ لخصوص الجاهل، أو الناسي عن مصلحة كافية بدليّة، بعد البناء على عدم استحالة ذلك، لعدم إمكان وصولهما معاً حتّى يقع التضادّ بملاحظة عدم وجوب صلاتين في وقت واحدٍ، أو الثاني بالذات، فشي ء يمكن عدم تحقّقه كما في الخمس؛ و يمكن تحقّقه في غير الخمس، و في مواضع الاستثناء، بلا لزوم السببيّة المعتزليّة، و التعبير بالإعادة و العدم لخصوص الجاهل بعد العمل ممكن، و مطلقاً يمنع إذا كان الأمر لخصوص الجاهل بالحكم، لا للأعمّ منه و من الجاهل بالموضوع، أو الساهي، أو الناسي له، مع أنّه قد ورد كثيراً على ما ببالي الأمر بالإعادة بلا فرض العمل إلّا تقديراً و فرضاً؛ بل يمكن حمل كثيرٍ من الأسئلة و الأجوبة على ذلك.

بهجة الفقيه، ص: 452

هذا مع العسر العجيب في لزوم الإعادة، لمكان كثرة الفروع الدقيقة الّتي لا يعلمها إلّا قليلٌ من المجتهدين، و التذكّر لها في حال الصلاة مثلًا أغرب و أندر، و سهولة الشرع تنافي لزوم الإعادة على غير المتذكّر لتلك الأحكام الدقيقة؛ فالأخذ بالعموم في الجملة، بلا مانع، و هو العالم.

[الثاني] صحّة الصلاة في المغصوب في ضيق الوقت حال الخروج

و في ضيق الوقت يصلّي الغاصب متشاغلًا بالخروج المأمور به مع الإيماء، حتى لا يلزم زيادة الغصب في ما لو لم يتمكّن من ركعة تامّة في خارج المغصوب في الوقت.

و قد يمنع عن الصلاة خارجاً، لكونه غصباً منهيّاً عنه؛

و يمكن دفعه بأنّه في ما كان الغصب الخروجي مسبّباً توليديّاً للدخول بحيث لا يتمكّن بعده من ترك الغصب الخروجي، فلا نهي عنه بالفعل، و النهي السابق على الدخول عن الدخول وقع عصيانه بالدخول المستلزم للخروج؛ فحيث إنّ ترك الغصب الزائد واجب لحرمة الغصب الزائد المتمكّن منه، و لا يتمكّن من ترك الزائد إلّا بالخروج، فلا مانع من إيجاب الخروج مقدميّاً، و لا مانع بعد سقوط النهي عنه بالعصيان السابق عن التقرّب بالأكوان الصلاتيّة الخروجيّة، إذ ليس فيها إلّا العقاب المجرّد عن الخطاب، و المانع عن التقرّب فعليّة الخطاب، لا فعليّة العقاب. فلا طريق للمولىٰ إلى النهي عن الخروج، بل يضرّه ترك الخروج بلازمه التوليديّ، كما لا طريق له إلى ترك الصلاة في ضيق الوقت بحيث يسوّغه، أو يرفع اليد عن إيجاب الصلاة حينئذٍ، بل يكفى تقرّب العبد بما لا نهى عنه فعلًا، كان الأمر المقدّمي شرعيّاً أولًا.

و منه يظهر عدم الأثر للندم و التوبة في جعل الخروج طاعةً، لوقوعه عصياناً في الغالب، فلا ينقلب طاعةً، و إنّما التوبة في الأموال بتسليمها الممتنع فرضاً.

نعم يمكن فرض عدم الحرمة بقاءً بموت المالك في أوّل الخروج بعد منعه

بهجة الفقيه، ص: 453

عن الدخول، و كون الغاصب وارثاً منحصراً فصار مالكاً فلا يكون خروجه حراماً، لاشتراط الحرمة ببقاء المالكيّة، و في نحو ذلك.

و دعوى أنّ زيادة الغصب إنّما تتحقّق بعد الصلاة، لأنّها بمقدار أربع دقائق مثلًا و لو اشتملت على الركوعين، و هذا القدر لا بدّ منه في نفس الخروج مجرداً عن الصلاة؛ مدفوعة بأنّ الغصب الزائد مسبّب توليدي عن الصلاة في ذلك المقدار، و حرمته تقتضي حرمة السبب المتولّد منه، فلا يتقرّب به؛ فالظاهر صحة الصلاة

مع التشاغل بالخروج و الإيماء.

و الأظهر عدم صحّتها غير متشاغل بالخروج، بناء على عدم الصحة مع الاختيار و العمد. و منه يظهر ما في ما في «الجواهر» من إشكال الالتزام بالصحّة مع عدم التشاغل بالخروج لو لم يكن إجماع على خلافه.

و أمّا إذا تمكّن من ركعة تامّة في خارج المغصوب فلو أخّر، صحّت صلاته أداء يقيناً، لكنه هل يجب عليه التأخير حفظاً للركوعين و الاستقرار و الاستقبال، أو تقديم الثلاث ركعات مثلًا في حال الخروج حفظاً للوقت الاختياري في تمام الصلاة، ترجيحاً له على الركوعين في غير ركعة واحدة، فكلّ من الركوعين و وقت تمام العمل له بدل اضطراري، لكنه يزيد الصلاة في حال الخروج بفوت الاستقبال و الاستقرار بلا بدل على الصلاة في الخارج، فيمكن ترجيح التأخير بهذا المرجّح.

و إذا بلغ في خارج المغصوب ضيق الوقت إلى حدّ لا يتمكّن من ركعة اختياريّة بل اضطرارية مع الإيماء، يمكن أن يقال بتعيّنها و الصحة أداءً لتقدّم وقت الركعة على ما له بدل من أفعالها، بل في نوع موارد الإيماء أو جميعها يتمكّن من المبدل في خارج الوقت، و يتعيّن عليه البدل في الوقت.

[الثالث] الأمر بالخروج في أثناء الصلاة

و لو حصل في ملك غيره بإذنه ثمّ أمره بالخروج، وجب عليه؛ فإن صلّى و الحال هذه كانت صلاته باطلة، و يصلّي و هو خارج إن كان الوقت ضيقاً.

بهجة الفقيه، ص: 454

أمّا وجوب الخروج، فلا ينوط بالأمر، بل برفع الإذن المتقدّم، و أمّا صلاته مع عدم الإذن و لا ما يجري مجراه فلما فيه من زيادة الغصب المشترك بينها، يعني عمل المختار، و بين الخروج.

و أمّا صلاته حينئذٍ مع السعة في حال الخروج مع التمكّن في خارج المغصوب من صلاة المختار،

فلفرض عدم كونه من ذوي الأعذار الذين يجوز لهم البدار بصلاة المعذور، و أمّا كون الخروج على المتعارف فيشكل بلزوم التقليل للغصب مهما أمكن بلا عسر شخصي، فيخرج سريعاً بنحو لا يضرّ بحاله وجاهة، حتّى لا يقع في عسر شخصي بدني أو حالي، و ذلك يختلف في الموارد بحسب الأشخاص.

و أمّا مع ضيق الوقت فقد يقال بعدم العبرة بأمره في الضيق بعد إذنه في ما يستلزم التوظيف بالصلاة بنحو عمل المختار، و ثبوت البدل إنّما هو مع عدم الاستلزام المسوّغ للمبدل لإطلاق الإذن و عدم كونه مهملًا يؤخذ بمتيقّنه، يعني الكون ما دام مأذوناً و ذلك آذناً.

و لا يلزم الإذن في الصلاة بخصوصها، حتى يقال في ذلك لا يسمع الرجوع و لا رجوع هنا، بل لأنّ الإذن في الكون إلى زمان الأمر بنحو دخول الغاية يستلزم الإذن في الكون في زمان التكليف؛ فالرجوع بعد التكليف عن الإذن في الكون، كالرجوع بعد التلبّس بالصلاة عن الإذن في الصلاة، و التنزّل إلى البدل، بعد عدم الإذن في ملزوم الصلاة شرعاً فلا يعلّل عدمه بالتنزّل إلى البدل، خصوصاً في ما كان اللزوم الشرعي عاديّاً بينهما، لأنّ المُسلم لا يترك صلاة المختار في آخر الوقت إلّا لعذر، فلا يعلّل ثبوت البدل لعدم الاستلزام.

و بالجملة، إن فهم المنافاة بين أمره بالخروج و إذنه في زمان الضيق قبل التلبّس، فلا عبرة بالمنافي اللاحق بعد الإذن السابق؛ فالاحتياط بالصلح على اجرة التفاوت مع التمكّن و القبول، في محلّه.

و المنافاة مع الإطلاق الواضح الذي هو بمنزلة إذنه في خصوص هذا الزمان مع

بهجة الفقيه، ص: 455

عدم التقييد بغير شغل لا يتمّ إلّا بعد الوقت بحيث يكون من الإطلاق الواضح ظاهر؛ و مع

عدم الإطلاق الواضح يحكم بالمتيقّن، و يكون في غيره من الشك في الإذن؛ فإن كان بحكم عدم الإذن، كان كمن دخل بلا إذن في أنّ عليه الخروج في ضيق الوقت مصلّياً مع عدم إمكان الاستئذان فعلًا، و مع الاتّساع يؤخّر إلى الخارج، كما أنّه من السعة ما لو أدرك ركعة في الوقت في خارج المغصوب على ما مرّ.

و إن كان أمره بالخروج بعد التلبّس بالصلاة بعد الإذن المفروض إطلاقه على ما مرّ في الجهتين، فهل يتمّ لأنّها وقعت بالإذن، و هي ممّا لا يشرع فيها إلّا مع الإتمام لعمل المختار، كسائر ما لا يمكن التفكيك الوقتي و العملي بين أبعاضه بدواعي الأُمور العرفيّة أو الشرعيّة المعلومة؟

أو قطع الصلاة في السعة، و الاستئناف في خارج المغصوب و لو كان في ركعة من الصلاة، أو الخروج مصلّياً؟ وجوه، فيقال إن كان المالك ذا حقّ في الخروج، و هو في صورة عدم الإطلاق في إذنه، و كون المصلّي إنّما شرع في صلاته باستصحاب الإذن، فالأمر يدور بين الخروج مصلياً و القطع لصلاة كاملة و لو لسعة الوقت لركعة كاملة.

و يمكن ترجيح الثاني، لعدم مزاحمة حرمة القطع السائغ للأعذار التي لا يبقى فيها محل للتمسك بالإجماع مع شروط الصلاة التي فيها ما لا بدل له، و ما له البدل لا يجوز الانتقال اختياراً، و المفروض تساوي العذرين، فلا أقلّ من الترجيح بما لا بدل له إن كان كالاستقبال و الاستقرار الفائت على أيّ تقدير في الصلاة خارجاً، و أمّا تغيّر الهيئة بالنسبة إلى أوّل الصلاة فلا موضوعيّة له، و إنّما المتبوع الدليل لا هذا العنوان.

و إن لم يكن ذا حق في الرجوع لإطلاق إذنه بحسب الزمان و الأفعال التي

فيها ما لا يمكن التفكيك بين أبعاضه عرفاً أو شرعاً، و قد ذكرنا جريانه في ما قبل التلبّس إذا كان مع ضيق الوقت عن ترك التلبّس، أمكن القول بوجوب الإتمام مع الشرط و الأجزاء، مع الاقتصار على أقلّ الواجب و غير ما يسقط بالاستعجال، و أنّه كالبداء بلا غرض عقلائي.

بهجة الفقيه، ص: 456

و هذا في مقام الثبوت، فقد يقع الاختلاف في الإثبات، و لعلّ المرجع حينئذٍ هو المالك الذي بيده اختيار أملاكه، و ما يرجع إليها من الخصوصيات؛ هذا مع عدم حدوث موجب للبداء؛ فإنّه يرجع إلى عدم الإطلاق كالضرر أو الخطر، كما لا يمنع مع الخطر على المصلّي، أو الضرر عليه لأمر حادث، إلّا مع المعارضة بالمثل، فيرجع الأهم أو خصوص المالك مع عدم الأهميّة، أو عدم كونها بخصوصها مرجّحة على خصوصيّة المالك.

و ممّا مرّ ظهر ما في المحكي عن «مجمع البرهان» من أنّه لا يتم إلّا في الصورة الأُولى، و هي ثبوت حق الرجوع للمالك عن الإذن المحقّق، و لو بالإطلاق الواضح المسلّم، كما ظهر ممّا تقدّم أنّه ما حكاه في «الجواهر» عن «المسالك» موافق لما قدّمناه، و لا إشكال مهمّاً في ما قرّره فيه في أحكام الصور بعد إصلاح ما في كلامه من الإذن الصريح و غيره بالتأويل إلى الإطلاق و عدمه، و أنّه مع الإطلاق يستمرّ في صلاة المختار مطلقاً؛ و مع عدمه يخرج فوراً؛ فإن وسع الوقت أخّر الصلاة، أو قطعها مع التلبّس إلى خارج المغصوب و لو في ركعة تامة؛ و أنّ هذا الخروج محبوب صرفاً، بخلاف خروج الداخل بغير الإذن فإنّه معاقب عليه على العمد، و إن لم يكن فعلًا منهيّاً عنه، بل مأمورٌ به على نحوٍ.

و مع الضيق في الفرض يخرج مصليّاً مؤمياً من أقرب الطرق. ثم إنّ هذا كلّه، في ما لو لم يتمكّن من الخروج بلا مناف إلى الخارج، و إلّا تعيّن ذلك كما هو واضح.

و أمّا المكره أو المحبوس فيتحرّزان عن زيادة التصرّف في المغصوب على الإكراه و الحبس و الاضطرار العرفي، لكن الأخير لا ينافي الضمان لما زاد، و يصلّون صلاة المختار مع عدم زيادة الإضرار على الكون، و تخصيص بعض الأحوال بلا موجب لعدم زيادة الجسم عن نفسه بحسب الأحوال من القيام و القعود، و التفاوت غير معتنى به عند العقلاء ما لم يكن فيه ضرر زائد، أو كان مع الضمان؛ كما أنّ الجاهل يعمّ القاطع

بهجة الفقيه، ص: 457

بعدم الغصب، و مثله الناسي و لا ينافي الجواز الشرعي الضمان، و هل يؤخّر الصلاة مع رجاء زوال الغصب في الوقت بناء على تأخير ذوي الأعذار؛ فلو كان المانع الإجماع فلا نهي ما دام الحبس، و لو كان الشرطيّة التعبديّة كما في لبس الذهب و الحرير، فالتأخير مع عدم البأس مناسب للمبنى المتقدّم.

بهجة الفقيه، ص: 459

الفصل الثاني محاذاة المرأة للرجل

[مسألة] تقدّم المرأة على الرجل و محاذاتها له في الصلاة

اشارة

مسألة: اختلفوا في جواز صلاة الرجل و المرأة مع المحاذاة، أو تقدّم المرأة؛ فنسب المنع إلى «الشيخ» و أتباعه، و إلى «المفيد» في المحاذاة. و لعلّه يلحق [به] تقدّم المرأة بالأولويّة، و نسب الجواز إلى «الفاضلين»، و «الشهيدين»، و عامّة المتأخرين و عن «الجعفي» موافقة «الشيخ» إلّا مع البعد بقدر عظم الزراع.

و يمكن أن يقال: عمدة ما هو مستند القوم الروايات المختلفة هنا في التجويز، و المنع مع الاختلاف في مراتب البعد المسوّغ.

فمن روايات المنع موثق «عمار» «1»، و ظاهره المنع من الصلاة إلّا مع الفصل بأكثر من

عشرة أذرع في الجهات الثلاث، و لعلّ التعبير بالأكثر لاعتبار العشر الذي لا يعلم غالباً بالأكثر، لكنّه قابل للانصراف عنه بالأظهر.

و منها: صحيح «محمّد بن مسلم» في المتزاملين «2»، و المنع فيهما مع الفصل بين الطرفين في المحمل بشبر يدلّ على عدم كفاية هذا القدر في الفصل؛ فما يدلّ على كفاية الشبر يصرف به عن هذا الظهور.

______________________________

(1) الوسائل 3، أبواب مكان المصلي، الباب 7، ح 1.

(2) الوسائل 3، أبواب مكان المصلّي، الباب 5، ح 2.

بهجة الفقيه، ص: 460

و منها: رواية الفضيل بن يسار في إمامة الرجل للمرأة، و فيها

يكون سجودها

بحذاء قدميك «1»

؛ و كون ذلك من آداب الجماعة الخاصّة، يدفعه الظهور في الوجوب؛ و كذا احتمال الشرطية للجماعة، يدفعه ما دلّ على الاكتفاء بالأقلّ من هذا البعد في الجماعة.

و منها رواية «عبد اللّٰه بن مسكان» و فيها في جماعة النساء و الغلمان

إنّهم يتقدّمونهن «2».

و رواية «أبي العباس» و فيها

تقوم وراءه «3».

و صحيح «الفضيل» و فيه

المرأة تصلّي خلف زوجها الفريضة و التطوّع، و تَؤُمّ به «4».

و صحيح «الحلبي» و فيه

و إن كان معهنّ غلمان فأقيموهم بين أيديهن و إن كانوا عبيداً «5».

و مرسل «ابن بكير» و فيه قال

نعم تكون خلفه «6»

، و رواية «القسم بن الوليد» و فيها

يقوم الرجل إلى جنب الرجل، و يتخلّفن النساء خلفهما «7».

و صحيح «زرارة» و فيه

إذا كان بينها و بينه قدر ما لا يتخطّى، أو قدر عظم الذراع فصاعداً فلا بأس صلّت بحذائه وحدها «8»

؛ و مثله ما عن «معاوية بن وهب» «9»،

______________________________

(1) الوسائل 5، أبواب صلاة الجماعة، الباب 19، ح 2.

(2) الوسائل 5، أبواب صلاة الجماعة، الباب 23، ح 3.

(3) الوسائل

5، أبواب صلاة الجماعة، الباب 19، ح 5.

(4) الوسائل 5، أبواب صلاة الجماعة، الباب 19، ح 1، و الوسائل 3، أبواب مكان المصلّي، الباب 6، ح 1.

(5) الوسائل 5، أبواب صلاة الجماعة، الباب 23، ح 9.

(6) الوسائل 5، أبواب صلاة الجماعة، الباب 19، ح 4 و 3.

(7) الوسائل 5، أبواب صلاة الجماعة، الباب 19، ح 4 و 3.

(8) الوسائل 3، أبواب مكان المصلّي، الباب 5، ح 13 و ح 8.

(9) الوسائل 3، أبواب مكان المصلّي، الباب 5، ح 7.

بهجة الفقيه، ص: 461

إلّا أنّ فيه: «قدر شبر»، و ما عن «عبد اللّٰه بن يعفور» و فيه

«إلّا أن تقدّم هي أو أنت «1»

؛ بضميمة الاتفاق على الفرق الموجب للحمل على التقدّم في الفعل، و رواية أبي بصير، و فيها بعد المنع عن المحاذاة

إلّا أن يكون بينهما شبر أو ذراع «2»

و لعلّ الذراع أطول من عظم الذراع الواقع مرّ. و حيث إنّ فيه شبر أمكن أن يكون قرينةً على أنّ المراد من الذراع الواقع هنا أو غيره ما يعمّ مقدار عظم الذراع.

و رواية «محمد بن مسلم» في الصلاة في الزاويتين «3»، و اعتبار قدر شبر؛ و هو عجيب، أعني اعتبار الشبر في ما بين الزاويتين، و لعلّه لذا فسّره في الرواية، و يمكن أن يكون التفسير من «الشيخ» بتقدّمه عليها بشبر؛ و ذلك في الصلاة في الزاويتين لا يخلو من تكلّف، و التخصيص بتقدّمه عليها بشبر أبعد. و الحمل على إرادة الاكتفاء بالشبر كما فرضه في السؤال خلاف الظاهر؛ إلّا أن يصار إليه بدليل الحكمة.

نعم، ظاهر «لا ينبغي»، الكراهة، أو استحباب الترك، و ارتفاع ذلك بشبر؛ و لعلّ الأقرب بناءً على عدم الوثوق بتعدّد الرواية

مع هذا الاتّحاد مع رواية «الحلبي» «4» في السؤال و الجواب هو تصحيف الستر بالشبر، و إن كان على طبق كلّ منهما رواية أُخرى، إلّا أنّها في غير المفروض المذكور فيهما.

و رواية «علي بن جعفر» عليهما السلام «5»، و فيها بحسب ظاهرها دخول القوم في الجماعة، و دخول المرأة بحيالهم بعدهم فيها، و أنّها بحسب تأخّرها في الفعل تعبد، و هم بتقدّمهم في لا يعيدون، و لا أثر لما فرض فيه السؤال من اختلاف الفرضين و إن كان الراوي يحتمله؛ نعم ظهور الأمر بالإعادة قابل للانصراف بما كان أظهر في الصحّة.

______________________________

(1) الوسائل 3، أبواب مكان المصلّي، الباب 5، ح 5 و 4 و 1.

(2) الوسائل 3، أبواب مكان المصلّي، الباب 5، ح 4 و 1.

(3) الوسائل 3، أبواب مكان المصلّي، الباب 5، ح 4 و 1.

(4) الوسائل 3، أبواب مكان المصلّي، باب 8، ح 3.

(5) الوسائل 3، أبواب مكان المصلّي، الباب 9، ح 1.

بهجة الفقيه، ص: 462

و رواية «ابن بكير» و فيها في المحاذاة

إذا كان سجودها مع ركوعه فلا بأس «1»

، و مثلها رواية «زرارة» الصحيحة، و فيها

إلّا أن يكون قدّامها و لو بصدرها «2»

، و الظاهر منهما، و ممّا فيه اعتبار اتّحاد ركبتيه مع سجودها في خبر «هشام بن سالم» «3» اعتبار الفرق بمقدار تقدّم مسجد الرجل على ما يحاذيه راكعاً عليها، أو تقدّم مسجده على موضع صدره، أو تقدّم مسجده على موضع ركبتيه ساجداً على مسجد المرأة المحاذي لركبتيه، أو لرأسه راكعاً، أو لصدره ساجداً، فكلّ ذلك يساوي تقريباً اعتبار عظم الذراع المحمول على جواز الأقلّ، أعني شبراً في غيرها حتى ما جمع بينهما، و كذا موضع رحلٍ، و قد

ذكر أنّ طول رحل رسول اللّٰه كان ذراعاً «4»، و الذراع التقديري أزيد من عظم الذراع، فهو أيضاً مقاربٌ لما مرّ.

نعم، جعل هذه الروايات الأخيرة و أمثالها من أدلّة الجواز، غير مستقيم؛ و الاستناد في ذلك إلى اختلاف الأدلّة في التعبيرات، لا يختصّ بما ذكر إلّا أن يجعل عدم القول بمضمونها موجباً للحمل على الجواز مع الكراهة، و يجعل كلّ هذه التقديرات مع التقدير البعيد عن جميعها، و هو عشرة أذرعٍ، متعارضين لقول أكثر المتقدّمين بمضمونه، فيجمع بالحمل على الكراهة بشهادة الحرج و السيرة؛ و أنه لو كان، لكان أوضح و بالتصريحات.

و أمّا ما يتمحّض في الدلالة على الجواز، فرواية جميل المروية في «التهذيب»، و فيها: عدم البأس مع المحاذاة في الصلاة «5»، و مثلها رواية «الفقيه» عن جميل «6»، إلّا أنّ فيها زيادة التعليل بما يقال إنّه لا يناسب الحكم فيها؛ و يمكن الدفع بما يجري في رواية

______________________________

(1) الوسائل 3، أبواب مكان المصلّي، الباب 6، ح 5.

(2) الوسائل 3، أبواب مكان المصلّي، الباب 6، ح 2.

(3) الوسائل 3، أبواب مكان المصلّي، الباب 5، ح 9.

(4) الوسائل 3، أبواب مكان المصلّي، الباب 12، ح 2.

(5) الوسائل 3، أبواب مكان المصلّي، الباب 5، ح 6.

(6) الوسائل 3، أبواب مكان المصلّي، الباب 4، ح 4.

بهجة الفقيه، ص: 463

وضع النبي صلى الله عليه و آله و سلم رحله للتستر عن المارّ «1» بما يدلّ على عدم الفرق بين صلاة المتقدّمة و كونها في القبلة في غير صلاة، بل بين ذلك و بين مرور الغير، رجلًا كان أو مرأة بين يدي المصلّي؛ فيلحق صورة المحاذاة بالأولوية، و يكون التعليل مفيداً للصراحة في عدم البأس في ذلك كلّه.

و

أمّا المناقشة بتقيد الإطلاق بما دلّ على اعتبار الفصل على الاختلاف، ففيه بُعد تأخير البيان في ما يعمّ به البلوى بهذه الدرجة العجيبة، إذ قلّما كان يتّفق حيث لا يقع فيه هذا الاجتماع في الصلاة في تلك الأزمنة.

[في بيان بعض الأحكام]
[الأول] كراهة الصلاة مع تقدّم المرأة على الرجل أو محاذاتها له

كما أنّ التقييد بالشبر، و حمل اعتبار مثل عشرة أذرع على الاشتمال على القدر، و هو الشبر، عجيب جدّاً، بل يمكن جعل ذلك من شواهد الكراهة، إذ المتحاذيان بحسب الغالب يقع الفصل بينهما بشبر، نصف ذلك يشغله ثوب واحد منهما، و نصفه الآخر ثوب الآخر، و كذلك ما في رواية «عيسى بن عبد اللّٰه القمي»، سأل الإمام الصادق عليه السلام عن

امراة صلّت مع الرجال، و خلفها صفوف، و قدّامها صفوف، قال: مضت، صلاتها، و لم تفسد على أحد، و لا تعيد «2».

[و] صحيح «الفضل» المروي عن «العلل» في الفرق بين مكّة و غيرها؛ و أنّه إنّما يكره في سائر البلدان «3»، بضميمة عدم القول بالفصل بين البلاد إلّا بأكثريّة هذا الابتلاء في الاجتماع يومئذٍ في مكّة من سائر المجامع و المساجد و المشاهد؛ فالتصريح بالكراهة مع الحاجة على تقدير إرادة الحرمة إلى التصريح بالحرمة و التعبير بالمضيّ مع عدم الإعادة في خبر «عيسى»، و الاشتهار بين المتأخّرين الذين هم أعلم بفقه من تقدّم عليهم منّا، مع مشاهدة الواقع بحسب السيرة، و مقتضيها من العسر و الحرج كما مرّ، مع

______________________________

(1) الوسائل 3، أبواب مكان المصلّي، الباب 5، ح 3.

(2) جواهر الكلام، 8، ص 306، سطر 15.

(3) الوسائل 3، أبواب مكان المصلّي، الباب 5، ح 10.

بهجة الفقيه، ص: 464

هذا الاختلاف في أدلّة التحديد الكاشف عن أنّ الحكم ما فيه اختلاف المرتبة ثبوتاً و نفياً بحسب اختلاف

مقادير الفصل.

و أمّا حمل ما لا يتخطّى، على الارتفاع بهذا المقدار، فبعيد من جهة الإرداف في صحيح «زرارة» بقدر عظم الذراع فصاعداً «1»، و في رواية «السرائر»

بقدر ما لا يتخطّى

أو قدر عظم الذّراع فصاعداً «2»

و لا يوجب هذا الارتفاع تعدّد المكان؛ نعم يمكن تخفيف الكراهة به من جهة الستر في الجملة، و قد ورد كفاية الحاجز الذي لا يختصّ بما به التعدّد في المكان، بل يمكن عدم الاختصاص بتقدّم الرجل معه على المرأة.

و الحاصل: أنّ روايات الشبر، و الذراع، و عظم الذراع، و موضع رحل، و قدر شبر، أو ذراع على كثرتها غير مختصة بتقدّم الرجل على المرأة بهذا المقدار المذكور فيها، و إن كان فيها ما له الاختصاص، كما دلّ على البأس مع عدم التفاوت بما بين ركوعه و سجودها، أو بما بين ركبتيه و سجودها، أو بتقدّمه عليها بصدره.

و ما دل على صلاتهما في زاويتي الحجرة الموجود فيهما الفصل بأزيد من شبر في الغالب، فلا بدّ لهذه الجهة من الحمل على تقدّمه عليها بشبر في خط المحاذاة، أو نحو ذلك. و كذلك رواية تقدّم أحدهما؛ فلولا تفرقتها بين المحاذاة و التقدّم، أمكن فيها عدم الاختصاص، إلّا أنّها أوجبت الحمل على التقدّم في الفعل على ما هو الأنسب.

كما أنّ فيها ما هو ظاهر في إرادة المسافة دون الارتفاع بما لا يتخطّى، أو بالذراع، أو برحل؛ فلو عمل برواية العشرة أذرع «3»، و حملت على التكليف و البطلان، كان جميع روايات التحديد بذراع فما دونه ملغاة لا محمل لها صحيح؛ بخلاف صورة الحمل على الكراهة؛ فحُمل جميع ما مرّ بها، على مراتب الكراهة، خصوصا مع عسر الالتزام

______________________________

(1) الوسائل 3، أبواب مكان المصلّي، الباب

5، ح 8 و 13.

(2) الوسائل 3، أبواب مكان المصلّي، الباب 5، ح 8 و 13.

(3) الوسائل 3، أبواب مكان المصلّي، الباب 7، ح 1 و 2.

بهجة الفقيه، ص: 465

بالبعد في المجامع مطلقاً و في البيوت للمتعارف الذي هو مجمع لعدّة رجال و نساء، كما أنّ ذكر الذراع و ما دونه، و العشر، و السكوت عمّا بينهما من التفاوت الكثير أيضاً من شواهد الكراهة، و فيها ما عبّر بلا ينبغي.

و اشتهار العمل من المتقدّمين برواية المنع، لا يوجب إلغاء الروايات الكثيرة في التحديد بشبر، أو ذراع، و لا إشعار في الروايات على البطلان في هذه المسألة العامّة البلوى. و المرتكز فيها في أذهان المسلمين خلاف البطلان؛ فلو كان الحكم هو البطلان، فلا شكّ في الاحتياج إلى بيان أصرح و أوضح، كما هو ديدنهم في أمثال ذلك.

و كيف يدّعي الإجماع في كتاب «الشيخ»، و «ابن زهرة» مع مصير «السيد» قدس سره إلى الجواز.

و ظاهر رواية «عمّار» «1» كفاية المجوّز في الأطراف الثلاث؛ و لازمه عدم البطلان بتقدّم المرأة بشبر لو كان هو الحدّ، مع ما في التحديد بشبر من الإشكال؛ فإنّه هو البعد الموجود في الغالب؛ فاعتباره كعدم اعتبار شي ء؛ و كذا الفصل بين مكة و سائر المجامع، و بين المجامع العامة و الخاصة؛ كما مرّ ممّا يزيد في قوّة الجمع بالحمل على الكراهة.

و بالجملة: المعارضة، بين طائفتين من الروايات، أعني الموثّقة و سائر المستفيضة، و فيها التّصريح بالجواز المطلق الّذي هو بعد ملاحظة عدم إمكان ارتكاب التجويز يُعدّ في طرف المعارض؛ و جميع روايات هذا الطرف تدلّ على عدم لزوم العشر، و على عدم البطلان، بخلاف ظهور الموثّقة. و الشهرة بحسب الفتوى، في الموثّقة؛

و بحسب الرواية، في المعارض المستفيض، و هي على ما اخترناه كالفتوائيّة، لأنّ فتوى الرواة في تلك الأعصار إنّما هي برواياتهم، و الاتّفاق على عدم التحديد بما دون العشر إمّا لعدم التحديد رأساً، أو لأنّ الحدّ هو

______________________________

(1) الوسائل 3، أبواب مكان المصلّي، الباب 7، ح 1.

بهجة الفقيه، ص: 466

العشر يوجب رفع اليد عن المفهوم و الاقتصار على دلالتها بالجواز في ما دون العشر تكليفاً و وضعاً؛ مضافاً إلى عدم التصريح في رواية بالبطلان مع حاجتها إلى التصريح، و إلى كشف أسئلة الرواة عن عدم وضوح البطلان لديهم، حتّى لم يقع سؤالٌ مبنيٌّ على العلم بالبطلان، مضافاً إلى ما في معاملة المطلق و المقيّد من لزوم تأخير البيان في هذه المسألة العامّة البلوى في المطلقات التي منها

جعلت لي الأرض «1»

إلى آخره، بحسب إطلاقه الأحوالي، و في جميع روايات المقام غير رواية «عمار» على فرض أنّها المعارض، لعدم ذهاب المتقدّمين سوى «الجعفي»، و في خصوص الذراع إلى غير رواية «عمار».

و بالجملة: فملاحظة مجموع الاخبار، يوجب القطع بالحمل على الكراهة؛ و ملاحظة خصوص رواية عمار، فيها بعض ما تقدّم، و لا يوجب الشهرة إلغاء غيرها، لأنّها استنباطيّةٌ، و كأنّه لمكان أنّها أخصّ ما في الباب، فيقيّد جميعها بها؛ و هو كما ترى، غير مقبولٍ لنا، لبعد هذا التقييد، و لمخالفته للسيرة الارتكازيّة، و العمليّة الّتي ليس دعواها مجازفةً؛ فالمصير إلى ما عليه المتأخّرون المؤيّد بأنّ فيهم مثل «السيّد» قدس سره، على تبحّره و قوّة استنباطه هو الأقرب.

ثمّ إنّه على تقدير اختيار المشهور بين المتقدّمين من البطلان بغير الفصل بما دون العشر أذرع، فهل تبطل صلاة المتقدّم بمحاذاة المتأخّر في الفعل، أو تقدّمه لو كان امرأة،

أو لا؟

ظاهر الأسئلة عن صلاة من في جنبه، أو قدّامه امرأة تصلّي، هو السؤال عن صلاة المتأخر و الجواب عنه؛ فهذا هو المنصرف إليه الإطلاق لو كان، مع وضوح عدم الاستقامة مع إرادة الإطلاق، لكونه خارجاً عن الاختيار؛ فلا يستفاد الوضع المفاد بالتكليف المخصوص بالاختيار.

______________________________

(1) الوسائل 3، أبواب مكان المصلّي، الباب 1، ح 2.

بهجة الفقيه، ص: 467

[الثاني] في أنّ المدار في الكراهة على صحّة الصلاتين لولا المحاذاة، أو لا

و هل يبطل الصلاة مع اعتقاد المحاذاة في ما لو تمشّى القربة و لو للجهل بالحكم، ثم تبيّن بطلان صلاة الآخر، أو نحو ذلك؟ الأظهر كفاية الصلاتيّة بلا مانع واقعي مع تحقّق القربة، [و] هل البطلان الحادث في أثناء الصلاة مع المحاذاة كذلك، الأظهر عدمه، و كفاية المحاذاة مع الصحيحة حالها في البطلان و إن لم تتمّ صحيحة إلى الآخر؛ و لذا يعامل في بطلان صلاة الإمام في الأثناء معاملة الصحيحة قبل البطلان، مع أنّ الصحة إلى الآخر استصحابيّة، و التخلّف عنها كثير، فيلزم عدم الاستقامة كما مرّ، و إن كان ذلك ايضاً من مبعّدات أصل الحكم بالبطلان.

[الثالث] رجوع كلّ من الرجل و المرأة إلى إخبار الآخر

و الظاهر عدم المحلّ للرجوع إلى الآخر في الصحة لكفاية الأصل؛ و أمّا البطلان، فمرجعيّة الآخر في ما لا يعلم إلّا من قبله في غير المرافعات لا يخلو عن شبهة، إلّا أن يقال: هو في أُموره الشخصية أقوى أماريّةً من ذي اليد في ما في يده، و من أصالة الصحة لولا إخباره بالبطلان بذلك.

نعم مع عدم الاختصاص به يمكن ترجيح أصالة الصحة على إخباره بالبطلان الراجع إلى الإخبار بصحّة صلاة المقارن، أو المتأخّر في الفعل. و منه يظهر عدم وجوب الاستعلام منه أو غيره، إلّا مع إرادة عدم الإعادة على القول بحجيّة إخباره بالبطلان و صحّة صلاة المستفسر؛ و إلّا فمع الإعادة برجاء الوجوب الواقعي، لا وجوب للاستفسار. كما أنّه مع أصالة الصحّة في صلاة الغير المفيدة لبطلان المقارن، أو المتأخّر، فاحتمال وجوب السؤال لوجوب الإعادة للزوم الفحص عن المعارض، كالبيّنة على البطلان مع سبق البيّنة على الصحة، و نحو ذلك قد يدفعه إيجابه للعسر و الحرج، و جريان العمل المستمر على البناء على صحّة صلاة الغير

في سائر الأحوال.

و ما حكي عن حواشي «الشهيد» من التفصيل عن الفاضل بين الإخبار بالبطلان

بهجة الفقيه، ص: 468

دون الإخبار بالصحّة، و مفرّعاً عليه أنّ إخبارها بعدم طهارتها استناد إلى الاستصحاب في عدم الطهارة، و إلى أصالة الصحة في عمل الغير، و بالطهارة مخالف للاستصحاب، و لأصالة الصحة المذكورة مبني على الغفلة عن أصالة الصحة في عمل المخبر الحاكمة على استصحاب عدم الطهارة، و الحاكمة على أصالة الصحة في عمل الغير، لأنّ الشك فيها مسبّب عن الشك في صحة صلاة المخبر.

هذا كلّه مع البناء على الإعادة مع إحراز البطلان بعد العمل الواقع قربيّاً لغفلة، أو جهل موضوعي، أو نحوهما، و إلّا فلا محلّ للبحث عن العمل بقول المخبر مطلقاً أو التفصيل.

ثم إنّه مرّ وجه الحكم بالصحّة على تقدير اعتقاد عدم المحاذاة، أو عدم كونها مع الصلاة الصحيحة لولا هذه المحاذاة لصحيح: «لا تعاد» «1»، على تقدير البناء على المانعيّة في غير العلم و العمد أيضاً، كسائر الشروط و الموانع، مع إمكان المنع هنا، كما يرشد إليه الارتكاز؛ و على تقدير العموم، فمع معارضة أصالة الصحة بأخبارها بالبطلان المستلزم لصحّة صلاة الرجل المحاذي، يقع الشك في كون هذه محاذاة مانعة للشكّ في الموضوع، و هو صلاة المرأة مثلًا، و أنّها صحيحة أو لا، فيمكن رفع المانعيّة المشكوكة بالبراءة في الشبهة الموضوعيّة للمنع الغيري.

و يمكن جريانه بعد الاطلاع في أثناء الصلاة في ما علم بصحّة صلاة المرأة، و لم يكن إلّا معتقداً لعدم المحاذاة في الصلاة الصحيحة؛ فيمكن تصحيح ما سبق، «بلا تعاد»، و الاكتفاء في ما بعد بجعل الفاصل إن أمكن، أو النقض إن لم يمكن مع عدم ضيق الوقت عن ركعة صحيحة.

و أمّا وقت

الرجوع، فقد مرّ جوازه بعد الصلاة، لعدم الإعادة إذا أخبرت بالبطلان على تقدير الإغماض عن عموم: «لا تعاد»، و كذا في الأثناء إن أراد الإتمام صحيحاً على ما مرّ، مع إخبارها ببطلان صلاتها، أو مع الفصل في ما بعد و لو علم بالصّحة

______________________________

(1) الوسائل 4، أبواب قواطع الصلاة، الباب 1، ح 4.

بهجة الفقيه، ص: 469

لحديث: «لا تعاد» «1»، كما مرّ؛ و أمّا قبل الصلاة، فلا محل للاستفسار عمّا لم يقع بعدُ.

و منه يظهر ما في المحكي عن «جامع المقاصد»؛ فإنّه لا مانع من قبول إخبارها بعد الصلاة ببطلان صلاتها، و الحكم بصحّة صلاة المحاذي على الوجه المتقدّم، و لا محلّ لمعارضته بأصالة الصحة في صلاة المحاذي، لكون الشك في صحّتها مسبّباً عن الشك في المبطل المذكور.

و أمّا مع عدم علم كلّ بالآخر لظلمة أو عمى، فيمكن أن يكون نظره في التردّد في الإبطال احتمال لحوقها بالحاجز المانع عن المشاهدة؛ و أما على تقدير القول بالإبطال، فلا فرق بين الصورتين و غيرهما في إثبات الصحّة بأخبارها بالبطلان، و قد مضى الكلام في تبيّن المبطل في الأثناء، و أنّه يمكن كما في ما بعد الصلاة اختيار الصحّة بحديث: «لا تعاد»، مع الفصل في ما بعد، كالتستّر بعد الانكشاف غفلة، و ليس فيه إلّا معارضة إخبارها بالبطلان مع أصالة الصحّة، و قد مرّ ما فيها، و في المحكي عن «المدارك» ما لا يوافق ما ذكرناه، خصوصاً قوله

و لو علم بعد الصلاة صحت

، و في الأثناء يستمرّ؛ فإنّ الصحة بعد الصلاة، لا تجري إلّا على حديث: «لا تعاد»، و في الأثناء لا بدّ من رعاية الشرط بعد العلم.

إلّا أن يقال: إنّ هذا الشرط ممّا يكون محلّه

قبل الصلاة بحسب المفهوم من الأدلّة، و لا يعبأ بما يتّفق بعد الشروع مراعياً، كما ربّما يشعر به كلامه السابق من اعتبار العلم قبل الشروع و لو بإخباره.

و يؤيده: أنّ السؤال في الروايات عن صلاة المصلّي و بين يديه، أو على أحد جانبيه امرأة تصلّي، و نحو ذلك، ممّا يعلم إرادة استعلام الوظيفة حين الدخول في الصلاة، مضافاً إلى سائر المؤيّدات التي منها الاقتصار على المتيقن مانعيّته، و هو المحاذاة الواقعة في أوّل الصلاة، لا أعمّ منه و من الواقعة حال التسليم.

______________________________

(1) الوسائل 4، أبواب قواطع الصلاة، الباب 1، ح 4.

بهجة الفقيه، ص: 470

الفرق في الكراهة بين اقتران الصلاتين و عدمه و منه يعلم حال ما يقال من أنّ مانع الكل مانع البعض، إذ هو في غير مثل المكان الذي لا يختار للصلاة نوعاً إلّا قبلها، و منه يظهر الحال في وجه اختصاص البطلان بالمتأخّرة مع عدم المقارنة. فإنّه لا موقع لحمل السؤال على الأعمّ ممّا يقع مقارناً لتسليم المتقدّم في الفعل، بل المنساق هو السؤال عن صلاة المقارن، أو المتأخّر مع مناسبة، مثل المكان و خصوصياته لذلك، لا لغيره.

و ما يستفاد من صحيح «علي بن جعفر» عليهما السلام «1» من بطلان المتأخّرة فعلًا المتقدّمة على القوم بحسب الظاهر من تأخّر صلاتها عن دخولهم في الصلاة؛ فمانعيّة مانع الكل للبعض أجنبيّة عن المقام بعد التأمّل في خصوصيّاته؛ فما عن جماعة من الاختصاص المذكور، هو الصواب، إلّا أن يجعل لوازم الخلاف من مؤيّدات الحكم بالكراهة التي تتعلّق بغير المستحيلات.

[الرابع] زوال الكراهة إذا كان بين الرجل و المرأة حائلٌ

ثم إنّ الوجه في إلحاق الظلمة، و العمى، و تغميض العين بالستر المذكور في رواية «الحلبي» «2»، هو أنّ الساتر مقدّمة للاستتار الحاصل بهذه الأُمور؛ فالمناسب

إلغاء الخصوصيّة. و أمّا عدم الحاجة إلى الستر مع الغني عنه بغمض العين، فلعلّه لمكان صعوبة الغمض الدائم بحيث يكون مورداً للتكليف الشرطي في جميع الصلاة، كما هو واضح؛ كما أنّ العمى حائل للأعمى عن غيره، فلا ينفع للبصير و لصحّة صلاته عدم أبصار الأعمى له، و ليس الممنوع الإبصار الفعلي الحاصل في كون العريانة قبال المصلّي؛ كما أنّ ساتريّة الساتر لكل من الشخصين عن الآخر إنّما يراد لصحّة صلاة

______________________________

(1) الوسائل 3، أبواب مكان المصلّي، الباب 9، ح 1.

(2) الوسائل 3، أبواب مكان المصلّي، الباب 8، ح 3.

بهجة الفقيه، ص: 471

كليهما؛ و أمّا صلاة أحدهما، فيكفي في صحّتها عدم إبصاره للآخر، و لا يلزم عدم أبصار الآخر له في صحة صلاة الأعمى المفروض؛ فلا يمنع ذلك عن المذكور من إلغاء الخصوصية.

بقي الكلام في عبارة «المبسوط» المحكية في «الجواهر»

فإن صلّت خلفه في صفّ، بطلت صلاة من عن يمينها و شمالها، و من يحاذيها من خلفها، و لا تبطل صلاة غيرهم؛ و إن صلّت بجنب الإمام، بطلت صلاتها و صلاة الإمام، و لا تبطل صلاة المأمومين الذين هم وراء الصف الأول

، و المناسب في الأول بطلان صلاة جميع الصف الأول، لمنع الحيلولة مع المساواة في الموقف، و عدم البعد بالعشر.

إلّا أن يكتفى بالحيلولة في حالة السجود مثلًا، كالرجل لو قيل به لتمام الصلاة كالحائط القصير؛ فلا تبطل صلاة غير رجلين من الصف الأول المتّصلين بها موقفاً.

و أمّا الصف الثاني في غير المحاذي حقيقة، فلا تبطل صلاتهم، أي بما أنّها صلاة، أو بعد العدول بعد العلم، لعدم صدق تقدّم المرأة بالتقدّم في خط الصفين؛ و أمّا الصلاة بجنب الإمام، ففي بطلان غير المحاذي لها من

الخلف، ما مرّ.

و منه يظهر الحال في الصف الثاني، لعدم التقدّم إلّا في الخط، و للحيلولة للمحاذي للمحاذي لها؛ هذا مع إمكان دعوى كفاية التقدّم اللازم في الائتمام، لعدم صدق المحاذاة على الحقيقة؛ فإنّه كالتقدّم بشبر الكافي في التقدّم الرجل على المرأة.

ثم إنّ الظاهر أنّ الحاجز يعمّ المانع من الرؤية فقط، و المانع عن التخطّي و العبور فقط؛ فيشمل الزجاج، و المشبك، و الحائط القصير، كما ذكر الأخير في الرواية المروية عن «قرب الاسناد» «1»، و ذكر أنّ حيطان المسجد كُوى كلّه، في صحيح «علي بن جعفر» «2» عليهما السلام.

______________________________

(1) الوسائل 3، أبواب مكان المصلّي، الباب 8، ح 4.

(2) الوسائل 3، أبواب مكان المصلّي، الباب 8، ح 1.

بهجة الفقيه، ص: 472

[الخامس] زوال الكراهة إذا كان بين الرجل و المرأة بعد عشرة أذرع

و أمّا التباعد بمقدار عشرة أذرع المحكي عن «المعتبر» و «المنتهي»، الإجماع على كفايته في رفع المنع، فهو المفهوم من موثق «عمار»، و إن ذكر الأزيد لفهم إرادة إحراز العشر، كما يفهم من كلمات مدّعى الإجماع فهم ذلك، و قد وقع مثله في قوله تعالى فَإِنْ كُنَّ نِسٰاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ «1» و إن علم ذلك بضميمة دليل آخر، إلّا أنّ الكلام في حسن التعبير مع المناسبة في المقام بعدم العلم إلّا بالزيادة، أو النقيصة غالباً.

و جعل الأزيد كناية عن التفاوت اللازم في ما بين مسجده و موقفها، كما عن «كشف اللثام» ففيه ما لا يخفى؛ فإنّ هذه الكناية تحتاج إلى قرينة، مع أن المناسب حينئذٍ أن يعبّر بأحد عشر، أو اثنى عشر ذراعاً لتعيّن ملاحظته غالباً قبل الصلاة؛ كما أنّ ذلك، أي تعيّن تعيين الموقف قبل الصلاة، يرشد إلى أنّ اللازم حساب ما بين الرجل و المرأة، أي موقفيهما؛ فإنّه المفهوم ممّا بينهما،

خصوصاً مع شهادة تعيّن ذلك في المحاذاة، فلا محلّ لاحتمال لزوم الأزيد.

و أمّا الفوقيّة و التحتيّة، فعن «غاية المراد» احتمال فحوى المنع؛ و فيه أنّه لا مساواة و لا أولويّة عن المنساق من النصوص، و هو صورة تساوي سطحيهما موقفاً؛ و لو فرض الأولوية، فلفوقيّة المرأة من الرجل، لا الأعمّ من المحاذاة.

و أمّا ما جعله منشأً للشك في «الجواهر» من اختصاص البعد في الموثّق بالجهات الثلاث من اختصاص نفي البأس بالخلف، فيتدافع المفهومان، ففيه- [مع] أنّ لازم التدافع سقوط كليهما، و الرجوع إلى أصالة عدم المانعيّة بعد الإطلاقات أنّه لا محلّ لتعدّد المفهوم، بل للمفهوم أيضاً؛ فإنّ كلّاً من المنطوق و المفهوم، مذكوران في الموثّق؛ فالصدر مفهوم الذيل، و بالعكس؛ و المفروض أنّ المفهوم من الصدر، الجهات الثلاث؛ فلا محلّ للمفهومين المتدافعين؛ و كذا ما عن «غاية المراد» من أنّ مفهوم

إلّا أن يكون قدّامها و لو بصدره

، أنّ فحواه المنع من الجهتين؛ فإنّ المستثنى كالمستثنى

______________________________

(1) النساء: 11.

بهجة الفقيه، ص: 473

منه في الاختصاص بتساوي الموقفين سطحاً.

و حيث إنّه شرح ما عن «غاية المراد» بتدافع المفهومين، أورد عليه بعدم المفهوم للذيل، لعدم اشتراط الخلفيّة المنتفية في الفوقيّة و التحتيّة، بل المانع هو المحاذاة، و التقدّم المنتفيان في ما ذكر، فلا تدافع بين مفهومين.

و أمّا عدم الإيماء في النصوص فلا يضرّ بالإطلاق لو صحّ، و قد مرّ ما فيه. و أمّا اتصال الخط من الفوق، أو التحت إلى موقف واحد فهو كمكان واحد، لهما معاً، بخلاف الصورتين، لتعدّد المكان فيهما، فهو كاتصال الخط من أحد المتحاذيين إلى الآخر، و من المتأخّر إلى المتقدّمة، لا يؤثر في الأولويّة المدّعاة شيئاً؛ فإنّ الواصل بينهما الموجب لاتحاد المكان

هو الخط، و هو مشترك بين الفرضين.

إلّا أن يقال: يصدق على الفوق و التحت أنّهما في جهة المصلّي، بخلاف القدّام و الجنب، و الكلام في مانعيّة ذلك، خصوصاً مع ملاحظة التحت، خصوصاً في دعوى الأولويّة في الفوق و التحت.

ثم إنّ ذلك مع عدم صدق التقدّم و المحاذاة مع صدق الفوقيّة و التحتيّة في الجملة، كالأرض المنحدرة تقف في أعلاها و يقوم في أسفلها، كما هو واضح لأنّ العبرة بصدق ما هو مانع، لا بتحقّق ما ليس بمانع، و كذا لو كان ارتفاع أحد السطحين عن الآخر قليلًا لا يمنع عن صدق المانع المذكور. و أما تعيين المسافة، و تحقيق العشر في ما بين الموقفين، فالأظهر أنّه لو كان طريق معتاد للوصول من موقف واحد إلى موقف آخر كالدرجات المعتادة، فالعبرة من تقوية السقوط مع عدم التساوي في الموقف فلا يمكن الالتزام به مع صدق التقدّم و المحاذاة، كما إذا كان اختلاف السطحين غير كثير، و إنّما يعتبر بحسب المنساق من الأدلّة وحدة المكان الغير الصادقة مع العلو الكثير قطعاً.

و التبادر المنفي في ما عن «كاشف اللثام» كذلك، كما أنّ دعوى صدق التقدّم و المحاذاة في مجرّ جهة القدام، أو اليمين، كما لعلّه المفهوم من «الجواهر» كذلك؛ فإنّه مع

بهجة الفقيه، ص: 474

تعدّد المكان، لا عبرة بتحقّق جهة اليمين مثلًا، أو القدّام، كما لا يعتبر التساوي في الموقف مع عدم تعدّد المكان عرفاً، و هو أعني عدم التعدّد هو المنساق من الأدلّة؛ و إطلاق التقدير بضلع المثلّث فيه ما قدّمناه؛ فما بين موقفي الذاتين هو المعتبر بحسب الاعتياد، و مع عدمه أحدث زاوية، كما في صورة عدم التساوي في الموقف، أو لا، كما في صورة

التساوي، و هذا أولى من التعبير بضلع المثلّث،؟؟؟؟ أورث زاوية، أو لا؛ فإنّه مع فرض المثلّث لا بدّ من الزاوية، و إن كان لا أثر لها في تقدير المسافة الجاري في التساوي في الموقف بلا زاويةٍ، و كذا الاشكال لو كانت العبارة «بين الزاويتين»، و هو الذي لا يصدق بينهما إلّا به، و هو عبارة عن اعتبار الجهة في القدّام، أو الجنب من دون اعتبار للزاوية المتوقّف على ميل في الخطّ في ما بينهما، و انحراف بسبب عدم التساوي.

و أمّا مقايسة ارتفاع الحائط بالحفرة في عدم الاعتبار، فلا بأس به لم يكن الطريق المعتاد بينهما كذلك، لما مرّ من ملاحظة أقصر الخطوط للقرب و البعد، و تحديده بالعشر، فكأنّ القياس، لمكان عدم لزوم إمكان العبور بحسب العادة، بل يعتبر المسافة الواقعة في البين، كان من الأخفض إلى الأعلى، أو عكسه، أو في طرفي الحفرة البعيدة القعر، حتى يكون طرفه المساوي لموقف المصلّي بلا مانع؛ و لو كان المسافة لولا الحفر ذراعين مثلًا، فالقياس في محلّه، لولا ما قدّمناه في ضلع المثلّث بعد الطريق المعتاد.

و أمّا الحمل على إرادة الجهة حتى في التقدير بلا ملاحظة الزوايا، فلعلّ المراد الاكتفاء بالمسافة الواقعة بين موقف المصلّي إلى أعلاه المحاذي لموقفها، أو بين موقفها إلى الأسفل المحاذي لموقفه، فيكون التقدير بالعشر بالجهة التي لا يتجاوز عن حدّها في العلو، أو لا يتنزّل عن حدّه في السفل.

بل مع قطع النظر عن الخط الأقصر، لا بدّ من العبور من الزاويتين في الفرضين؛ و أمّا جعل الحائط كالرحل من الفاصل بينهما، فهو على تقدير الاكتفاء بمطلق الحائل، و مع تسلّم الحيلولة في ما لو صلّت في طرف البناء المشرف على موقفه بلا

فصل مانع عن الرؤية؛ و كون مثله المانع عن العبور حائلًا، لا يخلو عن تردّد، إلّا مع إلغاء

بهجة الفقيه، ص: 475

الخصوصيّة، لكنّه مع الاكتفاء بالمانع عن العبور مطلقاً، أمكن جريانه في الحفرة الواسعة أيضاً؛ فإنّه كالنهر بين المصلّيين.

[السادس] زوال الكراهة لو كانت المرأة وراء الرجل

و أمّا تأخّر المرأة عن الرجل، ففي الموثّق اعتبار العشر أذرع من الجوانب الثلاثة «1»، و كفاية خلفيّتها و لو مع إصابة ثوبها لثوبه، و مقتضى إطلاقه كما في «الجواهر» عدم الاكتفاء بالتأخّر بشبر و نحوه، لصدق المحاذاة عرفاً، و معها لا بدّ من الفصل بالعشر.

و أنت خبير بما فيه؛ فإن الصحاح المشتملة على الاكتفاء بتقدّمه بصدره، و بأن يكون سجدوها مع ركوعه يوجب تقيّد ما دلّ بإطلاقه على لزوم الفصل في أيّة محاذاة عرفيّة بتخصيصها بالمحاذاة الحقيقية، و إن عدم البعد العرضي أعني عدم المسوّغ من جهة لا ينافي التسويغ من جهة البعد الطولي؛ كما لا ينافي التسويغ من جهة الحائل؛ و كذا إطلاق ما دلّ على كفاية قدر الذراع، و قدر شبر، و قدر ما لا يتخطّى بينها، أي بين موقفيهما الملازم لما بين مسجديهما من جهة الطول، أو العرض؛ فتقيّد البعد في العرض بالموثّق، لا ينافي تقيّد ما في البعد الطولي بالإطلاق في الموثّق بما في تلك المستفيضة تخصيصاً في الطول؛ و جعل كلّ ذلك شاهداً للتنزيه، لا ينافي ما ذكرناه على تقدير فهم البطلان المستفاد من مثل قوله عليه السلام

و تعيد المرأة صلاتها

، يعني إمام المأمومين؛ بل يمكن أن يكون إجماع «المنتهي» دليلًا لنا لا علينا، لاكتفائه بالتقدّم بشبر، أو مسقط الجسد. و الظاهر صدق الأوّل في ما بين الموقفين أو المسجدين، لا ينافيه التخيير في كلامه بين الأقل و

الأكثر، نعم لا يقطع بغير ما بأيدينا من المستفيضة على اختلاف ألسنتها؛ فلا بدّ من الجمع بينها، و هو على تقدير الكراهة واضح، و على تقدير المنع بما أوضحناه.

نعم كفاية هذا القدر من تقدّمه، لا تستلزم كفايته في تقدّمها، و إنّما يمكن فهم ذلك

______________________________

(1) الوسائل 3، أبواب مكان المصلّي، الباب 7، ح 1.

بهجة الفقيه، ص: 476

ممّا فيه الاكتفاء بالشبر، أو الذراع، أو قدر ما لا يتخطّى بينهما، و كذا إطلاقات ما في الباب من المعتبرة، و ما يؤيّدها من السيرة، و الجرح الشديد، كما يعلم حالها من ملاحظة عدم الفرق بين المحارم و غيرهم، مع ما في البيوت، خصوصاً في الأعصار المقارنة لصدور هذه الروايات، و المتقدّمة عليه من الضيق، و الاجتماع، و أنّ خلاف المعتاد الطبيعي، لا بدّ له من تصريح بالبطلان، لا الظهور، فضلًا عن الظهور في نفي البأس.

[السابع] حكم ما لا يتمكّن من التباعد و التأخّر في ضيق الوقت

ثم إنّه حكي عن جماعة، سقوط الحكم منعاً و تنزيهاً في ضيق الوقت؛ و لا ريب فيه مع الضيق اللازم عن ركعة تامّة بلا محاذاة، أو تقدّم في الوقت، و أمّا تمام الركعات فهل هو كذلك، أو لا مقتضى الارتكاز في تقدّم الوقت حتى الاختياري، و فحوى:؟ «لا تعاد»، في الوقت الظاهر في وقت تمام الصلاة بالنسبة إلى العمد الحاصل مع الدوران المفروض. و لا ينافيه «من أدرك»، لعدم تكفّله للجواز التكليفي، بل الوضعي لما يتأخّر عن الإدراك من الصلاة؛ فيكون كالتقييد الوضعي للفوت الذي لا يعاد منه بعموم دليله المذكور، مع ثبوت المنع في هذا الشرط ممّا تقدّم من الكلام، هو تقدّم رعاية الوقت الاختياري على رعاية هذا الشرط.

و بالجملة: فوجوب الانتظار مع اليأس، غير محتمل؛ و مع الرجاء، لا يناسب

تقدّم الوقت ارتكازاً على سائر الشروط، إلّا ما خرج بالدليل؛ مع أنّه على تقدير عدم الدليل، فلا يتقدّم هذا الشرط، بل يقع التخيير بين الشرطين، و في ما مرّ غنى عن ذلك كلّه.

[الثامن] حكم صلاة غير المكلّف مع التقدّم و المحاذاة

________________________________________

گيلانى، فومنى، محمد تقى بهجت، بهجة الفقيه، در يك جلد، انتشارات شفق، قم - ايران، اول، 1424 ه ق

بهجة الفقيه؛ ص: 476

ثم إنّ المحكي عن «الروض» أنّ المشهور الاختصاص لهذا المانع بالمكلّفين؛ و المتيقّن منه عدم المانعيّة في حق الأطفال في صلاة بعضهم مع بعض، و لا في صلاة المكلّفين

بهجة الفقيه، ص: 477

و المكلّفين بمحاذاة غيرهم معهم، أو تقدّمهم على من بلغ.

و أمّا صلاة الأطفال، فيعتبر فيها شرطاً و منعاً، ما يعتبر في صلاة البالغين؛ فمحاذاة الصبية للرجل، تبطل صلاتها على الشرعيّة، و تقدّم الصبية على الرجل كذلك، و كذا تقدّم المرأة على الصبي، و محاذاتهما، و بطلان صلاة الصبية و الصبي لا يجعلها كالعدم، حتى يخرج صلاة الآخر عن البحث، لأنّ البحث في الصلاة الصحيحة لولا المحاذاة المذكورة، كذا أُفيد.

و يمكن أن يقال: إنّ البحث متمحّض في إثبات المنع الغيري و نفيه، و مدرك الاختصاص للانصراف الحاصل من ملاحظة عسر التجنّب عن الاختلاط مع الصبيان في الصلاة بنحو المحاذاة، أو تقدّم المخالف، و هذه المرتبة من العسر إن كانت مانعة عن عموم المنع، بحيث إنّ صلاة الرجل و المرأة لا تبطل بسبب صلاة الصبي و الصبية، فهي مانعة عن العموم في العكس، بحيث لا يبطل الصلاة الشرعيّة من غير الكبير بسبب صلاة الكبير؛ فإن المانع على الحقيقة هو العسر المشترك في المقامين، و المرفوع هو المنع الغيري المشترك في المقامين. و الافتراق بالتكليف بأصل الصلاة و عدمه لا

يفرق في الجهة المبحوث عنها في المقام، و هكذا الأمر في صلاة غير المكلّف مع غير المكلّف؛ فالعسر عامّ في هذه المرتبة الشديدة، و المرفوع المنع الغيري المشترك بينه و بين ما مرّ في الفرضين؛ فالتفكيك لا يخلو عن إغماض؛ و هذا على تقدير عدم كون العسر بأصله مانعاً عن كون المنع الغيري لزوميّا حتميّا.

و أمّا الخنثى المشكل، فلا تبطل صلاته، و لا صلاة غيره بصلاته، رجلًا كان أو امرأة؛ فإنّه مع تقدّمها على الرجل يحتمل رجوليّتها، و مع محاذاتها له كذلك، و مع محاذاتها للمرأة يحتمل أُنوثيّتها؛ فالمنع الغيري، مشكوك، للشك في الموضوع، و هو تقدّم المخالفة، أو محاذاة المخالِف، و يجري فيه أصالة عدم المانعيّة في الشبهة الموضوعيّة.

نعم إذا حاذى الرجل من الجانبين مع العلم بالاختلاف، يعلم بالبطلان بسبب أحدهما، و كذا المرأة، لا مع احتمال اتّحاد من في الجانبين في الرجوليّة و عدمها، أو

بهجة الفقيه، ص: 478

احتمال الطبيعة الثالثة المنصرف عنها روايات المنع على هذا التقدير، مع اقتضاء الأصل لولا الانصراف.

و كذا الخنثى لو حاذى المختلفَين؛ فإنّه يعلم ببطلان صلاته بأحدهما، و صلاة غيره باطلة بالمحاذاة مع الواسطة، و صحيحة لولا المحاذاة، و كذا لو حاذى الخنثى الخنثيين مع العلم بالاختلاف، لا مع احتمال غير ذلك.

بهجة الفقيه، ص: 479

الفصل الثالث الصلاة في الموضع النجس

ثم إنّ المشهور جواز الصلاة في المكان النجس مع عدم التعدّي إلى الثوب أو البدن، و مع طهارة خصوص موضع الجبهة، و عن «الخلاف» الإجماع عليه، و يدلّ عليه السيرة القائمة على عدم التحذّر عن المكان اليابس مطلقاً، و مثله التّحذر عن المكان النجس الرطب، و لا ينبغي إنكار شي ء من ذلك.

و ما دلّ على عدم جواز الصلاة في الأوّل،

محكوم بالتنزه، أو طلب الأفضل بسبب صراحة مقابل ذلك من المستفيضة في عدم البأس و ذلك في مثل خبر «عمار» «1»؛ و أمّا خبر «ابن بكير» «2»، فمقيّد بما دلّ على اعتبار الجفاف في جواز الصلاة.

فمنها صحيح علي بن جعفر عليهما السلام عن

البيت و الدار لا يصيبهما الشمس، و يصيبهما البول، و يغتسل فيهما من جنابة، أ يصلّي بها إذا جفّت؟ قال: نعم «3»

؛ و صحيحه الآخر

سألته عن البواري يصيبها البول، هل تصلح الصلاة عليها إذا جفت من غير أن تغسل؟ قال: نعم «4».

______________________________

(1) الوسائل 2، أبواب النجاسات، الباب 30، ح 5 و 6.

(2) الوسائل 2، أبواب النجاسات، الباب 30، ح 5 و 6.

(3) الوسائل 2، أبواب النجاسات، الباب 30، ح 1.

(4) الوسائل 2، أبواب النجاسات، الباب 29، ح 3.

بهجة الفقيه، ص: 480

و الظاهر منهما السؤال عن جواز الصلاة مع الجفاف، لا عن التطهير بمطلق الجفاف؛ كما أنّ فرض الجفاف في السؤال فيهما كفرضه في الجواب في رواية «عمار» في الدلالة على المفهوم، و إنّما لم يذكر في الصحيحين في الجواب للذكر في السؤال. فالجمع بينهما يقتضي اتّحادهما في المدلول المفهومي كالمنطوقي، و مثله ما في صحيح «زرارة» «1»، و رواية «ابن أبي عمير» في «الشاذكونة» «2» بعد بُعد الإطلاق لصورة عدم الجفاف. و منه يظهر أنّ البأس في المفهوم عبارة عن البطلان المرتكز في الرطب من النجس. و أما موضع السجود، فاعتبار الطهارة المطلقة بلا تقيّد بالرطوبة محكيّ عليه الإجماع عندنا؛ بل عن «التذكرة» أنّه إجماع كلّ من يحفظ عنه العلم و أمّا الاستدلال بدلالة روايات المقام بالإطلاق على عدم البأس في موضع السجود مع الجفاف، ففيه أنّ الإطلاق في موضع

الصلاة بما أنّه موضع الصلاة لا ينافي التقييد بالحيثية الأُخرى، و هو موضع السجود بما أنّه كذلك؛ فترك التقييد لا يوجب المعارضة مع التقيد المستفاد من حكايات الإجماع، لكون الإطلاق في مقام الابتلاء؛ و قوّة الإطلاق، لكون الخارج كالمستهلك لو كان؛ فإنّ تعدّد الحيثيتين لا يوجب قبح التأخير.

ثم إنّه يمكن الاستدلال بارتكاز الحكم، و السيرة العملية من المتشرعة على التنزّه عن الموضع الرطب من النجس في الصلاة؛ كما أنّ السيرة، و الارتكاز يشهدان بعدم المبالاة منهم الجافُّ من الموضع النجس، و لا يتفحصون عن ذلك، و كون الأصل الطهارة، لا ينافي احتمال الانكشاف في الأثناء الموجب للإعادة، أو تغيير المكان، و أمّا أن ذلك في الرطب لمكان التعدّي إلى ما يعتبر فيه الطهارة، أو لنفسه، فلا يعلم ذلك، لإمكان أن يكون القصد متمحّضاً في رفع مانعيّة النجاسة مع الجفاف؛ و أمّا مع عدم الجفاف، فالإحالة فيه إلى الارتكاز المعلوم في الجملة الداعي إلى السؤال عن الإطلاق؛

______________________________

(1) الوسائل 2، أبواب النجاسات، الباب 30، ح 3 و 4.

(2) الوسائل 2، أبواب النجاسات، الباب 30، ح 3 و 4.

بهجة الفقيه، ص: 481

نعم لو لم يكن هذا الارتكاز، و لا ثبوت اعتبار الطهارة بسبب التعدّي بالأدلّة، أمكن دعوى فهم المانعيّة النفسيّة مع عدم الجفاف، لا من جهة التعدّي. و تظهر الثمرة في المعفوّ عنه في اللباس مثلًا إذا لم يثبت العفو في المكان، مع إمكان دعوى المساواة، بل الأولويّة بالنسبة إلى ما على المصلّي، و ما عليه المصلّى.

و كذلك الحال في موضع السجود مع عدم الحيلولة في المقدار اللازم للسجود، بل يمكن فهم عدم الاعتبار للطهارة في غير موضع السجود من تخصيصهم محلّ الاعتبار بموضعه؛ فإنّه لولا الخصوصيّة

كان المناسب ذكر موضع الصلاة، لكنّه هل هو لمكان التعدّي فيتقيّد به، أو مطلقاً؟ يمكن فهم ذلك من عدم التخصيص بالمتعدّية، كما وقع في موضع الصلاة. و هذا بحسب المناسبة المرعيّة في الفتاوى، لا من جهة مفهوم اللقب، و لازمه عدم العفو مع النجاسة الغير المتعدية في موضع السجود دون سائر مواضع الصلاة، و لو لا المناسبة أمكن إجراء الأصل في الشرطيّة الزائدة في غير المتعدية في المقامين، إلّا أن المفهوم على ما ذكرناه هو الإطلاق في موضع السجود دون موضع الصلاة؛ فإنّه إذا كان طهارته لا لمكان التعدّي لم يتقيّد بالجفاف، و حيث إنّ تعدية المعفوّ عنه كالعدم، فلا مانعيّة فيه، بخلاف موضع السجود، و إن كان ظاهر الشهيد إلحاقه بالموضع للصلاة.

و أمّا على قول «المرتضى»، فأمكنه الصلاة لا فرق في اعتبار الطهارة فيها بين موضع السجود و غيره؛ فعلى فهم عموم العفو لغير الثوب و البدن في ما يعفى عنه، أو عدم العموم لا يفرق بينها، أي بين مواضع الصلاة، و السجود مع التعدّي، و العدم، لأنّ تعدّي ما يعفى عنه، كالعدم؛ و كون مسجد الجبهة ممّا لا تتمّ فيه الصلاة غالباً، فلا عفو لاشتراط الطهارة فيه أيضاً، لا ينافي العفو من جهة كونه دماً، أقلّ من درهم، لورود الاشتراط في الأول، و عدم وروده في الثاني، إلّا في ما له قسمان، و مسجد الجبهة كذلك أيضاً.

ثم إنّ عدم اشتراط الطهارة في غير الملاصق من المكان ظاهر معلوم، لعدم معقوليّة

بهجة الفقيه، ص: 482

الاعتبار إلى ما تحت الأرض المتلاصقة، و في ما دلّ من النصوص على جواز اتّخاذ الحُشّ مسجداً إن دلّ على جواز السجود كذلك بإلقاء التراب عليه دلالة على محلّ

الاعتبار ايضاً. و أمّا كفاية ملاصقة أعضاء المصلّي، و ثيابه في صدق المكان حتّى مع عدم القرار، فممنوعٌ، بل مع القرار أيضاً، كملاصقة بعض البدن ببعضه في حال السجود أيضاً قابلٌ للمنع عن صدق المكان المحكوم باعتبار الطهارة في كلام «السيّد» قدس سره، بل لا بدّ من فرض مجموع البدن و ما يلاصقه من الثياب شيئاً واحداً، له مكانٌ في أيّة حالة صلاتيّة؛ فقرار بعض البدن على بعض لا يوجب صدق المكان المحكوم عنده باعتبار الطهارة، و إنّما تظهر الثمرة في البناء على العفو من حيث البدن أو الثوب و عدمه، أو التردّد فيه من حيث المكان.

و أمّا استثناء مخالفة الاحترام بلا ابتناء على مسألة الضد، فقد يناقش فيه بعد توجيهه بأنّه من اجتماع الإهانة المحرّمة، و السجود الواجب، و لا يتقرّب بالمبغوض، لا من التجنيب المساجد من النجاسة الواجب، فيحرم ضدّه، و هو التقرّب [في] السجود، فيفسد بأنّ مقتضى تحريم الإهانة وجوب الإخراج للمحترم عمّا يتعدّى من النجس، لا حرمة الإبقاء و فساد السجود، و لا اقتضاء لتحريم الإهانة لغير ذلك حتى يكون من مسألة الاجتماع؛ فالاستثناء و عدم الابتناء، كلاهما مناقش فيه؛ و قول «الكشف» هنا في وجه قوى، لعلّه راجع إلى الملوّث، إذ لا يسلم الإهانة في المتصل بمطلق النجس، بل في بعض النجاسات العينيّة و لعلّ بعض القذرات العرفيّة كذلك.

بيان المراد من المكان و أمّا ما عن «الفخر» من أنّ ملاصقة الصدر بسائر الأعضاء حالة السجود من المكان على قول «المرتضى»، دون الحلبي، فلعلّه يريد المكان المحكوم عندهما باعتبار الطهارة، لا أنّ المكان اختلفوا في تفسيره، إذ ليس له معنى شرعي، بل الموضوع بماله من المعنى

بهجة الفقيه، ص: 483

العرفي،

قد يختصّ في الحكم باعتبار الطهارة بخصوصيّة، و قد يتعدّى عنها بالمناسبات.

كما أنّ التفسير بمحل الثقل من الأرض، لا يخلو عن مسامحة، لعدم اعتبار الأرضيّة في حيّز الجسم، بل يكون في ما لا يصدق عليه الأرض، بل التحتيّة لذي المكان المستقرّ عليه هي المنساق إليها الإطلاقات المشتملة على الصلاة فيه، أو عليه.

و أمّا ما عن حواشي «الشهيد» نقله عن بعضهم، فلعلّه لإخراج المحاذي للبدن غير الملاصق في شي ء من الحالات الصلاتية، و يمكن الالتزام به في ما لا فرق في الأفعال الصلاتيّة بين وجوده و عدمه، كما لا يمنع وضع المغصوب في المتخلّل بين أبعاض البدن بلا تصرّف و مماسّة، فكذا نجاسة الموضوع في ذلك لا يضرّ حتّى على قول «السيد» قدس سره، كما أنّ حصر «الحلبي» ليس إلّا لبيان عدم الحصر في الموقف، لا لإخراجه عدا موضع الإبهامين.

و أمّا التفسير المحكي نقله عن الإيضاح، فلعلّه يريد شرح موضوع الحكم باعتبار الطهارة، و الأوّل المحكي عن «السيد» قدس سره، كسائر الإقسام إنّما هو استنباط من كلماتهم، و لا يعلم تصريحهم بذلك؛ كما أنّ الأوّلين لا فرق فيهما إلّا في ذكر الثياب في الثاني، و لعلّه قدس سره لا يأباه في الثوب الملاصق على الوجه المتعارف للبدن، بخلاف الخارج الطويل إذا وقع الزائد على الأرض النجسة بما لا يتعدّى لو كان المنع في المتعدّي مسلّما.

و أمّا المعنى الرابع فهو المنفيّ في المحكي عن «الشهيد» من قوله

لا ما أحاط به في الجهات الأخر

، و ليس دفعه لعدم القول عن الجامع مناسباً؛ فإنّه من الفروع النادرة الغير المعنونة في الكتب؛ فلا تأثير لعدم القول فيه، بل الدافع ما تقدّم مؤيّداً بما يفهم من السيرة، و الارتكاز لدى

المتشرّعة، فليتدبر.

ثم إنّ من الواضح أنّ موضع الصلاة أو السجود إنّما يكون بالفعل كذلك إذا وقعت الصلاة و لو ببعضه كذلك، و إلّا كانت المعرضيّة شأنيّةً، فلا ينبغي التوقّف لو كان موضع اليدين نجساً، أو موضع الجبهة نجساً قبل السجود و وضع اليدين في الأوّل مطلقاً، و في الثاني قول «السيّد» أو مطلقاً في ما يتعدّى، فيكفي الانتقال حين السجود، و وضع

بهجة الفقيه، ص: 484

اليدين إلى غير النجس، كما لا يخفى أنّ المعتبر طهارته إنّما هو القدر الخاصّ من المسمّى، أو قدر الأنملة، أو قدر الدرهم؛ فمع صدق السجود على ما يعتبر طهارته، و تحققه، فلا يضرّ السجود على ما لا يعتبر طهارته من النجس في ذلك السجود الواحد، إلّا أن يخصّ الزائد على ما يعتبر طهارته بالقصد فيختلّ النيّة بذلك.

و في الضيق للوقت إلّا عن السجود على النجس أو فعل المبطل الآخر، فهل يومي، أو ينحني للسجود إلى القريب من الإصابة الساقطة مع إطلاق الشرطيّة، أو تسقط الشرطيّة بالتعذّر، و يجري الاحتمال في رفع طاهر إلى ما يزيد على أربع أصابع مرتفعاً من الموقف مع إمكانه؟ مقتضى إطلاق الشرطيّة المجمع عليها، و ميسوريّة الأقرب، و عدم الدليل على الانتقال في الفرض إلى الإيماء و اشتمال الرفع في الفرض إلى المحذور هو الانحناء إلى حدّ عدم الإصابة.

و لو كان كلّ من [الموضع] و الموضوع نجساً مع التماثل في النجاسة و التعديّة، و عدمها، و لا يمكن التخلّص إلى الطاهر في شي ء منهما جاز الكل، و لو اختلفا روعي ترك الأشدّ نجاسة مع البناء على تأثير النجس الأشدّ في المتنجّس بالأخفّ في المتعدّي، و الأقرب الجواز مطلقاً في غير المتعدّي، و من الاختلاف المغايرة

بالعينيّة و الحكميّة.

و لو أمكن التطهير لأحد طرفي الإصابة بلا مناف، لزم؛ و إن قطع و استأنف بعد تحصيل الشرط في السعة، لا في الضيق عن ركعة تامّة مع الشرط، و إلّا أتمّ بلا قضاء. و صور الجهل و النسيان مع التبيّن أو التذكّر في الأثناء، و عدمها تذكّر في الخلل إن شاء اللّٰه تعالى.

بهجة الفقيه، ص: 485

الفصل الرابع ما تكره الصلاة فيه من الأمكنة

[الأول] في كراهة الصلاة في الحمّام

أمّا عدم الحرمة و البطلان، فظاهر من ملاحظة سيرة المتشرّعة في عدم المبالاة بالصلاة في هذه الأُمور التي منها الحمّام، و منها ما يأتي و كذلك ايضاً بحسب ارتكاز المتشرّعة، مع أنّ الصلاة لأهميّتها لا بدّ فيها من إيضاح أمر الشروط و الموانع.

و أمّا الكراهة بلا منع تكليفي، أو وضعي، فقد حكي عن المشهور، و عن «الخلاف» و «الغنية»، الإجماع عليها، و ظاهر كلامهما و أمثالهما الكراهة المصطلحة.

و يدلّ على أصل المنع، مرسل «ابن أبي عمير» «1»، و مرسل «عبد اللّٰه بن الفضل» «2» في النهي عن العشرة مواضع، منها الحمام، و الإرداف بالمكروهات، و الارتكاز و السيرة و الشهرة، و حكاية الإجماع يوجب الانصراف عن ظهور النهي في البطلان، إلّا أنّ في الموثّق «3»، و الصحيح أنّه

إذا كان الموضع نظيفاً فلا بأس «4».

______________________________

(1) الوسائل 3، أبواب مكان المصلّي، الباب 15، ح 6 و 7.

(2) الوسائل 3، أبواب مكان المصلّي، الباب 15، ح 6 و 7.

(3) الوسائل 3، أبواب مكان المصلّي، الباب 34، ح 2.

(4) الوسائل 3، أبواب مكان المصلّي، الباب 34، ح 1.

بهجة الفقيه، ص: 486

و السؤال فيهما عن الصلاة في بيت الحمّام، و ظاهره ما يستحمّ فيه، لا ما يعمّ المسلخ و السطح ممّا هو جاف.

و قوله في الصحيح، لا يعلم أنّه

من «علي بن جعفر» أو من «الصدوق» أو من «الإمام عليه السلام» إن صحّ مثله عنه، فلا حجيّة فيه في التفسير، فيبقى الترديد في تقيّد النهي المطلق بالنظافة الظاهرة في الطهارة، و لا يخلو عن مناقشة، لأنّ الباقي في النهي حينئذ النجس الممنوع تكليفاً و وضعاً لمكان غلبة الرطوبة المتعدّية في بيت الحمّام؛ أو يكون المعتبران في بيان الجواز بالمعنى الأعمّ، و عدمه في المنطوق و المفهوم، فلا ينافي ما دلّ على الكراهة المطلقة؛ فيكون النظيف من الحمّام باقياً على الكراهة بما أنّه بيت الحمّام، و جائزاً لمكان النظافة؛ فالخالي عن الكراهة رأساً النظيف في غير الحمّام؛ و لعلّ هذا أقرب الوجهين.

[الثاني] كراهة الصلاة في بيوت الغائط

و تكره الصلاة في بيوت الغائط، كما عن المشهور المدلول عليه بصحيح «زرارة» و «حديد بن حكيم الأزدي» سألا الإمام الصادق عليه السلام عن

السطح يصيبه البول، و يبال عليه، أ يصلّي في ذلك الموضع؟ فقال: إن كان تصيبه الشمس و الريح، فكان جافّاً فلا بأس، إلّا أن يكون يتّخذ مبالًا «1»

، مع الملازمة الغالبة بين مكاني النجاستين لولا إلغاء الخصوصيّة، و كذا فحوى ما في النبوي في المزبلة «2» و ما في خبر «عبيد بن زرارة» من استثناء بئر غائط، المقبرة من مسجديّة الأرض كلّها «3»؛ و النهي عن الصلاة إلى حائط ينزّ من بالوعة «4»؛ و النهي عن الصلاة إلى عذرة «5»؛ و ما دلّ على عدم دخول

______________________________

(1) الوسائل 2، أبواب النجاسات، الباب 29، ح 2.

(2) كنز العمال 4، ص 74، رقم 1483.

(3) الوسائل 3، أبواب مكان المصلّي، الباب 31، ح 2.

(4) الوسائل 3، أبواب مكان المصلّي، الباب 18، ح 2.

(5) الوسائل 3، أبواب مكان المصلّي، الباب 31، ح 1.

بهجة

الفقيه، ص: 487

الملائكة بيتاً يبال فيه أو فيه بول في إناء «1». و أمّا نفي الحرمة و الفساد فقد مرّ منا كفاية ارتكاز المتشرّعة، و عدم مبالاتهم بهذه الأُمور في الصلاة، مضافاً إلى الإدخال في سياق المكروهات في النبوي، و كون الأصل في غيره من المكروهات كما عرفت؛ فما عن «المقنعة»، و «النهاية» من الحرمة أو النهي، لا بدّ من تأويلهما بما لا ينافي الكراهة المصطلحة.

[الثالث] كراهة الصلاة في مبارك الإبل

و تكره في مبارك الإبل، و في ما تقدّم من النصوص ذكر المعاطن؛ فإن أُريد منها المبارك و لو بإلغاء الخصوصية لو لم تتّحدا في اللغة لعدم فهم الاختصاص، أو لفهم عدمه من النبوي الدال على أنّ الإبل من الجنّ «2»، و أنّها مأوى الشياطين، فالأظهر عدم الاختصاص بالمبارك عند الماء، بل يعم المنازل عند الحيّ و في البريّة، و لا يلزم وجود الإبل حين الصلاة، بل يكون موضع الصلاة خالياً؛ فوجود الإبل بقرب المصلّي لا أثر له في الكراهة، و يدلّ على عدم الحرمة ما قدّمناه عموماً و خصوصاً، و خصوصاً ما دلّ «3» على الأمر بالرشّ و النضح للتخلّص من النقص بسببها، أو لخفّة الكراهة بسببهما بعد اليبس، أو مطلقاً.

[الرابع] كراهة الصلاة في مساكن النمل

و تكره الصلاة في مساكن النمل، حكي عن «الغنية» الإجماع عليه، و ذكر في المرسلين «4» بعبارة قرى النمل، و بوادي النمل في خبر «عبد اللّٰه بن عطاء» عن الإمام الباقر عليه السلام «5» أو

______________________________

(1) الوسائل 3، أبواب مكان المصلّي، الباب 33، ح 1 و 3.

(2) كنز العمال 4، ص 74 رقم 1484.

(3) الوسائل 3، أبواب مكان المصلّي، الباب 17، ح 2.

(4) الوسائل 3، أبواب مكان المصلّي، الباب 15، ح 6 و 7.

(5) الوسائل 3، أبواب مكان المصلّي، الباب 20، ح 5.

بهجة الفقيه، ص: 488

أودية النمل، كما عن تفسير العياشي «1» و لعلّ أوسع العبادات ما في المرسلين مع تفسير اللغويين بالمأوى، إلّا أنّه يمكن الحمل على ما اختصّ بهم من الأودية، لا إذا اتّخذت مكاناً وحده في بيت معمور، إلّا أن يلغي هذه الخصوصية، خصوصاً مع عدم إمكان الاختصاص الموجب لصدق القرية، و الوادي لهم، و لا يعتبر ظهورهم حال

الصلاة في الكراهة، و لا يعلم العلّة أنّه تأذّي المصلّي، أو تأذّيهم، أو المجموع و لو بنحو المعرضيّة.

[الخامس] كراهة الصلاة في مجرى المياه

و كذا تكره في مجرى المياه عند علمائنا، كما عن «المنتهي»، و «جامع المقاصد»، و في المرسلين «2». و مقتضى ذكر الماء و الطين مثل ذكر المجرى، عدم اعتبار فعليّتهما في المجرى، بل المحمول عليه الخالي منهما، فلا بدّ من المعرضيّة للجريان، كما في بطن الوادي. و أمّا الجريان وقتاً ما فيوجب المنع عن جميع البراري، و هو كما ترى. و الظاهر ارتفاع الكراهة بما يمنع عن تأثّر المصلّي بسبب الجريان أو لوازمها، كما لو صلّى في محلّ عال تحته نهر، أو ساقية، أو فرش على النهر بعد يبسه، و نحو ذلك.

[السادس] كراهة الصلاة في أرض السبخة

و في أرض السبخة (بفتح الباء واحده «السباخ»). و في المرسلتين «3» ذكرها. و عن المشهور الكراهة؛ و محل الكراهة ما صحّت الصلاة بشروطها التي منها التمكّن حال السجود من وضع الجبهة بأقلّ ما يجزي، إلّا أنّه لا يكون بكامل الاستحكام و التمكين؛ فلو أمكن التسوية، و القرار على الأرض في محلّ السجود خفّت الكراهة، أو زالت، يعني إن كان التعذيب موجباً للكراهة فالحاصل هو التخفيف لا الزوال، و النهي عن السجود ظاهر في الكراهة بملاك التمكين، و عن الصلاة يحتمله، و التعذيب.

______________________________

(1) مستدرك الوسائل، أبواب مكان المصلّي، الباب 15، ح 1.

(2) الوسائل 3، أبواب مكان المصلّي، الباب 15، ح 6 و 7.

(3) الوسائل 3، أبواب مكان المصلّي، الباب 15، ح 6 و 7.

بهجة الفقيه، ص: 489

و أمّا خبر «يحيى بن أبي العلاء» «1»، و «جويرية بن مسهر» «2» فالظاهر تعدّد الواقعة فيهما، لأنّ في الأوّل: «فمن كان صلّى فليعد الصلاة» و في الآخر: «فمن أراد منكم أن يصلي، فليصلّ»، و أنّ الكراهة، أو تأكّدها مختصّة بالنبي و الوصيّ، و في الأوّل

ذكر السبخة فقط، و في الثاني: «أرض معذبة»، و عن «الفقيه»: «أرض ملعونة عذبت في الدهر ثلاث مرات»، أو مرّتين، و إن وردت في روايات آخر أنّها كانت سبخة، إلّا أنّ الاختصاص لعلّه لمكان التعذيب، لا لمجرّد السباخة، و المناسب للتعذيب جلالة شأن النبي صلى الله عليه و آله و سلم و الوصيّ عليه السلام عن الصلاة فيها، فإنّها كالضد للمساجد اللائقة بهم عليهم السلام.

و أمّا احتمال الحرمة و الفساد، فيدفعه مضافاً إلى فهم الكراهة من المرسلين «3»؛ و إلى الإجماع المحكي نقله عن «المنتهي»، و «الغنية»: ما يمكن أن يفهم من التعليل بالتمكّن من السجود بل من التعذيب أيضاً؛ فإنّه لا يخلو عن إشعارٍ بكراهة الحكم في مورده، بل في جميع موارد التعذيب في الدنيا، و ما قد مرّ في نظائر المقام من السيرة و الارتكاز، لعدم مبالاة أهل الشرع في أصل الصلاة بشي ء من ذلك.

[السابع] كراهة الصلاة في أرض الثلج

و كذا تكره في أرض الثلج، كما في المرسلين و المحل الصلاة، لا السجود، كما هو الظاهر، و المفهوم من صحيح «هشام» «4» في تبديله بالثوب حيث لا يتمكّن من الأرض؛ و الكلام في عدم الحرمة ما مرّ في النظير.

[الثامن] كراهة الصلاة بين المقابر

و كذا تكره بين المقابر على المشهور المحكي عليه الإجماع في «الغنية» و ظاهر «المنتهي»، كما في «الجواهر».

______________________________

(1) مستدرك الوسائل أبواب مكان المصلي، الباب 15، ح 2.

(2) الوسائل 3، أبواب مكان المصلّي، الباب 38، ح 1 و 2.

(3) تقدم آنفاً.

(4) الوسائل 3، أبواب مكان المصلّي، الباب 15، ح 5.

بهجة الفقيه، ص: 490

و روايات المقام بين طوائف: الناهية مطلقاً، و المجوّزة مطلقاً، و المفصلة بين اتّخاذ القبر قبلة، و المفصّلة بين الفصل بعشرة أذرع من الجوانب فيجوز، و عدمه فلا يجوز، و الجمع بالتقييد مقدّم على التجوّز، و المتيقن إرادته و لو بحسب النصّ في دليل النهي اتّخاذ القبر قبلة، بمعنى التقيّد و الالتزام القلبي بالصلاة إليها و في دليل الجواز بالفصل بالعشر، لولا انصراف دليل النهي عن مثله، فيبقى غير الصورتين مجمعاً للإطلاق من الطرفين، فيمكن التصرّف بنصوصيّة النهي في المرجوحيّة في دليل نفي البأس على الإطلاق بالظهور الإطلاقي، و بنصوصيّة نفي الحرمة و البطلان في دليل الجواز من ظهور النهي في الحرمة، أو الفساد، أو ما بمنزلة النّهي على ما فيه من الضعف من جهات.

منها: الإرداف بالمكروهات، و فهم لسان الكراهة من التعداد إلى العشرة، و غير ذلك ممّا مرّ إليه الإشارة؛ و دعوى أنّه غير مقبول، غير مقبولة، إلّا في تعارض وجوه الجمع بالتصرّف في الدليلين، لا في ما لم يكن له إلّا وجه واحد عرفي صناعي، كما عرفت؛ فإنّ التحكيم بحيثيتين

متغايرتين كدليلين متغايرين.

و لا يخفى: أنّه بعد تقيّد المطلقات بالمقيّدات، يقع التعارض بين الأخيرة، أعني بين ما دلّ على التفصيل بالفصل بعشرة، فيجوز، و عدمِه فلا يجوز؛ و ما دلّ على التفصيل بالاتخاذ قبلة فلا يجوز، و عدمه فيجوز. و المجمع صورة الاتّخاذ القصدي مع الفصل بالعشرة بحسب إطلاق دليلهما لصورة وجود الآخر و عدمه، فيجوز فيها بالموثّق «1» دون الصحيح «2»، و كذا صورة عدم الاتّخاذ القصدي و عدم الفصل، فيجوز فيه الصحيح دون الموثّق.

و يمكن الجمع بنظر إحداهما في الحكم بحسب القرب الصوري، و الأُخرى بحسب القرب القلبي المعنوي؛ فارتفاع المنع بحسب الأول، لا ينافي الثبوت بحسب الثاني؛

______________________________

(1) الوسائل 3، أبواب مكان المصلّي، الباب 25، ح 5 و 3.

(2) الوسائل 3، أبواب مكان المصلّي، الباب 25، ح 5 و 3.

بهجة الفقيه، ص: 491

لكن كون الحكم في جميع الصور الأربع مع الاتّخاذ كراهة لا منعاً، قد عرفت الشواهد عليه؛ فعليه الاعتبار في ما يجوز فيهما، كصورة الفصل لو كان بلا اتخاذ؛ و ما لا يجوز فيهما كصورتي الاتّخاذ بلا فصل، فلا يجوز فيهما كصورة الفصل مع عدم، فيجوز فيهما و في محلّ التعارض المتقدم، لأنّ المنع في مثله ما لا يخفى.

و أمّا احتمال الجمع بحمل النهي على الصلاة إلى القبر، و التجويز مع الكراهة في غير ذلك من الصور ففيه ذكر ذلك في الموثّق أيضاً على حسب غيره من الصور، إلّا مع ارتكاب عموم المجاز؛ و هو ممكن، لاحتياج خصوص التجوز في مورده إلى القرينة، لا في الحمل في مورد الوضع على الحقيقة، إلّا أنّ الاتّخاذ ليس نفس الصلاة إلى القبور المشكل تجنّبها في المقابر، و كذا الفصل بعشرة في الجوانب يكون الأسهل

من ذلك الخروج عن المقابر رأساً، و إن كان المقصود منع البينيّة حكماً بتحديد الشارع، و أما عموم الاتّخاذ لصورة الفصل بعشرة فلا ينافي الجمع المذكور، لأنّه كعموم الفصل بالعشرة لصورة الاتّخاذ، بل لا بدّ من مرجّح لأحد الإطلاقين، و كأنّه فهم في محكي «الحدائق» أنّ مفهوم الموثّق التسوية بين الجهات؛ و مفهوم الصحيح، امتياز جهة القبلة، فهو القابل لتخصيص الموثّق.

و قد مرّ أنّ الاتّخاذ هو التقيد و الالتزام، لا مجرد الاستقبال بلا قصد متعلّق به. و أمّا الحمل على جعله كالكعبة، فساقط رأساً في مطلق القبور، و بحسب ما هو الأظهر في قبور الأنبياء صلوات اللّٰه عليهم بعد ضروريّة الاستقبال، و أنّه إلى الكعبة خاصة، فلا محلّ لهذا النهي إلّا لغير أهل النُّهى؛ مع أنّ المراد مشروح في الرواية المعتبرة بمثل تعبير النبوي في قوله صلى الله عليه و آله و سلم

بين خللها، و لا تتّخذ شيئاً منها قبلة «1»

؛ فالمراد الصلاة إليها في قبال اليمين و اليسار، مع ما مرّ من اعتبار القصد في الاتّخاذ، و لذا لم يقل عليه السلام: «و لا إليها»، و قد مرّ أنّ الحكم هو الكراهة، لما فيه من التشبه بعمل المبدعين سبق، و لعلّه كان منهم على وجه الكفر الاعتقادي الذي لا يخلو منه أغلب الكتابيّين غير المسلمين

______________________________

(1) الوسائل 3، أبواب مكان المصلي، الباب 26، ح 5.

بهجة الفقيه، ص: 492

في هذه الأعصار، غير الكفر بعدم الاعتقاد بآخر الأنبياء صلى الله عليه و آله و سلم.

و أمّا جاعل الموثّق مؤكّداً للمقيّد بالاتخاذ، فلعلّه يقيّد الاتّخاذ أيضاً بعدم الفصل، كما أنّه لمكان تصريح الموثّق بعدم الجواز مع عدم الفصل للاستقبال يكون مؤكّداً للناهي عن الاتّخاذ، و

إن لزم منه عموم المجاز في غير هذه الصورة في الموثّق، لكنّه ليس في ما عن «المفيد»، و «الحدائق» جعل مورد النهي الاتّخاذ مع عدم الفصل بعشرة، بل المذكور في «الحدائق» تحريم الاستقبال، و القول بالكراهة في غيره. و يمكن أن يكون مقتضى ما ذكره في الموثّق هو زوال الكراهة في المكروه، و الحرمة في الحرام بالفصل بالعشرة، و إن لم يُصرّح به فيه، و يؤيّده ما ذكره من استعمال اللفظ في المعنيين؛ فإنّ النهي عن الاستقبال في الموثّق كالنهي عن غيره في صورة عدم الفصل بالعشرة؛ كما أنّ الجواز في الجميع في صورة الفصل بالعشرة؛ كما أنّ التأكّد في الموثّق لمكان النهي عن الاستقبال فيه مع كونه مقيّداً بعدم الفصل فيه هو المناسب للتفصيل، مع الحمل على المعنيين من جهة ذكر غير الاستقبال، و إنّما ذكر في «الحدائق» عدم المعارض للمانع عن الاستقبال، و أمّا التّأكّد فممّا في «الجواهر» شارحاً لما عن «الحدائق» من عدم المخصّص للمانعين إلّا أخبار الصلاة خلف قبور الأئمّة عليهم السلام، فالحرام غيرها، و لازمه الجمع في الاستعمال في الخبر و لم ير فيه معاً بل، ذكر له بعض الأمثال، إلّا ما عسى أن يفهم من «الجواهر» في قوله: و هو مستثنى منها، و قد عرفت ما فيه، و في ما أجاب به في «الجواهر» عنه.

و مثله ما في «الجواهر» في تقرير ما عن «الحدائق» من أنّ مقتضى الإطلاق و التقييد تحريم الاتّخاذ قبلةً، و تقيّده بما في الموثّق مع عدم إمكان تقييد المجوّزات بما في الموثّق بالحمل على صورة الفصل بالعشر، حتى يتّحد حكم الكلّ في عدم الجواز مع عدم الفصل بالعشر مع وقوع الاستثناء لخصوص المتّخذ قبلةً، فلا

يناسبه الاشتراك مع سائر الصور، فيتعيّن الحمل في غيره على الكراهة ثمّ أجاب عن ذلك كله بما مرّت إليه الإشارة.

بهجة الفقيه، ص: 493

ثم إنّ ما ذكره في الجواهر بعد تقرير ما عن «الحدائق» من الالتزام بتقيّد دليل الاتّخاذ المذكور لأدلّة الجواز بعد تقييده بالموثّق، و إن لزم منه عدم المجاز في الموثّق؛ فيكون الموثّق على هذا الحمل مؤكِّداً لدليل الاتّخاذ [الذي] استشكل فيه بما في النصوص، بعد الجواب المتكرّر عن جمع «الحدائق» من تجويز الصلاة خلف قبور سائر الأئمة عليهم السلام؛ مع أنّه إنّما التزم بالمنع خلف قبر النبي صلى الله عليه و آله و سلم، و جوّز الصلاة خلف قبور سائر الأئمة عليهم السلام، و لا بُعدَ فيه لولا التحريم لما فيه من الشباهة العمليّة باليهود خاصّة في قبور أنبيائهم عليهم السلام، دون سائر الأوصياء.

و ذكر مكاتبة «الحميري» المرويّة في «التهذيب» في الأسئلة الثلاثة و في الجواب مبدء كلام الإمام عجل اللّٰه فرجه الشريف

أمّا السجود على القبر، فلا يجوز في نافلة، و لا فريضة، و لا زيارة، بل يضع خدّه الأيمن على القبر؛ و أمّا الصلاة، فإنّها خلفه يجعله الأمام؛ و لا يجوز أن يصلّي بين يديه، لأنّ الإمام لا يتقدّم، و يصلّي عن يمينه و شماله «1».

و ذكر مثله في رواية «الاحتجاج»، إلّا أنّه عليه السلام قال

و لا يجوز أن يصلي بين يديه، و لا عن يمينه، و لا عن يساره، لأنّ الإمام لا يتقدّم عليه و لا يساوي «2».

و ما فيهما من المنع عن السجود على القبر، لعلّه يحمل على السجود لهم، أو على الكراهة المحمول عليه الموثّق في الصلاة إليه، مع التعبير بعدم الجواز؛ و عليها يكون السجود

صلاتيّاً في الفريضة و النافلة، و في الزيارة غير الصلاة لمرتبة من التعظيم، مع أنّه فرضاً للّٰه تعالى؛ فيكون قبرهم عليهم السلام كالكعبة في الصلاة تشريفاً حتميّا فيه، و غير حتمي في غيره، و لا مانع فيه أصلًا، هو وضع الخد الأيمن، فيجوز في الصلاة، لأنّه ليس فعلًا ماحياً، و في غيره المنحصر فيه في التوسل بهم عليهم السلام.

و أمّا الصلاة في الخلف، فهي مسنونة فيهما. و أمّا الصلاة عن اليمين و اليسار، فمورد

______________________________

(1) الوسائل 3، أبواب مكان المصلي، الباب 26، ح 1 و 2.

(2) الوسائل 3، أبواب مكان المصلي، الباب 26، ح 1 و 2.

بهجة الفقيه، ص: 494

المنع فيهما؛ و يمكن الجمع بالكراهة، و على تقدير الحرمة، أو يحمل على غير المساوي، و ما يصدق عليه الخلف بتأخّر ما في اليمين أو اليسار، كما يلتزم به في المأموم.

و يدلّ على عدم المنع خلف قبور الأئمة عليهم السلام، بل مطلقاً السيَر المعلومة من أهل الإيمان، بل الإسلام كافّة، عدا شاذّة مستحدثة، و من المعلوم عدم الحائل المنكر رافعيّته في الأعصار المتقدّمة من صندوق أو ضريح؛ فاحتمال الحرمة مطلقاً، ضعيف مطلقاً.

و أمّا المنع عن الاستقبال المحكي عن «المفيد» قدس سره، ففيه وهن من جهة ظهور آخر كلامه في ما لا يناسب المنع، يعني التعبير بالأفضليّة؛ و قد عرفت وجه الجمع بالكراهة في جميع الموارد، أعني موارد عدم البعد بالعشرة، و خصوص الاستقبال كذلك، و خصوص الاتّخاذ إذا كان لا كاتّخاذ اليهود مقروناً بالشرك، أو مشتملة على النسبة المبتدعة.

و أما اعتبار التعدّد في الكراهة، فيمكن منعه لوجود القبر بلفظة في مكان الروايات في الصلاة عليه، كما في خبري «يونس بن ظبيان» «1»، و «النوفلي» «2»

و كذا الصلاة إليه، كما في روايات الاتّخاذ، مع ما في بعض تلك الروايات، كصحيح «زرارة»

لا تتّخذ شيئاً منها قبلة «3»

، و بعد ذلك ذكر دليلًا عليه قول رسول اللّٰه صلى الله عليه و آله و سلم

لا تتّخذوا قبري قبلة، و لا مسجداً

؛ فإنّه يفهم منه أنّه الأصل، و من الواضح عدم اعتبار التعدّد في الأصل؛ و كذا ما في خبر «أبي اليسع» في قبر الحسين عليه السلام من قوله

تنحّ هكذا ناحيةً «4»

بل لعلّه يعتبر عدم التعدّد لأبعديّته عن التّوحيد الكامل، مع أنّ المستفاد من الموثّق كرامة القرب من القبر في كلّ جهة و رفعها بالفصل بعشرة من تلك الجهة، من دون ارتباط

______________________________

(1) الوسائل 3، أبواب مكان المصلي، الباب 25، ح 8 و 7 و 5.

(2) الوسائل 3، أبواب مكان المصلي، الباب 25، ح 8 و 7 و 5.

(3) الوسائل 3، أبواب مكان المصلي، الباب 25، ح 8 و 7 و 5.

(4) الوسائل 10، أبواب المزار، الباب 69، ح 6.

بهجة الفقيه، ص: 495

بسائر الجهات كراهةً و ارتفاعاً؛ كما أنّ عدم اعتبار التعدّد في كلّ واحدةٍ من الجهات واضح بحسب الكفاية في الصدق؛ و لعلّ الإجماع المحكيّ عن «المنتهي»: أنّه يلوح منه، مبنيٌّ على الفهم من هذه الأدلّة، لا شيئاً مكشوفاً بالإجماع.

و أمّا فهم الكراهة في خصوص الاستقبال، فالظّاهر أنّه في غير قبور الأئمة صلوات اللّٰه عليهم بلا وجهٍ، لما في الموثّق من كراهة الجمع في القرب و ارتفاعها في الجمع بالبعد الخاصّ؛ كما أنّ عدم صدق البينيّة في ما كان القبر الواحد في إحدى الجهات غير ضائر، لعدم الدليل على اعتبار البينيّة في القبور في الكراهة؛ مع أنّ المفهوم من

الصحيح أنّ ما يكره في اتّخاذه قبلة يرتفع الكراهة بين خللها؛ فكيف يعتبر البينيّة في الكراهة؟ بل الجمع بينه و بين الموثّق يقتضي أخفيّة الكراهة مع البينيّة بالإضافة إلى الاستقبال، و إنّما تزول رأساً بالبعد المذكور في الموثّق.

كما أنّ البينيّة في القبرين معلومة، كانا في الإمام و الخلف، أو في اليمين و اليسار؛ و لا يستفاد من الموثّق اعتبار التربيع لإطلاق المنع عن الصلاة في القبور الصادقة بلا تربيع؛ و إنّما الغالب في المقابر، و محل الصلاة منها، الإحاطة من جميع الجهات، و لذا ذكر الرفع بالبُعد في جميع الجهات.

و لو اعتبر التربيع في الكراهة، لم يلزم البُعد في الأربع، حيث لا كراهة مع البُعد في جهة واحدة، إلّا أن يكون الرفع تعبديّاً محضاً، و تكون الكراهة عامّة إلى أيّ حدّ من البُعد، و هو كما ترى؛ فالظاهر تحقّق الكراهة في الاستقبال الاتّخاذي الالتزامي التقيدي مطلقاً؛ و مطلق الاستقبال في غير المشاهد المشرّفة، و في الاستعلاء، و في مصداق البينيّة، و مصداق الصلاة في القبور، تحقّقت المقبرة أو لا.

و يشكل كراهة الصلاة في المقبرة إذا لم تصدق الصلاة في القبور؛ بل مرّ إمكان استفادة كراهة القرب في الصلاة من القبر و لو من الخلف فقط، و ارتفاعها بالبعد الخاص، و كذلك الحال في صدق الصلاة في المقبرة، لا بين القبور، كما إذا كانت في الإمام و اليمين، أو في الإمام و الخلف، و نحو ذلك؛ فإنّ الإطلاق يفهم منه موارد الملازمة

بهجة الفقيه، ص: 496

بين الصلاة في المقابر و في القبور، خصوصاً بعد الجمع الذي لا يقتضي تقييد المطلقات في الكراهة، بل في مرتبتها.

المتحصّل ممّا سبق فقد تلخّص: أنّ القرب من جهة، كافٍ في

الكراهة في غير المشاهد المشرّفة، و البعد الخاص، بل أصل البعد، يوجب الخفّة إلى الزوال، كما أنّ الصلاة بين الخلل أخف كراهة من استقبالها، و هو أخفّ من اتخاذها قبلة، و زوال الكراهة رأساً بالبُعد الخاص.

و منه يظهر حال القبرين في جهتين يصدق بهما البينيّة، لعدم لزوم صدقها على ما مرّ، بل اللازم لمريد رفع الكراهة الخروج من المقابر لأنّ تحصيل البعد الخاص أشدّ مشقة من الخروج غالباً.

فلا نحتاج في دفع الاستدلال بما يتراءى من الموثّق من جهة اعتبار التربيع إلى عبارات الأصحاب المكتفية بصدق البينيّة الحاصلة من جهتين متقابلتين، بل يكفي صدق الصلاة في القبور التي لا يعتبر فيها التقابل أيضاً مع التعدّد؛ كما لا يعتبر في صدق الصلاة في المقبرة ذلك؛ كما أنّ اعتبار المقبرة كذلك، لما مرّ من مفهوم من الموثّق.

[التاسع] كراهة الصلاة بين القبور إلّا مع الحائل

و أمّا استثناء الحائل، فعن «المدارك»، و «المنتهي»، ما يفيد الاتفاق عليه؛ و الظاهر كفايته في تقيد الكراهة الراجعة إلى أقليّة الثواب في العبادة الراجعة بهذا الاستثناء إلى الثواب مع الحائل بلا نقص؛ فيكون أقوى من موارد البلوغ بلا حجّة غير أدلّة البلوغ.

و قد يستدل بفحوى ما دل على الارتفاع بين الرجل و المرأة في الصلاة من الستر و الحاجز و الحائط القصير و موضع رحل على أحد الاحتمالين، و الآخر رجوعه إلى

بهجة الفقيه، ص: 497

قدر الذراع، نظراً إلى اختيار جماعة الحرمة في تلك المسألة؛ فرفع الكراهة هنا بذلك، أولى؛ لكن الأولويّة ظنيّة، لعدم التلازم بين مقامي الإثبات و الثبوت، إلّا أن يكتفي في الفحوى، بالمساواة، و يكفي في ذلك عدم صدق الصلاة إلى القبور، و فيها من الحائل في الجملة، أعني المانع عن المشاهدة، لا الأعمّ من المانع

عن العبور في غير صورة تعدّد المكان المنصرف عنه الإطلاقات هنا و في غيره. و أمّا العترة و قدر لبنة، أو ثوب موضوع، فلا دليل عليها؛ و أخبار السترة عن المارّ لا يعمّ المقام، كما لا يعمّ في مقابلة الحيّ القاعد في القبلة.

نعم يمكن دعوى أنّ المفهوم المستقبل بلا واسطة، و كذا غير القبلة، فالفصل واسطة في الجملة خصوصاً مع حرجيّة التجنّب و لو كان تنزيهيّاً، لرجوعه إلى تمكّن الغالب من الصلاة الكاملة.

و أمّا الاكتفاء بالحائلين في المربعة لزوال البينيّة بهما في اليمين مثلًا، و في الأمام، و كذا الواحد في المثنّاة، فقد يستفاد خلافه من الموثّق حيث ذكر البعد في الجهات الأربعة مع عدم البينيّة حكماً بالبعد في جهتين، و قد عرفت عدم إناطة الكراهة حدوثاً بالبينيّة حتى ترتفع بزوالها مطلقاً.

نعم، لا بأس بالأخفيّة، كما أنّه مع زوالها بإزالة البينيّة، و عدم الحائل من ناحية القبلة، فزوال الكراهة الحاصلة بالبينيّة لا يستلزم زوال الكراهة الحاصلة بالاستقبال، أو الاتّخاذ؛ فلا بدّ من حائل في تلك الجهة أيضاً. و في جريان الإطلاقات في القبور بلا علامة ظاهرة على الأرض، تأمّل يشهد بخلافه السيرة العمليّة الّتي استدلنا بها على عدم الحرمة. و منه ظهر الحال في الفراش، و نحوه الموجب للتساوي بلا امتياز للقبر عن الموقف؛ و مثله التأمل في نزول المدفون خارجاً عن المعتاد، و إن كانت العلامة ظاهرة، حيث إنّ اللازم استقبال صورة القبر مثلًا، لا استقبال القبر.

بهجة الفقيه، ص: 498

[العاشر] كراهة الصلاة بين القبور إلّا مع بُعد عشرة أذرع

اشارة

و ترفع الكراهة بالبعد عشرة أذرع و الظاهر من موثق عمار «1» و هو الأصل في التحديد بعد انصراف أدلّة المنع عن البعد العرفي الحاصل بهذا الحدّ بل دونه أنّ البعد في كلّ

جهة رافع للكراهة الحاصلة في تلك الجهة بالقرب، لا أنّ البعد في المجموع رافع للكراهة في الجميع بحيث لا ترتفع الكراهة أصلًا مع القرب في الخلف مثلًا؛ فإنّه شي ء لا ينسبق إلى الأذهان المعتدلة، بل القرب الخلفي لا دليل على الكراهة معه إلّا هذا الموثّق، و اختلاف التعبيرات في الروايات الكاشف عن أنّ المدار في الكراهة القرب، و في دفعها البعد. و أنّه ليس المدار على البينيّة حتى ترتفع بالبعد من جهتين في المربعة، أعني الإمام أو الخلف، مع اليمين أو اليسار.

و ما في الصحيح من الأمر بالصلاة بين خللها في قبال اتخاذ القبلة يحمل على خفّة الكراهة، لا زوالها رأساً، و كأنّه حمل في «الجواهر» ما عن «التذكرة» من قصر اعتبار البعد على غير جهة الخلف على مخالفة الموثّق المبنيّة على عدم الكراهة في القرب من الخلف، كما في القرب من المرأة؛ كما يقول به في «الجواهر» من أنّ البعد من الخلف ليس لرفع الكراهة في الخلف، بل في غير الخلف من الجهات، و هو غريب جدّاً، ثمّ نقل ما عن «الروض» في «الكفاية» للبعد من غير الخلف بانتفاء صدق في القبور، و إليها بذلك، و ردّه بعدم الاختصاص بالخلف، لكفاية البُعد من الجهتين في المربعة أيضاً؛ بل الرافع كما في الموثّق زوال البينيّة بنحو خاص، و قد مرّ ما فيه. و أمّا ما عن جماعة من اعتبار البعد في الجهات الثلاث فهو و إن كان مخالفاً لما في الموثّق إلّا أنّه ليس كما يقال بعيداً من الاعتبار المناسب، لما في السيرة العمليّة من عدم المبالاة بالخلف هنا، و في محاذاة المرأة، و للارتكاز عند المتشرعة؛ فلا يمكن العدول القطعي عن ذلك بانفراد «عمّار»

برواية الخلف، مع أنّ الصحيح جوّز المحاذاة هنا بلا اعتبار البعد مع أولويّة الخلف ممّا فيه، و منع عن خصوص الاتّخاذ قبلة، مع

______________________________

(1) الوسائل 3، أبواب مكان المصلي، الباب 25، ح 5.

بهجة الفقيه، ص: 499

إمكان اطلاع هؤلاء الأكابر على رواية في الخلف، أو أنّهم فهموا من تأخّر المرأة بإلغاء الخصوصيّة ما يفيد المقام؛ كما أنّ البعد بالعشرة أيضاً لا ينحصر وجهه في الموثّق، لإمكان فهم الإلغاء ممّا في رواية المحاذاة.

نعم يمكن الإشكال في الجمع بين الصحيح المتقدّم عن الإمام الرضا عليه السلام، و ما في الموثّق، فيجتمعان و يفترقان، حيث إنّ البعد معتبر و كاف في الجهات في الموثّق، و الفرق بين الاتّخاذ و غيره في الصحيح بلا تأثير للبعد، فيمنع عن الاتّخاذ قبلة بلا بعد فيهما. و أمّا سائر الجهات فيجوز فيها في الصحيح و لو مع القرب للإطلاق القوي، و لا يجوز في الموثّق.

و الجمع بالحمل على الكراهة، لأنّ النسبة عموم من وجه في التفصيلين فيهما، لازمه إلغاء التفصيلين إلّا في مرتبة الكراهة، لأنّ ظاهر الموثّق التسوية بين الجهات الأربعة في الاعتبار بالقرب و البعد الخاصّ، و عدم التسوية بين القرب و البعد؛ كما أنّ ظاهر الصحيح التسوية في الجهات بين القرب و البعد، و عدم التسوية بين الاستقبال، بل الاتّخاذي منه و غيره.

و الجمع بغير الحمل على مراتب الكراهة لا يخلو عن إشكالٍ، مع أنّ مقتضى السقوط مع المعارضة و عدم المرجّح الداخلي، الرجوع إلى عموم المسوّغ من صحيحين أو الترجيح.

و ما مرّ من أنّ الاستقبال الاتّخاذي مع القرب مورد المنع في الطرفين، و في سائر الجهات القريبة مورد النزاع بينهما، و في الجمع بالحمل على الكراهة تفكيك بعيدٌ فيهما،

لا ظهور في التسوية من غير الجهة المبيّنة في واحدٍ منهما؛ فلا أثر للقرب في واحدٍ، و الأثر الاتّخاذ قبلةً في الآخر.

فالجمع يكون بالالتزام بالتحريم في مورد الوفاق؛ و أنّ زواله يكون لأجل واحد من الأمرين أمّا البعد حتى في الاستقبال، أو غير الاتّخاذ قبلة حتى مع القرب، لولا شهادة الأُمور الخارجيّة بالكراهة في الأصل الموافقة لإطلاق الصحيحين العامين، مع

بهجة الفقيه، ص: 500

أنّ هذا التفصيل لا يعلم قائل به، مع أنّ الاتّخاذ أخصّ من الاستقبال؛ فيبقى الاستقبال الغير الاتّخاذي داخلًا في الموثّق، و كغيره من الجهات؛ فالمسألة بعدُ غير صافية عن التأمل الذي لا مجال له في ما يتسامح فيه من المكروهات بعد ما عرفت.

فلعلّ الأقرب الحمل على الكراهة بمراتبها؛ كما يشهد بعد ما عرفت، اختلاف تعابير الروايات في التجويز مطلقاً، و المنع كذلك، و التجويز مع الاختلاف، و المنع كذلك، فيحمل على كراهة الأصل الخفيفة في ما بين القبور، أي بين خللها، في قبال الاتّخاذ قبلة المكروه شديداً الزائلة بالبعد الخاصّ حتّى في الاستقبال، حتّى الاتّخاذيّ منه إذا لم ينته إلى المعلوم حرمته بغير هذه الروايات و يشهد لذلك السيرة القطعيّة، و الارتكاز القطعيّ، و سهولة أمر الصلاة لعظمها و أهميّتها، و اللّٰه العالم.

و أمّا ما في «الجواهر» من عدم الدليل على الكراهة مع الاتّحاد في غير الاستقبال، بل لا بدّ من البينيّة، ففيه أنّه لا دليل على اعتبار أحدهما، بل يكفي صدق في القبر الصادق بكونه في الخلف و اليمين، أو في أحد الجانبين مع الخلف، لا تلزم الظرفية بنحو الإحاطة، مع استفادته ضمناً ممّا في الموثّق، لعدم استفادة الارتباط حدوثاً، و لا رفعاً للكراهة في الجهات الأربعة.

و الانصراف من الجماعة

المتقدّمة عمّا في الخلف مع الانفراد بشي ء يختصّ بالخلف، لا يسوّغ الانصراف في غيره الموافق لبعض المطلقات؛ بل يمكن استفادة أنّ الموضوع هو القرب الملغى فيه خصوصية الجهة إلّا الخلف لما مرّ، و ليس ما ذكرنا مبنيّاً على الملازمة في الخلف بين صورة صدق البينيّة بسببه، و بين عدمها كاتّحاده حتى يجاب بعدم الملازمة.

بل يمكن أن يقال: بكفاية البعد من طرف في الإمام إذا كان القبر في الخلف، لأنّ الكراهة في الاستقبال المرفوع بالبعد، و لا كراهة في الخلف، و البينيّة بسببه كالعدم مع البعد في الإمام؛ كما أنّه مع القرب يكفي كراهة الاستقبال، و أمّا في الجانبين فيكفي البعد من أحدهما لرفع حكم البينيّة، و في الآخر يراعى رفع القرب بالبعد أو الحائل؛ فلو

بهجة الفقيه، ص: 501

لم نقل بالكراهة في القرب، فالبينيّة كالعدم حكماً، فلا يطرد لزوم العشرين في المثنّاة في جميع الأقوال فتدبّر.

و قد ذكر في «الجواهر»: أنّ البعد الخاص يرتفع به كراهة البينيّة، بل البينيّة المربعة لا بدّ لرفعها من البعد في الأطراف الأربعة، و أمّا كراهة على و في، فعدم ارتفاعها برافع تلك الكراهة الخاصّة قطعي؛ فلو كان على القبر و قد بعد عن الأطراف الأربعة للقبور لم يرتفع إلّا كراهة البينيّة.

قلت: يجري الكلام حينئذٍ في بُعد الموقف من المدفن الذي هو مسمّى القبر بإلغاء الخصوصيّة في كون البعد في الجهات الأربعة، لا ما يعمّ غيرها.

و أمّا كراهة الاستقبال، فيمكن أن يقال بالأولويّة في رفعه منفرداً من رفعه في ضمن الأربعة. و استشهاده بذيل الموثّق، لعلّه لمكان عدم فرقه بين الكراهيتن الثابتتين في المفروض فيه، و أنّ الحكم ليس حيثيّاً، بل فعليّاً مطلقاً، مضافاً إلى انصراف أدلّة المنع عن

البعد بالعشر، و لو فرض الصدق للاستقبال مثلًا معه.

و حيث عرفت أنّ المستفاد من الموثّق عدم الارتباط في الكراهة، و لا في رفعها بين الجهات، فلا محل لهذا البحث في الاستقبال.

تقدّم المصلّي أو محاذاته أو خلفيّته لقبور الأئمّة عليهم السلام

و أمّا قبور الأئمة عليهم السلام فعن المشهور عدم حرمة التقدّم، فضلًا عن المساواة التي نقل في المستند الإجماع على عدم حرمتها، و هو مقتضى الإطلاقات.

و أمّا الصلاة خلف القبور، فعن المفيد بقاؤه على الحكم الثابت في قبور غيرهم؛ و الروايات و العمل على خلاف ذلك؛ فمنها: صحيح «الحميري» «1» و مرسل «الاحتجاج» «2»؛ و فيهما جهة دلالة على المنع من التقديم، بل في الأخير عن المساواة

______________________________

(1) الوسائل 3، أبواب مكان المصلي، باب 26، ح 1.

(2) الوسائل 3، أبواب مكان المصلي، الباب 26، ح 2.

بهجة الفقيه، ص: 502

أيضاً، و عبارة «التهذيب» في صحيح «الحميريّ»

أمّا السجود على القبر، فلا يجوز في نافلة و لا فريضة و لا زيارة، بل يضع خدّه الأيمن على القبر، و أمّا الصلاة فإنّها خلفه يجعله الأمام، و لا يجوز أن يصلي بين يديه لأنّ الإمام لا يتقدّم، و يصلّي عن يمينه و شماله

، و عبارة «الاحتجاج» المنقولة في «الوسائل» فيها أدنى تفاوت في التقديم و التأخير و في الزيادة و النقص.

و يمكن منع الدلالة على المنع المنسوب إلى البهائي، و غيره ممّن تأخّر لمكان إبهام قوله عليه السلام فيهما

يجعله الأمام

، و تردّده بين إمام الأصل، فالحكم تأديبي و تنزيهي ارتكازاً؛ و إمام الجماعة، فالحكم تحريمي، بل وضعي، و عدم المناسبة مع الجماعة؛ بل الصلاة قد تقع جماعة خلف قبورهم، فلا حاجة إلى الإمام التنزيلي الوارد في جنازته صلى الله عليه و آله و سلم الشريفة: «أنّ

رسول اللّٰه إمامكم حيّاً و ميّتاً» إلى آخره؛ مع أنّ الجماعة في الإمام يحتاج إلى زيادة تقدير بلا قرينة في صورة عدم كفاية ذكر الصلاة هنا، بل ذكر القبور في السؤال و الجواب قرينة على إرادة جعل القبر إماماً، أي بمنزلة صاحب القبر في الآداب الغير المختصّة بالصلاة، و لعلّه المفهوم للمشهور الأعرفين بمناسبات الظهور، و أنّ الزائد على المرتكزات لا بدّ له من بيان زائدة، و لذا لم يشيروا إلى شي ء من ذلك، مع زيادة المبالغة في المكروهات هنا. و يمكن أن يقال: إنّ الإمام، بمعناه الأصلي الجامع للاقتداء و الاستشفاع؛ و المناسب هنا هو الاستشفاع المحض الوارد مثله في إمامة جسم النبيّ صلى الله عليه و آله و سلم للمصلّين عليه، و التعليل جامع للأمرين، و للتنزيه و المنع، أو مخصوص بخصوص الاستشفاع؛ و على أيٍّ، فلا يستفاد منه إلّا ما هو المرتكز من التنزيه و التأدّب في الاستشفاع، و المنع في الاقتداء الغير المناسب للمقام؛ فالنّتيجة على أيّ تقدير واحدةٌ، و هو عدم الدلالة على لازم من لوازم الاحترام.

و عليه فكراهة التقدم و المحاذاة في موارد عدم صدق الإهانة المحرّمة مطلقاً و لو في غير الصلاة أنسب بالأدلة، بل من البعيد إطلاق الأوامر بالصلاة عند الرأس بلا تقيّد

بهجة الفقيه، ص: 503

بالتأخّر مع عموم البلوى من العاملين حتى وصل الأمر إلى آخرهم صلوات اللّٰه عليهم، و استحباب ما خرج عن ذلك من أنحاء القرب هو الموافق لها، و للعمل.

و الظاهر تأيّد ما في الصحيح بما عن «الاحتجاج»، و أنّهما رواية واحدة، لا روايتان، كما في «الوسائل»؛ مع حمل إحداهما على جواز المحاذاة، و الأُخرى على الكراهة.

و ذلك لبعد التعدّد من راوٍ

واحدٍ و إن فرض تعدّد المرويّ عنه لو ثبتت روايته عن أبيه عجّل اللّٰه فرجه، مع وحدة السؤال و الجواب في المهمّ، بل في غير شي ء واحدٍ، و هو أنّه: يصلّي عن يمينه و شماله؛ فإنّه إمّا زائد، أو محذوف فيه أداة النفي.

و أمّا «لا يساوي»، فزيادة في النقل راجحة على أصالة عدم النقيصة؛ بل قوله عليه السلام

يجعله الأمام

يفهم منه المساواة أيضاً، و إن كان على المشهور على الجواز، إلّا أنّه لا يخلو عن مرجوحيّة أيضاً، و سؤال الواحد عن مسألة واحدة بعبارة متّحدة مرّتين مستبعد بلا إشارة إلى المسبوقيّة بالسؤال.

و التعبير بالفقيه أو الصاحب عليه السلام، مَبنيٌّ على اختلاف التعبير للراوي عن محمّد بن عبد اللّٰه الحميري بمعنى أنّه نقل لواحدٍ بأحدهما، و لآخر بالآخر؛ فلا وجه لتعدّد أصل الرواية، مع أنّ النقلين مشترك في الصلاة في الخلف. و في جعل الصندوق و الضرائح المقدّسة من الحائل بناءً على عدم اعتبار المنع من المشاهدة في الحائل، احتمال غير بعيد، و يناسب ما مرّ اختلاف مراتب المطلوبية في وجود الحائل و عدمه، إلّا مع تعدّد المكان، و كذا في مراتب الحيلولة، و هو العالم.

و أمّا النهي عن اتخاذ القبر قبلة، فليس مختصّاً بقبر النبيّ صلى الله عليه و آله و سلم، و لا يفترق قبور الأئمّة عن قبره صلى الله عليه و آله و سلم؛ فإنّ الظاهر أنّ النهي راجع إلى النهي عن التعبّد لقبر النبي، و جعله قبلة للصلاة، و الاستغناء به عن القبلتين للدّينين؟؟؟ لمكان احترامه عند اللّٰه، فهو على حرمته، كحرمة جعل الصنم في القبلة، و أنّ المنع لمكان ما فيه من الشرك في التعبد المعهود، و قد مرّ أنّ الاتّخاذ

قبلة غير الاستقبال، و أخصّ منه، و أنّ الأمر بما بين خللها

بهجة الفقيه، ص: 504

لمكان ما فيه من البعد صورة عن المنهي عنه، لا لأنّ المنهي عنه مطلق الاستقبال المنصوص رجحانه في قبور الأئمة صلوات اللّٰه عليهم، و أنّ قوله في الصحيح

لا يتّخذ شيئاً منها قبلة

، و التعليل بما ورد في قبر النبي صلى الله عليه و آله و سلم لمكان إرادة الترقي إلى قبر النبي و أمثاله، لا التنزّل إلى سائر القبور العادية التي لا يحتمل فيها جعلها قبلة صلاتية للِاحترام عند اللّٰه، و أنّ الاحترام الخاص مخصوص عندنا بالكعبة، و لا يعمّ قبر النبي صلى الله عليه و آله و سلم، و إن كان أعظم عند اللّٰه من الكعبة، بل هو المعظّم للكعبة.

و أمّا أعظميّة هذا الاحتمال في عليّ صلوات اللّٰه عليه، فمندفعة بأنّ القائلين بربوبيّته، تعالى اللّٰه عن الشريك، لا يعتقدون له قبراً، و المعتقدون لقبر النبي صلى الله عليه و آله و سلم لا يعتقدون بربوبيّته، كالمعتقدين بقبر عليّ صلوات اللّٰه عليه؛ فالكل في هذه الجهة متساوون في دفع الناس عن الوقوع في الأمثال بالمنع عن اتخاذ قبره المقدّس قبلة صلاتيّة، فتأمّل تعرف.

[الحادي عشر] كراهة الصلاة في بيوت النيران

و تكره الصلاة في بيوت النيران، كما عن المشهور، و ظاهر العبارة اعتبار الاعداد مع الصدق و لو بعد الانقضاء مع عدم زوال الإضافة، كما أنّه لا يعتبر فيه المعبديّة، و إن كان هو المتيقن، أو أنّه لأجله كانت الكراهة، كما يظهر من بعض التعليلات.

و حيث تختلف العبارات في الاختصاص و عدمه، و الفتوى، مع كونها عن جماعة تدلّ بالالتزام على وجود السنة، فلا بأس بعموم: من بلغ، لفتوى الفقيه للإخبار الالتزامي في المكروهات، فتعمّ

الكراهة ما أُعدّ لإضرام النار و لو لغير العبادة من أهلها، كما هو المعتاد في «الأتّون» و هو موقد نار الحمام، و «الفُرن» و هو بيت غير التنّور معدّ لأن يخبز فيه، و المطابخ؛ و في إلحاق ما كان كذلك في الصحراء مع الإعداد، وجه قريب.

بهجة الفقيه، ص: 505

[الثاني عشر] كراهة الصلاة في بيوت الخمور

و تكره في بيوت الخمور مع عدم التعدّي إلى المصلّي بدناً أو ثوباً، و الموثّق

لا يصلّي في بيت فيه خمراً و مسكراً «1»

، فيعتبر فعليّة كون الخمر في بيت الصلاة، و يعمّ كلّ مسكر؛ ففي ما يفترق عنه الفتوى ممّا أُعدّ لصنع الخمر، أو وضعها فيه و إن لم يكن باقياً حال الصلاة، لا دليل على الكراهة إلّا إطلاق فتوى المشهور على النحو المتقدّم في شمول «من بلغ»، له؛ و الفقّاع، كالخمر إن كان مسكراً، كما في الخبر: «أنّه خمر استصغره الناس» «2»، بل كلّ ما ثبت حرمته من جهة الإسكار و لو كان خفيفاً بالإضافة فهو ملحق بالخمر في المقام.

[الثالث عشر] كراهة الصلاة في جوادّ الطرق

و تكره الصلاة في جوادّ الطرق، كما عن المشهور، و عن «التذكرة» ما ظاهره الإجماع، و يدلّ عليه صحيح «معاوية»

«لا بأس أن يصلّي بين الظواهر، و هي الجواد جواد؟؟؟ الطرق، و يكره أن يصلي في الجواد «3».

و فيه التصريح بالفرق بين الصلاة في الجواد و بينهما، كما أنّ فيه إطلاقاً للظواهر على الجواد إمّا على الحقيقة، أو على المجاز مع القرينة، و لعل الثاني أقرب.

و في صحيح «الحلبي»

لا بأس أن تصلّي في الظواهر التي بين الجواد؛ فأمّا الجواد فلا تصلّ فيها «4»

، و فيه مغايرة الأمرين موضوعاً و حكماً، و هو المناسب لما قدّمناه من التجوّز في الأوّل؛ و في موثق «ابن الجهم» «5» ما يدلّ على كراهة الصلاة في ما يوطأ،

______________________________

(1) الوسائل 2، أبواب النجاسات، الباب 38، ح 7.

(2) البحار 66، ص 500، ح 3، و بهذا المضمون في الوسائل 17، أبواب الأشربة المحرمة، الباب 28، ح 1.

(3) الوسائل 3، أبواب مكان المصلي، الباب 19، ح 1.

(4) الوسائل 3، أبواب

مكان المصلي، الباب 19، ح 2 و 6 و 3.

(5) الوسائل 3، أبواب مكان المصلي، الباب 19، ح 2 و 6 و 3.

بهجة الفقيه، ص: 506

و إن كان من الظواهر إذا كان بحيث يقبل المسايرة عليه و لو أحياناً، و مقتضاه تخفيف الكراهة فيه، و لذا عبّر في ما ينطبق عليه في خبر «محمد بن الفضيل» بلفظ

لا ينبغي «1»

، فتمتاز الجواد بشدّة الكراهة في الصلاة فيهما.

ثمّ إنّه مع الهجر لا مانع من الصلاة، كان من الموقوفة، أو المحياة للمرور، أو غيرها من المباحات الأصليّة، لعدم صدق العناوين المذكورة في الروايات و الفتاوى حينئذٍ؛ كما أنّه مع عدم الهجر يمكن التأمّل في الصلاة، أي في حرمتها و فسادها، و لو كان المكان مختصّاً بالمارّة، و كان الصلاة مزاحمة لهم؛ فإنّ المزاحمة بمنعهم و لو في حال الصلاة، أو سابقاً عليها، و هي محرمة، لا أنّها تزيل الإذن الحاصل في غير المملوكات الشخصيّة، و إنّما يحتمل البطلان مع بقاء المزاحمة و التحريم حال الصلاة، فيكون الكون الصلاتي مجمعاً للأمر و النهي، فتفسد على اختيار البطلان في تلك المسألة.

[الرابع عشر] كراهة الصلاة في بيوت المجوس

و تكره في بيوت المجوس، كما عن المشهور المنسوب إلى الأصحاب في المحكي عن «جامع المقاصد»، و يدلّ عليه الأمر بالرشّ الكاشف عن القذارة الخفيفة لمكان احتمالها، و إن كانت شديدة لمكان الشبهة و عدم العلم، و قد مرّ كشف الثواب و نقصه و زيادته بفتوى المشهور الكاشف عن السنّة، و كفاية ذلك في بلوغ الثواب.

و أمّا البيت الذي فيه مجوسي، فهو مورد للكراهة أيضاً في الصلاة بخبر «أبي أُسامة» «2»، فلا بأس بالكراهة في كلّ من بيت المجوسي، و البيت الذي فيه مجوسي، و إن كانت

في كلّ منهما بطريق، و في اجتماعهما آكد. و قد مرّ منا أنّ الكراهة نقص إضافي في الصلاة تكون بها أقلّ ثواباً ممّا لا يكون فيه ذلك المحذور.

و أما نفي البأس عن الصلاة في بيت فيه يهودي، أو نصراني، فلعلّه لمكان خفّة

______________________________

(1) الوسائل 3، أبواب مكان المصلي، الباب 19، ح 2 و 6 و 3.

(2) الوسائل 3، أبواب مكان المصلي، الباب 16، ح 1.

بهجة الفقيه، ص: 507

الكراهة لمكان أقربيّتهما إلى الإسلام من المجوس المنكرين على أحد الاحتمالين لأصل النبوّة.

[الخامس عشر] كراهة الصلاة في البيع و الكنائس و عدمها

و أمّا بيوت النصارى، و اليهودي، فكمعابدهم الوارد فيها مع بيوت المجوس الأمر بالرشّ قبل الصلاة الكاشف عن الاشتراك في أصل الكراهة، مع الاختلاف في الحدّ بالشهرة في بيوت المجوس، و الخبر في بيت فيه مجوسي؛ فالكراهة لاختلاطهم في المكان تزيلها الرشّ، و لوجودهم حال الصلاة في البيت لا مناسبة فيه للرش.

و أمّا التجفيف بعد الرشّ فلم يرد في الروايات، و يمكن أن يكون وجه الإطلاق فيها أنّ الرشّ سواء كان تطهيراً تنزيهياً، أو رفعاً للتنفّر المطلوب هنا رفعه لا مناسبة للجفاف فيه، و الأشديّة ممّا قبل الرشّ ممنوعة، خصوصاً مع كونه مطهّراً استحبابياً.

و أمّا بيت المجوس، فالظاهر لزوم الإضافة لمكان المصلّي من البيت إليهم، سواء كانت بالملكيّة للعين، أو للمنفعة بالاستيجار، و أما إذا كانت إضافة الملكيّة للعين إلى المجوسي، و للمنفعة إلى المسلمين فيمكن عدم الكراهة لعلوّ الإسلام، و انصراف دليل المنع عن اجتماع الإضافتين.

و أمّا الإذن من أرباب البيع و الكنائس، فيمكن أن يقال بأنّ مقتضى الإطلاقات عدم لزومها؛ أمّا ما كان أصل إحداثهما بحقّ و في ما قبل الإسلام، فالأولى بها المسلمون للصلاة فيها، و إن كان تصرّفات أهل الذّمة

بحسب المعاهدة بلا مانع أيضاً؛ و إن كان الإحداث بغير حقّ، أو كان تخصيصهم بغير المسلمين بغير حقّ فيمكن عدم الاعتداد بما كان بغير حق، و قد فرض إخراجهم لها عن ملك الأشخاص، و إدخالهم بغير حقّ في ملك النوع الغير المالك، إلّا مع إرادة نوع من له الحقّ و إن أخطئوا في التطبيق، فيكون بلا مانع لأهل الحقّ، و هم المسلمون، و كذا لو كانوا مخالفين لشروط الذمة، فلا حرمة لما لهم الاستيلاء في تقدير الوفاء بالشروط، نعم مع إقرارهم على ما هم عليه، و استصلاحهم منع من لا يأتمنون دخولهم، أمكن تخليتها لهم و عدم مزاحمتهم

بهجة الفقيه، ص: 508

فيها، لا لأجل الغصب الحكمي، بل لأجل العهد اللازم على الكل رعايته.

[السادس عشر] كراهة أن يكون بين يدي المصلّي نار مضرمة

و تكره الصلاة و بين يدي المصلّي نار، و ليس في النصوص التقييد بالإضرام، يعني الإشعال، و إن وقع في بعض الفتاوى، و ترك في بعضها.

و يمكن أن يكون وجه التقييد عُسر التجنّب المانع عن الكراهة أيضاً، إلّا مع الاشتعال الموجب لتأكّد الحكم لو ثبت في غيره، و الحكم بالكراهة هو المشهور المحكي عليه الإجماع، و بذلك يصرف عن ظهور الأخبار في المنع تكليفاً و وضعاً لو كان محتاجاً إلى الصارف، و قد قدّمنا كفاية السيرة، و الارتكاز في أسهليّة أمر الصلاة التي هي أهمّ العبادات كلّاً المانعة عن المنع الوضعي و التكليفي، إلّا مع البيان الصريح، كما أنّ هذه الشهرة جابرة لضعف مرفوع «الهمداني» النافي للبأس في السراج «1»، و الصورة، و النار، مع التعليل الذي هو في قوّة التصريح المخرج عمّا قد يقال في الجمع بين الظهور، و نفي البأس من أنّه تصرّف في الدليلين، و إن مرّ الجواب

عنه أيضاً، بل يمكن استفادة العموم من التعليل بالنسبة إلى كلّ محذور آت من قبل القرب من شي ء ممّا مر، أو يأتي ما لم يكن فيه تنصيص بالخروج عن هذا العموم، و كذا ما عن الناحية المقدّسة صلّى اللّٰه على صاحبها «2» من التفصيل؛ فهو باعتبار التنصيص في أمثال الذريّة الطاهرة قاضٍ بعدم المنع.

و حيث إنّ التفصيل المذكور باعتبار ندرة معلوميّة ذلك في غيرهم ممّا يقتضي وقوعه في الكراهة، فهو في الدلالة على الجواز من العامّ؛ و يمكن فهم الفرق من هذه الرواية، و رواية «الهمداني» بين من يحتمل في حقّه الشباهة و غيره إمّا لعدم سبق العبادة في أسلافهم، أو لقوّة الديانة في الأخلاف باعتقاد الأقربيّة من كلّ قريب بحيث

______________________________

(1) الوسائل 3، أبواب مكان المصلي، الباب 30، ح 4 و 59.

(2) الوسائل 3، أبواب مكان المصلي، الباب 30، ح 4 و 59.

بهجة الفقيه، ص: 509

يكون هو المبعد لغيره تعالى، و لا يكون غيره مبعداً للمصلّي عنه.

و منه يظهر الوجه في كفاية أيّ حائل؛ فإنّه لولا النظر إلى أقربيّته تعالى لا بدّ و أن تكون النار مثلًا قريبا، و أقرب من غيرها؛ فالحائل أقرب من النار و لو كان ثوباً أو عصا، و كذا لولا النظر إلى أقربيّته تعالى، لم يكن التحديد بالعشر إلّا للبعد، و كونه مبعّداً بالنسبة إلى شي ء دون شي ء بعيد جدّاً، بل مرّ احتمال انصراف الأدلّة عن البعد بالعشر كما فوقه.

و حيث إنّ المرفوعة معمول بها للمشهور، و التعليل المذكور فيه، يأتي جارٍ على طبق الاعتبار القريب في الأذهان، فلا محلّ للتفكيك بين التعليل و المعلّل، و كذا ما مرّ من تأييد الكراهة، يعني عدم المنع من السيرة، و

الارتكاز؛ فإنّ التقييد بأمثال ذلك ممّا لا يستقيم معه أمر الصلاة التي هي أعظم العبادات.

[السابع عشر] كراهة أن يكون بين يدي المصلّي تصاوير

ثمّ إنّه يستفاد من الروايات كراهة استقبال الصورة، بل كونها بين يدي المصلّي، و عدم الكراهة في كونها في سائر الجهات بحيث لا ينظر آليّاً، كما إذا غُطّى، أو لطّح، أو كسر الصورة.

[الثامن عشر] كراهة الصلاة في البساط التي فيه التماثيل

فالبساط إذا كان فيه الصورة يدخل في مورد الكراهة، إلّا إذا وقعت الصورة تحت الرجلين، و يمكن فهم أنّ ملاك الكراهة الشاغليّة، و معرضيّتها المنتفية في العارف بأقربيّته تعالى من كلّ شاغل، و بانتساب المصلّي إلى أعداء الصور المقصودة بالعبادة، أو الحيلولة عنه تعالى، كما يستفاد كراهة اتخاذ الصورة في البيت، و الصلاة في بيت فيه الصورة معلّلًا في بعضها بقول الملائكة المفيد، لأنّ كلّ ما يكره اتخاذه في البيت تكره الصلاة في ذلك البيت، و هو حاصل فيه، و هل يعمّ مع اختلاف حجرة المصلّي عن حجرة الصورة؟ يمكن الاختصاص بعموم الحائل في الأعظم من ذلك للجدران

بهجة الفقيه، ص: 510

و نحوها، بعسر التجنّب مع سعة البيت، و كثرة أماكنه، و إن كان ما دلّ على الجواز مع حائليّة ساتر ليس فيه صورة لساتر فيه صورة خارج الباب، أو مع سدّ الباب في الفرض غير دالّ على المطلوب، لعدم الدلالة على الكراهة لولا ذلك.

و بالجملة: فالكراهة في بيت فيه صورة غير الكراهة للصلاة في صورة كون الصورة بين يدي المصلّي، فقد يجتمعان، و قد يفترقان، و قد يرتفعان معاً بالبعد، و الحائل، و نحوهما، و هو العالم.

[التاسع عشر] كراهة الصلاة في مرابط الخيل و البغال و الحمير

و تكره الصلاة في مرابط الخيل، و البغال، و الحمير، كما عن المشهور، و هو المنصوص في مضمر «سماعة» «1». عدم كراهة الصلاة في مرابض الغنم و أمّا مرابض الغنم، فعن صحيح «الحلبي» «2» عدم الكراهة، أي تجويز الصلاة فيها دون أعطان الإبل، و في مضمر «سماعة» تقيد ذلك في مرابض الغنم بنضح اليابس في مرابض الغنم بالماء «3»، و مثله في صحيح «ابن مسلم» «4» في أعطان الإبل مع تخوّف الضيعة على المتاع، ففيه الأمر

بالكنس و النضح، و لازم عدم التقييد في غير أدلّة التكاليف اختلاف المراتب في المرابض قبل النضح و بعده.

[العشرون] كراهة الصلاة و بين يدي المصلّي مصحف مفتوح

و تكره الصلاة و بين يديه مصحف مفتوح، كما هو المشهور المنصوص في خبر «عمّار» «5» و أُلحق به في رواية «قرب الاسناد» النظر إلى نقش في خاتمه كأنّه يريد قراءته، أو في

______________________________

(1) الوسائل 3، أبواب مكان المصلّي، الباب 17، ح 3.

(2) الوسائل 3، أبواب مكان المصلّي، الباب 17، ح 2.

(3) الوسائل 3، أبواب مكان المصلّي، الباب 17، ح 4 و 1.

(4) الوسائل 3، أبواب مكان المصلّي، الباب 17، ح 4 و 1.

(5) الوسائل 3، أبواب مكان المصلي، الباب 27، ح 1 و 2.

بهجة الفقيه، ص: 511

كتاب في القبلة، و أنّه نقص في الصلاة «1»، و يمكن إلحاق أيّ غل بهذا الحدّ الموجود في مورد السؤال.

[الحادي و العشرون] كراهة الصلاة تجاه حائطٍ ينزّ من بالوعةٍ يبال فيها

و تكره إلى حائط ينزّ من بالوعة قبل الستر، كما ذكره جماعة، و ذكر في الروايات مثل مرسل «البزنطي» «2»، و خبر «محمّد بن أبي حمزة» «3» و عن كتاب «الحسين بن عثمان» «4»، و في خبر الفضيل الأمر بالتنحي عن العذرة المسئول عنها «5».

[الثاني و العشرون] كراهة الصّلاة إلى باب مفتوح

و إلى باب مفتوح، كما نسب إلى الأكثر، و إلى المشهور، و إلى الأصحاب في الكلمات، و ذلك يكفي لكشف الفتاوى في ما لا طريق له إلّا السنّة عن السنّة، فيعمّه دليل البلوغ، و يحتمل أن يكون الملاك معرضيّة العابر و المواجه اللذين مرّت الكراهة فيهما و يأتي.

[الثالث و العشرون] كراهة الصلاة إلى إنسان مواجه

اشارة

و إلى إنسان مواجه، و عن «المسالك»، و «الروضة» أنّه المشهور، و في رواية «قرب الإسناد» الأمر بدرء المرأة المقبلة بوجهها عليه قاعدة أو قائمة «6»، و أمّا رواية «المحاسن»

من تأمّل خلق أمريةٍ في الصلاة فلا صلاة له «7»

، فلا يعتبر فيه المواجهة، و لا كفاية المواجهة في الكراهة. و أمّا أولويّة ذي الصورة من الصورة التي يكره استقبالها، ففيه ما لا يخفى، و أمّا استحباب السترة، فغير مختص بالإنسان كما يأتي.

______________________________

(1) الوسائل 3، أبواب مكان المصلي، الباب 27، ح 1 و 2.

(2) الوسائل 3، أبواب مكان المصلي، الباب 18، ح 2 و 1.

(3) الوسائل 3، أبواب مكان المصلي، الباب 18، ح 2 و 1.

(4) المستدرك، أبواب مكان المصلي، الباب 13، ح 1. نقل من جواهر الكلام 8، ص 397.

(5) الوسائل 4، أبواب قواطع الصلاة، الباب 22، ح 2.

(6) الوسائل 4، أبواب مكان المصلي، الباب 32، ح 2 و 3.

(7) الوسائل 4، أبواب مكان المصلي، الباب 32، ح 2 و 3.

بهجة الفقيه، ص: 512

[فروع]
[الفرع الأول] استحباب وضع السترة بين المصلّي و المارّ

أمّا استحباب السترة، فيدلّ عليه الإجماع المنقول، كما أنّ عدم وجوبها مجمع عليه، كما حكي عن «المنتهي»، و «التذكرة»، و غيرهما حكايته. و في خبر «أبي بصير» «1» ما يدل على الاستحباب و عدم الوجوب.

[الفرع الثاني] استحباب الستر لمرور غير الإنسان

و الأظهر عدم الإناطة بالمارّ فيستحبّ مع القطع بعدمه في الفلاة و نحوها، كما في هذا الخبر، و في خبر «السكوني» «2» و غيره ما يفيد عدم الإناطة بالمعرضيّة لِلمارّ، و إنّما الإشكال في ما وقع في خبر أبي بصير عن الإمام الصادق عليه السلام «3»، و في ما حكي عن الإمام الكاظم عليه السلام في جواب «سفيان الثوري» «4»، و في جواب «أبي حنيفة» «5» من التمسّك بأقربيّته تعالى من المارّ في عدم البأس في ترك الدرء، و الاستتار، أو أحدهما؛ و كذا ما في خبر «سيف» من عدم ارتضاء الحسين عليه السلام بنهي الرجل للمار بين يديه عليه السلام «6»؛ و كذا ما في خبر «سفيان بن خالد» عن الإمام الصادق عليه السلام «7»، و لعلّ الواقع فيه مقدّم على الواقع في الرواية المتضمّنة للكلام مع «أبي حنيفة»، و يمكن الجمع بحمل الدرء المأمور به على التستر، لا ما زاد عليه، كما يظهر من سيرتهم عليهم السلام في ترك الردع و المنع، و كذا اتباعهم، و الأمر بالاستتار توقيراً للصلاة في خبر «أبي بصير»، فما فيه التعليل بالأقربيّة يراد به عدم الاعتناء بالمارّ و الحاضر بغير الاستتار، و أنّ ما دلّ على الدرء بالأعمّ، أو خصوص ما زاد على الاستتار محمول على التقيّة، كما لا يخفى على

______________________________

(1) الوسائل 3، أبواب مكان المصلي، الباب 12، ح 2 و 4.

(2) الوسائل 3، أبواب مكان المصلي، الباب 12، ح 2

و 4.

(3) الوسائل 3، أبواب مكان المصلي، الباب 11، ح 10 و 3 و 11 و 4 و 6.

(4) الوسائل 3، أبواب مكان المصلي، الباب 11، ح 10 و 3 و 11 و 4 و 6.

(5) الوسائل 3، أبواب مكان المصلي، الباب 11، ح 10 و 3 و 11 و 4 و 6.

(6) الوسائل 3، أبواب مكان المصلي، الباب 11، ح 10 و 3 و 11 و 4 و 6.

(7) الوسائل 3، أبواب مكان المصلي، الباب 11، ح 10 و 3 و 11 و 4 و 6.

بهجة الفقيه، ص: 513

من لاحظ عملهم، و عمل شيعتهم، و عمل الأغيار الغير الآخذين عنهم، و غير المعتنين بعلومهم عليهم السلام.

و أمّا نفس المرور بالمواجهة و نحوها، فيمكن اختلافه كراهة و إباحة، بل تحريماً باختلاف العوارض من مزاحمة المصلّي، و إشغاله عن صلاته، و تعذّر غيره على المارّ، أو صعوبته، و نحوها.

و لا يختصّ السترة بشي ء، حيث ورد التستر بالبعير المعقول، و مثله ظهر الصفّ المتقدّم بالنسبة إلى المتأخّر المحاذي له، و يمكن أن يراد التوقي عن المارّ من قبل المصلّي، فيعمّ موارد التعقّل، و لعلّه لا يفيد في الغالب في مثل مكّة، و المشاهد المشرّفة، و المساجد الجامعة في حال الاجتماع دون الخلوة.

[الفرع الثالث] عدم اشتراط الحليّة في السترة

و حيث إنّ وجوب رفع السترة على الغاصب لها لا ينافي صدق الصلاة إليها ما دامت ساترة، فلا يشترط الحليّة في رفع كراهة الصلاة بلا استتار.

نعم لا يمتثل الأمر بالاستتار مع الأمر بردّ السترة إذا كان المصلّي هو الغاصب لها؛ فلو لم يكن إلّا الأمر بالاستتار، فلا أثر للاستتار بالمغصوب من المصلّي، كما عن «التذكرة»، و غيرها، و لعلّ هذا أظهر. و لا يشترط

الطهارة، بل إذا لم يكره الصلاة إلى نجاسة يحصل الاستتار المأمور به.

________________________________________

گيلانى، فومنى، محمد تقى بهجت، بهجة الفقيه، در يك جلد، انتشارات شفق، قم - ايران، اول، 1424 ه ق

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.